ساحة ملتقى العقول
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

حول مسودة الدستور التى أصدرتها التأسيسية - بقلم د محمد بريك

اذهب الى الأسفل

حول مسودة الدستور التى أصدرتها التأسيسية  - بقلم د محمد بريك Empty حول مسودة الدستور التى أصدرتها التأسيسية - بقلم د محمد بريك

مُساهمة من طرف شريف عبد الله الثلاثاء 16 أكتوبر 2012, 6:09 am

المقال بقلم الباحث الإسلامى د محمد بريك أحد الباحثين فى الشئون الدستورية والعلاقة المدنية العسكرية :


من الصعب الحكم على نص دستوري بمعزل عن التحليل السياسي الذي يتناول الأطراف الفاعلة سياسيا ومحركاتها وموازين القوى بينها وطبيعة المرحلة السياسية التي تخوضها الدولة وخبرتها القريبة والبعيدة – الدستورية والسياسية، وتصور مآلات كل ذلك.. وهذا لأن الرؤية السياسية تلك تجعلنا أكثر قدرة على تحديد أولويات المرحلة وطبيعة المخاوف التي تهدد بناء الدولة وتعوّق الوصول لعقد اجتماعي متوازن، وكل هذا لابد أن يُراعي في الدستور من حيث التناول والصياغة معا، كذلك فإن حصول التقييم السياسي يجعلنا نفهم لماذا يصاغ دستور ما (أو أحد مسوداته) على نحو ما؛ لأن الدستور – كأرفع وثيقة قانونية لدولة – ليس منشئا لواقع سياسي بقدر ماهو عاكس لواقع سياسي وموازين قواه. إذن فالتحليل السياسي له فائدة تفسيرية، وله فائدة إرشادية كذلك.



ولكن برغم هذا التحفظ المبدئي سأحاول أن أقدم إشارات سريعة على ماأراها نصوصا كارثية في مسودة الدستور التي أصدرتها الجمعية التأسيسية في شقين أساسيين: صلاحيات الرئيس وطبيعة النظام السياسي - الوضع الوصائي والمميّز للقوات المسلحة بالدستور،



وسأحاول أن أجعل جرعة التحليل والتعريف السياسي في حدها الأدنى، خصوصا وأن أهم الملفات بمسودة الدستور التي سأتناولها(شبعنا) فيها حديثا وبحثا منذ تنحي مبارك، وحتى قبله! سواء في : ضرورات الإنجاز الثوري (الهيمنة الديمقراطية والمدنية على المؤسسة العسكرية، وإعادة هيكلة منظومة الأمن ، وبناء عقد اجتماعي وسياسي جديد، العدل الاجتماعي) وشروطه (الزخم الثوري في المرحلة الثورية، والتوافق الوطني بين القوى، وصيغة حد أدنى من الإنجاز وتدرج في بقية الملفات حين نتعامل مع المؤسسة العسكرية)، وطبيعة مرحلة التحول الديمقراطي وأولوياتها، وطبيعة الوصاية العسكرية ودرجاتها بدءا من التدخل المباشر في توزيع مصادر السلطة أو الوصاية على أحد المساحات الوظيفية للدولة بمعزل عن السلطة المنتخبة (تنفيذية وتشريعية) والقضائية.



وأقول أني أحكي في هذين الشقين (صلاحيات الرئيس وشكل النظام السياسي - وضعية المؤسسة العسكرية) تحديدا دون غيرها من ملفات الدستور لقناعتي بأهميتهما المفصلية من ناحية وأن موقفي تجاههما كاف جدا لتصويتي ب (لا) كبيرة إذا تم إقرار هذه المسودة وإذا أقرت محكمة القضاء الإداري شرعية الجمعية التأسيسي في القريب العاجل، وكذلك بسبب الاختصاص ورغبتي في الحديث عن الدائرة التي أهتم بها وأحسب أني أمتلك مقدماتها المعرفية ، وإلا فإن النقاش الدستوري يتطلب درجة من الشمول والاختصاص والتمكن لاأحسبني أحوزها.



وسأعتمد في تناولي على آخر مسودة ظهرت بموقع الجمعية التأسيسية (يوم 14 أكتوبر) - وتجدونها على هذا الرابط، وسيتم عزو المواد المناقشة لهذه المسودة برقم المادة



http://dostour.eg/dostor_masr.pdf

-----



أولا – صلاحيات الرئيس وخداع المصطلحات (هل نحن مقبلون على نظام رئاسي أم برلماسي أم برلماني)؟!





الفكرة الأساسية لمسودة هذا الدستور تعتمد على النظام البرلماسي وهو الذي يوزع الاختصاصات التنفيذية بين رئيس الدولة وبين الحكومة (البرلمانية). وصحيح أننا حين نقسم النظم السياسي لثلاثة أنظمة رئيسية (رئاسي وبرلماني وبرلماسي) فنحن لانحكي عن جزر منعزلة ولكننا نحكي عما هو أشبه بمخروط قوس قزح.. أي أنه في داخل النظام الرئاسي هناك ألوان قد تقترب من البرلماسي وأخرى يتوسع فيها دور الرئيس كرأس السلطة التنفيذية، وفي البرلماسي هناك ألوان تقترب من الرئاسي وأخرى تقترب من البرلماني.. صحيح كل هذا – ولكن هناك خصائص واضحة في كل نظام لابد أن تنضبط بها المصطلحات.



مثلا – النظام البرلماسي يعتمد على ركيزتين: توزيع دوائر الاختصاص بين الرئيس والحكومة، ودور البرلمان في تشكيل الحكومة.. وهذا مالم أستطع اكتشافه في مسودة الدستور.



1- لايوجد بالدستور توزيع واضح للاختصاصات ولكن يظهر فيه أن الرئيس هو المسئول التنفيذي الأول بالدولة، مع وجود تفويضات لمن تحته كعادة النظام الرئاسي مثلا. في النظام الفرنسي أو الفنلندي على سبيل المثال يكون اختصاص الرئيس في دائرة الأمن القومي والسياسة الخارجية والدفاعية، ويكن اختصاص الحكومة دائرة التنمية والسياسة الداخلية. ولقد حاولت المسودة التي قدمها بيت الحكمة محاكاة ذلك، وكذلك كان حديث بعض قيادات حزب الإخوان عن محاكاة النموذج الفرنسي قبل أن يكون لهم مرشح. طبعا هذه القضية لابد أن (ينص عليها) وتظهر في دور الرئيس في تعيين بعض الوزراء في مقابل الآخرين. والمادة 156 تزيد الأمر غموضا ولايتضح فيها توزيع الاختصاص ولكن تجعل الرئيس المسئول التنفيذي الأول وتشاركه الحكومة .. تنص على (أن يضع الرئيس السياسات العامة للدولة، ويشرف على تنفيذها، بالاشتراك مع الحكومة)





2- نحن أمام صلاحيات رئاسية قريبة جدا للنظام الرئاسي ..



أ – أخطر شيء هو في تشكيل الحكومة



مادة 145 تنص على أن يكلف الرئيس رئيسا للوزراء بتشكيل الحكومة – دون أن تشير أن المكلَّف لابد أن يكون من حزب الأغلبية –في خلال ثلاثين يوما ثم التقدم للبرلمان لأخذ موافقة الأغلبية، فإن رفض البرلمان (البرنامج) – مع أن الرفض قد يكون للبرنامج أو الأشخاص المكلفين بالوزارة – تتم إعادة الكرّة مرة أخرى، ثم يكون امام الرئيس خيارات أ يشكل الحكومة بناء على (اقتراح) مجلس النواب، أو يقوم بحل البرلمان!!

بصراحة موجعة – أني أعتبر أنه من التدليس أن نسمي هذه المادة المركزية تعبيرا عن النظام البرلماسي؛ بل هي نظام أقرب للرئاسي.

وقد يتساءل أحدنا: إذا كان البرلمان هو من سيقر أو يرفض الحكومة أليس من الممكن أن نعتبرها (حكومة يشكلها البرلمان بأغليته)؟ قطعا لا.. وللتبسيط – فهذا لأمرين:





الأول – جعل حل البرلمان في نهاية المحاولة الثالثة يمثل رادعا سياسيا قويا للبرلمان لإجباره على الموافقة.

.

الثاني – ان القدرة التفاوضية لرئيس الحكومة وحزبه –حتى لو لم يكن اغلبية – في ظل هذه المادة لتشكيل حكومة أعلى كثيرا من قدرة حزب الأغلبية إذا أحب ان يرفض رئيس حكومة ليس منه في تشكيل ائتلاف رافض!وهذا بالطبع يجعل لرئيس الجمهورية الحق في تشكيل الحكومة من حزبه حتى لو يحز حزبه على الأغلبية البرلمانية.. هكذا بوضوح.



ب- مادة 149 تنص على أن للرئيس حق تعيين الموظفين العسكريين بالدولة وحق عزلها. وهذه مشكلة حقيقية وتخالف العرف الديمقراطي وليس فقط العرف البرلماسي. وظائف القيادة العسكرية في الدولة بالأخص – دونا عن بقية الوظائف المهنية - يمُنع على الرئيس الاستفراد بتعيينها خشية تسييسها (إذا كانت المؤسسة العسكرية ضعيفة في موازين القوى أمام الرئيس امتلكها وسيسها لحسابه كما عشناه عقودا، وإذا كانت قوية فرضت عليه صيغتها الذاتية للتعيينات والترقيات كما في باكستان)..

ولهذا نرى النموذج الأمريكي – وهو نظام رئاسي يقترب من البرلماسي – لابد فيه من تصديق البرلمان على اختيار القيادات العسكرية، بل لابد من تصديق مجلس الشيوخ على كشوف الترقيات العسكرية دون القيادية، وهذا لخصوصية المؤسسة العسكرية (احتكار العنف المسلح) وإمكانية تهديدها للنسق الديمقراطي ( في حال امتلاك الرئيس أو حزب ما لها، أو في حال فرضها لرؤيتها الذاتية على السلطة التنفيذية).



ج – مادة 183 .. هي تحاكي صلاحيات نظام مبارك في تعيين أعضاء ورئيس المحكمة الدستورية ولاتشترط تصديق البرلمان! (النموذج الأمريكي المفروض أنه رئاسي ولكنه يشترط موافقة البرلمان على اختيار أعضاء المحكمة العلي)



د - هي مادة خطيرة نقلها رئيس لجنة الأمن القومي بالجمعية الدستورية في برنامج يسري فودة (حلقتان متتاليتان) عن أحقية الرئيس في استدعاء القوات المسلحة لحفظ الأمن الداخلي بعد أخذ رأي مجلس الدفاع الوطني، وهي أكثر مافي حديثي اليوم خطرا. ولقد فشلت في أن أجد هذه المادة أو مافي موضوعها في مسودة الدستور المنشورة 14 أكتوبر.. وهناك ثلاثة احتمالات:

الأول - أنها موجودة (مزنوقة في حتة) وغابت عن نظري، وأتمنى من كل حاد بصر أن يشير إليها.الثاني - أنها من ضمن المواد التي لازالت تحت النظر وسيتم إخراجها بعد حين (يامسهّل)

الثالث - أنه تم إلغاؤها.. وهذا خطير - لأن ترتيب هذه المسألة هي أهم مايجب النص على طريقته بالدستور. ولايترك للقانون أو التشهي.لماذا المادة بالنص السابق الإشارة إليه - أو إلغاء الحديث عن الموضع دستوريا - خطير.. لأن هذه أهم أدوات الاستبداد والاستخدام المسيّس من قبل الرئيس للجيش في ضبط الوضع الداخلي لصالحه. ولأنه لامناص أن يكون القرار مناصفة بين الرئيس وبين أغلبية برلمانية مريحة (قد تصل لحد الثلثين)، وليس توافقا بينه وبين الجيش كما تقول المادة، بل أنه أحيانا يتم اشتراط موافقة رأس السلطة القضائية على هذا الاستدعاء في حال غياب البرلمان أو حتى في وجوده كحيطة دستورية أكبر حين يكون أمامنا واقع سياسي شديد السيولة وقريب عهد بالاستبداد ولم تعتد مؤسساته السياسية على التمييز والفصل بين ماهو مهني وماهو سيادي.



------------------------------

ماأختم به هذا الجزء شيء في غاية الطرافة – والإيلام – في ذات الوقت!



من الواضح الآن أننا نحكي عن نظام رئاسي (أو شديد القرب من الرئاسي) وإن أطلق بعضنا عليه (برلماسي) تجوّزا أو تحريفا - لتخفيف وقعه على أسماع الأتباع والخصوم السياسيين والحالة الشعبية، مع أن قوانا السياسية لو اتفقت على شيء فيما يتعلق بالدستور طيلة عام ونصف بعد الثورة فهو على جعل النظام ليس رئاسيا.



وأنا ليس عندي مشكلة شخصية أن يرى من يتحكم بأغلبية الجمعية التأسيسية أن هذا النظام أو ذاك هو الأصلح بشرطين: أن يدلل لنا على المنطق خلف اختياره ثم لنا الخيار بعد ذلك أفرادا وشعبا، وأن يكون واضحا ومستقيما معنا في توصيفه.



كذلك - ربما ظهرت لحزب الإخوان مسودة أو اكثر للدستور حين لم يكن لهم مرشح وكانت لهم الأغلبية البرلمانية (يناير - فبراير ...) ، وكذلك تحدث بعض قياداتهم عما يرونه في الدستور المقبل، وأشاروا أنهم يريدون تبني النظام البرلماسي ومتابعة النموذج الفرنسي، ولكن حين قرأنا هذه المسودة وتابعنا كلام هؤلاء القيادات للإعلام وجدنا أنهم يختارون نظاما أقرب للبرلماني وإن سموه برلماسيا.. في هذا النظام ماعلى الرئيس إلا أن يختار من تقدمه له الأغلبية البرلمانية ولكنه لايتدخل في تعيين وعزل الوزراء (على خلاف النموذج الفرنسي الذي يحق للرئيس فيه تعيين رئيس الحكومة ولكن لايمكن عزله إلا بإسقاط الحكومة والبرلمان معا، أما الوزراء فيحق له التدخل في تعيينهم وعزلهم).



والتباين الشديد بين خيارات الإخوان حين كان لهم أغلبية برلمان وحين أضحى لهم رئيس وسقط البرلمان بخصوص النظام الأمثل لمصر.. هو مثال عملي لما يسميه متخصصوا السياسة بتضارب المصالح

Conflict of interests

، وأن منهج إنشاء الدستور المصري كان لابد أن يبطل هذا التضارب قدر الإمكان،



وليس في حديثي هذا نعاية على خيار الشعب أو رفضه بخصوص جعل انتخابات البرلمان والرئاسة قبل صنع الدستور، ولكنه توضيح حقيقة في الوعي السياسي والدستوري من واجبي إبانتها، وأن النظام السياسي لدولة وإنشاؤه أخطر كثيرا ويتطلب درجة من التوازن والاستقامة أعلى من أن ترتهن لمصالح حزب أو مجموعة أحزاب وتتأرجح مع تأرجح حظوظها السياسية بين فترة وأخرى.



----------------------

وفي الحلقة القادمة إن شاء الله نتناول وضعية المؤسسة العسكرية بالدستور.. وهو حديث أمللنا أسماعكم به لعام ونصف، وربنا يجعل له آخر!



شريف عبد الله
عضو صاعد
عضو صاعد

عدد المساهمات : 51
تاريخ التسجيل : 02/09/2012

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى