أصطباحه فضل :السائرون نياما

من طرف لحظه غروب الإثنين 09 أغسطس 2010, 9:16 pm

طالما هيكون فى مقالات للكتاب المشهورين فلازم يكون معانا
بلال فضل

لانى بحبه جدا وهو الكاتب المفضل عندى
لان دمه خفيف وبيوصل المعلومات لينا ببساطه وبخفه دم

وطبعا له عمود ثابت أسمه أصطباحه

مع أصطباحة بلال فضل

بعنوان السائرون نياما

مات السفاح «راؤول موت» ودفنه أهله، لكن بريطانيا لم تدفن مع جثته صدمتها مما حدث ولا رغبتها فى تأمله والتعلم منه، دون رفع شعار «قضا أخف من قضا» أو تغليب منطق «كويس إنها جت على قد كده».
فى كل مكان ثار جدل لا ينقطع حول ظاهرة تحول راؤول إلى بطل شعبى، لدرجة أن رئيس الحكومة طلب من موقع «فيس بوك» إغلاق صفحة التضامن معه التى وصل عدد المشتركين فيها إلى مئات الآلاف، خبراء ومتخصصون من كل المجالات وفى كل المنتديات يتحاورون بكثافة حول ارتباط هذه العدوانية الغريبة عن المجتمع بالكساد الاقتصادى وحالة الاحتقان الاجتماعى المصاحبة لخطة التقشف التى بدأ الائتلاف الحكومى الجديد فى تنفيذها وحول جدوى فلسفة (المجتمع الكبير) القائمة على فكرة التضامن الاجتماعى وأن الإصلاح ليس مسؤولية الحكومة فقط وهى الفلسفة التى يتبناها ديفيد كاميرون ليس من أجل تبرير فشله فى الإصلاح ولا للتغطية على المليارات التى نهبها، فى نفس الوقت تنكشف كل يوم حقائق تَخُضّ البريطانيين حول الواقع المزرى لجهاز الشرطة، من وجهة نظرهم طبعا، وتثار أسئلة حول من سيدفع التكلفة الباهظة لعملية مطاردة راؤول،
فى حين يكشف تقرير رقابى أن هناك ضابطا فقط من بين كل «إتناشر» مؤهلاً ماديا وتدريبيا للتعامل مع المجرمين خارج سيارات الشرطة، ويُعلن عن خطط حكومية تسعى لإحداث انقلاب جذرى فى نظامى العدالة والسجون، تأسيا بدول أوروبية أخرى، فى نفس الوقت الذى لا يستغل فيه أعداء الحرية ما حدث لعرقلة قرار حكومى جديد يلغى حق الشرطة فى توقيف وتفتيش أى شخص فى الشارع دون مذكرة قانونية، وهو قرار كان قد تم استحداثه فضلة خيرنا بعد تفجيرات سبعة يوليو الغادرة.
«رأيت هناك إسلاما بلا مسلمين.. وهنا مسلمون بلا إسلام»، هل يمكن أن تجد الآن ودائما تعليقا أفضل من تلك العبارة التى منذ أن قيلت ونحن على حطة يد قائلها الإمام محمد عبده، الذى رحلت من بعده أجيال وأجيال قبل أن تصبح مقولته جزءا من الماضى البائد، ليظل حظنا من التدين «نقاب وإيشارب ولحية ورنات موبايل ومواعظ زاعقة ونشيج هستيرى وحمى تكفير»، لكنك لو دخلت إلى دورة مياه المسجد الذى تصلى فيه، ولو نظرت إلى الشارع الذى يطل عليه، ولو تأملت فى كل تفصيلة من تفاصيل حياتك الخاصة والعامة، لكاد كبدك أن ينفطر وأنت تتمنى أن نكون كالبلاد التى جاء حظها من التدين تحكيما للعقل وتقديسا للصالح العام واحتراما لحرية الفكر ورفضا للفساد وإعمالا لسنن الله فى الكون.
«وانت عايز تقارن نفسك ببريطانيا ولا بأوروبا؟.. الناس دى فين واحنا فين؟». كلما جئت لأحد بسيرة العالم المتحضر قال لك هاتين الجملتين وماشابههما من «استامبات» محفوظة تم تصميمها بإتقان لمنع التقاط عدوى التغيير. وكأننا يجب فقط أن نقارن أنفسنا بالدول التى تلينا فى جداول الدول الفاشلة والمتنيلة على عينها، وهى لم تعد كثيرة للأسف الشديد.
كأن الخيال جريمة، وكأن الأحلام لابد أن تكون تعيسة كالواقع، وكأن الله قد كتب على أبناء السكان الأصليين لمصر أن يحلموا طيلة العمر فقط بالستر والنوم بعد العشا، بينما يتطور أبناء القادرين وتتسع مداركهم باتساع قدراتهم وتكبر أحلامهم معهم يوما بعد يوم، ثم يأتى من يقول «ربنا عايز كده»، وحاشا لله أن يرضى لعباده الظلم إلا إذا قبلوا هم به.
قبل أن تبدأ معرفتى المباشرة بالغرب المستعمر الحاقد اللعين، كنت أعتقد كغيرى من البلهاء أن مدنه هى المدن الفاضلة، وأهله هم المقدسون الأطهار، وقبل تلك المرحلة ولسنوات أطول، كنت أعتقد كالبلهاء الآخرين أن مدن الغرب هى مواخير متحركة يضاجع الناس فيها بعضهم فى الطرقات وتطير فيروسات الأمراض الجنسية فى الهواء،
ثم جاء اليوم الذى عرفت فيه الغرب «على قدى» سائحا ثم دارسا ثم متأملا ثم مقيما لبعض الأشهر التى لا تكفى لتكوين رأى شامل وكامل عنه، لكننى على الأقل أصبحت أعرف ما يكفى عنه، وهو أن مدنه يمكن أن تكون كمدننا وأقذر، وأهله يمكن أن يكونوا كأهلنا وأصعب، فقط لو اختفى القانون، عندما يشعر المواطن الغربى بأنه يمكن أن يفلت من قبضة القانون يرتكب أشياء يندى لها الجبين، بعضها رأيته بعينى، وبعضها قرأت عنه مثلك.
قد لا تبدو لك هذه النتيجة مذهلة، على الأقل لست محتاجا لأن تصرف بنساً من أجل التوصل إليها، لكنها بدت لى مذهلة جدا وأنا أتشبع بها يوما بعد يوم، حتى إننى كلما ازددت معرفة بالمجتمع الغربى أصبحت أدرك أن الوصول إلى ما وصل إليه بل وتخطيه وتجاوزه،
أمر فى مقدورنا وبشكل أسرع مما نتخيل، فقط لو غيّرنا مفهومنا للتدين، لنحوله من رضا بالأمر الواقع وتكريس للتخلف والاستبداد والفساد، إلى إعلاء للعقل والحرية والتغيير والإصلاح، وهى الرسالة التى يجب أن يناضل من أجلها كل راغب فى تقدم هذه البلاد، التى لم يعد أهلها من السائرين نياما، طبقا لتعبير الأديب الكبير سعد مكاوى، فقد توقفنا وبمزاجنا عن السير، قانعين بالتجمد فى أماكننا ونحن نكتفى بالحفر دون أمل فى الوصول إلى القاع ودون أن نحظى حتى براحة النوم.