عام جديد لا يعد الشعوب العربية بتبدلات سارة
صفحة 1 من اصل 1
عام جديد لا يعد الشعوب العربية بتبدلات سارة
عام جديد لا يعد الشعوب العربية بتبدلات سارة
تشير الدراسات العربية،على اختلاف تلويناتها السياسية،إلى مستقبل غامض يحيط بالعرب، دولا وأنظمة وشعوبا .فباستثناء بعض المواقف الصلبة للقوى المناهضة للمشروع الصهيوني وتحالفاته الأوروبية والأمريكية، يبدو التراجع المستمر أو الجمود القاتل سمة بارزة في الفكر والممارسة على امتداد الوطن العربي .مما يشير إلى مسار تاريخي معكوس سمته التحول التدريجي من التفاؤل إلى التشاؤم منذ هزيمة العرب الكبرى في العام 1967.
بعد أن نالت مختلف الدول العربية باستثناء فلسطين استقلالها السياسي وفق أجندة زمنية متفاوتة في القرن العشرين، برز نوع من التفاؤل القومي عم غالبية المجتمعات العربية، خاصة بعد النجاحات الكبيرة التي حققتها مصر في زمن الحقبة الناصرية والتي كان لها أثر مباشر على دعم حركات التحرر العربية والإفريقية وغيرها في مختلف أنحاء العالم. وبشرت النخب السياسية والثقافية العربية بعالم جديد ينتفي فيه التمييز الفاضح والمؤلم بين المواطنين العرب ،داخل كل دولة وعلى امتداد العالم العربي. وقدمت بعض الإحصائيات العربية،خاصة الرسمية منها،توصيفا شموليا لولادة وتطور طبقة وسطى عربية حظيت بدخل فردي مرتفع وأوضاع اقتصادية واجتماعية متطورة.ومع أن توصيف الطبقة الوسطى العربية بني على إحصائيات مشوشة إلا أنها دلت على نسب عالية وصلت إلى 54% في المغرب، و70% في لبنان قبل أن تنحدر إلى 23% في نهاية الحرب الأهلية عام 1989، وإلى أكثر من 80% في تونس وفق إحصاء رسمي صادر في العام 2009. وهي مؤشرات عامة كانت تختلف من عام لآخر،ومن حقبة لأخرى، إلا أنها تؤكد على وجود طبقة عربية وسطى كانت تتسع بصورة متزايدة في بعض الدول العربية، خاصة بعد الطفرة النفطية . لكن حجم ودور الطبقة الوسطى العربية في المشرق والمغرب والجزيرة العربية،تراجع منذ عقود عدة، وبشكل خاص في دول وادي النيل العربية.ولعبت السياسات الاقتصادية والاجتماعية العربية الدور الأساسي في تراجع تلك الطبقة من خلال تنمية مشوهة حولت أعدادا كبيرة من الميسورين إلى فقراء ومهمشين وعاطلين عن العمل. فحاولت شرائح منها التعويض عن خسائرها المادية في بلدانها بالانتقال إلى دول الخليج العربية النفطية التي يتعرض بعضها اليوم لأزمات متلاحقة بسبب الوضع المتوتر في منطقة الخليج والشرق الأوسط ،والأزمة العامة للرأسمالية، والفساد الإداري والسياسي في الدول العربية، ويرمي بعض الباحثين اللوم على مفكري الطبقة الوسطى،وهم الأكثرية الساحقة من مثقفي العرب في مرحلة الاستقلال السياسي. فقد انحاز معظمهم إلى طبقة طفيلية هيمنت على المجتمعات العربية من خلال الانقلابات العسكرية والطفرة النفطية،وتبنت سياسة المضاربات العقارية،وصفقات التسلح،والفساد والإفساد ،إلى جانب القهر، والاستغلال والاستبداد. والأخطر من ذلك أن غالبية النخبة الثقافية العربية تخلت عن القيم الأخلاقية التي تميزت بها الطبقات الوسطى في الدول المتطورة وشكلت صمام الأمان لاستقرارها ونموها وتطورها المستمر. فهي التي كانت السباقة في تبني الدعوة إلى حماية قيم الإنتاج والعمل والابتكار والمساواة والمواطنة والرعاية الاجتماعية وبناء الدولة العادلة. في حين أن غالبية النخب العربية دافعت بشراسة عن القوى العربية المسيطرة، وبررت سياساتها القمعية بعد أن التحقت بها من موقع الدفاع عن مصالحها الشخصية ،وتجاهلت مصالح الجماهير الشعبية، وفشلت في نشر ثقافة وسطية جامعة تبشر بقيم إنسانية وأخلاقية تشكل صمام الأمان للسلم الاجتماعي وإقامة التوازن بين قيم التراث وقيم المعاصرة. وحين تخلت الأنظمة العربية مؤخرا عن تقديم المساعدات المادية والثقافية والصحية والاجتماعية لكثير من القوى الشعبية العربية،انحازت النخب العربية إلى جانبها حفاظا على مصالحها. فتشوه الحراك الاجتماعي العربي الذي فقد السند القوي الذي كانت تمثله النخب الثقافية حين كانت تناضل في سبيل التنمية البشرية والاقتصادية المستدامة،وتشكل صمام الأمان لبناء مستقبل عربي أفضل بعد انهيار تجارب التنمية الوطنية وأحلام التغيير الثوري والتوحيد القومي العربي.
لقد باتت تلك النخب أسيرة هاجس البقاء، ومواجهة ارتفاع الأسعار وأعباء الحياة اليومية . وخضعت أعداد كبيرة منها للإغراء المالي المنتشر بكثافة في الوطن العربي.وبعد أن تخلى كثيرون من مثقفيها عن القيم الأخلاقية والإنسانية التي تشكل الضامن الأساسي لبناء المجتمعات البشرية وتساعد على حمايتها وتطورها، أضحت النخب الثقافية العربية تحتضن اليوم اتجاهات متناقضة ومتناحرة. مما أضعف موقعها ودورها .فهي تتوزع على جميع الأحزاب والتيارات والاتجاهات، العلمانية منها والأصولية ،وتبحث عن دور لها وموقع في أحزاب ومنظمات السلطة والمعارضة معا،وفي منظمات المجتمع الأهلي،وفي مؤسسات ومنظمات الدولة والمجتمع المدني. ففشلت في تقديم نفسها كقوة فاعلة ومنحازة إلى التغيير الإيجابي، والاصلاح السياسي والإداري، ومعاقبة الفساد المالي، والحفاظ على القيم الأخلاقية والإنسانية الضرورية لإقامة التوازن بين الأصالة والمعاصرة. ولم تدرك النخب الثقافية العربية أن القوى المسيطرة العربية حين قررت رفع الدعم الاقتصادي والمالي عن الجماهير الشعبية، أو قلصته إلى الحدود الدنيا،لم تكن تنفذ قرارات اقتصادية فقط بقدر ما كانت تقوم بخيارات سياسية وأيديولوجية تدعم الفئات الطفيلية الجديدة.
ومع تنكر المثقفين الملتحقين للقيم الأخلاقية والدينية التي كانوا ينادون بها استرضاء للقوى الحاكمة وحفاظا على موقع اجتماعي معرض للانهيار الاقتصادي،تبخر الرصيد الإيجابي السابق للنخب الثقافية العربية في وقت تتعرض فيه الشعوب العربية لكل أشكال القمع، والاستغلال، والإفقار، وتزوير الإرادة الشعبية من جانب القوى التسلطية المتحكمة بها على امتداد الوطن العربي تقريبا . لقد تحولت غالبية النخب الثقافية إلى شرائح اجتماعية انتهازية، أو محبطة.وهي تبحث لها عن دور خارج الدور الطبيعي المنوط بها في حماية الاستقرار الاجتماعي، والدفاع عن مستقبل الشعوب العربية في عالم متغير ،خاصة منطقة الشرق الأوسط الحبلى بالتبدلات الدراماتيكية.
نخلص إلى القول أن من أولى مهمات النخب العربية الدفاع عن وحدة المجتمعات العربية بكامل طبقاتها، والتمسك بتاريخها النضالي، وتراثها الإنساني، وقيمها الثقافية والأخلاقية، وبحق الشعوب العربية في تقرير مصيرها دون تدخلات خارجية. وهي تتحمل مسؤولية أساسية في فشل التحول الديمقراطي في جميع الدول العربية. فغياب موقعها ودورها أدى إلى مزيد من تراجع العالم العربي،وإلى تغييب الحريات العامة والخاصة،وتراجع العلوم العصرية والتطور التقني المساعد على التحديث السليم والتنمية العربية المستدامة.
وبعد فشل جميع المشاريع السياسية والاقتصادية والثقافية التي نادت بها الدول العربية، خاصة النفطية منها،ليس ما يشير إلى أن الشعوب العربية قادرة على تحمل المزيد من الافقار والاستغلال والتهميش. لكن ما يزيد في أزماتها المستعصية أنها تفتقر إلى مشروع نهضوي عربي جديد يحقق التنمية البشرية والاقتصادية المستدامة من جهة، والإصلاح السياسي والإداري من جهة أخرى. وتتحمل النخب الثقافية العربية مسؤولية أساسية في وقف التدهور الراهن الذي تشهده المجتمعات العربية،بكامل دولها،الغنية منها والفقيرة.وهي تحتاج إلى مراجعة دقيقة وموضوعية لمسيرتها بعد أن دفعت غاليا ثمن فشلها في التحول إلى قوة متماسكة وذات مشروع حقيقي للاصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي على أسس عصرية وعقلانية. فباتت اليوم مهمشة جدا بعد أن ساعدت الحكومات العربية والطبقة الطفيلية الفاسدة على توليد شرائح انتهازية توالي حكومات عاجزة عن حماية الأرض العربية والشعوب المقيمة عليها.
ختاما،تعاني الشعوب العربية في مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين مشكلات حادة يصعب تجاوزها.وهي عرضة لهجوم شرس من مراكز القوى المالية والاقتصادية العالمية لتحميلها جانبا كبيرا من أزماتها الراهنة، وإضعافها إلى الحدود الدنيا، وسلب مدخراتها. وهي تواجه أنظمة فاسدة في غالبية الدول العربية. ويقع على النخب المتنورة عبء النضال الشرس للحفاظ على وحدة المجتمعات العربية المعرضة للتفكيك والحروب الأهلية.ولديها إمكانيات هائلة تساعدها على خوض معركة التغيير على امتداد العالم العربي في حال أحسنت تنظيم صفوفها، وانحازت بالكامل إلى جانب الطبقات الشعبية. ومن أولى واجبات الجيل العربي الجديد الذي يعاني الاغتراب داخل وطنه أن يدافع عن نفسه في مواجهة طبقة سياسية فاسدة صادرت ماضي العرب وحاضرهم، وتسعى إلى مصادرة مستقبل أجيال متعاقبة من الشباب العربي تعيش مأزق الانتماء القومي، والتطرف الديني.
د. مسعود ضاهر
جريده عمان
جريده عمان
عذاري- منسق تابع للإداره
- عدد المساهمات : 12704
تاريخ التسجيل : 07/08/2010
الموقع : سلطنه عمان
مواضيع مماثلة
» شباب الانتفاضة الثالثة يدعون الشعوب العربية ليوم زحف جديد لفلسطين الجمعة القادمة
» إبراهيم عيسى يشكر شعب تونس ويدعو باقى الشعوب العربيه لخوض التجربه وإسقاط الحكام الظالمين
» وزير جديد للثقافه
» عضو جديد free doctor
» معاكسات الثوره ....جديد أخر حاجه
» إبراهيم عيسى يشكر شعب تونس ويدعو باقى الشعوب العربيه لخوض التجربه وإسقاط الحكام الظالمين
» وزير جديد للثقافه
» عضو جديد free doctor
» معاكسات الثوره ....جديد أخر حاجه
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى