درس فى تلغيم الاخبار .........لفهمى هويدى
صفحة 1 من اصل 1
درس فى تلغيم الاخبار .........لفهمى هويدى
http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=28072012&id=d9aa6004-c7e7-4e4e-a71b-1f5db43b7c28
صباح الثلاثاء الماضى (24/7) كان العنوان الذى تصدر الصفحة الأولى لجريدة الصباح كالتالى: سلفيون: تطبيق الحدود بات قريبا. وتحت العنوان ذكرت الجريدة ما يلى: أكد عدد من قيادات التيار السلفى أن تطبيق حدود الشريعة الإسلامية بات قريبا، لأن الشعب يؤيد ذلك بقوة.. وقال الدكتور يونس مخيون عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية، ومساعد مقرر لجنة المقومات فى الهيئة التأسيسية للدستور أن السلفيين يسعون لتطبيق «الحدود»، لأنهم على قناعة تامة بأن الشعب المصرى سيكون مهيئا لتطبيقها فى السنوات المقبلة.
حين يدقق المرء فى الكلام المنشور يلاحظ أنه منسوب إلى واحد من السلفيين، وليس إلى عدد من القيادات، وأن هذا الواحد الذى ذكر اسمه لم يقل إن تطبيق الحدود بات قريبا، كما أشار العنوان وكما جاء فى مقدمة الخبر، لأن ما نقل على لسانه أن السلفيين يسعون لتطبيق الحدود لأنهم على قناعة تامة بأن الشعب المصرى سيكون مهيئا لتطبيقها فى السنوات المقبلة. وهناك فرق بين أن يكون التطبيق قريبا، وبين أن يحدث ذلك بعد عدة سنوات. كما أن هناك فرقا بين أن يقول الكلام واحد من السلفيين، وبين أن ينسب إلى قيادات التيار السلفى.
من الناحية المهنية يعد نشر الكلام بهذه الطريقة نموذجا للتلاعب فى الصياغة الذى يستهدف استفزاز القارئ واستنفاره. لأن هناك كثيرين يقرأون العناوين فقط ولا يدققون فى التفاصيل، ومن ثم فإن هذه الفئة من القراء سوف تتلقى الرسالة الخطأ، وتصدق أن السلفيين أعلنوا أن تطبيق الحدود الشرعية سيتم فى وقت قريب. الأمر الذى يعنى أننا مقبلون «قريبا» على مرحلة تقطع فيها أيدى السارقين ويرجم الزناة ويجلد شاربو الخمر.. إلخ.
هل هذا خطأ مهنى فقط أم أنه تفخيخ مقصود ومنزوع البراءة؟ ــ أرجح الاحتمال الثانى بشدة، لأن ترويع الناس من كلمة الشريعة وتلغيم الآخبار المتعلقة بالتيار الإسلامى عموما بات أحد محاور الخطاب الإعلامى فى مصر. إذ لم يعد سرا أن خطاب «الفزاعة» الذى ظل مستمرا طوال نصف القرن المنصرم لم يتغير فيه شىء بعد الثورة. بل أن الحملة اشتدت بعدما حصل الإخوان والسلفيين على الأغلبية البرلمانية. حيث مازلنا نرى جيش المتربصين الذين لا يكادون يلمحون تصريحا لفرد أو تصرفا شاذا أو فرقعة من أى نوع إلا وأبرزوها وعمموها على التيار فى مجمله وحولوها إلى قضية رأى عام. فافتعال فرقعة عن تطبيق الحدود فى وقت قريب يصبح مقدمة لفتح الملف وتخويف الناس منه. وهو ما حدث مع فرقعات أخرى بعضها كذب صراح مثل مسألة هدم الهرم الأكبر باعتباره رمزا وثنيا، وبعضها سمج مثل شائعة مضاجعة الموتى (هل تذكر حكاية إرضاع الكبير؟) وبعضها لا محل له مثل مسألة الإماء وملك اليمين، وبعضها يداعب خيالات البعض مثل إقامة الخلافة. ينضم إلى قائمة الفرقعات حماقات بعض الأفراد التى تتم باسم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. أو مثل التى يمارسها البعض للفت الأنظار واكتساب الشهرة بلجوئهم إلى ملاحقة الفنانين أو تغطية التماثيل أو العبث ببعض اللوحات الفنية. إلى آخر الممارسات الفردية السخيفة التى يتصيدها المتربصون ويوظفونها لأجل التخويف وتصفية الحسابات السياسية وتسجيل النقاط فى الصراع الدائر بين الاتجاهين الإسلامى والعلمانى.
عقلاء القوم وأسوياؤهم يفرقون بين الأخطاء الفردية والظواهر الاجتماعية. والأولى تعطى حجمها وتنسب إلى فاعليها وتحسب عليهم. من ثم لا تصبح مصدرا للقلق أو الفزع. أما تلك الأخطاء إذا اتسع نطاقها وتحولت إلى ظواهر اجتماعية فهذه تستدعى استنفارا واحتشادا وتصديا من نوع مختلف من جانب السلطة والمجتمع. وللأمريكان تقدير يقول إن المجتمع يكون طبيعيا ومعافى طالما ظل حمقاه بحدود 5٪، أما إذا زاد عددهم على تلك النسبة فالأمر يتطلب نظرا مغايرا يتحرى الجذور والدوافع.
إن أحدا لم يتوقف عند بعض المصريين الذين ذهبوا إلى السفارة الأمريكية طالبين الاستجارة بهم وإغاثتهم. ولم يلتفت إلى صاحبنا الذى تحدث فى الإعلام الكندى مطالبا الحماية من الدول الغربية. ولم يكترث أحد بمن دعت المجلس العسكرى إلى عدم تسليم السلطة إلى المدنيين واقترحت أن يكون للمتعلم ضعف صوت الأمى. ولم يتم وصم الليبراليين جميعا لأن منهم من دعا إلى تدخل قادة الجيوش لمنع الرئيس من ممارسة سلطاته. ولا أدين الجميع حينما انحاز البعض إلى العسكر لإقامة المجتمع المدنى المنشود. ذلك كله تم تمريره على خطورته لأن الصائدين والمتربصين لهم حساباتهم مع الطرف الآخر، جعلتهم يعطون تلك الزلّات حجمها ويتجاهلونها. باعتبارها ممارسات فردية واستثنائية.
ثورة الاتصال لعبت دورها فى إنجاح حملات التخويف والترويع من خلال التمكين للفرقعات أن تحدث قدرا أكبر من التشويش والبلبلة. وفى مناقشة جرت حول هذه النقطة قلت إن وسائل الاتصال ومنابره سلاح بحدين، فإذا استخدمها البعض فى الترويع، فإن الحل لا يكون بإسكات تلك الأصوات، وهو أمر متعذر، وإنما يكون بتقديم أداء إيجابى أفضل يطمئن الناس ويستعيد ثقتهم، ويبدد آثار التخويف والترويع.
صباح الثلاثاء الماضى (24/7) كان العنوان الذى تصدر الصفحة الأولى لجريدة الصباح كالتالى: سلفيون: تطبيق الحدود بات قريبا. وتحت العنوان ذكرت الجريدة ما يلى: أكد عدد من قيادات التيار السلفى أن تطبيق حدود الشريعة الإسلامية بات قريبا، لأن الشعب يؤيد ذلك بقوة.. وقال الدكتور يونس مخيون عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية، ومساعد مقرر لجنة المقومات فى الهيئة التأسيسية للدستور أن السلفيين يسعون لتطبيق «الحدود»، لأنهم على قناعة تامة بأن الشعب المصرى سيكون مهيئا لتطبيقها فى السنوات المقبلة.
حين يدقق المرء فى الكلام المنشور يلاحظ أنه منسوب إلى واحد من السلفيين، وليس إلى عدد من القيادات، وأن هذا الواحد الذى ذكر اسمه لم يقل إن تطبيق الحدود بات قريبا، كما أشار العنوان وكما جاء فى مقدمة الخبر، لأن ما نقل على لسانه أن السلفيين يسعون لتطبيق الحدود لأنهم على قناعة تامة بأن الشعب المصرى سيكون مهيئا لتطبيقها فى السنوات المقبلة. وهناك فرق بين أن يكون التطبيق قريبا، وبين أن يحدث ذلك بعد عدة سنوات. كما أن هناك فرقا بين أن يقول الكلام واحد من السلفيين، وبين أن ينسب إلى قيادات التيار السلفى.
من الناحية المهنية يعد نشر الكلام بهذه الطريقة نموذجا للتلاعب فى الصياغة الذى يستهدف استفزاز القارئ واستنفاره. لأن هناك كثيرين يقرأون العناوين فقط ولا يدققون فى التفاصيل، ومن ثم فإن هذه الفئة من القراء سوف تتلقى الرسالة الخطأ، وتصدق أن السلفيين أعلنوا أن تطبيق الحدود الشرعية سيتم فى وقت قريب. الأمر الذى يعنى أننا مقبلون «قريبا» على مرحلة تقطع فيها أيدى السارقين ويرجم الزناة ويجلد شاربو الخمر.. إلخ.
هل هذا خطأ مهنى فقط أم أنه تفخيخ مقصود ومنزوع البراءة؟ ــ أرجح الاحتمال الثانى بشدة، لأن ترويع الناس من كلمة الشريعة وتلغيم الآخبار المتعلقة بالتيار الإسلامى عموما بات أحد محاور الخطاب الإعلامى فى مصر. إذ لم يعد سرا أن خطاب «الفزاعة» الذى ظل مستمرا طوال نصف القرن المنصرم لم يتغير فيه شىء بعد الثورة. بل أن الحملة اشتدت بعدما حصل الإخوان والسلفيين على الأغلبية البرلمانية. حيث مازلنا نرى جيش المتربصين الذين لا يكادون يلمحون تصريحا لفرد أو تصرفا شاذا أو فرقعة من أى نوع إلا وأبرزوها وعمموها على التيار فى مجمله وحولوها إلى قضية رأى عام. فافتعال فرقعة عن تطبيق الحدود فى وقت قريب يصبح مقدمة لفتح الملف وتخويف الناس منه. وهو ما حدث مع فرقعات أخرى بعضها كذب صراح مثل مسألة هدم الهرم الأكبر باعتباره رمزا وثنيا، وبعضها سمج مثل شائعة مضاجعة الموتى (هل تذكر حكاية إرضاع الكبير؟) وبعضها لا محل له مثل مسألة الإماء وملك اليمين، وبعضها يداعب خيالات البعض مثل إقامة الخلافة. ينضم إلى قائمة الفرقعات حماقات بعض الأفراد التى تتم باسم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. أو مثل التى يمارسها البعض للفت الأنظار واكتساب الشهرة بلجوئهم إلى ملاحقة الفنانين أو تغطية التماثيل أو العبث ببعض اللوحات الفنية. إلى آخر الممارسات الفردية السخيفة التى يتصيدها المتربصون ويوظفونها لأجل التخويف وتصفية الحسابات السياسية وتسجيل النقاط فى الصراع الدائر بين الاتجاهين الإسلامى والعلمانى.
عقلاء القوم وأسوياؤهم يفرقون بين الأخطاء الفردية والظواهر الاجتماعية. والأولى تعطى حجمها وتنسب إلى فاعليها وتحسب عليهم. من ثم لا تصبح مصدرا للقلق أو الفزع. أما تلك الأخطاء إذا اتسع نطاقها وتحولت إلى ظواهر اجتماعية فهذه تستدعى استنفارا واحتشادا وتصديا من نوع مختلف من جانب السلطة والمجتمع. وللأمريكان تقدير يقول إن المجتمع يكون طبيعيا ومعافى طالما ظل حمقاه بحدود 5٪، أما إذا زاد عددهم على تلك النسبة فالأمر يتطلب نظرا مغايرا يتحرى الجذور والدوافع.
إن أحدا لم يتوقف عند بعض المصريين الذين ذهبوا إلى السفارة الأمريكية طالبين الاستجارة بهم وإغاثتهم. ولم يلتفت إلى صاحبنا الذى تحدث فى الإعلام الكندى مطالبا الحماية من الدول الغربية. ولم يكترث أحد بمن دعت المجلس العسكرى إلى عدم تسليم السلطة إلى المدنيين واقترحت أن يكون للمتعلم ضعف صوت الأمى. ولم يتم وصم الليبراليين جميعا لأن منهم من دعا إلى تدخل قادة الجيوش لمنع الرئيس من ممارسة سلطاته. ولا أدين الجميع حينما انحاز البعض إلى العسكر لإقامة المجتمع المدنى المنشود. ذلك كله تم تمريره على خطورته لأن الصائدين والمتربصين لهم حساباتهم مع الطرف الآخر، جعلتهم يعطون تلك الزلّات حجمها ويتجاهلونها. باعتبارها ممارسات فردية واستثنائية.
ثورة الاتصال لعبت دورها فى إنجاح حملات التخويف والترويع من خلال التمكين للفرقعات أن تحدث قدرا أكبر من التشويش والبلبلة. وفى مناقشة جرت حول هذه النقطة قلت إن وسائل الاتصال ومنابره سلاح بحدين، فإذا استخدمها البعض فى الترويع، فإن الحل لا يكون بإسكات تلك الأصوات، وهو أمر متعذر، وإنما يكون بتقديم أداء إيجابى أفضل يطمئن الناس ويستعيد ثقتهم، ويبدد آثار التخويف والترويع.
مى عامر- عضو متألق
- عدد المساهمات : 63
تاريخ التسجيل : 07/08/2011
العمر : 39
مواضيع مماثلة
» مقال هويدى عن فتوى القرضاوى يوفر لمصر 2 مليار دولار ...
» أنتهى الدرس يا ساده ..هويدى
» فهمى هويدى يكتب : السلفيه فى أمريكا
» سياسة اللا معنى (فهمى هويدى)
» الكاتب الكبير فهمى هويدى يرد على السلفيين ...فى غزوة الصناديق ...
» أنتهى الدرس يا ساده ..هويدى
» فهمى هويدى يكتب : السلفيه فى أمريكا
» سياسة اللا معنى (فهمى هويدى)
» الكاتب الكبير فهمى هويدى يرد على السلفيين ...فى غزوة الصناديق ...
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى