الذين يؤمنون بالغيب
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الذين يؤمنون بالغيب
الذين يؤمنون بالغيب
الغيب لغة كل ما غاب عن الحواس واصطلاحا ما أخبر به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مما غاب عن حواس الإنسان وأصول هذه الغيبيات ستة وهي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والقدر خيره وشره . قال تعالى: “آمَنَ الرسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُل آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ” (البقرة: 285) .
الإيمان بالغيب خاصية اختبر الله بها النوع البشري وميزه بها عن غير العقلاء وعن طريق الإيمان بالغيب يخرج الإنسان من محيطه المادي الضيق إلى آفاق تمتد بلا نهاية، إذ إنه يحرر فكر الإنسان ويجعله يشتغل بالقضايا المهمة وتعمير الأرض وفق منهج الله تعالى . فالإيمان بالله تعالى يطمئن القلوب ويحرر فكر الإنسان ويجعله يرتبط بالآخرة ويؤكد أنه لم يخلق عبثا والإيمان بالكتب المنزلة على الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام يؤكد الشعور بوحدة البشرية ووحدة دينها ووحدة رسلها ووحدة معبودها ويبعد عن التعصب الذميم ضد الديانات الأخرى .
لو لم يكن من الفطرة الإيمان بالغيب، لانحصر الانسان ذهنياً وعقلياً في الدائرة، التي يوجد فيها، ولما صدق بوجود عالم لم يره، ولم يلمسه، ولم يتذوقه، وهذا الإيمان هو الذي دفع العلماء إلى الكشف عن المجهول، وأغراهم بمتابعة البحث وراءه، حتى وصلوا إلى ما لم يكن يدركه الانسان بحواسه، ولو لم يفترض العلماء، أو لم يؤمنوا بأن هناك أشياء وراء حواسهم، لما سعوا واجتهدوا وتعبوا، أقصد من هذا كله: أن فكرة الإيمان بالغيب بقطع النظر عن ماهية هذا الغيب، هي أصل من أصول الفطرة، وأصل أيضاً من أصول العلم . وورد في “لسان العرب” لابن منظور: الغَيْب كلّ ما غاب عن العُيون، وإن كان مُحصلاً في القلوب، والإيمان وحده في اللغة معناه التصديق بالقلب، ولكنه في الشريعة الاعتقاد بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالجوارح .
إن الإيمان بالغيب هو إيمان بالله وكلما كان الإيمان بالله أقوى تبنى الشخصية في رسوخ وثبات لان أساسها هو العقيدة بوجود خالق وراء هذا الكون ووجود شيء لا ندركه كقوله تعالى (لا تدركه الأبصار)، فالإيمان كلمة جامعة لكل خير تقر لله بالعبودية وتصدق هذا الإقرار بالأفعال .
وسمي المؤمن مؤمنا؛ لأنه يؤمن نفسه من عذاب الله، والله تعالى من أسمائه: المؤمن؛ لأنه يؤمن العباد من عذابه، وقد وردت أدلة كثيرة تدل على أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان، وأن الإيمان لا يكون من دون العمل؛ كقوله تعالى: “ . . وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبهِمْ يَتَوَكلُونَ الذِينَ يُقِيمُونَ الصلَاةَ وَمِما رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ” (الأنفال: 2-4) .
وكقوله تعالى: “إِنمَا الْمُؤْمِنُونَ الذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُم لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصادِقُونَ” (الحجرات: 15) . وكقوله تعالى: “فَلا وَرَبكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتى يُحَكمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُم لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِما قَضَيْتَ وَيُسَلمُوا تَسْلِيماً” (النساء: 65) .
علام الغيوب
وقد اختلفت عبارات السلف في الإيمان بالغيب، فقال بعضهم: “معنى يؤمنون بالغيب: يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وجنته وناره ولقائه، ويؤمنون بالحياة بعد الموت، وبالبعث، فهذا غيب كله”، وقال بعضهم: ( الغيب ما غاب عن العباد من أمر الجنة وأمر النار، وما ذكر في القرآن) . وعن ابن عباس رضي الله عنهما: “الغيب ما جاء من الله تعالى” . وقال سفيان “الغيب القرآن” . وقال عطاء بن أبي رباح “من آمن بالله فقد آمن بالغيب” . وقال بعضهم: “الإيمان بالغيب أي غيب الإسلام “ . وقال زيد بن أسلم “الإيمان بالغيب أي بالقدر” . وكل هذه الأقوال صحيحة وهي متقاربة المعنى، وجميع هذه المذكورات من الغيب الذي يجب الإيمان به .
لقد نزل القرآن الكريم من عند علاّم الغيوب تبارك وتعالى، فلا عجب إن مزّق حواجز الغيب: حاجز المكان، وحاجز الزمان بماضيه ومستقبله؛ فأخبر الإنسانَ ( على لسان نبيّه المصطفى صلّى الله عليه وآله ) عن أمور غيبيّة ساهم المكان والزمان في حجبها وتغييبها عنه، وقصّ عليه قصص الأُمم الغابرة التي فصله عنها حاجز الزمن الماضي، وأنبأه بأمورٍ تَكشّفَ له بعضُها بعد حين، وظلّ بعضُها الآخر ينتظر دوره في التحقّق .
فالقرآن العظيم اخبر الرسول بقصص الأنبياء السالفين الذين لم يشهد زمانهم، حين قصّ عليه قصّة آدم أبي البشر عليه السّلام وخروجه من الجنّة، وقصّة ابنَي آدم عليه السّلام إذ قرّبا قُرباناً فتُقُبل من أحدهما ولم يُتقبل من الآخر، وكيف سَوّلت لقابيل نفسُه قَتْلَ أخيه هابيل، وقصّة نوح عليه السّلام وطوفانه، وهود عليه السّلام وقومه عاد، وصالح عليه السّلام وقومه ثمود وقَتْلهم الناقة التي أكرمهم الله تعالى بها، وإبراهيم عليه السّلام وقصّة بنائه الكعبة، وإسماعيل عليه السّلام وتسليمه لأمر الله تعالى، ولوط عليه السّلام وقومه، وذي القَرنَين وفتوحاته، ويعقوب عليه السّلام وصبره، ويوسُف عليه السّلام واستقامته، وأيّوب عليه السّلام وابتلائه، وموسى وهارون عليهما السّلام، ومريم وعيسى عليهما السّلام .
صفات المؤمنين
ومن صفات المؤمنين التي نوه الله عنها في كتابه العزيز: (الإيمان بالغيب)، وقد مدح الله المؤمنين وأثنى عليهم في اتصافهم بهذا الوصف، ووعدهم عليه - مع أوصاف أخرى - الفلاح؛ وهو الفوز بما يطلبون من كرامة الله ورضاه، والنعيم المقيم في الجنان في الدار الآخرة، فوق ما يخطر بالبال، أو يدور في الخيال، والنجاة من المرهوب من الإهانة والعذاب السرمدي الأبدي في النار، الذي لا صبر لأحد على بعضه .
وعدهم هذا الوعد الحسن الكريم لاتصافهم بالإيمان بالغيب مع إقام الصلاة، والإنفاق مما رزقهم الله، والإيمان بما أنزل على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والإيمان بما أنزل على الرسل السابقين للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وأخبر أنهم هم المهتدون؛ لأنهم على صراط مستقيم .
يا له من ثناء، ويا له من فوز عظيم لا يشبهه فوز، ويا له من فخر وشرف واعتزاز، ويا لها من سعادة حقة، فلا ثناء أعظم من ثناء الله -عز وجل- ولا كرامة فوق كرامة الله -عز وجل- ولا نعيم أفضل من نعيمه، ولا كرم أحسن من كرمه -عز وجل-، فالله سبحانه يثني عليك في إيمانك بالغيب، ويعدك على ذلك الفلاح والفوز والظفر والسعادة، ويخبرك أن المؤمن بالغيب مع الأوصاف الأخرى قد استقام على شرع الله، فهو على هداية من ربه .
ورد عن عبد الرحمن بن يزيد انه قال: كنا عند عبد الله بن مسعود جلوساً، فذكرنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وما سبقونا به، فقال عبد الله إن أمر محمد صلى الله عليه وسلم كان بيّناً لمن رآه، والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيماناً أفضل من إيمان بالغيب، ثم قرأ “الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتقِينَ الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصلَاةَ وَمِما رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (البقرة: 1-5) .
أجر مضاعف
وعن صالح بن جبير قال: قدم علينا أبو جمعة الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ببيت المقدس يصلي فيه، ومعنا يومئذ رجاء بن حيوة رضي الله عنه، فلما انصرف خرجنا نشيعه، فلما أراد الانصراف قال: إن لكم جائزة وحقاً، أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلنا: هات رحمك الله، قال (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا معاذ بن جبل عاشر عشرة، فقلنا: يا رسول الله، هل من قوم أعظم منا أجرا؟ آمنا بالله واتبعناك، قال: ما يمنعكم من ذلك، ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء، بل قوم بعدكم يأتيهم كتاب من بين لوحين يؤمنون به، ويعملون بما فيه، أولئك أعظم منكم أجرا مرتين)
قال ابن كثير رحمه الله بعد سياق هذا الحديث: وهذا الحديث فيه دلالة على العمل بالوجادة التي اختلف فيها أهل الحديث كما قررته في أول شرح البخاري ؛ لأنه مدحهم على ذلك، وذكر أنهم أعظم أجراً من هذه الحيثية لا مطلقاً .
إن الانسان بطاقته المحدودة، التي خلقه الله عليها، لا يتحمل إدراك كل الموجودات وإلا لصعق، ولما استطاع الحياة، فيكون من حكمة الله إذن حجب كثير من الموجودات عن حواسه، أو جعلها غائبة، أو غيبية عليه حتى يمكن مواصلة الحياة .
السلوك الإنساني
إن الإيمان بالغيب قسيم للإيمان بالحاضر ولا يصح تدين ما إلا إذا كان المرء مشدود الأواصر إلى ما عند الله مثلما يتعلق بما يرى ويسمع في الدنيا . والغيب الذي أقصده هنا أوسع من دائرة الملائكة مثلاً أو مشاهد الجزاء الأخروي أو المرويات التي أنبأنا الوحي بها ولا نستطيع الوصول إليها بمداركنا . الغيب الذي أعنيه هنا هو ما يتصل بالسلوك الإنساني، أي ما ننبعث إليه في كفاحنا القريب لبلوغ ما نحب وإقصاء ما نكره .
إن النصر على الأعداء غيب خصوصاً إذا وهنت الوسيلة وقلّ العون وفدحت العوائق، ولكن الإيمان بهذا النصر المأمول ينبع من الإيمان بالله عز وجل ومن ثم فالمجاهد الموقن يمضي في طريق الكفاح الشاق وهو واثق من النتيجة الأخيرة، إن غيره يستبعدها أو يرتاب فيها بينما يعتقد هو بأن الليل والنهار يقربانه منها وإن طال المدى، فإذا قال الله تعالى “وكان حقاً علينا نصر المؤمنين” (الروم: 47) فإن الجماعة المؤمنة لا تهولها وعثاء الطريق وضراوة الخصوم وكآبة الحاضر ذلك أن إيمانها بالمستقبل يعزيها عن متاعب اليوم ويشعرها بأنها غيمة عارضة توشك أن تنقشع “فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض” (الرعد: 17) .
والرزق مثل النصر غيب مرتقب فعندما ينفق المؤمن ما عنده على أمل أن الله باعث له خلفاً وعوضاً فهو يسير وفق منطق الإيمان المحض، وهذا الإيمان بما عند الله هو الذي يرجح في القلب جانب العطاء إزاء وساوس النفس بالإمساك والمنع .
إن الإيمان العميق يجعل المرء كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (أن تكون بما في يد الله أوثق منك مما في يدك) .
كذلك المجاهدون في سبيل الله، إنهم بشر تجيش في نفوسهم المشاعر ذاتها التي لدى غيرهم من تقدير للحياة وسعي لتأمين العيش الكريم لأنفسهم وأهليهم بيد أنهم وازنوا بين مطالب الحق وأشواق الدنيا ثم آثروا وعد الله على وحي العاجلة .
فإيمانهم بالغيب مثل إيمان غيرهم بالمحسوس، واعتقادهم بأن الموت وسيلة تنقلهم إلى جنة عرضها السماوات والأرض كاعتقادنا بأن السفر بالطائرة هو وسيلة تنقلنا من بلد لآخر .
وعندما يرتفع الإيمان بالغيب إلى هذه النقطة الراسخة فإن أصحابه منتشرون حتماً بمبادئهم وناشروها في الحياة ومكتسحون بها ما يضعه الباطل أمامهم من عوائق وصعاب، والمستقبل الذي تنتصر به الرسالة وينصف أصحابها مؤلف من جزأين: أحدهما قريب والآخر بعيد يوم القيامة .
إن أجدادنا لم تنقصهم الثقة في مستقبل الدعوة التي آمنوا بها وكل ما عناهم أن ينهضوا بحقوق الدين الذي اعتنقوه ويثبتوا على صراطه المستقيم مهما تكاثرت المحن والفتن .
الحياة بالنسبة للمؤمنين خط طويل ممتد مع الزمن، فهم حين يغرسون فإنما يرتقبون ثمار غرسهم في المستقبل القريب والبعيد، لا يخامرهم شك أو قنوط لأن ما ارتقبوه تأخر ميعاده، ولن يسأموا تكاليف الجهاد مهما بلغت، فهلا حذونا حذوهم؟
أحمد حلمي سيف النصر
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: الذين يؤمنون بالغيب
إن الإيمان العميق يجعل المرء كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (أن تكون بما في يد الله أوثق منك مما في يدك) .
كلمات عظيمه
وموضوع اكثر من رائع
جزاكي الله عنا كل خير يا اميره
كلمات عظيمه
وموضوع اكثر من رائع
جزاكي الله عنا كل خير يا اميره
سجده- منسق تابع للإداره
- عدد المساهمات : 1079
تاريخ التسجيل : 24/08/2010
الموقع : مــصــــــــــــــــــــــــــر
رد: الذين يؤمنون بالغيب
الله يعطيكي العافيه
جعله في ميزان حسناتك
جزاكي الله خيرا
جعله في ميزان حسناتك
جزاكي الله خيرا
عذاري- منسق تابع للإداره
- عدد المساهمات : 12704
تاريخ التسجيل : 07/08/2010
الموقع : سلطنه عمان
مواضيع مماثلة
» ارتفاع قياسي في البريطانيين الذين اعتنقوا الإسلام
» هذه اسماء الاعضاء الذين لا اتحملهم في المنتدى ووجودهم ليس له اي داعي
» وتتوالى إنجازات جمعة الإنقاذ رحيل الثلاثى المنافق تامر ولميس وخيرى رمضان الذين مدحوا مبارك وسبوا شباب الثوره!!
» هذه اسماء الاعضاء الذين لا اتحملهم في المنتدى ووجودهم ليس له اي داعي
» وتتوالى إنجازات جمعة الإنقاذ رحيل الثلاثى المنافق تامر ولميس وخيرى رمضان الذين مدحوا مبارك وسبوا شباب الثوره!!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى