ساحة ملتقى العقول
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

القرضاوي : الدولة الإسلاميه وحقوق الأقليات ....

اذهب الى الأسفل

القرضاوي : الدولة الإسلاميه وحقوق الأقليات .... Empty القرضاوي : الدولة الإسلاميه وحقوق الأقليات ....

مُساهمة من طرف سجده الأحد 15 مايو 2011, 1:51 pm

كتب: القرضاوي : الدولة الإسلاميه وحقوق الأقليات .... Spacerالدين والسياسة
الدولة الإسلامية وحقوق الأقلياتالقرضاوي : الدولة الإسلاميه وحقوق الأقليات .... Spacer

الفصل الخامس
الدولة الإسلامية وحقوق الأقليات


ومما يذكره هنا الحداثيون والعلمانيون: أن الدولة الإسلامية حين تقوم، يترتب على قيامها الجَور على حقوق الأقليات الدِّينية (المسيحية خاصة) بسبب طبيعتها الإسلامية. وذلك يتجلى في عدة صور:

1. اعتبار هؤلاء الأقليات من (أهل الذمة) وهذا يعني تهميشهم في المجتمع، والنظر إليهم نظرة دونية

.

2. فرض الجزية عليهم كما أمر القرآن: القرضاوي : الدولة الإسلاميه وحقوق الأقليات .... 2_4478_1_15حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَالقرضاوي : الدولة الإسلاميه وحقوق الأقليات .... 2_4477_1_15 [التوبة:29].



3. فرض أحكام وقوانين دينية عليهم، مما توجبه الشريعة الإسلامية التي لا يؤمنون بها.

4. حرمانهم من وظائف معينة، مباحة للمسلمين، محرمة عليهم.

ومن الضروري هنا: أن نناقش هذه الدعاوى، ونرد عليها واحدة واحدة، بالأدلة الشرعية المستقاة من المنابع الصافية، المؤيدة بالمنطق العلمي السليم.

1. مسألة أهل الذمة:

أما مسألة (أهل الذمة) فالذمة معناها: الضمان والعهد، أي أنهم في ضمان الله ورسوله وجماعة المسلمين وعهدهم، لا يجوز دينا إخفار ذمتهم، أو نقض عهدهم المؤبد، الذي يصون حرماتهم، ويحفظ دينهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم. والأصل في ذلك هو القاعدة التي يتناقلها المسلمون خاصتهم وعامتهم: لهم ما لنا وعليهم ما علينا.

ومع هذا، إن كان هذا المصطلح (أهل الذمة) يعطي انطباعا غير حسن عند إخواننا المسيحيين ويستاؤون منه، فإن الله لم يتعبدنا به، ويمكننا أن نستبدل به مصطلح (المواطنة) و(المواطنين). ومما يؤيد ذلك: أن فقهاء الشريعة في جميع المذاهب، اعتبروا أهل الذمة من (أهل دار الإسلام) ومعنى (أهل الدار): أي أهل الوطن، بمعنى أنهم مواطنون مشتركون مع المسلمين في المواطنة.

2. مسألة الجزية:

وأما مسألة (الجزية) فقد كانت غاية للقتال

: القرضاوي : الدولة الإسلاميه وحقوق الأقليات .... 2_4478_1_15حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَالقرضاوي : الدولة الإسلاميه وحقوق الأقليات .... 2_4477_1_15

[التوبة:29]، ومعنى الصغار هنا: خضوعهم لدولة الإسلام، ودلالة ذلك: دفع هذا المبلغ الزهيد الذي يعبر عن إذعانهم لسلطان الدولة. وفي مقابله تقوم الدولة بحمايتهم والدفاع عنهم، والكفالة المعيشية للعاجزين منهم، كما فعل سيدنا عمر حين فرض ليهودي محتاج، ما يكفيه وعياله من بيت مال المسلمين[1].

وقد كانت هذه الجزية بدلا من فريضة الجهاد، وهي فريضة دينية تعبدية، فلم يُرِد الإسلام -لفرط حساسيته- أن يفرض على غير المسلمين ما يعتبره المسلمون عبادة وقربة دينية، بل أعظم القربات عند الله.

ولقد طلبت قبيلة (تغلب) العربية الكبيرة من أمير المؤمنين عمر: أن يسقط عنهم (الجزية) لأنهم قوم عرب يأنفون من قبول كلمة (جزية) وليأخذ منهم ما يشاء باسم الزكاة أو الصدقة، وقد تردد في أول الأمر، ثم قَبِل ذلك؛ لأن المقصود أن يدفعوا للدولة ما يثبت ولاءهم ومشاركتهم لها في الأعباء. ومن هنا رأى أن العبرة بالمسميات والمضامين، لا بالأسماء والعناوين.

وهو اجتهاد عُمَري يجب اعتماده في هذه القضية وفي أمثالها. وهو ما جعله رضي الله عنه، يغض الطرف عن هذا المصطلح الذي جاء في القرآن، ما دام قد حقق المقصود منه، فكيف بمصطلحات لم تجئ في قرآن ولا سنة؟!

وقد قرَّر الفقهاء أن الذمي إذا شارك في الدفاع ومحاربة الأعداء سقطت عنه الجزية.

واليوم بعد أن أصبح التجنيد الإجباري مفروضا على كل المواطنين -مسلمين وغير مسلمين- لم يعد هناك مجال لدفع أي مال، لا باسم جزية، ولا غيرها.

3. فرض القوانين الدِّينية:

وأما ما يقال عن فرض الأحكام والقوانين الدِّينية على غير المسلمين في المجتمعات الإسلامية، فهذا يحتاج إلى بيان.

أولا: أن الأحكام والقوانين الدِّينية لا تفرض أبدا على غير المسلمين، فلا تفرض عليهم الأحكام المتعلِّقة بالعبادات والفرائض الدِّينية من الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها.

حتى الزكاة لم يفرضها عليهم، لأن فيها معنى العبادة، ومعنى الحق المالي، فراعى جانب العبادة فيها، ولم يفرضها عليهم، احتياطا في رعاية شعورهم.

وإن كان لي رأي في الموضوع: أنه لا مانع من أن تفرض عليهم ضريبة مساوية للزكاة، تسمى (ضريبة التكافل) توحيدا للمعاملة المالية بين أبناء الوطن الواحد. وقد وضحت ذلك بأدلته في كتابي فقه الزكاة[2].

ومما يلحق بالقوانين الدِّينية: القوانين الخاصة بالأحوال الشخصية من الزواج والطلاق والمواريث وغيرها، فهذه تعامل معاملة الأمور الدِّينية الخالصة، ونترك لهم حرية تنظيمها وتقنينها بما يتناسب وعقائدهم. وقد أمرنا أن نتركهم وما يدينون.

ومما سجله التاريخ الإسلامي: أن المسيحين كانت لهم محاكمهم الخاصة، وفيها قضاة منهم، تفصل بينهم وفقا لأحكام ملتهم.

أما القوانين المدنية والجنائية وغيرها، فيجري عليهم فيها ما يجري على المسلمين، تسوية بين أهل البلد الواحد. والحكم هنا يدور مع الأكثرية، كما تقضي بذلك مبادئ الديمقراطية، بشرط أن لا تجور الأكثرية على حقوق الأقلية.

وأعتقد أن رجوع المسيحيين إلى قوانين الأكثرية المسلمة: لا يتعارض مع أي معتقد عندهم، وخصوصا أن المسيحية لا تحتوي على تشريعات ملزمة لهم، ويستوي عندهم أن يكون القانون الذي يحكمهم: قانون نابليون أو قانون محمد.

بل أرى أن قانون محمد في الواقع: أقرب إليهم من قانون نابليون لأمرين:

الأول: أن قانون محمد قانون يراعي القيم الأخلاقية، والمثل العليا، التي جاء بها رسل الله جميعا، وحرصت عليها كل رسالات السماء، ومنها رسالة المسيح. بخلاف قانون نابليون الذي تغلب عليه النزعة النفعية والمادية والدنيوية.

والثاني: أن قانون محمد أو قانون المسلمين قانون نابع من المنطقة نفسها، معبر عنها وعن حاجاتها ومطالبها، معالج لمشكلاتها، فهو منها وإليها. بخلاف قانون نابليون المستورد من خارج المنطقة، ولا صلة له بثقافتها ولا بحضارتها، ولا بمفاهيمها ولا بتقاليدها.

وأخيرا أقول: إن مصلحة غير المسلمين: أن يحتكم المسلمون إلى شريعتهم التي تتجلى فيها طاعتهم لربهم، وإذعانهم لحكمه. فهذا أدعى أن يرعوا فيها حقوق الناس وحدود الله تعالى.

وبهذا يأخذ غير المسلمين أحكام الشريعة على أنها قانون عادي، ويأخذها المسلمون على أنها تنفيذ لشرع الله، وامتثال لأمر الله، وفي هذا من الخير ما فيه.

هذا مع ملاحظة: أن بعض القوانين الجنائية المفروضة على المسلمين، لا تفرض على غيرهم، مثل عقوبة شرب الخمر، لأنها غير محرمة في دينهم. وهناك خلاف في تطبيق بعض الحدود على غير المسلمين. وأنا أرى هنا: الأخذ بالأيسر والأوسع في هذا المجال.

4. الحرمان من الوظائف:

وأما حرمان الأقلية الدِّينية من وظائف الدولة، فنود أن نبين هنا: أن وظائف الدولة أنواع ومستويات.

فمنها: وظائف لها طابع ديني لا يفكر المسيحي ولا اليهودي أن يكون له حظ فيها، مثل وظائف الإمامة والخطابة والأذان وخدمة المسجد، ونحو ذلك.

ومثل ذلك: الوظائف المتعلِّقة بأركان الإسلام الأخرى، مثل: الزكاة والحج وغيرها. وإن كان هناك من الفقهاء من أجاز للذمي أن يكون من (العاملين) على الزكاة، ويأخذ أجرته منها، وهذا قمة في التسامح.

وهناك وظائف تحتاج إلى تخصص في الشريعة وفقهها، مثل (القضاء) فلهذا اشترط الفقهاء فيما مضى: أن يكون القاضي مسلما، إذْ لا بد له أن يكون عالما بالقرآن والسنة، عالما بالفقه وأصوله. وهذا مما يتعسر -إن لم يتعذر- على غير المسلم.

وقد يتغير الاجتهاد في عصرنا الذي أصبح فيه القضاء جماعيا، وغدت فيه المحكمة تتكون من عدة قضاة، وهنا يمكن أن يقال: لا مانع من أن يكون بعض القضاة من غير المسلمين، إذا مَلَك من المؤهلات ما يمكِّنه من هذا.

على أن يترك القضاء في الأحوال الشخصية للقضاة المسلمين، لما ذكرنا: أن هذه الأحوال لصيقة بالجانب الدِّيني، ولهذا قلنا: يجب أن تكون لغير المسلمين فيها محاكمهم الخاصة.

وقد تثار هنا قضية رئاسة الدولة، وهل تحرم منها الأقلية؟

والواقع أن الدولة في الإسلام: دولة عقائدية، دولة فكرة ورسالة، وهي موصولة بالدِّين، غير منفصلة عنه. ومن أول مسؤولياتها: التمكين لدين الله، والذود عنه، ورئاسة الدولة في الإسلام لها اختصاصات ذات علاقة بالشأن الدِّيني، وبعضها لا يجوز أن يقوم به إلا مسلم، مثل إمامة الناس في الصلاة، فالإمام أو الحاكم المسلم هو إمام الناس في الصلاة، وقائدهم في المواجهة، وقاضيهم في الخصومات، والنائب عن رسول الله في حراسة الدِّين وسياسة الدنيا به، كما قال العلماء. فهو المسؤول الأول عن حمل الإسلام: عقيدة وشريعة، عبادة ومعاملة، دعوة ودولة، قرآنا وسلطانا، دينا ودنيا. كما قال الله تعالى: القرضاوي : الدولة الإسلاميه وحقوق الأقليات .... 2_4478_1_15الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِِالقرضاوي : الدولة الإسلاميه وحقوق الأقليات .... 2_4477_1_15 [الحج:41]، فجعل أول أعمال الممكنين في الأرض: إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وهذا شأن المسلمين.



ولا مانع من أن يكون أحد نائبي الرئيس أو نوابه من غير المسلمين، وخصوصا إذا كانت الأقلية غير المسلمة كبيرة، كما هو حاصل في السودان اليوم.

وما عدا هذا المنصب الحساس، فالمجال مفتوح لغير المسلمين في كل ما يحصلون شروطه، ويمتلكون مؤهلاته. ومن ذلك منصب (الوزارة) كما ذكر الإمامان: أبو الحسن الماوردي، وأبو يعلى الفرَّاء في (الأحكام السلطانية) من تولي أهل الذمة (وزارة التنفيذ). وهناك بعض الوزارات لها حساسيات واعتبارات معيَّنة، مثل: وزارة الدفاع، ووزارة الداخلية.

المهم هنا هو توافر الثقة بين الجميع، فإذا توافرت، وشاع جو الأخوة والتسامح بين أبناء الشعب الواحد: انحلت كل المشكلات.

وقد رأيت الأستاذ فارس الخوري المسيحي السوري، يرأس مجلس وزراء سوريا فترة من الزمن، وكان من أفضل رؤساء الوزارات، وكان الوزراء المسلمون على تعاون كامل معه، وكان جمهور المسلمين راضٍ عنه. وكان من أكثر الناس إيمانا بوجوب تطبيق الشريعة الإسلامية، وأنها وحدها القادرة على حلِّ مشكلات العصر، وقطع دابر الجرائم، وقد نقلت بعض أقواله في كتابي (بينات الحل الإسلامي وشبهات العلمانيين والمتغربين)[3].


سجده
منسق تابع للإداره
منسق تابع للإداره

عدد المساهمات : 1079
تاريخ التسجيل : 24/08/2010
الموقع : مــصــــــــــــــــــــــــــر

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى