آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
صفحة 1 من اصل 5
صفحة 1 من اصل 5 • 1, 2, 3, 4, 5
آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرحبا الساع للجميع
اليوم راح أنزل لكم قصة متميزة ورائعة
قصة آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
أرجو أن تنال أعجابكم
نبدأ
الجزء الأول
يومٌ خريفي بارد.. برودته الخافتة المرتعشة تسربت بحدة موحشة للروح قبل الجسد
إنها واشنطن دي سي.. أواخر شهر سبتمبر..شهر الخريف المرير
تقلبات الأجواء.. واصفرار الأشجار.. ووجع الغربة
وآه يا وجع الغربة.. ما أقساها على روحه الحرة المستنزفة شوقاً موجعاً لأرضه
لا شيء يستنزف الروح شيئاً فشيئاً كإحساس الغربة، هذا الإحساس الذي يبدأ بالتهام الروح حتى يحيلها رماداً
وتكون العودة للوطن هي كعودة العنقاء التي تقوم من رمادها حين يعبرها جسدٌ حيٌّ كما تقول الأسطورة
وهكذا هو الوطن!! هو الجسد الحيُّ الذي يعيد الروح لبقايا الرماد..
وهاهو الغريب المشتاق المعتصم بجَلَده ودفء ذكرياته وحرارة حنينه يقف في موقف الحافلات القريب من منزله وقفته المعتدّة بجسده الفارع الطول
يحكم إغلاق جاكيته الجلدي على صدره العريض ليصدَّ لسعات البرد في ساعات الصباح الباكر
الشمس لم تشرق بعد، ولكن هاهي تغازل الأفق..
"شمسهم الباهتة الهزيلة!!"
ينظر للأفق ( وهذي اسمها شمس.. خلهم يجون عندنا في الدوحة ويعرفون الشمس صدق.. آه يا شمس الدوحة.. ويا دفى الدوحة..جعلش بعد طوايف واشنطن وفوقها البيت الأبيض)
كان عنده سيارة.. ولكنه يفضل استخدام المواصلات العامة في مشوار الجامعة ذهابا وإيابا..
وصلت الحافلة في موعدها
يركب بخطواته الثقيلة الواثقة المعتادة.. يلقي التحية على "ستيفن" سائق الحافلة الزنجي المرح الذي ربط بينهما ودٌّ إنسانيٌّ عمره خمس سنوات منذ سكن في كولومبيا ديسكيرت ودرس في جامعة جورج تاون القريبة..
وهكذا الألفة البشرية تعقد أواصرها بين البشر.. لمجرد كونهم بشر
بالمعنى الحقيقي للبشر!!
لأن هناك بشراً قد لا يكون لهم من البشرية إلاَّ اسمها!!
كان من الممكن أن يلاقي سكناً ملاصقاً للجامعة ولكنه أراد سكناً يكون ملاصقا لمسجد (كافي علي غربة الجسد.. خل قربي من بيت الله يسكن روحي)
بعد إلقاء التحية.. اتخذ مكانه في الحافلة الفارغة تماماً من الركاب في هذا الوقت..
اعتاد الخروج مبكراً حتى يستغل الوقت بالبقاء لأطول وقت في المكتبة لانجاز أطروحته للدكتوراه في إدارة الأعمال.. تبقى عليه هذا العام فقط..
وما أطوله عليه من عام!!!.. رغم أنه كان يضغط على نفسه كثيرا للانتهاء في أسرع وقت..
(أوووف.. لو أني في بريطانيا كان خلصت من زمان)
كما هو معروف: نظام الدراسة في أمريكا أسهل في الماجستير وأصعب في الدكتوراه.
وبريطانيا هي العكس أصعب في الماجستير وأسهل في الدكتوراه
من الممكن للدارس أن ينهي دراسة الدكتوراه في بريطانيا في سنتين فقط لو كان بنظام الفول تايم.. والماجستير سنة واحدة بنفس النظام الفول تايم Full Time
أما أمريكا فهو محتاج لخمس سنوات أو أربع على أقل تقدير في الدكتوراه وذلك في حال نحر نفسه تعبا وضغطا .. بينما الماجستير: ثمانية أشهر في أمريكا تكفيه..
جالسٌ مستغرقٌ في التفكير (الله يلعنهم البريطانيين.. الأنذال.. الباردين) وذاكرته تعود ل12 عاما مضت، وتستعيد السبب الذي حرمه من الدراسة في بريطانيا وإنهاء دراسته بسرعة ليعود إلى صحرائه الغالية... فهذه الغربة أصبحت شديدة الوطأة على روحه البدوية الوثابة..
حين تكون معتادا على صمت الصحراء وعمقها واتساع أفقها.. وجلافة أهلها وشهامتهم حتى وإن تحولت الأرض في اتجاه المدنية ولكن نبضها يبقى صحراويا وروحها تبقى صحراوية وأهلها معتصمون بأخلاقيات الصحراء
ثم تجد نفسك محشورا بين ناطحات السحاب.. وعوادم السيارات.. وانعدام النخوة.. حينها تشعر أن روحك تهوي تحت المقصلة.. وأنك تتمدد على السندان في انتظار المطرقة التي لا تعلم متى ستأتي..
عودة لبريطانيا..كان حينها في السابعة عشرة
اعتاد هو وأبناء عمه محمد :راكان الأكبر منه بسنة، وناصر الأصغر منه بسنة: الذهاب كل صيف لمدينة كامبردج شمال شرق لندن لدراسة اللغة الانجليزية
كان يوجد شباب انجليز.. دائما يتحرشون بهم يريدون التعارك معهم..
وكان العراك دائما بسيطا.. وأحيانا لا يتجاوز مجرد التلاسن بالكلمات..
في ذلك اليوم كان لوحده، وأولاد عمه ناصر وراكان كانوا في لندن عند والدهما
رآهم يتحرشون ببنات عربيات، وهم تحرشوا فيهن قصدا
كانوا يريدون أن يستفردوا به ويضربوه لأنهم رأوه وحيدا
لم يحتمل..ثارت حميته وثار دمه الحار
وللإناث دائما في ثقافة الشهامة العربية هذا القدر الثمين البهي!!
حصل عراك كبير كان فيه هو المنتصر.. والشابان البريطانيان كانت إصاباتهما كسور مختلفة.
في ذلك الحين: حمد ربه أن ناصر وراكان لم يكونا متواجدين
وخصوصا راكان الهادئ العميق الذي كان أكثرهم حِلما.. لكنه ينطبق عليه وصف (احذر الحليم إذا غضب) لأنه إذا اُستثير وضرب فهو لا يرحم من يلقيه القدر أمامه وخصوصا مع ضخامة جسده التي تتجاوزهم جميعا
السفير القطري استطاع إنهاء الموضوع
وآباء الشبان الذين كانوا من النبلاء البريطانيين عرفوا أن أبنائهم هم المخطئون فقبلوا اعتذار السفارة
لكن اسكوتلانديارد (الشرطة البريطانية) وجهت له تحذيرا مهذبا: إنه غير مرحب فيه في بريطانيا.. اعتقد وقتها أن التحذير غير مقصود
وهو فعلا لم يعد لبريطانيا لأنه انشغل في دراسته الجامعية..
لكن بعد الحادثة إياها بأربع سنوات..
كان جده الأثير الغالي كبير العائلة في مرضه الأخير في لندن
كان أبوه وعمه عنده.. لكنه لما أحس بدنو أجله.. أرسل في طلب أحفاده الشباب الخمسة كلهم حتى أصغرهم فارس اليتيم الذي كان وقتها في ال18 من عمره..
حطوا في مطار هيثرو.. وجميعهم أنجزوا إجراءاتهم بسرعة إلا هو.. حجزوه لليوم التالي وهو لا يعرف السبب.. وبعدها صارحوه: "احنا مو قلنا لك إنك غير مرحب فيك هنا"
ثم سمحوا له بالخروج بعد تدخل السفارة للمرة الثانية
عاد بعدها بأيام على نفس الطائرة مع جثمان جده
وهو يعد نفسه أنه لن يعود لهذه البلد التي أهانته.. وكسرت عنفوان جده وهيبته
ليعود ذلك الرجل القوي الصلب من تلك البلاد الباردة جسدا باردا في صندوق بارد!!
جده الذي صنع منهم كلهم نماذج مصغرة له
نماذج تختلف في شخصياتها وأشكالها ولكنه أورثهم جميعا صفتين إحداها خَلقية والأخرى خُلقية:
الطول الفارع، والاعتداد البالغ بالنفس.
" ميشيل.. ميشيل"
انتزعه من ذكرياته التي تطوف به أرجاء الدوحة التي يغتاله شوقه لها وحنينه لأهله فيها.. صوتها الهامس الضعيف
ابتسم وهو يراها تجلس مقابلة له بضعفها البادي وشعيراتها البيضاء المتناثرة حول وجهها الغارق في التجاعيد
وهمس لها بانجليزية سليمة بلكنة أميركية واثقة : صباح الخير جانيت.. إنها المرة المليون التي أقول لك اسمي مشعل.. واكره اسم ميشيل هذا
ابتسمت: أوه ميشيل.. اسمك صعب.. هل ستعاتب سيدة جميلة مثلي حين تخطئ في اسمك كل مرة.. ألا تخجل؟!
مشعل بابتسامة: لا لا أخجل.. سأبقى أقولها حتى تتقني نطق حرف العين..
نظر مشعل لجانيت بحنان إنساني شاسع..
يشعر نحو هذه العجوز بحنان بالغ.. رغم سنوات عمرها التي قاربت السبعين إلا أنها مازالت تعمل في أحد مصانع النسيج في ضواحي كولومبيا ديسكيرت
لا أنيس لها.. بعد أن تركها أبنائها وتفرقوا في أنحاء الولايات المتحدة الأميركية ونسوا أن لهم أم
اعتادت تبادل أطراف الحديث مع مشعل بعد أن تركب في المحطة التالية له.. وتنزله في الجامعة.. لتكمل هي طريقها للضواحي..
ابتسم مشعل وأكمل بلغته: فديت العجايز ياجانيت عشان عجوزن في الدوحة..
ابتسمت جانيت وهي تهزُّ رأسها بعدم فهم: أكرهك حين تتكلم بلغتك.. أشعر أنك تسخر مني.. ثم أردفت بابتسامة مرحة: هل تسخر مني أيها الوسيم؟؟
ضحك مشعل: أ هذا يعني أنني لست مرعبا..كمصارعٍ مكسيكي..؟؟
ضحكت جانيت وهي تستعيد ذكرى لقائهم الأول، حينها ارتعبت من طوله الفارع ولأن شكله يشبه شكل من يسمونهم (اللاتينيين) اعتقدت أنه مصارع مكسيكي
أجابت: اعتدت على شكلك وأحببته حتى أقنعت نفسي بوسامتك..
لم يكن مشعل وسيما بالمعنى المعروف للوسامة ولا حتى بأي صورة.. ولكن ملامحه السمراء الحادة كانت محددة برجولة هادرة بالغة الجاذبية..
عاد مشعل للابتسام وهو يغير الموضوع ويقول: هل قرأتِ الكتاب الذي أعطيتكِ إياه المرة الماضية؟؟
ابتسمت جانيت وقالت: أعرف أن دينكم حق.. والكتب التي ملئت منزلي والتي تحضرها أنت لي تثبت لي ذلك.. ودينكم يقول: أنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء.. لا تستعجلني.. فأنا كاثوليكية مؤمنة.
ضحك مشعل: يعني مطوعة المسيحيين؟؟
جانيت تضحك: هأنت تعود لإحراجي بكلامك الذي لا أفهمه.. اقتربت جامعتك قم لتنزل... ثم أكملت وهي تخرج نقود من حقيبتها: وأريدك يا بني لو استطعت أن تسدد هاتفي
مشعل بغضب وهو يستعد للنزول: أعيدي نقودكِ لحقيبتكِ، سأسدد هاتفكِ بعد أن أخرج من الكلية
جانيت بحرج: لكن!!
قاطعها نزول مشعل وهو يلوح لها بيده
وينزل ليعبر بوابة جامعة جورج تاون الضخمة العريقة
جامعة جورج تاون تقع في كولومبيا ديسكيرت بالقرب من أخطر مكانين في العالم: البيت الأبيض (مقر الرئيس الأمريكي) والبنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية)
حين أُنشئت في القرن الثامن عشر الميلادي كانت جامعة كهنوتية كنسية
ولكنها اليوم من أكثر الجامعات انفتاحاً دينياً رغم تقاليدها الكنسية المتوارثة
بها طلاب من جميع الأديان، بل هي أول جامعة أميركية تعين إماماً مسلماً ليؤم الطلبة المسلمين فيها
وبها مركز للدراسات العربية المعاصرة هو الأضخم في أمريكا، وبها قسم لتدريس اللغة العربية هو الأفضل من بين كل الجامعات الأميركية
اشتهرت بتخصصين على كل مستوى العالم: السياسة، والاقتصاد
أشهر السياسيين الأميركيين أمَّا تخرجوا منها وأمَّا مازالوا أساتذة فيها
منهم على سبيل المثال "بيل كلينتون" الذي تخرج منها
و"مادلين أولبرايت" و "جورج تينت" اللذان مازالا يدَّرسان فيها
وأساتذتها يشكلون دائما خياراً متاحاً ممتازاً لأيِّ منصبٍ حكوميٍّ أميركيٍّ فارغ.
أمَّا الطريف بالنسبة لهذه الجامعة أنها منعت النساء/ الطالبات من الدراسة فيها حتى منتصف القرن العشرين..
حتى لا يتشدقوا علينا ويتهموننا نحن العرب بالتحجر!!!
وصل مشعل للمكتبة الرئيسية في الجامعة: مكتبة جوزيف مارك لوينجر (سُميت بهذا الاسم تخليدا لأحد ضحايا حرب فيتنام) ، كانت المكتبة تحتل مبنى حجريا ضخما مستقلا في الناحية الغربية من الجامعة
مازال الوقت مبكراً جداً.. لا يوجد سوى موظف الأمن الذي اعتاد على رؤية مشعل في هذا الوقت.
اختار زاويته المفضلة، وأخرج أوراقه وحاسوبه المحمول، وسرعان ما استغرق في العمل
بعد حوالي 40 دقيقة.. همسات عند أذنه: مشعل.. مشعل
ألتفت للصوت الذي عرفه وابتسم وهو يقول بهمس مرحب بصوت خافت جدا احتراما لتقاليد المكتبة : هلا سعيد.. ياحياك الله يارجّال..
سعيد بابتسامة وهو يسحب مقعداً ويجلس بجوار مشعل ويميل لأذنه ويقول بهمس: أنت داري أني مواصل ما بعد رقدت.. جاي أدور لك..3 أيام ماشفتك.. حرام عليك يا أخي!! ارحم نفسك شوي ترا عمرك 29 سنة يعني مهوب 50 عشان تستقتل على المخلاص.
مشعل بملل حزين: تعبت يا أخيك من ذا الديرة ما أبغي إلاَّ الفكة وديرتي، أنت داري أن موسم القنص خلاص بدأ.. وأنا قاعد هنا مقابل ذا الوجيه الودرة.
سعيد (بعيارة): حد يعيف أمريكا، صدق إنك بدوي طرت وإلا وقعت
يعني دكتوراة وتفوق ولغة وأمريكا..ومع كذا ماتبي غير برانك وأبلك وطيرك
مشعل بابتسامة ترنو للبعيد: جعل طيري بعدهم!!
سعيد كمن تذكر شيئا.. همس لمشعل كمن يخبره سرا: فيه بنية قطرية توها واصلة من كم أسبوع سجلت معنا في الجامعة ماجستير
مشعل ينظر لسعيد نظرة غضب: تهبى أنت وجهك وأنا مشعل بن عبدالله بن مشعل آل فارس الــ ..من متى وأنا أدور علوم النسوان؟؟
سعيد يكتم ضحكته: يا أخي حد طلب منك البطاقة الشخصية؟!!
وبعدين على ويش مستحمق؟؟ وش فيك مهوب فيني؟؟.. تراني أنا وياك من نفس القبيلة يا ولد آل فارس
مشعل بغضب مكتوم: فيك إن ذا الديرة علمتك قل السنع
سعيد يبتسم: أنا ما أدري بصراحة مخك وين راح.. أنا بس كنت أبي أقول لك عن ذا البنية.. لأنها بصراحة غريبة
مشعل بعدم اهتمام: ليه يعني تطيح الطير من السما؟؟
سعيد بنبرة اهتمام: بالعكس عادية جدا.. لكن فيها شيئين غريبين:
الشيء الأول تعرف أنه البنات أول ما يجون هنا خايفين ويبون حد يساعدهم الشباب في نادي الطلاب القطريين اتصلوا فيها يبون يشوفون هي تبي مساعدة، بس هي رفضت، وقالت أعرف أصرّف روحي
الشيء الثاني: لبسها: يعني البنات هنا في الجامعة اللي بتذبح روحها بالستر، بتلبس جلباب وحجاب ويكون لونه فاتح، لكنها هي يالله تشوف حدود وجهها من كثر ماهي شادة حجابها على وجهها ولابسة عباة سوداء
مشعل وهو يريد إنهاء الحوار: الله يستر عليها وش نبي ..
قاطعه سعيد يضحك بخفوت: لا واسمها هيا بعد.. اسم عجوز
غصباً عنه: وجد مشعل نفسه يبتسم واسم (هيا) يداعب أذنه كموسيقى عذبة.. يا الله كم يحب هذا الاسم الذي يسكن حناياه!!
ويتسرب إلى عمق روحه.. اسم يشده إلى جذوره.. وعبق وطنه
رائحة جدائلها العتيقة العطرة العذبة تتسرب إلى خياشيمه كسحرٍ أبديٍّ حين كان يلتف بجديلتها الطويلة ويستكين في حضنها الدافئ.. و.........
ولكنه انتزع نفسه من أفكاره وهو يقول لسعيد: سعيدان جعل السلال يضرب بطنك أنت جاي تشوفني؟ وإلا تهل لي شريطك مثل النسوان؟..أنت منت بشايفني رجّال قدامك؟!
سعيد يضحك بصوت عالي لفت انتباه رواد المكتبة القلائل: أنا أبي أدري وش أنا أحب فيك.. شايف حالك.. يعني عشان الله معطيكم أنت وعيال عمك شوي طول، شايفين حالكم على العالم........ وأكمل بنبرة حزن مصطنعة: لنا الله احنا القصار
مشعل يبتسم ويقول بجدية لا تتناسب مع ابتسامته: الرجّال اللي مرجلته في طوله وإلا عرضه مهوب رجّال..وأنا وعيال عمي رياجيل حتى لو كنا أشبار القاع.. ثم أكمل بنبرة اهتمام: إلا عيال عمي وش دخلهم في السالفة؟؟
سعيد بلؤم وهو يريد إغاظة مشعل لأنه يعلم تولع مشعل بأبناء عمومته: كذا طروا على بالي، بصراحة كلهم كلهم مشعل وراكان وناصر وفارس شايفين حالهم، على شنو ما أدري، وخصوصا سميك مشعل ما ينبلع، راسم روحه زيادة عن اللزوم.. ثم أكمل بلؤم أكبر مقصود: إلاَّ مرته وش اسمها؟؟
لأنه يعلم أن زوجة مشعل بن محمد هي شقيقة مشعل بن عبدالله الكبرى
مشعل بغضب هادر وهو يهمس ويصرُّ على أسنانه: والله لو أني ما ني بداري أنك تضحك، وإلاّ والله ما أخليك تطلع من ذا المكتبة على أرجيلك
سعيد بطريقته المرحة المعبرة عن طيبة قلبه والتي يعرفها مشعل جيدا وهو يحرك أصابعه ويرف برموشه بسرعة بطريقة أنثوية وهو يهمس بدلالٍ تمثيليٍّ مصطنع: وس فيك أنته عسبي جذيه؟؟ ترا عاتي لو تبي أقول لك أسماء خواتي الست قلت لك.. يمكن يعجبك اسم وحده فيهم وتريحنا منها..
غصبا عنه: ابتسم مشعل لا يستطيع أن يغضب من سعيد الذي يشكل نسيماً عليلاً يهب على روحه في هذه الأرض فهما يشكلان غصنان لذات الأرض، ذات القبيلة ، ذات اللهجة
رابطٌ يربطه بهناك.. حتى لا يجن من هنا!!
ابتسم وتفكيره يأخذه إلى شقيقاته الأربع.. أميراته الأثيرات الثمينات
مستعدٌ هو أن يمزق بأسنانه وبدون أدنى رحمة من يدوس على طرف ظل واحدة منهن!
مجرد ظلها!!
أو حتى يقترب من حدود مضايقتها!!
حتى المتزوجات منهن مازال يشعر أنه المسؤول الأول عنهن، رغم وجود والده وأزواجهن..
مرحبا الساع للجميع
اليوم راح أنزل لكم قصة متميزة ورائعة
قصة آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
أرجو أن تنال أعجابكم
نبدأ
الجزء الأول
يومٌ خريفي بارد.. برودته الخافتة المرتعشة تسربت بحدة موحشة للروح قبل الجسد
إنها واشنطن دي سي.. أواخر شهر سبتمبر..شهر الخريف المرير
تقلبات الأجواء.. واصفرار الأشجار.. ووجع الغربة
وآه يا وجع الغربة.. ما أقساها على روحه الحرة المستنزفة شوقاً موجعاً لأرضه
لا شيء يستنزف الروح شيئاً فشيئاً كإحساس الغربة، هذا الإحساس الذي يبدأ بالتهام الروح حتى يحيلها رماداً
وتكون العودة للوطن هي كعودة العنقاء التي تقوم من رمادها حين يعبرها جسدٌ حيٌّ كما تقول الأسطورة
وهكذا هو الوطن!! هو الجسد الحيُّ الذي يعيد الروح لبقايا الرماد..
وهاهو الغريب المشتاق المعتصم بجَلَده ودفء ذكرياته وحرارة حنينه يقف في موقف الحافلات القريب من منزله وقفته المعتدّة بجسده الفارع الطول
يحكم إغلاق جاكيته الجلدي على صدره العريض ليصدَّ لسعات البرد في ساعات الصباح الباكر
الشمس لم تشرق بعد، ولكن هاهي تغازل الأفق..
"شمسهم الباهتة الهزيلة!!"
ينظر للأفق ( وهذي اسمها شمس.. خلهم يجون عندنا في الدوحة ويعرفون الشمس صدق.. آه يا شمس الدوحة.. ويا دفى الدوحة..جعلش بعد طوايف واشنطن وفوقها البيت الأبيض)
كان عنده سيارة.. ولكنه يفضل استخدام المواصلات العامة في مشوار الجامعة ذهابا وإيابا..
وصلت الحافلة في موعدها
يركب بخطواته الثقيلة الواثقة المعتادة.. يلقي التحية على "ستيفن" سائق الحافلة الزنجي المرح الذي ربط بينهما ودٌّ إنسانيٌّ عمره خمس سنوات منذ سكن في كولومبيا ديسكيرت ودرس في جامعة جورج تاون القريبة..
وهكذا الألفة البشرية تعقد أواصرها بين البشر.. لمجرد كونهم بشر
بالمعنى الحقيقي للبشر!!
لأن هناك بشراً قد لا يكون لهم من البشرية إلاَّ اسمها!!
كان من الممكن أن يلاقي سكناً ملاصقاً للجامعة ولكنه أراد سكناً يكون ملاصقا لمسجد (كافي علي غربة الجسد.. خل قربي من بيت الله يسكن روحي)
بعد إلقاء التحية.. اتخذ مكانه في الحافلة الفارغة تماماً من الركاب في هذا الوقت..
اعتاد الخروج مبكراً حتى يستغل الوقت بالبقاء لأطول وقت في المكتبة لانجاز أطروحته للدكتوراه في إدارة الأعمال.. تبقى عليه هذا العام فقط..
وما أطوله عليه من عام!!!.. رغم أنه كان يضغط على نفسه كثيرا للانتهاء في أسرع وقت..
(أوووف.. لو أني في بريطانيا كان خلصت من زمان)
كما هو معروف: نظام الدراسة في أمريكا أسهل في الماجستير وأصعب في الدكتوراه.
وبريطانيا هي العكس أصعب في الماجستير وأسهل في الدكتوراه
من الممكن للدارس أن ينهي دراسة الدكتوراه في بريطانيا في سنتين فقط لو كان بنظام الفول تايم.. والماجستير سنة واحدة بنفس النظام الفول تايم Full Time
أما أمريكا فهو محتاج لخمس سنوات أو أربع على أقل تقدير في الدكتوراه وذلك في حال نحر نفسه تعبا وضغطا .. بينما الماجستير: ثمانية أشهر في أمريكا تكفيه..
جالسٌ مستغرقٌ في التفكير (الله يلعنهم البريطانيين.. الأنذال.. الباردين) وذاكرته تعود ل12 عاما مضت، وتستعيد السبب الذي حرمه من الدراسة في بريطانيا وإنهاء دراسته بسرعة ليعود إلى صحرائه الغالية... فهذه الغربة أصبحت شديدة الوطأة على روحه البدوية الوثابة..
حين تكون معتادا على صمت الصحراء وعمقها واتساع أفقها.. وجلافة أهلها وشهامتهم حتى وإن تحولت الأرض في اتجاه المدنية ولكن نبضها يبقى صحراويا وروحها تبقى صحراوية وأهلها معتصمون بأخلاقيات الصحراء
ثم تجد نفسك محشورا بين ناطحات السحاب.. وعوادم السيارات.. وانعدام النخوة.. حينها تشعر أن روحك تهوي تحت المقصلة.. وأنك تتمدد على السندان في انتظار المطرقة التي لا تعلم متى ستأتي..
عودة لبريطانيا..كان حينها في السابعة عشرة
اعتاد هو وأبناء عمه محمد :راكان الأكبر منه بسنة، وناصر الأصغر منه بسنة: الذهاب كل صيف لمدينة كامبردج شمال شرق لندن لدراسة اللغة الانجليزية
كان يوجد شباب انجليز.. دائما يتحرشون بهم يريدون التعارك معهم..
وكان العراك دائما بسيطا.. وأحيانا لا يتجاوز مجرد التلاسن بالكلمات..
في ذلك اليوم كان لوحده، وأولاد عمه ناصر وراكان كانوا في لندن عند والدهما
رآهم يتحرشون ببنات عربيات، وهم تحرشوا فيهن قصدا
كانوا يريدون أن يستفردوا به ويضربوه لأنهم رأوه وحيدا
لم يحتمل..ثارت حميته وثار دمه الحار
وللإناث دائما في ثقافة الشهامة العربية هذا القدر الثمين البهي!!
حصل عراك كبير كان فيه هو المنتصر.. والشابان البريطانيان كانت إصاباتهما كسور مختلفة.
في ذلك الحين: حمد ربه أن ناصر وراكان لم يكونا متواجدين
وخصوصا راكان الهادئ العميق الذي كان أكثرهم حِلما.. لكنه ينطبق عليه وصف (احذر الحليم إذا غضب) لأنه إذا اُستثير وضرب فهو لا يرحم من يلقيه القدر أمامه وخصوصا مع ضخامة جسده التي تتجاوزهم جميعا
السفير القطري استطاع إنهاء الموضوع
وآباء الشبان الذين كانوا من النبلاء البريطانيين عرفوا أن أبنائهم هم المخطئون فقبلوا اعتذار السفارة
لكن اسكوتلانديارد (الشرطة البريطانية) وجهت له تحذيرا مهذبا: إنه غير مرحب فيه في بريطانيا.. اعتقد وقتها أن التحذير غير مقصود
وهو فعلا لم يعد لبريطانيا لأنه انشغل في دراسته الجامعية..
لكن بعد الحادثة إياها بأربع سنوات..
كان جده الأثير الغالي كبير العائلة في مرضه الأخير في لندن
كان أبوه وعمه عنده.. لكنه لما أحس بدنو أجله.. أرسل في طلب أحفاده الشباب الخمسة كلهم حتى أصغرهم فارس اليتيم الذي كان وقتها في ال18 من عمره..
حطوا في مطار هيثرو.. وجميعهم أنجزوا إجراءاتهم بسرعة إلا هو.. حجزوه لليوم التالي وهو لا يعرف السبب.. وبعدها صارحوه: "احنا مو قلنا لك إنك غير مرحب فيك هنا"
ثم سمحوا له بالخروج بعد تدخل السفارة للمرة الثانية
عاد بعدها بأيام على نفس الطائرة مع جثمان جده
وهو يعد نفسه أنه لن يعود لهذه البلد التي أهانته.. وكسرت عنفوان جده وهيبته
ليعود ذلك الرجل القوي الصلب من تلك البلاد الباردة جسدا باردا في صندوق بارد!!
جده الذي صنع منهم كلهم نماذج مصغرة له
نماذج تختلف في شخصياتها وأشكالها ولكنه أورثهم جميعا صفتين إحداها خَلقية والأخرى خُلقية:
الطول الفارع، والاعتداد البالغ بالنفس.
" ميشيل.. ميشيل"
انتزعه من ذكرياته التي تطوف به أرجاء الدوحة التي يغتاله شوقه لها وحنينه لأهله فيها.. صوتها الهامس الضعيف
ابتسم وهو يراها تجلس مقابلة له بضعفها البادي وشعيراتها البيضاء المتناثرة حول وجهها الغارق في التجاعيد
وهمس لها بانجليزية سليمة بلكنة أميركية واثقة : صباح الخير جانيت.. إنها المرة المليون التي أقول لك اسمي مشعل.. واكره اسم ميشيل هذا
ابتسمت: أوه ميشيل.. اسمك صعب.. هل ستعاتب سيدة جميلة مثلي حين تخطئ في اسمك كل مرة.. ألا تخجل؟!
مشعل بابتسامة: لا لا أخجل.. سأبقى أقولها حتى تتقني نطق حرف العين..
نظر مشعل لجانيت بحنان إنساني شاسع..
يشعر نحو هذه العجوز بحنان بالغ.. رغم سنوات عمرها التي قاربت السبعين إلا أنها مازالت تعمل في أحد مصانع النسيج في ضواحي كولومبيا ديسكيرت
لا أنيس لها.. بعد أن تركها أبنائها وتفرقوا في أنحاء الولايات المتحدة الأميركية ونسوا أن لهم أم
اعتادت تبادل أطراف الحديث مع مشعل بعد أن تركب في المحطة التالية له.. وتنزله في الجامعة.. لتكمل هي طريقها للضواحي..
ابتسم مشعل وأكمل بلغته: فديت العجايز ياجانيت عشان عجوزن في الدوحة..
ابتسمت جانيت وهي تهزُّ رأسها بعدم فهم: أكرهك حين تتكلم بلغتك.. أشعر أنك تسخر مني.. ثم أردفت بابتسامة مرحة: هل تسخر مني أيها الوسيم؟؟
ضحك مشعل: أ هذا يعني أنني لست مرعبا..كمصارعٍ مكسيكي..؟؟
ضحكت جانيت وهي تستعيد ذكرى لقائهم الأول، حينها ارتعبت من طوله الفارع ولأن شكله يشبه شكل من يسمونهم (اللاتينيين) اعتقدت أنه مصارع مكسيكي
أجابت: اعتدت على شكلك وأحببته حتى أقنعت نفسي بوسامتك..
لم يكن مشعل وسيما بالمعنى المعروف للوسامة ولا حتى بأي صورة.. ولكن ملامحه السمراء الحادة كانت محددة برجولة هادرة بالغة الجاذبية..
عاد مشعل للابتسام وهو يغير الموضوع ويقول: هل قرأتِ الكتاب الذي أعطيتكِ إياه المرة الماضية؟؟
ابتسمت جانيت وقالت: أعرف أن دينكم حق.. والكتب التي ملئت منزلي والتي تحضرها أنت لي تثبت لي ذلك.. ودينكم يقول: أنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء.. لا تستعجلني.. فأنا كاثوليكية مؤمنة.
ضحك مشعل: يعني مطوعة المسيحيين؟؟
جانيت تضحك: هأنت تعود لإحراجي بكلامك الذي لا أفهمه.. اقتربت جامعتك قم لتنزل... ثم أكملت وهي تخرج نقود من حقيبتها: وأريدك يا بني لو استطعت أن تسدد هاتفي
مشعل بغضب وهو يستعد للنزول: أعيدي نقودكِ لحقيبتكِ، سأسدد هاتفكِ بعد أن أخرج من الكلية
جانيت بحرج: لكن!!
قاطعها نزول مشعل وهو يلوح لها بيده
وينزل ليعبر بوابة جامعة جورج تاون الضخمة العريقة
جامعة جورج تاون تقع في كولومبيا ديسكيرت بالقرب من أخطر مكانين في العالم: البيت الأبيض (مقر الرئيس الأمريكي) والبنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية)
حين أُنشئت في القرن الثامن عشر الميلادي كانت جامعة كهنوتية كنسية
ولكنها اليوم من أكثر الجامعات انفتاحاً دينياً رغم تقاليدها الكنسية المتوارثة
بها طلاب من جميع الأديان، بل هي أول جامعة أميركية تعين إماماً مسلماً ليؤم الطلبة المسلمين فيها
وبها مركز للدراسات العربية المعاصرة هو الأضخم في أمريكا، وبها قسم لتدريس اللغة العربية هو الأفضل من بين كل الجامعات الأميركية
اشتهرت بتخصصين على كل مستوى العالم: السياسة، والاقتصاد
أشهر السياسيين الأميركيين أمَّا تخرجوا منها وأمَّا مازالوا أساتذة فيها
منهم على سبيل المثال "بيل كلينتون" الذي تخرج منها
و"مادلين أولبرايت" و "جورج تينت" اللذان مازالا يدَّرسان فيها
وأساتذتها يشكلون دائما خياراً متاحاً ممتازاً لأيِّ منصبٍ حكوميٍّ أميركيٍّ فارغ.
أمَّا الطريف بالنسبة لهذه الجامعة أنها منعت النساء/ الطالبات من الدراسة فيها حتى منتصف القرن العشرين..
حتى لا يتشدقوا علينا ويتهموننا نحن العرب بالتحجر!!!
وصل مشعل للمكتبة الرئيسية في الجامعة: مكتبة جوزيف مارك لوينجر (سُميت بهذا الاسم تخليدا لأحد ضحايا حرب فيتنام) ، كانت المكتبة تحتل مبنى حجريا ضخما مستقلا في الناحية الغربية من الجامعة
مازال الوقت مبكراً جداً.. لا يوجد سوى موظف الأمن الذي اعتاد على رؤية مشعل في هذا الوقت.
اختار زاويته المفضلة، وأخرج أوراقه وحاسوبه المحمول، وسرعان ما استغرق في العمل
بعد حوالي 40 دقيقة.. همسات عند أذنه: مشعل.. مشعل
ألتفت للصوت الذي عرفه وابتسم وهو يقول بهمس مرحب بصوت خافت جدا احتراما لتقاليد المكتبة : هلا سعيد.. ياحياك الله يارجّال..
سعيد بابتسامة وهو يسحب مقعداً ويجلس بجوار مشعل ويميل لأذنه ويقول بهمس: أنت داري أني مواصل ما بعد رقدت.. جاي أدور لك..3 أيام ماشفتك.. حرام عليك يا أخي!! ارحم نفسك شوي ترا عمرك 29 سنة يعني مهوب 50 عشان تستقتل على المخلاص.
مشعل بملل حزين: تعبت يا أخيك من ذا الديرة ما أبغي إلاَّ الفكة وديرتي، أنت داري أن موسم القنص خلاص بدأ.. وأنا قاعد هنا مقابل ذا الوجيه الودرة.
سعيد (بعيارة): حد يعيف أمريكا، صدق إنك بدوي طرت وإلا وقعت
يعني دكتوراة وتفوق ولغة وأمريكا..ومع كذا ماتبي غير برانك وأبلك وطيرك
مشعل بابتسامة ترنو للبعيد: جعل طيري بعدهم!!
سعيد كمن تذكر شيئا.. همس لمشعل كمن يخبره سرا: فيه بنية قطرية توها واصلة من كم أسبوع سجلت معنا في الجامعة ماجستير
مشعل ينظر لسعيد نظرة غضب: تهبى أنت وجهك وأنا مشعل بن عبدالله بن مشعل آل فارس الــ ..من متى وأنا أدور علوم النسوان؟؟
سعيد يكتم ضحكته: يا أخي حد طلب منك البطاقة الشخصية؟!!
وبعدين على ويش مستحمق؟؟ وش فيك مهوب فيني؟؟.. تراني أنا وياك من نفس القبيلة يا ولد آل فارس
مشعل بغضب مكتوم: فيك إن ذا الديرة علمتك قل السنع
سعيد يبتسم: أنا ما أدري بصراحة مخك وين راح.. أنا بس كنت أبي أقول لك عن ذا البنية.. لأنها بصراحة غريبة
مشعل بعدم اهتمام: ليه يعني تطيح الطير من السما؟؟
سعيد بنبرة اهتمام: بالعكس عادية جدا.. لكن فيها شيئين غريبين:
الشيء الأول تعرف أنه البنات أول ما يجون هنا خايفين ويبون حد يساعدهم الشباب في نادي الطلاب القطريين اتصلوا فيها يبون يشوفون هي تبي مساعدة، بس هي رفضت، وقالت أعرف أصرّف روحي
الشيء الثاني: لبسها: يعني البنات هنا في الجامعة اللي بتذبح روحها بالستر، بتلبس جلباب وحجاب ويكون لونه فاتح، لكنها هي يالله تشوف حدود وجهها من كثر ماهي شادة حجابها على وجهها ولابسة عباة سوداء
مشعل وهو يريد إنهاء الحوار: الله يستر عليها وش نبي ..
قاطعه سعيد يضحك بخفوت: لا واسمها هيا بعد.. اسم عجوز
غصباً عنه: وجد مشعل نفسه يبتسم واسم (هيا) يداعب أذنه كموسيقى عذبة.. يا الله كم يحب هذا الاسم الذي يسكن حناياه!!
ويتسرب إلى عمق روحه.. اسم يشده إلى جذوره.. وعبق وطنه
رائحة جدائلها العتيقة العطرة العذبة تتسرب إلى خياشيمه كسحرٍ أبديٍّ حين كان يلتف بجديلتها الطويلة ويستكين في حضنها الدافئ.. و.........
ولكنه انتزع نفسه من أفكاره وهو يقول لسعيد: سعيدان جعل السلال يضرب بطنك أنت جاي تشوفني؟ وإلا تهل لي شريطك مثل النسوان؟..أنت منت بشايفني رجّال قدامك؟!
سعيد يضحك بصوت عالي لفت انتباه رواد المكتبة القلائل: أنا أبي أدري وش أنا أحب فيك.. شايف حالك.. يعني عشان الله معطيكم أنت وعيال عمك شوي طول، شايفين حالكم على العالم........ وأكمل بنبرة حزن مصطنعة: لنا الله احنا القصار
مشعل يبتسم ويقول بجدية لا تتناسب مع ابتسامته: الرجّال اللي مرجلته في طوله وإلا عرضه مهوب رجّال..وأنا وعيال عمي رياجيل حتى لو كنا أشبار القاع.. ثم أكمل بنبرة اهتمام: إلا عيال عمي وش دخلهم في السالفة؟؟
سعيد بلؤم وهو يريد إغاظة مشعل لأنه يعلم تولع مشعل بأبناء عمومته: كذا طروا على بالي، بصراحة كلهم كلهم مشعل وراكان وناصر وفارس شايفين حالهم، على شنو ما أدري، وخصوصا سميك مشعل ما ينبلع، راسم روحه زيادة عن اللزوم.. ثم أكمل بلؤم أكبر مقصود: إلاَّ مرته وش اسمها؟؟
لأنه يعلم أن زوجة مشعل بن محمد هي شقيقة مشعل بن عبدالله الكبرى
مشعل بغضب هادر وهو يهمس ويصرُّ على أسنانه: والله لو أني ما ني بداري أنك تضحك، وإلاّ والله ما أخليك تطلع من ذا المكتبة على أرجيلك
سعيد بطريقته المرحة المعبرة عن طيبة قلبه والتي يعرفها مشعل جيدا وهو يحرك أصابعه ويرف برموشه بسرعة بطريقة أنثوية وهو يهمس بدلالٍ تمثيليٍّ مصطنع: وس فيك أنته عسبي جذيه؟؟ ترا عاتي لو تبي أقول لك أسماء خواتي الست قلت لك.. يمكن يعجبك اسم وحده فيهم وتريحنا منها..
غصبا عنه: ابتسم مشعل لا يستطيع أن يغضب من سعيد الذي يشكل نسيماً عليلاً يهب على روحه في هذه الأرض فهما يشكلان غصنان لذات الأرض، ذات القبيلة ، ذات اللهجة
رابطٌ يربطه بهناك.. حتى لا يجن من هنا!!
ابتسم وتفكيره يأخذه إلى شقيقاته الأربع.. أميراته الأثيرات الثمينات
مستعدٌ هو أن يمزق بأسنانه وبدون أدنى رحمة من يدوس على طرف ظل واحدة منهن!
مجرد ظلها!!
أو حتى يقترب من حدود مضايقتها!!
حتى المتزوجات منهن مازال يشعر أنه المسؤول الأول عنهن، رغم وجود والده وأزواجهن..
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الثاني
في نفس الوقت.. ولكن على بعد آلاف آلاف الكيلومترات
الدوحة.. الوقت بعد المغرب بتوقيتها
بيت عبدالله بن مشعل
غرفة مشاعل ابنته الثالثة تحديدا..
كانت تقف مرتعشة تحتضن نفسها بضعف، وتمنع دموعا وشيكة من الانهمار، اقتربت منها شقيقتها الكبرى ووضعت كفها على كتفها وهي تهمس لها بحنان: مشاعل ياقلبي.. أنا الحين أبي أعرف وش اللي مزعلش في موعد العرس؟؟
ابتعدت مشاعل عن مدى كفها الناعمة الحنونة وهي تقول بغيظ تغرغر بالبكاء: يعني عشانه حماش بتبدينه على أختش؟!!
تراجعت الأخت الكبرى وهي تشهق بعنف: وش ذا الخرابيط اللي أنتي تقولينها؟؟
ثم تماسكت وهي تقول بهدوء: يعني أنتي متملكة صار لش كم شهر، وما أعتقد أن حد جبرش على ناصر، أنتي اللي وافقتي باختيارش.. وماعقب الملكة إلا العرس.. يعني ليش مسوية ذا السالفة كلها؟
مشاعل وهي تمسح دموعها التي انهمرت لتكتسح خديها الحمرواين لسبب هي من يعرفه.. الاحمرار الذي غشا وجهها منذ أخبرتها شقيقتها بموعد زواجها الذي تقرر بعد ثلاثة أشهر في بداية يناير: لطيفة.. أنا ماقلت أني ما أبي ناصر بس عرس بس بدون وجود أخي مشعل مستحيل..
ابتسمت لطيفة لذكر مشعل.. الاسم الذي يدفع أقصى درجات السعادة في قلب أي واحدة منهن: فديت الطاري
ثم أكملت بجدية: يعني السالفة كذا بس؟؟ ناصر ماحدد الموعد إلا عقب ما أتفق مع مشعل.. مشعل بيكون هنا من 20/12.. قبل إجازة الكريسمس عندهم.. وبيقعد عندنا أكثر من شهر
لم تحتمل مشاعل بعد ذلك
انهارت باكية بعنف على سريرها وهي تغالب شهقاتها حتى لا يسمع صوت بكائها العالي أحد خارج الحجرة..وخصوصا تلك الصغيرة (وكالة الأنباء) التي لا تفتأ تداهم أي خلوة كشبح لا يُعلم من أي زاوية خرج.. شقيقتهن الصغرى ذات السنوات الإحدى عشرة :ريم
لطيفة صُعقت من بكائها وهي تسرع الخطى لسريرها وتجلس جوارها وهي تمسح على ظهرها برقة وتقول بحنان مختلط بالجدية: مشاعل قوم كلميني، السالفة مهيب موعد عرس وبس.. قومي قولي لي وش فيش؟؟
************************
عودة لجامعة جورج تاون في واشنطن دي سي.. لكن في مكان آخر من أنحاء الجامعة الشاسعة
على كرسي حجري أمام كلية الاقتصاد..
كانت تجلس بهدوء.. تضع كتابها على فخذها وحقيبتها إلى جوارها غير مبالية بنظرات الاستغراب أو حتى الاحتقار لشكلها وللبسها: عباءتها السوداء المغلقة الفضفاضة، حجابها الأسود الذي ينخفض إلى حدود حاجبيها ويرتفع إلى منتصف ذقنها..
كانت ملامحها الرقيقة/الحادة تتمدد بنعومة/بقوة على صفحة وجهها ببشرته الصافية الخالية من أي مساحيق..
قد لا تبدو جميلة لمن يراها لأول مرة دون أن يدقق في ملامحها
ولكن النظرة الثانية ستكشف للرائي حتما سرا ما يختفي خلف هذا الوجه الآسر.. الآسر لسبب مجهول يجعله يتغلغل في عمق روحك ليستولي عليك
رن هاتفها المحمول.. تناولته ونظرت للشاشة.. عقدت حاجبيها: (بدون رقم)
ردت بهدوء: هالو
...........
بفرح غامر: باكي يالخايسة.. وينج؟؟ لي أيام أتصل فيج.. على طول مغلق
...........
باستغراب: قاعدة قدام كليتي.. أنطر المحاضرة بعد نص ساعة
...............
بحزن: يعني أسبوعين ماسمعت صوتج.. وعقب تبين تسكرين بسرعة
..............
خلاص مع السلامة.. سلمي على الأهل
أعادت محمولها في الحقيبة.. وفتحت الكتاب لتبعد تفكيرها عن إحساسها بالوحشة
هل كُتب عليها أن تعيش حياتها كلها في خوف مرعب من الوحشة والوحدة؟؟
الوحدة كابوسها المرعب، الذي تهرب منه لتجده يتسلل إليها بأذرعه العنكبوتية ويحيط بها حتى يتخلل جسدها وروحها ويعتصرهما بوحشية
*******************
عودة لمنزل عبدالله بن مشعل.. وغرفة مشاعل المنهارة بكاءً غير مفهوم
لطيفة بدئت لهجتها تتغير للغضب وهي تحاول تهدئة مشاعل ومعرفة سبب انهيارها: مشاعل قومي كلميني وإلا والله العظيم لأتصل بمشعل أخليه يتفاهم معش
مشاعل حين سمعت اسم مشعل قفزت كالملسوعة وهي تمسح دموعها وتتماسك: لا.. لا ..تكفين.. كله ولا مشعل.. لا تكدرين عليه.
لطيفة وهي تصر على أسنانها: زين قولي لي وش فيش؟؟
مشاعل اعتدلت جالسة وهي تخفض عينيها وتفرك أناملها وتقول بخجل بالغ: خايفة ومستحية.. إذا مشعل أذوب من الخجل في وجوده وهو أخي اللي أغلى من عيوني.. أشلون تبون تسكرون الباب علي مع رجّال غريب
حينها انفجرت لطيفة ضاحكة بعذوبة: والله العظيم ناصر مايعض.. وش حليله؟؟ وبعدها أكملت لطيفة وهي تتماسك: زين السحا ما يستدعي الخوف يعني.. عشان تخافين
مشاعل بهمس مؤلم وكأنها تنظر لخيال غير مرئي خلف شقيقتها: خايفة من الزواج نفسه.. يعني فيه تجربتين قدامي ما تشجع صراحة
لطيفة برعب داخلي (ماذا تحاول هذه الصغيرة أن تفعل؟؟
هل تحاول تسلق روحي لتطل في خباياي؟!
هل تحاول التطاول على أسواري التي تعبت في التمترس خلفها؟!
هل تحاول النظر خلف صورتي اللامعة التي أرهقني تنميقها؟؟)
لم تكن تريد أن تسأل عن شيء تعرف هي جوابه، ولكنها مجبرة أن تفعل من واقع دورها كأخت كُبرى، سألت بحذر مرّ: أي تجربتين؟؟
مشاعل بألم عميق: أنتي وموضي؟؟
(يالا الصغيرة اللئيمة.. لم أخف يوما من شيء كخوفي من نظرتها السابرة.. كنت أعلم أنها الوحيدة التي تشعر بي..بحاستها المتسلقة الغريبة
أحاول أن أختبئ من نظراتها الحادة الشفافة لأجدها تحاصرني بالمرصاد حين أنتبه من لحظات شرودي..وكأنها تقتنصني وتقتنص نبض روحي المردوم تحت أطنان الكبت...
أرجوكِ مشاعل.. لا تنبشيني.. فأنا أحاول المسير)
ابتسمت لطيفة وهي تقول بحنان تحاول أن تخفي خلفه مشاعرها: ليه يعني؟؟ أنا وموضي عايشين مبسوطين مع رياجيلنا..
مشاعل بنبرة تقطر ألما صافيا: أنا ماني بزر.. عمري 22 وتخرجت من الجامعة خلاص..
تكلمي عن نفسش لو أنتي مبسوطة.. بس موضي!!!... موضي سالفتها عويصة.. لو يدري مشعل فيها بس.. والله إن يكسّر الدنيا
أمانة عليش وين موضي اللي كانت أكشخ وحدة فينا وأكثرنا مرح وحياة.. وين راحت؟؟ وين راحت؟؟ نحرها حمد نحار..
وتسألين ليه خايفة من الزواج؟ خل نبدأ فيش.. وعقب نرجع لموضي
انتفضت لطيفة بوجل (لا تفعلي مشاعل لا تفعلي!!)
ولكن مشاعل أكملت بذات نبرتها العميقة التي تعبر عن عمقها الداخلي
ولطالما كانت مشاعل الرقيقة الملامح الهادئة الناعمة العميقة الصامتة الخجولة هي من تكتشف دواخل شقيقاتها بدون تصريح منهن: لطيفة.. طالعي المراية وشوفي وجهش؟؟
استغربت لطيفة من طلبها (وش فيه وجهي؟؟) استجابت كالمخدرة وهي تتجه للمرآة.. وتنظر لصفحة وجهها المنعكسة
لطالما كانت لطيفة هي الأجمل، لم يكن لينافسها أحد في الجمال سوى العنود ابنة عمها وأخت زوجها.. ولكن حتى عندما تنحصر المقارنة بينهما، فلطيفة هي الأجمل بلا شك..
كانت وهي في الحادية والثلاثين أجمل بكثير مما كانت وهي في الثامنة عشرة حين تزوجت مشعل..ورغم إنجابها لأربعة أطفال كان جمالها ينضج بوجع هادر عاما بعد عام.. كان جمالها يؤلم الناظر لشدة سطوته
ومع ذلك لم يكن كل هذا الجمال المغلف بروحها الأجمل ليستوقف زوجها مشعل أو يستوقف مشاعره على أعتابها..رغم أنها كانت تذوب فيه وله ومن أجله..
كانت في كثير من الأحيان تتساءل إن كان يعرف ملامحها
أو حتى يعرف أنها جميلة أصلا!!
إن كان يعرف لون عينيها..أو تقوس حاجبيها.. أو مقدار سطوة شفتيها في التواءهما المثير؟!!
فهي لم تره يتمعن في وجهها ولو لمرة واحدة.. كما اعتادت أن ترى النساء اللاتي تجلس معهن.. واللاتي لا يستطعن رفع أعينهن عن سحر جمالها..وهن نساء!! فكيف به وهو رجل مكتمل الرجولة.. وزوجها؟!!
أعتاد أن يمر بجوارها كأنها شيءٌ لا يستحق التوقف عنده..
لم يمتدحها يوما..
ولم يذمها أيضا..
ولكنه لابد أن يقرعها من وقت لآخر كأنها أحد موظفي شركته..
ورغم تقريعه لها لم يقسُ عليها يوماً.. كانت مشاعره دائما محايدة من جهتها.. لا تعرف تطرف المحبين في الحنان أو القسوة..
نفضت لطيفة سيل أفكارها الموجع لتلتفت لمشاعل: وش فيه وجهي؟؟
مشاعل بعمق مؤلم: كل يوم وأنتي أحلى من اليوم قبله.. وكل يوم ولمعة عيونش تنطفي أكثر عن اليوم اللي قبله..
*************************
عودة إلى واشنطن وجامعة جورج تاون.. والكرسي الحجري
حيث تجلس تقلب كتابا تقرأه بعينيها وأحرفه عاجزة عن اختراق حدود عقلها المثقل بالأفكار والأسى..
"هيا..هيا"
أ يعقل؟؟
يبدو أنها أصيبت بحالة جنون.. فهي تعتقد أنها تسمع صوت باكي تناديها.. باكي التي يفصل بينها وبينها المحيط الأطلسي بامتداده الشاسع..
" بت يا هيا.. أمريكا طرشتك وإلا إيه" الصوت قريب جدا.. وحقيقي جدا.. لكنه خيال بالتأكيد..
وهذه اليد الحانية التي تهز كتفها.. هل هي خيال أيضا؟؟
ألتفتت هيا بدهشة.. وتحولت الدهشة لصدمة عنيفة وهي ترى صديقتها المقربة باكينام تقف خلفها
باكينام التي لم ترها منذ أكثر من عام.. ولكن الاتصالات لم تنقطع بينهما مطلقا
باكينام مزيج الأعراق المثير..
باكينام والدها مصري، ووالدتها انجليزية، وجدتها أم والدها تركية، وجدتها أم والدتها ايرلندية..
والدها دبلوماسي مصري عاش معظم حياته في بريطانيا..
تنافس في باكينام عرقان من أكثر أعراق الأرض اعتدادا بالنفس: الأتراك والايرلنديون..
جدتها التركية عاشت حياتها كلها تقول: عرب سيس..(على خلفية كراهية الأتراك المتوارثة للعرب) ومع ذلك يشاء القدر ألآ تتزوج إلاّ من عربي.. وتذوب في هواه.. حتى واراه قبره وهي مازالت تهتف: عرب سيس..
وجدتها الايرلندية عاشت حياتها كلها وهي تقول: الإنجليز البرابرة المتوحشون (على خلفية العداء الشهير بين الايرلنديين والإنجليز والحروب التي أُريق فيها الكثير من الدماء) ومع ذلك يشاء القدر ألآ تتزوج إلا من انجليزي.. وتذوب في هواه.. حتى واراه قبره وهي مازالت تهتف: الإنجليز البرابرة المتوحشون..
والجدتان نقلتا مشاعرهما الكاذبة لحفيدتهما.. وهاهي باكينام ترفض أن ترتبط بأي مصري أو حتى انجليزي.. وزرعا فيها اعتدادا لا حد له بنفسها
تعرفت هيا على باكينام التي تكبرها بعامين قبل خمسة أعوام في لندن
كانت باكينام تدّرس الانجليزية في المعهد الذي دخلته هيا.. كمدرسة مساعدة إلى جانب دراستها الجامعية
لم تكن باكينام في حاجة للعمل.. ولكن اعتدادها بذاتها هو ما دفعها للعمل
ومنذ ذلك الحين انعقدت أواصر صداقة متينة بين الفتاتين حتى بعد أن أنهت هيا دراستها للانجليزية في المعهد بسرعة ودخلت كلية كوينز التابعة لجامعة لندن العريقة.
ألتفتت هيا لبكينام لتشعر بصدمة حقيقية، أولا لأنه مضى عام على أخر رأتها فيها في لندن حين تخرجت هيا وعادت للدوحة..
السبب الثاني والمفرح بعمق هو منظر باكينام الجديد.. لم تعلم هيا أنها تحجبت أخيرا بعد سنوات من محاولة إقناع هيا لها.. وباكينام تقول لها: حين أفعلها سأفعلها باقتناع.. وهاهي فعلتها بكامل اقتناعها..
وهاهي باكينام تقف بثقة بحجابها وهي ترتدي بنطلون جينز يعلوه قميص أزرق واسع إلى ركبتيها..في إطلالة شفافة تبهج الروح.. وبشرتها البيضاء المشربة بحمرة تتوهج بانفعال.. وعيناها الخضروان بهما مزيج عذب من الحنان والشوق
التبست مشاعر هيا.. وفرحة عارمة تغزو مشاعرها المتوترة..أجهشت بالبكاء وهي تحتضن باكينام بعنف: وحشتيني يالخايسة.. وحتى ماقلتي لي إنج تحجبتي عشان افرح لج..
باكينام وهي تحاول منع دموعها من التساقط، الدموع التي لا تتناسب مع قوة شخصيتها: حبيت أعملها لك مفاجأة.. وبعدين إيه الدموع دي.. بيقولو احنا المصريين شعب عاطفي.. بس شكلكوا عايزين تاخدوا السمعة الظريفة بتاعتنا..
هيا تفلت باكينام وهي تستوعب أنها ترى باكينام هنا في واشنطن وليس في لندن، هتفت باستغراب: أنتي وش جابج هنا؟؟
باكينام بمرح وهي تسحب هيا وتجلسها على الكرسي الحجري: الله.. إيه الترحيب الجامد دا؟!!! إيه اللي جابني هنا؟؟!!.. طبعا جايه أدور لي عريس.. مادمت مش هتجوز مصري ولا انجليزي.. جيت ادور لي امريكاني حليوه مريش طحن يئدر جمالي وزكائي..
هيا تضحك: إيه طحن ذي؟؟ شكلج توج جايه من مصر.. مايختبص حكيج كذا إلا من أثار مصر..
باكينام تبتسم: آه.. لسه جاية من مصر ياحياتي يامصر..
هيا وهي تتذكر الموضوع الأساسي: لا جد وش جابج هنا.. غير أنج مشتاقة لي طبعا.. أعرف أنج عملية.. ومن أنصار ضرب عصفورين بحجر..
باكينام بمرح: طول عمرك أروبة.. أنا سجلت معاكي ماستر وفي نفس الجامعة الحلوة دي بس مش اقتصاد زيك..أنا سجلت علوم سياسية عشان يـبئى ابن الوز عوام..
هيا بفرح هادر: جد؟؟ جد؟؟ ثم استدركت بمنطقية: بس كان ممكن تدرسين نفس التخصص في كامبردج وإلا أكسفورد.. وهم ممنونين يتقبلون وحدة في مؤهلاتج.. وأنتي بتظلين عند هلج؟؟
باكينام بهدوء وابتسامة: بس في السياسة مافيش زي جورج تاون دا أولا.. ثانيا: أنا حبيت أخوض تجربة جديدة.. ثالثا كلها كم شهر وأرجع أدرس دكتوراه في بريطانيا.. وأنتي مقررة إيه؟؟
ابتسمت هيا بود: نفسج أكيد.. ماستر هنا.. وبأرجع أدرس دكتوراه في بريطانيا.. من اللي يبي يضيع عمره في دكتوراه هنا..
المهم الحين قولي لي أخبارج كلها.. مشتاقة لج موووت.. وقولي لي متى تحجبتي وأشلون؟؟
.
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الثالث
بعد عدة أيام.. في الدوحة
بعد صلاة العصر بساعة..
نادي الفروسية
كانا اثنان يتسابقان في المضمار.. وصل الأول خط النهاية ونزل عن فرسه الرشيقة القوية السوداء كليل معتم ساحر السواد
كانت تصهل بعنفوان وهو يقف لجوارها ويمسح على عنقها الطويل الشامخ بفخر..علاقة فريدة تجمع الفارس بفرسه.. لا يحس بعمقها إلاَّ من رأى سحر تواصلهما بعينيه
كانت تستمد شموخها من شموخه وفخرها أن تكون فرساً لهذا الفارس الاستثنائي الذي يقف بطوله الفارع إلى جوارها في لباس الفرسان الأنيق الذي احتضن كتفيه العريضين وعضلات صدره النافرة بدقة تفاصيلها
ولكنه كان أنحف من شقيقيه الأكبر منه: مشعل وراكان.. نحافةً مقصودة لضرورة ضبط الوزن لكونه جوكياً محترفاً لا بد ألا يثقل على فرسه بوزنه..(الجوكي= راكب الخيل المحترف)
وصل الثاني بعده بدقيقة.. وهو يهتف بنفسٍ مقطوعٍ: يعني ناصر مافيه مرة تخليني أسبقك.. كل مرة تكسر بخاطري أنت والجليلة جذيه...
رفع ناصر عينيه له وهو يعدل وضع نظارته الشمسية عليهما وفكه القوي يرتفع باعتداد: كفاية عليك يا حسن أنك قادر تروض ذا الحصان.. ركوب ثيندر بروحه أحسه إنجاز..
حسن بابتسامة وهو ينزل ليحتضن عنق ثيندر: ترويض ثيندر كان أكبر تحدي في حياتي..
ثم أكمل بجدية: إلا صج يقولون منت مشارك في الفريق في سباق التحمل الصحراوي في الأردن شهر يناير..؟؟
ابتسم ناصر وهو يضرب على رأسه كمن تذكر شيئا: السموحة يا أخيك ياحسن.. نسيت أقول لك.. موعد عرسي تحدد قبل موعد السباق بيومين.. والله لو دريت بموعد السباق قبل تحديد الموعد كان أجلته لعقب.. الحين شباب الفريق وأنت أولهم ما حد منكم بحاضر عرسي
ابتسم حسن وهو يربت على كتف ناصر : آفا عليك.. عني بأخليهم يشحنون ثيندر.. وبأحضر عرسك وبأطلع منه على المطار على طول
ناصر بود وأخوية: جعلني ماخلا منك ماتدري وش كثر فرحتني..
الاثنان يمشيان متجاورين متوجهين للحظائر..
حسن بتساؤل: جاي التدريب بكرة؟؟
ناصر وهو يسحب "الجليلة" لإعادتها للحظيرة: لا بكرة عندنا مؤتمر في الشغل..
كان ناصر فارساً محترفاً في فريق قطر لسباقات التحمل..
ولكن اشتراكه في الفريق كان على سبيل الهواية إلى جانب عمله في العلاقات العامة في وكالة الأنباء القطرية (قنا)
وهو يفكر في الاعتزال بعد زواجه.. وبعد أن قضى سبع سنوات في الفريق
ولكنه طبعا لا يفكر بترك ركوب الخيل الذي تغلغل في روحه ووجدانه
***********************
الدوحة.. منزل حمد بن جابر
زوج موضي وابن خالها
وفي ذات الوقت هو ابن عمتها نورة /أم حمد هي الابنة الوحيدة لمشعل الكبير
ذات الليلة ولكن الساعة 11 مساء بتوقيت الدوحة
يطرق الباب بوحشية.. وكأنه وحشٌ فقد عقله: أقول لش افتحي يا موضي قدام أكسر الباب..
ترد من خلف الباب بصوت باكي مرتعش: تكفى يا حمد لا تضربني.. تو أثار ضرب المرة اللي فاتت خفت من وجهي
حرام عليك لي أسبوعين ماشفت هلي.. وكل ما اتصلوا فيني يبون أجيهم أو يجوني تعذرت منهم .. عشان مايشوفون الضرب بوجهي.. عشانك موب عشاني
يصرخ بصوت مرعب: يعني أشلون؟ تخوفيني بهلش؟؟
موضي بنفس الصوت الباكي: حمد حرام عليك.. بأروح لهم بكرة.. وإذا رجعت اضربني على كيفك.. والله ما أقول شيء.. كسرني لو تبي
يا الله !!
كيف يكسر الظلم النفوس.. ويحيلها لحطام بشري يمشي على قدمين.. ويجعلك تتنازل عن أبسط حقوقك:
إنسانيتك!!
واحترامك لذاتك!!
********************
الدوحة
منزل فارس بن سعود بن مشعل
آذان الفجر
أم فارس تتوجه إلى غرفة فارس لإيقاظه لصلاة الفجر..
مازالت هذه السيدة تحتفظ بالكثير من ملامح صباها وهي في أواسط الأربعينات.. ولم تنجب غير فارس بعد أن توفي زوجها وابن عمها سعود وهي حامل..
لم تفكر أن تتزوج بعده لأنها خافت من عمها مشعل الكبير.. لأنها تعلم أنه سينتزع فارس من أحضانها بدون رحمة.. لو فكرت أن تتزوج..
وفي أحيان كثيرة تتساءل : أ لم ينتزعه فعلا من أحضانها؟؟
هو ومشعل الآخر.. مشعل ابن حماها محمد..
فالمشعلان تبادلا على تربية فارس دون أن يكون لها دورٌ فعليٌّ في هذه التربية..
مشعل بن محمد كان الأكثر التصاقاً بجده بحكم أنه الأكبر بين الأبناء وكان طوال ثماني سنوات هو الولد الوحيد في العائلة حتى جاء راكان ثم بعده بسنة جاء مشعل بن عبدالله ثم بعدها بعام ناصر.. ثم بعدها بعامين فارس..
تشرب مشعل بطباع جده الصلب .. ثم بعد ذلك الاثنان شرَّبا فارس هذه الطباع مضاعفة.. ليتجاوزهم جميعا وتتحول الصلابة عنده إلى قسوة عجزت عن سبب تفهمها..
لم يكن فارس قاسيا عليها أبدا.. هي الوحيدة التي كان يذوب حنانا لها.. ولكنها ترى قسوته تتجلى في تعامله مع الآخرين
وصلت إلى غرفة فارس وهي تطوف مع أفكارها.. اقتربت من سريره وهي تهمس بحنان: فارس حبيبي قوم يأمك للصلاة
بعد محاولات بسيطة جاءها صوته الأجش الشديد الخشونة: إن شاء الله يمه، قايم الحين... قالها وهو يستوي جالسا بقامته الطويلة مثل أبناء عمه
كان الطول وعرض الكتفين هو صفة الشبه الوحيدة التي ربطته بعائلة مشعل..
ولكن ملامحه الأخرى كانت شيئا مختلفا.. مختلفا جدا
الملامح التي كانت أحد أسباب تكوينه المقصود لشخصيته المرعبة القاسية
الشخصية القوية التي ناسبها عمله كوكيل نيابة في النيابة العامة، العمل الذي التحق به قبل 4 سنوات فور تخرجه من الجامعة من تخصص القانون..
**************************
منزل عبدالله بن مشعل.. صلاة الفجر
غرفة الجدة أم محمد
قد يستغرب البعض لماذا الجدة في بيت عبدالله وليست في بيت محمد الكبير؟؟
قبل أن يتوفى الجد بعدة سنوات كان هو وأبناؤه أنجزوا بناء منازل آل مشعل الجديدة..
أربعة منازل فخمة متلاصقة على ذات الطراز أمامها مجلس رجال خارجي ضخم مفتوح على الشارع مباشرة هو مقر اجتماعهم كلهم..
واشتروا كلهم لبقية الأبناء أراضٍ ملاصقة في حال قرر الشباب غير المتزوجين بناء منازلهم..
أما البيوت التي تمَّ انجازها فكانت لعبدالله ومحمد ومشعل بن محمد ولفارس بن سعود الذي أصرَّ جده أن يبني له بيتا خاصا فيه تدعيما لشخصيته القوية وحتى يضمن له ألا يتعب في بناء بيت حين يكبر..
والجد قرر أن يسكن مع عبدالله لعدة أسباب أهمها فارس.. لأن زوجة عبدالله كانت أم فارس بالرضاعة أرضعته مع موضي.. لذا كان فارس حراً في دخول البيت والخروج منه
السبب الثاني أن عبدالله كان هو من تبقى عنده أطفال صغار.. ومشعل الكبير مع صلابته يبقى جداً يستمتع برؤية أحفاده وخصوصا كلما كانوا أصغر.
السبب الثالث: أن زوجة عبدالله كانت ابنة شقيقة هيا.. وتقريباً هم من ربوها وهي الأقرب لهم من بين كل زوجات أبنائهم.
لذا قرر مشعل الكبير وأم محمد أن يسكنوا في بيت عبدالله رغم توسل محمد الدائم لهم.
ينزل عبدالله لصلاة الفجر ومعه ابنه الصغير ابن الثالثة عشرة.. ويمر بحجرة أمه التي كانت تجلس على سجادتها مشغولة بأذكارها تنتظر الإقامة (رغم أن حفيداتها حاولن إقناعها أن المرأة لا إقامة لها وإنها مادامت تصلي في بيتها فهي تستطيع الصلاة فور دخول الوقت)..
ينحني ليقبل رأسها بقامته الطويلة التي لم تأخذ من صلابتها وامتدادها سنواته الخمسة والخمسين شيئا.. ويهمس باحترام جزل: صبحش الله بالخير طال عمرش في الطاعة.. كيف أصبحتي جعلني الأول؟؟
انتفضت وتقلصت تجاعيد وجهها الغائرة وهي تضع طرف جلال الصلاة على أنفها وفمها لأنها اعتادت ألا يراها أبناؤها بدون برقعها ، وهتفت بحزم: صبحك الله بالنور والسرور.. كم مرة قلت لك لا عاد تقول جعلني الأول..
ابتسم لتكشف ابتسامته عن صفِّ أسنانٍ كاملٍ فتيٍّ هو نتاج زراعة حديثة بعد أن رفسته إحدى نياقه الأثيرة في وجهه قبل عدة أعوام: جعلني فداش، وفدا رجيلش
أم محمد بغضب: قوم توكل على الله وروح للمسجد.. وجعلني أنا اللي قدامكم كلكم أنتو وعيالكم
جعل ربي ما يفجعني في واحد منكم.. ماعاد أبي يا أمك إلاَّ حسن الخاتمة
ثم أكملت بحزن مرير وكأنَّ الكلمات تخرج مضرجة بدم أعماقها المكلومة: كفاية علي الاثنين اللي راحوا ما تمتعوا بشبابهم..
بعد عدة أيام.. في الدوحة
بعد صلاة العصر بساعة..
نادي الفروسية
كانا اثنان يتسابقان في المضمار.. وصل الأول خط النهاية ونزل عن فرسه الرشيقة القوية السوداء كليل معتم ساحر السواد
كانت تصهل بعنفوان وهو يقف لجوارها ويمسح على عنقها الطويل الشامخ بفخر..علاقة فريدة تجمع الفارس بفرسه.. لا يحس بعمقها إلاَّ من رأى سحر تواصلهما بعينيه
كانت تستمد شموخها من شموخه وفخرها أن تكون فرساً لهذا الفارس الاستثنائي الذي يقف بطوله الفارع إلى جوارها في لباس الفرسان الأنيق الذي احتضن كتفيه العريضين وعضلات صدره النافرة بدقة تفاصيلها
ولكنه كان أنحف من شقيقيه الأكبر منه: مشعل وراكان.. نحافةً مقصودة لضرورة ضبط الوزن لكونه جوكياً محترفاً لا بد ألا يثقل على فرسه بوزنه..(الجوكي= راكب الخيل المحترف)
وصل الثاني بعده بدقيقة.. وهو يهتف بنفسٍ مقطوعٍ: يعني ناصر مافيه مرة تخليني أسبقك.. كل مرة تكسر بخاطري أنت والجليلة جذيه...
رفع ناصر عينيه له وهو يعدل وضع نظارته الشمسية عليهما وفكه القوي يرتفع باعتداد: كفاية عليك يا حسن أنك قادر تروض ذا الحصان.. ركوب ثيندر بروحه أحسه إنجاز..
حسن بابتسامة وهو ينزل ليحتضن عنق ثيندر: ترويض ثيندر كان أكبر تحدي في حياتي..
ثم أكمل بجدية: إلا صج يقولون منت مشارك في الفريق في سباق التحمل الصحراوي في الأردن شهر يناير..؟؟
ابتسم ناصر وهو يضرب على رأسه كمن تذكر شيئا: السموحة يا أخيك ياحسن.. نسيت أقول لك.. موعد عرسي تحدد قبل موعد السباق بيومين.. والله لو دريت بموعد السباق قبل تحديد الموعد كان أجلته لعقب.. الحين شباب الفريق وأنت أولهم ما حد منكم بحاضر عرسي
ابتسم حسن وهو يربت على كتف ناصر : آفا عليك.. عني بأخليهم يشحنون ثيندر.. وبأحضر عرسك وبأطلع منه على المطار على طول
ناصر بود وأخوية: جعلني ماخلا منك ماتدري وش كثر فرحتني..
الاثنان يمشيان متجاورين متوجهين للحظائر..
حسن بتساؤل: جاي التدريب بكرة؟؟
ناصر وهو يسحب "الجليلة" لإعادتها للحظيرة: لا بكرة عندنا مؤتمر في الشغل..
كان ناصر فارساً محترفاً في فريق قطر لسباقات التحمل..
ولكن اشتراكه في الفريق كان على سبيل الهواية إلى جانب عمله في العلاقات العامة في وكالة الأنباء القطرية (قنا)
وهو يفكر في الاعتزال بعد زواجه.. وبعد أن قضى سبع سنوات في الفريق
ولكنه طبعا لا يفكر بترك ركوب الخيل الذي تغلغل في روحه ووجدانه
***********************
الدوحة.. منزل حمد بن جابر
زوج موضي وابن خالها
وفي ذات الوقت هو ابن عمتها نورة /أم حمد هي الابنة الوحيدة لمشعل الكبير
ذات الليلة ولكن الساعة 11 مساء بتوقيت الدوحة
يطرق الباب بوحشية.. وكأنه وحشٌ فقد عقله: أقول لش افتحي يا موضي قدام أكسر الباب..
ترد من خلف الباب بصوت باكي مرتعش: تكفى يا حمد لا تضربني.. تو أثار ضرب المرة اللي فاتت خفت من وجهي
حرام عليك لي أسبوعين ماشفت هلي.. وكل ما اتصلوا فيني يبون أجيهم أو يجوني تعذرت منهم .. عشان مايشوفون الضرب بوجهي.. عشانك موب عشاني
يصرخ بصوت مرعب: يعني أشلون؟ تخوفيني بهلش؟؟
موضي بنفس الصوت الباكي: حمد حرام عليك.. بأروح لهم بكرة.. وإذا رجعت اضربني على كيفك.. والله ما أقول شيء.. كسرني لو تبي
يا الله !!
كيف يكسر الظلم النفوس.. ويحيلها لحطام بشري يمشي على قدمين.. ويجعلك تتنازل عن أبسط حقوقك:
إنسانيتك!!
واحترامك لذاتك!!
********************
الدوحة
منزل فارس بن سعود بن مشعل
آذان الفجر
أم فارس تتوجه إلى غرفة فارس لإيقاظه لصلاة الفجر..
مازالت هذه السيدة تحتفظ بالكثير من ملامح صباها وهي في أواسط الأربعينات.. ولم تنجب غير فارس بعد أن توفي زوجها وابن عمها سعود وهي حامل..
لم تفكر أن تتزوج بعده لأنها خافت من عمها مشعل الكبير.. لأنها تعلم أنه سينتزع فارس من أحضانها بدون رحمة.. لو فكرت أن تتزوج..
وفي أحيان كثيرة تتساءل : أ لم ينتزعه فعلا من أحضانها؟؟
هو ومشعل الآخر.. مشعل ابن حماها محمد..
فالمشعلان تبادلا على تربية فارس دون أن يكون لها دورٌ فعليٌّ في هذه التربية..
مشعل بن محمد كان الأكثر التصاقاً بجده بحكم أنه الأكبر بين الأبناء وكان طوال ثماني سنوات هو الولد الوحيد في العائلة حتى جاء راكان ثم بعده بسنة جاء مشعل بن عبدالله ثم بعدها بعام ناصر.. ثم بعدها بعامين فارس..
تشرب مشعل بطباع جده الصلب .. ثم بعد ذلك الاثنان شرَّبا فارس هذه الطباع مضاعفة.. ليتجاوزهم جميعا وتتحول الصلابة عنده إلى قسوة عجزت عن سبب تفهمها..
لم يكن فارس قاسيا عليها أبدا.. هي الوحيدة التي كان يذوب حنانا لها.. ولكنها ترى قسوته تتجلى في تعامله مع الآخرين
وصلت إلى غرفة فارس وهي تطوف مع أفكارها.. اقتربت من سريره وهي تهمس بحنان: فارس حبيبي قوم يأمك للصلاة
بعد محاولات بسيطة جاءها صوته الأجش الشديد الخشونة: إن شاء الله يمه، قايم الحين... قالها وهو يستوي جالسا بقامته الطويلة مثل أبناء عمه
كان الطول وعرض الكتفين هو صفة الشبه الوحيدة التي ربطته بعائلة مشعل..
ولكن ملامحه الأخرى كانت شيئا مختلفا.. مختلفا جدا
الملامح التي كانت أحد أسباب تكوينه المقصود لشخصيته المرعبة القاسية
الشخصية القوية التي ناسبها عمله كوكيل نيابة في النيابة العامة، العمل الذي التحق به قبل 4 سنوات فور تخرجه من الجامعة من تخصص القانون..
**************************
منزل عبدالله بن مشعل.. صلاة الفجر
غرفة الجدة أم محمد
قد يستغرب البعض لماذا الجدة في بيت عبدالله وليست في بيت محمد الكبير؟؟
قبل أن يتوفى الجد بعدة سنوات كان هو وأبناؤه أنجزوا بناء منازل آل مشعل الجديدة..
أربعة منازل فخمة متلاصقة على ذات الطراز أمامها مجلس رجال خارجي ضخم مفتوح على الشارع مباشرة هو مقر اجتماعهم كلهم..
واشتروا كلهم لبقية الأبناء أراضٍ ملاصقة في حال قرر الشباب غير المتزوجين بناء منازلهم..
أما البيوت التي تمَّ انجازها فكانت لعبدالله ومحمد ومشعل بن محمد ولفارس بن سعود الذي أصرَّ جده أن يبني له بيتا خاصا فيه تدعيما لشخصيته القوية وحتى يضمن له ألا يتعب في بناء بيت حين يكبر..
والجد قرر أن يسكن مع عبدالله لعدة أسباب أهمها فارس.. لأن زوجة عبدالله كانت أم فارس بالرضاعة أرضعته مع موضي.. لذا كان فارس حراً في دخول البيت والخروج منه
السبب الثاني أن عبدالله كان هو من تبقى عنده أطفال صغار.. ومشعل الكبير مع صلابته يبقى جداً يستمتع برؤية أحفاده وخصوصا كلما كانوا أصغر.
السبب الثالث: أن زوجة عبدالله كانت ابنة شقيقة هيا.. وتقريباً هم من ربوها وهي الأقرب لهم من بين كل زوجات أبنائهم.
لذا قرر مشعل الكبير وأم محمد أن يسكنوا في بيت عبدالله رغم توسل محمد الدائم لهم.
ينزل عبدالله لصلاة الفجر ومعه ابنه الصغير ابن الثالثة عشرة.. ويمر بحجرة أمه التي كانت تجلس على سجادتها مشغولة بأذكارها تنتظر الإقامة (رغم أن حفيداتها حاولن إقناعها أن المرأة لا إقامة لها وإنها مادامت تصلي في بيتها فهي تستطيع الصلاة فور دخول الوقت)..
ينحني ليقبل رأسها بقامته الطويلة التي لم تأخذ من صلابتها وامتدادها سنواته الخمسة والخمسين شيئا.. ويهمس باحترام جزل: صبحش الله بالخير طال عمرش في الطاعة.. كيف أصبحتي جعلني الأول؟؟
انتفضت وتقلصت تجاعيد وجهها الغائرة وهي تضع طرف جلال الصلاة على أنفها وفمها لأنها اعتادت ألا يراها أبناؤها بدون برقعها ، وهتفت بحزم: صبحك الله بالنور والسرور.. كم مرة قلت لك لا عاد تقول جعلني الأول..
ابتسم لتكشف ابتسامته عن صفِّ أسنانٍ كاملٍ فتيٍّ هو نتاج زراعة حديثة بعد أن رفسته إحدى نياقه الأثيرة في وجهه قبل عدة أعوام: جعلني فداش، وفدا رجيلش
أم محمد بغضب: قوم توكل على الله وروح للمسجد.. وجعلني أنا اللي قدامكم كلكم أنتو وعيالكم
جعل ربي ما يفجعني في واحد منكم.. ماعاد أبي يا أمك إلاَّ حسن الخاتمة
ثم أكملت بحزن مرير وكأنَّ الكلمات تخرج مضرجة بدم أعماقها المكلومة: كفاية علي الاثنين اللي راحوا ما تمتعوا بشبابهم..
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الرابع
واشنطن دي سي
جامعة جورج تاون
الساعة 2 ظهرا بتوقيت واشنطن
في حديقتها الشاسعة.. يجلس على الأرض
يمدد ساقيه الطويلتين اللتين يحتضنهما بنطلون أسود بقصة مستقيمة يرافقه على صدره العريض كنزة صوفية خفيفة رمادية اللون رفع أكمامها وأزاحها عن ذراعيه الأسمرين القويين وهو يقلب مجموعة من الأوراق بين يديه
استعدادا لمقابلة البروفسور المشرف بعد نصف ساعة..
رنَّ هاتفه المحمول، تناوله ونظر لشاشته.. ابتسم وهو يرد: هلا سعيد
....................
موجود طال عمرك
...................
عند الشجرة اللي أقعد عندها دايم
بعد دقائق كان سعيد يصل بجلبته المعتادة: هلا والله بالشيخ مشعل..
رفع مشعل عينيه لسعيد المتأنق بربطة العنق الرمادية الغامقة والقميص الرمادي الفاتح والطقم الرسمي الكحلي الأنيق : وش عنده الأخ كاشخ؟؟ مهوب عوايد
ضحك سعيد: طول عمري كشخة..
ابتسم مشعل: لا صدق الكشخة ذي شكلها سبيشل.. وش عندك؟؟
سعيد بمرح: على طول كاشفني.. جاي من السفارة طال عمرك كان عندي معاملة أخلصها.. وعلى فكرة ترا الملحق الثقافي يبيك
مشعل بهدوء: قال لك وش يبي مني؟؟
سعيد هزَّ كتفيه: لا... وهو يضع جريدة تحته حتى لا يفسد طقمه ويجلس بحذر إلى جوار مشعل حتى لا يتجعد بنطلونه
مشعل يضحك: يا المتيح ضاق عليك المكان إلاَّ تضيق علي..
سعيد يتجاهل شكوى مشعل وهو يضع كتبه جواره ويقول باهتمام: مادريت بأخر أخبار الشعب القطري في واشنطن..
مشعل وهو يقلب أوراقه ويضع ملاحظاته عليها: من وين أدري ووكالة الأنباء توه واصل الحين
سعيد يصطنع الغضب: الشرهه علي اللي أبيك تتواصل مع العالم.. وإلا أنت يمكن لا تقوم الحرب العالمية الثالثة مادريت بها وأنت دافن روحك وسط كتبك
مشعل وهو مستغرق في عمله: زين قل لي وش صاير.. لانك لو خليت العلوم في بطنك، بيجيك حاطي باطي.. (العلوم= الأخبار)
سعيد يضحك: مالت على عدوك.. ياطويل العمر صايرة علوم.. دريت بها من رئيس نادي الطلاب القطريين.. قابلته في السفارة
مشعل بنفاذ صبر: اخلص علي.. موعدي مع البروفيسور بعد شوي
سعيد يلقي الخبر بنبرة مذيعين الأخبار الجادة: البنية اللي اسمها هيا اللي كلمتك عنها قبل كم يوم.. تلاغت مع ولد في المدرج.. والولد شد حجابها..
مشعل لم ينتظر بقية الخبر لأنه قفز بانفعال كاسح..وترتسم على وجهه انفعالات عنيفة كأنه أسدٌ على وشك التهام فريسته
سعيد باستغراب : وين بتروح؟ ما كملت لك..
مشعل بغضب دموي: وهي فيها تكميل يا الكمخة.. بناتنا يفسخون حجبهم في الجامعة، وأنت مخليها سالفة.. بأطلع الحين لمدير الجامعة وعقب للسفير
سعيد يضحك: يمه منك ماعندك تفاهم... ماصار شيء
وهيا ذي ماينخاف عليها.. أصلا حجابها ما انفسخ لأنها كانت شادته وملزقته بلزقة عنزروت الظاهر، لا وضربت الولد كف.. وقدمت فيه شكوى بعد.. والجامعة قدمت اعتذار للسفارة
مشعل جلس بعد ما أطمئنت حميته الملتهبة: طيب والبنت ليش تلاغى هي والولد؟؟
سعيد بشرح: كان مجرد نقاش في المحاضرة.. بس الولد احتد وقال لها أنتي إرهابية وخرابيطهم الفاضية اللي أنت خابر وشد حجابها.. والبروفيسور نفسه طرده وقدم هو بعد شكوى ضده
في ذات الجامعة
وفي مكان قريب جدا من جلوس مشعل وسعيد
كانتا تجلسان على كرسي حجري.. هيا بعباءتها ولبسها المعتاد.. وباكينام ببنطلون كتان زيتي واسع وقميص بيج واسع للركبة وحجاب زيتي..
هيا تكمل بمرح: بس لو شفتي وجه الولد عقب الكف..
باكينام وتضحك: أما انتي يا بت يا هيا تحفة.. ماحدش يجي جنبك تعمليه فشه وكوارع وبمبار..
هيا تضحك: أعييييييييه منج.. زين خليه بفتيك وستيك شي كشخة.. اللي يشوف كلامج مايقول بنت كلاس.. لكن جزارة من السلخانة
باكينام تضحك: أنت هتعملي زي أنّا (أنّا=الجدة بالتركية).. بتقول لي ماتشميش مع الولاد
ولاد عمي دول يخربوها ويئعدوا على تلها، هم اللي تلفوا لي لساني
المرة دي أخدوني للحسين واكلوني لحمة رأس، كنت هاموت وجالي تلبك معوي
هيا بخبث: على طاري (الولاد) أخبار ابن الجيران اللي في مصر إيه؟؟
باكينام تغمز : الله أنتي ما بتنسيش؟!!
ثم أكملت بنبرة الشعارات الحماسية: لا للمصريين.. لا للعرب.. لا الإنجليز
ثم أردفت وهي تلتفت للشباب المتواجدين حولهم وتقول (بعيارة): أهلا بالأمريكاني
**************************
منزل محمد بن مشعل..
غرفة ابنته الكبرى مريم..التي تعبر انعطافة أواسط الثلاثينات
آذان الفجر..
نهضت من نومها على صوت جرس المنبه لصلاة الفجر.. نهضت بهدوء وهي تتمتم بدعاء الاستيقاظ.. توضأت ثم توجهت لغرف أشقائها لترى من منهم أستيقظ للصلاة
وهي تغلق باب غرفتها، مرَّ بها ناصر وهو يقول لها بمرح ومودة: صبّحها الله بالخير شيخة أل مشعل كلهم.. أنا اليوم براءة قمت بروحي.. روحي ذهني راكان والعنود.. (ذهني=صحي)
ابتسمت مريم بشفافية ابتسامة زينت وجهها الصافي الشفاف وهي تقول: دوم مهوب يوم.. مافيه حد يتعبني وأنا أذهنه مثلك.. وإلاَّ راكان والعنود مقدور عليهم
ناصر يضحك وهو ينزل السلم: زين يا مريوم، رجعتي علي، على نصوري المسكين.
مريم وهي تتوجه لغرفة راكان أولا: أنت مسكين أنت؟؟ أنت مسكون طال عمرك..
ضحكة ناصر المجلجلة تصلها من الأسفل وهي تصل لباب غرفة راكان
رغم أن راكان أصغر منها بخمس سنوات (أمها أسقطت مرتين بينهما) إلا أنها تهابه وتحترمه
فراكان بهدوئه وسمْته وطباعه ومهابته كان يجبر من هو في حضرته على احترامه
تدخل مريم بحذر لأنها تخشى أن تصدم بشيء من دروع راكان أو كؤوسه
راكان بطل أوليمبي حاصل على عدة ميدايات عالمية في الرماية
إضافة إلى أنه يتسلى بلعب الشطرنج.. وحاصل على عدة ميداليات فيها
ورغم غرابة اجتماع الرياضتين.. بين رياضة جسدية وأخرى عقلية.. إلاَّ أن هذه كانت غرابة راكان أيضا
راكان الذي يستحيل أن يكتشف أحد كيف يفكر.. وكأن الحياة أمامه لعبة شطرنج.. يجب ألا يكتشف أحد حركتك القادمة حتى لا يباغتك
من ذلك مثلا لماذا راكان يرفض أن يتزوج حتى الآن رغم وصوله الثلاثين؟؟
لا أحد يعلم.. ولا حتى مشعل بن عبدالله صديقه المقرب!!
اقتربت مريم من سريره وهي تمدُّ يديها وتتحسس طريقها حتى وصلت
هزَّت كتفه من ناحية صدره اليسار بلطف: راكان.. راكان.. يا موظفين الديوان الأميري (حيث يعمل راكان)
راكان بصوت ناعس عميق: لبيه يا أم محمد.. قايم جعلني فداش..
راكان بالذات اعتاد أن يناديها أم محمد.. احتراما لها
وربما تحقيقا لرغبة لن تحصل أبدا: أن تكون يوماً أماً لمحمد أو غيره!!
مريم بابتسامة: ماشاء الله عليك.. هذا صدر وإلا مطار؟!
راكان وهو يعتدل جالسا ويفتح عينيه الواسعتين بكسل، ويبتسم: شام ريحة تنظال يا أم محمد..
ضحكت مريم: قلنا ماشاء الله.. تقول لي العنود أنك غطيت كل سلالة آل مشعل طول وعرض
ضحك راكان: وش ذا؟؟ أنتي وأختش مسوين اجتماع نظل عائلي علي
ابتسمت مريم: على طاري أختك خلني أروح أذهنها
راكان بحنان: تبين أوصلش لغرفتها؟؟
مريم بذات الحنان وهي تتلمس طريق الخروج: لو أبيك توصلني بأقول لك روح ذهنها أنت..
راكان وهو يدخل لحمامه الخاص ويقول بمرح: لا يا بنت الحلال فكينا من أختش الأذوة ذي.. ما حد عنده استعداد لملاغتها على الصبح غيرش.. ما أدري أشلون تستحملينها؟؟
مريم وهي تخرج: فديت روحها.. بنتي ذي مهيب أختي بس..
وفعلا كانت العلاقة بين مريم والعنود تتجاوز علاقة الاخوة العادية لشيء أعمق بكثير.. ففرق خمسة عشر عاما بينهما.. أهلت مريم أن تكون أما للعنود وبجدارة
وصلت مريم لحجرة العنود.. أخر العنقود ومدللة البيت
في هذه الحجرة تحفظ كل زاوية وتستطيع التحرك بثقة.. توجهت لسرير شقيقتها
ومباشرة توجهت لرأسها لأنها تعرف كيف تنام وعلى أي وضعية تماما..
همست عند رأسها بحنان وهي تداعب خصلات شعر العنود الحريري المتناثر على مخدتها: عنادي.. قومي يا قلبي.. الفجر أذن..
العنود وعيناها ماتزال مغلقتين تهمس بدلالها الطبيعي الرقيق بصوتها العذب المفعم بأنوثة مصفاة: وين أحلى بنت في الدوحة؟؟
مريم تبتسم: أكيد مهيب عندنا في البيت.. وماعندي وقت أروح أدور برا
العنود تبتسم وتفتح عينيها النجلاوين برموشهما الطويلة المتشابكة: ماني بقايمة حتى ألقى جواب صريح وواضح ومحدد..
مريم تبتعد عن سريرها وتقول بمرح: أنا طلعت من ذنبش.. إذا سألش الله عز وجل يوم الحساب ليه ماصليتي الفجر.. قولي عشان مريم ما تعرف وين أحلى بنت الدوحة
العنود تقفز واقفة من سريرها للأرض في قفزة واحدة لتظهر بيجامتها الزهرية الطفولية المليئة بالخطوط المتداخلة والنجوم.. وتحتضن مريم وتطبع قبلة عميقة على خدها: أفا .. الدعوة خاربة مع ذا الفجرية.. مافيه مجاملات تطري القلب
مريم وهي تمسح قبلة العنود وتقلب وجهها بطريقة مصطنعة مرحة: الله يقرفش.. ألف مرة قايلة لش لا عاد تحبيني وأنتي ماغسلتي
تضحك العنود وهي تفلتها وتتوجه لحمامها: يا أختي وجهي منور وأنفاسي معطرة حتى وأنا صاحية من النوم.. يا حظه بس زوج المستقبل
مريم وهي تغادر الغرفة وتضحك: إلاَّ أمه داعية عليه ومن قلب
" الله يديم ذا الضحكة علينا يارب"
وقفت مريم باحترام وهو تسمع صوت والدها الحنون المختلط بحزمه الطبيعي: هلا يبه.. صبحك الله بالخير يا بو مشعل..
محمد ينحني بقامته المهولة الصامدة قوة وحزما على جبينها ويقبله وهو يحتضنها من كتفها بحنان: صباحش أخير يا أبيش.. أخوانش راحو للمسجد؟؟
مريم بذات نبرة الاحترام: ناصر راح.. وراكان يتوضأ وبيروح الحين
أبوها يفلتها ويتجاوزها نازلا متوجها للمسجد، وهو يقول بحنان لم تخطئ أذنها نبرة الحزن العميقة فيه.. النبرة التي تمزق روحها أشلاءً : يالله ياكريم مع صلاة ذا الفجر أنه ما يحرمنا منش.. ويعوضش بالجنة ونعيمها..
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الخامس
العصر
واشنطن دي سي
مكتب الملحق الثقافي في السفارة القطرية التي تقع في 2555 M ST NW بالقرب من (روك غريع بارك).
كان مشعل يشرب قهوته بهدوء بعد تبادل التحيات والترحيب المعتاد مع الملحق الثقافي
الذي تجمعه به علاقة مودة متينة: عسى ماشر يادكتور؟؟
ابتسم الملحق بمودة: لا شر ولا يحزنون، اشتقنا لك يا أخوي، ماتنشاف هذا أولا
ثانيا : واصل لك شريط فيديو من ولد عمك راكان
قلت فرصة نستدعيك ونسلم عليك ونعطيك إياه..
ابتسم مشعل وهو يتذكر أن راكان أخبره أنه سيرسل له شريط فيديو لرحلة قنصهم في الجزائر..
بعد حوار قصير مع الملحق واستلام مشعل لشريطه.. استأذن مشعل لأنه يعلم مشاغل الملحق مع وعد بالالتقاء على العشاء قريبا..
كان مشعل يهم بالمغادرة حين أستوقفه الملحق بقوله: تدري يا مشعل أنه فيه طالبة جديدة جايه قبل كم أسبوع اسمها مطابق لاسمك بالكامل
ولما سألتها أنت بنت عم مشعل، قالت: مالي عمام
قلت لها الاسم نفس الاسم
بس بعد أصرت إنها ما تعرفك وأنها مالها أعمام وان أبوها وحيد..
عاد مشعل للوقوف أمام الملحق وهو يسأل باهتمام: وش اسمها؟؟
أجابه الملحق وهو يفتح قائمة أسماء الطلاب القطريين التي لا تفارق مكتبه:
هيا سلطان مشعل آل فارس الــ
***************************
في الدوحة
الليلة السابقة للأحداث الماضية
بيت مشعل بن محمد بن مشعل..
الساعة 9 ونصف مساء
كانت لطيفة تضع صغيرتها جود ذات الأعوام الثلاثة في سريرها
في غرفتها المشتركة مع شقيقتها مريم ذات الأعوام العشرة النائمة منذ أكثر منذ ساعة..
قرأت لطيفة الأذكار على الصغيرتين وحصنتهما..
ثم توجهت لغرفة أبنائها الذكور: محمد وعبدالله
تأكدت أنهما نائمان بعمق وقرأت عليهما هما أيضا الأذكار وحصنتهما..
ثم توجهت لغرفتها لتستحم كعادتها المسائية
تتوتر حين ينام أبنائها ويخلو عليها المنزل
وتجد أنها أصبحت خالية من مشاغل أبنائها التي تدفن فيها فوضى التفكير المؤلمة..
معركتها مع مشاعل قبل أيام مازالت ماثلة تحز في عمق مشاعرها المجروحة
أنهت حمامها.. وهاهي تقف أمام مرآتها بروبها الملفوف على جسدها المثير وشعرها المبلول يتناثر على كتفيها
تمعن النظر في ملامح وجهها بجماله المسكر
(وش فيني مهوب عاجبه؟؟ ليته بس يقول لي.. والله لأتغير عشانه.. بس ليته يقول.. ذبحني تجاهله)
جلست.. جففت شعرها بالمجفف الكهربائي وفردته.. ثم تعطرت بكثافة كعادة فقط، وليس من أجله هذه الليلة!!
قامت لتختار لها لباسا للنوم..
وقفت أمام دولاب ملابسها الضخم.. فتحت ناحية قمصانها
كل هذا الفيض الساحر المثير من شلالات الشيفون والحرير لم يستنطقه بكلمة واحدة!!
لِـمَ الاهتمام؟؟
أغلقت الدولاب.. لتتناول لها بيجامة قطن بأكمام طويلة
منذ زواجهما لم تعتد أن تنام قبل أن يعود للمنزل.. مهما تأخر.. وكثيرا ما تأخر!!
فهذا الرجل مهووس بعمله وصفقاته..
ينتظر إغلاق ول ستريت أو افتتاحها.. أو ربما داو جونز أو إغلاقها..
ولم يهتم يوما أن يطمئن المخلوقة التي تُسمى زوجته.. والتي كانت تذوب قلقا عليه..
لم يكن لقلقها اعتبارا أو معنى :
" أنا ماني ببزر تحاتيني" هكذا كان رده الدائم الحاد والواثق..
كانت تشغل نفسها بأبنائها.. ولكن من تخدع.. هم أبنائها وهو زوجها.. لكل منهم اهتمامه الخاص..
ومن كانت تخدع أيضا؟؟
هل هو زوجها فقط؟!!
مشعل بالنسبة لها لم يكن مجرد زوج..
رغم أنها بالنسبة له لم تكن أكثر من زوجة والسلام.
يحترمها؟؟ نعم.. يقدرها؟؟ نعم..
يحبها؟؟
لا تعتقد..
ما هذا الرد الحاد الموجع؟؟ لِـمَ لا تقولين ربما.. اشرعي بابا للأمل..
(باب للأمل بعد 13 عاما من الزواج؟!!)
في أحيان كثيرة تشعر أنه لولا حاجته البيولوجية الجسدية لها لم يكن ليقترب منها
مجرد جسد.. ليس لأنها لطيفة بملامحها وروحها
في ذات الوقت الذي تكون لطيفة تذوب بين يديه وفي أحضانه..
لِمَ يعجز عن الإحساس بها؟
فمشعل هو نبض روحها .. على يديه تفتح صباها
ولم تعرف خفقات القلب وتسارع الأنفاس واضطراب المشاعر إلا بحضوره ومن أجله..
حديث يطول..يطول ولم ينتهِ..
ومشعل لاهٍ في أعماله عن كل شيء..كل عام يمر يزيد تغلغل مشعل في روحها.. ويزيد تجاهل مشعل لها..
التجاهل الذي ينحر روحها الملتاعة..
هذه الليلة تريد أن تعلن تمردها على ذاتها..
لن تنتظره..
ستنام..
13 عاما مرت وهو يعاتبها حين يجدها تنتظره لدرجة أنه قال لها قبل يومين: خنقتيني باهتمامش.. أنا ماني بزر بيضيع في الشوارع.. عشان أمه تقعد تنتظره عشان تطمن أنه في فراشه قبل ما تنام هي
نامي لا تنتظريني رجاء.. يعني أنتي تبين تحسسيني بالذنب لما ألاقيش سهرانة تنتظريني وأنا تأخرت عليش؟؟
(خلاص يا مشعل لا أحسسك بالذنب ولا تحسسني.. بانام وباريحك من شوفة وجهي اللي تضايقك)
تمددت لطيفة في سريرها.. بعد أن أغلقت كل الأضواء وتركت ضوءاً خافتاً عند الباب وأخر بجوار سريرها
لم تستطع أن تنام وهو لم يعد بعد.. تستطيع أن تخدعه.. ولكنها لا تستطيع خداع نفسها..
بقيت ساهرة تتقلب في فراشها وهي تمتم بالأذكار.. حتى قارب الوقت الساعة الواحدة ليلا
حينها سمعت صوت الباب يفتح.. أولت ظهرها للباب.. وقررت تمثيل النوم.. لا تريد رؤيته هذه الليلة..
********************
واشنطن دي سي
في سيارته يغلي من الغضب.. وعلى استعداد لارتكاب جريمة فيمن يلقيه القدر العاثر في طريقه..
(بنت عمي أنا.. أنا..!!!!
وحدة من بنات مشعل.. دايرة من ديرة لديرة من لندن لواشنطن.. ماكن وراها رياجيل يحكمونها..
لا ومارضت تسكن في سكن الطالبات بعد..خوش والله.. وش عندها ذي؟؟.. زين يا بنت سلطان زين.. إذا عمي مات وهو مارباش أنا اللي بأربيش..
يعني ابي يدور عليكم.. وأنتي بايعة البيت..وهاجة من الدوحة!!..)
أفكاره الدموية النارية تلتهمه..
وغضبه من كل شيء يتصاعد..
يحتمل أي شيء.. أي شيء إلاَّ شيء يمس شرف عائلته وسمعتها
وصل إلى قمة الغضب والانفعال وهو يصل إلى العنوان الذي أخذه من السفارة
صعد السلالم ركضا بدون تفكير.. ووقف أمام شقتها ليضغط بعنف غاضب على جرس الباب
حينها استعاد بعضا من تفكيره المنطقي:
( أشلون أدق الباب على بنت ساكنة بروحها ومهيب حلال لي..
أكيد أصلا مهيب فاتحة لي إذا شافتني مع العين السحرية رجّال غريب ماتعرفه ..مستحيل تفتح لي)
كان مشعل على وشك التراجع والنزول وهو يقرر أن يتصل بها تلفونيا ليقابلها في الجامعة ويتصرف معها..
لكن ما نحره تماما.. أنها فتحت له الباب ببساطة
وهي تقف أمامه بثقة خلال فتحة الباب الموارب..
لتصدمه بصدمتين كل صدمة منها أعنف من الأخرى
*****************************
غرفة لطيفة/ الليلة السابقة
تمددت لطيفة في سريرها.. بعد أن أغلقت كل الأضواء وتركت ضوءا خافتا عند الباب وأخر بجوار سريرها
لم تستطع أن تنام وهو لم يعد بعد.. تستطيع أن تخدعه.. ولكنها لا تستطيع خداع نفسها..
بقيت ساهرة تتقلب في فراشها وهي تمتم بالأذكار..
حتى قارب الوقت الساعة الواحدة ليلا
حينها سمعت صوت الباب يفتح.. أولت ظهرها للباب
وقررت تمثيل النوم..
لا تريد رؤيته هذه الليلة..
رائحة عطره الثقيلة الفاخرة سبقته وهو مازال واقفا أمام الباب ببنيته الهائلة طولا وعرضا
(ياالله كيف يعبث حضور هذا الرجل بمشاعرها كأنها ريشة يطيرها نسيم حضوره أو أعاصيره!!)
دخل بخطواته الواثقة وهو يمسح بإرهاق على شعيرات عارضه الأسود المحدد بدقة وأناقة..
أغلق الباب وهو يفتح أزرار ثوبه ليحرر عضلات صدره العريض
ثم يسحب غترته عن رأسه ويلقيها دون اهتمام على الأريكة، ليُفاجأ بشيء غير معتاد: الضوء الخافت، ولطيفة لا تنتظره..
تلفت حوله..
فوجئ أن لطيفة نائمة..شعر بالارتياح أنها وأخيرا أطاعته ولم تنتظره..
ولكنه بعد دقيقة شعر بضيقٍ غير مفهوم
اعتاد على انتظارها له
وربما على تقريعها أيضا كلما وجدها تنتظره
وهي تنظر له كطفلة مبهورة تشعر بالذنب
( - مهوب أنت اللي توك مهزئها قبل أمس وقايل لها لا عاد تتنيني..
- زين 13 سنة وانا أقول لها لا تتنيني.. وش معنى ذا المرة؟؟
- أما أنك رجّال غريب!!) "تتنيني= تنتظريني"
تجاوز مشعل بسرعة أحاسيسه الملتبسة.. وتوجه للحمام ليستحم
صلى قيامه ثم تمدد إلى جوارها..
وقتها كانت لطيفة نامت بالفعل بعد أن أطمئنت على عودته
ينظر مشعل إلى ظهرها..
ويتمنى لأول مرة لو أنها تقلب وجهها ناحيته..
يريد أن يرى ملامحها الساكنة وهي نائمة بوداعة
(وش فيك الليلة يا مشعل؟؟ منت صاحي)
ولكن هذا الإحساس الطارئ سرعان ما تبخر كقطرة ماء على صفيح ساخن
لتعود مشاعر التجاهل التي راكمتها السنوات تطفو
وهو يعطيها ظهره ويستغرق في النوم هو أيضا.
***********************
قبل ذلك بحوالي ساعتين
مجلس آل مشعل
الشباب جميعهم كانوا مجتمعين
مشعل وأشقائه راكان وناصر وابن عمهم فارس
كان الأربعة يلعبون بيلوت: مشعل وراكان فريق، ناصر وفارس فريق
كانوا يجلسون على الأرض وقد جذبوا مخدات الكنب الفخمة للاتكاء عليها
لجلوس الأرض حميميته، والبيلوت لا يصلح إلاَّ بهذه الطريقة.
كان العمالقة الأربعة بحضورهم الرجولي الكاسح يجلسون في مربع
وحولهم أكواب فارغة وأخرى ممتلئة من الشاي و (الكرك)
مشعل يركز في أوراقه ويوجه كلامه لناصر: رحت للمحل اللي قلت لك عليه اليوم؟؟
ناصر وهو يركز بدوره في ورقه: رحت بس ماعجبتني الديزاينات اللي عنده.
مشعل بلهجته الجدية: بس هذا أحسن واحد يسوي جبس في الدوحة..
ناصر بلهجة اعتيادية: بس ماعجبني.. تعرف حد غيره؟
مشعل : أعرف واجد
راكان يقاطعهم بمرح وهو يوجه حديثه لمشعل: لنا الله.. يعني عشان نويصر معرس، الكلام كله معه
ترا أنا اللي خويك في اللعب... وأنا وأنت الشيبان هنا
عطني إشارة وإلا غمزة.. شكل البزارين فويرس ونويصر بيأكلونا
ناصر يضحك: الرازق في السما والحاسد في الأرض.. تدري شكلي المفروض أخاوي مشعل عشان نسوي حزب المتزوجين
وراكان وفارس نخليهم حزب العزابيه
مشعل باهتمام وهو ينظر لراكان وفارس: وأنتو يالأثنين منتو بناوين تعرسون؟؟
كان لمشعل احترامه الكبير عند أشقائه وابن عمه..
فهو أكبر من راكان بثماني سنوات، ومن ناصر بعشر سنوات، ومن فارس ب12 سنة..
شارك في تربيتهم.. وفي تربية فارس خصوصا..
ولأسباب تتعلق بفارس وتكوينه وظروفه كان اهتمامه بفارس أكثر حتى من اهتمامه بأشقائه.. أكثر بكثير!!
بعد سؤال مشعل الحازم والقاطع والهادئ
عمَّ صمتٌ باردٌ غريب المجلس، حتى قطعه ناصر بمرحٍ متوتر:
يا جماعة ترا سؤال مشعل مهوب عن اكتشاف الذرة.. كلمة ورد غطاها
راكان بجملة قاطعة: أنا ما أفكر في العرس وأنتو عارفين ذا الشيء ومافيه داعي حد يفتح ذا الموضوع معي
مشعل بحزم يوجه حديثه لفارس: وأنت بعد بترد نفس رد ولد عمك؟
فارس بنظرة غامضة ونبرة قاطعة خشنة بغموض مدروس:
أنا بأعرس وقريب.. بس خل الوالدة تختار لي المره اللي تجوز لها.
صمت الشباب الثلاثة الآخرين بحرج ..
كيف والدته تختار له.. ماذا يقصد؟؟
كيف؟؟
وشقيقتهم العنود التي يعرف الجميع أنها له منذ سنوات!!!!
إحساس مرٌّ اجتاح رجولتهم الثمينة
وكأن فارس يريد توجيه إهانة مبطنة لهم في مستقر قلوبهم:
صغيرتهم المدللة العذبة
سكتوا جميعا والأشقاء الثلاثة يتبادلون نظرات عميقة مضمونها:
لنتجاوز هذا الموضوع.. هو الخاسر إن كان لا يريد شقيقتنا
ولكنه يبقى ابن عمنا وشقيقنا
واستكملوا اللعب وكأن شيئا لم يحدث..
رغم أن هناك ماحدث..!!!
***************************
أمام شقة هيا في واشنطن
كان مشعل على وشك التراجع والنزول وهو يقرر أن يتصل بها تلفونيا ليقابلها في الجامعة ويتصرف معها..
لكن ما نحره تماما.. أنها فتحت له الباب ببساطة.. وهي تقف أمامه بثقة خلال فتحة الباب الموارب..
لتصدمه بصدمتين كل صدمة منها أعنف من الأخرى
الصدمة الأولى: أنه رأى أمامه نسخة مصغرة من جدته الأثيرة الغالية (هيا) أم والده
وكأن جدته تقف أمامه وقد صغرت 50 عاما..
نفس الملامح الحادة الرقيقة..
نفس نظرة العينين المذهلة..
النظرة الشرسة الحنونة..
التي تشعرك أن هذه الأنثى قد تلتهمك حيا بدون أن يرف لها جفن..
وفي ذات اللحظة عينها ستأخذك في أحضانها لتشبعك حنانا ليس له شبيه
جدته التي رفضت أن يسمي أي ابن لها بناته باسمها..
ليسمي الغائب المطرود ابنته عليها لتأخذ هذه البنت مع الاسم ملامح جدتها الفخمة الثمينة..
الملامح التي كانت قادرة هي فقط ولا أحد سواها على إذابة جبروت مشعل الكبير
الصدمة الثانية: كيف تفتح له الباب بهذه البساطة؟؟!!
أ معتادة هي على فتح بابها لأي طارق غريب؟؟!!!!!!
هذه الصدمة كانت أقسى على روحه وأعنف..
كيف تفعل هذا ابنة من بنات مشعل.. وكأنها إحدى بنات ____؟!!
يعجز حتى عن مجرد التفكير في الكلمة..
وترجم غضبه فورا... بعد أن تجاوز صدمته بشبهها الكبير بجدته الذي لم يستغرق حتى ثانية واحدة
ليقول لها بغضب هادر مكتسح: أشلون يا بنت سلطان.. يا بنت الحسب والنسب
تسمحين لنفسش تفتحين الباب كذا بكل بساطة لرجّال ماتعرفينه
يعني عشان مفكرة أنه ما وراش رياجيل يسنعونش.. ويكسرون خشمش لين تعرفين أن الله حق..
ردة فعلها التالية ذبحته
وكان مشعل على وشك أن ينتزع حزامه من بنطلونه ليجلدها به وهو يراها تفتح بابها على مشراعيه وكأنها تدعوه (وهو الرجل الغريب) للدخول..
وفعلا وضع يده على حزامه وكان على وشك سحبه
لولا أن الباب المشرع كشف له عن صالة صغيرة
تجلس فيها سيدة عجوز تلبس دراعة داكنة وشيلة أُحكم لفها على وجهها
وشابة طويلة محجبة تبدو ملامحها الجميلة انجليزية إلى حد ما..
وهيا تقف بين مشعل الواقف عند الباب
وبين الجالسات المستغربات ما يحدث..
وتوجه حديثها للسيدة العجوز بنبرة ساخرة لاذعة مرة قاتلة:
يمه خليني أعرفج
هذا ولد عمي مشعل بن عبدالله
شفتي يمه : وأخيرا شفت واحد من هلي.
هلي اللي رموا لحمهم في الدوحة.. جايين يدورونه في أمريكا.. بعد ما نسوه 23 سنة !!!
.
العصر
واشنطن دي سي
مكتب الملحق الثقافي في السفارة القطرية التي تقع في 2555 M ST NW بالقرب من (روك غريع بارك).
كان مشعل يشرب قهوته بهدوء بعد تبادل التحيات والترحيب المعتاد مع الملحق الثقافي
الذي تجمعه به علاقة مودة متينة: عسى ماشر يادكتور؟؟
ابتسم الملحق بمودة: لا شر ولا يحزنون، اشتقنا لك يا أخوي، ماتنشاف هذا أولا
ثانيا : واصل لك شريط فيديو من ولد عمك راكان
قلت فرصة نستدعيك ونسلم عليك ونعطيك إياه..
ابتسم مشعل وهو يتذكر أن راكان أخبره أنه سيرسل له شريط فيديو لرحلة قنصهم في الجزائر..
بعد حوار قصير مع الملحق واستلام مشعل لشريطه.. استأذن مشعل لأنه يعلم مشاغل الملحق مع وعد بالالتقاء على العشاء قريبا..
كان مشعل يهم بالمغادرة حين أستوقفه الملحق بقوله: تدري يا مشعل أنه فيه طالبة جديدة جايه قبل كم أسبوع اسمها مطابق لاسمك بالكامل
ولما سألتها أنت بنت عم مشعل، قالت: مالي عمام
قلت لها الاسم نفس الاسم
بس بعد أصرت إنها ما تعرفك وأنها مالها أعمام وان أبوها وحيد..
عاد مشعل للوقوف أمام الملحق وهو يسأل باهتمام: وش اسمها؟؟
أجابه الملحق وهو يفتح قائمة أسماء الطلاب القطريين التي لا تفارق مكتبه:
هيا سلطان مشعل آل فارس الــ
***************************
في الدوحة
الليلة السابقة للأحداث الماضية
بيت مشعل بن محمد بن مشعل..
الساعة 9 ونصف مساء
كانت لطيفة تضع صغيرتها جود ذات الأعوام الثلاثة في سريرها
في غرفتها المشتركة مع شقيقتها مريم ذات الأعوام العشرة النائمة منذ أكثر منذ ساعة..
قرأت لطيفة الأذكار على الصغيرتين وحصنتهما..
ثم توجهت لغرفة أبنائها الذكور: محمد وعبدالله
تأكدت أنهما نائمان بعمق وقرأت عليهما هما أيضا الأذكار وحصنتهما..
ثم توجهت لغرفتها لتستحم كعادتها المسائية
تتوتر حين ينام أبنائها ويخلو عليها المنزل
وتجد أنها أصبحت خالية من مشاغل أبنائها التي تدفن فيها فوضى التفكير المؤلمة..
معركتها مع مشاعل قبل أيام مازالت ماثلة تحز في عمق مشاعرها المجروحة
أنهت حمامها.. وهاهي تقف أمام مرآتها بروبها الملفوف على جسدها المثير وشعرها المبلول يتناثر على كتفيها
تمعن النظر في ملامح وجهها بجماله المسكر
(وش فيني مهوب عاجبه؟؟ ليته بس يقول لي.. والله لأتغير عشانه.. بس ليته يقول.. ذبحني تجاهله)
جلست.. جففت شعرها بالمجفف الكهربائي وفردته.. ثم تعطرت بكثافة كعادة فقط، وليس من أجله هذه الليلة!!
قامت لتختار لها لباسا للنوم..
وقفت أمام دولاب ملابسها الضخم.. فتحت ناحية قمصانها
كل هذا الفيض الساحر المثير من شلالات الشيفون والحرير لم يستنطقه بكلمة واحدة!!
لِـمَ الاهتمام؟؟
أغلقت الدولاب.. لتتناول لها بيجامة قطن بأكمام طويلة
منذ زواجهما لم تعتد أن تنام قبل أن يعود للمنزل.. مهما تأخر.. وكثيرا ما تأخر!!
فهذا الرجل مهووس بعمله وصفقاته..
ينتظر إغلاق ول ستريت أو افتتاحها.. أو ربما داو جونز أو إغلاقها..
ولم يهتم يوما أن يطمئن المخلوقة التي تُسمى زوجته.. والتي كانت تذوب قلقا عليه..
لم يكن لقلقها اعتبارا أو معنى :
" أنا ماني ببزر تحاتيني" هكذا كان رده الدائم الحاد والواثق..
كانت تشغل نفسها بأبنائها.. ولكن من تخدع.. هم أبنائها وهو زوجها.. لكل منهم اهتمامه الخاص..
ومن كانت تخدع أيضا؟؟
هل هو زوجها فقط؟!!
مشعل بالنسبة لها لم يكن مجرد زوج..
رغم أنها بالنسبة له لم تكن أكثر من زوجة والسلام.
يحترمها؟؟ نعم.. يقدرها؟؟ نعم..
يحبها؟؟
لا تعتقد..
ما هذا الرد الحاد الموجع؟؟ لِـمَ لا تقولين ربما.. اشرعي بابا للأمل..
(باب للأمل بعد 13 عاما من الزواج؟!!)
في أحيان كثيرة تشعر أنه لولا حاجته البيولوجية الجسدية لها لم يكن ليقترب منها
مجرد جسد.. ليس لأنها لطيفة بملامحها وروحها
في ذات الوقت الذي تكون لطيفة تذوب بين يديه وفي أحضانه..
لِمَ يعجز عن الإحساس بها؟
فمشعل هو نبض روحها .. على يديه تفتح صباها
ولم تعرف خفقات القلب وتسارع الأنفاس واضطراب المشاعر إلا بحضوره ومن أجله..
حديث يطول..يطول ولم ينتهِ..
ومشعل لاهٍ في أعماله عن كل شيء..كل عام يمر يزيد تغلغل مشعل في روحها.. ويزيد تجاهل مشعل لها..
التجاهل الذي ينحر روحها الملتاعة..
هذه الليلة تريد أن تعلن تمردها على ذاتها..
لن تنتظره..
ستنام..
13 عاما مرت وهو يعاتبها حين يجدها تنتظره لدرجة أنه قال لها قبل يومين: خنقتيني باهتمامش.. أنا ماني بزر بيضيع في الشوارع.. عشان أمه تقعد تنتظره عشان تطمن أنه في فراشه قبل ما تنام هي
نامي لا تنتظريني رجاء.. يعني أنتي تبين تحسسيني بالذنب لما ألاقيش سهرانة تنتظريني وأنا تأخرت عليش؟؟
(خلاص يا مشعل لا أحسسك بالذنب ولا تحسسني.. بانام وباريحك من شوفة وجهي اللي تضايقك)
تمددت لطيفة في سريرها.. بعد أن أغلقت كل الأضواء وتركت ضوءاً خافتاً عند الباب وأخر بجوار سريرها
لم تستطع أن تنام وهو لم يعد بعد.. تستطيع أن تخدعه.. ولكنها لا تستطيع خداع نفسها..
بقيت ساهرة تتقلب في فراشها وهي تمتم بالأذكار.. حتى قارب الوقت الساعة الواحدة ليلا
حينها سمعت صوت الباب يفتح.. أولت ظهرها للباب.. وقررت تمثيل النوم.. لا تريد رؤيته هذه الليلة..
********************
واشنطن دي سي
في سيارته يغلي من الغضب.. وعلى استعداد لارتكاب جريمة فيمن يلقيه القدر العاثر في طريقه..
(بنت عمي أنا.. أنا..!!!!
وحدة من بنات مشعل.. دايرة من ديرة لديرة من لندن لواشنطن.. ماكن وراها رياجيل يحكمونها..
لا ومارضت تسكن في سكن الطالبات بعد..خوش والله.. وش عندها ذي؟؟.. زين يا بنت سلطان زين.. إذا عمي مات وهو مارباش أنا اللي بأربيش..
يعني ابي يدور عليكم.. وأنتي بايعة البيت..وهاجة من الدوحة!!..)
أفكاره الدموية النارية تلتهمه..
وغضبه من كل شيء يتصاعد..
يحتمل أي شيء.. أي شيء إلاَّ شيء يمس شرف عائلته وسمعتها
وصل إلى قمة الغضب والانفعال وهو يصل إلى العنوان الذي أخذه من السفارة
صعد السلالم ركضا بدون تفكير.. ووقف أمام شقتها ليضغط بعنف غاضب على جرس الباب
حينها استعاد بعضا من تفكيره المنطقي:
( أشلون أدق الباب على بنت ساكنة بروحها ومهيب حلال لي..
أكيد أصلا مهيب فاتحة لي إذا شافتني مع العين السحرية رجّال غريب ماتعرفه ..مستحيل تفتح لي)
كان مشعل على وشك التراجع والنزول وهو يقرر أن يتصل بها تلفونيا ليقابلها في الجامعة ويتصرف معها..
لكن ما نحره تماما.. أنها فتحت له الباب ببساطة
وهي تقف أمامه بثقة خلال فتحة الباب الموارب..
لتصدمه بصدمتين كل صدمة منها أعنف من الأخرى
*****************************
غرفة لطيفة/ الليلة السابقة
تمددت لطيفة في سريرها.. بعد أن أغلقت كل الأضواء وتركت ضوءا خافتا عند الباب وأخر بجوار سريرها
لم تستطع أن تنام وهو لم يعد بعد.. تستطيع أن تخدعه.. ولكنها لا تستطيع خداع نفسها..
بقيت ساهرة تتقلب في فراشها وهي تمتم بالأذكار..
حتى قارب الوقت الساعة الواحدة ليلا
حينها سمعت صوت الباب يفتح.. أولت ظهرها للباب
وقررت تمثيل النوم..
لا تريد رؤيته هذه الليلة..
رائحة عطره الثقيلة الفاخرة سبقته وهو مازال واقفا أمام الباب ببنيته الهائلة طولا وعرضا
(ياالله كيف يعبث حضور هذا الرجل بمشاعرها كأنها ريشة يطيرها نسيم حضوره أو أعاصيره!!)
دخل بخطواته الواثقة وهو يمسح بإرهاق على شعيرات عارضه الأسود المحدد بدقة وأناقة..
أغلق الباب وهو يفتح أزرار ثوبه ليحرر عضلات صدره العريض
ثم يسحب غترته عن رأسه ويلقيها دون اهتمام على الأريكة، ليُفاجأ بشيء غير معتاد: الضوء الخافت، ولطيفة لا تنتظره..
تلفت حوله..
فوجئ أن لطيفة نائمة..شعر بالارتياح أنها وأخيرا أطاعته ولم تنتظره..
ولكنه بعد دقيقة شعر بضيقٍ غير مفهوم
اعتاد على انتظارها له
وربما على تقريعها أيضا كلما وجدها تنتظره
وهي تنظر له كطفلة مبهورة تشعر بالذنب
( - مهوب أنت اللي توك مهزئها قبل أمس وقايل لها لا عاد تتنيني..
- زين 13 سنة وانا أقول لها لا تتنيني.. وش معنى ذا المرة؟؟
- أما أنك رجّال غريب!!) "تتنيني= تنتظريني"
تجاوز مشعل بسرعة أحاسيسه الملتبسة.. وتوجه للحمام ليستحم
صلى قيامه ثم تمدد إلى جوارها..
وقتها كانت لطيفة نامت بالفعل بعد أن أطمئنت على عودته
ينظر مشعل إلى ظهرها..
ويتمنى لأول مرة لو أنها تقلب وجهها ناحيته..
يريد أن يرى ملامحها الساكنة وهي نائمة بوداعة
(وش فيك الليلة يا مشعل؟؟ منت صاحي)
ولكن هذا الإحساس الطارئ سرعان ما تبخر كقطرة ماء على صفيح ساخن
لتعود مشاعر التجاهل التي راكمتها السنوات تطفو
وهو يعطيها ظهره ويستغرق في النوم هو أيضا.
***********************
قبل ذلك بحوالي ساعتين
مجلس آل مشعل
الشباب جميعهم كانوا مجتمعين
مشعل وأشقائه راكان وناصر وابن عمهم فارس
كان الأربعة يلعبون بيلوت: مشعل وراكان فريق، ناصر وفارس فريق
كانوا يجلسون على الأرض وقد جذبوا مخدات الكنب الفخمة للاتكاء عليها
لجلوس الأرض حميميته، والبيلوت لا يصلح إلاَّ بهذه الطريقة.
كان العمالقة الأربعة بحضورهم الرجولي الكاسح يجلسون في مربع
وحولهم أكواب فارغة وأخرى ممتلئة من الشاي و (الكرك)
مشعل يركز في أوراقه ويوجه كلامه لناصر: رحت للمحل اللي قلت لك عليه اليوم؟؟
ناصر وهو يركز بدوره في ورقه: رحت بس ماعجبتني الديزاينات اللي عنده.
مشعل بلهجته الجدية: بس هذا أحسن واحد يسوي جبس في الدوحة..
ناصر بلهجة اعتيادية: بس ماعجبني.. تعرف حد غيره؟
مشعل : أعرف واجد
راكان يقاطعهم بمرح وهو يوجه حديثه لمشعل: لنا الله.. يعني عشان نويصر معرس، الكلام كله معه
ترا أنا اللي خويك في اللعب... وأنا وأنت الشيبان هنا
عطني إشارة وإلا غمزة.. شكل البزارين فويرس ونويصر بيأكلونا
ناصر يضحك: الرازق في السما والحاسد في الأرض.. تدري شكلي المفروض أخاوي مشعل عشان نسوي حزب المتزوجين
وراكان وفارس نخليهم حزب العزابيه
مشعل باهتمام وهو ينظر لراكان وفارس: وأنتو يالأثنين منتو بناوين تعرسون؟؟
كان لمشعل احترامه الكبير عند أشقائه وابن عمه..
فهو أكبر من راكان بثماني سنوات، ومن ناصر بعشر سنوات، ومن فارس ب12 سنة..
شارك في تربيتهم.. وفي تربية فارس خصوصا..
ولأسباب تتعلق بفارس وتكوينه وظروفه كان اهتمامه بفارس أكثر حتى من اهتمامه بأشقائه.. أكثر بكثير!!
بعد سؤال مشعل الحازم والقاطع والهادئ
عمَّ صمتٌ باردٌ غريب المجلس، حتى قطعه ناصر بمرحٍ متوتر:
يا جماعة ترا سؤال مشعل مهوب عن اكتشاف الذرة.. كلمة ورد غطاها
راكان بجملة قاطعة: أنا ما أفكر في العرس وأنتو عارفين ذا الشيء ومافيه داعي حد يفتح ذا الموضوع معي
مشعل بحزم يوجه حديثه لفارس: وأنت بعد بترد نفس رد ولد عمك؟
فارس بنظرة غامضة ونبرة قاطعة خشنة بغموض مدروس:
أنا بأعرس وقريب.. بس خل الوالدة تختار لي المره اللي تجوز لها.
صمت الشباب الثلاثة الآخرين بحرج ..
كيف والدته تختار له.. ماذا يقصد؟؟
كيف؟؟
وشقيقتهم العنود التي يعرف الجميع أنها له منذ سنوات!!!!
إحساس مرٌّ اجتاح رجولتهم الثمينة
وكأن فارس يريد توجيه إهانة مبطنة لهم في مستقر قلوبهم:
صغيرتهم المدللة العذبة
سكتوا جميعا والأشقاء الثلاثة يتبادلون نظرات عميقة مضمونها:
لنتجاوز هذا الموضوع.. هو الخاسر إن كان لا يريد شقيقتنا
ولكنه يبقى ابن عمنا وشقيقنا
واستكملوا اللعب وكأن شيئا لم يحدث..
رغم أن هناك ماحدث..!!!
***************************
أمام شقة هيا في واشنطن
كان مشعل على وشك التراجع والنزول وهو يقرر أن يتصل بها تلفونيا ليقابلها في الجامعة ويتصرف معها..
لكن ما نحره تماما.. أنها فتحت له الباب ببساطة.. وهي تقف أمامه بثقة خلال فتحة الباب الموارب..
لتصدمه بصدمتين كل صدمة منها أعنف من الأخرى
الصدمة الأولى: أنه رأى أمامه نسخة مصغرة من جدته الأثيرة الغالية (هيا) أم والده
وكأن جدته تقف أمامه وقد صغرت 50 عاما..
نفس الملامح الحادة الرقيقة..
نفس نظرة العينين المذهلة..
النظرة الشرسة الحنونة..
التي تشعرك أن هذه الأنثى قد تلتهمك حيا بدون أن يرف لها جفن..
وفي ذات اللحظة عينها ستأخذك في أحضانها لتشبعك حنانا ليس له شبيه
جدته التي رفضت أن يسمي أي ابن لها بناته باسمها..
ليسمي الغائب المطرود ابنته عليها لتأخذ هذه البنت مع الاسم ملامح جدتها الفخمة الثمينة..
الملامح التي كانت قادرة هي فقط ولا أحد سواها على إذابة جبروت مشعل الكبير
الصدمة الثانية: كيف تفتح له الباب بهذه البساطة؟؟!!
أ معتادة هي على فتح بابها لأي طارق غريب؟؟!!!!!!
هذه الصدمة كانت أقسى على روحه وأعنف..
كيف تفعل هذا ابنة من بنات مشعل.. وكأنها إحدى بنات ____؟!!
يعجز حتى عن مجرد التفكير في الكلمة..
وترجم غضبه فورا... بعد أن تجاوز صدمته بشبهها الكبير بجدته الذي لم يستغرق حتى ثانية واحدة
ليقول لها بغضب هادر مكتسح: أشلون يا بنت سلطان.. يا بنت الحسب والنسب
تسمحين لنفسش تفتحين الباب كذا بكل بساطة لرجّال ماتعرفينه
يعني عشان مفكرة أنه ما وراش رياجيل يسنعونش.. ويكسرون خشمش لين تعرفين أن الله حق..
ردة فعلها التالية ذبحته
وكان مشعل على وشك أن ينتزع حزامه من بنطلونه ليجلدها به وهو يراها تفتح بابها على مشراعيه وكأنها تدعوه (وهو الرجل الغريب) للدخول..
وفعلا وضع يده على حزامه وكان على وشك سحبه
لولا أن الباب المشرع كشف له عن صالة صغيرة
تجلس فيها سيدة عجوز تلبس دراعة داكنة وشيلة أُحكم لفها على وجهها
وشابة طويلة محجبة تبدو ملامحها الجميلة انجليزية إلى حد ما..
وهيا تقف بين مشعل الواقف عند الباب
وبين الجالسات المستغربات ما يحدث..
وتوجه حديثها للسيدة العجوز بنبرة ساخرة لاذعة مرة قاتلة:
يمه خليني أعرفج
هذا ولد عمي مشعل بن عبدالله
شفتي يمه : وأخيرا شفت واحد من هلي.
هلي اللي رموا لحمهم في الدوحة.. جايين يدورونه في أمريكا.. بعد ما نسوه 23 سنة !!!
.
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء السادس
أمام باب شقة هيا في واشنطن دي سي
كان مشعل على وشك أن ينتزع حزامه من بنطلونه ليجلدها به وهو يراها تفتح بابها على مشراعيه وكأنها تدعوه (وهو الرجل الغريب) للدخول..
وفعلا وضع يده على حزامه وكان على وشك سحبه
لولا أن الباب المشرع كشف له عن صالة صغيرة
تجلس فيها سيدة عجوز تلبس دراعة داكنة وشيلة أُحكم لفها على وجهها،
وشابة طويلة محجبة تبدو ملامحها الجميلة انجليزية إلى حد ما..
وهيا تقف بين مشعل الواقف عند الباب
وبين الجالسات المستغربات ما يحدث..
وتوجه حديثها للسيدة العجوز بنبرة ساخرة لاذعة مرة قاتلة:
يمه خليني أعرفج
هذا ولد عمي مشعل بن عبدالله
شفتي يمه : وأخيرا شفت واحد من هلي.
هلي اللي رموا لحمهم في الدوحة.. جايين يدورونه في أمريكا.. بعد ما نسوه 23 سنة !!!
قبل هذا الموقف بثلاثة أسابيع ونصف تقريبا
مكتب الملحق الثقافي في السفارة القطرية بواشنطن
هيا تجلس أمامه بخجلها الواثق.. بالكاد يظهر وجهها من شدة إحكام حجابها وتقريبه من أطراف وجهها..
الملحق بنبرة أبوية: خلصتي بكالوريس في لندن؟؟
هيا بهدوء: نعم..
الملحق بذات النبرة الأبوية: وليش ماتبين تسكنين في سكن الطالبات؟؟
هيا: أمي معاي.. وموب أي مكان بيناسبنا
أمي مرة كبيرة ومريضة ولازم أجيب لها وحدة تقعد عندها وقت ما أروح الجامعة
وأنت عارف أنه سياسة سكن الطالبات ما تسمح بالدخول إلا بأذن..
الملحق: براحتج يا أبوج أنتي والوالدة... محتاجة منا أي خدمة ترانا حاضرين على طول
وهذا كرت السفارة فيه تلفونات الطوارئ
هيا تتناول الكرت وتتمتم باحترام: مشكور يا دكتور.. ممكن أستأذن؟؟
الملحق: أكيد يا... (يقرأ الاسم في الورقة أمامه) يا هيا..
ثم يعقد جبينه بتفكير: هيا سلطان مشعل آل فارس الــ
أنتي بنت عم مشعل عبدالله الطالب اللي في أخر سنة دكتوراه هنا ؟؟؟
هيا ارتعشت بعنف وهي تسمع الاسم.. كادت أن تتهاوى من وقفتها
لكنها تماسكت وهي ترد ببرود محترم: لا يا دكتور.. أنا أبوي وحيد ماله أخوان..
الملحق بتفكير عميق: بس نفس الاسم الخماسي.. غريبة يعني.. متأكدة أنتي؟؟
وأكمل وهو يقف ويسحب صورة في برواز من الخزانة الزجاجية خلفه: شوفي هذا مشعل معي أنا والسفير
في حفل تكريم الطلاب القطريين قبل سنتين.. مشعل من خيرة طلابنا..
حاولت هيا ألا تنتظر للصورة.. ولكنها كانت مجبرة احتراما للملحق
نظرت لها نظرة سريعة.. هزتها الصورة بعنف
نفس طول والدها ووقفته المعتدة وبعض ملامحه المرسومة بحدة
ولكن ليست نفس نظرة العينين.. ليست نفسها!!
(هذا نظرته حادة.. قاسية..متسلطة مثل كل آل مشعل المتوحشين.. موب مثل نظرة أبوي اللي تذوب حنان وتسامح)
رفعت عينها عن الصورة
وهي تكتم تيار المشاعر المتضاربة الذي يكتسح جوارحها بين الغضب والحقد والحنين
لترد على الملحق بعدم اهتمام مهذب: ما أعرفه يادكتور.
***********************
قبل وصول مشعل إلى شقة هيا بدقائق..
هيا تجلس مع والدتها وصديقتها باكينام
جلسة حميمة يدور فيها الحديث الودي الحميم..
باكينام اعتادت على أم هيا وتحبها كثيرا وتعتبرها كأم ثانية لها
فأم هيا كانت مرافقة لهيا طوال فترة دراستها في بريطانيا.. وتوطدت علاقتها ببكينام خلالها.
أم هيا بصوت متعب حنون: ماشاء الله عليج يا باكي.. تهبلين بالحجاب الله يحفظج ويثبتج على طاعته..
باكينام تبتسم: أنا حلوة يا ماما على كل حال..
هيا تقاطع الحديث بمرح: حلوة بس الحين أحلى
أوووه كنت بأنسى.. خلوني أقوم ألبس عباتي
بأنزل للسوبرماركت أجيب لنا أغراض دام أنتي يا باكي قاعدة عند أمي..
باكي تمسك بيد أم هيا بمودة: روحي وسيبيني أنا وماما.. أصلا أنتي ئادة عزول بيننا..
هيا تبتسم وهي تتناول عباءتها من المشجب المعلق في الصالة: لنا الله..
ما أن أنهت هيا لبس عباءتها وحجابها حتى رن جرس الباب
هيا ألتفت لأمها وباكينام وهي تهز كتفيها: من بيجينا؟؟
أمها بهدوء: طلي مع العين السحرية وشوفي من..
هيا وضعت عينها على العين السحرية
لتجد أمامها أخر شخص كانت تتمنى أو تتوقع رؤيته
كان يقف بطوله المرعب متسندا على إطار الباب وعلى وجهه ترتسم علائم غضب مخيف..
واحد من آل مشعل..
آل مشعل..
آل مشعل..
آل مشعل الحلم الذي حلمت به طويلا
ثم الكابوس الذي أرادت أن تلغيه من حياتها
الكابوس الذي يعيد لها أسوأ ذكرياتها
وأمرَّ مشاعرها: الخذلان والظلم والقهر والأسى...... والهجران
(يا ربي.. يا ربي.. وش أسوي؟؟ ما أبي حد من آل مشعل في حياتي.. وش جابه ذا؟؟ وش عقبه جايين؟؟ وش عقبه؟؟ عقب ما راح الغالي جايين يكملون علينا)
شعرت هيا بتوتر عميق وغضب أعمق وهي تراه أمام بابها
لم تكن تريد أن تفتح له..
كانت تريد أن تلغي أهل والدها من حياتها
أن تتناسى حتى اسمها حتى تنساهم
لكنها أخذت نفسا عميقا وقررت أن تفتح له
لأنها كانت تعلم أن هذه المواجهة لا يمكن تأجيلها مادام قد عرف مكان سكنها
فتحت له الباب وهي تتسلح بأقصى درجات الثقة
ما أن فتحت الباب حتى صدمت برؤيته
رؤيته في صورة أو من خلال فتحة العين السحرية كانت شيئا مختلفا عنه حقيقة..
مرعب هذا الرجل بحضوره المسيطر!!!
ولكن..
يا الهي...
يا الهي كم يذكرها بوالدها.. تكاد تشعر برائحة والدها في الجو
قوة والدها المحتوية التي كانت تشعرها بالأمان وهي في أحضانه..
عبق حضور والدها المختلف ودفئه يحيط بها
و....
(يخسى ذا المشعل المعفن يكون مثل أبوي)
ما أن فتحت له حتى صرخ في وجهها بصوته العميق المرعب الغاضب: أشلون يا بنت سلطان.. يا بنت الحسب والنسب
تسمحين لنفسش تفتحين الباب كذا بكل بساطة لرجّال ماتعرفينه
يعني عشان مفكرة أنه ما وراش رياجيل يسنعونش.. ويكسرون خشمش لين تعرفين أن الله حق..
لم تهتم هيا بأي شيء قاله.. فكل آل مشعل لا يهمونها ولا حتى ذرة
تريد أن تنهي كل هذه المهزلة ليخرج هذا المدّعي الغريب المدعو ابن عمها من حياتها
تريدهم أن يتركوها كما تركوهم طوال عمرهم
أن ينسوهم أو يتناسوهم كما فعلوا بكل قسوة طيلة حياتها الماضية
أن يتجاهلوا دمهم الذي يجري في عروقها بعد أن حقروا حرمة الدم وجعلوه ماء مستباحا مهانا
كانت تهتف في داخلها : (اطلع.. اطلع.. اطلع من حياتي.. ما أبيكم خلاص.. يوم بغيناكم ما لقيناكم.. والحين خلاص.. خلاص.. ما أبيكم)
هيا ألتفت على أمها التي كانت مستغربة من هذا الرجل الذي جاءهم مهاجما بهذه الطريقة
وقالت لها بنبرة تقطر سخرية مرة : يمه خليني أعرفج
هذا ولد عمي مشعل بن عبدالله
شفتي يمه : وأخيرا شفت واحد من هلي.
هلي اللي رموا لحمهم في الدوحة.. جايين يدورونه في أمريكا.. بعد ما نسوه 23 سنة !!!
كانت تعتقد أنها ستحرجه.. وأنه سينزل راكضا يجرجر خجله وخيبته
ولكنها صعقت أنه نظر لها نظرة إزدراء قصدها مشعل تماما
(بنت العم ذي شكلها لسانها طويل وتبي أدبن مهوب ذا)
كادت تموت من القهر وهي ترى مشعل يتجاوزها ويدخل حتى يصل لوالدتها
ويقول بنبرة احترام: سامحيني يمه.. أنا كنت زعلان أحسب هيا ساكنة بروحها..وزعلت أكثر يوم شفتها فتحت لي الباب وأنا رجّال غريب عنها
لكن القدر والحشيمة لش... مادريت إنش معها
مشعل من ناحيته كان يعتقد أنه أحرجها وأخرسها وأنه هو من سيطر على مقاليد الأمور وهو يتصرف بثقة عفوية
ولكنه فوجئ بها تلتفت له وتقول بسخرية: الحين أمي لها القدر الحشيمة؟؟!!!! يا سلام عليك يا ولد آل مشعل!!
موب ذي أمي الهولية اللي طردتوا أبوي عشانه تزوجها؟؟!
الحين صارت أمك ولها القدر الحشيمة!!!
كانت ردات الفعل تتوالي بينهما كالصدمات
صُعقت وهو ينظر لها بغضب ويقترب منها كأسد غاضب
وهو يعتصر قبضته حتى لا يصفعها ويقول لها بغضب: مافيه وحدة من بنات مشعل تطول لسانها على أمها وتهينها
والله لو عديتها مرة ثانية لأقص لسانش يا بنت عمي
هيا ابتعدت خطوة للخلف وهي ترد عليه بغضب: منت باللي تجي تعلمني أشلون احترم أمي، لأنكم أنتو اللي هنتوها موب أنا
أنا بس أوضح لك ولا تسوي روحك شهم على حساب أمي
وأنا ماني من بنات مشعل أنا بنت سلطان وبس.. ومايشرفني أكون منكم
مشعل يحاول أن يتمالك أعصابه لأن يديه كانت تناديه أن يصفعها
وخصوصا أنه بلغ ذروة غضبه: احترمي نفسش قبل ماتحترمينها غصبا عنش
أم هيا وباكينام جالستان فاغرتان الفم مدهوشتان
كأنهما يشاهدان جزءا من فيلم بلغ الأكشن فيه ذروته..
وهم تريان هيا ومشعل كإعصارين يكاد كل منهما أن يقضي على الآخر بعواصفه.
هيا توجهت للباب الذي مازال مفتوحا وأشارت بيدها
وهي تقول ببرود حاولت دفن نيران غضبها تحته:
لا تحترمني ولا أحترمك لأنه مافيه داعي.. هذي أخر مرة نشوف ويهك.. بيتي يتعذرك ياولد آل مشعل
مشعل سحب نفسا عميقا (مهيب ذي اللي بتمشي شورها علي.. توش ماعرفتيني يا بنت سلطان)
حاول السيطرة على نفسه وهو يجلس بكل ثقة على الكرسي الفارغ الذي أمتلئ بحضوره الكاسح وقدماه الطويلتان تتمددان أمامه
ويقول بثقة متمكنة بنبرة هادئة بها رنة سخرية: وأنا ماني بطالع
وكل مابغيت جيت وتطمنت عن أحوالكم.. أنتو مسئولين مني
هيا تعد للعشرة حتى لا تمسك شيئا وتحطمه فوق رأسه وهي تصر على أسنانها: ومن اللي عطاك ذا الحق؟؟
مشعل بهدوء وهو ينظر لأظافره بحركة مقصودة ليقهر هيا: أنا عطيته نفسي.. وما أنتظر موافقتش ولا تهمني أصلا
هيا تلتفت لأمها وتقول بغضب: يمه قولي له يفارق،
وإلا والله العظيم لأتصل في البوليس الحين.. وأقول أنه متهجم على بيتنا.. وأخليهم يمسكونه
ثم ألتفتت على مشعل وهي تقول بسخرية: وشوف عقب وش بيفكك من إيديهم.. يدورون العرب دوارة
مشعل بثقة: سوي اللي تبينه.. مايهمني
أم هيا تكلمت أخيرا وهي تقول بهدوء حازم وتفكير عميق مؤجل يدور برأسها:
هيا سكري الباب وتعالي قهوي ولد عمج
هيا بغضب وانفعال: يمه وش تقولين؟؟
أم هيا بغضب: اللي سمعتيه.. وإلا ماعاد لي شور عليج
هيا بتأثر: ماعاش ولا كان اللي يعصاج
نظرت لمشعل بقهر وهي تغلق الباب وتعود لتجلس
في الوقت الذي أنعم عليها مشعل بفيض وافر من النظرات المتشفية الساخرة لانتصاره عليها..
***********************
الدوحة قبل أحد عشر عاما
عمر هيا 12 عاما
في المدرسة / منطقة الهلال
في الفسحة..
هيا تهمس لصديقتها عهود: عهود تكفين طالبتج
عهود بحماس: أفا عليش تأمرين أمر
هيا بذات الهمس: أهل أبوج في المعيذر صح؟؟
عهود باستغراب: إيه.. ليه تسألين؟؟
هيا برجاء حاد: تكفين عهود دام سواقكم يدل هناك
خلينا نروح هناك بكرة.. لأنه سواقنا ما عمره راح تيك المنطقة ولا يدلها..
سألته لو يدلها قال ما يعرفها
عهود بتوتر: زين ليش تبين تروحين هناك؟؟
هيا بحزن: بأموت أبي أشوف جدتي هيا
أبوي على طول يسولف عنها وعن جدي وعماني
بس موب راضي يوديني.. كل ما قلت له ودني.. قال لي بعدين
عهود بخوف: طيب وأمي وش أقول لها؟؟
هيا برجاء باكي: تكفين عهود.. تكفين.. قولي لها إنج بتنزلين عندي... وأنا بأقول لهلي بانزل عندج
عهود رغم خوفها: خلاص زين
في اليوم التالي ذهبت الطفلتان للبحث عن منزل جد هيا في المعيذر
ولم تعلم الصغيرة أن المعيذر منطقتين: شمالية وجنوبية
وهيا لا تعرف أي منطقة منها فيها بيت جدها
طافوا مطولا في المنطقة..
وهيا بدأ بكاءها بالتصاعد: أبي أشوف جدتي.. أبي أشوف جدتي
السائق والخادمة خافوا من هذا الطواف.. قال لهم السائق: يبي يروح بيت بابا كبير؟؟
عهود تحاول تهدئة هيا: هيا نروح لبيت جدي هنا قريب؟؟
هيا ببكاء: لا خلاص خلينا نرجع
عادت الفتاتان للهلال.. ولكن بعد ان علم أهل كل فتاة إنهما كذبتا عليهما
لأن أم هيا اتصلت بأهل عهود لتسأل إن كانت هيا قد تناولت غدائها
ففوجئت كل عائلة وصعقت بالخبر.. أن الفتاتين اختفتا مع السائق
ولأنه في ذلك الوقت كان انتشار الجوالات بسيطا جدا ولم تكن متوافرة مع السائقين بعد
فأخذ منهم القلق كل مأخذ وعشرات الأفكار المرعبة تعبث بهم
عهود عوقبت عقابا شديدا
لكن هيا ما أن رأت القلق المر في وجه أبيها.. ووجه أمها المنتفخ من البكاء..
حتى انهارت باكية في حضن والدها وهي تقول: يبه تكفى أبي أشوف جدتي هيا وجدي مشعل
حتى عيال عمي أعرفهم كلهم مشعل ومريم وراكان وناصر عيال عمي محمد
ولطيفة ومشعل عيال عمي عبدالله.. وحمد ولد عمتي نورة أعرفهم
حفظتهم من كثر منت تسولف لي عنهم.. ليه ما تخليني أشوفهم.. ليه؟؟
(كانت تعرف من أبناء عمومتها الذين شهد والدها ولادتهم.. أما الباقين فقد مات والدها دون يراهم أو يعرف بهم)
حضنها والدها بحنان وعمق ومرارة
يومها سقط كل حاجز بينه وبين ابنته التي أصبحت هي صندوق أسراره
حمّلها وهي في الثانية عشرة حمل لا تحمله من هي في الخمسين
الحمل الذي حوّل آل مشعل من حلم من أعذب أحلام هيا إلى كابوسها الأسوأ
************************
قصة سلطان بن مشعل
السفارة القطرية في لندن
قبل 27 سنة
أوائل الثمانينات
كان سلطان حينها في الرابعة والعشرين من عمره ينهي إجراءات تخرجه من الجامعة
بعد أن قضى خمس سنوات في مانشستر يدرس في جامعتها اللغة
ثم تخصص الاقتصاد (ذات التخصص الذي اختارته هيا)..
في ذلك الوقت كانت الدراسة في بريطانيا حلم كل طالب ينهي الثانوية بتفوق مثل سلطان
عارض والده سفره.. ولكن ككل آل مشعل كان سلطان عنيدا
ولم يرد مشعل الكبير أن يكسر شخصيته التي كان هو شخصيا سعيدا بقوتها وباعتداد ابنه بنفسه.
كان سلطان هو الابن الأوسط لمشعل الكبير وهيا، أكبر منه محمد وعبدالله.. وأصغر منه نورة وسعود
كان سلطان شديد التعلق بأهله وأشقائه و مولعا بأبناء أشقاءه وبناتهم
كان سلطان في السفارة ينهي تصديق شهادته، ويسلم متعلقاته
استعدادا للعودة النهائية للدوحة التي طال اشتياقه لها ولأهله حتى أضناه
فوجئ سلطان بعد إنجازه لإجراءاته بـ
.
أمام باب شقة هيا في واشنطن دي سي
كان مشعل على وشك أن ينتزع حزامه من بنطلونه ليجلدها به وهو يراها تفتح بابها على مشراعيه وكأنها تدعوه (وهو الرجل الغريب) للدخول..
وفعلا وضع يده على حزامه وكان على وشك سحبه
لولا أن الباب المشرع كشف له عن صالة صغيرة
تجلس فيها سيدة عجوز تلبس دراعة داكنة وشيلة أُحكم لفها على وجهها،
وشابة طويلة محجبة تبدو ملامحها الجميلة انجليزية إلى حد ما..
وهيا تقف بين مشعل الواقف عند الباب
وبين الجالسات المستغربات ما يحدث..
وتوجه حديثها للسيدة العجوز بنبرة ساخرة لاذعة مرة قاتلة:
يمه خليني أعرفج
هذا ولد عمي مشعل بن عبدالله
شفتي يمه : وأخيرا شفت واحد من هلي.
هلي اللي رموا لحمهم في الدوحة.. جايين يدورونه في أمريكا.. بعد ما نسوه 23 سنة !!!
قبل هذا الموقف بثلاثة أسابيع ونصف تقريبا
مكتب الملحق الثقافي في السفارة القطرية بواشنطن
هيا تجلس أمامه بخجلها الواثق.. بالكاد يظهر وجهها من شدة إحكام حجابها وتقريبه من أطراف وجهها..
الملحق بنبرة أبوية: خلصتي بكالوريس في لندن؟؟
هيا بهدوء: نعم..
الملحق بذات النبرة الأبوية: وليش ماتبين تسكنين في سكن الطالبات؟؟
هيا: أمي معاي.. وموب أي مكان بيناسبنا
أمي مرة كبيرة ومريضة ولازم أجيب لها وحدة تقعد عندها وقت ما أروح الجامعة
وأنت عارف أنه سياسة سكن الطالبات ما تسمح بالدخول إلا بأذن..
الملحق: براحتج يا أبوج أنتي والوالدة... محتاجة منا أي خدمة ترانا حاضرين على طول
وهذا كرت السفارة فيه تلفونات الطوارئ
هيا تتناول الكرت وتتمتم باحترام: مشكور يا دكتور.. ممكن أستأذن؟؟
الملحق: أكيد يا... (يقرأ الاسم في الورقة أمامه) يا هيا..
ثم يعقد جبينه بتفكير: هيا سلطان مشعل آل فارس الــ
أنتي بنت عم مشعل عبدالله الطالب اللي في أخر سنة دكتوراه هنا ؟؟؟
هيا ارتعشت بعنف وهي تسمع الاسم.. كادت أن تتهاوى من وقفتها
لكنها تماسكت وهي ترد ببرود محترم: لا يا دكتور.. أنا أبوي وحيد ماله أخوان..
الملحق بتفكير عميق: بس نفس الاسم الخماسي.. غريبة يعني.. متأكدة أنتي؟؟
وأكمل وهو يقف ويسحب صورة في برواز من الخزانة الزجاجية خلفه: شوفي هذا مشعل معي أنا والسفير
في حفل تكريم الطلاب القطريين قبل سنتين.. مشعل من خيرة طلابنا..
حاولت هيا ألا تنتظر للصورة.. ولكنها كانت مجبرة احتراما للملحق
نظرت لها نظرة سريعة.. هزتها الصورة بعنف
نفس طول والدها ووقفته المعتدة وبعض ملامحه المرسومة بحدة
ولكن ليست نفس نظرة العينين.. ليست نفسها!!
(هذا نظرته حادة.. قاسية..متسلطة مثل كل آل مشعل المتوحشين.. موب مثل نظرة أبوي اللي تذوب حنان وتسامح)
رفعت عينها عن الصورة
وهي تكتم تيار المشاعر المتضاربة الذي يكتسح جوارحها بين الغضب والحقد والحنين
لترد على الملحق بعدم اهتمام مهذب: ما أعرفه يادكتور.
***********************
قبل وصول مشعل إلى شقة هيا بدقائق..
هيا تجلس مع والدتها وصديقتها باكينام
جلسة حميمة يدور فيها الحديث الودي الحميم..
باكينام اعتادت على أم هيا وتحبها كثيرا وتعتبرها كأم ثانية لها
فأم هيا كانت مرافقة لهيا طوال فترة دراستها في بريطانيا.. وتوطدت علاقتها ببكينام خلالها.
أم هيا بصوت متعب حنون: ماشاء الله عليج يا باكي.. تهبلين بالحجاب الله يحفظج ويثبتج على طاعته..
باكينام تبتسم: أنا حلوة يا ماما على كل حال..
هيا تقاطع الحديث بمرح: حلوة بس الحين أحلى
أوووه كنت بأنسى.. خلوني أقوم ألبس عباتي
بأنزل للسوبرماركت أجيب لنا أغراض دام أنتي يا باكي قاعدة عند أمي..
باكي تمسك بيد أم هيا بمودة: روحي وسيبيني أنا وماما.. أصلا أنتي ئادة عزول بيننا..
هيا تبتسم وهي تتناول عباءتها من المشجب المعلق في الصالة: لنا الله..
ما أن أنهت هيا لبس عباءتها وحجابها حتى رن جرس الباب
هيا ألتفت لأمها وباكينام وهي تهز كتفيها: من بيجينا؟؟
أمها بهدوء: طلي مع العين السحرية وشوفي من..
هيا وضعت عينها على العين السحرية
لتجد أمامها أخر شخص كانت تتمنى أو تتوقع رؤيته
كان يقف بطوله المرعب متسندا على إطار الباب وعلى وجهه ترتسم علائم غضب مخيف..
واحد من آل مشعل..
آل مشعل..
آل مشعل..
آل مشعل الحلم الذي حلمت به طويلا
ثم الكابوس الذي أرادت أن تلغيه من حياتها
الكابوس الذي يعيد لها أسوأ ذكرياتها
وأمرَّ مشاعرها: الخذلان والظلم والقهر والأسى...... والهجران
(يا ربي.. يا ربي.. وش أسوي؟؟ ما أبي حد من آل مشعل في حياتي.. وش جابه ذا؟؟ وش عقبه جايين؟؟ وش عقبه؟؟ عقب ما راح الغالي جايين يكملون علينا)
شعرت هيا بتوتر عميق وغضب أعمق وهي تراه أمام بابها
لم تكن تريد أن تفتح له..
كانت تريد أن تلغي أهل والدها من حياتها
أن تتناسى حتى اسمها حتى تنساهم
لكنها أخذت نفسا عميقا وقررت أن تفتح له
لأنها كانت تعلم أن هذه المواجهة لا يمكن تأجيلها مادام قد عرف مكان سكنها
فتحت له الباب وهي تتسلح بأقصى درجات الثقة
ما أن فتحت الباب حتى صدمت برؤيته
رؤيته في صورة أو من خلال فتحة العين السحرية كانت شيئا مختلفا عنه حقيقة..
مرعب هذا الرجل بحضوره المسيطر!!!
ولكن..
يا الهي...
يا الهي كم يذكرها بوالدها.. تكاد تشعر برائحة والدها في الجو
قوة والدها المحتوية التي كانت تشعرها بالأمان وهي في أحضانه..
عبق حضور والدها المختلف ودفئه يحيط بها
و....
(يخسى ذا المشعل المعفن يكون مثل أبوي)
ما أن فتحت له حتى صرخ في وجهها بصوته العميق المرعب الغاضب: أشلون يا بنت سلطان.. يا بنت الحسب والنسب
تسمحين لنفسش تفتحين الباب كذا بكل بساطة لرجّال ماتعرفينه
يعني عشان مفكرة أنه ما وراش رياجيل يسنعونش.. ويكسرون خشمش لين تعرفين أن الله حق..
لم تهتم هيا بأي شيء قاله.. فكل آل مشعل لا يهمونها ولا حتى ذرة
تريد أن تنهي كل هذه المهزلة ليخرج هذا المدّعي الغريب المدعو ابن عمها من حياتها
تريدهم أن يتركوها كما تركوهم طوال عمرهم
أن ينسوهم أو يتناسوهم كما فعلوا بكل قسوة طيلة حياتها الماضية
أن يتجاهلوا دمهم الذي يجري في عروقها بعد أن حقروا حرمة الدم وجعلوه ماء مستباحا مهانا
كانت تهتف في داخلها : (اطلع.. اطلع.. اطلع من حياتي.. ما أبيكم خلاص.. يوم بغيناكم ما لقيناكم.. والحين خلاص.. خلاص.. ما أبيكم)
هيا ألتفت على أمها التي كانت مستغربة من هذا الرجل الذي جاءهم مهاجما بهذه الطريقة
وقالت لها بنبرة تقطر سخرية مرة : يمه خليني أعرفج
هذا ولد عمي مشعل بن عبدالله
شفتي يمه : وأخيرا شفت واحد من هلي.
هلي اللي رموا لحمهم في الدوحة.. جايين يدورونه في أمريكا.. بعد ما نسوه 23 سنة !!!
كانت تعتقد أنها ستحرجه.. وأنه سينزل راكضا يجرجر خجله وخيبته
ولكنها صعقت أنه نظر لها نظرة إزدراء قصدها مشعل تماما
(بنت العم ذي شكلها لسانها طويل وتبي أدبن مهوب ذا)
كادت تموت من القهر وهي ترى مشعل يتجاوزها ويدخل حتى يصل لوالدتها
ويقول بنبرة احترام: سامحيني يمه.. أنا كنت زعلان أحسب هيا ساكنة بروحها..وزعلت أكثر يوم شفتها فتحت لي الباب وأنا رجّال غريب عنها
لكن القدر والحشيمة لش... مادريت إنش معها
مشعل من ناحيته كان يعتقد أنه أحرجها وأخرسها وأنه هو من سيطر على مقاليد الأمور وهو يتصرف بثقة عفوية
ولكنه فوجئ بها تلتفت له وتقول بسخرية: الحين أمي لها القدر الحشيمة؟؟!!!! يا سلام عليك يا ولد آل مشعل!!
موب ذي أمي الهولية اللي طردتوا أبوي عشانه تزوجها؟؟!
الحين صارت أمك ولها القدر الحشيمة!!!
كانت ردات الفعل تتوالي بينهما كالصدمات
صُعقت وهو ينظر لها بغضب ويقترب منها كأسد غاضب
وهو يعتصر قبضته حتى لا يصفعها ويقول لها بغضب: مافيه وحدة من بنات مشعل تطول لسانها على أمها وتهينها
والله لو عديتها مرة ثانية لأقص لسانش يا بنت عمي
هيا ابتعدت خطوة للخلف وهي ترد عليه بغضب: منت باللي تجي تعلمني أشلون احترم أمي، لأنكم أنتو اللي هنتوها موب أنا
أنا بس أوضح لك ولا تسوي روحك شهم على حساب أمي
وأنا ماني من بنات مشعل أنا بنت سلطان وبس.. ومايشرفني أكون منكم
مشعل يحاول أن يتمالك أعصابه لأن يديه كانت تناديه أن يصفعها
وخصوصا أنه بلغ ذروة غضبه: احترمي نفسش قبل ماتحترمينها غصبا عنش
أم هيا وباكينام جالستان فاغرتان الفم مدهوشتان
كأنهما يشاهدان جزءا من فيلم بلغ الأكشن فيه ذروته..
وهم تريان هيا ومشعل كإعصارين يكاد كل منهما أن يقضي على الآخر بعواصفه.
هيا توجهت للباب الذي مازال مفتوحا وأشارت بيدها
وهي تقول ببرود حاولت دفن نيران غضبها تحته:
لا تحترمني ولا أحترمك لأنه مافيه داعي.. هذي أخر مرة نشوف ويهك.. بيتي يتعذرك ياولد آل مشعل
مشعل سحب نفسا عميقا (مهيب ذي اللي بتمشي شورها علي.. توش ماعرفتيني يا بنت سلطان)
حاول السيطرة على نفسه وهو يجلس بكل ثقة على الكرسي الفارغ الذي أمتلئ بحضوره الكاسح وقدماه الطويلتان تتمددان أمامه
ويقول بثقة متمكنة بنبرة هادئة بها رنة سخرية: وأنا ماني بطالع
وكل مابغيت جيت وتطمنت عن أحوالكم.. أنتو مسئولين مني
هيا تعد للعشرة حتى لا تمسك شيئا وتحطمه فوق رأسه وهي تصر على أسنانها: ومن اللي عطاك ذا الحق؟؟
مشعل بهدوء وهو ينظر لأظافره بحركة مقصودة ليقهر هيا: أنا عطيته نفسي.. وما أنتظر موافقتش ولا تهمني أصلا
هيا تلتفت لأمها وتقول بغضب: يمه قولي له يفارق،
وإلا والله العظيم لأتصل في البوليس الحين.. وأقول أنه متهجم على بيتنا.. وأخليهم يمسكونه
ثم ألتفتت على مشعل وهي تقول بسخرية: وشوف عقب وش بيفكك من إيديهم.. يدورون العرب دوارة
مشعل بثقة: سوي اللي تبينه.. مايهمني
أم هيا تكلمت أخيرا وهي تقول بهدوء حازم وتفكير عميق مؤجل يدور برأسها:
هيا سكري الباب وتعالي قهوي ولد عمج
هيا بغضب وانفعال: يمه وش تقولين؟؟
أم هيا بغضب: اللي سمعتيه.. وإلا ماعاد لي شور عليج
هيا بتأثر: ماعاش ولا كان اللي يعصاج
نظرت لمشعل بقهر وهي تغلق الباب وتعود لتجلس
في الوقت الذي أنعم عليها مشعل بفيض وافر من النظرات المتشفية الساخرة لانتصاره عليها..
***********************
الدوحة قبل أحد عشر عاما
عمر هيا 12 عاما
في المدرسة / منطقة الهلال
في الفسحة..
هيا تهمس لصديقتها عهود: عهود تكفين طالبتج
عهود بحماس: أفا عليش تأمرين أمر
هيا بذات الهمس: أهل أبوج في المعيذر صح؟؟
عهود باستغراب: إيه.. ليه تسألين؟؟
هيا برجاء حاد: تكفين عهود دام سواقكم يدل هناك
خلينا نروح هناك بكرة.. لأنه سواقنا ما عمره راح تيك المنطقة ولا يدلها..
سألته لو يدلها قال ما يعرفها
عهود بتوتر: زين ليش تبين تروحين هناك؟؟
هيا بحزن: بأموت أبي أشوف جدتي هيا
أبوي على طول يسولف عنها وعن جدي وعماني
بس موب راضي يوديني.. كل ما قلت له ودني.. قال لي بعدين
عهود بخوف: طيب وأمي وش أقول لها؟؟
هيا برجاء باكي: تكفين عهود.. تكفين.. قولي لها إنج بتنزلين عندي... وأنا بأقول لهلي بانزل عندج
عهود رغم خوفها: خلاص زين
في اليوم التالي ذهبت الطفلتان للبحث عن منزل جد هيا في المعيذر
ولم تعلم الصغيرة أن المعيذر منطقتين: شمالية وجنوبية
وهيا لا تعرف أي منطقة منها فيها بيت جدها
طافوا مطولا في المنطقة..
وهيا بدأ بكاءها بالتصاعد: أبي أشوف جدتي.. أبي أشوف جدتي
السائق والخادمة خافوا من هذا الطواف.. قال لهم السائق: يبي يروح بيت بابا كبير؟؟
عهود تحاول تهدئة هيا: هيا نروح لبيت جدي هنا قريب؟؟
هيا ببكاء: لا خلاص خلينا نرجع
عادت الفتاتان للهلال.. ولكن بعد ان علم أهل كل فتاة إنهما كذبتا عليهما
لأن أم هيا اتصلت بأهل عهود لتسأل إن كانت هيا قد تناولت غدائها
ففوجئت كل عائلة وصعقت بالخبر.. أن الفتاتين اختفتا مع السائق
ولأنه في ذلك الوقت كان انتشار الجوالات بسيطا جدا ولم تكن متوافرة مع السائقين بعد
فأخذ منهم القلق كل مأخذ وعشرات الأفكار المرعبة تعبث بهم
عهود عوقبت عقابا شديدا
لكن هيا ما أن رأت القلق المر في وجه أبيها.. ووجه أمها المنتفخ من البكاء..
حتى انهارت باكية في حضن والدها وهي تقول: يبه تكفى أبي أشوف جدتي هيا وجدي مشعل
حتى عيال عمي أعرفهم كلهم مشعل ومريم وراكان وناصر عيال عمي محمد
ولطيفة ومشعل عيال عمي عبدالله.. وحمد ولد عمتي نورة أعرفهم
حفظتهم من كثر منت تسولف لي عنهم.. ليه ما تخليني أشوفهم.. ليه؟؟
(كانت تعرف من أبناء عمومتها الذين شهد والدها ولادتهم.. أما الباقين فقد مات والدها دون يراهم أو يعرف بهم)
حضنها والدها بحنان وعمق ومرارة
يومها سقط كل حاجز بينه وبين ابنته التي أصبحت هي صندوق أسراره
حمّلها وهي في الثانية عشرة حمل لا تحمله من هي في الخمسين
الحمل الذي حوّل آل مشعل من حلم من أعذب أحلام هيا إلى كابوسها الأسوأ
************************
قصة سلطان بن مشعل
السفارة القطرية في لندن
قبل 27 سنة
أوائل الثمانينات
كان سلطان حينها في الرابعة والعشرين من عمره ينهي إجراءات تخرجه من الجامعة
بعد أن قضى خمس سنوات في مانشستر يدرس في جامعتها اللغة
ثم تخصص الاقتصاد (ذات التخصص الذي اختارته هيا)..
في ذلك الوقت كانت الدراسة في بريطانيا حلم كل طالب ينهي الثانوية بتفوق مثل سلطان
عارض والده سفره.. ولكن ككل آل مشعل كان سلطان عنيدا
ولم يرد مشعل الكبير أن يكسر شخصيته التي كان هو شخصيا سعيدا بقوتها وباعتداد ابنه بنفسه.
كان سلطان هو الابن الأوسط لمشعل الكبير وهيا، أكبر منه محمد وعبدالله.. وأصغر منه نورة وسعود
كان سلطان شديد التعلق بأهله وأشقائه و مولعا بأبناء أشقاءه وبناتهم
كان سلطان في السفارة ينهي تصديق شهادته، ويسلم متعلقاته
استعدادا للعودة النهائية للدوحة التي طال اشتياقه لها ولأهله حتى أضناه
فوجئ سلطان بعد إنجازه لإجراءاته بـ
.
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء السابع
قصة سلطان بن مشعل
السفارة القطرية في لندن
قبل 27 سنة
أوائل الثمانينات
كان سلطان حينها في الرابعة والعشرين من عمره ينهي إجراءات تخرجه من الجامعة
بعد أن قضى خمس سنوات في مانشستر يدرس في جامعتها اللغة
ثم تخصص الاقتصاد (ذات التخصص الذي اختارته هيا)..
في ذلك الوقت كانت الدراسة في بريطانيا حلم كل طالب ينهي الثانوية بتفوق مثل سلطان
عارض والده سفره.. ولكن ككل آل مشعل كان سلطان عنيدا
ولم يرد مشعل الكبير أن يكسر شخصيته التي كان هو شخصيا سعيدا بقوتها وباعتداد ابنه بنفسه.
كان سلطان هو الابن الأوسط لمشعل الكبير وهيا، أكبر منه محمد وعبدالله.. وأصغر منه نورة وسعود
كان سلطان شديد التعلق بأهله وأشقائه و مولعا بأبناء أشقاءه وبناتهم
كان سلطان في السفارة ينهي تصديق شهادته، ويسلم متعلقاته
استعدادا للعودة النهائية للدوحة التي طال اشتياقه لها ولأهله حتى أضناه
فوجئ سلطان بعد إنجازه لإجراءاته بسيدة قطرية في الأربعين تجلس في صالة الاستقبال باد عليها الذبول من كثرة البكاء، كانت تنظر لما حولها بضياع، تشهق حينا وتصمت حينا وتحادث نفسها حينا
شعر سلطان بحميته تتحرك ناحيته هذه المرأة
هكذا رباهم مشعل الكبير.. وهكذا لابد أن يحصد تربيته لهم!!
فالرجولة لا تتجزأ ولا يختار الرجل آلية لتنفيذها.. بل تتلبسه هذه الرجولة ويتصرف من خلالها
وهكذا فعل سلطان!!
سأل منسوبي السفارة عنها فقالوا له أنها كانت مع والدها الذي كان يتعالج هنا لمدة عامين
ووالدها الآن توفي ولا أقارب لها وهي تريد أن تعيده ليدفن في الدوحة
وهي لا تعرف كيف تتصرف لوحدها.. فأبوها الذي كان يغسل الكلى كان هو من يقوم بكل شؤونهما
حتى انهار فجأة ومات لتجد نفسها منهارة بدون سند.
اقترب منها سلطان واستفسر منها، وجدها منهارة تماما ولا تعرف كيف تتصرف، ولا حتى ماذا تفعل حين تعود للدوحة
فوالدها قدم في شبابه من إيران، وعمل كسائق عند أحد الشيوخ الذي منحه الجنسية القطرية بعد عدة سنوات ثم زوجه شابة يتيمة مرباة في منزله
(كعادة بيوت الشيوخ قديما التي كانت مليئة بأطفال أيتام يقومون بتربيتهم في ظل عدم وجود مياتم) والداها لم ينجبا غيرها، أقارب أبيها في إيران لا تعرف عنهم شيئا
عمل أبوها لعدة سنوات عند الشيخ، ثم استقل بعمله التجاري الخاص، ولكن كل ماجمعه من عمله صرفه في رحلة العلاج هذه.
شعر سلطان بالمسؤولية عن هذه المرأة
لمن يتركها وهي غريبة ووحيدة ومنكسرة ولا عائل لها؟؟ كيف ترضى شهامته أن يفعل شيئا كهذا؟!!
ووجد سلطان نفسه يتزوج حصة (التي اسماها أبوها على اسم أم الشيخ الذي كان يعمل عنده) حصة التي كانت تكبره بخمسة عشرة عاما
لم يكن عمر حصة هو ما يشغله، ولكن ماكان يخشاه هو ثورة والده حين يعلم أن حصة هولية –كما يعلم أن والده سيقول- ذلك المنطق الغريب الذي لا يرضاه دين
ذلك الترفع العرقي الذي يجعلهم يظنون أنهم أفضل من غيرهم، بينما رسول الله صلاة الله وسلامه عليه يقول : لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
الشيء الآخر أن أهله كانوا ينتظرونه ليزوجوه هو وشقيقه الأصغر منه سعود بنات عمهم .. فكيف يستطيع مواجهة كل هذا؟!
*************************
الدوحة اليوم
بيت محمد بن مشعل
الصباح الباكر
صالة البيت الرئيسية التي أُعدت على الطراز التراثي القديم بدقة رائعة
كانت من ذوق راكان وتأثيثه الذي كان دقيقا جدا في اختياراته للديكور و لقطع الأثاث
الجلسة الأرضية بالسدو الأحمر.. منتجات الخوص المتناثرة.. الصبغ المعتق المرسوم عليه شقوق متقنة.. السقف المبطن بأخشاب تصلها الحبال ببعضها
الإنارة التي كان بعضها مخفيا وبعضها عبارة عن سُرج موزعة بدقة في الأرجاء
كانت مريم تجلس مع والدتها تشرب شايا بالحليب وعباءتها عليها تستعد للذهاب لعملها في معهد النور للمكفوفين حيث تعمل كمعلمة اجتماعيات..
كانت أم مشعل في أواسط الخمسينات.. سيدة حازمة جدا لكنها أيضا حنونة جدا.. العنود تنزل السلم وهي تقفز كل درجتين مع بعضهما.. وعباءتها بيد، وحقيبتها باليد الأخرى.. لتجتاحهم كإعصار عذب وهي توزع قبلاتها واحتضاناتها بين أمها ومريم.. ثم تقفز وتجلس بجوار أمها
مريم بابتسامة: أنتي شغالة مبوسة.. با أختي توش حابتني صلاة الفجر.. حلاوة هي؟؟
أم مشعل بحنان: فديتها وفديت حبتها.. حد يعين أنه يستصبح بوجه ذا الغزال وحبته ويقول لا؟؟
العنود تبتسم وتحتضن أمها وهي تقول بدلال: فديت اللي يفهمون يا ناس.. جعل عين أبو مشعل ما تشوف غيرش يا المزيونة..
أمها تبتسم وتقول بمرح: خوش دعوة يا أمش ما ابي غيرها..
مريم بمرح: عدال كن حد بيطالع شيبتش اللي طايحة سنونه..
أم مشعل تضحك: إيه ذا الكلام مهوب عندش إذا شفتيه.. قعدتي تنفخين رأسه علي كنه صبي أبو 20 سنة وأنا اللي جدته
بعد أن انهوا إفطارهم على عجالة.. مريم بحزم: يالله عنادي قومي عشان ما نتأخر.. العنود بمرح: إيه يا اختي لا تأكلنا سواقتش بس.. كل صبح تجيب لي كآبة قبل أروح الجامعة من كثر ماتنافخ..
مريم تبتسم: ما ينخاف عليش أنتي... تجبيبين للكرة الأرضية كلها كآبة وأنتي شدوقش بتشقق من الضحك..
**************************
عودة لقصة سلطان قبل 27 عاما
عاد سلطان للدوحة مع حصة.. ولكنه لم يأتِبها مباشرة لبيت والده لأنه كان يعلم ما ينتظره، قرر أن يتركها في بيت والدها أولا..
كما توقع
ثار والده وأصرَّ عليه أن يطلقها حتى بدون أن يسمع دفاعه أو مبرراته
حتى أمه لم يسمح له أن يراها.. وظل هذا الأمر حسرة مرة قاتلة في قلبه وقلبها.. وجع سرمدي لا حدود لامتدادات جرحه وعمقه
مشعل الكبير فعل مافعله في لحظة غضب فرضها عليه كبرياءه وتكبره
وبعدها كان ينتظر رجاءً من سلطان
مجرد رجاء!!
ولكن لم يكن سلطان ليترجى، ولم يكن مشعل ليتنازل بدون رجاء!!
خرج سلطان من بيت والده، ولم يعد
كان مشعل الكبير يرفض تشفعات أي أحد للرضى عن سلطان..
دموع هيا وشهقاتها كل ليلة كانت تنحره ألف مرة، ولكنه لم يكن ليتنازل.. وكم كان يتمنى أن يتنازل!!
بُعد سلطان عنه قتله.. وعاش بحسرة يخفيها في قلبه عن الأعين المتلصصة على مشاعره المتكبرة
لعن الله الكبرياء!!!
لعن الله الكبرياء الذي مزق الرحم وأدمى القلوب وراكم الجروح!! سلطان أكمل حياته مع حصة التي كانت أماً أكثر منها زوجة
حاولت فيه كثيرا أن يتركها ويعود لأهله.. ولكنه كان يرفض.. أهله لا يحتاجونه ولكن هي من لها؟؟
كِبر سن حصة منعها من الحمل، ولكنها كانت تتعالج
كانت تريد أن تترك لسلطان ابنا حين تتركهم
لم تعلم أن الأعمار بيد الله وأن سلطان هو من سيسبقها وهو في عز رجولته.
****************************
الدوحة اليوم
منزل فارس بن سعود
صالة المنزل الرئيسية..
ذوق كلاسيكي راقٍ جدا.. الصالة كلها باللونين الأبيض والأسود..أطقم وديكورات مبتكرة الشكل والنقوش.. يجمع بينها كلها اللونين الأبيض والأسود
لون مناسب لمن ليس في بيته أطفال مثل بيت فارس
ينزل فارس السلم الحلزوني المشغول بالحديد الرفيع المصبوغ باللونين الأبيض والأسود.. وغترته ما تزال بيده..
فارس أعاد ديكورات البيت كاملا قبل حوالي سنتين.. رغم أن أثاث البيت كان كالجديد لقلة استخدامه.. فهذا البيت الكبير لم يكن به سوى فارس وأمه
ولكن فارس أراد أن يعكس بيته ذوقه الخاص.. ذوقه هو فقط!!
لأن أثاث البيت القديم كان من ذوق جده و مشعل بن محمد اللذين أثثاه وفارس ما يزال مراهقا حينها
كان يكره أن يشعر أن أنه قد يُفرض عليه أي شيء مهما كان بسيطا..
كان اعتداده بنفسه قد تجاوز كل حد
أمه ترفع عينيها له بحنان: وأشفيك تأخرت على شغلك اليوم ؟؟
فارس يقبل جبينها ويلقي بنفسه على المقعد جوارها وهو يقول بثقة وقوة: غطني النوم شوي..والشغل مهوب طاير
أمه تبتسم: مع أني صحيتك بس مافيك فايدة.. الله يعين العنود عليك..
فارس نظر نصف نظرة وهو يقول ببرود مثير: والعنود وش دخلها؟؟
أمه باستغراب: وش دخلها؟؟
فارس بذات البرود الخشن: إيه بنت عمي محمد وش دخلها فيني؟؟
أمه بذات الاستغراب ولكن تخلله بعض القلق: دخلها إنها بتصير مرتك؟؟فارس بهدوء قاتل وكأن الأمر لا يعنيه: أنا ما أتذكر يمه أني قد قلت لك ولا حتى مرة وحده.. أني أبي العنود..
أمه بقلق: بس ماعمرك قلت أنك ما تبيها..
فارس بحدة: ليه هو حد سألني عن رأيي؟!! قاعدين تنقون لي مره، ماكني برجّال قدامكم!!
أمه توترت .. تكره ثورته هذه.. هو فعلا حنون عليها.. ولكنها تخاف هذه الثورة المرعبة
لا تنكر أنها تخافه.. ابنها ولكتها تخافه: بس يا أمك هي بنت عمك
قاطعها وهو يقف ويقول بثقة : وخير يا طير يا بنت عمي..
أمه تبلع ريقها: والمعنى؟؟
يلتف فارس للمرآة الطويلة المعلقة بالقرب منه ويلبس غترته: المعنى دوري لي المره اللي تجوز لش واخطبيها..
أمه بتوتر قاتل ووجهها يعكس عشرات الألوان: بس أنا أبي العنود..
فارس وهو يخرج : وأنا ما أبيها..
*************************
عودة لقصة سلطان
قبل 26 سنة
بعد حوالي سنة من زواج سلطان وحصة
جاء عبدالله لمقر عمل سلطان، لأنهم لم يكونوا يعرفون له عنوانا أو هاتفا.
بعد حوالي سنة من زواج سلطان وحصة
جاء عبدالله لمقر عمل سلطان، لأنهم لم يكونوا يعرفون له عنوانا أو هاتفا.
كان لقاء الأخوين مؤثرا جدا.. فعلاقة قوية كانت تربطهما ببعضهما قبل أن يبتَّها مشعل الكبير بجبروته وعناده..
يد عبدالله تحتضن يد سلطان كأنه لا يريد أن يتركها أو ربما كان يعلم أن هذه قد تكون المرة الأخيرة التي يلمس فيها شيئا من جسد أخيه ويهمس له بهدوء: سلطان أمش معي.. أبي يبيك.
انتفض قلب سلطان بعنف.. وكاد أن يخرج من بين أضلاعه من اضطراب وجيبه.. وتعالي دقاته.. فرحا وتوجساً
أ يعقل أن يتنازل مشعل الكبير عن جبروته ويتراجع عن طرده له؟!
أ يعقل أن يرى أمه بعد أن أقسم عليه والده ألا يدخل بيته؟؟
يا الله كم هو مشتاق لها!!
يكاد يذوب شوقا ولهفة للانكباب على يديها.. وعلى دفن وجهه في ثنايا صدرها
عبدالله أخذ سلطان وذهب به مباشرة إلى مجلس مشعل الكبير
كان الوقت بعد صلاة الظهر..
دخل سلطان بخطوات مترددة.. رغم اشتياقه لأبيه وأمه وأشقائه وأولادهم.. شعر بطعنة مرة في قلبه.. شعر بانقباض لا يعلم له سببا..
دخل.. كان أبوه جالسا وأخوه محمد وأبناؤه مشعل وراكان.. مشعل كان في حدود الثانية عشرة وراكان أربع سنوات..
لم يفت سلطان ملاحظة إرتعاشة أطراف والده واختلاج عينيه حين دخل
كان والده يجلس بهيبته المعهودة.. لا يعلم لما شعر بالأسى العميق
وهو يرى كأن والده كبر كثيرا في السن..
وخصوصا أن لحيته كلها كانت بيضاء
كان أبوه حريصا على إتباع السنة ووضع الحناء على شيبه.. فما به هذه المرة؟!
شعر بألم شفاف يجتاح روحه.. وهو يشعر لأول مرة بضعف والده القوي
دخل سلطان.. كان بوده أن يرتمي في أحضان والده
ولكنه يعرف أن لغة المشاعر والانفعالات غير معترف بها في عرف والده
اقترب سلطان بتردد وهو يتلفت حوله.. وهو لا يعلم سبب هذا الانقباض المتزايد.. خطر بباله شيء نحره قلقا
قبل أن يسلم حتى، سأل بقلق: سعود وينه؟؟
صمتٌ قاتل وسكون مرعب اجتاح المجلس الواسع، قطعه سلطان بتوتر تخلله بعض الغضب: وين سعود؟؟
عبدالله بحزن: سعود يطلبك البيحة..
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الثامن
عودة لسلطان في مجلس والده قبل 26 عاما
وقع الخبر كالصاعقة على رأس سلطان.. سعود مات!!!
سعود أصغر منهم كلهم.. لِـمَ يموت ؟؟ لماذا؟؟
عمره 23 سنة فقط!! (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم..استغفر الله العظيم... إنّا لله وإنا إليه راجعون..)
سلطان بهمس منتزع من عمق حزنه الذي نحره: متى؟؟ واشلون؟؟
كان رأس محمد في الأرض وهو يمسح دمعة خائنة أراد أن يخفيها
بينما مشعل الكبير مازال صامتا محتفظا بصورته الصلبة في إطارها المهاب..
عبدالله بحزن مخلوط بالتوتر: قبل شهرين في حادث سيارة.
أنتفض سلطان بعنف وحزنه يتحول لغضب هادر: أنتو ما تخافون الله، ما تخافون الله
أخي ميت قد له شهرين، ماخليتوني أحضر دفنه ولا أحضر عزاه
أتقوا الله، اتقوا الله، حرام عليكم..
" قصر حسك ياولد.. تقول لي أنا اتق الله.. متقي الله من قدام تجيبك أمك"
صوت مشعل الكبير تردد بحزم في أرجاء المجلس
ابتلع سلطان ريقه.. لا أحد يرفع صوته فوق صوت مشعل الكبير.. هكذا تربوا!!
مشعل الكبير يكمل بذات الحزم:دورنا لك وقتها ولا عينّاك.. لين عبدالله عرف مكان شغلك البارحة
أخيك مات الله يرحمه.. عند من هو أرحم به منك ومنا.. وأنت الحين في مكانه
انتعش قلب سلطان رغم حزنه العميق على سعود.. أ يعقل أن والده سيرضى عليه لأن سعود توفي؟؟
مشعل يستأنف حديثه بعد أن أخذ نفسا عميقا: الهولية جابت لك ولد وإلا حملت؟؟
سلطان بغضب: الهولية مرتي ولها اسم.. اسمها حصة.. ولا ماحملت.. الله يرسل خيره..
مشعل الكبير بغضب: وتراددني بعد..
سلطان وهو يتمالك نفسه ويرد باحترام: ماعاش من يراددك أنا أجاوبك وبس..
مشعل الكبير بنبرته القوية المعتادة: وين تحمل وهي عجوز في سن أمك!!!
سلطان وهو يكتم غيظه: كل شيء بيد الله
مشعل الكبير وهو يلقي قنبلته: بنت عمك وضحى مرت سعود حامل وفي شهرها الأخير.. أبيك تزوجها عقب ما تولد وتفك حدادها..
***************************
الدوحة اليوم
منزل عبدالله بن مشعل
الصباح الباكر
الصالة السفلية الشاسعة..
كانت الستائر مفتوحة..ونور الشمس يسطع عبر النوافذ الضخمة ويغمر أطقم الكنب المختلفة الأحجام والأشكال في أناقة مقصودة يجمع بينها ألوانها التي تمازجت بين العنابي والذهبي والزيتي..
كانت الجدة أم محمد تجلس على كرسي منفرد في صدر الصالة..
كانت تكره جلسة الكنب ولكنها أصبحت تضطر لها مع الألم المتزايد في ساقيها
وعجزها عن الوقوف لو كانت تجلس على الأرض..
كانت الجدة تجلس ومقابلها طاولة كبيرة عليها دلالها.. وابنة شقيقتها وزوجة ابنها أم مشعل تقهويها..
مازالت أم مشعل جميلة وهي في التاسعة والأربعين
كانت مشاعل أكثر بناتها شبها بها شكلا ومضمونا.. الجمال الهادئ والعمق الإنساني الدافئ
أم محمد بهدوء: وين عيالش؟؟
أم مشعل بمودة: الصغار توهم راحوا مدارسهم.. ومشاعل راقدة
أم محمد بنبرة غضب خفيفة: وش مرقدها لذا الحزة؟؟
أم مشعل بابتسامة: يمه الله يهداش أي حزة.. الساعة سبع وربع الصبح تو الناس
أم محمد بنبرة غضب حقيقية هذه المرة: وهذي عِلمتش لبناتش؟؟ إذا راحت بكرة لبيت ناصر.. بتقعد راقدة لذا الحزة ورجّالها رايح لدوامه
شعرت أم مشعل بضيق من ذكر زواج مشاعل..
رغم أنها زوجت ابنتين قبل هذا.. لكنها تشعر بضيق كلما تذكرت أن مشاعل بالذات ستتزوج وتتركهم
ولكنها أجابت باحترام: إزهليها يمه .. مشاعل مره ما ينخاف عليها
ولا تحاتين ولد ولدش بيعين من يسنعه
صمتٌ تلا جملة أم مشعل الأخيرة..
وكلاهما ترتشف ما بيدها بصمتٍ قطعه صوت أم محمد وهي تستفسر:
موضي قد لي زمان ماشفتها.. مهيب ناوية تسير على جدتها.. وش ذا القُطع اللي عندها؟؟
ارتعشت يد أم مشعل وانسكبت قطرات من الحليب الساخن على يدها
قلقةٌ هي موضي.. لا تعلم ما الذي حل بهذه الفتاة، فأحوالها غريبة ولا تسر
وخصوصا أنه مضى على زواجها أربع سنوات وهي لم تنجب بعد
لم تكن موضي تشتكي مطلقا لها، ولكنها سمعتها بالصدفة يوما تشتكي للطيفة أن زوجها حمد يعايرها بعدم الإنجاب
صمتت أم مشعل ولم تُشعرها أنها سمعت شيئا
ولكن منذ ذلك اليوم وهي تشعر بقلق مرٍّ كاسحٍ عليها
فهي أصبحت تعلم أن موضي تعيسة ورغم ذلك تحاول أن تظهر السعادة وأنها تعيش مرتاحة مع حمد
كانت قلقة عليها أن تنهار يوما.. وهاهي خالتها تذكرها بقلقها
وضعت أم مشعل كوبها جانبا وهي تمسح يدها وتقول بحياد:
موضي كلمتني البارحة وبتجينا الليلة إن شاء الله
********************************
عودة لمجلس مشعل الكبير قبل 26 عاما
مشعل الكبير وهو يلقي قنبلته: بنت عمك وضحى مرت سعود حامل وفي شهرها الأخير
أبيك تزوجها عقب ماتولد وتفك حدادها..
سلطان صُدم صدمة هائلة، ولكن ليس هو من يتخلى عن مسؤولياته
وزوجة سعود وأم ولده هي مسؤوليته من وفق وجهة النظر القبلية وتقاليدها:
أتزوجها ماعندي مانع..ماني باللي أخلي ولد سعود يربونه غرب
وألقى مشعل الكبير قنبلته الثانية: وتطلق الهولية، بنت أخي ماتصير ضرتها مهيب من قدرها
لو حتى تبي تأخذ أربع.. أخذ بس يكونون من مواخذيك
أنتفض سلطان غضبا: مالك لوا.. مرتي ماني بمطلقها.. تبيني أخذ وضحى خذتها بس مع حصة
مشعل وقف وهو ينتفض غضبا: تطول صوتك علي يا سليطين يا الهيس
هي كلمة ما اثنيها تأخذ وضحى وتطلق الهولية
وإلا بيتي يتعذرك، ولا عاد أشوف وجهك
وحلوفتي على أخوانك وأمك بعد إنه ماحد منهم يعرفك عقب اليوم لا في حياتي ولا عقب مماتي
كنك طلعت من شوري فأنت عقب اليوم لا أنت ولدي ولا أعرفك
انتفض عبدالله ومحمد بعنف مع قسم والدهما
فهما كانا على أمل أن والدهما سيسامح سلطان
فما اعاد فيهما صبر على فراق أخيهما أكثر من هذا..
ومشعل بنفسه كان من رباهم على الترابط.. لِـم هذه القسوة وقطع الرحم الآن؟!
لم يعلم أحد بالنار التي تستعر في قلب مشعل الكبير
مشعل الكبير طوال السنة الماضية قتلته اللهفة لسلطان
وبعد وفاة سعود التي هزته من الأعماق.. كان أكثر لهفة لسلطان ولإرجاعه لأحضانه..
اتخذ زوجة سعود حجة لإرجاعه.. والآن يستخدم حرمانه من أمه و أشقائه كورقة ضغط
كان يعتقد أن سلطان سيذعن له.. وكأنه لا يعلم أن هذا الشبل من ذاك الأسد، وأن سلطان أكثر عندا منه
كان سيكفي مشعل أن يترجاه سلطان قليلا للقبول بزوجته.. وكان سيقبل!!
كان فقط ينتظر الرجاء الذي سيحفظ له ماء وجه كبرياءه أمام نفسه وأمام الناس
ولكن سلطان لم ينله رغبته العميقة..
رحل سلطان.. وللأبد هذه المرة..
وظلت حسرته في قلب والده العنيد..
وحسرة أكبر في قلب أمه هيا المرأة الصامدة الصامتة..
حسرة مرة ليس لها مدى ولا حدود.. رحيل سلطان مزق روحها بعنف
ولكنها ظلت تعتصم ببقايا قوة لا معنى لها..
قوة خاوية مفرغة من معناها..
فجزء من روحها مات مع سعود..
وهاهو جزء آخر يموت مع سلطان!!!
بعد أربعة أعوام من زواج سلطان وحصة جاءت هيا
الحلم الذي طال انتظاره..
تمناها سلطان بنتا حتى تشبه أمه وحتى تكون هيا التي حُرم منها أمام عينيه وفي بيته.
في سن الثانية عشرة عرفت هيا كل هذا
لم يخفِ عليها سلطان أي شيء أخبرها بكل شيء وبكل تفاصيله..
بعدها زاد ارتباط هيا بوالدها.. كانوا يقضون الساعات يتحدثون
ولم تكن حصة في أكثر الأحيان تتدخل في هذا الحوار
كانت تشعر أحيانا كأنها دخيلة بينهما لشدة تألفهما
فسلطان وابنته ربطتهما علاقة فريدة
كان كل منهما يكمل جملة الآخر.. وكأن كل منهما يقرأ أفكار الآخر..
كرهت هيا آل مشعل القساة الذين طردوا والدها.. وطعنوا قلبه الشفاف
فحزن والدها وشوقه لهم كان يأخذ من روحه شيئا فشيئا كل يوم..
ووصل كرهها لهم الحد الأقصى حين توفي والدها بجلطة
وهي في السابعة عشرة، وهو كان في السادسة والأربعين..
تركها وحيدة مع أمها في هذه الدنيا بدون سند.. واضطرت أن تحمل مسؤولية هائلة
فأمها كسرتها وفاة سلطان وهي تراه يرحل وهو في عز رجولته، بينما هي عجوز في الستين
وكانت تتوقع أنها من سترحل قبله رغم إيمانها أن الأعمار بيد الله
عدا أن حصة لم تعتد على حمل مسئولية في قوتها، فكيف وهي عجوز مريضة الآن؟!
حملت هيا –التي تجري في عروقها غصبا عنها دماء آل مشعل الأشداء- المسؤولية
وحين أنهت الثانوية، قررت أن تسافر لبريطانيا وأن تأخذ والدتها معها
أهَّلها معدلها العالي للبعثة
لتبدأ حياة جديدة ظنت أنها لن ترى فيها أحدا من آل مشعل
الذين عاشوا طوال حياتها معها من خلال ذكريات أبيها
الذكريات التي أرادت أن تمسحها من مخيلتها لتمسح آل مشعل كلهم.
واليوم في واشنطن
هاهو واحد من آل مشعل يجلس بكل غرور ووقاحة في منزلها
ليفرض نفسه عليها وعلى حياتها بمباركة والدتها ورضاها
والدتها التي احتقروها ونبذوها.. تقف في صف مشعل ضدها!!
فأم هيا تكلمت أخيرا وهي تقول بهدوء حازم وتفكير عميق مؤجل يدور برأسها:
هيا سكري الباب وتعالي قهوي ولد عمج
هيا بغضب وانفعال: يمه وش تقولين؟؟
أم هيا بغضب: اللي سمعتيه.. وإلا ماعاد لي شور عليج
هيا بتأثر: ماعاش ولا كان اللي يعصاج
نظرت لمشعل بقهر وهي تغلق الباب وتعود لتجلس
في الوقت الذي أنعم عليها مشعل بفيض وافر من النظرات المتشفية الساخرة لانتصاره عليها..
جلست هيا وهي تسأل مشعل ببرود: وش تبي تشرب يا أستاذ؟؟
***************************
الدوحة اليوم
منزل مشعل بن محمد
ذهب الصغار للمدرسة.. الأولاد محمد وعبدالله يوصلون شقيقتهم مريم أولا ثم يتوجهون لمدرستهم
جود مازالت نائمة.. وكذلك مشعل..
استغربت لطيفة.. ليس من عادة مشعل أن يبقى نائما حتى الثامنة صباحا
توجهت لغرفتها لإيقاظه
"مشعل.. مشعل.. أبو محمد.. ما تبي تقوم؟؟"
مشعل فتح عينيه ببطء وهو ينظر للساعة التي تجاوره
ما أن وقعت عيناه على الساعة حتى قفز وهو يصرخ في لطيفة بغضب:
أشلون تخليني أرقد لذا الحزة عندي اجتماع مهم على الساعة 8 ونص.. أشلون بألحق الحين..؟؟
لطيفة بتوتر وحرج: أنت بالعادة تحط المنبه.. وأمس ما قلت لي شيء
مشعل بغضب: متى أقول لش.. وأنا يوم جيت وانتي مكبرة المخدة وراقدة
لطيفة بضعف: بس ماقلت لي يوم صليت الفجر
لم يرد عليها مشعل وهو يدخل الحمام باستعجال.. عله يستطيع اللحاق بالاجتماع
(لحول يا مشعل وش اللي يرضيك أنت؟؟
يعني اليوم الوحيد اللي ما أنتظرك فيه تعصب علي..
وإن لقيتني أنتظرك تعصب علي.. وش اللي يرضيك؟؟)
**********************
شقة هيا/ واشنطن
جلست هيا وهي تسأل مشعل ببرود: وش تبي تشرب يا أستاذ؟؟
مشعل بذات برودها: الأستاذ مايبي يشرب شيء، أنا ماني بجاي أتضايف
أنا جاي أقول كلمتين وماشي، ودام الوالدة موجودة كلامي معها مهوب معش
ألتفت مشعل لأم هيا التي كانت عيناها تلمع ببريق غريب مختلف ناتج عن تفكير عميق يدور في عقلها
وهو يقول باحترام: شوفي يمه.. أدري أني اللي صار كله غلط، وطردة عمي الله يرحمه كانت غلط من أساسه
وترا أبي من يوم توفى جدي وهو يدوركم.. لقى عمي سلطان ترك شغله الأولي
واستمر يدور لين قبل كم سنة دل بيتكم لقاكم بعتوه ودرا إن عمي سلطان توفى
ما تخيلين أشلون تأثر أبي وعمي وخصوصا جدتي هيا كانت بتروح فيها..
انتفضت هيا وهي تسمع اسم جدتها.. فوالدها نقل ذكرى حبه العميق لأمه لابنته
ولكن ذلك لم يمنع هيا أن تقفز وتقاطع مشعل وهي تنتفض بعنف وتقول بغضب كاسح:
ماقصرتوا صراحة!!..
لا والله.. حزنتوا عليه من جدكم؟!!..
يعني تقتلون القتيل وتمشون في جنازته.. أبوي ماحد قتله غيركم يا آل مشعل
وعمري ماراح أسامحكم
ألتفت عليها مشعل بغضب وهو يقول بحدة: ماحد طلب سماحش هذا أولا
ثانيا الكبار إذا تكلموا الصغار ينطمون.. واعتقد أني أكلم الوالدة ما أكلمش
وقف مشعل وهو يوجه كلامه لأم هيا ويضع كرتا في يدها:
يمه أنا رايح وهذا رقم تلفوني.. إذا بغيتوا شيء دقوا علي.. وأنا كل يوم بأمركم
أم هيا ظلت صامتة غارقة في تفكيرها العميق
ومشعل انسحب وفتح الباب ليخرج في الوقت الذي كانت فيه هيا تغلي من الغضب
هيا انتزعت الكرت من يد والدتها رغم محاولة أم هيا للتشبث بالكرت
مشعل فتح الباب وهمَّ بالخروج
هيا مزقت الكرت ورمته خلفه حين أصبح خارجا
وهي تصرخ بغضب: ما نبي منكم شيء يا آل مشعل.. خلونا في حالنا وبس
وأغلقت الباب بعنف وراءه
مشعل نظر للكرت الممزق.. هزَّ كتفيه وابتسم
(ذي تحسب إنها إذا قطعت الكرت إنها بتقطع علاقتها فينا.. زين يا بنت العم..زين)
طوال العاصفة التي اندلعت ثورتها
باكينام اعتصمت بالصمت، مجرد متفرجة صامتة لم تتدخل بحرف واحد
كعادة الإنجليز في عدم التدخل فيما لا يخصهم
ولكن ما أن خرج مشعل حتى وقفت وتوجهت لهيا مؤازرة لها
لأنها شعرت أن هيا بذلت انفعالا يفوق طاقة أي إنسان
فبكينام كانت تعلم كراهية هيا لأهل والدها وتتفهمها
ما أن اقتربت بكينام من هيا
حتى انهارت هيا في أحضانها وهي تنوح بحسرة: ما أبيهم، ما أبيهم
قتلوا أبوي والحين يدورونا عقب.. ليش ما لقونا وأبوي حي.. ليش؟؟
أبوي عاش حياته كلها يترقب دقة واحد منهم على الباب
كان الباب كل مادق أشوفه ينتفض بحنين
وإذا خاب ظنه باللي عند الباب كانت الحسرة في عيونه تذبحني.. تذبحني
حرام عليهم اللي سووه فيه .. حرام عليهم.. الله لا يسامحهم
الله يأخذ قضاه منهم.. الله يأخذ قضاه منهم
عودة لسلطان في مجلس والده قبل 26 عاما
وقع الخبر كالصاعقة على رأس سلطان.. سعود مات!!!
سعود أصغر منهم كلهم.. لِـمَ يموت ؟؟ لماذا؟؟
عمره 23 سنة فقط!! (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم..استغفر الله العظيم... إنّا لله وإنا إليه راجعون..)
سلطان بهمس منتزع من عمق حزنه الذي نحره: متى؟؟ واشلون؟؟
كان رأس محمد في الأرض وهو يمسح دمعة خائنة أراد أن يخفيها
بينما مشعل الكبير مازال صامتا محتفظا بصورته الصلبة في إطارها المهاب..
عبدالله بحزن مخلوط بالتوتر: قبل شهرين في حادث سيارة.
أنتفض سلطان بعنف وحزنه يتحول لغضب هادر: أنتو ما تخافون الله، ما تخافون الله
أخي ميت قد له شهرين، ماخليتوني أحضر دفنه ولا أحضر عزاه
أتقوا الله، اتقوا الله، حرام عليكم..
" قصر حسك ياولد.. تقول لي أنا اتق الله.. متقي الله من قدام تجيبك أمك"
صوت مشعل الكبير تردد بحزم في أرجاء المجلس
ابتلع سلطان ريقه.. لا أحد يرفع صوته فوق صوت مشعل الكبير.. هكذا تربوا!!
مشعل الكبير يكمل بذات الحزم:دورنا لك وقتها ولا عينّاك.. لين عبدالله عرف مكان شغلك البارحة
أخيك مات الله يرحمه.. عند من هو أرحم به منك ومنا.. وأنت الحين في مكانه
انتعش قلب سلطان رغم حزنه العميق على سعود.. أ يعقل أن والده سيرضى عليه لأن سعود توفي؟؟
مشعل يستأنف حديثه بعد أن أخذ نفسا عميقا: الهولية جابت لك ولد وإلا حملت؟؟
سلطان بغضب: الهولية مرتي ولها اسم.. اسمها حصة.. ولا ماحملت.. الله يرسل خيره..
مشعل الكبير بغضب: وتراددني بعد..
سلطان وهو يتمالك نفسه ويرد باحترام: ماعاش من يراددك أنا أجاوبك وبس..
مشعل الكبير بنبرته القوية المعتادة: وين تحمل وهي عجوز في سن أمك!!!
سلطان وهو يكتم غيظه: كل شيء بيد الله
مشعل الكبير وهو يلقي قنبلته: بنت عمك وضحى مرت سعود حامل وفي شهرها الأخير.. أبيك تزوجها عقب ما تولد وتفك حدادها..
***************************
الدوحة اليوم
منزل عبدالله بن مشعل
الصباح الباكر
الصالة السفلية الشاسعة..
كانت الستائر مفتوحة..ونور الشمس يسطع عبر النوافذ الضخمة ويغمر أطقم الكنب المختلفة الأحجام والأشكال في أناقة مقصودة يجمع بينها ألوانها التي تمازجت بين العنابي والذهبي والزيتي..
كانت الجدة أم محمد تجلس على كرسي منفرد في صدر الصالة..
كانت تكره جلسة الكنب ولكنها أصبحت تضطر لها مع الألم المتزايد في ساقيها
وعجزها عن الوقوف لو كانت تجلس على الأرض..
كانت الجدة تجلس ومقابلها طاولة كبيرة عليها دلالها.. وابنة شقيقتها وزوجة ابنها أم مشعل تقهويها..
مازالت أم مشعل جميلة وهي في التاسعة والأربعين
كانت مشاعل أكثر بناتها شبها بها شكلا ومضمونا.. الجمال الهادئ والعمق الإنساني الدافئ
أم محمد بهدوء: وين عيالش؟؟
أم مشعل بمودة: الصغار توهم راحوا مدارسهم.. ومشاعل راقدة
أم محمد بنبرة غضب خفيفة: وش مرقدها لذا الحزة؟؟
أم مشعل بابتسامة: يمه الله يهداش أي حزة.. الساعة سبع وربع الصبح تو الناس
أم محمد بنبرة غضب حقيقية هذه المرة: وهذي عِلمتش لبناتش؟؟ إذا راحت بكرة لبيت ناصر.. بتقعد راقدة لذا الحزة ورجّالها رايح لدوامه
شعرت أم مشعل بضيق من ذكر زواج مشاعل..
رغم أنها زوجت ابنتين قبل هذا.. لكنها تشعر بضيق كلما تذكرت أن مشاعل بالذات ستتزوج وتتركهم
ولكنها أجابت باحترام: إزهليها يمه .. مشاعل مره ما ينخاف عليها
ولا تحاتين ولد ولدش بيعين من يسنعه
صمتٌ تلا جملة أم مشعل الأخيرة..
وكلاهما ترتشف ما بيدها بصمتٍ قطعه صوت أم محمد وهي تستفسر:
موضي قد لي زمان ماشفتها.. مهيب ناوية تسير على جدتها.. وش ذا القُطع اللي عندها؟؟
ارتعشت يد أم مشعل وانسكبت قطرات من الحليب الساخن على يدها
قلقةٌ هي موضي.. لا تعلم ما الذي حل بهذه الفتاة، فأحوالها غريبة ولا تسر
وخصوصا أنه مضى على زواجها أربع سنوات وهي لم تنجب بعد
لم تكن موضي تشتكي مطلقا لها، ولكنها سمعتها بالصدفة يوما تشتكي للطيفة أن زوجها حمد يعايرها بعدم الإنجاب
صمتت أم مشعل ولم تُشعرها أنها سمعت شيئا
ولكن منذ ذلك اليوم وهي تشعر بقلق مرٍّ كاسحٍ عليها
فهي أصبحت تعلم أن موضي تعيسة ورغم ذلك تحاول أن تظهر السعادة وأنها تعيش مرتاحة مع حمد
كانت قلقة عليها أن تنهار يوما.. وهاهي خالتها تذكرها بقلقها
وضعت أم مشعل كوبها جانبا وهي تمسح يدها وتقول بحياد:
موضي كلمتني البارحة وبتجينا الليلة إن شاء الله
********************************
عودة لمجلس مشعل الكبير قبل 26 عاما
مشعل الكبير وهو يلقي قنبلته: بنت عمك وضحى مرت سعود حامل وفي شهرها الأخير
أبيك تزوجها عقب ماتولد وتفك حدادها..
سلطان صُدم صدمة هائلة، ولكن ليس هو من يتخلى عن مسؤولياته
وزوجة سعود وأم ولده هي مسؤوليته من وفق وجهة النظر القبلية وتقاليدها:
أتزوجها ماعندي مانع..ماني باللي أخلي ولد سعود يربونه غرب
وألقى مشعل الكبير قنبلته الثانية: وتطلق الهولية، بنت أخي ماتصير ضرتها مهيب من قدرها
لو حتى تبي تأخذ أربع.. أخذ بس يكونون من مواخذيك
أنتفض سلطان غضبا: مالك لوا.. مرتي ماني بمطلقها.. تبيني أخذ وضحى خذتها بس مع حصة
مشعل وقف وهو ينتفض غضبا: تطول صوتك علي يا سليطين يا الهيس
هي كلمة ما اثنيها تأخذ وضحى وتطلق الهولية
وإلا بيتي يتعذرك، ولا عاد أشوف وجهك
وحلوفتي على أخوانك وأمك بعد إنه ماحد منهم يعرفك عقب اليوم لا في حياتي ولا عقب مماتي
كنك طلعت من شوري فأنت عقب اليوم لا أنت ولدي ولا أعرفك
انتفض عبدالله ومحمد بعنف مع قسم والدهما
فهما كانا على أمل أن والدهما سيسامح سلطان
فما اعاد فيهما صبر على فراق أخيهما أكثر من هذا..
ومشعل بنفسه كان من رباهم على الترابط.. لِـم هذه القسوة وقطع الرحم الآن؟!
لم يعلم أحد بالنار التي تستعر في قلب مشعل الكبير
مشعل الكبير طوال السنة الماضية قتلته اللهفة لسلطان
وبعد وفاة سعود التي هزته من الأعماق.. كان أكثر لهفة لسلطان ولإرجاعه لأحضانه..
اتخذ زوجة سعود حجة لإرجاعه.. والآن يستخدم حرمانه من أمه و أشقائه كورقة ضغط
كان يعتقد أن سلطان سيذعن له.. وكأنه لا يعلم أن هذا الشبل من ذاك الأسد، وأن سلطان أكثر عندا منه
كان سيكفي مشعل أن يترجاه سلطان قليلا للقبول بزوجته.. وكان سيقبل!!
كان فقط ينتظر الرجاء الذي سيحفظ له ماء وجه كبرياءه أمام نفسه وأمام الناس
ولكن سلطان لم ينله رغبته العميقة..
رحل سلطان.. وللأبد هذه المرة..
وظلت حسرته في قلب والده العنيد..
وحسرة أكبر في قلب أمه هيا المرأة الصامدة الصامتة..
حسرة مرة ليس لها مدى ولا حدود.. رحيل سلطان مزق روحها بعنف
ولكنها ظلت تعتصم ببقايا قوة لا معنى لها..
قوة خاوية مفرغة من معناها..
فجزء من روحها مات مع سعود..
وهاهو جزء آخر يموت مع سلطان!!!
بعد أربعة أعوام من زواج سلطان وحصة جاءت هيا
الحلم الذي طال انتظاره..
تمناها سلطان بنتا حتى تشبه أمه وحتى تكون هيا التي حُرم منها أمام عينيه وفي بيته.
في سن الثانية عشرة عرفت هيا كل هذا
لم يخفِ عليها سلطان أي شيء أخبرها بكل شيء وبكل تفاصيله..
بعدها زاد ارتباط هيا بوالدها.. كانوا يقضون الساعات يتحدثون
ولم تكن حصة في أكثر الأحيان تتدخل في هذا الحوار
كانت تشعر أحيانا كأنها دخيلة بينهما لشدة تألفهما
فسلطان وابنته ربطتهما علاقة فريدة
كان كل منهما يكمل جملة الآخر.. وكأن كل منهما يقرأ أفكار الآخر..
كرهت هيا آل مشعل القساة الذين طردوا والدها.. وطعنوا قلبه الشفاف
فحزن والدها وشوقه لهم كان يأخذ من روحه شيئا فشيئا كل يوم..
ووصل كرهها لهم الحد الأقصى حين توفي والدها بجلطة
وهي في السابعة عشرة، وهو كان في السادسة والأربعين..
تركها وحيدة مع أمها في هذه الدنيا بدون سند.. واضطرت أن تحمل مسؤولية هائلة
فأمها كسرتها وفاة سلطان وهي تراه يرحل وهو في عز رجولته، بينما هي عجوز في الستين
وكانت تتوقع أنها من سترحل قبله رغم إيمانها أن الأعمار بيد الله
عدا أن حصة لم تعتد على حمل مسئولية في قوتها، فكيف وهي عجوز مريضة الآن؟!
حملت هيا –التي تجري في عروقها غصبا عنها دماء آل مشعل الأشداء- المسؤولية
وحين أنهت الثانوية، قررت أن تسافر لبريطانيا وأن تأخذ والدتها معها
أهَّلها معدلها العالي للبعثة
لتبدأ حياة جديدة ظنت أنها لن ترى فيها أحدا من آل مشعل
الذين عاشوا طوال حياتها معها من خلال ذكريات أبيها
الذكريات التي أرادت أن تمسحها من مخيلتها لتمسح آل مشعل كلهم.
واليوم في واشنطن
هاهو واحد من آل مشعل يجلس بكل غرور ووقاحة في منزلها
ليفرض نفسه عليها وعلى حياتها بمباركة والدتها ورضاها
والدتها التي احتقروها ونبذوها.. تقف في صف مشعل ضدها!!
فأم هيا تكلمت أخيرا وهي تقول بهدوء حازم وتفكير عميق مؤجل يدور برأسها:
هيا سكري الباب وتعالي قهوي ولد عمج
هيا بغضب وانفعال: يمه وش تقولين؟؟
أم هيا بغضب: اللي سمعتيه.. وإلا ماعاد لي شور عليج
هيا بتأثر: ماعاش ولا كان اللي يعصاج
نظرت لمشعل بقهر وهي تغلق الباب وتعود لتجلس
في الوقت الذي أنعم عليها مشعل بفيض وافر من النظرات المتشفية الساخرة لانتصاره عليها..
جلست هيا وهي تسأل مشعل ببرود: وش تبي تشرب يا أستاذ؟؟
***************************
الدوحة اليوم
منزل مشعل بن محمد
ذهب الصغار للمدرسة.. الأولاد محمد وعبدالله يوصلون شقيقتهم مريم أولا ثم يتوجهون لمدرستهم
جود مازالت نائمة.. وكذلك مشعل..
استغربت لطيفة.. ليس من عادة مشعل أن يبقى نائما حتى الثامنة صباحا
توجهت لغرفتها لإيقاظه
"مشعل.. مشعل.. أبو محمد.. ما تبي تقوم؟؟"
مشعل فتح عينيه ببطء وهو ينظر للساعة التي تجاوره
ما أن وقعت عيناه على الساعة حتى قفز وهو يصرخ في لطيفة بغضب:
أشلون تخليني أرقد لذا الحزة عندي اجتماع مهم على الساعة 8 ونص.. أشلون بألحق الحين..؟؟
لطيفة بتوتر وحرج: أنت بالعادة تحط المنبه.. وأمس ما قلت لي شيء
مشعل بغضب: متى أقول لش.. وأنا يوم جيت وانتي مكبرة المخدة وراقدة
لطيفة بضعف: بس ماقلت لي يوم صليت الفجر
لم يرد عليها مشعل وهو يدخل الحمام باستعجال.. عله يستطيع اللحاق بالاجتماع
(لحول يا مشعل وش اللي يرضيك أنت؟؟
يعني اليوم الوحيد اللي ما أنتظرك فيه تعصب علي..
وإن لقيتني أنتظرك تعصب علي.. وش اللي يرضيك؟؟)
**********************
شقة هيا/ واشنطن
جلست هيا وهي تسأل مشعل ببرود: وش تبي تشرب يا أستاذ؟؟
مشعل بذات برودها: الأستاذ مايبي يشرب شيء، أنا ماني بجاي أتضايف
أنا جاي أقول كلمتين وماشي، ودام الوالدة موجودة كلامي معها مهوب معش
ألتفت مشعل لأم هيا التي كانت عيناها تلمع ببريق غريب مختلف ناتج عن تفكير عميق يدور في عقلها
وهو يقول باحترام: شوفي يمه.. أدري أني اللي صار كله غلط، وطردة عمي الله يرحمه كانت غلط من أساسه
وترا أبي من يوم توفى جدي وهو يدوركم.. لقى عمي سلطان ترك شغله الأولي
واستمر يدور لين قبل كم سنة دل بيتكم لقاكم بعتوه ودرا إن عمي سلطان توفى
ما تخيلين أشلون تأثر أبي وعمي وخصوصا جدتي هيا كانت بتروح فيها..
انتفضت هيا وهي تسمع اسم جدتها.. فوالدها نقل ذكرى حبه العميق لأمه لابنته
ولكن ذلك لم يمنع هيا أن تقفز وتقاطع مشعل وهي تنتفض بعنف وتقول بغضب كاسح:
ماقصرتوا صراحة!!..
لا والله.. حزنتوا عليه من جدكم؟!!..
يعني تقتلون القتيل وتمشون في جنازته.. أبوي ماحد قتله غيركم يا آل مشعل
وعمري ماراح أسامحكم
ألتفت عليها مشعل بغضب وهو يقول بحدة: ماحد طلب سماحش هذا أولا
ثانيا الكبار إذا تكلموا الصغار ينطمون.. واعتقد أني أكلم الوالدة ما أكلمش
وقف مشعل وهو يوجه كلامه لأم هيا ويضع كرتا في يدها:
يمه أنا رايح وهذا رقم تلفوني.. إذا بغيتوا شيء دقوا علي.. وأنا كل يوم بأمركم
أم هيا ظلت صامتة غارقة في تفكيرها العميق
ومشعل انسحب وفتح الباب ليخرج في الوقت الذي كانت فيه هيا تغلي من الغضب
هيا انتزعت الكرت من يد والدتها رغم محاولة أم هيا للتشبث بالكرت
مشعل فتح الباب وهمَّ بالخروج
هيا مزقت الكرت ورمته خلفه حين أصبح خارجا
وهي تصرخ بغضب: ما نبي منكم شيء يا آل مشعل.. خلونا في حالنا وبس
وأغلقت الباب بعنف وراءه
مشعل نظر للكرت الممزق.. هزَّ كتفيه وابتسم
(ذي تحسب إنها إذا قطعت الكرت إنها بتقطع علاقتها فينا.. زين يا بنت العم..زين)
طوال العاصفة التي اندلعت ثورتها
باكينام اعتصمت بالصمت، مجرد متفرجة صامتة لم تتدخل بحرف واحد
كعادة الإنجليز في عدم التدخل فيما لا يخصهم
ولكن ما أن خرج مشعل حتى وقفت وتوجهت لهيا مؤازرة لها
لأنها شعرت أن هيا بذلت انفعالا يفوق طاقة أي إنسان
فبكينام كانت تعلم كراهية هيا لأهل والدها وتتفهمها
ما أن اقتربت بكينام من هيا
حتى انهارت هيا في أحضانها وهي تنوح بحسرة: ما أبيهم، ما أبيهم
قتلوا أبوي والحين يدورونا عقب.. ليش ما لقونا وأبوي حي.. ليش؟؟
أبوي عاش حياته كلها يترقب دقة واحد منهم على الباب
كان الباب كل مادق أشوفه ينتفض بحنين
وإذا خاب ظنه باللي عند الباب كانت الحسرة في عيونه تذبحني.. تذبحني
حرام عليهم اللي سووه فيه .. حرام عليهم.. الله لا يسامحهم
الله يأخذ قضاه منهم.. الله يأخذ قضاه منهم
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء التاسع
الدوحة
منزل عبدالله بن مشعل
قبل صلاة العشاء
موضي تزورهم أخيرا بعد غياب أسبوعين، كانت تنتظر فيهم أن تخف آثار ضرب حمد من وجهها
كانت موضي بمقياس الجمال الاعتيادي أقل جمالا من شقيقتيها لطيفة ومشاعل
ولكنها كانت كما يقولون في أدبنا العربي "مليحة"
أي أن العين لا تمل النظر إليها
وكان من أجمل فيها شعرها الكثيف الناعم
الذي كانت تتفنن في قصاته قبل أن تتزوج حمد وكانت كل قصة تبدو عليها مبهرة
ولكنها توقفت نهائيا عن قصه منذ حوالي 3 أعوام ونصف.. أول مرة ضربها حمد!!
موضي مبرمجة حاسوب لم تعمل بشهادتها سوى 6 أشهر
رغم المستقبل المشرق الذي كان ينتظرها
فهي كانت ذكية جدا خلال دراستها، ثم شديدة المهارة والعطاء خلال فترة عملها القصيرة
ولكن حمد أصرَّ عليها أن تترك عملها، كانت تستطيع الالتجاء لوالدها
وتعرف أنه يستطيع أن يطلب من حمد أن يتركها في عملها
فهي لم تتعب طيلة هذه السنوات لتذهب جهودها هباء
وتعلم أن حمد لن يستطيع معارضة خاله
ولكنها لم ترد إدخال أحد بينها وبين زوجها، كانت تعتقد أنها ستستطيع إقناعه
لم تعلم أن حمد يصبح (أحيانا) مخلوقاً غير قابل للتعامل الإنساني.. فكيف بالإقناع العقلاني!!
كان بال موضي مشغولا، كانت تخشى العودة لمنزلها
تتمنى لو تستطيع أن تنام الليلة في بيت أهلها
ولكنها تخشى أن يظن حمد أنها اشتكت لأحدٍ من أفعاله
رغم كل ما يفعله حمد معها وقسوته عليها، فهي لا تستطيع أن تحقد عليه!!!!
" هيييييه.. يا المفهيه أنا أقول تبين كأس كرك!!"
صوت ريم الحاد اخترق طبلة أذنها من قرب لينتزعها من عالمها المرّ، ترد على ريم بغضب: وجع، مافيه احترام، أختش الكبيرة أنا، ما أنا بخويتش في المدرسة.
ريم ترقص حاجبيها: أدري أنش أختي العجوز اللي أكبر مني ب15 سنة
والظاهر حكم السن أنش صرتي صمخاء ما تسمعين
ساعة وأنا أصيح يا موضي يا موضي وأنتي عمش أصمخ..
موضي ألتفت على أمها وهي تقول بابتسامة: يمة البنت ذي أنتي متاكدة إنها عمرها 11 سنة
أحيانا أشك أنش جبتي أكبر وحدة فينا في الأخير..
ضحكت أم مشعل لأنها ترى ابتسامة موضي التي طال اشتياقها لها: خبرش ياأمش هذي حشاشة الشيبان..
قالتها وهي تحضن ريم بحنان
كانت مشاعل قادمة من المطبخ بيدها طبق كبير فيه فطائر وهي تقول بمرح:
أسمع طاري شيبان، ماعندنا في ذا البيت شيبان، إلا شباب حلوين.. أولهم جدتي هيا..
الجدة تعتدل في جلستها وتعدل برقعها على وجهها وهي تقول بمرح لطيف: يا حي العرب اللي عندهم نظر..
لطيفة تبتسم وتقول لجدتها: يمه على ذا الزين كله.. ما تبين لش صبي مزيون نزوجش إياه..
الجدة بغضب: اقطعي واخسي يا بنت عبدالله، لو أن مشعل قد قطَّع العقال على ظهرش كان عرفتي تحشمين اللي أكبر منش..
لطيفة تضحك وهي تقوم من مكانها وتتوجه لجدتها لتطبع قبلة حنونة على رأسها:
فديت قلبش.. السموحة جعلني فدا خشمش..
الجدة تناولت عصاها وضربت لطيفة بخفة: كم مرة قايلة لكم كلكم، لا عاد حد يتفداني.. أنتو ما تفهمون..
أم مشعل باحترام: يمه لا تزعلين.. من قدرش وغلاش عندهم..
لطيفة تصطنع الغضب وتقول لجدتها: يمه ماضربتيني وأنا صغيرة تضربيني الحين قدام بناتي
جدتها بحنان: عمركم ما تكبرون علي، ولو عندش عشرين بزر، أنتي عندي لطوف أم قرينات..
موضي تقاطع حوارهم وتقول بلهفة: دام حن مجتمعين اتصلوا على فارس خليه يجينا
مشتحنه له، قد لي 3 أسابيع ما شفته.. (مشتحنة=مشتاقة)
مشاعل بهدوء: فارس أصلا زعلان عليش، يقول صار له أكثر من أسبوعين كل مادق عليش يبي يجيش، تعذرتيه..
موضي بارتباك: الله يهداه ما يتصل إلا وأنا طالعة..
مشاعل صمتت لأنها تعرف سبب تهرب موضي من رؤية فارس
فلو عرف فارس أن حمد يضربها، فلا يعلمون ما الذي قد يفعله به فارس دون أدنى اهتمام بكونه ابن عمته
موضي بالذات لها معزة كبيرة عند فارس، فهما من سن واحد ورضعا سويا وعلاقتهما ببعضهما خاصة وعميقة
ثم قالت مشاعل :خلاص بأدق عليه الحين أخليه يجينا..
اتصلت مشاعل على فارس الذي كان حينها في عزبتهم مع ناصر وراكان
كانوا يجهزون العزبة لأن الشتاء اقترب، وقت استخدامها الحقيقي وجمعة الشباب فيها
كان تلفون فارس على (المركأ) بينه وبين وناصر
ما أن أضاءت الشاشة باسم مشاعل (المحفوظ عند فارس باسم الأهل ش)
حتى ألتقطه ناصر بلهفة وهو يقول: والله ماحد يرد عليها إلا أنا.. (لأنه يعرف من ش المقصودة!!)
فارس بغضب: ناصر الله يهداك لا تحرج أختي، تراها تستحي من خيالها
ناصر بمرح: عادي خلها على الأقل تسمع صوتي قبل تشوف خشتي..
فارس انتزع المحمول من يد ناصر وهو يقول: تحشم
رد وهو ينظر لناصر ليغيضه: هلا والله بقلبي.. هلا بمشاعل روحي
ناصر يؤدي حركات تمثيلية وهو يضع يده على قلبه ويقول (بعيارة): المفروض أنا اللي أقول ذا الكلام لها مهوب أنت ويا وجهك
مشاعل تبتسم: وش عنده الشيخ فارس؟؟ مهوب عوايدك ذا الرقة!!
فارس بنبرة حنونة مقصودة: فديت روحش بس، اشتقت لش، جعلش بعد اللي قاعد عندي
مشاعل باستغراب: فارس بسم الله عليك أنت مريض..
فارس (خلاص) لم يستطع أن يكمل ، ضحك بصوت عالي وهو يقول:
نعم خير؟؟.. وش تبين ياقطة الوجه أنتي؟؟
مشاعل تضحك: إيه الحين أخي اللي اعرفه
تروعت قبل شوي حسبتهم خذوا أخي المتوحش أبو كلام سم
وجابوا لنا أخ طيب كلامه ينقط عسل مثل اللي في الرسوم
فارس بهدوء: اخلصي علي ترا ماني بفاضي لقرقرتش
ناصر يأشر له أنه بيخنقه: احترم مرتي يا ملا الماحي
فارس يرد على ناصر: أختي قدام تصير مرتك، ومالك دخل بيننا
مشاعل شعرت وكأنه سُكب عليها ماء بارد: فارس من اللي عندك؟
فارس بلؤم: رجَّالش الشين
مشاعل ألقت بالمحمول في حضن موضي ولون وجهها يتحول للأحمر القاني وتركض صاعدة لغرفتها
موضي أخذت المحمول وهي تضحك: فارس وش قلت للبنية خليت وجهها انقلب كذا؟؟
فارس بنبرة عتب: هلا والله بالشيخة موضي اللي تهرّب من شوفتنا
موضي بحرج وهي تحاول أن ترد بدلال: فارس حبيب قلبي خلاص
يالله أنا مشتاقة لك موت تعال أنا عند بيت هلي..
فارس بهدوء: أنا في العزبة بأصلي العشاء أول، ثم مسافة الطريق
على ما تروقون المستحية اللي عندكم اللي أكيد إنها راحت تسكر على روحها من السحا
ترا ما أبي أجي وما ألاقيها ، ترا أطلع عليها واسحبها بشوشتها
أنهى فارس مكالمته، وناصر ينظر له باستفهام، فارس بلؤم:
وش ذا النظرة البائسة اللي على وجهك المغبر، تقول طرار على باب مسجد
ناصر باستجداء تمثيلي: تكفى فارس.. وش قلت لمشاعل ووش قالت لك؟؟
فارس بذات اللؤم: والله ماحد قال لك أني مرسال غرام.. اتصل على عمي عبدالله وأساله عن بنته.
ناصر يضحك: أنتو يالبدوان ماوراكم فرج.. لو مخليني أكلم مرتي بينقص منكم يد وإلا رجل
على الأقل تعرّف علي شوي وتدري أني ولد حبوب، مهوب حتى اسمي تستحي منه.
فارس ضحك: عاد الله يعينك على مشاعل، عمري في حياتي ماشفت حد يستحي مثلها
كان ناصر سيتكلم لولا أنه قاطعهم صوت عميق خافت ومفكر
"السحا مهوب عيب.. السحا زينة البنت"
ناصر يبتسم: وأخيرا تكلم أبو الهول.. تصدق نسينا إنك هنا يا أخي!!
كان راكان طوال الفترة الماضية يجلس في زاوية الخيمة الضخمة
مشغول بلوح شطرنج أمامه.. بين التحركات والتحركات المضادة
فارس يبتسم: تصدق راكان أول مرة أشوف واحد يقعد بالساعات يلعب مع روحه..
يلتفت إليهم راكان ويقول بثقة: هذا شيء ما تفهمونه أنتم..
وبعدين من اللي منكم كفو يلعب معي، أطول واحد منكم طول معي في لعبة 10 دقايق
لكن إذا ألعب مع روحي أعرف إنه فيه خصم كفو لي..
ناصر باهتمام: لا جد قل لي راكان أشلون تلعب بروحك
يعني لكل لون الأبيض وإلا الأسود بتسوي نفس الحركة..
راكان يبتسم: الله يخلف على أمي اللي أنت ولدها، وبنت عبدالله اللي أنت رجّالها...وش نفس الحركة؟؟
فيه عدة خطط للعب الشطرنج، أنا لما ألعب مع روحي أعتمد خطتين، خطة لكل لون من البيادق.. (البيادق=شخصيات الشطرنج)
ناصر يضحك: تدري يا ولد أمي الحكي معك ضايع..
أنا باقوم أتوضأ باقي على الصلاة شوي، أحسن لي من مقابل وجهك أنت وولد عمك
يالله يا كريم قد تخلص ذا الثلاث شهور وأفتك من وجيهكم الودرة
يتركهم ناصر.. فارس يعبث بموبايله وينتظر أن يصلي ليتوجه لأخواته
وراكان عاد للاستغراق في لوح الشطرنج أمامه
راكان قليل التحدث عن نفسه رغم أن من هو في مواهب راكان المتعددة قد يحق له بعضا من الغرور
فهو بطل ذو صولات وجولات في رياضتين مختلفتين
وفي مجال عمله (في الديوان الأميري) يحرز نجاحات متميزة
وهو على وشك ترأس قسم دون أن يخبر أحدا بذلك أو يتشدق به
وليس معنى ذلك أن راكان لا يقدر نجاحاته
ولكنه وجَّهها بتوازن لتكون ثقة قوية بالنفس
يربط راكان بمشعل بن عبدالله صداقة متينة قوَّى أواصرها تقاربهما في السن وتشابه شخصياتهما لحدٍّ بعيد، ولكن لطالما أرَّق مشعل إحساسه أن راكان يخفي عليه سراً ما
كان مشعل هو الوحيد الذي يستطيع قراءة صمت راكان وماخلف ابتساماته الهادئة
ولكنه عجز عن سبر واختراق أسدال كتمان راكان التي راكمها على سره الدفين
الذي طمره في أعمق نقطة في روحه وحاول أن يتناساه!!
******************************
بعد حوالي ساعة إلا ربع..
وصل فارس بيت عمه عبدالله
وموضي سحبت مشاعل وأنزلتها.. واكتملت جمعة الشقيقات الثلاث الكبار وأخيهم بالرضاعة
بينما أم مشعل وأم محمد كانتا قد انسحبتا للصلاة
ومريم الصغيرة وخالتها ريم في الأعلى تلعبان Play Station3 ومعهم جود الصغيرة مجرد متفرجة..
لطالما كن الشقيقات الثلاث يستمتعن بالالتقاء مع شقيقهم الغريب القاسي
فلطالما مثَّل فارس ومشعل طرفا النقيض هذا بقسوته وهذا بحنانه
ومع ذلك كان لكلاهما معزته الخاصة
بالتأكيد لا أحد في مكانة مشعل عندهم
ولكن فارس أيضا كان غاليا جدا عليهم لأبعد حد..
البنات يتبادلن الحديث الودي الأخوي معه
ومشاعل صامتة لأنها مازالت تشعر بالحرج من مكالمتها الأخيرة لفارس
فارس ضربها على مؤخرة رأسها: وش فيها الأخت؟؟ عادش مستحية يا المعقدة؟؟
لطيفة بتفهم: فارس خف على البنية.. هات فنجالك أصب لك قهوة؟؟
فارس بهدوء وهو يعيد فنجانه لها ويهزه: لا خلاص شكّرت..(شكّر=اكتفى من القهوة)
موضي (بعيارة): إيه الشيخ فارس مايحب يكثر منبهات يخاف على بشرته تتعب..
موضي قالتها بعفوية، لكنها قطعت جملتها وهي تتذكر، وتبتلع ريقها
وهي تنظر لثلاثة أزواج من الأعين تنظر لها وتركز عليها
زوجان من العيون ينظران لها بنظرة هي خليط من العتب والشفقة لما ستناله من صاحب زوج الأعين الثالث
وزوج العينين الثالث ينظر لها نظرة غضب حادة مرعبة تكاد تقتلعها من مكانها
الدوحة
منزل عبدالله بن مشعل
قبل صلاة العشاء
موضي تزورهم أخيرا بعد غياب أسبوعين، كانت تنتظر فيهم أن تخف آثار ضرب حمد من وجهها
كانت موضي بمقياس الجمال الاعتيادي أقل جمالا من شقيقتيها لطيفة ومشاعل
ولكنها كانت كما يقولون في أدبنا العربي "مليحة"
أي أن العين لا تمل النظر إليها
وكان من أجمل فيها شعرها الكثيف الناعم
الذي كانت تتفنن في قصاته قبل أن تتزوج حمد وكانت كل قصة تبدو عليها مبهرة
ولكنها توقفت نهائيا عن قصه منذ حوالي 3 أعوام ونصف.. أول مرة ضربها حمد!!
موضي مبرمجة حاسوب لم تعمل بشهادتها سوى 6 أشهر
رغم المستقبل المشرق الذي كان ينتظرها
فهي كانت ذكية جدا خلال دراستها، ثم شديدة المهارة والعطاء خلال فترة عملها القصيرة
ولكن حمد أصرَّ عليها أن تترك عملها، كانت تستطيع الالتجاء لوالدها
وتعرف أنه يستطيع أن يطلب من حمد أن يتركها في عملها
فهي لم تتعب طيلة هذه السنوات لتذهب جهودها هباء
وتعلم أن حمد لن يستطيع معارضة خاله
ولكنها لم ترد إدخال أحد بينها وبين زوجها، كانت تعتقد أنها ستستطيع إقناعه
لم تعلم أن حمد يصبح (أحيانا) مخلوقاً غير قابل للتعامل الإنساني.. فكيف بالإقناع العقلاني!!
كان بال موضي مشغولا، كانت تخشى العودة لمنزلها
تتمنى لو تستطيع أن تنام الليلة في بيت أهلها
ولكنها تخشى أن يظن حمد أنها اشتكت لأحدٍ من أفعاله
رغم كل ما يفعله حمد معها وقسوته عليها، فهي لا تستطيع أن تحقد عليه!!!!
" هيييييه.. يا المفهيه أنا أقول تبين كأس كرك!!"
صوت ريم الحاد اخترق طبلة أذنها من قرب لينتزعها من عالمها المرّ، ترد على ريم بغضب: وجع، مافيه احترام، أختش الكبيرة أنا، ما أنا بخويتش في المدرسة.
ريم ترقص حاجبيها: أدري أنش أختي العجوز اللي أكبر مني ب15 سنة
والظاهر حكم السن أنش صرتي صمخاء ما تسمعين
ساعة وأنا أصيح يا موضي يا موضي وأنتي عمش أصمخ..
موضي ألتفت على أمها وهي تقول بابتسامة: يمة البنت ذي أنتي متاكدة إنها عمرها 11 سنة
أحيانا أشك أنش جبتي أكبر وحدة فينا في الأخير..
ضحكت أم مشعل لأنها ترى ابتسامة موضي التي طال اشتياقها لها: خبرش ياأمش هذي حشاشة الشيبان..
قالتها وهي تحضن ريم بحنان
كانت مشاعل قادمة من المطبخ بيدها طبق كبير فيه فطائر وهي تقول بمرح:
أسمع طاري شيبان، ماعندنا في ذا البيت شيبان، إلا شباب حلوين.. أولهم جدتي هيا..
الجدة تعتدل في جلستها وتعدل برقعها على وجهها وهي تقول بمرح لطيف: يا حي العرب اللي عندهم نظر..
لطيفة تبتسم وتقول لجدتها: يمه على ذا الزين كله.. ما تبين لش صبي مزيون نزوجش إياه..
الجدة بغضب: اقطعي واخسي يا بنت عبدالله، لو أن مشعل قد قطَّع العقال على ظهرش كان عرفتي تحشمين اللي أكبر منش..
لطيفة تضحك وهي تقوم من مكانها وتتوجه لجدتها لتطبع قبلة حنونة على رأسها:
فديت قلبش.. السموحة جعلني فدا خشمش..
الجدة تناولت عصاها وضربت لطيفة بخفة: كم مرة قايلة لكم كلكم، لا عاد حد يتفداني.. أنتو ما تفهمون..
أم مشعل باحترام: يمه لا تزعلين.. من قدرش وغلاش عندهم..
لطيفة تصطنع الغضب وتقول لجدتها: يمه ماضربتيني وأنا صغيرة تضربيني الحين قدام بناتي
جدتها بحنان: عمركم ما تكبرون علي، ولو عندش عشرين بزر، أنتي عندي لطوف أم قرينات..
موضي تقاطع حوارهم وتقول بلهفة: دام حن مجتمعين اتصلوا على فارس خليه يجينا
مشتحنه له، قد لي 3 أسابيع ما شفته.. (مشتحنة=مشتاقة)
مشاعل بهدوء: فارس أصلا زعلان عليش، يقول صار له أكثر من أسبوعين كل مادق عليش يبي يجيش، تعذرتيه..
موضي بارتباك: الله يهداه ما يتصل إلا وأنا طالعة..
مشاعل صمتت لأنها تعرف سبب تهرب موضي من رؤية فارس
فلو عرف فارس أن حمد يضربها، فلا يعلمون ما الذي قد يفعله به فارس دون أدنى اهتمام بكونه ابن عمته
موضي بالذات لها معزة كبيرة عند فارس، فهما من سن واحد ورضعا سويا وعلاقتهما ببعضهما خاصة وعميقة
ثم قالت مشاعل :خلاص بأدق عليه الحين أخليه يجينا..
اتصلت مشاعل على فارس الذي كان حينها في عزبتهم مع ناصر وراكان
كانوا يجهزون العزبة لأن الشتاء اقترب، وقت استخدامها الحقيقي وجمعة الشباب فيها
كان تلفون فارس على (المركأ) بينه وبين وناصر
ما أن أضاءت الشاشة باسم مشاعل (المحفوظ عند فارس باسم الأهل ش)
حتى ألتقطه ناصر بلهفة وهو يقول: والله ماحد يرد عليها إلا أنا.. (لأنه يعرف من ش المقصودة!!)
فارس بغضب: ناصر الله يهداك لا تحرج أختي، تراها تستحي من خيالها
ناصر بمرح: عادي خلها على الأقل تسمع صوتي قبل تشوف خشتي..
فارس انتزع المحمول من يد ناصر وهو يقول: تحشم
رد وهو ينظر لناصر ليغيضه: هلا والله بقلبي.. هلا بمشاعل روحي
ناصر يؤدي حركات تمثيلية وهو يضع يده على قلبه ويقول (بعيارة): المفروض أنا اللي أقول ذا الكلام لها مهوب أنت ويا وجهك
مشاعل تبتسم: وش عنده الشيخ فارس؟؟ مهوب عوايدك ذا الرقة!!
فارس بنبرة حنونة مقصودة: فديت روحش بس، اشتقت لش، جعلش بعد اللي قاعد عندي
مشاعل باستغراب: فارس بسم الله عليك أنت مريض..
فارس (خلاص) لم يستطع أن يكمل ، ضحك بصوت عالي وهو يقول:
نعم خير؟؟.. وش تبين ياقطة الوجه أنتي؟؟
مشاعل تضحك: إيه الحين أخي اللي اعرفه
تروعت قبل شوي حسبتهم خذوا أخي المتوحش أبو كلام سم
وجابوا لنا أخ طيب كلامه ينقط عسل مثل اللي في الرسوم
فارس بهدوء: اخلصي علي ترا ماني بفاضي لقرقرتش
ناصر يأشر له أنه بيخنقه: احترم مرتي يا ملا الماحي
فارس يرد على ناصر: أختي قدام تصير مرتك، ومالك دخل بيننا
مشاعل شعرت وكأنه سُكب عليها ماء بارد: فارس من اللي عندك؟
فارس بلؤم: رجَّالش الشين
مشاعل ألقت بالمحمول في حضن موضي ولون وجهها يتحول للأحمر القاني وتركض صاعدة لغرفتها
موضي أخذت المحمول وهي تضحك: فارس وش قلت للبنية خليت وجهها انقلب كذا؟؟
فارس بنبرة عتب: هلا والله بالشيخة موضي اللي تهرّب من شوفتنا
موضي بحرج وهي تحاول أن ترد بدلال: فارس حبيب قلبي خلاص
يالله أنا مشتاقة لك موت تعال أنا عند بيت هلي..
فارس بهدوء: أنا في العزبة بأصلي العشاء أول، ثم مسافة الطريق
على ما تروقون المستحية اللي عندكم اللي أكيد إنها راحت تسكر على روحها من السحا
ترا ما أبي أجي وما ألاقيها ، ترا أطلع عليها واسحبها بشوشتها
أنهى فارس مكالمته، وناصر ينظر له باستفهام، فارس بلؤم:
وش ذا النظرة البائسة اللي على وجهك المغبر، تقول طرار على باب مسجد
ناصر باستجداء تمثيلي: تكفى فارس.. وش قلت لمشاعل ووش قالت لك؟؟
فارس بذات اللؤم: والله ماحد قال لك أني مرسال غرام.. اتصل على عمي عبدالله وأساله عن بنته.
ناصر يضحك: أنتو يالبدوان ماوراكم فرج.. لو مخليني أكلم مرتي بينقص منكم يد وإلا رجل
على الأقل تعرّف علي شوي وتدري أني ولد حبوب، مهوب حتى اسمي تستحي منه.
فارس ضحك: عاد الله يعينك على مشاعل، عمري في حياتي ماشفت حد يستحي مثلها
كان ناصر سيتكلم لولا أنه قاطعهم صوت عميق خافت ومفكر
"السحا مهوب عيب.. السحا زينة البنت"
ناصر يبتسم: وأخيرا تكلم أبو الهول.. تصدق نسينا إنك هنا يا أخي!!
كان راكان طوال الفترة الماضية يجلس في زاوية الخيمة الضخمة
مشغول بلوح شطرنج أمامه.. بين التحركات والتحركات المضادة
فارس يبتسم: تصدق راكان أول مرة أشوف واحد يقعد بالساعات يلعب مع روحه..
يلتفت إليهم راكان ويقول بثقة: هذا شيء ما تفهمونه أنتم..
وبعدين من اللي منكم كفو يلعب معي، أطول واحد منكم طول معي في لعبة 10 دقايق
لكن إذا ألعب مع روحي أعرف إنه فيه خصم كفو لي..
ناصر باهتمام: لا جد قل لي راكان أشلون تلعب بروحك
يعني لكل لون الأبيض وإلا الأسود بتسوي نفس الحركة..
راكان يبتسم: الله يخلف على أمي اللي أنت ولدها، وبنت عبدالله اللي أنت رجّالها...وش نفس الحركة؟؟
فيه عدة خطط للعب الشطرنج، أنا لما ألعب مع روحي أعتمد خطتين، خطة لكل لون من البيادق.. (البيادق=شخصيات الشطرنج)
ناصر يضحك: تدري يا ولد أمي الحكي معك ضايع..
أنا باقوم أتوضأ باقي على الصلاة شوي، أحسن لي من مقابل وجهك أنت وولد عمك
يالله يا كريم قد تخلص ذا الثلاث شهور وأفتك من وجيهكم الودرة
يتركهم ناصر.. فارس يعبث بموبايله وينتظر أن يصلي ليتوجه لأخواته
وراكان عاد للاستغراق في لوح الشطرنج أمامه
راكان قليل التحدث عن نفسه رغم أن من هو في مواهب راكان المتعددة قد يحق له بعضا من الغرور
فهو بطل ذو صولات وجولات في رياضتين مختلفتين
وفي مجال عمله (في الديوان الأميري) يحرز نجاحات متميزة
وهو على وشك ترأس قسم دون أن يخبر أحدا بذلك أو يتشدق به
وليس معنى ذلك أن راكان لا يقدر نجاحاته
ولكنه وجَّهها بتوازن لتكون ثقة قوية بالنفس
يربط راكان بمشعل بن عبدالله صداقة متينة قوَّى أواصرها تقاربهما في السن وتشابه شخصياتهما لحدٍّ بعيد، ولكن لطالما أرَّق مشعل إحساسه أن راكان يخفي عليه سراً ما
كان مشعل هو الوحيد الذي يستطيع قراءة صمت راكان وماخلف ابتساماته الهادئة
ولكنه عجز عن سبر واختراق أسدال كتمان راكان التي راكمها على سره الدفين
الذي طمره في أعمق نقطة في روحه وحاول أن يتناساه!!
******************************
بعد حوالي ساعة إلا ربع..
وصل فارس بيت عمه عبدالله
وموضي سحبت مشاعل وأنزلتها.. واكتملت جمعة الشقيقات الثلاث الكبار وأخيهم بالرضاعة
بينما أم مشعل وأم محمد كانتا قد انسحبتا للصلاة
ومريم الصغيرة وخالتها ريم في الأعلى تلعبان Play Station3 ومعهم جود الصغيرة مجرد متفرجة..
لطالما كن الشقيقات الثلاث يستمتعن بالالتقاء مع شقيقهم الغريب القاسي
فلطالما مثَّل فارس ومشعل طرفا النقيض هذا بقسوته وهذا بحنانه
ومع ذلك كان لكلاهما معزته الخاصة
بالتأكيد لا أحد في مكانة مشعل عندهم
ولكن فارس أيضا كان غاليا جدا عليهم لأبعد حد..
البنات يتبادلن الحديث الودي الأخوي معه
ومشاعل صامتة لأنها مازالت تشعر بالحرج من مكالمتها الأخيرة لفارس
فارس ضربها على مؤخرة رأسها: وش فيها الأخت؟؟ عادش مستحية يا المعقدة؟؟
لطيفة بتفهم: فارس خف على البنية.. هات فنجالك أصب لك قهوة؟؟
فارس بهدوء وهو يعيد فنجانه لها ويهزه: لا خلاص شكّرت..(شكّر=اكتفى من القهوة)
موضي (بعيارة): إيه الشيخ فارس مايحب يكثر منبهات يخاف على بشرته تتعب..
موضي قالتها بعفوية، لكنها قطعت جملتها وهي تتذكر، وتبتلع ريقها
وهي تنظر لثلاثة أزواج من الأعين تنظر لها وتركز عليها
زوجان من العيون ينظران لها بنظرة هي خليط من العتب والشفقة لما ستناله من صاحب زوج الأعين الثالث
وزوج العينين الثالث ينظر لها نظرة غضب حادة مرعبة تكاد تقتلعها من مكانها
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء العاشر
موضي (بعيارة): إيه الشيخ فارس مايحب يكثر منبهات يخاف على بشرته تتعب..
موضي قالتها بعفوية، لكنها قطعت جملتها وهي تتذكر، وتبتلع ريقها
وهي تنظر لثلاثة أزواج من الأعين تنظر لها وتركز عليها
زوجان من العيون ينظران لها بنظرة هي خليط من العتب والشفقة لما ستناله من صاحب زوج الأعين الثالث
وزوج العينين الثالث ينظر لها نظرة غضب حادة مرعبة تكاد تقتلعها من مكانها
موضي تلاحقت نفسها قبل أن يبدر من فارس أي تصرف
وقفزت لتقبل رأسه وهي تقول باستجداء لطيف:
تكفى فارس تكفى أنك ما تعصب علي.. أنا آسفة يا شيخ الشباب أنت..
ابتسم فارس وهو يقول بثقة: ومن اللي قال لش أني كنت ناوي أعصب عليش؟؟
ابتسمت موضي بأمل: صدق ماكنت ناوي تعصب علي؟؟
كشر فارس وهو يبتسم : بصراحة كنت ناوي أرمل حمد
يعني أنتي بالذات الغلطة ذي غير مسموحة منش لأنش أكثر وحدة تعرفيني
موضي تجلس بجواره وتحتضن ذراعه وتقبل كتفه وهي تقول بمرح باللهجة المصرية:
توبة من دي النوبه يا سيد البشوات أنته.. وحيات اللي خلئ عينيك الحلوين دي.. لو كنت عايداها ابئى اديني بالجزمة فوق نافوخي..
مشاعل كانت تبتسم بشفافية وهي ترى روح موضي القديمة المرحة التي طُمرت تحت كآبتها تعود للتجلي
بعد موقف مشاعل الأخير مع فارس وبطبيعتها الخجولة
كان من المستحيل أن تعاود النزول ووضع عينيها في عيني فارس
قبل مرور أسبوعين على الأقل.
ولكنها تعلم أن موضي ما أن ترى فارس حتى تحضر روحها العذبة
وكان من المستحيل أن تفوت استمتاعها بها
حتى لو كان في ذلك مواجهة جيش من العفاريت..
طال اشتياقها لروح أختها.. فهي قد ترى موضي جسداً..
ولكن روح موضي تطول فترات غيابها..
حتى يصيب مشاعل الصامتة المراقبة الرعب المتوحش أن تكون روحها قد ماتت..خُنقت.. اُستلت!!
فتفاجأ بها تعاود التسلل ناشرة خيطا من البهجة المشعة في قلب مشاعل البريء
وفي موقف آخر غير موقف اليوم ..كان فارس بقسوته المعتادة وفي هذا الموضوع بالذات ليثير زوبعة نارية من الغضب
ولكن لأنه لم يرَ موضي منذ فترة وهو مشتاق لها..
تجاوز لها غلطتها التي لا تغتفر في عُرفه..
*************************
في ذات الوقت
في منزل محمد بن مشعل..
غرفة المكتب في الأسفل التي يتناوب على استخدامها مريم وراكان
كانت مريم تقرأ بنهمٍ كتاباً جديداً وصلها للتو..
فالكتب لمن هم في مثل حالتها قليلة، ولكنها حريصة على أن تحصل على أكبر كم منها
وبالفعل لديها مكتبة كبيرة للكتب المكتوبة بطريقة إبرايل..(إبرايل=طريقة طباعة كتب المكفوفين)
كانت جالسة تقرأ باستمتاع تشاركها فيه أناملها الطويلة الرشيقة التي تتحسس الحروف النافرة بحب..
وكأنَّ هذه المهمة الجديدة التي مُنحت لهذه الأنامل منحتها جمالاً مختلفاً..
وبالفعل كانت يديّ مريم آية في الجمال والنعومة والرشاقة..
للجمال نكهاتٌ مختلفة..
وجاهلٌ من يضيع على نفسه متعة التعرف عليها اعتقاداً أن الجمال هو جمال الوجه فقط..
أو حتى جمال الجسد الفاني!!
فُتح الباب..
مريم ترفع رأسها عن الكتاب وتضعه جانباً وهي تقول باحترام:
حيا الله الغالي.. حياك الله يا أبو محمد.. تفضل..
مشعل يبتسم: أبي أعرف أشلون تعرفيني يا السُكنيّة..
مريم تبتسم: ريحة عطرك تصرع على بعد خمسة كيلو..
أصلا أنا عارفة إنك عندنا في البيت لك حوالي 20 دقيقة بالضبط..
من أول مادخلت البيت وأنا شامة ريحة عطرك..
ابتسم مشعل: زين ناصر وراكان أحيانا يكونون معي في السيارة
ويتعطرون من عطري.. تلخبطين بيننا؟؟
مريم بابتسامة واسعة: مستحيل..
مشعل باستغراب: أشلون؟؟
مريم بشرح هادئ: ريحة العطر تتفاعل مع ريحة الجسد الطبيعية وتعطي نتيجة مختلفة..
يمكن ما تكون واضحة للناس العاديين..
بس لشخص في مثل حالتي تكون واضحة جدا..
ربك يقطع من ناحية ويوصل من الثانية..اللهم لك الحمد والشكر
بس تدري مشعل.. أحيانا الفرق هذا يلحظه العقل الباطن للإنسان السليم حتى...
مشعل باستفسار مستمتع (لطالما كان يستمتع بحديث مريم): أشلون؟؟
مريم بهدوء: يعني أنت أحيانا تشوف إنسان وتكش منه أول ماتشوفه بدون سبب.. صح؟؟
مشعل يهز رأسه : صح..
مريم بعذوبة: السبب أنك تكون شميت ريحته الطبيعية بعقلك الباطن
وهذا الريحة تكون ما تتوافق مع طبيعتك
وعشان كذا فيه ناس ننجذب لهم بعنف وناس ننفر منهم..
وناس ما تتوافق معهم.. بدون ماتعرف السبب
مشعل بعمق: أجل يمكن أنا ولطيفة روائحنا ما توافقت!!
*********************
قبل ذلك بعدة ساعات ولكن بتوقيت آخر
الساعة 8 صباحا
واشنطن دي سي
مقهى قريب من جامعة جورج تاون
جالستان تتناولان قهوتيهما بهدوء..
باكينام تفرك عيناها وتقول بكسل: والله مش عايزة ئهوة ولا نيله.. عايزة أنام
المحاضرة الساعة 1..ممكن أعرف جايين نعمل إيه هنا الساعة تمانيه
عينا هيا محاطتان بهالات سوداء وبادٍ عليها الإرهاق تجيب بصوت متعب:
إذا كنتي أنتي نمتي شوي..أنا ما نمت أبد
باكينام باهتمام: وليه يعني؟؟
هيا باستغراب: كأنج ماكنتي موجودة البارحة وشفتي بنفسج!!
باكينام وهي ترتشف قهوتها ثم تعيد الكوب: خلاص أنتي طردتيه وما أعتقدش إنه هيرجع
هيا تبتسم ابتسامة باهتة: أنا متاكدة إنه بيرجع وبيرجع وبيفرض نفسه على حياتي
باكينام بهدوء وهي تعبث بملعقتها وتقلب قهوتها: بلغي عنه البوليس
هيا انتفضت: مهما كان هذا ولد عمي.. وعلى وشك أنه يخلص دراسته
شكوى مثل هذي بتضيع مستقبله..
أنا أمس لما كنت أهدد أبلغ البوليس ما كنت في وعيي من الغضب..
بس مستحيل أسويها في أي أحد، أشلون ولد عمي.
باكينام فتحت عينيها فيها باستغراب: أما أنتي غريبة.. أنتي عمرك عرفتيه عشان يكون ابن عمك..
هيا بهدوء متعب: صحيح أنا ما أبيه ولا أبي حد من أهله في حياتي
بس في نفس الوقت ما أبي أضر حد..
واللي زاد وغطى أمي من البارحة وهي زعلانة عشان قطعت الكرت..
ما أدري هي شنو تبي فيه
الفتاتان مستغرقتان في حديثهما ولم تنتبها للعينين العسليتين المسلطتين عليهما
ما أن أنهتا شرب قهوتيهما ونهضتا للخروج
حتى قفز صاحب العينين المراقبتين
واقترب منهم محادثا باكينام بلكنة شامية: صباح الورد.. الأخت عربية؟؟
باكينام التفتت لصاحب السؤال، كان شاباً وسيماً بيده عدد من المراجع
أجابت ببرود لكثرة ما اعتادت على هذه الأسئلة: آه مصرية.. فيه حاجة غلط؟؟
الشاب تفاجأ من طريقتها الباردة في الرد، رد بارتباك:
لا أبدا.. بس حبيت أتعرف عليكي إزا ما عندك مانع..
باكينام بنفس النبرة الباردة: أنا مرتبطة .. ولا مؤاخزه تأخرت عالمحاضرة..
وسحبت هيا من يدها .. وهيا تسألها باهتمام: أنتي لمتى وأنتي تصدين كل واحد يتكلم معاج
باكينام بمرح: وأنتي بتصدي كل واحد يكلمك.. إيه الفرق بيننا؟؟
هيا بنعومة: لا فيه فرق.. أنتو تتزوجون بذا الطريقة.. تتعرفين عليه ثم تسحبينه من رقبته لأهلج
لكن أنا لو تزوجت في يوم.. بأتزوج بالطريقة التقليدية اللي عندنا..
ثم أكملت باهتمام: لا تخلين الأفكار الغريبة اللي جداتج حشوا رأسج فيها تخرب حياتج
أنا بصراحة مع جدتج الإيرلندية لا تتزوجين إنجليزي
بس موب مع جدتج التركية لأنج عربية ولازم تتزوجين عربي
وبعدين هي بنفسها تزوجت جدج وكانت تموت فيه
باكينام بنفاذ صبر: هيا لو بتحبيني بلاش السيرة دي.. بتجيب لي افتكاريا..
وأكملت بابتسام وهي تقول: وخلينا فيكي وفي عمود النور اللي اسمه مَشعل، إزاي نزحلئو
********************
غرفة المكتب في بيت محمد بن مشعل
الحوار مستمر بين مشعل ومريم
مشعل بعمق: أجل يمكن أنا ولطيفة روائحنا ما توافقت!!
مريم صُدمت بعنف: مشعل وش ذا الكلام؟؟
مشعل بهدوء: مريم أنا وأنتي أكثر من أخوان.. وأنا بصراحة ما أقدر أكلم حد غيرش في موضوع مثل هذا..
أنا ماني بمرتاح مع لطيفة..
مريم مازالت مصدومة: بعد 13 سنة وأربع أطفال.. توك تكتشف إنك منت بمرتاح!!!
مشعل برزانة: مريم الله يهداش.. أنا لاني ببزر ولاني بمراهق..
عشان تقولين لي كذا.. أنا لي سنين ماني بمرتاح..
مريم تحاول أن تفهم هذه المصيبة التي جاءت لها هذه الليلة: لطيفة مقصرة عليك بشيء؟؟.. مضايقتك بشيء؟؟
مشعل بنبرة واثقة تخللها بعض حزن: المشكلة إنها لا مقصرة ولا مضايقتني.. لطيفة باقي تحطني على رأسها من اهتمامها فيني..
مريم وقفت وهي تنتفض من الغضب: اعذرني مشعل.. بس أنت كذا أكيد أنت اللي عندك مشكلة..
أنا سألتك لأني حبيت أفهم منك، مع أني متأكدة إن لطيفة مافيه مثلها في النسوان ثنتين
مشعل تنهد: مريم اقعدي وخليني أكمل..
مريم جلست مع أنها فقدت أي رغبة في سماع مشعل.. مشعل أكمل كلامه:
مريم.. أنا أدري أن لطيفة مافيه مثلها،راعية بيت وقايمة بي وبعيالها..
بس من يوم تزوجتها وأنا أحس إنه فيه حاجز بيننا
أحس إنها مهيب فاهمتني، مابيننا حوار مشترك، عمري ما حسيت إنه فيه مره حقيقية في حياتي
أنا والله أعز لطيفة وأحترمها، بس عمري ماحسيت ناحيتها بشيء أكثر
ما أقول إن العيب منها، يمكن العيب مني
مريم تقاطعه بغضب رغم أنها نادرا ما تغضب: والمطلوب مني مشعل؟؟
مشعل مستغرب من غضبها: وليش متوقعة إنه مطلوب منش شيء..
أنا بس جاي أفضفض لش.. ضاق خلقي يا أخيش..
مريم وهي تحاول السيطرة على غضبها والعودة لمنطقيتها: مشعل أنا مهوب توني عارفتك أمس..
أنت لو بتموت ما تشتكي.. لو يقطعونك ما قلت آه..
ودامك جاي تشتكي لي اليوم..
فأنت في رأسك موال.. والشكوى هذي مجرد مقدمة لشيء أخطر..
صُدم مشعل من تفهمها الغريب.. واكتشافها أن هناك خطوة مؤجلة مخفية
ولكن لأنه ليس من يثير اضطراباً في أولوياته مع دقته في مخططاته التي أوصلته للنجاح في عمله
رد عليها بثقة: مهوب وقته
ووقف بثقة، ليخرج ويترك مريم مبعثرة المشاعر بعد الفوضى التي أحدثها
وخلَّفت قلقاً متوحشاً مزَّقها بين شقيقها وابنة عمها وصديقتها
فلا شيء آخر تقلق عليه!!
ولا توجد حياة خاصة بها تتجاوز اهتمامها بأهلها وطلابها في المعهد!!
**************************
الدوحة بيت عبدالله بن مشعل
الساعة 10 مساء
رنَّ محمول موضي.. توترت (أكيد حمد جاي بيأخذني)
ردت بنبرة حاولت أن تكون هادئة: هلا حمد
............
إن شاء الله.. الحين
قامت موضي تلبس عباءتها..
كانت موضي تسكن في بيت لوحدها..
رغم أنها كانت تريد أن تسكن مع خالها وعمتها لسببين:
السبب الأهم أن وجود أحد معهم في البيت سيجعله يكف يده عنها
السبب الثاني أن بيت خالها قريب جدا من بيت أهلها
ولكن حمد كان من أصرَّ على أن يسكنوا لوحدهم.
حين رأها فارس تلبس عباءتها.. قال لها: أشفيش مستعجلة؟ اقعدي وأنا بأوصلش..
موضي بتوتر حاولت تخفيه: لا خلاص حمد برا
فارس بهدوء: أنا بأطلع أسلم عليه، و أقول له يروح، وأنا بأوصلش عقب
موضي برعب: لا فارس تكفى..
فارس قفز وقال بنبرة مرعبة: وش فيش خايفة كذا؟؟ حمد قايل لش شيء
والله ثم والله لا يكون حميّد قايل لش شيء يا سيارته إن قد تغدي قبره
موضي نظرت للطيفة مستنجدة، لطيفة بسرعة بديهتها قفزت..
وهي تمسك بيد فارس المتشنجة من الغضب
وتقول بنبرة حاولت أن تدفع فيها أكبر قدر من اللؤم: يا ابن الحلال الليلة ليلة جمعة وبكرة إجازة
ويمكن موضي وحمد عندهم مخططات.. تبي تخربها عليهم يعني؟
فارس شعر بالحرج وهو يشير لموضي ويقول بحدة: روحي لرجّالش لا بارك الله فيش ولا فيه
وموضي تتناول حقيبتها وتسلم على الجميع
وهي تنظر للطيفة نظرات ممتنة لم تفت مشاعل
وتخرج لحمد الذي أصبح فيلم الرعب الذي تعيشه لحظة بلحظة!!
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الحادي عشر
الدوحة
الساعة 10،45 مساء
منزل حمد بن جابر..
في زاوية الغرفة تجلس على الأرض
بعد أن سحبت نفسها سحبا..
وأسندت ظهرها المشبع بالألم والضربات للحائط
وخيط رفيع من الدم يسيل من طرف شفتها على ذقنها
وهو يدور في الغرفة مثل الأسد الحبيس.. عيناه محمرتان
تنذران أنه على وشك البكاء
بعد دقيقة..
الإنذار أصبح حقيقة
وهو ينخرط في بكاء حقيقي مؤلم
وينكب على فخذ موضي المنكمشة في الزاوية ويدفن وجهه في حضنها
لمن لم ترَ أو تسمع رجلا يبكي:
لا يمكن أن تمري بتجربة أبشع منها أو أكثر إيلاما!!
يمزق روحها بكاءه
ماعاد يجمعها به شيءٌ أكثر من الشفقة
الكثير من الشفقة!! والكثير من الخوف!!
مسحت موضي على شعره وهي تهتف بصوت ممزق:
حمد حرام عليك اللي تسويه فيني وفي نفسك
تناول يديها وهو يغمرها بعشرات القبلات المبللة بدموعه:
تكفين موضي لا تزعلين علي
أنا ما أقدر أعيش من غيرش.. لا تخليني موضي.. تكفين.. تكفين
*************************
الدوحة
بيت مشعل بن محمد
الساعة 11 ونصف مساء
مشعل بعد أن أنهى حواره مع مريم مرَّ بمجلسهم قليلا
ثم عاد لبيته مبكراً على غير عادته
وهاهو يجلس في غرفة الجلوس الخاصة الملحقة بغرفته يشاهد الأخبار
لطيفة عادت بأبنائها وتوجهت بهم لغرفهم أولا
حممت جود الصغيرة هي ومريم التي تستمتع بالمساعدة
بينما محمد وعبدالله كانوا قد ناموا نتيجة لتعبهم في لعب الكرة مع خالهم الصغير
وبعد أن أنهت لطيفة مهامها الأمومية.. توجهت لغرفتها لتستحم..
فوجئت بصوت التلفاز.. وفوجئت أكثر بوجود مشعل
وفي ليلة الجمعة التي اعتاد أن يسهر فيها مع أشقائه
بصوت عذب: مساء الخير حبيبي..
مشعل بنبرة محايدة: قولي صباح الخير أحسن.. وحبيبش طل.. منقعتني هنا وعقبه حبيبش..
لطيفة نظرت لساعتها وابتسمت: الساعة 11 ونص.. أي صباحه؟؟
وبعدين أنا مستئذنتك أسهر عند هلي للساعة 12، وهذا أنا جيت قبلها حتى..
وحبيبي وتاج ورأسي.. وش فيك معصب يا قلبي؟؟
مشعل ببرود وهو ينظر لشاشة التلفاز: وتراددين بعد؟؟
لطيفة سحبت نفساً عميقاً (وش عنده ذا يهاد ذبان وجهه) اغتصبت ابتسامة: ماعاش من يراددك.. تعشيت؟؟
مشعل وفي رأسه موال لا يعلم إلى أين سيصل به: مهتمة يعني؟؟
لطيفة تنحني لتأخذ حذائه الملقى في وسط الغرفة وتضعه في دولاب أحذيته المزدحم بالأحذية وترد عليه: ومتى ماكنت مهتمة؟؟
مشعل بنبرة ذات مغزى: أنتي مافيه شيء يخليش تعصبين؟؟
لطيفة مستغربة من حديث مشعل الذي لم تعتده: وليش أعصب؟؟
مشعل بهدوء: يعني موقف مثل اللي قبل شوي، ليش ماعصبتي لأنه أنتي صاحبة حق
أنتي مستئذنة وجيتي قبل الموعد بعد..
ليه ماقلتي لي أنا أصلا استأذنتك فليش تسويها سالفة..
لطيفة بضيق: مشعل وش فيك الليلة؟؟
مشعل باهتمام: أنا على كثر ما أعصب عليش بدون سبب، عمرش ماعصبتي ليه؟؟
لطيفة وهي تشعر بتوجس من هذا الحوار: مشعل أنت ماعمرك هنتي ولا قسيت علي ولا حتى عصبت علي تعصيبة كبيرة
والتعصيب العابر شيء معتاد في حياة الأزواج
وبعدين أنا أعرف أنك مضغوط في شغلك
ولو أنا ما أستحمل عصبيتك من اللي بيستحملها..
مشعل ترك كل ماقالته وتمسك بجملة واحدة.. وقال بحدة:
أنتي بنفسش تقولين "التعصيب العابر شيء معتاد في حياة الأزواج"
يعني أنتي بعد من حقش تعصبين وتشوفين أشلون أنا باستحمل عصبيتش..
لطيفة بهدوء: أبو محمد الله يهداك وش فيك الليلة؟؟.. أنت جاي بدري عشان تهاد وتلاغي وبس؟؟
مشعل وقف وقال بثورة: إيه أبي أهاد والاغي.. وابيش تعصبين..
حسسيني إنه عروقش يمشي فيها دم.. مهوب ثلج..
13 سنة عمري ماشفتش معصبة على كثر ما كنت استفزش
أنتي وش جنسج؟! ماعندش إحساس؟؟...
لطيفة سحبت نفساً عميقاً لتهدئة نفسها، وقالت بهدوء:
مشعل مافيه داعي للتجريح أنا أم عيالك قبل أي شيء..
مشعل بغضب وهو يتناول غترته: أنا ما أبيش أم عيالي قبل أي شيء
أبيش زوجتي قبل أي شيء!!!
مره عندها مشاعر ودفء وحياة تغضب وتعصب وتغير مهوب قالب ثلج
لبس مشعل ملابسه بسرعة وخرج بدون أن يقول كلمة إضافية
في الوقت الذي كانت لطيفة تقف مذهولة..
(الحين أنا اللي قالب ثلج يا مشعل.. هذا والله اللي عيرني بعيارته وركبني حمارته!!
مشعل الليلة مهوب طبيعي.. أكيد فيه شيء مضايقه في الشغل وعشان كذا عصب بذا الطريقة)
لطيفة كانت غاية في التوتر والقلق على مشعل
استحمت وصلت قيامها وظلت ساهرة تنتظره
حتى كاد آذان الفجر يأذن، حينها اتصلت عليه..
جاءها صوته المتعب..
الصوت الذي يقلب كيانها ويهزُّ مشاعرها وتعبث نبراته بأوتار قلبها:
هلا أم محمد..
لطيفة بقلق: واشفيك تاخرت مشعل.. حبيبي أنا بسوي اللي يرضيك..
بس مافيه داعي تخليني أحترق من القلق عليك كذا..
مشعل بصوت متعب حقا: لطيفة أنتي ليه طيبة كذا؟!!
الحين أنا اللي غلطت عليش.. وطلعت من البيت بدون سبب..
المفروض أنا اللي أجي أعتذر منش مهوب أنتي اللي تتصلين تدورين لي
لطيفة بنبرة تقطر حباً: حبيبي أنا ما اقدر أرتاح وأنا عارفة إنه في خاطرك شيء علي
مشعل يتنهد بعمق: خلاص لطيفة أنا بأصلي الفجر وبأرجع لا تحاتيني
**************************
واشنطن دي سي
قبل أذان المغرب بقليل
شقة هيا
هيا أعدت قهوة لأمها وجلست معها في الصالة
أم هيا تشاهد برنامجاً دينياً على قناة إقرأ..
وهيا تجلس متربعة على الكنبة بين يديها كتاب مستغرقة في وضع ملاحظاتها عليه
رنَّ جرس الباب
هيا نهضت لتفتح لأنها كانت تظن أنها باكينام..
قررت أن تتأكد أولا
نظرت عبر فتحة الباب
انقلبت ملامح وجهها بقرف..
وعادت للجلوس بعد أن فصلت الجرس حتى لا تسمعه أمها
أمها بهدوء: من؟؟
هيا وهي تعاود الانكباب على كتابها وتهز كتفيها: واحد شكله مضيع في الشقة
ولكن الطرقات تكررت وهذه المرة على الباب مباشرة
(لحول.. هذا مايفتهم)
زفرت هيا بقهر
أمها باهتمام: قومي شوفي من؟؟
هيا بصراحة: يمه هذا مشعل.. وأنا ما أبي أفتح له..
أم هيا بغضب: ومتى تعلمتي تكذبين علي يا بنت سلطان.. أقول لج من؟؟ تقولين واحد مضيع..
هيا برجاء: يمه فديتج، لا تخلين مشعل هذا يتدخل فينا..
ست سنين من يوم توفى أبوي واحنا عايشين، وش نبي فيهم الحين؟؟
تكفين يمه وقفي يمي.. لا تنصرين ولد آل مشعل عليّ
الطرقات مازالت تتردد بقوة.. أم هيا تقول بإصرار: قومي افتحي لولد عمج
هيا بقهر: بافتح له بس تراني ماني بقاعدة معاكم.. اشبعي فيه يوم إنج بديتيه عليّ
هيا قامت وارتدت عباءتها فوق بيجامتها ولفت شيلتها بإحكام على رأسها
وفتحت الباب، وبدون حتى أن تنتظر أو تنظر له..
دخلت غرفتها وأغلقت الباب عليها..
وقف مشعل على الباب وهو يقول باحترام بصوت عالي: يا أهل البيت
أجابته أم هيا: ادخل يا ولدي
مشعل مستغرب من فتح له الباب، وأم هيا أصلا الحركة عليها صعبة جدا وهاهي جالسة..
مشعل دخل وهو يحمل الكثير من الأكياس ووضعها أرضاً
ثم عاد للوقوف عند الباب: مساج الله بالخير يمه..
أم هيا بهدوء: أقعد يا أمك..
مشعل جلس على الكرسي الأقرب للباب وترك الباب مفتوحا
وهو يسأل: يمه هيا مخليتش بروحش؟؟
أم هيا تبتسم: هيا هي اللي فتحت لك الباب، وراحت لغرفتها..
وبعدين شنو الاغراض ذي اللي أنت جايبها؟؟
مشعل بهدوء: شيء بسيط يمه.. وترا من اليوم أغراضكم كلها أنا اللي بأجيبها
أم هيا بهدوء رافض: مافيه داعي يأمك.. وهيا بتزعل
مشعل بثقة: خليها تزعل.. السنع ماحد يزعل منه
أم هيا وهي تهمس بصوت واطي وتقول بنبرة اهتمام:
يمه أنا أبي أقول شيء مهم أبيه بيني وبينك
***************************
اليوم التالي
الدوحة
العصر
كان محمد خارجا من صلاة العصر.. قابل رجلا لم يقابله منذ مدة طويلة
فحلف عليه أن يتعشى عنده..
أتصل على راكان وناصر يريد أن يحضر أحدهما ذبيحة
لأن السواق لديه إجازة يوم الجمعة..
وجد الاثنين في التدريب..
ناصر في تدريب الفروسية، وراكان في تدريب الرماية..
فاتصل بفارس
فارس ذهب لإحضار الذبيحة ووجدها فرصة أن يفاتح عمه في موضوع أنه لا يريد العنود
وخصوصا أنه انتهى من إبلاغ أمه وأبناء عمه
وتبقى فقط عمه الذي هو المهمة الأصعب
فهو لا يريد أن يحزَّ هذا الشيء في خاطر عمه أو يضايقه
فارس لم يكن لديه أي اعتراض على العنود سوى إحساسه إنها فُرضت عليه
وهو يكره أن يُفرض عليه شيئا..
وهذه هي تربية مشعل شقيق العنود له
رباه أن يكون قاسياً.. جلفاً.. واستقلالياً
وهاهو يحصد تربيته في رفض فارس لشقيقته
بعد أن أحضر فارس الذبيحة.. نزل لعمه في المجلس
مال على أنف عمه وقبله: مساك الله بالخير يبه
أبو مشعل: هلا والله مساك الله بالنور والسرور.. جبت الذبيحة؟؟
فارس بهدوء: في السيارة
أبو مشعل بود: ولا عليك أمر.. ودها داخل البيت..للمطبخ الخارجي
فارس بثقة: إن شاء الله.. بس أول فيه شيء أبي أقوله لك..
أبو مشعل باستفسار: سم
فارس يسحب نفسا عميقا : سم الله عدوك..
أنت يبه عارف إنك إبي.. وعيالك كلهم أخواني
أبو مشعل: أكيد يا أبيك مافيه شك..
فارس بثقة وكأنه يتحدث في موضوع اعتيادي: والعنود بعد أعدها مثل أختي..
أبو مشعل بتوجس: والمعنى يا أبيك؟؟
فارس بهدوء: العرس قسمة ونصيب، وابن آدم مايدري وين نصيبه
والعنود الله كاتب لها نصيبن أحسن مني.. وأهم شيء إنك ما تأخذ على خاطرك مني..
أبو محمد حاول ابتلاع الصدمة التي هزته
والتي ألقاها فارس فوق رأسه بكل بساطة
فالعنود خُطبت منه كثيرا وكان عذره الدائم أن ابن عمها فارس بن سعود يريدها
ماذا سيقول الناس الآن؟؟
ماعيب ابنته حتى يتركها ابن عمها؟!!
هل يا ترى يطلب من عبدالله أن يخطبها لمشعل
رغم أن مشعل كان هو من تنازل عنها لفارس لأنه يعتبرها مثل أخت صُغرى له
وما به فارس؟؟ ولماذا يرفض ابنته؟؟
ورغم كل هذه الأفكار المرَّة التي التهمت تفكير محمد، إلاَّ أنه سحب نَفساً عميقأً وهو يقول:
وكاد يا إبيك وكاد.. العرس قسمة نصيب والإنسان مايأخذ إلا نصيبه، وأنت تراك ولدي أول وأخر..
فارس وقف بثقة وهو يقبل رأس عمه: الله لا يخليني منك.. أنا رايح أنزل الذبيحة
في ذات الوقت
في مطبخ بيت محمد بن مشعل الخارجي
كانت مريم تجلس على الكرسي
والعنود تجلس على الطاولة وتحرك رجليها جيئة وذهابا وتقول بمرح:
أما أمش هذي غريبة.. الحين فيه خدامتين هنا إلا لازم تدخلني المطبخ..
مريم بمرح هادئ: تدرين أمي ماتحب تاكن الذبايح على الخدامات..
وهذا أنا جاية معش أسوي لش مساندة معنوية.. لا تقطعين يدش ولا رجلش يالدلوعة
العنود تضحك: حرام عليش اللي يسمع بس يقول أني مابعد سويت ذبايح
فيه حد في بيت محمد بن مشعل ويتدلع.. ماعندكم دلع غير كرف المطابخ
مريم تضحك: خلينا نعلمش الطبخ عشان إذا رحتي لبيت فارس ماتفضحينا
ويقول ماعلمتوا بنتكم طبخ الذبايح..
العنود تضحك بعذوبة: ليه هو فارس ولد عمش يعرف يذبح ذبايح
تصدقين أحس إنه يخاف يشوف الخروف المذبوح
يمكن لا شاف الدم يغمى عليه
مريم بدفاع : إذا فارس مايعرف الذبايح أجل من اللي يعرفها؟؟
العنود تبتسم: يعرفها رجّال صدق مثل أخواني، مهوب ولد عمش الناعم
ثم أكملت بمرح: صحيح أنا حلوة وأجنن وأطيح الطير من السما
بس يا أختي هو أحلى مني، أشلون اخذ رجّال أحلى مني
ثم أكملت بمرح ماسخ: وإلا تدرين يا أختي على زينه ونعومته أخاف يطلع جنس ثالث
ترفة على قولت الكويتيين وأتورط فيه
مريم بغضب: عيب يا العنود.. احشمي ولد عمش..
فارس رجّال غصبا عنش..واقصري ذا الحكي الماصخ
العنود تضحك: فديت اللي زعلوا عشان ولد عمهم الدلوعة الكتكوتة
" مــــــــريم.. مـــــريــــــــم"
صوت رجولي خشن مرعب متوحش غاضب ملتهب
قادم من خارج المطبخ قاطع حديثهما
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الثاني عشر
" مـــــــــــــــريم.. مـــــــريــــــــم"
صوت رجولي خشن مرعب متوحش غاضب ملتهب
قادم من خارج المطبخ قاطع حديثهما
قبل هذا الموقف بدقيقة
كان فارس يصل إلى المطبخ الخارجي وكان على وشك مناداة الخادمة لتأخذ الذبيحة
إلاَّ أنه استغرب سماع اسمه
كان صوت مريم الذي يعرفه جيدا.. فمريم بمثابة أخت كُبرى لهم جميعا
كانت تقول: خلينا نعلمش الطبخ عشان إذا رحتي لبيت فارس ماتفضحينا
ويقول ماعلمتوا بنتكم طبخ الذبايح..
شعر حينها فارس بالحرج وبشيء من الحزن
لأنه علم أنها تخاطب العنود
كره أن تكون العنود قد رسمت لها حياة معه..
بينما هو قطع كل مابينهما قبل دقائق
(خلاص مسيرها بتدري إن نصيبها مهوب معي.. الله يكتب لها الخير)
ثم هزه بعنف ضحكة عذبة
ثم نعومة الصوت الذي سمعه يرد على مريم..
الصوت الذي يسمعه لأول مرة
صوتٌ غصباً عنه حرك بعمق حاد أوتار رجولته بنعومته وغنجه وأنوثته..
ولكن فحوى الكلمات التي حملها الصوت الناعم نحرته
انتفخت أوداجه غضبا كاسحا..
وأحمَّرَ وجهه الأبيض حتى كاد الدم يتفجر من رأسه
وهو يشعر أن عروقه على وشك التمزق من تدفق الدم..
تمنى أن من قال هذا الكلام كان رجلاً حتى يدفنه في مكانه..
الرجال أنفسهم لا يجرؤ أحد منهم أن يتجرأ على فارس بكلام أقل من هذا
فكيف تفعل هذا ابنة عمه؟!!
كانت عقدة فارس أنه شديد الوسامة..
هل سمعتم بعقدة كهذه؟؟
كان فارس بالغ الوسامة إلى درجة مفرطة..و عيناه واسعتان ناعستان بصفين كثيفين من الأهداب الطويلة ..
شفتاه ورديتان نديتيان بطبيعية.. وبشرته بيضاء محمرة شديدة الصفاء
حين كان صغيرا.. كان الجميع يظن أنه فتاة لشدة جماله ونعومته
وكانت والدته تخشى عليه العين.. ولا تحب أن تخرج به إلى أي مكان
حين بلغ الخامسة.. بدأ جده يصرُّ أن يأتيه للمجلس.. وكان يذهب به لكل مكان..
في يومٍ كان خارجاً به من المسجد
وكان مشعل بن محمد تأخر عنهم في لبس حذاءه
فسمع شباب يقفون بالقرب من المسجد ويأشرون على فارس بإيحاءات قذرة
توقف مشعل وتعارك معهم عراكا كبيرا
حينها بدأ اهتمام مشعل بفارس وخوفه عليه
أدخله نادي للكاراتيه والمصارعة وهو في سن الخامسة، وسجل مشعل معه لخوفه عليه
واستمر فارس في النادي لعدة سنوات
ومشعل يدفع في عروقه كل ما يستطيع من القسوة والجلافة
حين كان فارس في المدرسة ويناديه أحدهم بالحلوة
كان من يقولها قد باع نفسه، لأن فارس كان كان سيكسره تكسيرا
كثرت معارك فارس ودخوله للحجز المؤقت بعد كل عِراك
بعدها توقف الجميع عن التحرش به
لأنه لا أحد يستطيع مناطحته
هذه المعارك تركت آثارها على وجه فارس..
ولكن بصورة عذبة زادت ملامحه وسامة رجولية :
فهناك قطع في طرف حاجبه اليمين قسم حاجبه من طرفه قسمين
وقطع في طرف شفته السفلية من الناحية اليسار..
أما الملمحان الأكثر رجولة في فارس فهما
صوته العميق الشديد الخشونة
ولحية عارضه التي يخففها دائما بطريقة (الديرتي)
في محاولة لإعطاء ملامحه قسوة مقصودة في تمازج سوادها مع بياض بشرته..
ورغم تجاوز فارس لنعومة وجهه بعد ظهور الشعر على وجهه منذ كان في الرابعة عشرة
إلا أن هذا الأمر ظل حديثاً ممنوعاً طرحه أمامه..
إلا أن كان أحدهم يريد أن يُضرب أو يتعرض لسيلٍ كاسحٍ من الكلمات القاسية
وهاهو فارس اليوم يسمع إهانة من نوع جديد
إهانة لم يسمع مثلها حتى وهو مراهق
فيسمعها اليوم من ابنة عمه التي (كان) يُفترض أن تصبح زوجته
صرخ بمريم بصوته المرعب الذي كان عامرا بالغضب الناري:
" مـــــــــــــــريم.. مــــــــريــــــــم"
العنود بخوف: يمه من ذا صوته اللي يروع؟؟؟
مريم برعب وهي تهمس: الله ياخذش.. الله ياخذش.. أنتي ولسانج الطويل اللي يبي قص..
إن شاء الله مايكون سمعش
ثم رفعت مريم صوتها وهي تقول: جايه جايه فارس..
العنود ما أن سمعت اسم فارس، حتى شعرت كما لو أن جلد وجهها قد سُلخ
وقلبها تصطرع به طبول حرب مجنونة من تسارع دقاته وعجزها عن سحب أنفاسها
تراجعت للخلف وهي ترفع قدميها على الطاولة وتضم ساقيها لصدرها وهي ترتعش.
فهي تعرف أنها أخطأت والكلام الذي قالته كلام لا يُقال..
مريم أنزلت جلالها على وجهها وغطته وتوجهت لباب المطبخ
وهي تحاول أن تقول بنبرة ترحيب اعتيادية: هلا والله بفارس.. حياك الله
فارس بذات النبرة المرعبة وهو واقف خارج المطبخ قريب من الباب
وبدون أن يرد على سلام مريم: الذبيحة عند الباب خلي الخدامات يأخذونها
وقولي للي وراش دواها عندي، الجنس الثالث بيوريها شغلها
إذا ماخليتها تندم ألف مرة على كل كلمة قالتها ما أكون ولد سعود بن مشعل
عطران الشوارب ما يتجرون علي.. تجرأ هي علي
فارس قال كلمته وانسحب عائدا للمجلس
بينما العنود انخرطت في بكاء حاد وهي تقفز من مكانها وترتمي في حضن مريم:
بيذبحني يا مريم بيذيحني.. خلاص ما أبيه.. ما أبيه..
.. إن خذته بيذبحني.. تكفين قولي لابي ما أبيه..
فارس عاد لعمه في المجلس وأطرافه وتفكيره وعروقه تتآكل جراء غضبه المدمر
وتفكير جديد مرعب يتشكل في أعماقه المجروحة من قسوة الإهانة وحدتها
جلس بجوار عمه وهو يقول لعمه بنبرة عميقة : طلبتك
عمه انتفض من الحمية: عطيتك..
فارس بثقة مرعبة: بأروح أجيب المملك وملكني الحين
عمه باستغراب: أملكك من؟؟
فارس بنبرة خاوية: العنود..
محمد باستغراب كبير: توك يا أبيك تقول ما تبيها!!
فارس وألف تفكير يسيطر عليه يقول بنبرة خاصة: جهل مني يبه..
وإلا حد يعيف العنود شيخة البنات..
محمد استغرب انقلاب فارس
ولكن لأنه كان ينتظر هذه الخطوة منذ زمن
ويعلم أن العنود موافقة عليه.. لذا لم يرد فارس:
خلاص ولا يهمك، كلم عيال عمك، وانا بأكلم عمك عبدالله، وجيب المملك عقب المغرب
فارس بعمق: وأبي عرسي مع عرس ناصر عقب 3 شهور..
مشاعل أختي والعنود أخت ناصر.. يعني خلنا نخلي الفرح فرحين
محمد بتوجس: ما تشوف أنك مستعجل يا أبيك
البنت باقي عليها السنة ذي والسنة الجاية لين تخلص جامعتها
فارس بثقة ورجاء: وأنا ماني بطاردها تكمل جامعتها..
تكفى يبه.. ماقد طلبتك شيء قدام ذا
وفعلا كان محمد مستغربا من إصرار فارس
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يطلب منه شيئا
قال له بود: توكل على الله
*********************
بيت عبدالله بن مشعل
كان عبدالله راجعا من صلاة العصر
وأنهى للتو مكالمة مع ابنه مشعل
مكالمة بعثت في قلب عبدالله سعادة لا حدود لها بما جاء فيها من أخبار
كان عبدالله يكاد أن يركض بحثا عن والدته
كان يريد أن تكون أول من يسمع الخبر..
كان يريد أن يرى التماع عينيها حين تسمعه..
أن يشعر بارتعاش كفيها بين يديه..
أن يعيد لها بعضا من حلم ضاع
حلمٌ اُستل من بين أحضانها.. وحتى ذكرياته اُنتزعت من خيالها
كان وجود فارس أمامها يصبرها على فقدان سعود
ولكن سلطان رحل
وما ترك لها سوى الحسرة المحرقة التي ظلت تحرق أحشائها
وتطويها بوجع لا نهائي
لا طيفٌ له.. ولا بعض من رائحته.. ولا روح تنبض تذكرها بنبضه
مجرد ذكرى بوجع صِرف مرٍّ
عبدالله دخل بيته وهو مقطوع الأنفاس..
وجد أم مشعل ومشاعل في الصالة وأمامهن قهوة العصر في انتظار الجدة
التي ما خرجت من غرفتها بعد صلاة العصر
عبدالله بلهفة بنبرة صوته المنهكة من سرعته في المشي: وين أمي؟؟
أم مشعل ومشاعل بقلق: عسى ما شر؟؟
عبدالله بنفاذ صبر: وين أمي؟؟
أم مشعل بتوتر: في غرفتها
كان عبدالله على وشك الدخول لها لولا أنها خرجت تتهادى بارتكازها على عصاها
وكتفاها المنحنيان وتجاعيد عينيها البارزتين عبر فتحات برقعها
تشي بسنواتها الخمسة والسبعين التي كابدت فيها من الآلام الكثير..
وهي تقول بهدوء: تبيني يا بو مشعل؟؟
عبدالله بلهفة: إيه.. عندي لش علمن زين.. بس اقعدي أول
قامت مشاعل لتساعد جدتها على الجلوس
التي ما أن استوت جالسة حتى قالت لعبدالله بذات الهدوء: خير إن شاء الله؟؟
عبدالله جلس جوارها وهو يحتضن يدها ويقول بفرح ولهفة غامرين:
مشعل توه مسكر مني.. يقول إنه عيّن بنت سلطان الله يرحمه ومرته عنده في أمريكا
***********************
محمد دخل إلى بيته.. ونادى مريم وأم مشعل ليخبرهم بموعد الملكة..
أم مشعل أخذت الموضوع ببساطة لأنها كانت تتوقعه
مريم توترت وخصوصا أن والدها طلب منها أن تخبر العنود أن ملكتها ستكون بعد المغرب
لم تعرف ماذا تقول؟؟ أو كيف تتصرف؟؟
ولكن مريم في نهاية الأمر فكرت أن الأمر لا يعدو أن يكون غضب شباب
ولم تحاول أن تربط بين سماع فارس لهم وموعد عقد القران المفاجئ
لأنها قررت ألآ تحمل الموضوع أكثر مما يحتمل..
واعتقدت أن فارس أصلا كان قد جاء اليوم لإنفاذ عقد القران
توجهت بخطوات مترددة لغرفة العنود التي كانت منهمكة في بكاء طفولي حاد
كانت العنود ببراءتها وعذوبتها شديدة الحزن والتمزق..
لم تكن تريد أن تجرح فارس بهذه القسوة ولم تقصد..
(عمره ماسمع صوتي.. ويوم الله كتب إنه يسمعني عشان أسمعه ذا الكلام اللي يسم..
والله أني ما أقصد.. ما أقصد)
مريم فتحت الباب بتردد.. مزَّقها سماعها لبكاء صغيرتها الموجع
فهي من ربت هذه الصغيرة.. نعم أفرطت في دلالها..
ولكنها تعلم أنها أحسنت تربيتها، وأنه معدنها الأصيل سيحكمها في المواقف الجدية.
مريم تقترب من سريرها وتجلس إلى جوارها وتهمس لها بحنان ومساندة:
عنادي قومي.. أبي أقول لش شي
العنود رفعت رأسها عن مخدتها ووضعتها على فخذ مريم
وهي مستمرة في بكاءها النحيبي..
تمزقت مريم وهي تشعر بالبلل يغرق فخذها
والعنود تهتف بصوت متعب من كثرة البكاء ورأسها مدفون في فخذ مريم:
والله أني ما أقصد يا مريم.. أنا ماني بشريرة لذا الدرجة..
ليت لساني انقطع ولا قلت كلمة من الكلام اللي قلته.. والله أني ما أعرف أشلون قلته..
تنهدت مريم (كثيرٌ على صغيرتي كل هذا الألم!!) :
قومي يا قلبي غسلي وجهش.. فيه شيء مهم لازم أقول له.. ولازم تكونين هادية وأنتي تسمعينه
توترت العنود (أنا ناقصة بعد!!)
ولكنها توجهت للحمام وغسلت وجهها بماء بارد..
ثم أخذت نفسا عميقا وتوجهت لمريم وجلست لجوارها وهي تسمي باسم الله: وش فيه مريم؟ خوفتيني؟
مريم بهدوء وبنبرة مساندة: خليش من الموقف اللي صار اليوم.. فارس نفسه وش رايش فيه؟؟
العنود بتوجس: رجّال والنعم فيه
مريم بذات النبرة المساندة: وأنتي أساسا كنتي موافقة عليه؟؟
العنود وقفت، وهي تهتف بارتعاش:
كنت موافقة عليه قبل اللي صار اليوم.. بس الحين أشلون أحط عيني في عينه
مريم تحسست الجسد اللين الناعم الواقف بجوارها حتى وصلت ذراعها وشدتها
وهي تُجلسها لجوارها: بس أنتي عارفة إنه كل الناس عارفين إنه أنتي بتاخذين فارس..
وش تبينهم يقولون عليش؟؟
العنود بتوتر: يقولون اللي يقولونه ما يهمني
مريم وهي تستخدم ورقة الضغط الأخيرة: وأبيش وأخوانش بعد ما يهمونش
ولا يهمش كلام الناس عليهم؟!!!
العنود انتفضت بعنف، وهي تقول بإعياء مؤلم مُستنزَف: مريم أنتي وش تبين؟؟
مريم وهي تلقي الخبر القنبلة وتحاول أن تغلفه بالهدوء:
ملكتش عقب المغرب
" مـــــــــــــــريم.. مـــــــريــــــــم"
صوت رجولي خشن مرعب متوحش غاضب ملتهب
قادم من خارج المطبخ قاطع حديثهما
قبل هذا الموقف بدقيقة
كان فارس يصل إلى المطبخ الخارجي وكان على وشك مناداة الخادمة لتأخذ الذبيحة
إلاَّ أنه استغرب سماع اسمه
كان صوت مريم الذي يعرفه جيدا.. فمريم بمثابة أخت كُبرى لهم جميعا
كانت تقول: خلينا نعلمش الطبخ عشان إذا رحتي لبيت فارس ماتفضحينا
ويقول ماعلمتوا بنتكم طبخ الذبايح..
شعر حينها فارس بالحرج وبشيء من الحزن
لأنه علم أنها تخاطب العنود
كره أن تكون العنود قد رسمت لها حياة معه..
بينما هو قطع كل مابينهما قبل دقائق
(خلاص مسيرها بتدري إن نصيبها مهوب معي.. الله يكتب لها الخير)
ثم هزه بعنف ضحكة عذبة
ثم نعومة الصوت الذي سمعه يرد على مريم..
الصوت الذي يسمعه لأول مرة
صوتٌ غصباً عنه حرك بعمق حاد أوتار رجولته بنعومته وغنجه وأنوثته..
ولكن فحوى الكلمات التي حملها الصوت الناعم نحرته
انتفخت أوداجه غضبا كاسحا..
وأحمَّرَ وجهه الأبيض حتى كاد الدم يتفجر من رأسه
وهو يشعر أن عروقه على وشك التمزق من تدفق الدم..
تمنى أن من قال هذا الكلام كان رجلاً حتى يدفنه في مكانه..
الرجال أنفسهم لا يجرؤ أحد منهم أن يتجرأ على فارس بكلام أقل من هذا
فكيف تفعل هذا ابنة عمه؟!!
كانت عقدة فارس أنه شديد الوسامة..
هل سمعتم بعقدة كهذه؟؟
كان فارس بالغ الوسامة إلى درجة مفرطة..و عيناه واسعتان ناعستان بصفين كثيفين من الأهداب الطويلة ..
شفتاه ورديتان نديتيان بطبيعية.. وبشرته بيضاء محمرة شديدة الصفاء
حين كان صغيرا.. كان الجميع يظن أنه فتاة لشدة جماله ونعومته
وكانت والدته تخشى عليه العين.. ولا تحب أن تخرج به إلى أي مكان
حين بلغ الخامسة.. بدأ جده يصرُّ أن يأتيه للمجلس.. وكان يذهب به لكل مكان..
في يومٍ كان خارجاً به من المسجد
وكان مشعل بن محمد تأخر عنهم في لبس حذاءه
فسمع شباب يقفون بالقرب من المسجد ويأشرون على فارس بإيحاءات قذرة
توقف مشعل وتعارك معهم عراكا كبيرا
حينها بدأ اهتمام مشعل بفارس وخوفه عليه
أدخله نادي للكاراتيه والمصارعة وهو في سن الخامسة، وسجل مشعل معه لخوفه عليه
واستمر فارس في النادي لعدة سنوات
ومشعل يدفع في عروقه كل ما يستطيع من القسوة والجلافة
حين كان فارس في المدرسة ويناديه أحدهم بالحلوة
كان من يقولها قد باع نفسه، لأن فارس كان كان سيكسره تكسيرا
كثرت معارك فارس ودخوله للحجز المؤقت بعد كل عِراك
بعدها توقف الجميع عن التحرش به
لأنه لا أحد يستطيع مناطحته
هذه المعارك تركت آثارها على وجه فارس..
ولكن بصورة عذبة زادت ملامحه وسامة رجولية :
فهناك قطع في طرف حاجبه اليمين قسم حاجبه من طرفه قسمين
وقطع في طرف شفته السفلية من الناحية اليسار..
أما الملمحان الأكثر رجولة في فارس فهما
صوته العميق الشديد الخشونة
ولحية عارضه التي يخففها دائما بطريقة (الديرتي)
في محاولة لإعطاء ملامحه قسوة مقصودة في تمازج سوادها مع بياض بشرته..
ورغم تجاوز فارس لنعومة وجهه بعد ظهور الشعر على وجهه منذ كان في الرابعة عشرة
إلا أن هذا الأمر ظل حديثاً ممنوعاً طرحه أمامه..
إلا أن كان أحدهم يريد أن يُضرب أو يتعرض لسيلٍ كاسحٍ من الكلمات القاسية
وهاهو فارس اليوم يسمع إهانة من نوع جديد
إهانة لم يسمع مثلها حتى وهو مراهق
فيسمعها اليوم من ابنة عمه التي (كان) يُفترض أن تصبح زوجته
صرخ بمريم بصوته المرعب الذي كان عامرا بالغضب الناري:
" مـــــــــــــــريم.. مــــــــريــــــــم"
العنود بخوف: يمه من ذا صوته اللي يروع؟؟؟
مريم برعب وهي تهمس: الله ياخذش.. الله ياخذش.. أنتي ولسانج الطويل اللي يبي قص..
إن شاء الله مايكون سمعش
ثم رفعت مريم صوتها وهي تقول: جايه جايه فارس..
العنود ما أن سمعت اسم فارس، حتى شعرت كما لو أن جلد وجهها قد سُلخ
وقلبها تصطرع به طبول حرب مجنونة من تسارع دقاته وعجزها عن سحب أنفاسها
تراجعت للخلف وهي ترفع قدميها على الطاولة وتضم ساقيها لصدرها وهي ترتعش.
فهي تعرف أنها أخطأت والكلام الذي قالته كلام لا يُقال..
مريم أنزلت جلالها على وجهها وغطته وتوجهت لباب المطبخ
وهي تحاول أن تقول بنبرة ترحيب اعتيادية: هلا والله بفارس.. حياك الله
فارس بذات النبرة المرعبة وهو واقف خارج المطبخ قريب من الباب
وبدون أن يرد على سلام مريم: الذبيحة عند الباب خلي الخدامات يأخذونها
وقولي للي وراش دواها عندي، الجنس الثالث بيوريها شغلها
إذا ماخليتها تندم ألف مرة على كل كلمة قالتها ما أكون ولد سعود بن مشعل
عطران الشوارب ما يتجرون علي.. تجرأ هي علي
فارس قال كلمته وانسحب عائدا للمجلس
بينما العنود انخرطت في بكاء حاد وهي تقفز من مكانها وترتمي في حضن مريم:
بيذبحني يا مريم بيذيحني.. خلاص ما أبيه.. ما أبيه..
.. إن خذته بيذبحني.. تكفين قولي لابي ما أبيه..
فارس عاد لعمه في المجلس وأطرافه وتفكيره وعروقه تتآكل جراء غضبه المدمر
وتفكير جديد مرعب يتشكل في أعماقه المجروحة من قسوة الإهانة وحدتها
جلس بجوار عمه وهو يقول لعمه بنبرة عميقة : طلبتك
عمه انتفض من الحمية: عطيتك..
فارس بثقة مرعبة: بأروح أجيب المملك وملكني الحين
عمه باستغراب: أملكك من؟؟
فارس بنبرة خاوية: العنود..
محمد باستغراب كبير: توك يا أبيك تقول ما تبيها!!
فارس وألف تفكير يسيطر عليه يقول بنبرة خاصة: جهل مني يبه..
وإلا حد يعيف العنود شيخة البنات..
محمد استغرب انقلاب فارس
ولكن لأنه كان ينتظر هذه الخطوة منذ زمن
ويعلم أن العنود موافقة عليه.. لذا لم يرد فارس:
خلاص ولا يهمك، كلم عيال عمك، وانا بأكلم عمك عبدالله، وجيب المملك عقب المغرب
فارس بعمق: وأبي عرسي مع عرس ناصر عقب 3 شهور..
مشاعل أختي والعنود أخت ناصر.. يعني خلنا نخلي الفرح فرحين
محمد بتوجس: ما تشوف أنك مستعجل يا أبيك
البنت باقي عليها السنة ذي والسنة الجاية لين تخلص جامعتها
فارس بثقة ورجاء: وأنا ماني بطاردها تكمل جامعتها..
تكفى يبه.. ماقد طلبتك شيء قدام ذا
وفعلا كان محمد مستغربا من إصرار فارس
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يطلب منه شيئا
قال له بود: توكل على الله
*********************
بيت عبدالله بن مشعل
كان عبدالله راجعا من صلاة العصر
وأنهى للتو مكالمة مع ابنه مشعل
مكالمة بعثت في قلب عبدالله سعادة لا حدود لها بما جاء فيها من أخبار
كان عبدالله يكاد أن يركض بحثا عن والدته
كان يريد أن تكون أول من يسمع الخبر..
كان يريد أن يرى التماع عينيها حين تسمعه..
أن يشعر بارتعاش كفيها بين يديه..
أن يعيد لها بعضا من حلم ضاع
حلمٌ اُستل من بين أحضانها.. وحتى ذكرياته اُنتزعت من خيالها
كان وجود فارس أمامها يصبرها على فقدان سعود
ولكن سلطان رحل
وما ترك لها سوى الحسرة المحرقة التي ظلت تحرق أحشائها
وتطويها بوجع لا نهائي
لا طيفٌ له.. ولا بعض من رائحته.. ولا روح تنبض تذكرها بنبضه
مجرد ذكرى بوجع صِرف مرٍّ
عبدالله دخل بيته وهو مقطوع الأنفاس..
وجد أم مشعل ومشاعل في الصالة وأمامهن قهوة العصر في انتظار الجدة
التي ما خرجت من غرفتها بعد صلاة العصر
عبدالله بلهفة بنبرة صوته المنهكة من سرعته في المشي: وين أمي؟؟
أم مشعل ومشاعل بقلق: عسى ما شر؟؟
عبدالله بنفاذ صبر: وين أمي؟؟
أم مشعل بتوتر: في غرفتها
كان عبدالله على وشك الدخول لها لولا أنها خرجت تتهادى بارتكازها على عصاها
وكتفاها المنحنيان وتجاعيد عينيها البارزتين عبر فتحات برقعها
تشي بسنواتها الخمسة والسبعين التي كابدت فيها من الآلام الكثير..
وهي تقول بهدوء: تبيني يا بو مشعل؟؟
عبدالله بلهفة: إيه.. عندي لش علمن زين.. بس اقعدي أول
قامت مشاعل لتساعد جدتها على الجلوس
التي ما أن استوت جالسة حتى قالت لعبدالله بذات الهدوء: خير إن شاء الله؟؟
عبدالله جلس جوارها وهو يحتضن يدها ويقول بفرح ولهفة غامرين:
مشعل توه مسكر مني.. يقول إنه عيّن بنت سلطان الله يرحمه ومرته عنده في أمريكا
***********************
محمد دخل إلى بيته.. ونادى مريم وأم مشعل ليخبرهم بموعد الملكة..
أم مشعل أخذت الموضوع ببساطة لأنها كانت تتوقعه
مريم توترت وخصوصا أن والدها طلب منها أن تخبر العنود أن ملكتها ستكون بعد المغرب
لم تعرف ماذا تقول؟؟ أو كيف تتصرف؟؟
ولكن مريم في نهاية الأمر فكرت أن الأمر لا يعدو أن يكون غضب شباب
ولم تحاول أن تربط بين سماع فارس لهم وموعد عقد القران المفاجئ
لأنها قررت ألآ تحمل الموضوع أكثر مما يحتمل..
واعتقدت أن فارس أصلا كان قد جاء اليوم لإنفاذ عقد القران
توجهت بخطوات مترددة لغرفة العنود التي كانت منهمكة في بكاء طفولي حاد
كانت العنود ببراءتها وعذوبتها شديدة الحزن والتمزق..
لم تكن تريد أن تجرح فارس بهذه القسوة ولم تقصد..
(عمره ماسمع صوتي.. ويوم الله كتب إنه يسمعني عشان أسمعه ذا الكلام اللي يسم..
والله أني ما أقصد.. ما أقصد)
مريم فتحت الباب بتردد.. مزَّقها سماعها لبكاء صغيرتها الموجع
فهي من ربت هذه الصغيرة.. نعم أفرطت في دلالها..
ولكنها تعلم أنها أحسنت تربيتها، وأنه معدنها الأصيل سيحكمها في المواقف الجدية.
مريم تقترب من سريرها وتجلس إلى جوارها وتهمس لها بحنان ومساندة:
عنادي قومي.. أبي أقول لش شي
العنود رفعت رأسها عن مخدتها ووضعتها على فخذ مريم
وهي مستمرة في بكاءها النحيبي..
تمزقت مريم وهي تشعر بالبلل يغرق فخذها
والعنود تهتف بصوت متعب من كثرة البكاء ورأسها مدفون في فخذ مريم:
والله أني ما أقصد يا مريم.. أنا ماني بشريرة لذا الدرجة..
ليت لساني انقطع ولا قلت كلمة من الكلام اللي قلته.. والله أني ما أعرف أشلون قلته..
تنهدت مريم (كثيرٌ على صغيرتي كل هذا الألم!!) :
قومي يا قلبي غسلي وجهش.. فيه شيء مهم لازم أقول له.. ولازم تكونين هادية وأنتي تسمعينه
توترت العنود (أنا ناقصة بعد!!)
ولكنها توجهت للحمام وغسلت وجهها بماء بارد..
ثم أخذت نفسا عميقا وتوجهت لمريم وجلست لجوارها وهي تسمي باسم الله: وش فيه مريم؟ خوفتيني؟
مريم بهدوء وبنبرة مساندة: خليش من الموقف اللي صار اليوم.. فارس نفسه وش رايش فيه؟؟
العنود بتوجس: رجّال والنعم فيه
مريم بذات النبرة المساندة: وأنتي أساسا كنتي موافقة عليه؟؟
العنود وقفت، وهي تهتف بارتعاش:
كنت موافقة عليه قبل اللي صار اليوم.. بس الحين أشلون أحط عيني في عينه
مريم تحسست الجسد اللين الناعم الواقف بجوارها حتى وصلت ذراعها وشدتها
وهي تُجلسها لجوارها: بس أنتي عارفة إنه كل الناس عارفين إنه أنتي بتاخذين فارس..
وش تبينهم يقولون عليش؟؟
العنود بتوتر: يقولون اللي يقولونه ما يهمني
مريم وهي تستخدم ورقة الضغط الأخيرة: وأبيش وأخوانش بعد ما يهمونش
ولا يهمش كلام الناس عليهم؟!!!
العنود انتفضت بعنف، وهي تقول بإعياء مؤلم مُستنزَف: مريم أنتي وش تبين؟؟
مريم وهي تلقي الخبر القنبلة وتحاول أن تغلفه بالهدوء:
ملكتش عقب المغرب
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الثالث عشر
بيت عبدالله بن مشعل
بعد صلاة العصر
كان عبدالله على وشك الدخول لغرفة أمه، لولا أنها خرجت تتهادى بارتكازها على عصاها..
وكتفاها المنحنيان وتجاعيد عينيها البارزتين عبر فتحات برقعها
تشي بسنواتها الخمسة والسبعين التي كابدت فيها من الآلام الكثير..
وهي تقول بهدوء: تبيني يا بو مشعل؟؟
عبدالله بلهفة: إيه.. عندي لش علمن زين.. بس اقعدي أول
قامت مشاعل لتساعد جدتها على الجلوس، التي ما أن استوت جالسة حتى قالت لعبدالله بذات الهدوء: خير إن شاء الله؟؟
عبدالله جلس جوارها وهو يحتضن يدها ويقول بفرح ولهفة غامرين:
مشعل توه مسكر مني.. يقول إنه عيّن بنت سلطان الله يرحمه ومرته عنده في أمريكا
ارتعشت يدها الساكنة في كف ابنها بعنف
وهي تبتلع ريقها بصوت مسموع دليلاً على توقف عبراتها في حلقها: بنت سلطان؟!!
نطقت الاسم حرفاً حرفاً كأنها تشرق بحلاوته..
كأنها تريد أن تتأكد أنها لا تحلم.. وأن هناك فعلا ابنة لسلطان..
رائحة لسلطان..
اسم يليه اسم سلطان..
امتداد لسلطان
(وآه يا سلطان.. آه.. ياوجع أمك وحسرتها!!)
عبدالله غصبا عنه تسللت دمعة أبية لعينيه
وهو يقول بصوت شديد التأثر: واسمها هيا بعد..
ثم أكمل بمرح عذب: يعني عييتي ماخليتني أسمي حد من بناتي عليش وهذا هو سلطان سمَّى عليش
ارتعشت بعنف وهي تهتف بجملة واحدة منتزعة من أقصى أعماقها الموجوعة:
أبي أشوفها.. أبي أشوفها.. تكفى يا عبدالله يأمك.. تكفى
انتفض عبدالله من الحمية..
لم يسمع أمه مطلقا تقول (تكفى) لأيِّ أحدٍ مطلقا
ولا حتى لمشعل الكبير حين طرد سلطان..
مسك عبدالله يدها باحترام وحبٍّ، وهو يرفعها ويطبع على ظاهرها قبلة احترام ويقول:
أبشري بسعدش يمه.. أبشري باللي بيجيبها عندش..
بس خليهم لين يخلصون بس ذا الفصل.. شهرين بس يالغالية.. شهرين..
واللي صبرش ذا السنين.. يصبرش ذا الكم يوم
**********************
بيت محمد بن مشعل
غرفة العنود
قبل المغرب
مريم بتأثر بالغ: العنود فديتش.. خلاص بسش بكا..
ما تبينه قمت كلمت مشعل يقول لأبي.. العرس مهوب غصيبة..
العنود ترفع رأسها عن مخدتها
ليظهر وجهها المحمر وعينيها الذابلتين من كثرة البكاء
وتقول بنبرة خاوية: لا يا مريم لا.. ما ني باللي أنزل رأس أبي وأخواني..
وفارس لو يبي يذبحني عقب العرس حلاله.. أنا أستاهل..
عشان أعرف أثمن الكلمة قدام أقطها
**************************
مجلس آل مشعل
بعد المغرب
رجال عائلة آل مشعل يجتمعون كلهم.. عدا مشعل بن عبدالله المتواجد في واشنطن
أبناء محمد يتبادلون نظرات مستغربة (كان قبل يومين يقول يبي أمه تختار له.. وش طرا عليه الحين؟؟)
قد يمنع مشعل وراكان إحساسهما المتضخم بالكرامة من سؤال فارس عن سبب تغيير رأيه
ولكن ناصر (رغم أنه لا يقل عنهما في اعتداده بنفسه وكرامته)
هو صديق مقرب من فارس ولا توجد حواجز بينهما
لذا مال على أذنه وهو يسأله بهمس فيه رنة غضب: ممكن أعرف وش غير رأيك؟؟
فارس بنبرة واثقة: غيرت رأيي في ويش؟؟
ناصر بغضب: فويرس الحركات ذي مهيب علي..
مهوب توك قبل يومين تبي أمك تختار لك، واليوم جاي تملك
ترا أختي مهيب ناقصة يد ولا رجل.. وألف من يتمناها..
فارس ببرود: أولا أنا فارس ماني بفويرس، ثانيا اعتبرني واحد من الألف اللي يتمنون أختك
وإلا منتو بشايفيني كفو لها؟؟
ناصر يقترب أكثر من أذن فارس ويهمس وهو يصرًّ على أسنانه بغضب أكبر:
فارس ثمن كلمتك..
فارس تنهد بعمق قد يكون يشتعل في داخله غضبا على العنود
ولكن أبناء عمه أكثر من أشقاء له، ولا ذنب لهم في مخططه طويل الأمد مع العنود
لذا رد على ناصر بأخوية: السموحة يا أخيك.. تذكر أنت يوم ملكتك كنت تهاد ذبان وجهك
وأنا ماغيرت رأيي، قلت اللي تختارها الوالدة، والوالدة ما اختارت غير العنود..
ناصر تراجع واعتدل في جلسته وأعصابه الثائرة تسكن
وراكان يميل على أذنه ليعرف ماذا قال له فارس
ثم ينتقل الهمس من راكان لمشعل
وهم في انتظار خال فارس الذي أصَّرَ أن يحضر الشيخ بنفسه
بعد دقائق كان خاله سعد (وابن عم محمد وعبدالله) يدخل عليهم بالشيخ
والفرحة بادية على محياه اللطيف
انتهت إجراءات العقد والشهود كانوا عبدالله وسعد
ثم طلب الشيخ أن يذهبوا به للعروس لأخذ موافقتها
فأخذه ناصر من المجلس لبيتهم
وقلوب تصطخب مشاعرها خلفه في المجلس
في قلب محمد وأبنائه نوع غريب من الشجن..
عميق وشفاف ومفعم بشوق مبكر لصغيرتهم..
رغم أنها ستخرج من منزلهم لمنزل مجاور
ولكنها ستخرج.. وهذا مايهم!!..
ستخرج لتصبح سيدة متزوجة مسؤولة عن بيت وزوج
أ يعقل؟؟ العنود؟!! سيدة متزوجة؟!!
هل سبق أن صحيتم من قيلولة طويلة وأنتم تشعرون برغبة مميتة في قطعة شيكولاته تذوب تحت ألسنتكم..
وتعدل مستوى السكر المنخفض وتعدل المزاج؟!!
هكذا العنود بالنسبة لأهلها الذين يعيشون مرحلة مابعد قيلولة دائمة..
هي نكهة الحياة الحلوة وبهجتها.. هي قطعة الشوكولا اللذيذة..
هي ابتسامتهم بشقاوتها.. بعذوبتها..
بدلالها الذي يشعرهم بحاجتها الدائمة للحماية
حتى لا تُخدش جوهرتهم الثمينة الشفافة..
وإذا كانت مريم ملجأهم ومصدر التفهم والحنان في أسرتهم..
فالعنود هي فرحتهم ومصدر إحساسهم بمتعة الحياة..
فارس كان في عالم آخر عكسي تماما..
عالم مختلف ومشاعر معاكسة مغايرة للحنان والشوق الذي يعمر قلب محمد وأبنائه
شعورٌ أسود مرّ مغلفٌ بحقد جديد..
العنود خدشت رجولته.. وأهانته..
وليس فارس من يسكت على الإهانة أو يبتلعها..
"ستندم هذه الحقيرة.. ستندم.. ستندم....ستندم"
هذه هي الكلمة التي كانت تدمدم في رأسه بوحشية.. كمطارق تهرس تلافيف مخه وتعيد تشكيلها في اتجاه واحد
.
.
العنود
.
ثم
.
.
العنود
عبدالله وسعد كانا في غاية السعادة ..
وخصوصا عبدالله الذي كانت فرحته هذه الليلة خاصة جدا وعميقة جدا..
وهو ينتظر انتهاء مراسيم الملكة ليخبر شقيقه وأبناءه بالعثور على ابنة شقيقهم الراحل..
*******************
وصل ناصر لبيتهم.. وكان قد اتصل بوالدته حتى تلبس العنود عباءتها ونقابها
العنود في غاية التوتر.. تعلم أن فارس لا بد غاضب عليها..
ولكن خيالاتها البريئة لم تصل إلى مستوى غضبه وحقده عليها..
(بيزعل علي يومين.. وعقبه بينسى!!) هكذا كان تفكيرها..
وتفكيرها لم يخلُ من غرور بجمالها وأنوثتها..
في اعتقادها لن يستطيع الصمود أمامها!! فهو رجلٌ أولا وأخيرا..
وللجمال هيبة وسلطان..
قبله مشعل صمد 13 عاما أمام جمال نادر لم يشعر بوجوده في حياته
رغم أنه يحترم لطيفة ويقدرها!!
فكيف فارس أمام العنود وهو الحاقد عليها؟!!
أصرت العنود أن تبقى مريم معها..
وكانت متشبثة بيدها كطفلٍ يخشى أن يضيع من أمه..
ومريم يهز أعماقها النبيلة ارتعاش أنامل شقيقتها وصوتها الذي يخرج مهتزاً لارتعاش فكها..
- موافقة يا ابنتي على فارس بن سعود بن مشعل آل فارس الــ
- مممم ... وووو.... ااااااا...فففف...ققققق... ــــة
ناصر يضحك: تصدقين بغيت أرقد بين الميم والتاء المربوطة... مشوار والله..
- أ عندك شروط يا ابنتي؟؟
- لللللللللا
ناصر يقبل رأسها ويقول لها بحنان: مبروك يا قلب أخيش..
فارس رجّال مافيه مثله.. إن شاء الله إنش ما تضامين في بيته..
الضيم.. الضيم... الضيم...
لِـمَ تذكره الآن يا ناصر؟!!
*********************
ذات الوقت ولكن بتوقيت آخر
الساعة التاسعة صباحا
واشنطن دي سي
جامعة جورج تاون
كانت هيا أنهت محاضرتها وخرجت من مبنى الكلية للحديقة الشاسعة أمامها
لتجلس قليلا في انتظار باكينام.. وتعود بعدها للبيت
لم تنتبه للصوت الذي كان يناديها منذ خرجت من المحاضرة
حتى اقترب منها
كان زميلها في المادة.. استوقفها الشاب الأمريكي
لأنه كان يود تصوير المحاضرة السابقة منها.. فهو يراها سريعة في الكتابة..
ابتسمت هيا غصبا عنها فلهجته كانت غريبة على أذنها نوعا ما
ووجدت صعوبة في فهمه، وهو ابتسم لأنه فهم أنها مستغربة لهجته
لأنها كانت تسأله أن يعيد كلامه..
الشاب بابتسامة لطيفة: أنا من لويزيانا معقل الجنوب، ونحن هنا في واشنطن معقل الشمال
بالتأكيد ستجدين اختلافا بين لهجاتنا..
وخصوصا أن لهجتك البريطانية راقية جدا وجعلتني أشعر كحثالة
هيا ابتسمت وهي تريد انهاء الحوار: العفو لا تقل هذا..
والمحاضرة أنا سأصورها لك.. وسأحضرها المحاضرة القادمة..
أخرج الشاب عددا من السنتات (السنت العملة الأمريكية الأصغر من الدولار 100 سنت تساوي دولارا واحدا)
ليعطيها لهيا..
هيا برفض: لا داعي.. فالمبلغ لا يستحق..
الشاب مستغرب فهم غير معتادين على الأريحية العربية المعتادة..
وكان مصرا أن تأخذ المال.. وهو مازال يلح وهيا ترفض..
فاجأهم صوتٌ بارد كالثلج حادٌ كنصل سكين مشحوذ
ولكن باللكنة الأمريكية الشمالية هذه المرة: هل اجتماع القمة هذا مستمر لفترة أطول بعد؟!!
الشاب الأمريكي ابتسم وهو يرفع رأسه للقامة الطويلة التي وقفت بينه وبين هيا:
ترفض أن تأخذ ثمن التصوير..
هيا مدت يدها وهو تقول ببرود: أعطني السنتات..
(كانت تريد إنهاء هذا الموقف كله)
كان الشاب على وشك وضع العملات المعدنية في كف هيا الممدودة
ولكنه فوجئ بكف ضخمة تنفتح فوق كف هيا دون أن تلمسها
لتسقط العملات فيها
ومشعل يميل على أذن هيا وهو يصر على أسنانه بغضب:
امسكي يده أحسن يا بنت سلطان
الشاب لم يهتم بما حدث.. وانسحب بعد أن أعطاهم السنتات
وهذا ما يهمه حتى يضمن تصويره حسب ظنه
هيا تلتفت ناحية مشعل وهي ترد ببرود: أمسك يده.. ما أمسكها موب شغلك
مشعل بغضب مكتوم: إلا شغلي ونص..
والله ثم والله.. لو ماعدلتي أسلوبش معي.. يا تشوفين شي ما شفتيه
هيا قلبت شفتيها باحتقار وازدراء وهي ترد بسخرية: عشتوا.. خوفتني صراحة.. تصدق بيغمى علي من الخوف..
مشعل ببرود: لهالدرجة شوفتي تطلع عدائيتش الغير طبيعية..
توش شدوقش بتطيح من التبسام للأمريكي..
هيا بنفس بروده: والله هو زميلي في المادة ومن الذوق ابتسم في وجهه..
بس الملاقيف اللي في إدارة الأعمال وش جابهم عند الاقتصاد..
مشعل يبتسم ابتسامة باردة وهو يرد عليها بثقة: والله أنا اروح وين ما أبي..
ما أنتظر أذن من حضرة سمو جنابش..
ثم ابتسم بسخرية وهو يرفع حاجبه و يقول: وأنا ما أتذكر إني قلت لش إني في إدارة.. شكلش متتبعة أخباري
هيا لم تسمح له أن يشعرها بالحرج، جاوبت ببرود: والله أنت بكبرك ما تهمني.. الملحق الثقافي هو اللي قال لي..
مشعل ببرود: يوم أنكرتي هلش عنده..
هيا بنفس بروده وهي تصر على أسنانها: أنا ماعندي أهل عشان أنكرهم.. ما قلت له غير الصدق..
وش تبيني أقول للملحق.. إيه عندي أهل بس رمونا كن حن زبالة..
مشعل وهو يهز رأسه: الحكي معش ضايع...
خلصي محاضراتش وأذلفي للبيت لأمش اللي قاعدة تنتاش..بدون فرفرة وهذرة في الجامعة
هيا بحدة: أنت يا ولد آل مشعل مالك دخل في أمي..
وأنت اللي أعرف مع من تتكلم..
ومو أنت اللي بتيي تعلمني أشلون أتصرف في حياتي..
مشعل ابتسم بسخرية: شنو تيي ذي؟؟ ما تعرفين تقولين تجي
أظني هذا حرف جيم مهوب ياء.. اعدلي لسانش ، وإحكي حكي هلش..
هيا ببرود حاد مغلف بسخرية أحد: والله هلي اللي أنت تقول رموني وما علموني حكيهم.. من وين أتعلمه؟؟ من الهوا..
مشعل ببرود واثق وهو يرد عليها بنفس سخريتها..
ليلقي عليها القنبلة التي هزتها بعنف:
عندش شهرين ونص تعلمينه لأنه أنتي والوالدة بتنزلون معي الدوحة في 20/12
بيت عبدالله بن مشعل
بعد صلاة العصر
كان عبدالله على وشك الدخول لغرفة أمه، لولا أنها خرجت تتهادى بارتكازها على عصاها..
وكتفاها المنحنيان وتجاعيد عينيها البارزتين عبر فتحات برقعها
تشي بسنواتها الخمسة والسبعين التي كابدت فيها من الآلام الكثير..
وهي تقول بهدوء: تبيني يا بو مشعل؟؟
عبدالله بلهفة: إيه.. عندي لش علمن زين.. بس اقعدي أول
قامت مشاعل لتساعد جدتها على الجلوس، التي ما أن استوت جالسة حتى قالت لعبدالله بذات الهدوء: خير إن شاء الله؟؟
عبدالله جلس جوارها وهو يحتضن يدها ويقول بفرح ولهفة غامرين:
مشعل توه مسكر مني.. يقول إنه عيّن بنت سلطان الله يرحمه ومرته عنده في أمريكا
ارتعشت يدها الساكنة في كف ابنها بعنف
وهي تبتلع ريقها بصوت مسموع دليلاً على توقف عبراتها في حلقها: بنت سلطان؟!!
نطقت الاسم حرفاً حرفاً كأنها تشرق بحلاوته..
كأنها تريد أن تتأكد أنها لا تحلم.. وأن هناك فعلا ابنة لسلطان..
رائحة لسلطان..
اسم يليه اسم سلطان..
امتداد لسلطان
(وآه يا سلطان.. آه.. ياوجع أمك وحسرتها!!)
عبدالله غصبا عنه تسللت دمعة أبية لعينيه
وهو يقول بصوت شديد التأثر: واسمها هيا بعد..
ثم أكمل بمرح عذب: يعني عييتي ماخليتني أسمي حد من بناتي عليش وهذا هو سلطان سمَّى عليش
ارتعشت بعنف وهي تهتف بجملة واحدة منتزعة من أقصى أعماقها الموجوعة:
أبي أشوفها.. أبي أشوفها.. تكفى يا عبدالله يأمك.. تكفى
انتفض عبدالله من الحمية..
لم يسمع أمه مطلقا تقول (تكفى) لأيِّ أحدٍ مطلقا
ولا حتى لمشعل الكبير حين طرد سلطان..
مسك عبدالله يدها باحترام وحبٍّ، وهو يرفعها ويطبع على ظاهرها قبلة احترام ويقول:
أبشري بسعدش يمه.. أبشري باللي بيجيبها عندش..
بس خليهم لين يخلصون بس ذا الفصل.. شهرين بس يالغالية.. شهرين..
واللي صبرش ذا السنين.. يصبرش ذا الكم يوم
**********************
بيت محمد بن مشعل
غرفة العنود
قبل المغرب
مريم بتأثر بالغ: العنود فديتش.. خلاص بسش بكا..
ما تبينه قمت كلمت مشعل يقول لأبي.. العرس مهوب غصيبة..
العنود ترفع رأسها عن مخدتها
ليظهر وجهها المحمر وعينيها الذابلتين من كثرة البكاء
وتقول بنبرة خاوية: لا يا مريم لا.. ما ني باللي أنزل رأس أبي وأخواني..
وفارس لو يبي يذبحني عقب العرس حلاله.. أنا أستاهل..
عشان أعرف أثمن الكلمة قدام أقطها
**************************
مجلس آل مشعل
بعد المغرب
رجال عائلة آل مشعل يجتمعون كلهم.. عدا مشعل بن عبدالله المتواجد في واشنطن
أبناء محمد يتبادلون نظرات مستغربة (كان قبل يومين يقول يبي أمه تختار له.. وش طرا عليه الحين؟؟)
قد يمنع مشعل وراكان إحساسهما المتضخم بالكرامة من سؤال فارس عن سبب تغيير رأيه
ولكن ناصر (رغم أنه لا يقل عنهما في اعتداده بنفسه وكرامته)
هو صديق مقرب من فارس ولا توجد حواجز بينهما
لذا مال على أذنه وهو يسأله بهمس فيه رنة غضب: ممكن أعرف وش غير رأيك؟؟
فارس بنبرة واثقة: غيرت رأيي في ويش؟؟
ناصر بغضب: فويرس الحركات ذي مهيب علي..
مهوب توك قبل يومين تبي أمك تختار لك، واليوم جاي تملك
ترا أختي مهيب ناقصة يد ولا رجل.. وألف من يتمناها..
فارس ببرود: أولا أنا فارس ماني بفويرس، ثانيا اعتبرني واحد من الألف اللي يتمنون أختك
وإلا منتو بشايفيني كفو لها؟؟
ناصر يقترب أكثر من أذن فارس ويهمس وهو يصرًّ على أسنانه بغضب أكبر:
فارس ثمن كلمتك..
فارس تنهد بعمق قد يكون يشتعل في داخله غضبا على العنود
ولكن أبناء عمه أكثر من أشقاء له، ولا ذنب لهم في مخططه طويل الأمد مع العنود
لذا رد على ناصر بأخوية: السموحة يا أخيك.. تذكر أنت يوم ملكتك كنت تهاد ذبان وجهك
وأنا ماغيرت رأيي، قلت اللي تختارها الوالدة، والوالدة ما اختارت غير العنود..
ناصر تراجع واعتدل في جلسته وأعصابه الثائرة تسكن
وراكان يميل على أذنه ليعرف ماذا قال له فارس
ثم ينتقل الهمس من راكان لمشعل
وهم في انتظار خال فارس الذي أصَّرَ أن يحضر الشيخ بنفسه
بعد دقائق كان خاله سعد (وابن عم محمد وعبدالله) يدخل عليهم بالشيخ
والفرحة بادية على محياه اللطيف
انتهت إجراءات العقد والشهود كانوا عبدالله وسعد
ثم طلب الشيخ أن يذهبوا به للعروس لأخذ موافقتها
فأخذه ناصر من المجلس لبيتهم
وقلوب تصطخب مشاعرها خلفه في المجلس
في قلب محمد وأبنائه نوع غريب من الشجن..
عميق وشفاف ومفعم بشوق مبكر لصغيرتهم..
رغم أنها ستخرج من منزلهم لمنزل مجاور
ولكنها ستخرج.. وهذا مايهم!!..
ستخرج لتصبح سيدة متزوجة مسؤولة عن بيت وزوج
أ يعقل؟؟ العنود؟!! سيدة متزوجة؟!!
هل سبق أن صحيتم من قيلولة طويلة وأنتم تشعرون برغبة مميتة في قطعة شيكولاته تذوب تحت ألسنتكم..
وتعدل مستوى السكر المنخفض وتعدل المزاج؟!!
هكذا العنود بالنسبة لأهلها الذين يعيشون مرحلة مابعد قيلولة دائمة..
هي نكهة الحياة الحلوة وبهجتها.. هي قطعة الشوكولا اللذيذة..
هي ابتسامتهم بشقاوتها.. بعذوبتها..
بدلالها الذي يشعرهم بحاجتها الدائمة للحماية
حتى لا تُخدش جوهرتهم الثمينة الشفافة..
وإذا كانت مريم ملجأهم ومصدر التفهم والحنان في أسرتهم..
فالعنود هي فرحتهم ومصدر إحساسهم بمتعة الحياة..
فارس كان في عالم آخر عكسي تماما..
عالم مختلف ومشاعر معاكسة مغايرة للحنان والشوق الذي يعمر قلب محمد وأبنائه
شعورٌ أسود مرّ مغلفٌ بحقد جديد..
العنود خدشت رجولته.. وأهانته..
وليس فارس من يسكت على الإهانة أو يبتلعها..
"ستندم هذه الحقيرة.. ستندم.. ستندم....ستندم"
هذه هي الكلمة التي كانت تدمدم في رأسه بوحشية.. كمطارق تهرس تلافيف مخه وتعيد تشكيلها في اتجاه واحد
.
.
العنود
.
ثم
.
.
العنود
عبدالله وسعد كانا في غاية السعادة ..
وخصوصا عبدالله الذي كانت فرحته هذه الليلة خاصة جدا وعميقة جدا..
وهو ينتظر انتهاء مراسيم الملكة ليخبر شقيقه وأبناءه بالعثور على ابنة شقيقهم الراحل..
*******************
وصل ناصر لبيتهم.. وكان قد اتصل بوالدته حتى تلبس العنود عباءتها ونقابها
العنود في غاية التوتر.. تعلم أن فارس لا بد غاضب عليها..
ولكن خيالاتها البريئة لم تصل إلى مستوى غضبه وحقده عليها..
(بيزعل علي يومين.. وعقبه بينسى!!) هكذا كان تفكيرها..
وتفكيرها لم يخلُ من غرور بجمالها وأنوثتها..
في اعتقادها لن يستطيع الصمود أمامها!! فهو رجلٌ أولا وأخيرا..
وللجمال هيبة وسلطان..
قبله مشعل صمد 13 عاما أمام جمال نادر لم يشعر بوجوده في حياته
رغم أنه يحترم لطيفة ويقدرها!!
فكيف فارس أمام العنود وهو الحاقد عليها؟!!
أصرت العنود أن تبقى مريم معها..
وكانت متشبثة بيدها كطفلٍ يخشى أن يضيع من أمه..
ومريم يهز أعماقها النبيلة ارتعاش أنامل شقيقتها وصوتها الذي يخرج مهتزاً لارتعاش فكها..
- موافقة يا ابنتي على فارس بن سعود بن مشعل آل فارس الــ
- مممم ... وووو.... ااااااا...فففف...ققققق... ــــة
ناصر يضحك: تصدقين بغيت أرقد بين الميم والتاء المربوطة... مشوار والله..
- أ عندك شروط يا ابنتي؟؟
- لللللللللا
ناصر يقبل رأسها ويقول لها بحنان: مبروك يا قلب أخيش..
فارس رجّال مافيه مثله.. إن شاء الله إنش ما تضامين في بيته..
الضيم.. الضيم... الضيم...
لِـمَ تذكره الآن يا ناصر؟!!
*********************
ذات الوقت ولكن بتوقيت آخر
الساعة التاسعة صباحا
واشنطن دي سي
جامعة جورج تاون
كانت هيا أنهت محاضرتها وخرجت من مبنى الكلية للحديقة الشاسعة أمامها
لتجلس قليلا في انتظار باكينام.. وتعود بعدها للبيت
لم تنتبه للصوت الذي كان يناديها منذ خرجت من المحاضرة
حتى اقترب منها
كان زميلها في المادة.. استوقفها الشاب الأمريكي
لأنه كان يود تصوير المحاضرة السابقة منها.. فهو يراها سريعة في الكتابة..
ابتسمت هيا غصبا عنها فلهجته كانت غريبة على أذنها نوعا ما
ووجدت صعوبة في فهمه، وهو ابتسم لأنه فهم أنها مستغربة لهجته
لأنها كانت تسأله أن يعيد كلامه..
الشاب بابتسامة لطيفة: أنا من لويزيانا معقل الجنوب، ونحن هنا في واشنطن معقل الشمال
بالتأكيد ستجدين اختلافا بين لهجاتنا..
وخصوصا أن لهجتك البريطانية راقية جدا وجعلتني أشعر كحثالة
هيا ابتسمت وهي تريد انهاء الحوار: العفو لا تقل هذا..
والمحاضرة أنا سأصورها لك.. وسأحضرها المحاضرة القادمة..
أخرج الشاب عددا من السنتات (السنت العملة الأمريكية الأصغر من الدولار 100 سنت تساوي دولارا واحدا)
ليعطيها لهيا..
هيا برفض: لا داعي.. فالمبلغ لا يستحق..
الشاب مستغرب فهم غير معتادين على الأريحية العربية المعتادة..
وكان مصرا أن تأخذ المال.. وهو مازال يلح وهيا ترفض..
فاجأهم صوتٌ بارد كالثلج حادٌ كنصل سكين مشحوذ
ولكن باللكنة الأمريكية الشمالية هذه المرة: هل اجتماع القمة هذا مستمر لفترة أطول بعد؟!!
الشاب الأمريكي ابتسم وهو يرفع رأسه للقامة الطويلة التي وقفت بينه وبين هيا:
ترفض أن تأخذ ثمن التصوير..
هيا مدت يدها وهو تقول ببرود: أعطني السنتات..
(كانت تريد إنهاء هذا الموقف كله)
كان الشاب على وشك وضع العملات المعدنية في كف هيا الممدودة
ولكنه فوجئ بكف ضخمة تنفتح فوق كف هيا دون أن تلمسها
لتسقط العملات فيها
ومشعل يميل على أذن هيا وهو يصر على أسنانه بغضب:
امسكي يده أحسن يا بنت سلطان
الشاب لم يهتم بما حدث.. وانسحب بعد أن أعطاهم السنتات
وهذا ما يهمه حتى يضمن تصويره حسب ظنه
هيا تلتفت ناحية مشعل وهي ترد ببرود: أمسك يده.. ما أمسكها موب شغلك
مشعل بغضب مكتوم: إلا شغلي ونص..
والله ثم والله.. لو ماعدلتي أسلوبش معي.. يا تشوفين شي ما شفتيه
هيا قلبت شفتيها باحتقار وازدراء وهي ترد بسخرية: عشتوا.. خوفتني صراحة.. تصدق بيغمى علي من الخوف..
مشعل ببرود: لهالدرجة شوفتي تطلع عدائيتش الغير طبيعية..
توش شدوقش بتطيح من التبسام للأمريكي..
هيا بنفس بروده: والله هو زميلي في المادة ومن الذوق ابتسم في وجهه..
بس الملاقيف اللي في إدارة الأعمال وش جابهم عند الاقتصاد..
مشعل يبتسم ابتسامة باردة وهو يرد عليها بثقة: والله أنا اروح وين ما أبي..
ما أنتظر أذن من حضرة سمو جنابش..
ثم ابتسم بسخرية وهو يرفع حاجبه و يقول: وأنا ما أتذكر إني قلت لش إني في إدارة.. شكلش متتبعة أخباري
هيا لم تسمح له أن يشعرها بالحرج، جاوبت ببرود: والله أنت بكبرك ما تهمني.. الملحق الثقافي هو اللي قال لي..
مشعل ببرود: يوم أنكرتي هلش عنده..
هيا بنفس بروده وهي تصر على أسنانها: أنا ماعندي أهل عشان أنكرهم.. ما قلت له غير الصدق..
وش تبيني أقول للملحق.. إيه عندي أهل بس رمونا كن حن زبالة..
مشعل وهو يهز رأسه: الحكي معش ضايع...
خلصي محاضراتش وأذلفي للبيت لأمش اللي قاعدة تنتاش..بدون فرفرة وهذرة في الجامعة
هيا بحدة: أنت يا ولد آل مشعل مالك دخل في أمي..
وأنت اللي أعرف مع من تتكلم..
ومو أنت اللي بتيي تعلمني أشلون أتصرف في حياتي..
مشعل ابتسم بسخرية: شنو تيي ذي؟؟ ما تعرفين تقولين تجي
أظني هذا حرف جيم مهوب ياء.. اعدلي لسانش ، وإحكي حكي هلش..
هيا ببرود حاد مغلف بسخرية أحد: والله هلي اللي أنت تقول رموني وما علموني حكيهم.. من وين أتعلمه؟؟ من الهوا..
مشعل ببرود واثق وهو يرد عليها بنفس سخريتها..
ليلقي عليها القنبلة التي هزتها بعنف:
عندش شهرين ونص تعلمينه لأنه أنتي والوالدة بتنزلون معي الدوحة في 20/12
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الرابع عشر
مشعل ابتسم بسخرية: شنو تيي ذي؟؟ ما تعرفين تقولين تجي
أظني هذا حرف جيم مهوب ياء.. اعدلي لسانش ، وإحكي حكي هلش..
هيا ببرود حاد مغلف بسخرية أحد: والله هلي اللي أنت تقول رموني وما علموني حكيهم.. من وين أتعلمه؟؟ من الهوا..
مشعل ببرود واثق وهو يرد عليها بنفس سخريتها..
ليلقي عليها القنبلة التي هزتها بعنف:
عندش شهرين ونص تعلمينه لأنه أنتي والوالدة بتنزلون معي الدوحة في 20/12
هيا مازالت غير قادرة على الاستيعاب.. تعتقد أنها سمعت خطأ:
نعم.. وش تقول أنت؟؟
مشعل ببرود: من قال هاه سمع..
(مثل معناه: أنكِ سمعتي وفهمتي "يعني لا تستعبطين" )
هيا بحدة: ومن اللي قال أصلا أنا أبي أروح الدوحة في الكريسمس..
ولو أبي أروح مستحيل أروح معاك..
مشعل بثقة: بتروحين ورجلش فوق رقبتش..
أنا أصلا أبلغش قراري ما أخذ رايش..
هيا بغضبٍ مرٍّ وهو تصر على أسنانها وتكتم صوتها..
حتى لا ينتبه الطلاب الذين يقفون حولهم:
أنت يا أخ أنت تراك عطيت نفسك أكبر من حجمك..
أنا تجاوزت السن القانونية.. ولا لك ولا لغيرك حكم علي
مشعل بثقة: بتشوفين..
كانت هيا تجهز الكثير من الكلمات النارية
لولا أنها سمعت صوتا رجالياً ينادي مشعل من بعيد
بدون أن تنظر هيا أعطت للصوت ظهرها..
ولم يفت مشعل ملاحظة حركتها العفوية التي دلت على أخلاقها الرفيعة
قال لها مشعل ببرود واثق: هذا رفيقي يبيني..
وتراني جاي للاقتصاد أبيه.. يعني لا يروح بالش بعيد
وأنتي لا تكثرين فرفرة.. خلصي محاضراتش وروحي للبيت إلا لو تبيني أوصلش
هيا بغضب: فارق بس.. وبلا ما تستعبط..
أنت عارف البيت جنب الجامعة وأروح مشي..
مشعل لم يرد عليها رغم أنه كان يتمنى أن يرد عليها رداً يتناسب مع وقاحتها معه
ولكن سعيد كان ينتظره
لذا توجه لسعيد وابتعد الاثنان معا متوجهان للمكتبة
سعيد بخبث بريء: أشوفك واقف مع بنت العم..
مشعل بغضب حقيقي: سعيد أنت منت بتوك تعرفني..
أهل بيتي ومحارمي ما تجيب سيرتهم على لسانك..
وإلا والله ثم والله ليصير شيء ما يرضيك..
سعيد يضحك: خلاص يا ابن الحلال... سوري ثمن سوري.. أنت وأهل بيتك لكم الحشيمة..
السموحة.. قدام أبطحك هنا وأركب على صدرك عشان أحب خشمك
خبرك ما أقدر أوصل خشمك يا برج الاتصالات إلاَّ بذا الطريقة
*********************
بيت مشعل بن محمد
قبل صلاة العشاء
كانت لطيفة في غرفة أبنائها تدرس ابنها عبدالله ذي السنوات السبع، ومشغولة معه
رن محمولها.. ألتقطته وردت بترحيب عذب : هلا موضي..
موضي بصوت تملئه الفرحة: فارس تملك.. فارس تملك..
لطيفة بصدمة: صدق.. متى؟؟ ومن اللي قال لش؟؟
موضي بحماس: توه قبل شوي واللي قال لي فارس بنفسه..
لطيفة بحماس مشابه: الخايس فويرس.. يعني يقول لش وما يقول لي وأنا أخته الكبيرة..
موضي تدافع عنه: أكيد أنه اعتقد إن مشعل قال لش..
حست لطيفة بحزن شفاف في عمق قلبها..
(لو على مشعل.. أنا أخر من بيطري عليه يقول له شيء)
ولكنها تجاوزت مشاعرها الملتبسة وهي تقول بفرح
دون أن تسأل حتى من العروس، لشدة تأكدهم أنه لن يتزوج أحدا غير العنود:
يا حليله فارس.. ومتى العرس إن شاء الله.. أكيد على الصيف؟؟
موضي أطلقت ضحكة عالية وهي تقول بلؤم: بعد 3 شهور مع ناصر ومشاعل..
لطيفة بمرح: يمه ما عنده صبر.. ما ألومه..
هذا وهو ماشاف العنود.. إذا شافها وش بيسوي ..أكيد بتخبط المكينة عنده..
موضي بفرح: ماشاء الله عليهم اثنينهم.. شنو الولد بيجيبونه..
إذا أمه قمر وأبوه قمر..الله يوفقهم و يرزقهم..
لطيفة بحنان: ويرزقش أنتي بعد بالولد..
موضي باستنكار: لا إن شاء الله..
لطيفة برعب: استغفري ربش.. حد يقول كذا على نعمة ربي..
موضي بنبرة حزن مصفى وهي تتحسس خدها المزرقة من أثار ضرب حمد البارحة:
أجيب ولد يتعذب معي.. كفاية أنا
لطيفة بألم: ما تدرين يمكن ينصلح حال حمد إذا صار أبو..
موضي بألم أكبر: حمد ما يصلح حاله ولا حتى 10 بزارين..
وأكملت والعبرة تخنقها وتخنق روحها المتعبة:
أنتي الوحيدة اللي تعرفين يا لطيفة
حمد محتاج علاج نفسي .. وأنا تعبت.. والله تعبت
أحس ماعاد عندي طاقة أتحمل أكثر.. قربت أنهار
يعني بديت الناس كلهم على نفسي
ومستحملته عشان خاطر عمتي وخالي
وعشان حمد نفسه كاسر خاطري
بس خلاص.. انخنقت.. والله انخنقت
*********************
بيت محمد بن مشعل
صالة البيت الرئيسية
العنود من بعد (الملكة) وهي تقفل على نفسها في غرفتها
ومريم تجلس مع أمها في الصالة تتلقيان اتصالات الأقارب المهنئين بعقد قران العنود
رن محمول مريم وهو يطلق اسم "معالي" في الجو..
ابتسمت مريم وهي تلتقط هاتفها وترد فورا وقبل أن يقول الطرف الآخر أي شيء:
تكفين معالي ترا إحنا اللي مانشوف حاسة السمع عندنا حساسة.. ونسمع عدل..
تكفين قصري حسش.. خافي الله فيني.. تودين سمعي مع بصري..
ضحكة عالية على الطرف الآخر وصوت أنثوي واثق ومرح بكلمات متدافعة:
وينها دلوعتكم..؟؟ ليه مسكرة موبايلها..؟؟ مسوية فيها مستحية يعني...؟؟
مهوب علي ذا السوالف
يعني هي تأخذ فويرس المزيون وتغدر فيني الخايسة.. احنا متفقين نتشارك فيه
مريم تضحك: لا لا في هذي مافيه مشاركة..
معالي تضحك: يا أختي فارس ماشاء الله، فيه طول وعرض وزين يكفي أربع نسوان..
يعني يأخذ عنادي وأنا وخواتي.. نكمل له أربع..
وبعدين إذا هي بنت عمه.. حنا بنات عمته.. لازم يفك عنوستنا
مريم تضحك بصوت عالي.. لا تستطيع أن تحتمل مرح معالي الذي يصيبها بحالة هستيرية من الضحك:
ماعليه يأخذ (عالية) وإلا (علياء) أجاويد..
بس أنتي شرانية.. أختي مهيب قدش..
وبعدين وش عنوسته يا كافي توكم أعماركم 17 سنة..
معالي تضحك: عنوسة على اعتبار ما سيكون
في ذات الوقت
في منزل جابر بن حمد
زوج العمة نورة
العمة نورة قادمة من المطبخ تجفف يديها.. ويصلها صوت معالي العالي الضاحك
"معالي .. وصمخ قطاوة.. من اللي تكلمينها وتصايحين كذا كنش مفلوجة"
معالي وهي تضحك: يمه هذي مريم بنت خالي.. أبارك لها ملكة العنود
نورة بغضب: وجع قلب.. من متى والبنات يباركون بالملكة.. صدق إنكم جيل مافيه سحا
وإلا ليش أقول جيل.. أنتي اللي مافيش سحا.. متأكدة إنه لا علياء ولا عالية بيسونها..
معالي تنهي الاتصال.. وتعود لأمها وتحتضنها وهي تقول بمرح:
يمه تقارنيني ببناتش الكوبي والبيست .. أنا غير عنهم..
أم حمد بذات الغضب: من زينش يومش غير.. ليتش مثلهم في أدبهم..
معالي تضحك: نو نو نو.. مامي.. هذا موب اسمه أدب.. اسمه انعدام شخصية
يوم عندش ثنتين من دون شخصية.. وولد الله أعلم بشخصيته..
خليني الصاحية بين عيالش..
أم حمد مازالت مستمرة بالغضب: ليه الحكي بيوصل حمد بعد.. اقطعي واخسي يا بنت جابر..
معالي تبتسم: إيه جينا عند دلوع الماما.. ممنوع اللمس..
أم حمد وهي (خلاص) تعبت منها: فارقي وروحي إدعي خواتش للعشا
معالي تطلع السلالم متوجهه لغرفة شقيقتيها لتناديهما
العمة نورة عندها من الأبناء أربعة.. حمد في الحادية والثلاثين الآن
ولكنها بعد إنجاب حمد واجهت صعوبات في الحمل
وبعد رحلة طويلة من العلاج والمنشطات حملت بثلاثة توائم
هن معالي وعالية وعلياء
معالي كانت أولا وبعدها بربع ساعة علياء وعالية اللتان كانتا توأم متطابق
وبالفعل كانت معالي مختلفة شكلا ومضمونا
هي أقرب لأهل أمها في صفاتها
سمراء طويلة وقوية الشخصية
بينما علياء وعالية بيضاوات البشرة أقرب للقصر..
وهادئات جدا ومسالمات
ولكنهن لا يخلين من حب المقالب البريئة
حين كبرن قليلا
وقررت أمهن أن تجعل لكل واحدة منهن غرفة لأن البيت كبير وغرفه كثيرة
عالية وعلياء رفضتا التفرق
وكانت معالي من أصر على الاستقلال
ومازالت معالي مستمرة في رحلة استقلال شخصيتها
بينما علياء وعالية مستمرتان في رحلة التلاصق
كوبي وبيست مثلما تسميهما معالي
ولكن ليس معنى ذلك أن معالي كانت متباعدة عنهن
فهي مرتبطة بهن جدا ككل التوائم
ولكن الاثنتين أكثر ارتباطا ببعضهما
*****************************
مجلس آل مشعل
بعد العشاء
وخلو المجلس من الضيوف الذين تعشوا وغادروا
تبقى فقط آل مشعل
الفرح يجمعهم الليلة
عدا قلب واحد محملٌ بالهم..
يتمنى فارس لو كان زواجه غدا بل الآن
يريد العنود في بيته وتحت سيطرته
يريد أن يذيقها بعضا من النار التي تلتهمه
يريد أن يشعرها ببعض مذاق الإهانة التي أذاقتها له
فقط البعض !!
لأن الطعمَ المرَّ الذي كان يشعر به
ليس له حدود ولا امتداد
كان يكتم على روحه
ويجعله عاجزا عن تذوق أي شيء آخر
وهكذا هي الإهانة على النفس الحرة
أقسى من كل شيء
ألمها يحز في أعمق أعماق الروح ويلتهمها بنار لا تبرد
حتى ترد الإهانة بمثلها
أو حتى يُرد اعتبارك!!
مالم تكن قادرا على السماح حين تكون هذه الإهانة
ممن لا يقصدها
أو من يحمل لك مشاعر ود مصفى
ولكان فارس كغيره يجهل قاعدة من أهم قواعد الإنسانية التي يجهلها كثيرون
"الغفران وتجاوز الزلة"
القدرة على السماح هبة من الله عز وجل
قلةٌ هم من يتمتعون بها!!!
عشرات الأفكار تلتهم تفكير فارس المثقل لذا لم ينتبه لعمه عبدالله الذي كان يقول لهم:
يا جماعة الخير.. عندي لكم علومن بتسركم
لذا لكز ناصر فارس في جنبه وهو يقول بمرح: يا العريس انتبه مع عمي عبدالله شكله بيلقي خطبة بمناسبة ملكتك..
أكمل عبدالله بفرح ظاهر لم تخفه رزانته:
مشعل كلمني اليوم.. يقول لي إنه لقى بنت سلطان ومرته عنده في أمريكا..
صمت عمَّ المجلس..
صمت ثقيل..
قطعه همس محمد بصوت مبحوح: بنت سلطان؟؟
عبدالله بابتسامة: إيه يابو مشعل بنت سلطان واسمها هيا على اسم أمي..
وقلت لمشعل يجيبها هي وأمها إذا جاء في شهر 12.
محمد بذات الصوت المبحوح وكأنه يكلم خيالات غير مرئية: بنت سلطان؟؟ هيا؟؟ هيا....
مشعل ابتسم بسخرية: شنو تيي ذي؟؟ ما تعرفين تقولين تجي
أظني هذا حرف جيم مهوب ياء.. اعدلي لسانش ، وإحكي حكي هلش..
هيا ببرود حاد مغلف بسخرية أحد: والله هلي اللي أنت تقول رموني وما علموني حكيهم.. من وين أتعلمه؟؟ من الهوا..
مشعل ببرود واثق وهو يرد عليها بنفس سخريتها..
ليلقي عليها القنبلة التي هزتها بعنف:
عندش شهرين ونص تعلمينه لأنه أنتي والوالدة بتنزلون معي الدوحة في 20/12
هيا مازالت غير قادرة على الاستيعاب.. تعتقد أنها سمعت خطأ:
نعم.. وش تقول أنت؟؟
مشعل ببرود: من قال هاه سمع..
(مثل معناه: أنكِ سمعتي وفهمتي "يعني لا تستعبطين" )
هيا بحدة: ومن اللي قال أصلا أنا أبي أروح الدوحة في الكريسمس..
ولو أبي أروح مستحيل أروح معاك..
مشعل بثقة: بتروحين ورجلش فوق رقبتش..
أنا أصلا أبلغش قراري ما أخذ رايش..
هيا بغضبٍ مرٍّ وهو تصر على أسنانها وتكتم صوتها..
حتى لا ينتبه الطلاب الذين يقفون حولهم:
أنت يا أخ أنت تراك عطيت نفسك أكبر من حجمك..
أنا تجاوزت السن القانونية.. ولا لك ولا لغيرك حكم علي
مشعل بثقة: بتشوفين..
كانت هيا تجهز الكثير من الكلمات النارية
لولا أنها سمعت صوتا رجالياً ينادي مشعل من بعيد
بدون أن تنظر هيا أعطت للصوت ظهرها..
ولم يفت مشعل ملاحظة حركتها العفوية التي دلت على أخلاقها الرفيعة
قال لها مشعل ببرود واثق: هذا رفيقي يبيني..
وتراني جاي للاقتصاد أبيه.. يعني لا يروح بالش بعيد
وأنتي لا تكثرين فرفرة.. خلصي محاضراتش وروحي للبيت إلا لو تبيني أوصلش
هيا بغضب: فارق بس.. وبلا ما تستعبط..
أنت عارف البيت جنب الجامعة وأروح مشي..
مشعل لم يرد عليها رغم أنه كان يتمنى أن يرد عليها رداً يتناسب مع وقاحتها معه
ولكن سعيد كان ينتظره
لذا توجه لسعيد وابتعد الاثنان معا متوجهان للمكتبة
سعيد بخبث بريء: أشوفك واقف مع بنت العم..
مشعل بغضب حقيقي: سعيد أنت منت بتوك تعرفني..
أهل بيتي ومحارمي ما تجيب سيرتهم على لسانك..
وإلا والله ثم والله ليصير شيء ما يرضيك..
سعيد يضحك: خلاص يا ابن الحلال... سوري ثمن سوري.. أنت وأهل بيتك لكم الحشيمة..
السموحة.. قدام أبطحك هنا وأركب على صدرك عشان أحب خشمك
خبرك ما أقدر أوصل خشمك يا برج الاتصالات إلاَّ بذا الطريقة
*********************
بيت مشعل بن محمد
قبل صلاة العشاء
كانت لطيفة في غرفة أبنائها تدرس ابنها عبدالله ذي السنوات السبع، ومشغولة معه
رن محمولها.. ألتقطته وردت بترحيب عذب : هلا موضي..
موضي بصوت تملئه الفرحة: فارس تملك.. فارس تملك..
لطيفة بصدمة: صدق.. متى؟؟ ومن اللي قال لش؟؟
موضي بحماس: توه قبل شوي واللي قال لي فارس بنفسه..
لطيفة بحماس مشابه: الخايس فويرس.. يعني يقول لش وما يقول لي وأنا أخته الكبيرة..
موضي تدافع عنه: أكيد أنه اعتقد إن مشعل قال لش..
حست لطيفة بحزن شفاف في عمق قلبها..
(لو على مشعل.. أنا أخر من بيطري عليه يقول له شيء)
ولكنها تجاوزت مشاعرها الملتبسة وهي تقول بفرح
دون أن تسأل حتى من العروس، لشدة تأكدهم أنه لن يتزوج أحدا غير العنود:
يا حليله فارس.. ومتى العرس إن شاء الله.. أكيد على الصيف؟؟
موضي أطلقت ضحكة عالية وهي تقول بلؤم: بعد 3 شهور مع ناصر ومشاعل..
لطيفة بمرح: يمه ما عنده صبر.. ما ألومه..
هذا وهو ماشاف العنود.. إذا شافها وش بيسوي ..أكيد بتخبط المكينة عنده..
موضي بفرح: ماشاء الله عليهم اثنينهم.. شنو الولد بيجيبونه..
إذا أمه قمر وأبوه قمر..الله يوفقهم و يرزقهم..
لطيفة بحنان: ويرزقش أنتي بعد بالولد..
موضي باستنكار: لا إن شاء الله..
لطيفة برعب: استغفري ربش.. حد يقول كذا على نعمة ربي..
موضي بنبرة حزن مصفى وهي تتحسس خدها المزرقة من أثار ضرب حمد البارحة:
أجيب ولد يتعذب معي.. كفاية أنا
لطيفة بألم: ما تدرين يمكن ينصلح حال حمد إذا صار أبو..
موضي بألم أكبر: حمد ما يصلح حاله ولا حتى 10 بزارين..
وأكملت والعبرة تخنقها وتخنق روحها المتعبة:
أنتي الوحيدة اللي تعرفين يا لطيفة
حمد محتاج علاج نفسي .. وأنا تعبت.. والله تعبت
أحس ماعاد عندي طاقة أتحمل أكثر.. قربت أنهار
يعني بديت الناس كلهم على نفسي
ومستحملته عشان خاطر عمتي وخالي
وعشان حمد نفسه كاسر خاطري
بس خلاص.. انخنقت.. والله انخنقت
*********************
بيت محمد بن مشعل
صالة البيت الرئيسية
العنود من بعد (الملكة) وهي تقفل على نفسها في غرفتها
ومريم تجلس مع أمها في الصالة تتلقيان اتصالات الأقارب المهنئين بعقد قران العنود
رن محمول مريم وهو يطلق اسم "معالي" في الجو..
ابتسمت مريم وهي تلتقط هاتفها وترد فورا وقبل أن يقول الطرف الآخر أي شيء:
تكفين معالي ترا إحنا اللي مانشوف حاسة السمع عندنا حساسة.. ونسمع عدل..
تكفين قصري حسش.. خافي الله فيني.. تودين سمعي مع بصري..
ضحكة عالية على الطرف الآخر وصوت أنثوي واثق ومرح بكلمات متدافعة:
وينها دلوعتكم..؟؟ ليه مسكرة موبايلها..؟؟ مسوية فيها مستحية يعني...؟؟
مهوب علي ذا السوالف
يعني هي تأخذ فويرس المزيون وتغدر فيني الخايسة.. احنا متفقين نتشارك فيه
مريم تضحك: لا لا في هذي مافيه مشاركة..
معالي تضحك: يا أختي فارس ماشاء الله، فيه طول وعرض وزين يكفي أربع نسوان..
يعني يأخذ عنادي وأنا وخواتي.. نكمل له أربع..
وبعدين إذا هي بنت عمه.. حنا بنات عمته.. لازم يفك عنوستنا
مريم تضحك بصوت عالي.. لا تستطيع أن تحتمل مرح معالي الذي يصيبها بحالة هستيرية من الضحك:
ماعليه يأخذ (عالية) وإلا (علياء) أجاويد..
بس أنتي شرانية.. أختي مهيب قدش..
وبعدين وش عنوسته يا كافي توكم أعماركم 17 سنة..
معالي تضحك: عنوسة على اعتبار ما سيكون
في ذات الوقت
في منزل جابر بن حمد
زوج العمة نورة
العمة نورة قادمة من المطبخ تجفف يديها.. ويصلها صوت معالي العالي الضاحك
"معالي .. وصمخ قطاوة.. من اللي تكلمينها وتصايحين كذا كنش مفلوجة"
معالي وهي تضحك: يمه هذي مريم بنت خالي.. أبارك لها ملكة العنود
نورة بغضب: وجع قلب.. من متى والبنات يباركون بالملكة.. صدق إنكم جيل مافيه سحا
وإلا ليش أقول جيل.. أنتي اللي مافيش سحا.. متأكدة إنه لا علياء ولا عالية بيسونها..
معالي تنهي الاتصال.. وتعود لأمها وتحتضنها وهي تقول بمرح:
يمه تقارنيني ببناتش الكوبي والبيست .. أنا غير عنهم..
أم حمد بذات الغضب: من زينش يومش غير.. ليتش مثلهم في أدبهم..
معالي تضحك: نو نو نو.. مامي.. هذا موب اسمه أدب.. اسمه انعدام شخصية
يوم عندش ثنتين من دون شخصية.. وولد الله أعلم بشخصيته..
خليني الصاحية بين عيالش..
أم حمد مازالت مستمرة بالغضب: ليه الحكي بيوصل حمد بعد.. اقطعي واخسي يا بنت جابر..
معالي تبتسم: إيه جينا عند دلوع الماما.. ممنوع اللمس..
أم حمد وهي (خلاص) تعبت منها: فارقي وروحي إدعي خواتش للعشا
معالي تطلع السلالم متوجهه لغرفة شقيقتيها لتناديهما
العمة نورة عندها من الأبناء أربعة.. حمد في الحادية والثلاثين الآن
ولكنها بعد إنجاب حمد واجهت صعوبات في الحمل
وبعد رحلة طويلة من العلاج والمنشطات حملت بثلاثة توائم
هن معالي وعالية وعلياء
معالي كانت أولا وبعدها بربع ساعة علياء وعالية اللتان كانتا توأم متطابق
وبالفعل كانت معالي مختلفة شكلا ومضمونا
هي أقرب لأهل أمها في صفاتها
سمراء طويلة وقوية الشخصية
بينما علياء وعالية بيضاوات البشرة أقرب للقصر..
وهادئات جدا ومسالمات
ولكنهن لا يخلين من حب المقالب البريئة
حين كبرن قليلا
وقررت أمهن أن تجعل لكل واحدة منهن غرفة لأن البيت كبير وغرفه كثيرة
عالية وعلياء رفضتا التفرق
وكانت معالي من أصر على الاستقلال
ومازالت معالي مستمرة في رحلة استقلال شخصيتها
بينما علياء وعالية مستمرتان في رحلة التلاصق
كوبي وبيست مثلما تسميهما معالي
ولكن ليس معنى ذلك أن معالي كانت متباعدة عنهن
فهي مرتبطة بهن جدا ككل التوائم
ولكن الاثنتين أكثر ارتباطا ببعضهما
*****************************
مجلس آل مشعل
بعد العشاء
وخلو المجلس من الضيوف الذين تعشوا وغادروا
تبقى فقط آل مشعل
الفرح يجمعهم الليلة
عدا قلب واحد محملٌ بالهم..
يتمنى فارس لو كان زواجه غدا بل الآن
يريد العنود في بيته وتحت سيطرته
يريد أن يذيقها بعضا من النار التي تلتهمه
يريد أن يشعرها ببعض مذاق الإهانة التي أذاقتها له
فقط البعض !!
لأن الطعمَ المرَّ الذي كان يشعر به
ليس له حدود ولا امتداد
كان يكتم على روحه
ويجعله عاجزا عن تذوق أي شيء آخر
وهكذا هي الإهانة على النفس الحرة
أقسى من كل شيء
ألمها يحز في أعمق أعماق الروح ويلتهمها بنار لا تبرد
حتى ترد الإهانة بمثلها
أو حتى يُرد اعتبارك!!
مالم تكن قادرا على السماح حين تكون هذه الإهانة
ممن لا يقصدها
أو من يحمل لك مشاعر ود مصفى
ولكان فارس كغيره يجهل قاعدة من أهم قواعد الإنسانية التي يجهلها كثيرون
"الغفران وتجاوز الزلة"
القدرة على السماح هبة من الله عز وجل
قلةٌ هم من يتمتعون بها!!!
عشرات الأفكار تلتهم تفكير فارس المثقل لذا لم ينتبه لعمه عبدالله الذي كان يقول لهم:
يا جماعة الخير.. عندي لكم علومن بتسركم
لذا لكز ناصر فارس في جنبه وهو يقول بمرح: يا العريس انتبه مع عمي عبدالله شكله بيلقي خطبة بمناسبة ملكتك..
أكمل عبدالله بفرح ظاهر لم تخفه رزانته:
مشعل كلمني اليوم.. يقول لي إنه لقى بنت سلطان ومرته عنده في أمريكا..
صمت عمَّ المجلس..
صمت ثقيل..
قطعه همس محمد بصوت مبحوح: بنت سلطان؟؟
عبدالله بابتسامة: إيه يابو مشعل بنت سلطان واسمها هيا على اسم أمي..
وقلت لمشعل يجيبها هي وأمها إذا جاء في شهر 12.
محمد بذات الصوت المبحوح وكأنه يكلم خيالات غير مرئية: بنت سلطان؟؟ هيا؟؟ هيا....
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الخامس عشر
في مجلس آل مشعل
عبدالله بفرح ظاهر لم تخفه رزانته:
مشعل كلمني اليوم.. يقول لي إنه لقى بنت سلطان ومرته عنده في أمريكا..
صمت عمَّ المجلس.. صمت ثقيل..
قطعه همس محمد بصوت مبحوح: بنت سلطان؟؟
عبدالله بابتسامة: إيه يابو مشعل بنت سلطان واسمها هيا على اسم أمي..
وقلت لمشعل يجيبها هي وأمها إذا جاء في شهر 12.
محمد بذات الصوت المبحوح وكأنه يكلم خيالات غير مرئية: بنت سلطان؟؟ هيا؟؟ هيا....
ثم هتف بصوت ملهوف: بأكلم مشعل يجيبهم على أول طيارة.. أو أنا بأروح أجيبهم
عبدالله باستغراب: الله يهداك يابو مشعل.. البنت تدرس.. ومشعل بعد..
محمد بنبرة غريبة: وش يضمني أعيش لين أشوفها؟؟
هذه المرة كان مشعل ابنه من تكلم: الله يهداك يبه وش ذا الكلام..
هو حد ضامن عمره لين الساعة الجاية..
قل لا إله إلا الله... خلاص كلها شهرين ويجون..
لا أحد منهم يشعر بمشاعر محمد التي اقتحمته بعنف
لتذكره بذنوبه التي لا ينساها..
فإحساسه بالذنب ينحر روحه
فهو كان الأخ الأكبر.. دوره كان من المفترض أن يكون أكثر شجاعة
ندم ألف مرة أنه لم يقف مع سلطان.. واستمر مشوار الندم بالامتداد
حين مات أبوه وهو يعرف أن حسرته على سلطان تلتهم روحه
كان يشعر أن سلبيته ساهمت بشكل كبير في تأزم الموقف
كان دائما يلوم نفسه ويقول:
لو..
و لو..
و لو..
ولو تفتح باب الوساوس..
والآن حين سمع ببنت سلطان.. انتعشت روحه
هل يستطيع أن يصلح بعضا من أخطائه؟!!
هل يستطيع أن يضم بنت سلطان لصدره
ويشتم رائحة أخيه الصغير الذي حُرم منه؟؟!!
تقتله اللهفة لهذه "الهيا" منذ سمع باسمها..
هل تشبه سلطان؟؟
هل لها لمعة عينيه وعبق روحه؟؟
هل تظهر لها غمازات حين تضحك مثل سلطان؟؟!!
هل حين تغضب ينخفض حاجب ويرتفع الأخر مثل سلطان؟؟!!
ألف ذكرى لسلطان اقتحمت خيال محمد المثقل..
محمد الذي اعتصم بالصمت
وآلاف الذكريات تتوارد عليه لتملأ أعماقه حزنا وشوقا وشجنا
كلها انصبت في شخص هيا..
هيا التي يريد أن يراها اليوم قبل الغد!!
بقية من في المجلس كان لكل منهم تفكير..
راكان وناصر وفارس يعرفون قصة عمهم ولكنهم لا يعرفون هذا العم
فيهم ترقب..ورغبة أكيدة أن تعود ابنة عمهم لإطارهم الأسري
فهذه مهما يكن ابنة آل مشعل
وراكان بالأكثر يدور في باله تفكير عميق يرتبط به و بعمه سلطان
مشعل بن محمد كان يشعر بحزن شفاف يغزو روحه
فهو مازال يذكر وهو في الثانية عشرة من عمره
دمعة عمه التي مسحها قبل أن يراها أحد
وهو يودع أشقائه عند الباب
الوداع الذي كان مأسويا
مليئا بالشجن والعاطفة.... والكبرياء
ثم حين عاد لداخل لمجلس هربا من وداع الأشقاء
رأى دمعة مشعل الكبير تخر من عينه
الدمعة التي نحرت روحه وهو طفل
دمعة مشعل الكبير الغالية
التي ما رآها أحد سواه
والتي ما رآها قبلها ولا بعدها
الدمعة الوحيدة !!!!
*******************************
الساعة العاشرة والربع مساء
بيت محمد بن مشعل
غرفة العنود
مازالت العنود معتصمة بغرفتها..
توقفت عن البكاء بعد أن تعبت..
ولكن آثار البكاء بادية على وجهها
تدخل عليها أختها مريم وتهمس لها بحنان: عنادي يا قلبي ترا أم فارس لها أكثر من ساعة تحت..
المرة من فرحتها ماصبرت لبكرة ..جاية تبارك وتسلم.. قومي سلمي عليها
العنود بصوت خافت: مريم تكفين تعذري لي منها..
أول شيء مستحية...ثاني شيء شكلي ما يشجع أسلم على أحد
مريم تمسح على شعرها وتقول بحنانها الأمومي:
غسلي وجهش بماي بارد وألبسي جلال.. وسلمي عليها بسرعة وأطلعي..
هي ماراح تنتبه لشيء وخصوصا إنها عارفة إنش مستحية
تكفين عنادي لا تخربين فرحة المسكينة.. تدرين فارس ولدها الوحيد
العنود باستسلام: إن شاء الله نازلة الحين..
مريم عادت لمجلس الحريم.. والعنود غسلت وجهها بماء بارد..
ووضعت بعض الماسكرا حتى تخفي ذبول عينيها
(أنا العنود بنت محمد.. مافيه شيء يهزني)
هكذا كانت تهتف لنفسها حتى تدفع أكبر قدر من الثقة في عروقها
ثم نزلت لمجلس الحريم.. أم فارس ما أن رأتها حتى قفزت..
وهي تحتضنها بمحبة وفرح: مبروك يا ابنتي.. مبروك
وتراش بتطلعين من عند أمش لأمش الثانية..
العنود وعيناها في الأرض وهي تتمنى الأرض تنشق لتبتلعها من شعورها بالحرج:
الله يبارك فيش يمه..
وأم مشعل ترد باحترام: أكيد مافيه شك يا أم فارس.. العنود بنتش مثل ما فارس ولدنا..
مريم بطريقتها الحكيمة: خلاص عنادي روحي كملي مذاكرتش
أدري إني قاطعتش..
أم فارس بحنان: إيه يمه روحي..
أصلا أنا أتنى فارس يكلمني عشان أروح للبيت..
مع إن البيت جنب البيت وأبي أروح على أرجيلي بس هو مايرضى
العنود انسحبت لتعود لغرفتها..
وهي تعبر الصالة متجهة للدرج
نادتها الخادمة: هذا بابا يقول يبي أي نفر يسوي كلام..
العنود كانت تشعر بالخجل أن تكلم أباها فهي لم تره بعد الملكة
لكنها لا تستطيع تركه ينتظر
تناولت السماعة وهي تقول بصوتها العذب
الذي زاده البكاء الطويل عذوبة وضعفا:
هلا يبه فديتك.. آمرني
صمت على الطرف الآخر
العنود باحترام وخجل: يبه تبي شيء فديتك..؟
الصوت الخشن الذي أثار رعبها وأسوأ مخاوفها اليوم:
أنتي أشلون تردين على التلفون؟؟
العنود بارتباك وهي تتمنى لو ترمي بالهاتف
ولكنها لا تريد أن تزيد الوضع بينهما سوءاً: الخدامة قالت لي ابي على الخط
فارس بحدة باردة: عندش تلفونش.. اللي يبيش يتصل عليش..
إياني وإياش تردين على تلفون البيت مرة ثانية..
العنود لم تعتد أن يخاطبها أحد بهذه اللهجة..
حتى أشقائها ووالدها حين يأمرونها
يغلفون الأمر بالدلال والرقة..
وهذا لم يكمل 3 ساعات وهو زوجها وبدأ بفرض أوامره
ردت بارتباك رغم أنها بدأت تشعر بالغضب: وممكن أعرف السبب..
فارس ببرود: والله مزاج الجنس الثالث كذا.. ولا عاد ترادديني..
شعرت العنود كما لو كان سُكب على رأسها ماء مثلجا ومغليا في آن..
فهو يذكرها بإهانتها له
تشنجت.. ردت بصوت خافت: إن شاء الله.. أي أوامر ثانية..
فارس بنفس بروده: روحي نادي أمي.. جوالها مقفول.. أنا برا
واستدرك بثقة: حتى تلفونش لا تردين على أرقام غريبة..
العنود أغلقت منه وهي تشتعل غضبا ..
وطلبت من الخادمة أن تخبر أم فارس إن ابنها يريدها
وصعدت راكضة وباكية لغرفتها
في الخارج فارس يقف ينتظر في سيارته..
يشتعل في داخله خليط مختلف ومتناقض من المشاعر
أحاسيس غريبة.. كثيفة.. وغير مفهومة
(هذي المفروض ما يخلونها ترد على تلفونات بالمرة.. صوتها خطر على المجتمع..
نعنبو..وش ذا الصوت اللي عندها؟؟
يذوب اللي مايذوب..يذوب الحديد والحجر..
قلبي وقف من صوتها.. ذي حتى موبايل المفروض مايعطونها)
" غيرة يا فارس؟؟..... أ تغار عليها؟؟"
(وش أغار عليها؟؟ تخسى...
بس هذي مرتي.. أملاكي.. وما أسمح لأحد يتعدى على أملاكي..
وخصوصا لو كنت ناوي على ذا الأملاك نية قشراء..
اصبري علي شوي يا بنت العم)
*****************************
الساعة 11 مساء
بيت حمد بن جابر
موضي في غرفة المكتب.. تعمل على الحاسوب
فهي على الرغم من تركها للعمل رسميا
إلا أن برمجة الحواسيب تجري في دمها
وهي خلال السنوات الماضية.. كانت تستغل وقت فراغها الكثير في عمل برامج جديدة
وفي تفكيك الحاسوب وإعادة تركيبه حتى لا تنسى مهارتها وحساسية أناملها في العمل
حمد يطل برأسه عليها
ارتعشت موضي توجسا وترقبا.. فهي لا تعرف كيف سيتصرف الليلة
فهو ليلة يكون ملاكا
والليلة التي تليها يكون شيطانا تتلبسه عفاريت الأرض
رأته يبتسم (الحمدلله.. معناتها رايق)
اقترب منها وهو يخلع غترته ويضعها على الكرسي ويقول: مساء الخير حبيبتي..
موضي تركز في الحاسوب بنظرها
وعقلها يشعر بالتوجس الذي أصبح شعار حياتها مع حمد: مساء النور
اقترب منها وهو يضع يديه على كتفيها
ثم طبع قبلة عميقة على شعرها
انكمشت موضي حين وضع يده على كتفها.. كانت تخشى أنه سيضربها
رفع حمد رأسه وهو يقول بحنان: مبروك ملكة فارس والعنود..
لطيفة بهدوء: مبروك لك أنت بعد..
حمد يجلس على الكرسي الآخر وهو ينظر لها بوله: تعشيتي حبيبتي؟؟
موضي بهدوء: الحمدلله.. أنت تعشيت؟؟
حمد بهدوء وهو يغلق عينيه ويسند رأسه إلى الكرسي: الحمد لله..
تعشيت مع شباب الوزارة.. كان عندنا ملتقى ثقافي..
بس إذا أنتي ما تعشيتي تعالي أطلعش برا تتعشين ونتمشى شوي..
موضي بهدوء حذر: مرة ثانية إن شاء الله.. الساعة 11 الحين..
وانت تعرفني أنام بدري..
حمد بذات هدوءه: براحتش ياقلبي
منذ زمن لم تره هادئا هكذا..
أخذت تتأمل في ملامح وجهه الساكنة الوادعة
هل يصدق أحد أن صاحب هذا المحيا اللطيف بملامحه الرجولية الجذابة
يتحول إلى وحش مجنون فاقد للسيطرة
كم يبدو وادعا ومسالما ووسيما
وهو يسند رأسه المتعب للخلف بخصلاته السوداء الكثيفة المتناثرة على جبينه
قد تكون هذه فرصتها لاستغلال هدوءه لمفاتحته
" حمد"
"هلا حبيبتي"
موضي وهي تبتلع ريقها: ممكن أكلمك في موضوع..
حمد يفتح عينيه ويهمس بحب: أنتي تامريني مهوب تكلميني بس..
وش تبين؟؟؟ آمريني ياقلبي
موضي تعاود ابتلاع ريقها وهي تشعر كما لو انها التقمت حجرا
يقف في بلعومها ويسد مخارج الحروف:
ما يأمر عليك عدو.. حمد أنت رجّال متعلم ومثقف ومعاك ماجستير تربية
يعني مخك كبير ومتفتح..
حمد نظر لها بتوجس: والمعنى؟؟
موضي تشعر بريقها جاف كصحراء مدهرة:
يعني العلاج النفسي مثله مثل العلاج العضوي
لا هو عيب ولا حرام..
حمد بتأفف: موضي اقصري الحكي دام النفس عليش طيبة
موضي رغم رعبها الذي بدأ يتجمع في قلبها..
ولكنها قررت أن تكمل الموضوع لأخره ما دامت فتحته:
حمد فديتك.. مهوب لازم تعالج هنا..
إذا عشان كلام الناس اللي عقولهم قاصرة
خلنا نروح برا.. وأنا معك ومستحيل أخليك
حمد يقف وهو يقول بعصبية: أنا ماني بمريض عشان أعالج..
موضي انكمشت رعبا حين وقف وهي تقول بصوت مرتعش:
يعني تشوف إنه تصرف طبيعي إنك تضربني بدون وعي منك...
وعقبه ترجع تبكي وتعتذر وتترجى ما أخليك
حمد بصوت مرعب وهو يدور في غرفة المكتب: قبل ما تقولين لي عالج..
عالجي نفسش أول وأنتي منتي بقادرة تجيبين لي ولد مثل كل النسوان..
موضي انكمشت على نفسها أكثر لأنها شعرت أنه وصل حده من الغضب
ولا بد أنه سيفرغ غضبه فيها الآن
لذا استغربت وتنهدت وحمدت الله
وهي تراه يغادر الحجرة ويغلق الباب خلفه بعنف بصوت مدوي
ولكنها تعلم أنه سيعود بعد دقائق ليحتضنها
ويغمرها بقبلاته واعتذاراته..
التي لن تعد تشعرها سوى بمزيدٍ من الأسى والشفقة..
عليه وعلى الحال الذي وصل له زواجها..
*************************
مجلس آل مشعل
الساعة 11 ونصف ليلا
لم يتبق إلا ناصر وراكان..
يشاهدان برنامجا رياضيا على قناة الكأس..
راكان بملل لناصر: الليلة السبت وبكرة مافيه دوامات..
وش فيهم مشعل وفارس سروا بدري؟؟
ناصر يضحك: رياجيل واحد متزوج والثاني يجرب فكرة الزواج..
انتظر علي أنا بعد
عقب 3 شهور إذا شفت وجه واحد منكم تفلت فيه..
راكان يقترح: أشرايك نروح سوق واقف.. نتقهوى هناك أنا عازمك
وبعدين نمشي على الكورنيش شوي.. وعقب نتريق في مطعم بيروت ونصلي الفجر هناك ثم نرجع..
ناصر وهو ينظر لراكان نظرة ذات مغزى: موافق بس بشرط
راكان يبتسم: يعني أنا عازمك أنت ووجهك.. وبتشرط بعد..
يالله وش شرطك؟؟
ناصر يميل على أذن راكان ويقول بنبرة خاصة جدا وعميقة:
راكان أشرايك تقول لي بنفسك: أنت ليش ما تبي تتزوج؟؟
أو تحب أنا اللي أقول لك؟!!!
في مجلس آل مشعل
عبدالله بفرح ظاهر لم تخفه رزانته:
مشعل كلمني اليوم.. يقول لي إنه لقى بنت سلطان ومرته عنده في أمريكا..
صمت عمَّ المجلس.. صمت ثقيل..
قطعه همس محمد بصوت مبحوح: بنت سلطان؟؟
عبدالله بابتسامة: إيه يابو مشعل بنت سلطان واسمها هيا على اسم أمي..
وقلت لمشعل يجيبها هي وأمها إذا جاء في شهر 12.
محمد بذات الصوت المبحوح وكأنه يكلم خيالات غير مرئية: بنت سلطان؟؟ هيا؟؟ هيا....
ثم هتف بصوت ملهوف: بأكلم مشعل يجيبهم على أول طيارة.. أو أنا بأروح أجيبهم
عبدالله باستغراب: الله يهداك يابو مشعل.. البنت تدرس.. ومشعل بعد..
محمد بنبرة غريبة: وش يضمني أعيش لين أشوفها؟؟
هذه المرة كان مشعل ابنه من تكلم: الله يهداك يبه وش ذا الكلام..
هو حد ضامن عمره لين الساعة الجاية..
قل لا إله إلا الله... خلاص كلها شهرين ويجون..
لا أحد منهم يشعر بمشاعر محمد التي اقتحمته بعنف
لتذكره بذنوبه التي لا ينساها..
فإحساسه بالذنب ينحر روحه
فهو كان الأخ الأكبر.. دوره كان من المفترض أن يكون أكثر شجاعة
ندم ألف مرة أنه لم يقف مع سلطان.. واستمر مشوار الندم بالامتداد
حين مات أبوه وهو يعرف أن حسرته على سلطان تلتهم روحه
كان يشعر أن سلبيته ساهمت بشكل كبير في تأزم الموقف
كان دائما يلوم نفسه ويقول:
لو..
و لو..
و لو..
ولو تفتح باب الوساوس..
والآن حين سمع ببنت سلطان.. انتعشت روحه
هل يستطيع أن يصلح بعضا من أخطائه؟!!
هل يستطيع أن يضم بنت سلطان لصدره
ويشتم رائحة أخيه الصغير الذي حُرم منه؟؟!!
تقتله اللهفة لهذه "الهيا" منذ سمع باسمها..
هل تشبه سلطان؟؟
هل لها لمعة عينيه وعبق روحه؟؟
هل تظهر لها غمازات حين تضحك مثل سلطان؟؟!!
هل حين تغضب ينخفض حاجب ويرتفع الأخر مثل سلطان؟؟!!
ألف ذكرى لسلطان اقتحمت خيال محمد المثقل..
محمد الذي اعتصم بالصمت
وآلاف الذكريات تتوارد عليه لتملأ أعماقه حزنا وشوقا وشجنا
كلها انصبت في شخص هيا..
هيا التي يريد أن يراها اليوم قبل الغد!!
بقية من في المجلس كان لكل منهم تفكير..
راكان وناصر وفارس يعرفون قصة عمهم ولكنهم لا يعرفون هذا العم
فيهم ترقب..ورغبة أكيدة أن تعود ابنة عمهم لإطارهم الأسري
فهذه مهما يكن ابنة آل مشعل
وراكان بالأكثر يدور في باله تفكير عميق يرتبط به و بعمه سلطان
مشعل بن محمد كان يشعر بحزن شفاف يغزو روحه
فهو مازال يذكر وهو في الثانية عشرة من عمره
دمعة عمه التي مسحها قبل أن يراها أحد
وهو يودع أشقائه عند الباب
الوداع الذي كان مأسويا
مليئا بالشجن والعاطفة.... والكبرياء
ثم حين عاد لداخل لمجلس هربا من وداع الأشقاء
رأى دمعة مشعل الكبير تخر من عينه
الدمعة التي نحرت روحه وهو طفل
دمعة مشعل الكبير الغالية
التي ما رآها أحد سواه
والتي ما رآها قبلها ولا بعدها
الدمعة الوحيدة !!!!
*******************************
الساعة العاشرة والربع مساء
بيت محمد بن مشعل
غرفة العنود
مازالت العنود معتصمة بغرفتها..
توقفت عن البكاء بعد أن تعبت..
ولكن آثار البكاء بادية على وجهها
تدخل عليها أختها مريم وتهمس لها بحنان: عنادي يا قلبي ترا أم فارس لها أكثر من ساعة تحت..
المرة من فرحتها ماصبرت لبكرة ..جاية تبارك وتسلم.. قومي سلمي عليها
العنود بصوت خافت: مريم تكفين تعذري لي منها..
أول شيء مستحية...ثاني شيء شكلي ما يشجع أسلم على أحد
مريم تمسح على شعرها وتقول بحنانها الأمومي:
غسلي وجهش بماي بارد وألبسي جلال.. وسلمي عليها بسرعة وأطلعي..
هي ماراح تنتبه لشيء وخصوصا إنها عارفة إنش مستحية
تكفين عنادي لا تخربين فرحة المسكينة.. تدرين فارس ولدها الوحيد
العنود باستسلام: إن شاء الله نازلة الحين..
مريم عادت لمجلس الحريم.. والعنود غسلت وجهها بماء بارد..
ووضعت بعض الماسكرا حتى تخفي ذبول عينيها
(أنا العنود بنت محمد.. مافيه شيء يهزني)
هكذا كانت تهتف لنفسها حتى تدفع أكبر قدر من الثقة في عروقها
ثم نزلت لمجلس الحريم.. أم فارس ما أن رأتها حتى قفزت..
وهي تحتضنها بمحبة وفرح: مبروك يا ابنتي.. مبروك
وتراش بتطلعين من عند أمش لأمش الثانية..
العنود وعيناها في الأرض وهي تتمنى الأرض تنشق لتبتلعها من شعورها بالحرج:
الله يبارك فيش يمه..
وأم مشعل ترد باحترام: أكيد مافيه شك يا أم فارس.. العنود بنتش مثل ما فارس ولدنا..
مريم بطريقتها الحكيمة: خلاص عنادي روحي كملي مذاكرتش
أدري إني قاطعتش..
أم فارس بحنان: إيه يمه روحي..
أصلا أنا أتنى فارس يكلمني عشان أروح للبيت..
مع إن البيت جنب البيت وأبي أروح على أرجيلي بس هو مايرضى
العنود انسحبت لتعود لغرفتها..
وهي تعبر الصالة متجهة للدرج
نادتها الخادمة: هذا بابا يقول يبي أي نفر يسوي كلام..
العنود كانت تشعر بالخجل أن تكلم أباها فهي لم تره بعد الملكة
لكنها لا تستطيع تركه ينتظر
تناولت السماعة وهي تقول بصوتها العذب
الذي زاده البكاء الطويل عذوبة وضعفا:
هلا يبه فديتك.. آمرني
صمت على الطرف الآخر
العنود باحترام وخجل: يبه تبي شيء فديتك..؟
الصوت الخشن الذي أثار رعبها وأسوأ مخاوفها اليوم:
أنتي أشلون تردين على التلفون؟؟
العنود بارتباك وهي تتمنى لو ترمي بالهاتف
ولكنها لا تريد أن تزيد الوضع بينهما سوءاً: الخدامة قالت لي ابي على الخط
فارس بحدة باردة: عندش تلفونش.. اللي يبيش يتصل عليش..
إياني وإياش تردين على تلفون البيت مرة ثانية..
العنود لم تعتد أن يخاطبها أحد بهذه اللهجة..
حتى أشقائها ووالدها حين يأمرونها
يغلفون الأمر بالدلال والرقة..
وهذا لم يكمل 3 ساعات وهو زوجها وبدأ بفرض أوامره
ردت بارتباك رغم أنها بدأت تشعر بالغضب: وممكن أعرف السبب..
فارس ببرود: والله مزاج الجنس الثالث كذا.. ولا عاد ترادديني..
شعرت العنود كما لو كان سُكب على رأسها ماء مثلجا ومغليا في آن..
فهو يذكرها بإهانتها له
تشنجت.. ردت بصوت خافت: إن شاء الله.. أي أوامر ثانية..
فارس بنفس بروده: روحي نادي أمي.. جوالها مقفول.. أنا برا
واستدرك بثقة: حتى تلفونش لا تردين على أرقام غريبة..
العنود أغلقت منه وهي تشتعل غضبا ..
وطلبت من الخادمة أن تخبر أم فارس إن ابنها يريدها
وصعدت راكضة وباكية لغرفتها
في الخارج فارس يقف ينتظر في سيارته..
يشتعل في داخله خليط مختلف ومتناقض من المشاعر
أحاسيس غريبة.. كثيفة.. وغير مفهومة
(هذي المفروض ما يخلونها ترد على تلفونات بالمرة.. صوتها خطر على المجتمع..
نعنبو..وش ذا الصوت اللي عندها؟؟
يذوب اللي مايذوب..يذوب الحديد والحجر..
قلبي وقف من صوتها.. ذي حتى موبايل المفروض مايعطونها)
" غيرة يا فارس؟؟..... أ تغار عليها؟؟"
(وش أغار عليها؟؟ تخسى...
بس هذي مرتي.. أملاكي.. وما أسمح لأحد يتعدى على أملاكي..
وخصوصا لو كنت ناوي على ذا الأملاك نية قشراء..
اصبري علي شوي يا بنت العم)
*****************************
الساعة 11 مساء
بيت حمد بن جابر
موضي في غرفة المكتب.. تعمل على الحاسوب
فهي على الرغم من تركها للعمل رسميا
إلا أن برمجة الحواسيب تجري في دمها
وهي خلال السنوات الماضية.. كانت تستغل وقت فراغها الكثير في عمل برامج جديدة
وفي تفكيك الحاسوب وإعادة تركيبه حتى لا تنسى مهارتها وحساسية أناملها في العمل
حمد يطل برأسه عليها
ارتعشت موضي توجسا وترقبا.. فهي لا تعرف كيف سيتصرف الليلة
فهو ليلة يكون ملاكا
والليلة التي تليها يكون شيطانا تتلبسه عفاريت الأرض
رأته يبتسم (الحمدلله.. معناتها رايق)
اقترب منها وهو يخلع غترته ويضعها على الكرسي ويقول: مساء الخير حبيبتي..
موضي تركز في الحاسوب بنظرها
وعقلها يشعر بالتوجس الذي أصبح شعار حياتها مع حمد: مساء النور
اقترب منها وهو يضع يديه على كتفيها
ثم طبع قبلة عميقة على شعرها
انكمشت موضي حين وضع يده على كتفها.. كانت تخشى أنه سيضربها
رفع حمد رأسه وهو يقول بحنان: مبروك ملكة فارس والعنود..
لطيفة بهدوء: مبروك لك أنت بعد..
حمد يجلس على الكرسي الآخر وهو ينظر لها بوله: تعشيتي حبيبتي؟؟
موضي بهدوء: الحمدلله.. أنت تعشيت؟؟
حمد بهدوء وهو يغلق عينيه ويسند رأسه إلى الكرسي: الحمد لله..
تعشيت مع شباب الوزارة.. كان عندنا ملتقى ثقافي..
بس إذا أنتي ما تعشيتي تعالي أطلعش برا تتعشين ونتمشى شوي..
موضي بهدوء حذر: مرة ثانية إن شاء الله.. الساعة 11 الحين..
وانت تعرفني أنام بدري..
حمد بذات هدوءه: براحتش ياقلبي
منذ زمن لم تره هادئا هكذا..
أخذت تتأمل في ملامح وجهه الساكنة الوادعة
هل يصدق أحد أن صاحب هذا المحيا اللطيف بملامحه الرجولية الجذابة
يتحول إلى وحش مجنون فاقد للسيطرة
كم يبدو وادعا ومسالما ووسيما
وهو يسند رأسه المتعب للخلف بخصلاته السوداء الكثيفة المتناثرة على جبينه
قد تكون هذه فرصتها لاستغلال هدوءه لمفاتحته
" حمد"
"هلا حبيبتي"
موضي وهي تبتلع ريقها: ممكن أكلمك في موضوع..
حمد يفتح عينيه ويهمس بحب: أنتي تامريني مهوب تكلميني بس..
وش تبين؟؟؟ آمريني ياقلبي
موضي تعاود ابتلاع ريقها وهي تشعر كما لو انها التقمت حجرا
يقف في بلعومها ويسد مخارج الحروف:
ما يأمر عليك عدو.. حمد أنت رجّال متعلم ومثقف ومعاك ماجستير تربية
يعني مخك كبير ومتفتح..
حمد نظر لها بتوجس: والمعنى؟؟
موضي تشعر بريقها جاف كصحراء مدهرة:
يعني العلاج النفسي مثله مثل العلاج العضوي
لا هو عيب ولا حرام..
حمد بتأفف: موضي اقصري الحكي دام النفس عليش طيبة
موضي رغم رعبها الذي بدأ يتجمع في قلبها..
ولكنها قررت أن تكمل الموضوع لأخره ما دامت فتحته:
حمد فديتك.. مهوب لازم تعالج هنا..
إذا عشان كلام الناس اللي عقولهم قاصرة
خلنا نروح برا.. وأنا معك ومستحيل أخليك
حمد يقف وهو يقول بعصبية: أنا ماني بمريض عشان أعالج..
موضي انكمشت رعبا حين وقف وهي تقول بصوت مرتعش:
يعني تشوف إنه تصرف طبيعي إنك تضربني بدون وعي منك...
وعقبه ترجع تبكي وتعتذر وتترجى ما أخليك
حمد بصوت مرعب وهو يدور في غرفة المكتب: قبل ما تقولين لي عالج..
عالجي نفسش أول وأنتي منتي بقادرة تجيبين لي ولد مثل كل النسوان..
موضي انكمشت على نفسها أكثر لأنها شعرت أنه وصل حده من الغضب
ولا بد أنه سيفرغ غضبه فيها الآن
لذا استغربت وتنهدت وحمدت الله
وهي تراه يغادر الحجرة ويغلق الباب خلفه بعنف بصوت مدوي
ولكنها تعلم أنه سيعود بعد دقائق ليحتضنها
ويغمرها بقبلاته واعتذاراته..
التي لن تعد تشعرها سوى بمزيدٍ من الأسى والشفقة..
عليه وعلى الحال الذي وصل له زواجها..
*************************
مجلس آل مشعل
الساعة 11 ونصف ليلا
لم يتبق إلا ناصر وراكان..
يشاهدان برنامجا رياضيا على قناة الكأس..
راكان بملل لناصر: الليلة السبت وبكرة مافيه دوامات..
وش فيهم مشعل وفارس سروا بدري؟؟
ناصر يضحك: رياجيل واحد متزوج والثاني يجرب فكرة الزواج..
انتظر علي أنا بعد
عقب 3 شهور إذا شفت وجه واحد منكم تفلت فيه..
راكان يقترح: أشرايك نروح سوق واقف.. نتقهوى هناك أنا عازمك
وبعدين نمشي على الكورنيش شوي.. وعقب نتريق في مطعم بيروت ونصلي الفجر هناك ثم نرجع..
ناصر وهو ينظر لراكان نظرة ذات مغزى: موافق بس بشرط
راكان يبتسم: يعني أنا عازمك أنت ووجهك.. وبتشرط بعد..
يالله وش شرطك؟؟
ناصر يميل على أذن راكان ويقول بنبرة خاصة جدا وعميقة:
راكان أشرايك تقول لي بنفسك: أنت ليش ما تبي تتزوج؟؟
أو تحب أنا اللي أقول لك؟!!!
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء السادس عشر
مجلس آل مشعل
الساعة 11 و40 دقيقة ليلا
ناصر يميل على أذن راكان ويقول بنبرة خاصة جدا وعميقة:
راكان أشرايك تقول لي بنفسك: أنت ليش ما تبي تتزوج؟؟
أو تحب أنا اللي أقول لك؟!!!
راكان أنتفض بغضب وهو ينظر لناصر نظرة حادة: وش تقصد؟؟
ناصر هزَّ كتفيه: لمعلوماتك أنا أعرف سرك من 8 سنين..
كل سنة تمر كنت أحسبك بتعقل وتنسى..
راكان بتوجس: أي سر؟؟
ناصر ابتسم: اللي أنت كاتب لها ديوان شعر كامل..
راكان يقف بغضب هادر وهو يرتعش من شدة الغضب:
أنت أشلون تسمح لنفسك تقلب في أغراضي..
ناصر مازال مستمرا في الابتسام: اقعد بس لا ينقطع لك عرق..
أنا لا قلبت أغراضك ولا شيء..
قبل حوالي 8 سنين كنت جاي أصحيك لصلاة الفجر..
شفته جنبك والقلم عليه.. قلبت فيه بدون قصد..
راكان يشتعل غضبا: حد غيرك يدري؟؟؟
ناصر بغضب هذه المرة: أظني إنك تعرفني يا ولد أبي..
لو بأقول لأحد كان قلت من زمان..
وبعدين أنت تدري إنه موضوع مثل ذا ما ينقال..
ثم أكمل وهو يتمالك نفسه: والليلة خلاص ماني بمخليك لين أعرف السالفة كلها..
يومك تحبها ليه خليتها؟؟؟
******************************
قبل ذلك بحوالي نصف ساعة
بيت مشعل بن محمد
يوم اعتيادي جدا في حياة لطيفة ومشعل
يمثل نظام حياتهم طيلة السنوات الماضية
لطيفة في غرفتها بعد أن نام أولادها..
تقلب كتب أولادها وتعد لهم مراجعات
حتى يحلوها في الغد
كانت ترتدي بنطلونا أحمرَ من الساتان الثقيل
مع بلوزة بيضاء (هاي نك) بدون أكمام
تلتصق بجسدها عليها ورود حمراء..
وشعرها المدرج يتناثر على كتفيها..
ووجهها تكاد ملامحه تذوب رقة وجمالا
مع أحمر شفاهها الشهي الساكن على شفتيها البهيتين..
كانت فتنة مجسدة.. بل شيء يتجاوز حدود الفتنة إلى درجات الاغواء والهلوسة..
دخل عليها مشعل وألقى السلام دون أن يلتفت إليها
وهو يلقي غترته على السرير ويدخل إلى الحمام
ردت لطيفة السلام بهدوء
فهي اعتادت على سلامه البارد هذا..
وقامت لتأخذ غترته وتضعها في سلة الغسيل
ثم فتحت الدولاب لتخرج له ملابسه.. عطرتها بعطره المفضل
ووضعتها على السرير..
وأغلقت التكييف لأنها تخشى عليه أن يمرض..
ثم عادت لعملها في الكتب..
بعد دقائق خرج مشعل بفوطته الملفوفة على خصره..
وضعت لطيفة الكتب جانبا وقامت لتعطيه ملابسه..
كما اعتادت.. وكما اعتاد!!
تناول منها ملابسه..وهو يتمتم بشكر بارد
وعاد بها لغرفة التبديل وارتداها
ولطيفة توجهت للحمام لتنظفه بشكل سريع
ثم ألتقطت ملابسه وفوطته الملقاة على أرضية غرفة التبديل
ووضعتها في سلة الملابس
ثم عادت لطيفة لعملها
وكان مشعل قد جلس قريبا منها
تناول جهاز التحكم.. وشرع في التغيير بين القنوات
لطيفة بحنان: تعشيت حبيبي؟؟
مشعل بهدوء وهو يلتفت عليها: تعشيت..
عادت لطيفة لعملها.. ومشعل يتأملها دون أن يستوقفه أي شيء فيها
لا جمالها.. ولا أناقتها..ولا إغراء ملامحها
ولا إثارة تفاصيل جسدها المتبدية في لباسها الأنيق
ولا حتى طريقتها العذبة في الكلام
ثم سألها: شتسوين؟؟ (وكأن ما تفعل هو الشيء الوحيد الذي قد يستحق الاهتمام فيها وفي علاقته بها)
لطيفة رفعت رأسها وهي تنظر له بحب هادر
(يا الله كم تعشق تفاصيل وجهه! وكل يوم يمر تزيد له عشقاً) همست بعذوبة:
أسوي مراجعة لمريوم وحمود عندهم الامتحانات الشهرية ذا الأيام..
مشعل بهدوء: إذا جابوا نتيجة زينة بأوديهم (تويز أر أص) يختارون الهدية اللي يبونها
لطيفة باعتراض: حبيبي مايصير.. أنت مخربهم علي بالدلع..
خل (تويز أر أص) إذا نجحوا نص السنة..
مشعل بذات هدوءه: يا بنت الحلال هدية نص السنة شيء ثاني..
وبالفعل مشعل كان شديد الحنان على أولاده.. ويفرط في دلالهم..
لولا أن لطيفة كانت هي من تشد عليهم
أو كان أفسدهم جميعا بالدلال..
وخصوصا الصغيرة "جود" التي هو مولع بها وهي مولعة به
وكأن مشعل في تدليله لهم.. يحاول التعويض عن إنشغاله عنهم في عمله
ولكن كان دائما ما يطمئنه عليهم هو وجود لطيفة..
التي يعرف أنها تحكم إدارة البيت بقبضة حديدية
رغم إحساس مشعل البارد بلطيفة..
إلا أنه لا يستطيع إنكار براعتها في القيام بواجباتها الأسرية
وحفاظها على أولادها واهتمامها بهم..
وهي في ذلك تزيح عن باله هماً كبيرا ليتفرغ أكثر لعمله
حتى وصل إلى النجاح الرائع الذي وصل له في شركته
رغم حداثة عمر هذه الشركة
**************************
الساعة 12 منتصف الليل
فارس في غرفته
يتمدد على سريره بجسده الضخم..
ذراعه على وجهه وهو مستغرق في التفكير..
عشرات الأفكار تأخذه وتطوف به جزر متباعدة مختلفة
مابين حقده العميق على العنود
وصوتها برنينه العذب الذي يرفض أن يغادر أذنه حيث سكن
كلما تذكر صوتها الناعم المرتعش
الذي وصلته نبراته الذبّاحة الخائفة عبر الهاتف
يشعر أن قلبه يتقافز بجنون غصبا عنه
وأن هذا الصوت الهامس يدفع في عروقه رغبة هادرة في حمايتها
لا في الانتقام منها!!
يشعر بإحساس غريب..
لـــذيــــذ..
أنه يريد أن يسمع هذا الصوت مرة ثانية وثالثة ورابعة
أن يستمتع بهمساته في أذنه.. في عمق أذنه
في أذنه هو فقط.. ملكه هو فقط
أن....
"اطلعي من راسي.. اطلعي من راسي
أنا أكرهش.. أكرهش.. أكرهش
أطلعي من رأسي"
*****************************
الساعة 3 إلا ربع عصرا بتوقيت واشنطن
جامعة جورج تاون
بقي حوالي ساعة على صلاة العصر
مشعل أنهى عمله في المكتبة.. ويريد العودة لبيته..
ليتغدى ثم يصلي العصر
ليمر بعدها على زوجة عمه سلطان
عبر ساحة كلية الاقتصاد في طريقه للخارج..
صُدم وهو يرى هيا مازالت موجودة بعد معركته معها في الصباح
شعر بغضب شديد
(كيف تبقى كل هذه الساعات في الجامعة.. وتترك أمها!!!)
ومالايعلمه أن هيا وصلت للتو من البيت لأن عندها محاضرة الساعة 3
بعد أن عادت للبيت من الصباح بعد لقاءها مع مشعل
كانت هيا تجلس على كرسي حجري تقلب كتابها وتضع ملاحظاتها عليه
لم تنتبه للظل الضخم الذي غمرها لشدة تركيزها في كتابها
صوت خافت ولكن غامر بالغضب: ممكن أعرف وش تسوين لذا الحزة هنا؟؟
رفعت هيا عيناها له وهي تقول ببرود: موب شغلك..
مشعل يعتصر يده.. في حياته كلها لم يمد يده على واحدة من أخواته..
ولم يخطر بباله أنه قد يضرب امرأة يوما
فالرجل الذي يضرب امرأة ليس رجلا في عرفه
بل لا يستحق في نظره مسمى رجل من يستقوي على امرأة
ولكن هذه الهيا تستفزه.. ولأقصى حد
أصبح يكره هذا الحوار المتحفز معها
وكأنهما في معركة لابد أن يفوز بها أحدهما
لم يعتد أن يكون قاسيا هكذا
فهو لطالما كان حنونا مع شقيقاته
يتمنى لو منحته الفرصة أن يتعامل معها بطريقته التي اعتادها
ولكنها تحاصره في الزاوية وتستفزه حتى النخاع
أمسك بعضدها وهو يوقفها بخفة كأنها ريشة خفيفة
ويصر على أسنانه بغضب شديد: قومي امشي قدامي للبيت..
هيا شعرت بالحرج الشديد وهمست بصوت منخفض:
مشعل عيب عليك تمسكني.. أنا ماني بحلال لك
انتفض مشعل بعنف وهو يفلتها.. كانت المرة الأولى التي تناديه باسمه
كانت دائما تقول "أنت" و "ولد آل مشعل"
شعر مشعل بحرج شديد وهو يتراجع للخلف ويهمس:
أنا آسف.. ماكنت في وعيي... بس أنتي اللي حدتيني..
هيا مازالت تشعر بحرج شديد وهي تشعر بألم في عضدها مكان قبضته القوية
قالت له بهمس وهي عاجزة عن وضع عينيها بعينيه:
خلاص مشعل لو سمحت روح.. أنا عندي محاضرة الحين
ولو سمحت إنك ما تتدخل فيني مرة ثانية
أنا ست سنين وأنا حافظة روحي.. منت باللي بتحفظني الحين!!
********************
مقهى بالقرب من جامعة جورج تاون ومن شقة هيا
باكينام تنتظر هيا
لتشرب معها شاي العصر
فهذه العادة الإنجليزية العريقة مغروسة في باكينام
ولا يمكن أن تفوتها
كانت قد اتفقتا على التقابل هناك
لشرب الشاي
ثم العودة لشقة هيا لتصليا العصر هناك
كانت باكينام متألقة بلباسها بألوانه المنعشة
بنطلون أبيض
وقميص زهري طويل لركبتيها
وحجاب هو خليط من اللونين
متناسب مع لون بشرتها الشفافة وعينيها الخضراوين
جاءها النادل
كان شابا طويلا تبدو ملامحه اللاتينية شديدة الجاذبية
بسمرته وشعره الأجعد وعينيه البنيتين اللامعتين
سألها بانجليزية بنبرة بريطانية سليمة جدا: ماذا تريد سيدتي أن تشرب؟؟
استغربت باكينام لهجته التي لا تسمعها هنا إلا من هيا
وسألته ببريطانية صميمة فخمة:
ليس الآن.. أنتظر صديقتي.. لهجتك ليست من هنا: هل أنت بريطاني؟؟
ابتسم ابتسامة ساحرة كشفت عن صف أسنان رائع: وهل أنت بريطانية؟؟
ابتسمت باكينام: ربما
رد الابتسامة بمثلها وهو يعزز ألقه الغريب الذي طفا حوله كهالة:
وأنا أيضا سأجيبك ربما..
ثم غادر
هزت باكينام رأسها وهي تريد طرد تأثيره من مخيلتها
كان يملأ المكان حولها بحضوره الغريب..
وحين انسحب شعرت بالمكان كصحراء خالية من ألقه..
هزت رأسها مرة أخرى وهي تتناساه
وتستغرق في كتابٍ بيدها
باكينام حكاية غريبة لم تكتمل بعد..
فصراع الأعراق فيها صنع شخصية مركبة مثيرة..
فكما كانت جداتاها غريبتين ، كذا كان جداها
فجدها والد أبوها "عمدة" وأصلهم فلاحون يمتلكون أراضي زراعية شاسعة جدا
حين كان جدها شابا ووالده هو العمدة
أرسله لتركيا ليتفق مع تجار أتراك على شراء محاصيل القطن من أرضهم
تعرف على جدتها "صفيه" أو كما ينادونها بالتركية "سافيا"
نشئت قصة حب ناعمة بينه وبين ابنة التاجر التركي
الحب هذا وجد معارضة حادة على الجبهتين المصرية والتركية
ولكنهما تزوجا في النهاية
وعاشا أشبه ما يكون بقط وفأر
فصفية لابد أن تسب العرب وهو سيرد
ولكن بقي الحب العميق يجمعهما حتى توفي
وبقيت صفيه تلعنه وتتحسر عليه
أما جد باكينام الإنجليزي فهو حكاية عويصة هو الآخر
فوالده كان لوردا من مجلس اللوردات البريطاني
ووقع في غرام زميلته في الجامعة "فيكتوريا"
التي كان والدها أحد الثوار الايرلنديين
علاقة حبهما كانت أشبه بخيانة وطنية على الطرفين
ولكن لتذهب الحروب إلى الجحيم
تزوجا.. ونقلا الحرب لبيتهما في علاقة غريبة جمعتهما
خليط من الحب الكاسح والعداوة المرة
فكلاهما مقتنع بحق بلده وكلاهما يذوب في الآخر
رحل اللورد البريطاني وترك الليدي فيكتوريا
تلعنه أيضا وتتحسر عليه
وحين جاء دور الجيل الثاني
والد باكينام ووالدتها
الاثنان وجدا معارضة أشد
(ويا للغرابة!! يحرمان على أبنائهم ما أباحوه لأنفسهم!!)
فكيف يقبل العمدة والسيدة التركية المعتدة بنفسها
أن يتزوج ابنهما من لا أصل لها
وكيف يقبل اللورد والليدي الايرلندية
أن تتزوج ابنتهما من هذا العربي القادم من عمق الصحراء والجهل؟!!
تزوجا طه وسوزان دون اهتمام باعتراض أحد
وجاء الجيل الثالث
باكينام
سليلة العناد المتأصل والأعراق المتنافرة
فما الذي ينتظرها؟!!
**************************
مجلس آل مشعل
الحوار غير المتوقع مستمر بين ناصر وراكان
راكان يشتعل غضبا: حد غيرك يدري؟؟
ناصر بغضب هذه المرة: أظني إنك تعرفني يا ولد أبي..
لو بأقول لأحد كان قلت من زمان..
وبعدين أنت تدري إنه موضوع مثل ذا ما ينقال..
ثم أكمل وهو يتمالك نفسه: والليلة خلاص ماني بمخليك لين أعرف السالفة كلها..
يومك تحبها ليه خليتها؟؟؟
راكان بغضب: تحشم يا ناصر.. عيب عليك..
ناصر بهدوء عميق: راكان تراني أخيك.. واللي يعيبك تراه يعيبني..
أنا طول السنين اللي فاتت وأنا ساكت
حتى يوم أنت خليتها.. أنا احترقت ألف مرة ليش تخليها..
بس سكتت ولا قلت لك شيء
واحترمت خصوصياتك
بس الليلة خلاص..وصلت حدي.. لازم أعرف كل شيء
وأظنك عارفني.. بيري مهوب قريب.. والعلم اللي وراي مايندرى به
سرك 8 سنين وهو معي.. حد درى فيه يعني؟؟
تنهد راكان..
متعبٌ هذا الراكان.. متعب..
مثقل بالهم والوحدة .. والوحشة التي غزت روحه
متعب من منفاه الاختياري الذي نفى روحه فيه وأقصاها
متعب من الكبت والكتمان
وهاهو ناصر يمد له يد البوح
يريد أن يتمسك بهذه اليد.. يريد أن يتخلص من بعض أحماله
يريد أن يشعر بنفسه خفيفا من ثقل آلامه المنغرزه في روحه
همس كأنه يحادث نفسه:
كنت أحبها .. وانتبه أني أقول كنت..
لأني ماني برخيص عشان أفكر بمره متزوجة..
من يوم هي تزوجت نزعتها من قلبي نزع
أحرقت قلبي عشان ينساها
والحين مابقى من قلبي غير رماد
قبل 11 سنة..
كان عمري 19 سنة يوم بدا إحساسي فيها يختلف..
يمكن عشان تغطت مني وانحرمت من شوفتها
كانت أحسها أميرة.. مهرة.. شيء فوق الخيال..
كانت عندي القمر والشمس والسحاب مع أني ماكنت أشوفها
كنت أوقف قريب من بيتهم..
أقول يمكن أشم ريحة عطرها
يمكن أسمع صوتها..
يمكن أشوف زولها طالعة وإلا داخلة..
كان يكفيني إحساسي بقربها..
إحساسي إنها قريبة..
إحساسي بروحها الطاهرة..
أدري الحب في عرفنا وعاداتنا حرام وعيب..
ومهوب ولد مشعل اللي تطلع منه العيبه
كتمت حبها في قلبي.. واحنا نكبر وحبها يكبر..
لحد ما تمكن من روحي وأنا ماعندي غير القصايد
عبيت دفتر كامل لها
ديوان شعر كامل لها هي بروحها
كل صفحة باسمها.. كل صفحة هي نزف روحي لها وعشانها
ناصر باستغراب مملوء بالأسى والتضامن مع شقيقه:
زين يوم إنك كنت تحبها ذا الحب كله..
ليه تخليها... ليه تخليها؟؟؟.
راكان بأسى مرٍّ منتزع من أعمق أعماقه:
لأني وقتها كنت متزوج..
مجلس آل مشعل
الساعة 11 و40 دقيقة ليلا
ناصر يميل على أذن راكان ويقول بنبرة خاصة جدا وعميقة:
راكان أشرايك تقول لي بنفسك: أنت ليش ما تبي تتزوج؟؟
أو تحب أنا اللي أقول لك؟!!!
راكان أنتفض بغضب وهو ينظر لناصر نظرة حادة: وش تقصد؟؟
ناصر هزَّ كتفيه: لمعلوماتك أنا أعرف سرك من 8 سنين..
كل سنة تمر كنت أحسبك بتعقل وتنسى..
راكان بتوجس: أي سر؟؟
ناصر ابتسم: اللي أنت كاتب لها ديوان شعر كامل..
راكان يقف بغضب هادر وهو يرتعش من شدة الغضب:
أنت أشلون تسمح لنفسك تقلب في أغراضي..
ناصر مازال مستمرا في الابتسام: اقعد بس لا ينقطع لك عرق..
أنا لا قلبت أغراضك ولا شيء..
قبل حوالي 8 سنين كنت جاي أصحيك لصلاة الفجر..
شفته جنبك والقلم عليه.. قلبت فيه بدون قصد..
راكان يشتعل غضبا: حد غيرك يدري؟؟؟
ناصر بغضب هذه المرة: أظني إنك تعرفني يا ولد أبي..
لو بأقول لأحد كان قلت من زمان..
وبعدين أنت تدري إنه موضوع مثل ذا ما ينقال..
ثم أكمل وهو يتمالك نفسه: والليلة خلاص ماني بمخليك لين أعرف السالفة كلها..
يومك تحبها ليه خليتها؟؟؟
******************************
قبل ذلك بحوالي نصف ساعة
بيت مشعل بن محمد
يوم اعتيادي جدا في حياة لطيفة ومشعل
يمثل نظام حياتهم طيلة السنوات الماضية
لطيفة في غرفتها بعد أن نام أولادها..
تقلب كتب أولادها وتعد لهم مراجعات
حتى يحلوها في الغد
كانت ترتدي بنطلونا أحمرَ من الساتان الثقيل
مع بلوزة بيضاء (هاي نك) بدون أكمام
تلتصق بجسدها عليها ورود حمراء..
وشعرها المدرج يتناثر على كتفيها..
ووجهها تكاد ملامحه تذوب رقة وجمالا
مع أحمر شفاهها الشهي الساكن على شفتيها البهيتين..
كانت فتنة مجسدة.. بل شيء يتجاوز حدود الفتنة إلى درجات الاغواء والهلوسة..
دخل عليها مشعل وألقى السلام دون أن يلتفت إليها
وهو يلقي غترته على السرير ويدخل إلى الحمام
ردت لطيفة السلام بهدوء
فهي اعتادت على سلامه البارد هذا..
وقامت لتأخذ غترته وتضعها في سلة الغسيل
ثم فتحت الدولاب لتخرج له ملابسه.. عطرتها بعطره المفضل
ووضعتها على السرير..
وأغلقت التكييف لأنها تخشى عليه أن يمرض..
ثم عادت لعملها في الكتب..
بعد دقائق خرج مشعل بفوطته الملفوفة على خصره..
وضعت لطيفة الكتب جانبا وقامت لتعطيه ملابسه..
كما اعتادت.. وكما اعتاد!!
تناول منها ملابسه..وهو يتمتم بشكر بارد
وعاد بها لغرفة التبديل وارتداها
ولطيفة توجهت للحمام لتنظفه بشكل سريع
ثم ألتقطت ملابسه وفوطته الملقاة على أرضية غرفة التبديل
ووضعتها في سلة الملابس
ثم عادت لطيفة لعملها
وكان مشعل قد جلس قريبا منها
تناول جهاز التحكم.. وشرع في التغيير بين القنوات
لطيفة بحنان: تعشيت حبيبي؟؟
مشعل بهدوء وهو يلتفت عليها: تعشيت..
عادت لطيفة لعملها.. ومشعل يتأملها دون أن يستوقفه أي شيء فيها
لا جمالها.. ولا أناقتها..ولا إغراء ملامحها
ولا إثارة تفاصيل جسدها المتبدية في لباسها الأنيق
ولا حتى طريقتها العذبة في الكلام
ثم سألها: شتسوين؟؟ (وكأن ما تفعل هو الشيء الوحيد الذي قد يستحق الاهتمام فيها وفي علاقته بها)
لطيفة رفعت رأسها وهي تنظر له بحب هادر
(يا الله كم تعشق تفاصيل وجهه! وكل يوم يمر تزيد له عشقاً) همست بعذوبة:
أسوي مراجعة لمريوم وحمود عندهم الامتحانات الشهرية ذا الأيام..
مشعل بهدوء: إذا جابوا نتيجة زينة بأوديهم (تويز أر أص) يختارون الهدية اللي يبونها
لطيفة باعتراض: حبيبي مايصير.. أنت مخربهم علي بالدلع..
خل (تويز أر أص) إذا نجحوا نص السنة..
مشعل بذات هدوءه: يا بنت الحلال هدية نص السنة شيء ثاني..
وبالفعل مشعل كان شديد الحنان على أولاده.. ويفرط في دلالهم..
لولا أن لطيفة كانت هي من تشد عليهم
أو كان أفسدهم جميعا بالدلال..
وخصوصا الصغيرة "جود" التي هو مولع بها وهي مولعة به
وكأن مشعل في تدليله لهم.. يحاول التعويض عن إنشغاله عنهم في عمله
ولكن كان دائما ما يطمئنه عليهم هو وجود لطيفة..
التي يعرف أنها تحكم إدارة البيت بقبضة حديدية
رغم إحساس مشعل البارد بلطيفة..
إلا أنه لا يستطيع إنكار براعتها في القيام بواجباتها الأسرية
وحفاظها على أولادها واهتمامها بهم..
وهي في ذلك تزيح عن باله هماً كبيرا ليتفرغ أكثر لعمله
حتى وصل إلى النجاح الرائع الذي وصل له في شركته
رغم حداثة عمر هذه الشركة
**************************
الساعة 12 منتصف الليل
فارس في غرفته
يتمدد على سريره بجسده الضخم..
ذراعه على وجهه وهو مستغرق في التفكير..
عشرات الأفكار تأخذه وتطوف به جزر متباعدة مختلفة
مابين حقده العميق على العنود
وصوتها برنينه العذب الذي يرفض أن يغادر أذنه حيث سكن
كلما تذكر صوتها الناعم المرتعش
الذي وصلته نبراته الذبّاحة الخائفة عبر الهاتف
يشعر أن قلبه يتقافز بجنون غصبا عنه
وأن هذا الصوت الهامس يدفع في عروقه رغبة هادرة في حمايتها
لا في الانتقام منها!!
يشعر بإحساس غريب..
لـــذيــــذ..
أنه يريد أن يسمع هذا الصوت مرة ثانية وثالثة ورابعة
أن يستمتع بهمساته في أذنه.. في عمق أذنه
في أذنه هو فقط.. ملكه هو فقط
أن....
"اطلعي من راسي.. اطلعي من راسي
أنا أكرهش.. أكرهش.. أكرهش
أطلعي من رأسي"
*****************************
الساعة 3 إلا ربع عصرا بتوقيت واشنطن
جامعة جورج تاون
بقي حوالي ساعة على صلاة العصر
مشعل أنهى عمله في المكتبة.. ويريد العودة لبيته..
ليتغدى ثم يصلي العصر
ليمر بعدها على زوجة عمه سلطان
عبر ساحة كلية الاقتصاد في طريقه للخارج..
صُدم وهو يرى هيا مازالت موجودة بعد معركته معها في الصباح
شعر بغضب شديد
(كيف تبقى كل هذه الساعات في الجامعة.. وتترك أمها!!!)
ومالايعلمه أن هيا وصلت للتو من البيت لأن عندها محاضرة الساعة 3
بعد أن عادت للبيت من الصباح بعد لقاءها مع مشعل
كانت هيا تجلس على كرسي حجري تقلب كتابها وتضع ملاحظاتها عليه
لم تنتبه للظل الضخم الذي غمرها لشدة تركيزها في كتابها
صوت خافت ولكن غامر بالغضب: ممكن أعرف وش تسوين لذا الحزة هنا؟؟
رفعت هيا عيناها له وهي تقول ببرود: موب شغلك..
مشعل يعتصر يده.. في حياته كلها لم يمد يده على واحدة من أخواته..
ولم يخطر بباله أنه قد يضرب امرأة يوما
فالرجل الذي يضرب امرأة ليس رجلا في عرفه
بل لا يستحق في نظره مسمى رجل من يستقوي على امرأة
ولكن هذه الهيا تستفزه.. ولأقصى حد
أصبح يكره هذا الحوار المتحفز معها
وكأنهما في معركة لابد أن يفوز بها أحدهما
لم يعتد أن يكون قاسيا هكذا
فهو لطالما كان حنونا مع شقيقاته
يتمنى لو منحته الفرصة أن يتعامل معها بطريقته التي اعتادها
ولكنها تحاصره في الزاوية وتستفزه حتى النخاع
أمسك بعضدها وهو يوقفها بخفة كأنها ريشة خفيفة
ويصر على أسنانه بغضب شديد: قومي امشي قدامي للبيت..
هيا شعرت بالحرج الشديد وهمست بصوت منخفض:
مشعل عيب عليك تمسكني.. أنا ماني بحلال لك
انتفض مشعل بعنف وهو يفلتها.. كانت المرة الأولى التي تناديه باسمه
كانت دائما تقول "أنت" و "ولد آل مشعل"
شعر مشعل بحرج شديد وهو يتراجع للخلف ويهمس:
أنا آسف.. ماكنت في وعيي... بس أنتي اللي حدتيني..
هيا مازالت تشعر بحرج شديد وهي تشعر بألم في عضدها مكان قبضته القوية
قالت له بهمس وهي عاجزة عن وضع عينيها بعينيه:
خلاص مشعل لو سمحت روح.. أنا عندي محاضرة الحين
ولو سمحت إنك ما تتدخل فيني مرة ثانية
أنا ست سنين وأنا حافظة روحي.. منت باللي بتحفظني الحين!!
********************
مقهى بالقرب من جامعة جورج تاون ومن شقة هيا
باكينام تنتظر هيا
لتشرب معها شاي العصر
فهذه العادة الإنجليزية العريقة مغروسة في باكينام
ولا يمكن أن تفوتها
كانت قد اتفقتا على التقابل هناك
لشرب الشاي
ثم العودة لشقة هيا لتصليا العصر هناك
كانت باكينام متألقة بلباسها بألوانه المنعشة
بنطلون أبيض
وقميص زهري طويل لركبتيها
وحجاب هو خليط من اللونين
متناسب مع لون بشرتها الشفافة وعينيها الخضراوين
جاءها النادل
كان شابا طويلا تبدو ملامحه اللاتينية شديدة الجاذبية
بسمرته وشعره الأجعد وعينيه البنيتين اللامعتين
سألها بانجليزية بنبرة بريطانية سليمة جدا: ماذا تريد سيدتي أن تشرب؟؟
استغربت باكينام لهجته التي لا تسمعها هنا إلا من هيا
وسألته ببريطانية صميمة فخمة:
ليس الآن.. أنتظر صديقتي.. لهجتك ليست من هنا: هل أنت بريطاني؟؟
ابتسم ابتسامة ساحرة كشفت عن صف أسنان رائع: وهل أنت بريطانية؟؟
ابتسمت باكينام: ربما
رد الابتسامة بمثلها وهو يعزز ألقه الغريب الذي طفا حوله كهالة:
وأنا أيضا سأجيبك ربما..
ثم غادر
هزت باكينام رأسها وهي تريد طرد تأثيره من مخيلتها
كان يملأ المكان حولها بحضوره الغريب..
وحين انسحب شعرت بالمكان كصحراء خالية من ألقه..
هزت رأسها مرة أخرى وهي تتناساه
وتستغرق في كتابٍ بيدها
باكينام حكاية غريبة لم تكتمل بعد..
فصراع الأعراق فيها صنع شخصية مركبة مثيرة..
فكما كانت جداتاها غريبتين ، كذا كان جداها
فجدها والد أبوها "عمدة" وأصلهم فلاحون يمتلكون أراضي زراعية شاسعة جدا
حين كان جدها شابا ووالده هو العمدة
أرسله لتركيا ليتفق مع تجار أتراك على شراء محاصيل القطن من أرضهم
تعرف على جدتها "صفيه" أو كما ينادونها بالتركية "سافيا"
نشئت قصة حب ناعمة بينه وبين ابنة التاجر التركي
الحب هذا وجد معارضة حادة على الجبهتين المصرية والتركية
ولكنهما تزوجا في النهاية
وعاشا أشبه ما يكون بقط وفأر
فصفية لابد أن تسب العرب وهو سيرد
ولكن بقي الحب العميق يجمعهما حتى توفي
وبقيت صفيه تلعنه وتتحسر عليه
أما جد باكينام الإنجليزي فهو حكاية عويصة هو الآخر
فوالده كان لوردا من مجلس اللوردات البريطاني
ووقع في غرام زميلته في الجامعة "فيكتوريا"
التي كان والدها أحد الثوار الايرلنديين
علاقة حبهما كانت أشبه بخيانة وطنية على الطرفين
ولكن لتذهب الحروب إلى الجحيم
تزوجا.. ونقلا الحرب لبيتهما في علاقة غريبة جمعتهما
خليط من الحب الكاسح والعداوة المرة
فكلاهما مقتنع بحق بلده وكلاهما يذوب في الآخر
رحل اللورد البريطاني وترك الليدي فيكتوريا
تلعنه أيضا وتتحسر عليه
وحين جاء دور الجيل الثاني
والد باكينام ووالدتها
الاثنان وجدا معارضة أشد
(ويا للغرابة!! يحرمان على أبنائهم ما أباحوه لأنفسهم!!)
فكيف يقبل العمدة والسيدة التركية المعتدة بنفسها
أن يتزوج ابنهما من لا أصل لها
وكيف يقبل اللورد والليدي الايرلندية
أن تتزوج ابنتهما من هذا العربي القادم من عمق الصحراء والجهل؟!!
تزوجا طه وسوزان دون اهتمام باعتراض أحد
وجاء الجيل الثالث
باكينام
سليلة العناد المتأصل والأعراق المتنافرة
فما الذي ينتظرها؟!!
**************************
مجلس آل مشعل
الحوار غير المتوقع مستمر بين ناصر وراكان
راكان يشتعل غضبا: حد غيرك يدري؟؟
ناصر بغضب هذه المرة: أظني إنك تعرفني يا ولد أبي..
لو بأقول لأحد كان قلت من زمان..
وبعدين أنت تدري إنه موضوع مثل ذا ما ينقال..
ثم أكمل وهو يتمالك نفسه: والليلة خلاص ماني بمخليك لين أعرف السالفة كلها..
يومك تحبها ليه خليتها؟؟؟
راكان بغضب: تحشم يا ناصر.. عيب عليك..
ناصر بهدوء عميق: راكان تراني أخيك.. واللي يعيبك تراه يعيبني..
أنا طول السنين اللي فاتت وأنا ساكت
حتى يوم أنت خليتها.. أنا احترقت ألف مرة ليش تخليها..
بس سكتت ولا قلت لك شيء
واحترمت خصوصياتك
بس الليلة خلاص..وصلت حدي.. لازم أعرف كل شيء
وأظنك عارفني.. بيري مهوب قريب.. والعلم اللي وراي مايندرى به
سرك 8 سنين وهو معي.. حد درى فيه يعني؟؟
تنهد راكان..
متعبٌ هذا الراكان.. متعب..
مثقل بالهم والوحدة .. والوحشة التي غزت روحه
متعب من منفاه الاختياري الذي نفى روحه فيه وأقصاها
متعب من الكبت والكتمان
وهاهو ناصر يمد له يد البوح
يريد أن يتمسك بهذه اليد.. يريد أن يتخلص من بعض أحماله
يريد أن يشعر بنفسه خفيفا من ثقل آلامه المنغرزه في روحه
همس كأنه يحادث نفسه:
كنت أحبها .. وانتبه أني أقول كنت..
لأني ماني برخيص عشان أفكر بمره متزوجة..
من يوم هي تزوجت نزعتها من قلبي نزع
أحرقت قلبي عشان ينساها
والحين مابقى من قلبي غير رماد
قبل 11 سنة..
كان عمري 19 سنة يوم بدا إحساسي فيها يختلف..
يمكن عشان تغطت مني وانحرمت من شوفتها
كانت أحسها أميرة.. مهرة.. شيء فوق الخيال..
كانت عندي القمر والشمس والسحاب مع أني ماكنت أشوفها
كنت أوقف قريب من بيتهم..
أقول يمكن أشم ريحة عطرها
يمكن أسمع صوتها..
يمكن أشوف زولها طالعة وإلا داخلة..
كان يكفيني إحساسي بقربها..
إحساسي إنها قريبة..
إحساسي بروحها الطاهرة..
أدري الحب في عرفنا وعاداتنا حرام وعيب..
ومهوب ولد مشعل اللي تطلع منه العيبه
كتمت حبها في قلبي.. واحنا نكبر وحبها يكبر..
لحد ما تمكن من روحي وأنا ماعندي غير القصايد
عبيت دفتر كامل لها
ديوان شعر كامل لها هي بروحها
كل صفحة باسمها.. كل صفحة هي نزف روحي لها وعشانها
ناصر باستغراب مملوء بالأسى والتضامن مع شقيقه:
زين يوم إنك كنت تحبها ذا الحب كله..
ليه تخليها... ليه تخليها؟؟؟.
راكان بأسى مرٍّ منتزع من أعمق أعماقه:
لأني وقتها كنت متزوج..
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء السابع عشر
الحوار مستمر بين ناصر وراكان
ناصر باستغراب مملوء بالأسى: زين يومك إنك كنت تحبها ذا الحب كله..
ليه تخليها.. ليه تخليها؟؟..
راكان بأسى مرٍّ منتزع من أعمق أعماقه:
لأني وقتها كنت متزوج..
ناصر قفز كأنه لُدغ: متزوج؟؟
راكان بحزن عميق: كنت..
ناصر والكلمات تخرج متناثرة من بين شفتيه.. وأحاسيسه ضائعة
ومشاعره مرتبكة (راكان يتزوج في السر!!!)
ناصر بنبرة متقطعة مليئة بالدهشة: أنت يا راكان تتزوج في السر؟!!
ومن سنين بعد؟!!
تدري أنا أتخيل أني ممكن أسويها.. حتى ممكن أتخيل مشعل يسويها
بس أنت لا.. مستحيل.. مستحيل
حزين راكان أن تهتز صورته أمام شقيقه الأصغر..
"لا تعجل يا ناصر على راكان حتى تسمع الحكاية لأخرها"
************************
غرفة مريم
الساعة 12,45 بعد منتصف الليل
صلت مريم تهجدها.. وتستعد للنوم..
منهكة جدا.. اليوم كان منهكاً وطويلاً بالنسبة لها
واستنزفها بكاء العنود.. فهي لا تحتمل أدنى شيء يضايق هذه الصغيرة
تمددت مريم وهي تضع سماعات المسجل على رأسها وتستمتع لآيات من القرآن
بعد دقائق فُتح الباب
لم تسمع فتح الباب بسبب السماعات.. ولكنها اشتمت الرائحة العذبة
أقفلت المسجل وأزالت السماعات وهي تقول بحنان: تعالي العنود..
العنود دخلت وأغلقت الباب خلفها وهي تقول بتردد: أقدر أنام عندش مريم..؟؟
مريم بحنان وهي تزيح لها مكاناً على جانبها على سريرها المزدوج
الذي جعلته مزدوجا من أجل العنود..
التي كانت كثيرا ما تتسلل ليلاً لتندس معها في سريرها
وتربت على المكان الخالي جوارها.. لتزحف إليه العنود بخفة..
مريم تبتسم: وش الأدب اللي عندش اليوم.. تستاذنين وتنسدحين بشويش
بالعادة ما أشوفش إلا مروعتني وانت ناطة جنبي..
العنود وهي تتمدد بجوار مريم وتمسك بيدها وتقول بضعف:
تظنين فارس زعلان عليّ..؟؟
مريم ضحكت: فديت اللي مهوب قادرين ينامون
يحاتون زعل حبيب القلب..
العنود بتوتر: مريم والله مالي مزاج أمزح..
مريم بحنان وهي تمسح شعر العنود: أكيد مهوب زعلان عليش..
حد يقدر يزعل على أحلى بنت في الدوحة..
وأكشخ بنت في الدوحة.. وأشيخ بنت في الدوحة..
العنود تقاطعها وهي تبتسم بشفافية مغلفة بالحزن:
خلاص.. خلاص.. يالنصابة.. صدقتش الحين!!!
*********************
واشنطن دي سي
الساعة الرابعة وعشر دقائق عصرا
المقهى قرب شقة هيا
مازالت باكينام تنتظر هيا
وهي مستغرقة في قراءة كتابها
وكلما رفعت عينيها وجدتها تتبع القامة الطويلة
التي تجوب الطاولات برشاقة
وأكثر من مرة التقت عيناها بعينيه الآسرتين، آسرتين كما شعرت هي بها
(اختشي يا بت باكينام
الراجل هيئول دي ما شافتش رجالة ئبل كده)
جاءت هيا أخيرا
ألقت السلام وجلست بصمت
فمازالت تحت تأثير خجلها مما حدث بينها وبين مشعل
باكينام بابتسامة: مالك يا بت؟؟ نازل عليكي سهم الله
هيا بهدوء: مافيه شيء.. نطلب؟؟
باكينام بمرح: نطلب.. وتعرفي يا بت
أنا شكلي هأغير من الأمريكاني للمكسيكانو (تقولها "بعيارة")
ابتسمت هيا: يا سلام عليج وأنتي تنقين بس!!
وليش المكسيكانو بالتحديد..؟؟
باكينام وهي تأشر بعينها: شوفي الجرسون اللي هيجي دلوئت؟؟
عاد اللاتيني الوسيم: جاءت صديقتك أخيرا.. وأعتقد أنه وقت الطلب..
باكينام بعذوبة: شاي بريطاني لو سمحت..
ابتسم: عاداتكم العريقة ترتحل معكم..
ابتسمت باكينام وهي تقول : ربما
وهيا صامتة تراقب خيط النظرات الغريب المتصل بينهما
غادر وباكينام تلتفت لهيا وتقول: إيه رايك؟؟
ضحكت هيا: تبين الجرسون؟؟
ضحكت باكينام: أنتي عايزة بابا وأنّـا ينتحروا..
لأ طبعا.. أنا ئصدي الستايل بتاعو
يهوس.. يجنن.. أنا هأحول على الطلبة المكسيكانو اللي معايا
ابتسمت هيا وهي تقول بصراحة: تبين الصدق؟!!!
حتى لو هو مكسيكي لكن شكله مصري مصري مصري صميم..
الظاهر الدم يحن..
باكينام باستنكار: حرام عليكي.. الواد الئشطه دا شبه الغفر اللي هناك..
هيا هزت أكتافها: أنتي مخج تعبان.. والله العظيم ماعندج عيون..
*****************************
بيت عبدالله بن مشعل
بين غرفة الجدة في الأسفل
وغرفة مشاعل في الأعلى
أم محمد جافى النوم عينيها..
خليط من المشاعر يلفها ويثقل على روحها الـمُستنزفة
"بنت سلطان!! هيا !! بنتي!! بنت ولدي سلطان!!"
آه يا سلطان حرموك من أمك
وحرموها منك..
حال بينكما الكبرياء الزائف اللعين..
حياة مرة قاسية عاشها كل منهما..
رحل سلطان بحزنه.. وارتحل الحزن إلى روح الجدة وسكنها
ترتعش الجدة وذكريات سلطان تغتالها
تتذكر سلطان طفلا في أحضانها
ثم شابا طويلا عريضا هي من تضيع في أحضانه
ثم بردا قارسا يلف سلطان ويلفها
حرموه أحضانها وحرموها أحضانه
" هيا .. أيتها الصغيرة.. جدتكِ تقتلها اللهفة إليكِ..
يغتالها الشوق لرائحة سلطان في ثناياكِ"
(بكرة بأكلم مشعل عشان أكملها
أبي أسمع صوتها
يصبرني شوي لين أشوفها)
في الأعلى حيث مشاعل
تتمدد على سريرها
مشغولة هذه الصبية بالتفكير في الكل..
ضايقها زحف شعرها القصير إلى وجهها
قامت لترفعه برباط مطاطي
رفعته للأعلى بشكل عشوائي وخصله القصيرة تتناثر على وجهها العذب لتزيده عذوبة
كان شعرها كستنائيا شديد النعومة ومتوسط الكثافة..
تقصه منذ سنوات قصة (كاريه) كلاسيكية تصل لأسفل عنقها الطويل
قصة تتناسب برقيها ونعومتها مع شخصية مشاعل الهادئة العميقة وجمالها الهادئ
كجدتها النوم يجافيها..
قامت وفتحت جهاز حاسوبها المحمول..
ستتصفح صحف الغد (لابد أنها صدرت الآن.. الساعة الآن الساعة الواحدة)
تقلب الصحف.. تقرأ بهدوء ساكن
يشبه الهدوء الذي يلفها
فاجأتها صورة اقتحمت سكونها
صورة أرشيفية لناصر في تحقيق عن فريق سباقات التحمل..
كانت صورة رائعة لناصر وهو يمتطي "الجليلة" بشموخ..
(كم يبدو وسيما.. ومبهرا!!) همست مشاعل في داخلها
"أف وش ذا الأفكار الغبية؟!!"
أغلقت مشاعل الجهاز فورا ..
ومشاعر شتى تقتحم روحها الشفافة..
"لمتى وأنتي كذا يا مشاعل؟؟
زواجي بعد أقل من 3 شهور.. وأنا حتى اسمه وصورته استحي منها
ومن ناحية ثانية: ترا ناصر مهوب لازم إنه بارد مثل مشعل
ولا متوحش مثل حمد"
" وأنا بعد وش يضمني إنه ما يكون أسوأ منهم ثنينهم؟!!
وش يضمني؟!!
خايفة.. خايفة..خايفة!!"
****************************
مجلس آل مشعل
وثورة الأسرار التي فتحها ناصر
وفجرها راكان
ناصر بصدمة: أنت يا راكان.. انت تتزوج من ورانا.. ليه؟؟ ليه؟؟
راكان بحزن: الله يرحمك ياعمي سلطان..
عمي سلطان فتح لنا باب وسوى لنا رعب..
ناصر باستغراب: وعمي سلطان وش دخله فيك؟؟
راكان بعمق وهو يستعيد الحكاية من البداية:
تذكر يا ناصر.. محمد اللي كان معي في الفريق اللي توفى قبل كم سنة؟؟
ناصر بتذكر وهو يعصر مخه: مهوب اللي قتل نفسه بطلقة
وهو ينظف سلاحه وأنتو في اليابان؟؟
راكان بحزن: بلى هو نفسه.. أنا اللي كنت معه في الغرفة.. كنت في الحمام.. ولما سمعت الطلقة طلعت متروع..
أنا شفت إصابته عرفت إنه يومه وقف..الله يرحمه
لقيت وجهه للقبلة وقعدت ألقنه الشهادة.. تشهد يجعل مثواه الجنة
لكن ماكان على لسانه إلا كلمة وحده
"عيالي في رقبتك ياراكان.. عيالي مالهم حد"
ناصر بتوجس: وعقب
راكان وهو يتذكر بأسى: رجعناه للدوحة..
وصرت أمر دايم على بيته وعياله
عنده 3 عيال أكبرهم ذاك الوقت كان ولد أبو 12 سنة
ومحمد ماكان له أخوان ولا أخوات
ومرته كان لها أخين صغار ساكنين معها
أنا كنت أجي للمجلس وأجيب لهم أغراضهم وأشوف هم وش يبون
لكن جيرانهم الله يهداهم صاروا يتكلمون على مرت محمد بالشينة
ماقدرت أخلي المره تنضر سمعتها وهي رايتها بيضاء وخصوصا إنها عندها بنات
ناصر بصدمة: لا تقول إنك تزوجتها؟؟
راكان بحزن: إلا.. تزوجتها.. من سبع سنين.. وطلقتها قبل كم شهر..
ناصر بثورة: أنت مجنون.. حد قال إنك مؤسسة الشؤون الاجتماعية؟؟
راكان بعمق: ناصر أنت لو انحطيت في نفس موقفي..
صدقني بتسوي نفسي..
هذي جينات آل مشعل الخبلان
عشان كذا قلت الله يرحم عمي سلطان..
لأني حسيت بإحساسه يوم انحطيت في موقفه
وعشت السبع سنين اللي فاتت في رعب إنه ابي يعرف ويطردني..
الله يرحمك ياعمي سلطان.. الله يرحمك أشلون استحملت بعد هلك
أنا مجرد الفكرة ما قدرت استحملها..أشلون وأنت عانيتها لين مت بعيد عنا
ناصر باستفهام متخوف: لا يكون عندك عيال بس..
راكان ابتسم ابتسامة باهتة: أصلا مرت محمد حتى وجهها ماشفته..
ثم أكمل بهدوء: اتفقت معها أتزوجها عشان جيرانها يلمون ألسنتهم
وأنا أراعيها هي وعيالها وأخوانها.. لين يكبر ولدها وأخوانها..
لين قبل كم شهر ولد محمد الكبير خلص ثانوية ودخل الشرطة
وهو اللي طلب مني أطلق أمه.. وطلقتها..
ناصر باستفهام: زين أنت كنت متزوج زواج صوري وفي السر..
ليه خليت موضي؟؟
كنت تقدر تزوج موضي.. وفي نفس الوقت تظل متزوج مرت محمد وتراعي عياله..
راكان انتفض بعنف: كان مستحيل أبني حياتي مع موضي على كذب..
واكون مخبي عنها موضوع مثل هذا..
ثم أكمل بحزن: موضي تستحق واحد تكون هي الوحيدة في حياته
ماحد يشاركها حتى في أفكاره
ناصر يتنهد بعمق: زين يومك تقول إنك نزعت حب موضي من قلبك
والمرة اللي انت متزوجها طلقتها قبل كم شهر...
وش يمنعك تتزوج الحين؟؟؟
راكان بحزن عميق وصميمي كعمق راكان وبعد غوره:
فيه شيء في روحي مات يا ناصر..
ماتت فرحتي ولهفتي للزواج
اضطريت أتزوج وأنا شاب صغير عشان الواجب
ضاعت مني فرحتي بزواجي.. فرحة الشاب بلمة ربعه حوله
فرحته بحياة جديدة مع الإنسانة اللي بتكون نصفه الثاني
ثم ضاعت موضي قدام عيني.. وأنا احترق ولا أقدر أسوي شيء
وعقبها أحرقت قلبي بنفسي
قطعت عروقه عشان ينساها
نساها..
لكنه مات.. وانتهى
جفت عروقه ويبست..
وأنا خلاص فقدت كل رغبة بالزواج..
روحي مليانه هم ماعدت أعرف له سبب
**********************************
الساعة 12 ونصف بعد نصف الليل
غرفة لطيفة ومشعل
لطيفة أنهت صنع المراجعة لأولادها
وقامت تريد أن تستحم وتصلي قيامها قبل أن تنام..
فغدا السبت إجازة ولكنها تريد أن توقظ أولادها مبكرا حتى تدرسهم
مشعل يتابع النشرة الاقتصادية.. رأى لطيفة على وشك القيام
سألها وعيناه مثبتتان على الشاشة: وين بتروحين؟؟
لطيفة بنعومة: بأقوم أتسبح وأصلي..
مشعل يكتم صوت التلفاز ويلتفت إليها: اقعدي لطيفة.. أبيش في موضوع
لطيفة عادت للجلوس ووهي تقول باهتمام: هلا آمرني حبيبي..
نغزه قلبه من قولها "حبيبي" بينما هو يريد أن يفاتحها في موضوع أبعد ما يكون عن الحب..
مشعل بهدوء رغم توتره.. لم يعلم أن الأمر سيكون صعبا ومريرا هكذا :
لطيفة أنتي تدرين إنش غالية وقدرش عالي عندي..
لطيفة لم ترتح لهذه المقدمة التي لم تعتدها من مشعل: أدري.. الله يعز شانك
مشعل بذات الهدوء المتوتر وهو يشعر أن الأمر يزداد صعوبة عليه:
يعني مهما يكون أو مهما يصير إنتي قدرش ما يتغير..وبتظلين غالية..
لطيفة سحبت نفسا عميقا وهي تشعر بتوجس مرعب لا تعرف له سببا:
مشعل بدون مقدمات .. أنت وش تبي تقول؟؟
مشعل ألقى جملته وكأنه يزيح هما عن كاهله: أنا أفكر أتزوج مرة ثانية..
لطيفة مازالت لم تستوعب.. وكأن الخطاب غير موجه لها
وكأن المتحدث ليس زوجها..
أحرفها مقطعة تائهة:
أنت.. أنت تبي تزوج علي أنا؟؟ أنا ؟؟؟؟!!!!! علي أنا؟؟!!
الحوار مستمر بين ناصر وراكان
ناصر باستغراب مملوء بالأسى: زين يومك إنك كنت تحبها ذا الحب كله..
ليه تخليها.. ليه تخليها؟؟..
راكان بأسى مرٍّ منتزع من أعمق أعماقه:
لأني وقتها كنت متزوج..
ناصر قفز كأنه لُدغ: متزوج؟؟
راكان بحزن عميق: كنت..
ناصر والكلمات تخرج متناثرة من بين شفتيه.. وأحاسيسه ضائعة
ومشاعره مرتبكة (راكان يتزوج في السر!!!)
ناصر بنبرة متقطعة مليئة بالدهشة: أنت يا راكان تتزوج في السر؟!!
ومن سنين بعد؟!!
تدري أنا أتخيل أني ممكن أسويها.. حتى ممكن أتخيل مشعل يسويها
بس أنت لا.. مستحيل.. مستحيل
حزين راكان أن تهتز صورته أمام شقيقه الأصغر..
"لا تعجل يا ناصر على راكان حتى تسمع الحكاية لأخرها"
************************
غرفة مريم
الساعة 12,45 بعد منتصف الليل
صلت مريم تهجدها.. وتستعد للنوم..
منهكة جدا.. اليوم كان منهكاً وطويلاً بالنسبة لها
واستنزفها بكاء العنود.. فهي لا تحتمل أدنى شيء يضايق هذه الصغيرة
تمددت مريم وهي تضع سماعات المسجل على رأسها وتستمتع لآيات من القرآن
بعد دقائق فُتح الباب
لم تسمع فتح الباب بسبب السماعات.. ولكنها اشتمت الرائحة العذبة
أقفلت المسجل وأزالت السماعات وهي تقول بحنان: تعالي العنود..
العنود دخلت وأغلقت الباب خلفها وهي تقول بتردد: أقدر أنام عندش مريم..؟؟
مريم بحنان وهي تزيح لها مكاناً على جانبها على سريرها المزدوج
الذي جعلته مزدوجا من أجل العنود..
التي كانت كثيرا ما تتسلل ليلاً لتندس معها في سريرها
وتربت على المكان الخالي جوارها.. لتزحف إليه العنود بخفة..
مريم تبتسم: وش الأدب اللي عندش اليوم.. تستاذنين وتنسدحين بشويش
بالعادة ما أشوفش إلا مروعتني وانت ناطة جنبي..
العنود وهي تتمدد بجوار مريم وتمسك بيدها وتقول بضعف:
تظنين فارس زعلان عليّ..؟؟
مريم ضحكت: فديت اللي مهوب قادرين ينامون
يحاتون زعل حبيب القلب..
العنود بتوتر: مريم والله مالي مزاج أمزح..
مريم بحنان وهي تمسح شعر العنود: أكيد مهوب زعلان عليش..
حد يقدر يزعل على أحلى بنت في الدوحة..
وأكشخ بنت في الدوحة.. وأشيخ بنت في الدوحة..
العنود تقاطعها وهي تبتسم بشفافية مغلفة بالحزن:
خلاص.. خلاص.. يالنصابة.. صدقتش الحين!!!
*********************
واشنطن دي سي
الساعة الرابعة وعشر دقائق عصرا
المقهى قرب شقة هيا
مازالت باكينام تنتظر هيا
وهي مستغرقة في قراءة كتابها
وكلما رفعت عينيها وجدتها تتبع القامة الطويلة
التي تجوب الطاولات برشاقة
وأكثر من مرة التقت عيناها بعينيه الآسرتين، آسرتين كما شعرت هي بها
(اختشي يا بت باكينام
الراجل هيئول دي ما شافتش رجالة ئبل كده)
جاءت هيا أخيرا
ألقت السلام وجلست بصمت
فمازالت تحت تأثير خجلها مما حدث بينها وبين مشعل
باكينام بابتسامة: مالك يا بت؟؟ نازل عليكي سهم الله
هيا بهدوء: مافيه شيء.. نطلب؟؟
باكينام بمرح: نطلب.. وتعرفي يا بت
أنا شكلي هأغير من الأمريكاني للمكسيكانو (تقولها "بعيارة")
ابتسمت هيا: يا سلام عليج وأنتي تنقين بس!!
وليش المكسيكانو بالتحديد..؟؟
باكينام وهي تأشر بعينها: شوفي الجرسون اللي هيجي دلوئت؟؟
عاد اللاتيني الوسيم: جاءت صديقتك أخيرا.. وأعتقد أنه وقت الطلب..
باكينام بعذوبة: شاي بريطاني لو سمحت..
ابتسم: عاداتكم العريقة ترتحل معكم..
ابتسمت باكينام وهي تقول : ربما
وهيا صامتة تراقب خيط النظرات الغريب المتصل بينهما
غادر وباكينام تلتفت لهيا وتقول: إيه رايك؟؟
ضحكت هيا: تبين الجرسون؟؟
ضحكت باكينام: أنتي عايزة بابا وأنّـا ينتحروا..
لأ طبعا.. أنا ئصدي الستايل بتاعو
يهوس.. يجنن.. أنا هأحول على الطلبة المكسيكانو اللي معايا
ابتسمت هيا وهي تقول بصراحة: تبين الصدق؟!!!
حتى لو هو مكسيكي لكن شكله مصري مصري مصري صميم..
الظاهر الدم يحن..
باكينام باستنكار: حرام عليكي.. الواد الئشطه دا شبه الغفر اللي هناك..
هيا هزت أكتافها: أنتي مخج تعبان.. والله العظيم ماعندج عيون..
*****************************
بيت عبدالله بن مشعل
بين غرفة الجدة في الأسفل
وغرفة مشاعل في الأعلى
أم محمد جافى النوم عينيها..
خليط من المشاعر يلفها ويثقل على روحها الـمُستنزفة
"بنت سلطان!! هيا !! بنتي!! بنت ولدي سلطان!!"
آه يا سلطان حرموك من أمك
وحرموها منك..
حال بينكما الكبرياء الزائف اللعين..
حياة مرة قاسية عاشها كل منهما..
رحل سلطان بحزنه.. وارتحل الحزن إلى روح الجدة وسكنها
ترتعش الجدة وذكريات سلطان تغتالها
تتذكر سلطان طفلا في أحضانها
ثم شابا طويلا عريضا هي من تضيع في أحضانه
ثم بردا قارسا يلف سلطان ويلفها
حرموه أحضانها وحرموها أحضانه
" هيا .. أيتها الصغيرة.. جدتكِ تقتلها اللهفة إليكِ..
يغتالها الشوق لرائحة سلطان في ثناياكِ"
(بكرة بأكلم مشعل عشان أكملها
أبي أسمع صوتها
يصبرني شوي لين أشوفها)
في الأعلى حيث مشاعل
تتمدد على سريرها
مشغولة هذه الصبية بالتفكير في الكل..
ضايقها زحف شعرها القصير إلى وجهها
قامت لترفعه برباط مطاطي
رفعته للأعلى بشكل عشوائي وخصله القصيرة تتناثر على وجهها العذب لتزيده عذوبة
كان شعرها كستنائيا شديد النعومة ومتوسط الكثافة..
تقصه منذ سنوات قصة (كاريه) كلاسيكية تصل لأسفل عنقها الطويل
قصة تتناسب برقيها ونعومتها مع شخصية مشاعل الهادئة العميقة وجمالها الهادئ
كجدتها النوم يجافيها..
قامت وفتحت جهاز حاسوبها المحمول..
ستتصفح صحف الغد (لابد أنها صدرت الآن.. الساعة الآن الساعة الواحدة)
تقلب الصحف.. تقرأ بهدوء ساكن
يشبه الهدوء الذي يلفها
فاجأتها صورة اقتحمت سكونها
صورة أرشيفية لناصر في تحقيق عن فريق سباقات التحمل..
كانت صورة رائعة لناصر وهو يمتطي "الجليلة" بشموخ..
(كم يبدو وسيما.. ومبهرا!!) همست مشاعل في داخلها
"أف وش ذا الأفكار الغبية؟!!"
أغلقت مشاعل الجهاز فورا ..
ومشاعر شتى تقتحم روحها الشفافة..
"لمتى وأنتي كذا يا مشاعل؟؟
زواجي بعد أقل من 3 شهور.. وأنا حتى اسمه وصورته استحي منها
ومن ناحية ثانية: ترا ناصر مهوب لازم إنه بارد مثل مشعل
ولا متوحش مثل حمد"
" وأنا بعد وش يضمني إنه ما يكون أسوأ منهم ثنينهم؟!!
وش يضمني؟!!
خايفة.. خايفة..خايفة!!"
****************************
مجلس آل مشعل
وثورة الأسرار التي فتحها ناصر
وفجرها راكان
ناصر بصدمة: أنت يا راكان.. انت تتزوج من ورانا.. ليه؟؟ ليه؟؟
راكان بحزن: الله يرحمك ياعمي سلطان..
عمي سلطان فتح لنا باب وسوى لنا رعب..
ناصر باستغراب: وعمي سلطان وش دخله فيك؟؟
راكان بعمق وهو يستعيد الحكاية من البداية:
تذكر يا ناصر.. محمد اللي كان معي في الفريق اللي توفى قبل كم سنة؟؟
ناصر بتذكر وهو يعصر مخه: مهوب اللي قتل نفسه بطلقة
وهو ينظف سلاحه وأنتو في اليابان؟؟
راكان بحزن: بلى هو نفسه.. أنا اللي كنت معه في الغرفة.. كنت في الحمام.. ولما سمعت الطلقة طلعت متروع..
أنا شفت إصابته عرفت إنه يومه وقف..الله يرحمه
لقيت وجهه للقبلة وقعدت ألقنه الشهادة.. تشهد يجعل مثواه الجنة
لكن ماكان على لسانه إلا كلمة وحده
"عيالي في رقبتك ياراكان.. عيالي مالهم حد"
ناصر بتوجس: وعقب
راكان وهو يتذكر بأسى: رجعناه للدوحة..
وصرت أمر دايم على بيته وعياله
عنده 3 عيال أكبرهم ذاك الوقت كان ولد أبو 12 سنة
ومحمد ماكان له أخوان ولا أخوات
ومرته كان لها أخين صغار ساكنين معها
أنا كنت أجي للمجلس وأجيب لهم أغراضهم وأشوف هم وش يبون
لكن جيرانهم الله يهداهم صاروا يتكلمون على مرت محمد بالشينة
ماقدرت أخلي المره تنضر سمعتها وهي رايتها بيضاء وخصوصا إنها عندها بنات
ناصر بصدمة: لا تقول إنك تزوجتها؟؟
راكان بحزن: إلا.. تزوجتها.. من سبع سنين.. وطلقتها قبل كم شهر..
ناصر بثورة: أنت مجنون.. حد قال إنك مؤسسة الشؤون الاجتماعية؟؟
راكان بعمق: ناصر أنت لو انحطيت في نفس موقفي..
صدقني بتسوي نفسي..
هذي جينات آل مشعل الخبلان
عشان كذا قلت الله يرحم عمي سلطان..
لأني حسيت بإحساسه يوم انحطيت في موقفه
وعشت السبع سنين اللي فاتت في رعب إنه ابي يعرف ويطردني..
الله يرحمك ياعمي سلطان.. الله يرحمك أشلون استحملت بعد هلك
أنا مجرد الفكرة ما قدرت استحملها..أشلون وأنت عانيتها لين مت بعيد عنا
ناصر باستفهام متخوف: لا يكون عندك عيال بس..
راكان ابتسم ابتسامة باهتة: أصلا مرت محمد حتى وجهها ماشفته..
ثم أكمل بهدوء: اتفقت معها أتزوجها عشان جيرانها يلمون ألسنتهم
وأنا أراعيها هي وعيالها وأخوانها.. لين يكبر ولدها وأخوانها..
لين قبل كم شهر ولد محمد الكبير خلص ثانوية ودخل الشرطة
وهو اللي طلب مني أطلق أمه.. وطلقتها..
ناصر باستفهام: زين أنت كنت متزوج زواج صوري وفي السر..
ليه خليت موضي؟؟
كنت تقدر تزوج موضي.. وفي نفس الوقت تظل متزوج مرت محمد وتراعي عياله..
راكان انتفض بعنف: كان مستحيل أبني حياتي مع موضي على كذب..
واكون مخبي عنها موضوع مثل هذا..
ثم أكمل بحزن: موضي تستحق واحد تكون هي الوحيدة في حياته
ماحد يشاركها حتى في أفكاره
ناصر يتنهد بعمق: زين يومك تقول إنك نزعت حب موضي من قلبك
والمرة اللي انت متزوجها طلقتها قبل كم شهر...
وش يمنعك تتزوج الحين؟؟؟
راكان بحزن عميق وصميمي كعمق راكان وبعد غوره:
فيه شيء في روحي مات يا ناصر..
ماتت فرحتي ولهفتي للزواج
اضطريت أتزوج وأنا شاب صغير عشان الواجب
ضاعت مني فرحتي بزواجي.. فرحة الشاب بلمة ربعه حوله
فرحته بحياة جديدة مع الإنسانة اللي بتكون نصفه الثاني
ثم ضاعت موضي قدام عيني.. وأنا احترق ولا أقدر أسوي شيء
وعقبها أحرقت قلبي بنفسي
قطعت عروقه عشان ينساها
نساها..
لكنه مات.. وانتهى
جفت عروقه ويبست..
وأنا خلاص فقدت كل رغبة بالزواج..
روحي مليانه هم ماعدت أعرف له سبب
**********************************
الساعة 12 ونصف بعد نصف الليل
غرفة لطيفة ومشعل
لطيفة أنهت صنع المراجعة لأولادها
وقامت تريد أن تستحم وتصلي قيامها قبل أن تنام..
فغدا السبت إجازة ولكنها تريد أن توقظ أولادها مبكرا حتى تدرسهم
مشعل يتابع النشرة الاقتصادية.. رأى لطيفة على وشك القيام
سألها وعيناه مثبتتان على الشاشة: وين بتروحين؟؟
لطيفة بنعومة: بأقوم أتسبح وأصلي..
مشعل يكتم صوت التلفاز ويلتفت إليها: اقعدي لطيفة.. أبيش في موضوع
لطيفة عادت للجلوس ووهي تقول باهتمام: هلا آمرني حبيبي..
نغزه قلبه من قولها "حبيبي" بينما هو يريد أن يفاتحها في موضوع أبعد ما يكون عن الحب..
مشعل بهدوء رغم توتره.. لم يعلم أن الأمر سيكون صعبا ومريرا هكذا :
لطيفة أنتي تدرين إنش غالية وقدرش عالي عندي..
لطيفة لم ترتح لهذه المقدمة التي لم تعتدها من مشعل: أدري.. الله يعز شانك
مشعل بذات الهدوء المتوتر وهو يشعر أن الأمر يزداد صعوبة عليه:
يعني مهما يكون أو مهما يصير إنتي قدرش ما يتغير..وبتظلين غالية..
لطيفة سحبت نفسا عميقا وهي تشعر بتوجس مرعب لا تعرف له سببا:
مشعل بدون مقدمات .. أنت وش تبي تقول؟؟
مشعل ألقى جملته وكأنه يزيح هما عن كاهله: أنا أفكر أتزوج مرة ثانية..
لطيفة مازالت لم تستوعب.. وكأن الخطاب غير موجه لها
وكأن المتحدث ليس زوجها..
أحرفها مقطعة تائهة:
أنت.. أنت تبي تزوج علي أنا؟؟ أنا ؟؟؟؟!!!!! علي أنا؟؟!!
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الثامن عشر
مشعل ألقى جملته وكأنه يزيح هما عن كاهله: أنا أفكر أتزوج مرة ثانية..
لطيفة مازالت لم تستوعب.. وكأن الخطاب غير موجه لها
وكأن المتحدث ليس زوجها..
أحرفها مقطعة تائهة:
أنت.. أنت تبي تزوج علي أنا؟؟ أنا ؟؟؟؟!!!!! علي أنا؟؟!!
فكرة الزواج كانت تطوف ببال مشعل منذ زمن..
ليس هناك امرأة معينة في باله..
ولكن في مجال عمل مشعل المتحرك
يقابل يوميا عشرات النساء الناجحات قويات الشخصية
وسيدات أعمال يدرن شركات ضخمة بكل براعة وثقة..
هؤلاء السيدات فتحن عين مشعل على سبب عدم تقبله للطيفة
رغم عشرة السنين..
يريد امرأة من هذا النوع..
امرأة قوية واثقة تعرف كيف تدير حوارا ذكيا..
تقف أمامه ندا..
فلا يعقل أن يكون هو بكل قوة الشخصية والثقة هذه
وزوجته امرأة سلبية مسالمة لا يوجد أي تكافؤ بين شخصيته وشخصيتها؟!!..
نعم الرجل يحب أن يكون هو المسيطر..
لكن إذا وجد امرأة سلمت له كل المقاليد من البداية
فأين متعة السيطرة ؟!!
هو لا يفكر أن يتزوج فورا أو قريبا
هي مجرد فكرة تطوف بباله وينوي تنفيذها في الوقت المناسب
ولكنه –في اعتقاده- ظن أن لطيفة لابد أن تعلم بأفكاره وتتهيأ لها
من باب احترامه لها ولنفسه
فهو يرى أنه لا بأس أن يتزوج أخرى تتناسب مع تفكيره
وتبقى لطيفة هي زوجته الأولى وابنة عمه وأم أولاده
ولها احترامها وتقديرها كما كانت طيلة السنوات الماضية
لطيفة تكرر جملتها وهي تسحب نفسا عميقا:
مشعل جاوبني.. أنت تبي تتزوج علي؟؟
مشعل بهدوء: إيه.. أفكر
لطيفة سحبت نفساً أعمقَ وهي تقول بهدوء:
مشـــعــل اطـــلــع بـــرا بــيــتــي..
مشعل اعتقد إنه سمع خطأ: وش تقولين؟؟
لطيفة بغضب رغم أنها تحاول السيطرة على نفسها:
أقول اطلع برا بيتي..
ثم أكملت بسخرية مريرة:
ورتب شنطتك بنفسك.. لأن الخدامة اللي اسمها زوجتك قدمت استقالتها
مشعل مازال غير مستوعب ما تقوله: لطيفة أنتي صاحية وإلا مجنونة؟؟
لطيفة ثارت ثورة عارمة غير مسبوقة..
لأول مرة تثور.. كانت تصرخ بعنفوان
كانت أشبه ببركان خامد.. ثارت حممه فجأة لتغرق كل ما جاورها :
أنا كنت مجنونة وعقلت
13 سنة وأنا شايلتك على رأسي.. حبيتك حب ما عمر مره حبته لرجّالها
صبرت على برودك معي.. صبرت على بخلك بمشاعرك
صبرت على تجاهلك لي كني طوفة قدامك
كل شيء صبرت عليه عشانك
وأنا أسكب مشاعري اللي كانت بدون قيمة عندك
وأحط قلبي بين يديك
خذتني عمري 18 سنة توني مخلصة ثانوية..
قلت لك يا مشعل أنا نسبتي 93 وأبي أدخل جامعة
قلت لي: المره مالها إلا بيتها..
قلت لك: إن شاء الله..
مهوب سلبية مني..
لكن من كثر ماكنت أحبك وما أبي شيء يزعلك مني
وكنت كل ماقلت لي شيء
قلت لك إن شاء الله، وحاضر، وتم، وتامر
وعمري ماكسرت لك كلمة
وهذي أخرتها.. هذا ردك عليّ؟!!
الله يلعن الحب اللي ذلني لك.. وخلاك تدوس على رقبتي
جاي تقول لي أنا أبي أتزوج.. وبكل برود
كنك تقولها للكرسي اللي قدامك
ما كنك تكلم زوجتك اللي أنت عارف ومتأكد إنها تتنفس هواك
لكن وش يهمك أنت؟؟!!
هي تتنفس هواك.. وأنت عطها من قسوتك وبرودك على رأسها!!
لأنها بدون قيمة عندك..لا هي ولا مشاعرها
لو كنت أنا مقصرة في حقك في نص شيء، مهوب شيء..
نص شيء.. كان يمكن بغبائي أدور لك عذر
بس أنا عمري ماقصرت في حقك ولا بأقل شيء.. واخرتها تبي تتزوج..
روح تزوج يابو محمد..روح
وبدل الوحدة تزوج عشر..
بس بيتي يتعذرك..
اطلع ..
اطلع ما أبي أشوف وجهك قدامي
أنت أصلا ما تستاهلني.. ولا تستاهل حبي لك
مشعل كان مصدوما وغير مستوعب..
أولا من الكلام الحاد الذي تقذقه فوق رأسه
وثانيا من رفعها لصوتها
(معقول هذي لطيفة!!
عمري ما تخيلت إنها تعرف ترفع صوتها..
عمري أصلا ما تخيلت إن حبالها الصوتية تمتلك هذي الدرجة العالية من الصوت
وعمري ما تخيلت إنها كاتمة في قلبها كل هذا
أو حتى تعرف تتكلم بهذي الطريقة الحادة القوية)
كان مشعل يرى أمامه مخلوقة أخرى
مخلوقة تنتفض كنمرة مفترسة
كانت لطيفة تنتفض من الغضب
وكلماتها تخرج متدافعة كطلقات رصاص متلاحقة
ومشعل يتأملها بدهشة..
ارتعاش فكها
لمعة عينيها
اهتزار جسدها بعنف..
"هي كانت حلوة كذا طول عمرها؟؟!!
أو أنا اللي ما كنت أشوف؟؟!!"
كانت عينا مشعل تجول بلطيفة بتمعن
وكأنه يراها للمرة الأولى
يتمعن فيها جزءا جزءا
وعيناه ترتحلان بين تفاصيل جسدها تفصيلا تفصيلا
لتسكن نظراته على شفتيها المرتعشتين غضبا وانفعالا
والكلمات تتدافع عبرهما كسيل كاسح ناري منهمر
"نعنبو.. وش ذا الشفايف الموت اللي عندها؟!!"
شعر مشعل برغبة عارمة مجنونة أن يسكتها بقبلة طويلة
يطفيء بها ولعه الذي شعر به يجتاحه فجأة.. وبعنف..وبدون منطقية
وكأنه لم يحفظ تضاريس هاتين الشفتين طوال السنوات الماضية
ما الجديد بهما هذه المرة؟؟
لِـمَ يشعر برغبة جارفةٍ لم يشعر بشيء شبيه لها قبلا؟!!
لِـمَ تقتله الرغبة في تقبيل هاتين الشفتين المرتعشتين ؟!!
ولكن يستحيل أن يفعلها..
أ يذل نفسه لها، وهي تطعنه بكل هذا السيل من الكلمات؟!!
لطيفة تستكمل ثورتها: مشعل اطلع من بيتي
أنا ما أبي اشوفك..
أنا ماراح أقول لك طلقني
عشان عيالي مهوب عشانك
لكن من اليوم مالك أي حق علي.. تبي تجي للبيت
تجي تشوف عيالك وتطلع..
مثلك مثل أي ضيف
وغير مرغوب فيه بعد
أطلع.. يالله اطلع الحين
ماني بمستحملة أشوفك قدامي ولا دقيقة وحدة
اطلع.. اطلع
مشعل مازال مستغربا ثورتها.. لكنه يعتقدها ثورة وقتية:
خلاص لطيفة خلاص هدي..هدي
أنا ماقلت أني أبي أتزوج الحين..
أنا أفكر أتزوج.. وشفت إنه حقش إنش تعرفين
لطيفة بثورة هادرة أحد.. كسيل جارف اكتسح كل السدود:
صدق ماشفت مثل وقاحتك
تقتل القتيل وتمشي في جنازته
حقي أعرف الخبر اللي بينشر السعادة في روحي يعني؟!
وش أعرف يا مشعل؟؟ وش أعرف؟
إنك خنتني وتفكر تتزوج غيري
وش أعرف؟؟
إني ما أسوى عندك شيء؟؟
وش أعرف؟؟
إنه مره ثانية بتشاركني فيك
يا سلام على الخبر اللي أنت جاي تتحفني فيه
عمرك أصلا ما اعتبرتني شريكة لحياتك بمعناها الكامل
عمرك ما أشركتني في أفكارك
ولا شكيت لي همومك
دايما مهمشني ومقصيني عن حياتك
كأنك تستكثر علي الجملتين الباردة اللي تمنن فيهم علي
عمرك ماقلت لي إنك تحبني
عمرك ما طيبت خاطري بكلمة
عمري في حياتي ما سمعتك تقول: أنت حلوة
أو هالفستان حلو عليش..
أو حتى سمعت مجاملة صغيرة منك
الحين صار عندك حب الحوار المشترك وتبي تقول لي؟؟
بس تدري مشعل
شكرا على الخبر
وشكرا على أنك اشركتني أخيرا في التفكير معك
حتى لو ما كنت ناوي تتزوج قريب
زين قلت لي
ضاع من عمري 13 سنة
وأنا عايشة على أمل اليوم اللي بينهد السد اللي بيننا
وبلاقي لمشاعري صدى في قلبك
زين قلت لي
خلني ألم مشاعري المبعثرة اللي مالها قيمة
خلني أعرف أن السد اللي أنت بينته بيننا عمره ماراح ينهد
لأن الشيخ مشعل مشاعره بتكون لمره ثانية
خلاص مشعل خلاص
اطلع.. اطلع..
أقول لك ماني بمستحملة شوفتك
اطلع.. اطلع..
في موقف حياتي آخر..
لم يكن مشعل ليسكت على هذا السيل الحاد من الكلمات
فمشعل محاور ذكي وواثق
ولا يُغلب في حوار
وكان سيرد هذا السيل بسيل أحد ويقلب الطاولة على محاوره
وخصوصا أن لديه أسبابه التي هو مقتنع بها
ولكن مشعل الآن كان مصدوما بعنف
والصدمة أضاعت الكلمات من بين يديه
لم يخطر بباله ولا حتى لجزء من الثانية أن هذا قد يكون رد فعل لطيفة
توقع أن تصمت..
تبكي..
تقول كلمتي عتب وتسكت..
ولكن هذه لطيفة أخرى.. ليست هي من يعرف..
لا شكلا ولا مضمونا
لم يرها يوما بهذا الجمال الموجع الكاسح!!
ولا بهذه القوة المثيرة الهادرة!!
" لِـمَ لا تقل يا مشعل أن هذه هي لطيفة الحقيقية..
زوجتك التي أعميت عينيك عن رؤيتها؟!"
نهض مشعل وارتدى ملابسه..
شعر بالضياع وهو يبحث له عن حقيبة صغيرة يضع فيها ملابسه
وبضياع أكبر وهو يرتب ملابسه فيها
فهو اعتاد أن تفعل له لطيفة كل شيء
أخذ حقيبته وخرج دون أن يتفوه بأي كلمة
ولطيفة مازالت تقف بجمود وثقة
ما أن خرج.. حتى أغلقت الباب خلفه بالمفتاح
لأنها خشيت أن يعود
ويرى كل قوتها التي تسلحت بها انهارت
وهي تلقي بنفسها على سريرها
و تنخرط في بكاء حاد موجع
بكاء كان مخزنا في روحها المرهقة منذ دهور
كانت تبكي ألما سرمديا كونيا
لا حدود لاتساعه وآلمه الممزق للشرايين
تبكي بحرقة حبيب قلبها
الذي لم يحفظ عشرة السنين..
ولم يقدر مشاعرها التي سفحتها له وبين يديه
تبكي خيانته وتفكيره في سواها
وهي التي ما عرفت للحب معنى سواه
تبكي حبها الكبير العميق الذي اكتشفت أنه لم يكن قيمة
تبكي ثلاثة عشر عاما مرت
كان كل يوم فيها يزيد حب مشعل في قلبها ويتجذر
بينما هو يتباعد أكثر، ليذبحها في الختام أنه يريد أن يكون لأخرى
تبكي مجرد تخيلها مشعل بين أحضان أخرى
أخرى يكون لها الحق في لمس مشعل والنظر إلى ملامحه
تنحرها الغيرة واليأس والحزن
تبكي بُعد مشعل عنها الذي تعلم أنه سيسلخ روحها
فروحها معلقة بهذا المشعل اللعين!!
(لعنة الله على الحب يامشعل..
كم أحبك..
ولكن ..
يكفي يا مشعل..
يكفي..)
مشعل ألقى جملته وكأنه يزيح هما عن كاهله: أنا أفكر أتزوج مرة ثانية..
لطيفة مازالت لم تستوعب.. وكأن الخطاب غير موجه لها
وكأن المتحدث ليس زوجها..
أحرفها مقطعة تائهة:
أنت.. أنت تبي تزوج علي أنا؟؟ أنا ؟؟؟؟!!!!! علي أنا؟؟!!
فكرة الزواج كانت تطوف ببال مشعل منذ زمن..
ليس هناك امرأة معينة في باله..
ولكن في مجال عمل مشعل المتحرك
يقابل يوميا عشرات النساء الناجحات قويات الشخصية
وسيدات أعمال يدرن شركات ضخمة بكل براعة وثقة..
هؤلاء السيدات فتحن عين مشعل على سبب عدم تقبله للطيفة
رغم عشرة السنين..
يريد امرأة من هذا النوع..
امرأة قوية واثقة تعرف كيف تدير حوارا ذكيا..
تقف أمامه ندا..
فلا يعقل أن يكون هو بكل قوة الشخصية والثقة هذه
وزوجته امرأة سلبية مسالمة لا يوجد أي تكافؤ بين شخصيته وشخصيتها؟!!..
نعم الرجل يحب أن يكون هو المسيطر..
لكن إذا وجد امرأة سلمت له كل المقاليد من البداية
فأين متعة السيطرة ؟!!
هو لا يفكر أن يتزوج فورا أو قريبا
هي مجرد فكرة تطوف بباله وينوي تنفيذها في الوقت المناسب
ولكنه –في اعتقاده- ظن أن لطيفة لابد أن تعلم بأفكاره وتتهيأ لها
من باب احترامه لها ولنفسه
فهو يرى أنه لا بأس أن يتزوج أخرى تتناسب مع تفكيره
وتبقى لطيفة هي زوجته الأولى وابنة عمه وأم أولاده
ولها احترامها وتقديرها كما كانت طيلة السنوات الماضية
لطيفة تكرر جملتها وهي تسحب نفسا عميقا:
مشعل جاوبني.. أنت تبي تتزوج علي؟؟
مشعل بهدوء: إيه.. أفكر
لطيفة سحبت نفساً أعمقَ وهي تقول بهدوء:
مشـــعــل اطـــلــع بـــرا بــيــتــي..
مشعل اعتقد إنه سمع خطأ: وش تقولين؟؟
لطيفة بغضب رغم أنها تحاول السيطرة على نفسها:
أقول اطلع برا بيتي..
ثم أكملت بسخرية مريرة:
ورتب شنطتك بنفسك.. لأن الخدامة اللي اسمها زوجتك قدمت استقالتها
مشعل مازال غير مستوعب ما تقوله: لطيفة أنتي صاحية وإلا مجنونة؟؟
لطيفة ثارت ثورة عارمة غير مسبوقة..
لأول مرة تثور.. كانت تصرخ بعنفوان
كانت أشبه ببركان خامد.. ثارت حممه فجأة لتغرق كل ما جاورها :
أنا كنت مجنونة وعقلت
13 سنة وأنا شايلتك على رأسي.. حبيتك حب ما عمر مره حبته لرجّالها
صبرت على برودك معي.. صبرت على بخلك بمشاعرك
صبرت على تجاهلك لي كني طوفة قدامك
كل شيء صبرت عليه عشانك
وأنا أسكب مشاعري اللي كانت بدون قيمة عندك
وأحط قلبي بين يديك
خذتني عمري 18 سنة توني مخلصة ثانوية..
قلت لك يا مشعل أنا نسبتي 93 وأبي أدخل جامعة
قلت لي: المره مالها إلا بيتها..
قلت لك: إن شاء الله..
مهوب سلبية مني..
لكن من كثر ماكنت أحبك وما أبي شيء يزعلك مني
وكنت كل ماقلت لي شيء
قلت لك إن شاء الله، وحاضر، وتم، وتامر
وعمري ماكسرت لك كلمة
وهذي أخرتها.. هذا ردك عليّ؟!!
الله يلعن الحب اللي ذلني لك.. وخلاك تدوس على رقبتي
جاي تقول لي أنا أبي أتزوج.. وبكل برود
كنك تقولها للكرسي اللي قدامك
ما كنك تكلم زوجتك اللي أنت عارف ومتأكد إنها تتنفس هواك
لكن وش يهمك أنت؟؟!!
هي تتنفس هواك.. وأنت عطها من قسوتك وبرودك على رأسها!!
لأنها بدون قيمة عندك..لا هي ولا مشاعرها
لو كنت أنا مقصرة في حقك في نص شيء، مهوب شيء..
نص شيء.. كان يمكن بغبائي أدور لك عذر
بس أنا عمري ماقصرت في حقك ولا بأقل شيء.. واخرتها تبي تتزوج..
روح تزوج يابو محمد..روح
وبدل الوحدة تزوج عشر..
بس بيتي يتعذرك..
اطلع ..
اطلع ما أبي أشوف وجهك قدامي
أنت أصلا ما تستاهلني.. ولا تستاهل حبي لك
مشعل كان مصدوما وغير مستوعب..
أولا من الكلام الحاد الذي تقذقه فوق رأسه
وثانيا من رفعها لصوتها
(معقول هذي لطيفة!!
عمري ما تخيلت إنها تعرف ترفع صوتها..
عمري أصلا ما تخيلت إن حبالها الصوتية تمتلك هذي الدرجة العالية من الصوت
وعمري ما تخيلت إنها كاتمة في قلبها كل هذا
أو حتى تعرف تتكلم بهذي الطريقة الحادة القوية)
كان مشعل يرى أمامه مخلوقة أخرى
مخلوقة تنتفض كنمرة مفترسة
كانت لطيفة تنتفض من الغضب
وكلماتها تخرج متدافعة كطلقات رصاص متلاحقة
ومشعل يتأملها بدهشة..
ارتعاش فكها
لمعة عينيها
اهتزار جسدها بعنف..
"هي كانت حلوة كذا طول عمرها؟؟!!
أو أنا اللي ما كنت أشوف؟؟!!"
كانت عينا مشعل تجول بلطيفة بتمعن
وكأنه يراها للمرة الأولى
يتمعن فيها جزءا جزءا
وعيناه ترتحلان بين تفاصيل جسدها تفصيلا تفصيلا
لتسكن نظراته على شفتيها المرتعشتين غضبا وانفعالا
والكلمات تتدافع عبرهما كسيل كاسح ناري منهمر
"نعنبو.. وش ذا الشفايف الموت اللي عندها؟!!"
شعر مشعل برغبة عارمة مجنونة أن يسكتها بقبلة طويلة
يطفيء بها ولعه الذي شعر به يجتاحه فجأة.. وبعنف..وبدون منطقية
وكأنه لم يحفظ تضاريس هاتين الشفتين طوال السنوات الماضية
ما الجديد بهما هذه المرة؟؟
لِـمَ يشعر برغبة جارفةٍ لم يشعر بشيء شبيه لها قبلا؟!!
لِـمَ تقتله الرغبة في تقبيل هاتين الشفتين المرتعشتين ؟!!
ولكن يستحيل أن يفعلها..
أ يذل نفسه لها، وهي تطعنه بكل هذا السيل من الكلمات؟!!
لطيفة تستكمل ثورتها: مشعل اطلع من بيتي
أنا ما أبي اشوفك..
أنا ماراح أقول لك طلقني
عشان عيالي مهوب عشانك
لكن من اليوم مالك أي حق علي.. تبي تجي للبيت
تجي تشوف عيالك وتطلع..
مثلك مثل أي ضيف
وغير مرغوب فيه بعد
أطلع.. يالله اطلع الحين
ماني بمستحملة أشوفك قدامي ولا دقيقة وحدة
اطلع.. اطلع
مشعل مازال مستغربا ثورتها.. لكنه يعتقدها ثورة وقتية:
خلاص لطيفة خلاص هدي..هدي
أنا ماقلت أني أبي أتزوج الحين..
أنا أفكر أتزوج.. وشفت إنه حقش إنش تعرفين
لطيفة بثورة هادرة أحد.. كسيل جارف اكتسح كل السدود:
صدق ماشفت مثل وقاحتك
تقتل القتيل وتمشي في جنازته
حقي أعرف الخبر اللي بينشر السعادة في روحي يعني؟!
وش أعرف يا مشعل؟؟ وش أعرف؟
إنك خنتني وتفكر تتزوج غيري
وش أعرف؟؟
إني ما أسوى عندك شيء؟؟
وش أعرف؟؟
إنه مره ثانية بتشاركني فيك
يا سلام على الخبر اللي أنت جاي تتحفني فيه
عمرك أصلا ما اعتبرتني شريكة لحياتك بمعناها الكامل
عمرك ما أشركتني في أفكارك
ولا شكيت لي همومك
دايما مهمشني ومقصيني عن حياتك
كأنك تستكثر علي الجملتين الباردة اللي تمنن فيهم علي
عمرك ماقلت لي إنك تحبني
عمرك ما طيبت خاطري بكلمة
عمري في حياتي ما سمعتك تقول: أنت حلوة
أو هالفستان حلو عليش..
أو حتى سمعت مجاملة صغيرة منك
الحين صار عندك حب الحوار المشترك وتبي تقول لي؟؟
بس تدري مشعل
شكرا على الخبر
وشكرا على أنك اشركتني أخيرا في التفكير معك
حتى لو ما كنت ناوي تتزوج قريب
زين قلت لي
ضاع من عمري 13 سنة
وأنا عايشة على أمل اليوم اللي بينهد السد اللي بيننا
وبلاقي لمشاعري صدى في قلبك
زين قلت لي
خلني ألم مشاعري المبعثرة اللي مالها قيمة
خلني أعرف أن السد اللي أنت بينته بيننا عمره ماراح ينهد
لأن الشيخ مشعل مشاعره بتكون لمره ثانية
خلاص مشعل خلاص
اطلع.. اطلع..
أقول لك ماني بمستحملة شوفتك
اطلع.. اطلع..
في موقف حياتي آخر..
لم يكن مشعل ليسكت على هذا السيل الحاد من الكلمات
فمشعل محاور ذكي وواثق
ولا يُغلب في حوار
وكان سيرد هذا السيل بسيل أحد ويقلب الطاولة على محاوره
وخصوصا أن لديه أسبابه التي هو مقتنع بها
ولكن مشعل الآن كان مصدوما بعنف
والصدمة أضاعت الكلمات من بين يديه
لم يخطر بباله ولا حتى لجزء من الثانية أن هذا قد يكون رد فعل لطيفة
توقع أن تصمت..
تبكي..
تقول كلمتي عتب وتسكت..
ولكن هذه لطيفة أخرى.. ليست هي من يعرف..
لا شكلا ولا مضمونا
لم يرها يوما بهذا الجمال الموجع الكاسح!!
ولا بهذه القوة المثيرة الهادرة!!
" لِـمَ لا تقل يا مشعل أن هذه هي لطيفة الحقيقية..
زوجتك التي أعميت عينيك عن رؤيتها؟!"
نهض مشعل وارتدى ملابسه..
شعر بالضياع وهو يبحث له عن حقيبة صغيرة يضع فيها ملابسه
وبضياع أكبر وهو يرتب ملابسه فيها
فهو اعتاد أن تفعل له لطيفة كل شيء
أخذ حقيبته وخرج دون أن يتفوه بأي كلمة
ولطيفة مازالت تقف بجمود وثقة
ما أن خرج.. حتى أغلقت الباب خلفه بالمفتاح
لأنها خشيت أن يعود
ويرى كل قوتها التي تسلحت بها انهارت
وهي تلقي بنفسها على سريرها
و تنخرط في بكاء حاد موجع
بكاء كان مخزنا في روحها المرهقة منذ دهور
كانت تبكي ألما سرمديا كونيا
لا حدود لاتساعه وآلمه الممزق للشرايين
تبكي بحرقة حبيب قلبها
الذي لم يحفظ عشرة السنين..
ولم يقدر مشاعرها التي سفحتها له وبين يديه
تبكي خيانته وتفكيره في سواها
وهي التي ما عرفت للحب معنى سواه
تبكي حبها الكبير العميق الذي اكتشفت أنه لم يكن قيمة
تبكي ثلاثة عشر عاما مرت
كان كل يوم فيها يزيد حب مشعل في قلبها ويتجذر
بينما هو يتباعد أكثر، ليذبحها في الختام أنه يريد أن يكون لأخرى
تبكي مجرد تخيلها مشعل بين أحضان أخرى
أخرى يكون لها الحق في لمس مشعل والنظر إلى ملامحه
تنحرها الغيرة واليأس والحزن
تبكي بُعد مشعل عنها الذي تعلم أنه سيسلخ روحها
فروحها معلقة بهذا المشعل اللعين!!
(لعنة الله على الحب يامشعل..
كم أحبك..
ولكن ..
يكفي يا مشعل..
يكفي..)
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء التاسع عشر
صباح اليوم التالي في الدوحة
و ليل ذات اليوم في واشنطن
كانت ليلة طويلة جدا على الكثير من القلوب
حملت السهد..
والسهر..
والكثير من الوجع..
الكثير الكثير منه...
وجع صِرْف..حاد..متوحش
الضحية الأكبر
ذات النصيب الأكبر من مرارة الوجع الذي لا حدود له
لطيفة
المطعونة في عمق قلبها وأنوثتها
مرٌّ هذا الشعور الذي يلتهمها
أن تقضي السنوات
وأنت تذوب حبا لشخص ما
تهتم بنفسك من أجله وحتى تعجبه
وتضغط على نفسك حتى يكون هو سعيدا
وتهتم بأدق تفاصيل حياته
وتعيش على أمل أن يشعر بك يوما
لتكتشف أن كل هذه السنوات ذهبت هباء
لا قيمة لجهودك عنده
ولا صدى لمشاعرك في قلبه
وأنك مجرد حثالة لا قيمة لها..
هكذا كانت تشعر لطيفة!!!
الساعة 8 صباحا في غرفة لطيفة
لم تنم مطلقا
ووجهها منتفخ من آثار البكاء
استحمت لتنشط جسدها المهدود
(حياتي لن تنتهي على أعتاب خيانتك يا مشعل
لدي أطفال ينتظرونني
هم من يهمونني في هذه الحياة
ولدي مخططات أخرى
بعيدا عن تمحور حياتي حولك)
وتنفيذا لأحد هذه المخططات
أخذت لطيفة هاتفها وأرسلت رسالة قصيرة لشخص ما
ثم ذهبت لتوقظ ابنائها لتفطرهم وتبدأ المذاكرة لهم
غصبا عنها: طاف مشعل ببالها
كيف نام البارحة؟؟
فلطالما كان مشعل ابنها الخامس!!
ولكنها نفضت ذكراه من مخيلتها
(يرقد وين مايبي..
خله يروح ينام عند المدام الجديدة
ماعاد لي شغل فيه)
ولكن كان لها (شغل) فيه
ففكرة (المدام) الجديدة أشعلت نارا حارقة في جوفها
مهما حاولت الإنكار!!
**************************
تلا لطيفة في السهد والسهر والوجع واختلاج المشاعر
فارس
قبل ذلك بساعات
بعد صلاة الفجر
بيت فارس بن سعود
فارس يعود من المسجد بعد أن صلى الفجر
لم ينم مطلقا
يشعر أنه منهك ومُستنزف
ويريد إلقاء جسده المتعب على سريره لينام
ولكن هل سيتركه تمزقه وتبعثر مشاعره
بين إهانتها المرة وصوتها الساحر ينام؟!!
لم يشعر يوما بالضياع كما يشعر الآن!!
لطالما كان جبارا واثقا لا يهتز
ماذا فعلت به إهانتها؟؟
ماذا فعل به صوتها؟!!
لم يخطر بباله يوما أن قلبه الصلب ستهزه مشاعر كهذه
مشاعر لذيذة عذبة وشفافة
تماما كصوتها اللذيذ العذب الشفاف
ولكن هل سيترك كبرياءه قلبه على هواه؟!!
*************************
ذات الوقت ولكن بتوقيت آخر
الساعة السادسة والنصف مساء في واشنطن
كان مشعل يعود لبيته من صلاة المغرب في المسجد الملاصق
كان قد خطط في بداية النهار
أن يزور زوجة عمه بعد صلاة العصر
ليرى أحوالهم وإن كانوا يحتاجون شيئا
ولكنه بعد موقفه مع هيا
يشعر بحرج شديد
حتى الآن لا يعلم كيف فقد السيطرة على نفسه لدرجة إمساكها
تصيبه هذه الفتاة بالجنون!!
ما أن فتح باب شقته
حتى رن هاتفه المحمول..
ألتقطه نظر للاسم وابتسم من أعماقه:
هلا والله.. هلا هلا هلا من واشنطن للدوحة.. ولا تكفي
أم مشعل بحنان غامر: أصدق بعدين يأمك..
مشعل بحنان: صدقي جعل عيني ما تبكيش.. أشلونش يالغالية؟؟
أم مشعل بحنان أكبر: طيبة فديتك.. أنت اللي أشلونك؟؟
تاكل زين؟؟ ترقد زين؟؟ تدرس...
مشعل يقاطعها بمرح: والله إن كل شيء زين فديتش..
وش ذا النهار المبارك اللي سمعنا صوتش الحلو..
بالعادة ما تكلموني ذا الحزة..
الساعة مهيب 4 ونص الصبح عندكم الحين؟؟
أم مشعل برقة: بلى.. بس جدتك من يوم درت ببنت ولدها..
ماجاها رقاد تبي تكلمها
توتر مشعل: ذا الحزة؟؟
أم مشعل رجاء: تكفى يا مشعل.. من يوم صلت الفجر
وهي تحن تبي تكلمها
روح لهم وأتصل على تلفون مشاعل
لأني بأروح المطبخ.. ابيك عنده فطور رياجيل..
مشعل يبتسم: ليتني على يمين أبو مشعل بس.. والله ما أخليه يتعب روحه
أم مشعل بحنان: جعلنا مانذوق حزنك يأمك ويردك لنا سالم غانم..
يالله يأمك فديتك.. روح عند بنت عمك.. وخلها تكلم جدتك..
لم يكن مشعل يريد الذهاب لشقة هيا
فهو أصبح يكره رؤية هذه الهيا
التي تستمتع بإيلامه وبمحاولة التقليل من احترامه
ولكنه لا يستطيع رد رغبة جدته الغالية ولو كان في ذلك قطع عنقه
فكيف بأمر سخيف مثل مقابلة ثقيلة الدم المدعوة هيا؟!!
**************************
بيت محمد بن مشعل
ناصر وراكان يعودان سويا
بعد ليلتهما المارثوانية
ليلة كشف الأسرار التي استنزفت كلا منهما
استنزفت راكان بوحا
واستنزفت ناصرا تضامنا
صلوا الفجر في سوق واقف
وأفطروا في مطعم بيروت وأحضروا معهم فطورا للبيت
ووضعوه في المطبخ الداخلي
وصعدا لغرفة مريم
باب غرفة مريم يُطرق
كانت مريم تستعد للنوم بعد أن صلت الفجر
"ادخل"
يُفتح الباب وتدخل خطوات ثقيلة
مريم تبتسم : وين مسربتين الشباب البارحة؟؟
جيت أذهنكم لقيت سرايركم باردة
يعني مابعد نمتوا.. يالله اعترفوا!!
ناصر بمرح: يالله صباح خير.. ترا منتي ببنت عبدالله عشان تحاسبيني
أنا ما يحاسبني إلا المدام فديت عينها
راكان بابتسامة: أم محمد تحاسب اللي تبي..
وكلمتها تمشي على رقبتك ورقبتي
مريم تبتسم بحنان: جعلني ما خلا من عين الناس الذوق..
مهوب الغجر اللي ربي بلا مشاعل فيهم..
ناصر يضحك: دايماً ظالميني.. كني ولد البطة السوداء.. ماكني بأخيكم..
راكان بهمس وهو يميل لمريم: عروستنا وش علومها؟؟
انقبض قلب مريم
فالعنود قضت الليل كله تشهق وتكتم شهقاتها
حتى لا توقظ مريم التي تظنها نائمة..بينما النوم جافاها
(كيف تنام وصغيرتها المدللة العذبة تعاني؟!)
أجابت راكان بهدوء: مستحية شوي.. بس زينة..
راكان بحنان: فديت روحها ماني بمتخيلها مره متزوجة..
ناصر بذات الحنان: ولا أنا.. لا.. وإلا لو تجيب عيال..
أشلون تربيهم وهي بروحها بزر..
مريم برقة: بزر في عيونكم.. بس العنود ما ينخاف عليها.. مره ماشاء الله
*************************
فندق الريتز
الدوحة
مشعل يتمدد على سريره بعد أن صلى الفجر
يشعر بأسى يخنق روحه
لم يخطر بباله ولا حتى في أسوأ أحلامه
أنه قد يُطرد بيته
ومن الذي يطرده؟؟
لطيفة
لطيفة
لطيفة التي بات لا يعرفها
أو ربما لم يتح لنفسه فرصة التعرف عليها
13 عاما وهذه المرأة زوجته
ثم يكتشف أنه لا يعرفها
كلما تذكر ثورتها عليه
يشعر بقشعريرة تجتاح جسده
قشعريرة لا يعلم لها سببا
قشعريرة باردة.. وملتهبة في آن
تهز سلسلة ظهره الفقرية بعنف ككهرباء لاسعة
يتقلب الجسد الضخم المثقل بالهم
يحاول أن يرتب أفكاره
ليجدها تعود للتبعثر
كيف سيتصرف الآن؟؟
لا يستطيع فرض وجوده على لطيفة
لا رجولته ولا كرامته يقبلان ذلك على نفسه
ولا يستطيع أن يعود لبيت أهله
فأي خزي يعود به كشاب مراهق بعد أن أصبح في الثامنة والثلاثين؟!!
لا يحتمل أن تهتز صورته أمام أحد منهم
هل يؤجر له بيتا أو شقة؟؟
ماذا سيقول الناس ؟!!
سيسلخون وجهه سخرية وأقاويل فارغة وإشاعات مغرضة
هو في غنى عنها
"بل أنت كنت في غنى عن هذا كله!!"
(أي مصيبة جلبتها لنفسك يا مشعل؟!!!)
هل يعجل بفكرة الزواج؟؟
حتى لا يتكلم عليه أحد حين يؤجر أو يشتري بيتا!!
أولاده كيف سيبرر غيابه عنهم..
مشتاق للشيطانة الصغيرة المسماة جود
فهو اعتاد أن يمر سريرها كل يوم قبل ذهابه لعمله
ليطبع على وجنتيها المدورتين قبلاته
نعم.. هو كثير الانشغال
ولكنه مغرمٌ بأولاده.. واعتاد على رؤيتهم كل يوم
فكيف سيتقبل فكرة "الضيف غير المرغوب فيه"؟؟
النوم جافاه وعشرات الأفكار تغتاله
أبرزها
فكرة واحدة
اسمها
لطيفة
***********************
الساعة الثامنة صباحا
في بيت مشعل بن محمد
لطيفة في غرفة أولادها توقظهم
محمد يفتح عينيه وهو يقول بنعاس: يمه كم الساعة؟؟
لطيفة بحنان: 8 الصبح
محمد قفز من سريره: يمه الله يهداكم مابعد صليت..
ليش ابي ماقومني أروح معه للمسجد مثل كل يوم..
لطيفة ابتلعت ريقها (بدأ اللي أخاف منه): ابيك عنده شغل ..
عشان كذا يبي ييبي يبات قريب منه
قفز عبودي الصغير الذي كان يسمع: أشلون عنده شغل
هو قايل لي إنه إذا حمود خلص امتحاناته بيودينا النقيان ويخلينا نركب الرينو..
لطيفة تحضن عبودي وهي تحرك شعره بنعومة وتقول بحنان مصفى:
فديت راعي الرينو يا ناس.. بيرجع ويوديكم لا تستعجل على رزقك..
وبعدين يالنصاب ابيكم يوديكم النقيان كل أسبوع
يعني فرقت ذا الأسبوع..
كانت لطيفة تعلم أن مشعل إذا وعد أبناءه فهو لن يخلف..
ولكنها ستحرص ألا تراه حينها..
ستجهز الأولاد وتجعلهم ينزلون له..
هل بدأ قلبك يقسو يا لطيفة؟!!
أ حقا لا تريدين رؤيته؟!!
*****************************
أمام شقة هيا يقف
يشعر أن رؤيتها ثقيلة على نفسه
ولكنه يفعلها من أجل جدته
رن الجرس رنة واحدة
وهو يتمنى ألا تفتح له
حتى يجد عذرا لنفسه
لم يكن يريد أن يراها اليوم بالتحديد بعد ماحدث في الجامعة
كان يريد تأجيل رؤيتها ليوم آخر
ولكنه لم يكد يرن حتى فُتح الباب
كانت باكينام من فتحت
وكانت أصلا على وشك فتح الباب لتغادر
حين رن مشعل الباب..
صُدمت باكينام برؤيته
ولكنها ألقت التحية عليه بأدب
ونزلت باستعجال قبل أن يقفل سكن الطالبات في وجهها
مشعل مازال واقفا عند الباب الموارب
"يا أهل البيت"
هيا ما أن سمعت صوته حتى تناولت عباءتها واختبأت خلف الباب ترتديها
وترتدي حجابها وهي تشير لأمها أنها لا تريد رؤيته
ثم دخلت للمطبخ
أم هيا بهدوء: ادخل يمه مشعل
مشعل خطا خطوة واحدة للداخل وترك الباب مفتوحا: مساش الله بالخير يمه
أم هيا بحنان: مساء النور.. اقعد يمه نحط لك عشاء
مشعل برفض: تو الناس على العشاء.. جعله عامر
ثم أكمل بهدوء: ادعي لي هيا يمه.. أبيها ضروري
هيا كانت تسمعه من مكانها في المطبخ توترت..(وش يبي بعد؟!)
هيا خرجت بخطوات مترددة قبل أن تناديها أمها
وهي تقول لمشعل بهدوء مستفز: خير إن شاء الله..
*****************************
باكينام وهي في طريقها للسكن
قررت أن تمر المقهى المجاور لسكن هيا
لتأخذ لها عشاءً خفيفاً على استعجال
لتتناوله في السكن
لم يخطر ببالها مطلقا أنها قد تصدف النادل إياه
ولكنها صدفته وهو خارج بعد أن أنهى فترة عمله
هزت رأسها كتحية وهي تدخل
وهو هز رأسه وهو خارج
خرج
بدا لها وسيما جدا في لباسه اليومي
بنطلون جينز وقميص أبيض
بعيدا عن لباس المقهى
ثم قطبت باكينام جبينها
وهي تتذكر لباسه
لا يمكن أن يفوت عينها الخبيرة
كيف لنادل محدود الدخل
أن يرتدي بنطلونا من (دولتشي آند غابانا)
وقميصا من (بربريز)؟؟!!
القميص لوحده ثمنه يوازي راتبه لشهرين!!!
هزت رأسها:
"أكيد تئليد، بس بصراحة تئليد بيرفكت!!"
**********************
هيا خرجت بخطوات مترددة قبل أن تناديها أمها
وهي تقول لمشعل بهدوء مستفز: خير إن شاء الله..
مشعل أخذ نفسا عميقا (اللهم طولك ياروح..):
الخير بوجه هل الخير إن شاء الله طال عمر جنابش..
هيا ببرود: تمسخر حضرتك..
مشعل بنفس برودها: كلن يرى الناس بعين طبعه..
هيا بحدة: اخلص وش تبي؟؟ ما أعتقد إنك جاي في ذا الليل تنغزني بالحكي..
(كانت هيا تحاول أن تزيح إحساسها بالحرج بهذه الحدة)
أم هيا بغضب: هيا احشمي ولد عمج يا قليلة الحيا.. واحشميني..
هيا تلتفت لوالدتها وتقول لها باحترام: أنتي لج الحشيمة والقدر..
ثم تلتفت لمشعل وتقول ببرود: بس غيرج ماله عندي قدر ولا حشيمة
لأنه ما يستحقها..
مشعل بغضب هادر فقد وصل منتهاه منها:
وغيرها ما يبي الحشيمة منش لأنش ما تسوين مواطي أرجيله..
والله لولا اسمش اللي أخره مشعل ما هميتني.. اسمي ارتبط باسمش غصب
لكن أنتي كانسانه بلسانش الفالت وقلبش الأسود أخر شيء يهمني..
والحين اخلصي علي كلمي جدتي
ويا ويلش ويا سواد ليلش لو زعلتيها بكلمة
والله ثم والله يا شرب دمش كله مايكفيني..
صباح اليوم التالي في الدوحة
و ليل ذات اليوم في واشنطن
كانت ليلة طويلة جدا على الكثير من القلوب
حملت السهد..
والسهر..
والكثير من الوجع..
الكثير الكثير منه...
وجع صِرْف..حاد..متوحش
الضحية الأكبر
ذات النصيب الأكبر من مرارة الوجع الذي لا حدود له
لطيفة
المطعونة في عمق قلبها وأنوثتها
مرٌّ هذا الشعور الذي يلتهمها
أن تقضي السنوات
وأنت تذوب حبا لشخص ما
تهتم بنفسك من أجله وحتى تعجبه
وتضغط على نفسك حتى يكون هو سعيدا
وتهتم بأدق تفاصيل حياته
وتعيش على أمل أن يشعر بك يوما
لتكتشف أن كل هذه السنوات ذهبت هباء
لا قيمة لجهودك عنده
ولا صدى لمشاعرك في قلبه
وأنك مجرد حثالة لا قيمة لها..
هكذا كانت تشعر لطيفة!!!
الساعة 8 صباحا في غرفة لطيفة
لم تنم مطلقا
ووجهها منتفخ من آثار البكاء
استحمت لتنشط جسدها المهدود
(حياتي لن تنتهي على أعتاب خيانتك يا مشعل
لدي أطفال ينتظرونني
هم من يهمونني في هذه الحياة
ولدي مخططات أخرى
بعيدا عن تمحور حياتي حولك)
وتنفيذا لأحد هذه المخططات
أخذت لطيفة هاتفها وأرسلت رسالة قصيرة لشخص ما
ثم ذهبت لتوقظ ابنائها لتفطرهم وتبدأ المذاكرة لهم
غصبا عنها: طاف مشعل ببالها
كيف نام البارحة؟؟
فلطالما كان مشعل ابنها الخامس!!
ولكنها نفضت ذكراه من مخيلتها
(يرقد وين مايبي..
خله يروح ينام عند المدام الجديدة
ماعاد لي شغل فيه)
ولكن كان لها (شغل) فيه
ففكرة (المدام) الجديدة أشعلت نارا حارقة في جوفها
مهما حاولت الإنكار!!
**************************
تلا لطيفة في السهد والسهر والوجع واختلاج المشاعر
فارس
قبل ذلك بساعات
بعد صلاة الفجر
بيت فارس بن سعود
فارس يعود من المسجد بعد أن صلى الفجر
لم ينم مطلقا
يشعر أنه منهك ومُستنزف
ويريد إلقاء جسده المتعب على سريره لينام
ولكن هل سيتركه تمزقه وتبعثر مشاعره
بين إهانتها المرة وصوتها الساحر ينام؟!!
لم يشعر يوما بالضياع كما يشعر الآن!!
لطالما كان جبارا واثقا لا يهتز
ماذا فعلت به إهانتها؟؟
ماذا فعل به صوتها؟!!
لم يخطر بباله يوما أن قلبه الصلب ستهزه مشاعر كهذه
مشاعر لذيذة عذبة وشفافة
تماما كصوتها اللذيذ العذب الشفاف
ولكن هل سيترك كبرياءه قلبه على هواه؟!!
*************************
ذات الوقت ولكن بتوقيت آخر
الساعة السادسة والنصف مساء في واشنطن
كان مشعل يعود لبيته من صلاة المغرب في المسجد الملاصق
كان قد خطط في بداية النهار
أن يزور زوجة عمه بعد صلاة العصر
ليرى أحوالهم وإن كانوا يحتاجون شيئا
ولكنه بعد موقفه مع هيا
يشعر بحرج شديد
حتى الآن لا يعلم كيف فقد السيطرة على نفسه لدرجة إمساكها
تصيبه هذه الفتاة بالجنون!!
ما أن فتح باب شقته
حتى رن هاتفه المحمول..
ألتقطه نظر للاسم وابتسم من أعماقه:
هلا والله.. هلا هلا هلا من واشنطن للدوحة.. ولا تكفي
أم مشعل بحنان غامر: أصدق بعدين يأمك..
مشعل بحنان: صدقي جعل عيني ما تبكيش.. أشلونش يالغالية؟؟
أم مشعل بحنان أكبر: طيبة فديتك.. أنت اللي أشلونك؟؟
تاكل زين؟؟ ترقد زين؟؟ تدرس...
مشعل يقاطعها بمرح: والله إن كل شيء زين فديتش..
وش ذا النهار المبارك اللي سمعنا صوتش الحلو..
بالعادة ما تكلموني ذا الحزة..
الساعة مهيب 4 ونص الصبح عندكم الحين؟؟
أم مشعل برقة: بلى.. بس جدتك من يوم درت ببنت ولدها..
ماجاها رقاد تبي تكلمها
توتر مشعل: ذا الحزة؟؟
أم مشعل رجاء: تكفى يا مشعل.. من يوم صلت الفجر
وهي تحن تبي تكلمها
روح لهم وأتصل على تلفون مشاعل
لأني بأروح المطبخ.. ابيك عنده فطور رياجيل..
مشعل يبتسم: ليتني على يمين أبو مشعل بس.. والله ما أخليه يتعب روحه
أم مشعل بحنان: جعلنا مانذوق حزنك يأمك ويردك لنا سالم غانم..
يالله يأمك فديتك.. روح عند بنت عمك.. وخلها تكلم جدتك..
لم يكن مشعل يريد الذهاب لشقة هيا
فهو أصبح يكره رؤية هذه الهيا
التي تستمتع بإيلامه وبمحاولة التقليل من احترامه
ولكنه لا يستطيع رد رغبة جدته الغالية ولو كان في ذلك قطع عنقه
فكيف بأمر سخيف مثل مقابلة ثقيلة الدم المدعوة هيا؟!!
**************************
بيت محمد بن مشعل
ناصر وراكان يعودان سويا
بعد ليلتهما المارثوانية
ليلة كشف الأسرار التي استنزفت كلا منهما
استنزفت راكان بوحا
واستنزفت ناصرا تضامنا
صلوا الفجر في سوق واقف
وأفطروا في مطعم بيروت وأحضروا معهم فطورا للبيت
ووضعوه في المطبخ الداخلي
وصعدا لغرفة مريم
باب غرفة مريم يُطرق
كانت مريم تستعد للنوم بعد أن صلت الفجر
"ادخل"
يُفتح الباب وتدخل خطوات ثقيلة
مريم تبتسم : وين مسربتين الشباب البارحة؟؟
جيت أذهنكم لقيت سرايركم باردة
يعني مابعد نمتوا.. يالله اعترفوا!!
ناصر بمرح: يالله صباح خير.. ترا منتي ببنت عبدالله عشان تحاسبيني
أنا ما يحاسبني إلا المدام فديت عينها
راكان بابتسامة: أم محمد تحاسب اللي تبي..
وكلمتها تمشي على رقبتك ورقبتي
مريم تبتسم بحنان: جعلني ما خلا من عين الناس الذوق..
مهوب الغجر اللي ربي بلا مشاعل فيهم..
ناصر يضحك: دايماً ظالميني.. كني ولد البطة السوداء.. ماكني بأخيكم..
راكان بهمس وهو يميل لمريم: عروستنا وش علومها؟؟
انقبض قلب مريم
فالعنود قضت الليل كله تشهق وتكتم شهقاتها
حتى لا توقظ مريم التي تظنها نائمة..بينما النوم جافاها
(كيف تنام وصغيرتها المدللة العذبة تعاني؟!)
أجابت راكان بهدوء: مستحية شوي.. بس زينة..
راكان بحنان: فديت روحها ماني بمتخيلها مره متزوجة..
ناصر بذات الحنان: ولا أنا.. لا.. وإلا لو تجيب عيال..
أشلون تربيهم وهي بروحها بزر..
مريم برقة: بزر في عيونكم.. بس العنود ما ينخاف عليها.. مره ماشاء الله
*************************
فندق الريتز
الدوحة
مشعل يتمدد على سريره بعد أن صلى الفجر
يشعر بأسى يخنق روحه
لم يخطر بباله ولا حتى في أسوأ أحلامه
أنه قد يُطرد بيته
ومن الذي يطرده؟؟
لطيفة
لطيفة
لطيفة التي بات لا يعرفها
أو ربما لم يتح لنفسه فرصة التعرف عليها
13 عاما وهذه المرأة زوجته
ثم يكتشف أنه لا يعرفها
كلما تذكر ثورتها عليه
يشعر بقشعريرة تجتاح جسده
قشعريرة لا يعلم لها سببا
قشعريرة باردة.. وملتهبة في آن
تهز سلسلة ظهره الفقرية بعنف ككهرباء لاسعة
يتقلب الجسد الضخم المثقل بالهم
يحاول أن يرتب أفكاره
ليجدها تعود للتبعثر
كيف سيتصرف الآن؟؟
لا يستطيع فرض وجوده على لطيفة
لا رجولته ولا كرامته يقبلان ذلك على نفسه
ولا يستطيع أن يعود لبيت أهله
فأي خزي يعود به كشاب مراهق بعد أن أصبح في الثامنة والثلاثين؟!!
لا يحتمل أن تهتز صورته أمام أحد منهم
هل يؤجر له بيتا أو شقة؟؟
ماذا سيقول الناس ؟!!
سيسلخون وجهه سخرية وأقاويل فارغة وإشاعات مغرضة
هو في غنى عنها
"بل أنت كنت في غنى عن هذا كله!!"
(أي مصيبة جلبتها لنفسك يا مشعل؟!!!)
هل يعجل بفكرة الزواج؟؟
حتى لا يتكلم عليه أحد حين يؤجر أو يشتري بيتا!!
أولاده كيف سيبرر غيابه عنهم..
مشتاق للشيطانة الصغيرة المسماة جود
فهو اعتاد أن يمر سريرها كل يوم قبل ذهابه لعمله
ليطبع على وجنتيها المدورتين قبلاته
نعم.. هو كثير الانشغال
ولكنه مغرمٌ بأولاده.. واعتاد على رؤيتهم كل يوم
فكيف سيتقبل فكرة "الضيف غير المرغوب فيه"؟؟
النوم جافاه وعشرات الأفكار تغتاله
أبرزها
فكرة واحدة
اسمها
لطيفة
***********************
الساعة الثامنة صباحا
في بيت مشعل بن محمد
لطيفة في غرفة أولادها توقظهم
محمد يفتح عينيه وهو يقول بنعاس: يمه كم الساعة؟؟
لطيفة بحنان: 8 الصبح
محمد قفز من سريره: يمه الله يهداكم مابعد صليت..
ليش ابي ماقومني أروح معه للمسجد مثل كل يوم..
لطيفة ابتلعت ريقها (بدأ اللي أخاف منه): ابيك عنده شغل ..
عشان كذا يبي ييبي يبات قريب منه
قفز عبودي الصغير الذي كان يسمع: أشلون عنده شغل
هو قايل لي إنه إذا حمود خلص امتحاناته بيودينا النقيان ويخلينا نركب الرينو..
لطيفة تحضن عبودي وهي تحرك شعره بنعومة وتقول بحنان مصفى:
فديت راعي الرينو يا ناس.. بيرجع ويوديكم لا تستعجل على رزقك..
وبعدين يالنصاب ابيكم يوديكم النقيان كل أسبوع
يعني فرقت ذا الأسبوع..
كانت لطيفة تعلم أن مشعل إذا وعد أبناءه فهو لن يخلف..
ولكنها ستحرص ألا تراه حينها..
ستجهز الأولاد وتجعلهم ينزلون له..
هل بدأ قلبك يقسو يا لطيفة؟!!
أ حقا لا تريدين رؤيته؟!!
*****************************
أمام شقة هيا يقف
يشعر أن رؤيتها ثقيلة على نفسه
ولكنه يفعلها من أجل جدته
رن الجرس رنة واحدة
وهو يتمنى ألا تفتح له
حتى يجد عذرا لنفسه
لم يكن يريد أن يراها اليوم بالتحديد بعد ماحدث في الجامعة
كان يريد تأجيل رؤيتها ليوم آخر
ولكنه لم يكد يرن حتى فُتح الباب
كانت باكينام من فتحت
وكانت أصلا على وشك فتح الباب لتغادر
حين رن مشعل الباب..
صُدمت باكينام برؤيته
ولكنها ألقت التحية عليه بأدب
ونزلت باستعجال قبل أن يقفل سكن الطالبات في وجهها
مشعل مازال واقفا عند الباب الموارب
"يا أهل البيت"
هيا ما أن سمعت صوته حتى تناولت عباءتها واختبأت خلف الباب ترتديها
وترتدي حجابها وهي تشير لأمها أنها لا تريد رؤيته
ثم دخلت للمطبخ
أم هيا بهدوء: ادخل يمه مشعل
مشعل خطا خطوة واحدة للداخل وترك الباب مفتوحا: مساش الله بالخير يمه
أم هيا بحنان: مساء النور.. اقعد يمه نحط لك عشاء
مشعل برفض: تو الناس على العشاء.. جعله عامر
ثم أكمل بهدوء: ادعي لي هيا يمه.. أبيها ضروري
هيا كانت تسمعه من مكانها في المطبخ توترت..(وش يبي بعد؟!)
هيا خرجت بخطوات مترددة قبل أن تناديها أمها
وهي تقول لمشعل بهدوء مستفز: خير إن شاء الله..
*****************************
باكينام وهي في طريقها للسكن
قررت أن تمر المقهى المجاور لسكن هيا
لتأخذ لها عشاءً خفيفاً على استعجال
لتتناوله في السكن
لم يخطر ببالها مطلقا أنها قد تصدف النادل إياه
ولكنها صدفته وهو خارج بعد أن أنهى فترة عمله
هزت رأسها كتحية وهي تدخل
وهو هز رأسه وهو خارج
خرج
بدا لها وسيما جدا في لباسه اليومي
بنطلون جينز وقميص أبيض
بعيدا عن لباس المقهى
ثم قطبت باكينام جبينها
وهي تتذكر لباسه
لا يمكن أن يفوت عينها الخبيرة
كيف لنادل محدود الدخل
أن يرتدي بنطلونا من (دولتشي آند غابانا)
وقميصا من (بربريز)؟؟!!
القميص لوحده ثمنه يوازي راتبه لشهرين!!!
هزت رأسها:
"أكيد تئليد، بس بصراحة تئليد بيرفكت!!"
**********************
هيا خرجت بخطوات مترددة قبل أن تناديها أمها
وهي تقول لمشعل بهدوء مستفز: خير إن شاء الله..
مشعل أخذ نفسا عميقا (اللهم طولك ياروح..):
الخير بوجه هل الخير إن شاء الله طال عمر جنابش..
هيا ببرود: تمسخر حضرتك..
مشعل بنفس برودها: كلن يرى الناس بعين طبعه..
هيا بحدة: اخلص وش تبي؟؟ ما أعتقد إنك جاي في ذا الليل تنغزني بالحكي..
(كانت هيا تحاول أن تزيح إحساسها بالحرج بهذه الحدة)
أم هيا بغضب: هيا احشمي ولد عمج يا قليلة الحيا.. واحشميني..
هيا تلتفت لوالدتها وتقول لها باحترام: أنتي لج الحشيمة والقدر..
ثم تلتفت لمشعل وتقول ببرود: بس غيرج ماله عندي قدر ولا حشيمة
لأنه ما يستحقها..
مشعل بغضب هادر فقد وصل منتهاه منها:
وغيرها ما يبي الحشيمة منش لأنش ما تسوين مواطي أرجيله..
والله لولا اسمش اللي أخره مشعل ما هميتني.. اسمي ارتبط باسمش غصب
لكن أنتي كانسانه بلسانش الفالت وقلبش الأسود أخر شيء يهمني..
والحين اخلصي علي كلمي جدتي
ويا ويلش ويا سواد ليلش لو زعلتيها بكلمة
والله ثم والله يا شرب دمش كله مايكفيني..
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء العشرون
شقة هيا
حيث اندلعت النيران
هيا تلتفت لوالدتها وتقول لها باحترام: أنتي لج الحشيمة والقدر..
ثم تلتفت لمشعل وتقول ببرود: بس غيرج ماله عندي قدر ولا حشيمة لأنه ما يستحقها..
مشعل بغضب هادر فقد وصل منتهاه منها:
وغيرها ما يبي الحشيمة منش لأنش ما تسوين مواطي أرجيله..
والله لولا اسمش اللي أخره مشعل ما هميتني.. اسمي ارتبط باسمش غصب
لكن أنتي كانسانه بلسانش الفالت وقلبش الأسود أخر شيء يهمني..
والحين اخلصي علي كلمي جدتي
ويا ويلش ويا سواد ليلش لو زعلتيها بكلمة
والله ثم والله يا شرب دمش كله مايكفيني..
صوت غاضب اقتحم المعركة الدائرة بينهما
كانت أم هيا تتعكز بصعوبة وتقف على قدميها وهي تقول:
أنتو اثنينكم احشموني.. عجوز واقفة بينكم ماحشمتوا شيباتي
مشعل باحترام: يعني يرضيش يمه تطويلها لسانها عليّ؟؟
ثم أكمل وهو يقول بغضب:
أنا ما أدري الشيخة هيا وش كانت تبيني أسوي
تبيني أقول لجدي لا تطرد عمي وأنا عمري سنتين؟؟
أم هيا ألتفتت لهيا المعتصمة بالصمت: هيا اعتذري لولد عمج..
هيا باستجداء: يمه تكفين لا تصغريني قدامه..
مشعل يسحب نفسا عميقا: يمه أنا ما أبيها تعتذر مني..
الله المغني عن اعتذارها
بس قولي لها تكلم جدتي زين
جدتي متشفقة عليها.. لا توجعها بالحكي.. جدتي جاها ماكفاها..
هيا بحدة: هي جدتي مثل ماهي جدتك..
بأكلمها زين عشانها أم سلطان وبس
وإلا أنت...
أم هيا تقاطعها بغضب: بس يا هيا
مشعل أخذ نفسا عميقا مرة أخرى
(الله يعدي ذا الليلة على خير لأذبحها)
تناول هاتفه ليتصل.. وأم هيا تشير له ليجلس..
جلس ..وهاتفه على أذنه..
وهيا توجهت وجلست بجوار أمها وهي تمسك بكفها
فسماع صوت جدتها بعد كل هذه السنين.. كان شيئا فوق احتمالها
حتى لو تصنعت القوة أمام مشعل
مشعل يبتسم وهو يسمع صوت مشاعل
(استغربت هيا ابتسامته فهي كانت تظنه لا يعرف الابتسام)
- هلا والله مشمش هلا بشيخة هل الدوحة وأحلاهم
- ..........
- إذا أنتي اشتقتي لي شوي انا اشتقت لش واجد.. أشلونش يا قلبي؟؟
شعرت هيا بشعور فضول غريب.. وبشعور آخر آخر مختلف..
وأفكار شتى تصطخب في مخيلتها
(من هذه التي تبرق عيناه وهو يسمع صوتها؟!!
من هذه التي يتغزل بها ويهبها كل هذا الحنان؟!!
أ يكون متزوجاً؟؟ وهذه زوجته؟؟
لا لا ليس متزوجا..
وما الذي يمنع أن يكون متزوجا فهو على أعتاب الثلاثين؟؟)
غصبا عنها شعرت بضيق غير مبرر من فكرة كون مشعل متزوجا
(خليه يتزوج بالطقاق.. الله يعين مرته على مابلاها!!)
- إيه أنا عندهم.. عطيني جدتي..
- ..............
- هلا والله.. والكاذب جعل ابيه النار..
- ...................
- طيب جعلني ماذوق حزنش..
- .....................
- والله أني طيب.. أنتي بشريني منش؟؟ أشلون صحتش يالغالية؟؟
انتفضت هيا بعنف.. لانها علمت أنه يكلم جدتها الآن..
كانت ترى مشعل وكأنه نسي وجودهم
وهو ينغمس في حديث ممتع مع جدته
شعرت ببعض الغيرة وبكثير من الحزن..
طوال السنوات الماضية كل أحفادها تمتعوا بحنانها إلا هي..
كلهم تمتعوا بقربها وحكاياتها وأحضانها إلا هي..
هي أحق بها منهم جميعا
لأن سلطان كان يعشقها
وما يعشقه سلطان هي تعشقه..
شيء بقي لها من ذكرى سلطان الغالية..
مشعل يرفع عينيه في هيا، وهو يقول بنبرة محايدة:
إيه يمه أنا عندهم ذا الحين
شعرت هيا بريقها يجف ويتشقق كأنه أرض بور..
وقلبها يكاد يثب من بين ضلوعها
ربما كانوا سكان الصين يسمعون دقات قلبها الآن!!
كان مشعل يقول بابتسامة (وبعيارة):
بس ترا بنت ولدش ما تعرف تحكي..
حكيها ما أدري وشو قايل.. حكي حضران..
ما أدري تفهمين عليها وإلا لا
.................
مشعل بشيء من الجدية: والله أني صادق يمه..
إذا جات عندش علميها حكيش الزين
ولو أني ظني لا تقعدين تعلمينها عشر سنين ما أعتدل لسانها الملتوي..
على الطرف الآخر كانت الجدة تشعر باللهفة تخترق أحشائها
كان مشعل يقول : ولو أني ظني لا تقعدين تعلمينها عشر سنين ما أعتدل لسانها الملتوي..
- ما يهم يا أمك إن شاء الله تحكي هندي المهم أسمع صوتها
- لذا الدرجة متشفقة عليها (مشعل بحنان)
- الله لا يفجعك بالولد يأمك (الجدة بنبرة غارقة في الحزن)
مشعل ألتفت لهيا وهو يقول: هاش يمه كلميها
تناولت هيا الهاتف وهي تشعر أنها تكاد تسقط من فرط ارتعاشها وتوترها
*****************************
هيا تناولت الهاتف وهي ترتجف، والجدة استعدت لمكالمتها
والاثنتان يهزهما سيل من مشاعر متطابقة في عمقها ولهفتها
كيف هو صوتها؟؟
أيحمل رائحة صوت سلطان؟؟
أتحمل بعضا من بحته وحدته في نطق الحروف؟؟
أ لها العمق الحنون نفسه؟؟
أ سيهز صوتها روحي كما كان صوت سلطان؟!!
هيا بتردد: ألو..
الجدة بصوت مخنوق: هلا والله.. هلا ببنت سلطان.. هلا ببنتي..
هيا لم تحتمل.. لم تحتمل.. لم تهتم لكون مشعل موجودا..
وكونها تتمنى أن تموت ولا يراها ضعيفة
كل هذا لم تهتم له وهي تنخرط في بكاء حاد موجع
حين سمعت صوت جدتها النقي الهادر كأمواج البحر
كانت هيا تنشج كطفلة ضائعة أعادوها لوالديها
فُجع مشعل من ردة فعلها
لم يتوقع أن هذه الباردة الوقحة الحقودة تحمل قلبا بين جوانحها
لم يحتمل منظرها الباكي ولا لحظات ضعفها..
هزت دموعها مشاعره النبيلة بعمق
لا يحتمل دموع أي امرأة.. فكيف بابنة عمه؟!!
قام ووقف وخرج لينتظر عند باب الشقة من الخارج
وهيا مستمرة في نحيبها المؤلم والجدة بعبرات مخنوقة:
بس يأمش.. قطعتي قلبي.. فديت عينش
أم هيا تناولت الهاتف من يد ابنتها
في الوقت الذي هيا قفزت للحمام لتغسل وجهها وتحاول تهدئة نفسها
أم هيا باحترام: هلا يا أم محمد.. أنا أم هيا.. يا هلا والله فيج
الجدة بنفس الصوت المخنوق: الله يحيش هلا والله.. وش فيها هيا؟؟
أم هيا: مافيها شيء.. مستانسة اللي سمعت صوتج
هيا تحبج وايد من محبة سلطان لج
الحين تغسل ويهها وبتيي وبتكلمج..
بعضا من كلام أم هيا.. لم تفهمه الجدة..
لكن مايهمها أنها ستسمع صوت هيا
أم هيا نادت مشعل.. الذي دخل بتردد..
وأعطته هاتفه بعد أن أغلقت الخط
مشعل باستغراب: وينها هيا؟؟
أم مشعل: قامت للحمام وبتيي..
بعد لحظات خرجت هيا بوجهها المحمر وهي تعاود الجلوس بجوار أمها
وتقول لمشعل بهدوء وعينها على الأرض: كلم لي جدتي..
مشعل أعاد الاتصال وأعطاها الهاتف..
هيا باحترام وهدوء: هلا يمه.. سامحيني فديتش..
ماقدرت أتحمل صوتش
ذكرني بأبي الله يرحمه..
كان مشعل يعتقد أنه أخطأ سماع اللهجة التي تتكلم بها هيا
لذا ارهف السمع وهو يعود للجلوس في مكانه..
الجدة بحزن: حي الطاري وراعيه.. جعل مثواه الجنة.. وجعلها برايد عليه..
هيا بذات الحزن: آمين..
الجدة بحنان: أشلونش يأمش؟؟
هيا بنعومة: طيبة طاب حالش.. أنتي أشلونش؟؟ وش وقعش؟؟
الجدة تبتسم: زينة.. زان وقعش..
هيا بذات النعومة: أشلون من يعز عليش؟؟ أشلون عماني وعيالهم؟؟
بشريني منش طال عمرش في الطاعة؟؟
الجدة تتسع ابتسامتها: طيبين كلنا..
هذا حكيش زين.. وازين من حكي خوات مشيعل
اللي ألسنتهم متلوية
وش قومه عليش يعذرب حكيش؟؟
هيا تلتفت لمشعل الذي كان مصعوقا من طريقتها في الكلام
كانت تتكلم كجدته.. بنفس طريقتها.. وبلهجة حادة كحدتها
كانت تتكلم كمن اعتاد أن يتحدث هذه اللهجة طوال عمره
( إذن كانت تسخر منه!! وتصغره كعادتها!!)
هيا تجيب بابتسامة جانبية وهي تنظر لمشعل: يمه مشعل ما يعجبه شيء
كلامي مهوب عاجبه.. يقول ما أعرف احكي
الجدة تبتسم وتقول بحنان: ماعنده نظر.. جعلني ما أبكي منطوقش الزين
استمر الحوار بين الجدة وهيا لأكثر من عشر دقائق
ومشعل غضبه يتصاعد
(وش تقصد بحركتها يعني؟؟
تبي تطلعني غبي قدام جدتي
زين يا هيا زين)
كانت كلما استغرقت في الحوار كلما زاد غضب مشعل
كان يمني نفسه أنها تمثل اللهجة حتى لا تنتصر عليه
ولكن لهجتها كانت صميمية
لهجة من عاش حياته كلها بين أهلها ولم يمارس غيرها
من أين تعلمت أن تتكلم بهذه الطريقة القديمة؟؟
حتى شقيقاته لا يعرفن أن يتكلمن مثلها
تبدو لهجتها صافية لم تخالطها لهجات أخرى
كما يحدث لكل البنات اللاتي يتأثرن من لهجات صديقاتهن في المدرسة.
والحقيقة الصارخة أنها أقرب لمفردات مجالس الرجال
ولكن بألقها الساحر وعذوبة صوتها
وهنا قفزت المعلومة لذهنه
إنها طريقة عمه سلطان في الكلام.. لا شك..
أنهت هيا المكالمة وابتسامة صافية شفافة ترتسم على محياها
يالله كم هي رائعة جدتها!! (هذا مايجول بأعماقها)
وعدتها هي بنفسها أن تأتي للدوحة في أقرب وقت
(بأروح لها بس مهوب مع مشعل
بنروح بروحنا)
أعادت الهاتف لمشعل وهي تحاول أن ترسم تكشيرة على وجهها
ولكنها فشلت وظلت ابتسامتها ترتسم معبرة عن فرحتها العميقة
(من فرحتي بجدتي.. بأبتسم حتى للجن الأزرق!!)
مشعل وهو يأخذ هاتفه ويقول ببرود:
وش قصدش من الحركة اللي سويتيها؟؟
هيا بنفس بروده: أي حركة؟؟
مشعل بنبرة ثلجية: يوم لسانش يلوط أذانش..
ليه تطلعيني كذاب قدام جدتي..؟؟
هيا بسخرية: والله ماحد قال لك تألف كلام على كيفك..
مشعل بحدة: أنا ألفت كلام؟؟ أنا ماقلت غير اللي أنتي قلتيه
ثم أعاد كلامها الذي قالته له اليوم صباحا بطريقة ساخرة:
"والله هلي اللي انت تقول رموني، من وين أتعلم كلامهم من الهوا"
هيا بسخرية: بس ماقلت لك أني ما أعرفه؟؟
ثم أكملت بحنين: هذا كلام سلطان ، اشلون ما تبيني أعرفه؟!!
أم هيا تبتسم وهي تقول بحنين بنكهة أخرى: تدري يمه يامشعل
كان رأسها برأس سلطان طول اليوم
والله العظيم ما كنت أفهم شيء من كلامهم من سرعتهم ووشوشتهم
شقة هيا
حيث اندلعت النيران
هيا تلتفت لوالدتها وتقول لها باحترام: أنتي لج الحشيمة والقدر..
ثم تلتفت لمشعل وتقول ببرود: بس غيرج ماله عندي قدر ولا حشيمة لأنه ما يستحقها..
مشعل بغضب هادر فقد وصل منتهاه منها:
وغيرها ما يبي الحشيمة منش لأنش ما تسوين مواطي أرجيله..
والله لولا اسمش اللي أخره مشعل ما هميتني.. اسمي ارتبط باسمش غصب
لكن أنتي كانسانه بلسانش الفالت وقلبش الأسود أخر شيء يهمني..
والحين اخلصي علي كلمي جدتي
ويا ويلش ويا سواد ليلش لو زعلتيها بكلمة
والله ثم والله يا شرب دمش كله مايكفيني..
صوت غاضب اقتحم المعركة الدائرة بينهما
كانت أم هيا تتعكز بصعوبة وتقف على قدميها وهي تقول:
أنتو اثنينكم احشموني.. عجوز واقفة بينكم ماحشمتوا شيباتي
مشعل باحترام: يعني يرضيش يمه تطويلها لسانها عليّ؟؟
ثم أكمل وهو يقول بغضب:
أنا ما أدري الشيخة هيا وش كانت تبيني أسوي
تبيني أقول لجدي لا تطرد عمي وأنا عمري سنتين؟؟
أم هيا ألتفتت لهيا المعتصمة بالصمت: هيا اعتذري لولد عمج..
هيا باستجداء: يمه تكفين لا تصغريني قدامه..
مشعل يسحب نفسا عميقا: يمه أنا ما أبيها تعتذر مني..
الله المغني عن اعتذارها
بس قولي لها تكلم جدتي زين
جدتي متشفقة عليها.. لا توجعها بالحكي.. جدتي جاها ماكفاها..
هيا بحدة: هي جدتي مثل ماهي جدتك..
بأكلمها زين عشانها أم سلطان وبس
وإلا أنت...
أم هيا تقاطعها بغضب: بس يا هيا
مشعل أخذ نفسا عميقا مرة أخرى
(الله يعدي ذا الليلة على خير لأذبحها)
تناول هاتفه ليتصل.. وأم هيا تشير له ليجلس..
جلس ..وهاتفه على أذنه..
وهيا توجهت وجلست بجوار أمها وهي تمسك بكفها
فسماع صوت جدتها بعد كل هذه السنين.. كان شيئا فوق احتمالها
حتى لو تصنعت القوة أمام مشعل
مشعل يبتسم وهو يسمع صوت مشاعل
(استغربت هيا ابتسامته فهي كانت تظنه لا يعرف الابتسام)
- هلا والله مشمش هلا بشيخة هل الدوحة وأحلاهم
- ..........
- إذا أنتي اشتقتي لي شوي انا اشتقت لش واجد.. أشلونش يا قلبي؟؟
شعرت هيا بشعور فضول غريب.. وبشعور آخر آخر مختلف..
وأفكار شتى تصطخب في مخيلتها
(من هذه التي تبرق عيناه وهو يسمع صوتها؟!!
من هذه التي يتغزل بها ويهبها كل هذا الحنان؟!!
أ يكون متزوجاً؟؟ وهذه زوجته؟؟
لا لا ليس متزوجا..
وما الذي يمنع أن يكون متزوجا فهو على أعتاب الثلاثين؟؟)
غصبا عنها شعرت بضيق غير مبرر من فكرة كون مشعل متزوجا
(خليه يتزوج بالطقاق.. الله يعين مرته على مابلاها!!)
- إيه أنا عندهم.. عطيني جدتي..
- ..............
- هلا والله.. والكاذب جعل ابيه النار..
- ...................
- طيب جعلني ماذوق حزنش..
- .....................
- والله أني طيب.. أنتي بشريني منش؟؟ أشلون صحتش يالغالية؟؟
انتفضت هيا بعنف.. لانها علمت أنه يكلم جدتها الآن..
كانت ترى مشعل وكأنه نسي وجودهم
وهو ينغمس في حديث ممتع مع جدته
شعرت ببعض الغيرة وبكثير من الحزن..
طوال السنوات الماضية كل أحفادها تمتعوا بحنانها إلا هي..
كلهم تمتعوا بقربها وحكاياتها وأحضانها إلا هي..
هي أحق بها منهم جميعا
لأن سلطان كان يعشقها
وما يعشقه سلطان هي تعشقه..
شيء بقي لها من ذكرى سلطان الغالية..
مشعل يرفع عينيه في هيا، وهو يقول بنبرة محايدة:
إيه يمه أنا عندهم ذا الحين
شعرت هيا بريقها يجف ويتشقق كأنه أرض بور..
وقلبها يكاد يثب من بين ضلوعها
ربما كانوا سكان الصين يسمعون دقات قلبها الآن!!
كان مشعل يقول بابتسامة (وبعيارة):
بس ترا بنت ولدش ما تعرف تحكي..
حكيها ما أدري وشو قايل.. حكي حضران..
ما أدري تفهمين عليها وإلا لا
.................
مشعل بشيء من الجدية: والله أني صادق يمه..
إذا جات عندش علميها حكيش الزين
ولو أني ظني لا تقعدين تعلمينها عشر سنين ما أعتدل لسانها الملتوي..
على الطرف الآخر كانت الجدة تشعر باللهفة تخترق أحشائها
كان مشعل يقول : ولو أني ظني لا تقعدين تعلمينها عشر سنين ما أعتدل لسانها الملتوي..
- ما يهم يا أمك إن شاء الله تحكي هندي المهم أسمع صوتها
- لذا الدرجة متشفقة عليها (مشعل بحنان)
- الله لا يفجعك بالولد يأمك (الجدة بنبرة غارقة في الحزن)
مشعل ألتفت لهيا وهو يقول: هاش يمه كلميها
تناولت هيا الهاتف وهي تشعر أنها تكاد تسقط من فرط ارتعاشها وتوترها
*****************************
هيا تناولت الهاتف وهي ترتجف، والجدة استعدت لمكالمتها
والاثنتان يهزهما سيل من مشاعر متطابقة في عمقها ولهفتها
كيف هو صوتها؟؟
أيحمل رائحة صوت سلطان؟؟
أتحمل بعضا من بحته وحدته في نطق الحروف؟؟
أ لها العمق الحنون نفسه؟؟
أ سيهز صوتها روحي كما كان صوت سلطان؟!!
هيا بتردد: ألو..
الجدة بصوت مخنوق: هلا والله.. هلا ببنت سلطان.. هلا ببنتي..
هيا لم تحتمل.. لم تحتمل.. لم تهتم لكون مشعل موجودا..
وكونها تتمنى أن تموت ولا يراها ضعيفة
كل هذا لم تهتم له وهي تنخرط في بكاء حاد موجع
حين سمعت صوت جدتها النقي الهادر كأمواج البحر
كانت هيا تنشج كطفلة ضائعة أعادوها لوالديها
فُجع مشعل من ردة فعلها
لم يتوقع أن هذه الباردة الوقحة الحقودة تحمل قلبا بين جوانحها
لم يحتمل منظرها الباكي ولا لحظات ضعفها..
هزت دموعها مشاعره النبيلة بعمق
لا يحتمل دموع أي امرأة.. فكيف بابنة عمه؟!!
قام ووقف وخرج لينتظر عند باب الشقة من الخارج
وهيا مستمرة في نحيبها المؤلم والجدة بعبرات مخنوقة:
بس يأمش.. قطعتي قلبي.. فديت عينش
أم هيا تناولت الهاتف من يد ابنتها
في الوقت الذي هيا قفزت للحمام لتغسل وجهها وتحاول تهدئة نفسها
أم هيا باحترام: هلا يا أم محمد.. أنا أم هيا.. يا هلا والله فيج
الجدة بنفس الصوت المخنوق: الله يحيش هلا والله.. وش فيها هيا؟؟
أم هيا: مافيها شيء.. مستانسة اللي سمعت صوتج
هيا تحبج وايد من محبة سلطان لج
الحين تغسل ويهها وبتيي وبتكلمج..
بعضا من كلام أم هيا.. لم تفهمه الجدة..
لكن مايهمها أنها ستسمع صوت هيا
أم هيا نادت مشعل.. الذي دخل بتردد..
وأعطته هاتفه بعد أن أغلقت الخط
مشعل باستغراب: وينها هيا؟؟
أم مشعل: قامت للحمام وبتيي..
بعد لحظات خرجت هيا بوجهها المحمر وهي تعاود الجلوس بجوار أمها
وتقول لمشعل بهدوء وعينها على الأرض: كلم لي جدتي..
مشعل أعاد الاتصال وأعطاها الهاتف..
هيا باحترام وهدوء: هلا يمه.. سامحيني فديتش..
ماقدرت أتحمل صوتش
ذكرني بأبي الله يرحمه..
كان مشعل يعتقد أنه أخطأ سماع اللهجة التي تتكلم بها هيا
لذا ارهف السمع وهو يعود للجلوس في مكانه..
الجدة بحزن: حي الطاري وراعيه.. جعل مثواه الجنة.. وجعلها برايد عليه..
هيا بذات الحزن: آمين..
الجدة بحنان: أشلونش يأمش؟؟
هيا بنعومة: طيبة طاب حالش.. أنتي أشلونش؟؟ وش وقعش؟؟
الجدة تبتسم: زينة.. زان وقعش..
هيا بذات النعومة: أشلون من يعز عليش؟؟ أشلون عماني وعيالهم؟؟
بشريني منش طال عمرش في الطاعة؟؟
الجدة تتسع ابتسامتها: طيبين كلنا..
هذا حكيش زين.. وازين من حكي خوات مشيعل
اللي ألسنتهم متلوية
وش قومه عليش يعذرب حكيش؟؟
هيا تلتفت لمشعل الذي كان مصعوقا من طريقتها في الكلام
كانت تتكلم كجدته.. بنفس طريقتها.. وبلهجة حادة كحدتها
كانت تتكلم كمن اعتاد أن يتحدث هذه اللهجة طوال عمره
( إذن كانت تسخر منه!! وتصغره كعادتها!!)
هيا تجيب بابتسامة جانبية وهي تنظر لمشعل: يمه مشعل ما يعجبه شيء
كلامي مهوب عاجبه.. يقول ما أعرف احكي
الجدة تبتسم وتقول بحنان: ماعنده نظر.. جعلني ما أبكي منطوقش الزين
استمر الحوار بين الجدة وهيا لأكثر من عشر دقائق
ومشعل غضبه يتصاعد
(وش تقصد بحركتها يعني؟؟
تبي تطلعني غبي قدام جدتي
زين يا هيا زين)
كانت كلما استغرقت في الحوار كلما زاد غضب مشعل
كان يمني نفسه أنها تمثل اللهجة حتى لا تنتصر عليه
ولكن لهجتها كانت صميمية
لهجة من عاش حياته كلها بين أهلها ولم يمارس غيرها
من أين تعلمت أن تتكلم بهذه الطريقة القديمة؟؟
حتى شقيقاته لا يعرفن أن يتكلمن مثلها
تبدو لهجتها صافية لم تخالطها لهجات أخرى
كما يحدث لكل البنات اللاتي يتأثرن من لهجات صديقاتهن في المدرسة.
والحقيقة الصارخة أنها أقرب لمفردات مجالس الرجال
ولكن بألقها الساحر وعذوبة صوتها
وهنا قفزت المعلومة لذهنه
إنها طريقة عمه سلطان في الكلام.. لا شك..
أنهت هيا المكالمة وابتسامة صافية شفافة ترتسم على محياها
يالله كم هي رائعة جدتها!! (هذا مايجول بأعماقها)
وعدتها هي بنفسها أن تأتي للدوحة في أقرب وقت
(بأروح لها بس مهوب مع مشعل
بنروح بروحنا)
أعادت الهاتف لمشعل وهي تحاول أن ترسم تكشيرة على وجهها
ولكنها فشلت وظلت ابتسامتها ترتسم معبرة عن فرحتها العميقة
(من فرحتي بجدتي.. بأبتسم حتى للجن الأزرق!!)
مشعل وهو يأخذ هاتفه ويقول ببرود:
وش قصدش من الحركة اللي سويتيها؟؟
هيا بنفس بروده: أي حركة؟؟
مشعل بنبرة ثلجية: يوم لسانش يلوط أذانش..
ليه تطلعيني كذاب قدام جدتي..؟؟
هيا بسخرية: والله ماحد قال لك تألف كلام على كيفك..
مشعل بحدة: أنا ألفت كلام؟؟ أنا ماقلت غير اللي أنتي قلتيه
ثم أعاد كلامها الذي قالته له اليوم صباحا بطريقة ساخرة:
"والله هلي اللي انت تقول رموني، من وين أتعلم كلامهم من الهوا"
هيا بسخرية: بس ماقلت لك أني ما أعرفه؟؟
ثم أكملت بحنين: هذا كلام سلطان ، اشلون ما تبيني أعرفه؟!!
أم هيا تبتسم وهي تقول بحنين بنكهة أخرى: تدري يمه يامشعل
كان رأسها برأس سلطان طول اليوم
والله العظيم ما كنت أفهم شيء من كلامهم من سرعتهم ووشوشتهم
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الحادي والعشرون
بيت جابر بن حمد
الصباح الباكر
الصالة السفلية
أم حمد تجلس عند (دلالها) وترتب الفطور
استعداد لنزول زوجها وبناتها
اليوم عندهن تدريب على اختبار التوفل لكل المدرسة
لذا سيذهبن يوم السبت
معالي أول الواصلات تقفز على الدرج وتدندن بقصيدة حربية قديمة
تبتسم أمها: أنتي رايحة للمدرسة وإلا رايحة الغزو؟؟
معالي تصل أمها وتطبع على خدها قبلة كبيرة وهي تقول:
الاثنين.. المدرسة أصلا جهاد أكبر..
أم حمد بابتسامة: إلا تعالي ذا القصيدة من وين تعلمتيها؟؟
ما أتذكر إني قد قلتها لش..
معالي تضحك: من جدتي هيا فديت عينها..
وإلا أنتي صايرة بنوتية ضيعتي قصيد الأولين كله..
أم حمد تضحك: واللي يقابلش أنتي وخواتش يبقى فيه مخ..
ضيعتوا مخي الله حسيبي..
أصوات ضاحكة مازالت تنزل الدرج:
يعني عشان محترة على معالي تدخلينا معها
معالي تبتسم: حياهم الله رقية وسبيكة
عالية تبتسم: يعني اليوم مهوب كوبي وبيست..
معالي تنظر في لبسهم المدرسي وتسريحة شعورهم وتضحك:
إلا أبو الكوبي والبيست وأمه
نعنبوا داركم المدرسات يشتكون أنهم ما يفرقون بينكم..
وأنتو حتى الكلبس نفس الشكل وعلى نفس المكان كنكم قايسينه بالمسطرة
غيروا على الأقل البلايز والا الكلبس اللي في شعوركم يالمغبرات
علياء (بعيارة): محترة يا الكويحة..
معالي ترفع أنفها وهي تقول بغرور: السمار نص الجمال..
ياللي لونش كنه لون مريضة ما شافت الشمس..يالمومياء..
عالية: عشتو.. حبو لي خشمه ما أطوله...
صوت حازم يقاطعهم: أصبحو وأفلحوا.. ذا النقرة كل صبح لازم..
قفزن الصبايا الثلاث باحترام وهن يرين والدهن ينزل الدرج
وتسارعن إليه كل واحدة تقبل أنفه بمحبة واحترام..
علياء وعالية جلستا صامتتين باحترام
ولكن معالي قفزن لجوار والدها، وأمها تصب القهوة عليه، معالي بدلال ولؤم:
جبوري حبيبي.. طلع اللي في مخابيك
وأتحف بنتك المزيونة بخمسين ريال، مية، خمسية ما نقول لا..
اللي بيطلع من ذمتك.. وأنت كريم واحنا نستاهل
أم حمد بغضب: اقطعي واخسي.. احشمي أبيش يا قليلة الخاتمة..
أبو حمد يضحك: خليها تقول جبوري كود أعود ولد..
وتجوزني حد من بنيات المدرسة اللي معها..
معالي تضحك: بأزوجك المدرسة كلها.. بس قبضني..
البنات ووالدهن يضحكون، بينما أم حمد عقدت ناظريها وهي تقول:
إيه جايز لكم الحكي..
الله لا يبلانا.. البنات وأبيهم استخفوا
**********************
غرفة راكان
الساعة التاسعة صباحا
منبه هاتفه يوقظه
فلديه اليوم تدريب رماية استعدادا لبطولة آسيا في الرماية
التي سُتقام في سنغافورة
أطفأ الجرس ثم أنتبه لرسالة تنتظر الفتح
فتحها كانت من لطيفة:
" لو سمحت راكان إذا صحيت دق علي ضروري"
استغرب راكان وشعر بالقلق
اتصل بلطيفة
التي كانت وقتها مستغرقة في الاستذكار لأولادها
ردت لطيفة بهدوء: هلا والله
راكان بقلق: صبحش الله بالخير يا أم محمد عسى ماشر؟؟
فيكم شيء؟؟
لطيفة ابتسمت: مافيه شيء يا ابن الحلال..
يعني أختك الكبيرة مالها حق تقول اتصل علي أسلم عليك
ابتسم راكان: تمونين يا أم محمد.. الله يكبر قدرش..
بس أكيد إنش تبين شيء.. آمريني..
لطيفة برقة: ما يأمر عليك عدو أبي منك خدمة كبيرة شوي
راكان بشهامة: أفا عليش.. الغالي يرخص لش يامرت الغالي..
توترت لطيفة من مرور ذكر مشعل، ولكنها أكملت بهدوء:
أدري راكان إنه واسطتك كبيرة.. ومعارفك كثير..
وأبيك تخدمني في موضوع..
راكان بثقة: آمري..
لطيفة استمرت بذات هدوؤها:
أنا ادري أني السنة الدراسية بادية لها تقريبا شهر..
بس أنا أبي أرجع أسجل ثالث ثانوي منازل..
وأدخل اختبار الثانوية العامة ذا السنة.
راكان باستغراب: بس أنتي مخلصة ثالث ثانوي.. وش عندش؟؟
لطيفة بثقة: شهادتي صارت قديمة.. وأنا أبي أدخل الجامعة..
راكان ابتسم: حلو ذا الطموح المتأخر.. تمونين يأم محمد..
هي صحيح صعبة وخصوصا إنه ثالث ثانوي وهم خلاص جهزوا القوائم
يعني لو ثاني مثلا كان اهون
بس حاضرين.. ماطلبتي شيء..
لطيفة ابتسمت: خلاص بأخلي الخدامة تجيب لكم في البيت الحين ظرف فيه أوراقي
ومشكور يا أبو محمد الله يوفقك دنيا وآخره..
****************************
منتصف الليل في واشنطن دي سي
كولومبيا ديسكرت
قلبان ساهران
في مكان مختلفان
تغمرهما مشاعر مختلفة.. عميقة..
هيا الليلة سعيدة جدا
تكاد تلمس من النجوم من فرط سعادتها
تريد أن تحتضن العالم كله
حتى مشعل الكريه لو لم يكن من آل مشعل لاحتضنته الليلة!!!!
يالله كم جدتها رائعة !!
كم يشبه كلامها كلام سلطان!!
كم تتمنى رؤيتها واستنشاق رائحة سلطان فيها
"أضناني الشوق يا سلطان
وأضنتي الوحدة في غيابك!!"
مشعل يشعر بالغيظ منها والشفقة عليها
كيف اجتمع هاذين الشعورين لا يعرف
مغتاظ منها لسخريتها منه
وتقليلها من احترامه
من حدة لسانها الدائمة
وهي دائما مستعدة بكلماتها القاسية
ولكن بكائها اليوم آلمه في العمق
لم يتخيل أن هذه المخلوقة الحاقدة الساخرة المرة يمكن أن تبكي
وأن لها قلبا نابضا ومشاعر رقيقة
آلمه ضعفها وحزنها وإحساسها بالوحدة
أحاسيسها التي اقتحمته بعنف موجع!!
*****************************
الساعة 9 والنصف صباحا
بيت حمد بن جابر
موضي تجلس في الصالة
تشاهد أخبار الجزيرة
مازال حمد نائما
بعد دقائق
حمد ينزل عليها
توترت
هكذا علاقتهما.. حينما تراه تتوتر حتى تعلم كيف مزاجه
ألقى التحية بعذوبة
(الحمدلله.. اليوم زين.. ويارب ما يقلب)
اقترب وجلس بجوارها
موضي على وشك النهوض
حمد برقة: وين بتروحين؟؟
موضي بهدوء: بأروح أجهز ريوقك
حمد يتناول يدها ويطبع في باطنها قبلة عميقة ويقول بحب:
اقعدي عندي حبيبتي.. شوفة وجهش تكفيني عن الريوق
شعرت موضي بالأسى
حمد حين يكون رائق البال
يكون عاشقا ولا أروع
لا في كلامه ولا في لمساته
ولكن كل هذا لم يعد يحرك في مشاعرها شيئا
سوى الأسى
الكثير من الأسى
والخوف
لأنها ماعادت تثق فيما سيحدث بعد دقيقة
هاهو الآن يضع رأسه على فخذها
يحتضن يدها
ويغمر أناملها بعشرات من قبلاته الحنونة
ولكنها لا تستبعد أن يكسر الأنامل التي يقبلها بعد دقيقة واحدة
فكيف تأمن على يديها بين يديه؟!!
كما لو أنك تعطي يديك لشخص ما ليقبلها
وأنت متيقن تماما أنه سيقبلها ثم سيعضها بوحشية
فكيف سيكون إحساسك بملمس شفتيه على يديك؟!!
مرٌّ هذا الإحساس..مرّ..
أن يصبح من يفترض أن يكون مصدر الأمان في حياتك
هو مصدر الرعب والخوف
فتصبح كالهارب من الرمضاء إلى النار
***************************
الساعة العاشرة صباحا
غرفة فارس
كان يستقيظ من نومه
لم ينم حتى ساعتين متواصلتين
كان يحلم بها حتى وهو نائم..
(ماهذه المصيبة المسماة العنود التي ابتلاه ربه فيه؟!)
تفكير مجنون يخطر بباله
وليس هو من يتردد في تنفيذ قرار
تناول هاتفه واتصل برقم مخزن عنده
ولكنه قليل الاتصال به
إنه رقم مريم
فقد اعتاد أن يتصل بها لتهنئتها في الأعياد
لحظتها كانت مريم تستيقظ من نومها لتوها وتريد التوجه للحمام
سمعت هاتفها يطلق اسم فارس في الجو
استغربت وتوترت
(وش يبي فارس؟؟!!)
مريم ردت باحترام: هلا فارس..
فارس بهدوء: هلا والله.. صبحش الله بالخير يا بنت محمد
مريم: صباحك أخير..
فارس: أشلونش طال عمرش؟؟
مريم واستغرابها يتزايد: طيبة طاب حالك
فارس تنحنح ثم قال بثقة: مريم لو سمحتي عطيني العنود أبي أكلمها؟؟
مريم توترت: (وش يبي بالعنود؟) قالت بهدوء:
فارس يأختك.. ترا العنود مافيه أبيض من قلبها
والكلام اللي قالته أمس والله أنها ماتقصده..
تكفى أنك ما توجعها بالحكي.. تراها ما تستحمل..
فارس توتر من تذكيرها له بالموضوع ولكنه قال بهدوء:
الكلام اللي هي قالته شيء بيني وبينها.. لو سمحتي عطيني إياها..
مريم بتوتر: الحين العنود نايمة..
فارس بثقة: روحي صحيها.. أبيها ضروري
*********************
بيت مشعل بن محمد
الساعة العاشرة صباحا..
كانت لطيفة في غرفة أولادها
تذاكر لمحمد ومريم
بينما عبدالله في غرفة الألعاب يلعب بلاي ستيشن وجود تشاهده
جاءت الخادمة ودخلت على لطيفة المنهمكة مع أولادها:
مدام.. بابا مشعل تحت يبي انته..
انتفض قلب لطيفة بعنف
لم تمضِ حتى 12 ساعة على معركتها الأخيرة معه
المعركة التي استنزفتها
لِـم جاء؟؟؟
غير مستعدة لمواجهته؟؟
لِـمَ جاء؟؟
لِـمَ جـــاء؟؟؟؟
بيت جابر بن حمد
الصباح الباكر
الصالة السفلية
أم حمد تجلس عند (دلالها) وترتب الفطور
استعداد لنزول زوجها وبناتها
اليوم عندهن تدريب على اختبار التوفل لكل المدرسة
لذا سيذهبن يوم السبت
معالي أول الواصلات تقفز على الدرج وتدندن بقصيدة حربية قديمة
تبتسم أمها: أنتي رايحة للمدرسة وإلا رايحة الغزو؟؟
معالي تصل أمها وتطبع على خدها قبلة كبيرة وهي تقول:
الاثنين.. المدرسة أصلا جهاد أكبر..
أم حمد بابتسامة: إلا تعالي ذا القصيدة من وين تعلمتيها؟؟
ما أتذكر إني قد قلتها لش..
معالي تضحك: من جدتي هيا فديت عينها..
وإلا أنتي صايرة بنوتية ضيعتي قصيد الأولين كله..
أم حمد تضحك: واللي يقابلش أنتي وخواتش يبقى فيه مخ..
ضيعتوا مخي الله حسيبي..
أصوات ضاحكة مازالت تنزل الدرج:
يعني عشان محترة على معالي تدخلينا معها
معالي تبتسم: حياهم الله رقية وسبيكة
عالية تبتسم: يعني اليوم مهوب كوبي وبيست..
معالي تنظر في لبسهم المدرسي وتسريحة شعورهم وتضحك:
إلا أبو الكوبي والبيست وأمه
نعنبوا داركم المدرسات يشتكون أنهم ما يفرقون بينكم..
وأنتو حتى الكلبس نفس الشكل وعلى نفس المكان كنكم قايسينه بالمسطرة
غيروا على الأقل البلايز والا الكلبس اللي في شعوركم يالمغبرات
علياء (بعيارة): محترة يا الكويحة..
معالي ترفع أنفها وهي تقول بغرور: السمار نص الجمال..
ياللي لونش كنه لون مريضة ما شافت الشمس..يالمومياء..
عالية: عشتو.. حبو لي خشمه ما أطوله...
صوت حازم يقاطعهم: أصبحو وأفلحوا.. ذا النقرة كل صبح لازم..
قفزن الصبايا الثلاث باحترام وهن يرين والدهن ينزل الدرج
وتسارعن إليه كل واحدة تقبل أنفه بمحبة واحترام..
علياء وعالية جلستا صامتتين باحترام
ولكن معالي قفزن لجوار والدها، وأمها تصب القهوة عليه، معالي بدلال ولؤم:
جبوري حبيبي.. طلع اللي في مخابيك
وأتحف بنتك المزيونة بخمسين ريال، مية، خمسية ما نقول لا..
اللي بيطلع من ذمتك.. وأنت كريم واحنا نستاهل
أم حمد بغضب: اقطعي واخسي.. احشمي أبيش يا قليلة الخاتمة..
أبو حمد يضحك: خليها تقول جبوري كود أعود ولد..
وتجوزني حد من بنيات المدرسة اللي معها..
معالي تضحك: بأزوجك المدرسة كلها.. بس قبضني..
البنات ووالدهن يضحكون، بينما أم حمد عقدت ناظريها وهي تقول:
إيه جايز لكم الحكي..
الله لا يبلانا.. البنات وأبيهم استخفوا
**********************
غرفة راكان
الساعة التاسعة صباحا
منبه هاتفه يوقظه
فلديه اليوم تدريب رماية استعدادا لبطولة آسيا في الرماية
التي سُتقام في سنغافورة
أطفأ الجرس ثم أنتبه لرسالة تنتظر الفتح
فتحها كانت من لطيفة:
" لو سمحت راكان إذا صحيت دق علي ضروري"
استغرب راكان وشعر بالقلق
اتصل بلطيفة
التي كانت وقتها مستغرقة في الاستذكار لأولادها
ردت لطيفة بهدوء: هلا والله
راكان بقلق: صبحش الله بالخير يا أم محمد عسى ماشر؟؟
فيكم شيء؟؟
لطيفة ابتسمت: مافيه شيء يا ابن الحلال..
يعني أختك الكبيرة مالها حق تقول اتصل علي أسلم عليك
ابتسم راكان: تمونين يا أم محمد.. الله يكبر قدرش..
بس أكيد إنش تبين شيء.. آمريني..
لطيفة برقة: ما يأمر عليك عدو أبي منك خدمة كبيرة شوي
راكان بشهامة: أفا عليش.. الغالي يرخص لش يامرت الغالي..
توترت لطيفة من مرور ذكر مشعل، ولكنها أكملت بهدوء:
أدري راكان إنه واسطتك كبيرة.. ومعارفك كثير..
وأبيك تخدمني في موضوع..
راكان بثقة: آمري..
لطيفة استمرت بذات هدوؤها:
أنا ادري أني السنة الدراسية بادية لها تقريبا شهر..
بس أنا أبي أرجع أسجل ثالث ثانوي منازل..
وأدخل اختبار الثانوية العامة ذا السنة.
راكان باستغراب: بس أنتي مخلصة ثالث ثانوي.. وش عندش؟؟
لطيفة بثقة: شهادتي صارت قديمة.. وأنا أبي أدخل الجامعة..
راكان ابتسم: حلو ذا الطموح المتأخر.. تمونين يأم محمد..
هي صحيح صعبة وخصوصا إنه ثالث ثانوي وهم خلاص جهزوا القوائم
يعني لو ثاني مثلا كان اهون
بس حاضرين.. ماطلبتي شيء..
لطيفة ابتسمت: خلاص بأخلي الخدامة تجيب لكم في البيت الحين ظرف فيه أوراقي
ومشكور يا أبو محمد الله يوفقك دنيا وآخره..
****************************
منتصف الليل في واشنطن دي سي
كولومبيا ديسكرت
قلبان ساهران
في مكان مختلفان
تغمرهما مشاعر مختلفة.. عميقة..
هيا الليلة سعيدة جدا
تكاد تلمس من النجوم من فرط سعادتها
تريد أن تحتضن العالم كله
حتى مشعل الكريه لو لم يكن من آل مشعل لاحتضنته الليلة!!!!
يالله كم جدتها رائعة !!
كم يشبه كلامها كلام سلطان!!
كم تتمنى رؤيتها واستنشاق رائحة سلطان فيها
"أضناني الشوق يا سلطان
وأضنتي الوحدة في غيابك!!"
مشعل يشعر بالغيظ منها والشفقة عليها
كيف اجتمع هاذين الشعورين لا يعرف
مغتاظ منها لسخريتها منه
وتقليلها من احترامه
من حدة لسانها الدائمة
وهي دائما مستعدة بكلماتها القاسية
ولكن بكائها اليوم آلمه في العمق
لم يتخيل أن هذه المخلوقة الحاقدة الساخرة المرة يمكن أن تبكي
وأن لها قلبا نابضا ومشاعر رقيقة
آلمه ضعفها وحزنها وإحساسها بالوحدة
أحاسيسها التي اقتحمته بعنف موجع!!
*****************************
الساعة 9 والنصف صباحا
بيت حمد بن جابر
موضي تجلس في الصالة
تشاهد أخبار الجزيرة
مازال حمد نائما
بعد دقائق
حمد ينزل عليها
توترت
هكذا علاقتهما.. حينما تراه تتوتر حتى تعلم كيف مزاجه
ألقى التحية بعذوبة
(الحمدلله.. اليوم زين.. ويارب ما يقلب)
اقترب وجلس بجوارها
موضي على وشك النهوض
حمد برقة: وين بتروحين؟؟
موضي بهدوء: بأروح أجهز ريوقك
حمد يتناول يدها ويطبع في باطنها قبلة عميقة ويقول بحب:
اقعدي عندي حبيبتي.. شوفة وجهش تكفيني عن الريوق
شعرت موضي بالأسى
حمد حين يكون رائق البال
يكون عاشقا ولا أروع
لا في كلامه ولا في لمساته
ولكن كل هذا لم يعد يحرك في مشاعرها شيئا
سوى الأسى
الكثير من الأسى
والخوف
لأنها ماعادت تثق فيما سيحدث بعد دقيقة
هاهو الآن يضع رأسه على فخذها
يحتضن يدها
ويغمر أناملها بعشرات من قبلاته الحنونة
ولكنها لا تستبعد أن يكسر الأنامل التي يقبلها بعد دقيقة واحدة
فكيف تأمن على يديها بين يديه؟!!
كما لو أنك تعطي يديك لشخص ما ليقبلها
وأنت متيقن تماما أنه سيقبلها ثم سيعضها بوحشية
فكيف سيكون إحساسك بملمس شفتيه على يديك؟!!
مرٌّ هذا الإحساس..مرّ..
أن يصبح من يفترض أن يكون مصدر الأمان في حياتك
هو مصدر الرعب والخوف
فتصبح كالهارب من الرمضاء إلى النار
***************************
الساعة العاشرة صباحا
غرفة فارس
كان يستقيظ من نومه
لم ينم حتى ساعتين متواصلتين
كان يحلم بها حتى وهو نائم..
(ماهذه المصيبة المسماة العنود التي ابتلاه ربه فيه؟!)
تفكير مجنون يخطر بباله
وليس هو من يتردد في تنفيذ قرار
تناول هاتفه واتصل برقم مخزن عنده
ولكنه قليل الاتصال به
إنه رقم مريم
فقد اعتاد أن يتصل بها لتهنئتها في الأعياد
لحظتها كانت مريم تستيقظ من نومها لتوها وتريد التوجه للحمام
سمعت هاتفها يطلق اسم فارس في الجو
استغربت وتوترت
(وش يبي فارس؟؟!!)
مريم ردت باحترام: هلا فارس..
فارس بهدوء: هلا والله.. صبحش الله بالخير يا بنت محمد
مريم: صباحك أخير..
فارس: أشلونش طال عمرش؟؟
مريم واستغرابها يتزايد: طيبة طاب حالك
فارس تنحنح ثم قال بثقة: مريم لو سمحتي عطيني العنود أبي أكلمها؟؟
مريم توترت: (وش يبي بالعنود؟) قالت بهدوء:
فارس يأختك.. ترا العنود مافيه أبيض من قلبها
والكلام اللي قالته أمس والله أنها ماتقصده..
تكفى أنك ما توجعها بالحكي.. تراها ما تستحمل..
فارس توتر من تذكيرها له بالموضوع ولكنه قال بهدوء:
الكلام اللي هي قالته شيء بيني وبينها.. لو سمحتي عطيني إياها..
مريم بتوتر: الحين العنود نايمة..
فارس بثقة: روحي صحيها.. أبيها ضروري
*********************
بيت مشعل بن محمد
الساعة العاشرة صباحا..
كانت لطيفة في غرفة أولادها
تذاكر لمحمد ومريم
بينما عبدالله في غرفة الألعاب يلعب بلاي ستيشن وجود تشاهده
جاءت الخادمة ودخلت على لطيفة المنهمكة مع أولادها:
مدام.. بابا مشعل تحت يبي انته..
انتفض قلب لطيفة بعنف
لم تمضِ حتى 12 ساعة على معركتها الأخيرة معه
المعركة التي استنزفتها
لِـم جاء؟؟؟
غير مستعدة لمواجهته؟؟
لِـمَ جاء؟؟
لِـمَ جـــاء؟؟؟؟
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الثاني والعشرون
يوم جديد
ومشاعر جديدة
وقوالب الثلج المشعلية أحرقتها شموس أميرات آل مشعل
فما الذي ينتظرهم؟!!
الساعة العاشرة وعشر دقائق صباحا
غرفة العنود
مريم تدخل بهدوء
فارس مازال على الخط مصراً على مكالمة العنود
مريم تقترب وتهزُّ العنود برفق: عنادي قومي ياقلبي
العنود بصوت ناعس متعب: تعبانة مريم فديتش..
خليني أنام شوي
تدرين إني مانمت إلا عقب ما شرقت الشمس
مريم بهمس: قومي كلمي فارس.. فارس يقول يبيش ضروري
العنود قفزت لتجلس، وهرمون الأدرينالين يرتفع إلى حده الأقصى
وهي تقول بهمس: وش يبي؟؟
مريم بذات الهمس: ما أدري
هذا الحوار وصل إلى فارس بكل وضوح..
وقلبه ترتفع دقاته إلى حده الأقصى وهو يسمع صوتها المرهق.
العنود تناولت الهاتف وهي تقول بهدوء بصوتها المبحوح من أثر النوم:
ألو
لم تكن هذه مجرد (ألو)
كانت سهما انغرز في قلب فارس
انغرس نصله في غشاء قلبه إلى نهايته .. نهايته
يكاد يقسم أنه شعر بألم السهم يخترق قلبه بوحشية حقيقية..
تماسك وهو يجيب بهدوء غلفه ببرود بارع: صباح الخير
العنود بخجل ذائب: صباح النور.. فيه شيء فارس؟؟
كانت العنود تريد أن تنهي الاتصال في أسرع وقت
بينما فارس حلق في عالم آخر
لاسمه بين شفتيها وبنبرة صوتها نكهة أخرى
طعم أشبه بالسكر المصفى
وإحساس أشبه بالخيال الأبدي
(كرري اسمي ألف مرة
امنحي اسمي بعضا من سحركِ
اسكريني بلحنه من بين شفتيكِ
انفثي في روحي نسيم همساتكِ
فروحي تذوب.. أقسم أنها تذوب)
ولكنه تماسك وهو يقول لها بثقة: أشلون الوالد والوالدة؟؟
استغربت العنود (أقول له وش تبي، يقول لي أشلون الوالد والوالدة)
ردت بخجل وهي تتمنى أن تنتهي هذه المكالمة بأسرع وقت:
طيبين طاب حالك..
فارس من الأساس ليس لديه شيء يقوله
يريد أن يسمع صوتها فقط
حين صحا من نومه صباحا
كان يشعر أنه سيجن إن لم يسمع صوتها
كان يمني نفسه أنه حين يسمعه هذه المرة
سيجده لا يستحق الزخم الأسطوري الذي ارتسم في أعماقه لسحر صوتها
سيفقد رونقه.. ويكتشف أنه صوت عادي لفتاة وقحة بليدة
وسينفك عنه سحر هذا الصوت الذي أصابه بالجنون
ولكنه اكتشف أن كل تفكيره لم يكن أكثر من هراء غبي
وهاهو يسمع صوتها ويكتشف أنه كالعطشان
الذي يشرب من ماء البحر ليزداد عطشا
لا يريدها أن تتوقف عن الكلام
يريد أن يسمعها كل يوم وكل ساعة وحتى أخر دقيقة في عمره
هكذا شعر!!
ويالاوقع اكتشافه المرعب لشعوره في نفسه!!
أكمل فارس بذات الثقة أسئلته التي لا معنى لها
سوى أن تكون وقودا يدفعها للكلام، ويدفعه لمزيد من الذوبان:
شأخبار الجامعة إن شاء الله زينة؟؟
العنود بارتباك: كل شيء زين.. فارس مريم تقول إنك تبيني ضروري..
وش فيه؟؟
(كرري اسمي مرة أخرى..
أرجوكِ كرريه
أيتها الأسطورة العذبة
يا أجراس النغمات
وساحرة العبارات
لم أكتشف أن لاسمي هذا الجمال
حتى سمعته منغما من بين شفتيكِ
حتى سمعته يتسربل بروعة همساتكِ)
ولكن فارس وجد أن موقفه أصبح محرجا
وأنه لابد أن يجد له سببا وجيها للاتصال: إيه أبيش ضروري..
ثم صمت..
يريدها أن تستحثه للكلام.. أي وسيلة ليطيل سماعه لصوتها
العنود بتوتر: هاه فارس.. شنو؟؟
(آه يا قلبي خلاص ماني بمتحمل
والله العظيم مافيني أتحمل)
فارس بهدوء: عطيني رقم حسابش.. أحط مهرش فيه..
العنود بحرج ووجهها يشتعل باللون الاحمر:
فارس هالموضوع بينك وبين الوالد
أرجوك لا تحرجني..
(أ أحرجتك يا صغيرتي؟!!
كم أتمنى أن أراك هذه اللحظة بالذات
أرى حمرة الخجل تكتسح خديكِ
ألمسهمها.. لتزهر أصابعي!!)
(صوتها أسكرني.. وأنساني التفكير بشكلها
من لها هذا الصوت المطرز بالسحر.. كيف يكون شكلها ياترى؟!!)
فارس بهدوء: أنا ماقلت شيء غلط.. أنا أتكلم في حق..
العنود بحرج بالغ: خلاص فارس الموضوع هذا بينك وبين ابي
ثم أكملت وهي يخطر لها خاطر أرعبها: فارس أنت استاذنت ابي تكلمني أو لا؟؟
فارس بذات بروده: لا.. وما اعتقد إنه عشان أكلم مرتي لازم أخذ أذن..
العنود هنا شعرت انتهت من الخجل
صوتها أصبح أكثر ارتعاشا وفي قلب فارس أكثر تأثيرا:
خلاص فارس ممكن أسكر..؟؟
( أ مستعجلة هكذا على نحري؟!!
نحرتني أولا بإهانتكِ
ونحرتني ثانيا بصوتكِ
فماذا تخبئين لي أيضا؟!!)
فارس بثقته المعتادة رغم أن داخله يذوب ويذوي: خلاص يالله مع السلامة
العنود بخفوت وهي تشعر بالسعادة لانتهاء التعذيب: مع السلامة
انتهت المكالمة
فارس مبعثر..
مبعثر..
يـــــــــــــــحــــــــبـــــــها
متأكد أنه يحبها..
ليس طفلا ليجهل هذه المشاعر التي اكتسحته بعنف..
إنه الحب.. وليس سواه..
ولكن متى؟؟
متى؟؟
بالأمس فقط سمع إهانتها وسمع صوتها
بالأمس فقط كان لا يريدها
وكان يريد فسخ كل ما بينهما
لا لا يحبها
هو يكرهها.. يكرهها..
إذن : هو يكرهها بقدر ما يحبها!!
أ يعقل أن طوفان المشاعر هذا كان ينتظر صوت العنود لإيقاظه من سباته
يا صوتها!!
ماذا فعلت بي يا صوتها!!
أحبها.. أحبها
لا شك في ذلك
ولكن كرامتي فوق كل شيء
لعنة الله على الحب
إن كان سيجعلني أنسى إهانتها لي..
لعنة الله عليه
**********************
بيت مشعل بن محمد
مشعل يجلس في الأسفل
كان قد طلب من الخادمة حين ذهبت لتنادي لطيفة
أن تحضر له جود
وهاهي جود تجلس في حضنه
وتقرص خديه
وتطبع قبلاتها على أنفه
وصوت ضحكاتهما يعلو في الجو
حين نادت الخادمة لطيفة
نظرت لطيفة لوجهها في المرآة
كان ذابلا وباديا عليها قلة النوم والبكاء
(ماني بمفرحته فيني
يدري إني قعدت طول الليل أبكي عليه هو ووجهه
خله يدري إنه ماهمني)
توجهت لغرفتها
أبدلت ملابسها ووضعت (ميكب) خفيف.. ونزلت
قبل أن تنزل
رأتهما من الأعلى
هو وجود
منسجمان ..سعيدان
آلمها قلبها
وهكذا هي الأم.. إحساسها بأولادها قبل إحساسها بأي شيء
قبل تنزل
شعر مشعل بشعور غريب يجتاحه
شعور يقول له إنها قادمة
رفع عينيه للدرج
كانت تنزل.. شعر أنها توقع خطواتها
على وقع دقات قلبه
(وش فيك يا أبو محمد؟؟ خرفت؟؟)
كانت لطيفة تنزل بثقة
وقلب مشعل يتزلزل بدون أن يعرف السبب لذلك
بدت له أشبه بأميرة أسطورية
تنزل من عليائها
هذه الثقة.. بل هذا الغرور المرتسم على وجهها
كأنها ثقة من اعتادت على أن تأمر فيستجاب لها
أو يأمر حسنها فتنصاع الرقاب له
(فعلا الجمال مرحوم..
سبحان من خلقها وصورها!!)
(أما أنك استخفيت صدق يا مشعل
المره مرتك لها سنين توك تكتشف انه
سبحان من خلقها)
(توني أدري إن زينها يوجع كذا)
لطيفة وصلت وجلست بعيدا عنه وهي تقول لجود:
جودي.. مامي.. روحي العبي مع عبودي..
جود برفض: لا لا.. بأدعد عند بابي..
مشعل بهدوء: أشفيش لطيفة عليها.. خليها تقعد..
ثم أكمل بحنان وهو يحتضن جود: أنا أصلا مشتاق لها فديت عينها
(لعنة الله عليك يا مشعل
كم تبدو قريبا.. وبعيداً!!)
قبّل مشعل جود
ورفع عينيه لتشتبك مع عيني لطيفة في نظرة كثيفة
ولكن لطيفة سارعت بتغيير اتجاه نظرتها
لا تريده أن يقرأ نظرة عينيها ويحس بمشاعرها.. إذا كان لديه إحساسٌ أصلا!!
لطيفة بثقة وهدوء: ممكن أعرف انت جاي ليه؟؟ وش تبي؟؟
مشعل بهدوء: أنتي مهوب قلتي إني أقدر أجي كضيف غير مرغوب فيه
اعتبريها زيارة من الضيف غير المرغوب..
شعرت لطيفة بالألم.. لم تعتد أن تكون لئيمة..
هو من دفعها لهذا..
لطيفة ببرود: والزيارة ما انتهت؟؟
رفع مشعل عينيه إليها
(لم تكوني قاسية هكذا يوما لطيفة
أ أنا من زرع هذه القسوة في قلبك
وحان وقت حصادي!!)
( لا تنظر لي هكذا مشعل
نظرتك تذيبني
كما فعلت وتفعل بي طيلة سنوات!!
لا تعبث بي يا مشعل
لا تعبث بي..
فقد انتهيت من عبثك.. انتهيت)
مشعل بهدوءه المعتاد: وفيه سبب ثاني للزيارة
لطيفة ببرود: خير؟؟
مشعل بذات الهدوء: ملابسي.. الملابس اللي خذتها أمس كلها غلط
ماخذت فوطة.. وخذت سراويل بدون فنايل
جيت بأسبح ماقدرت..
"ما أوهى عذرك ياهذا!!
ولكن لا بأس.. لاعبْ لطيفة
فالحرب خدعة!!"
شعرت لطيفة غصبا عنها بالألم
فهو لم يعتد أن يرتب ملابسه بنفسه
بل حتى ملابسه الداخلية هي من تشتريها له منذ سنوات مع أولادها
تنهدت (لن أضعف) ردت ببرود مصطنع: والمطلوب مني؟؟
مشعل تنهد: رتبوا لي شنطة على الأقل.. (رتبوا، وليس رتبي!!)
لطيفة وقفت.. وهي تقول ببرود:
ناد اللي تبي من الخدامات.. وخلها ترتب لك اللي تبي
آلمه ذلك
آلمه حتى النخاع
كأنها تقذف به كشيء بلا قيمة
مشعل بعتب: ويهون عليش تخلينهم يحوسون في أغراضي الخاصة؟!!
(أيها الخبيث
تعلم قدرك وتأثيرك
ولكن لن أسمح لك بهزيمتي)
لطيفة بعتب أكبر: مثل ما هنت أنا عليك
يوم جديد
ومشاعر جديدة
وقوالب الثلج المشعلية أحرقتها شموس أميرات آل مشعل
فما الذي ينتظرهم؟!!
الساعة العاشرة وعشر دقائق صباحا
غرفة العنود
مريم تدخل بهدوء
فارس مازال على الخط مصراً على مكالمة العنود
مريم تقترب وتهزُّ العنود برفق: عنادي قومي ياقلبي
العنود بصوت ناعس متعب: تعبانة مريم فديتش..
خليني أنام شوي
تدرين إني مانمت إلا عقب ما شرقت الشمس
مريم بهمس: قومي كلمي فارس.. فارس يقول يبيش ضروري
العنود قفزت لتجلس، وهرمون الأدرينالين يرتفع إلى حده الأقصى
وهي تقول بهمس: وش يبي؟؟
مريم بذات الهمس: ما أدري
هذا الحوار وصل إلى فارس بكل وضوح..
وقلبه ترتفع دقاته إلى حده الأقصى وهو يسمع صوتها المرهق.
العنود تناولت الهاتف وهي تقول بهدوء بصوتها المبحوح من أثر النوم:
ألو
لم تكن هذه مجرد (ألو)
كانت سهما انغرز في قلب فارس
انغرس نصله في غشاء قلبه إلى نهايته .. نهايته
يكاد يقسم أنه شعر بألم السهم يخترق قلبه بوحشية حقيقية..
تماسك وهو يجيب بهدوء غلفه ببرود بارع: صباح الخير
العنود بخجل ذائب: صباح النور.. فيه شيء فارس؟؟
كانت العنود تريد أن تنهي الاتصال في أسرع وقت
بينما فارس حلق في عالم آخر
لاسمه بين شفتيها وبنبرة صوتها نكهة أخرى
طعم أشبه بالسكر المصفى
وإحساس أشبه بالخيال الأبدي
(كرري اسمي ألف مرة
امنحي اسمي بعضا من سحركِ
اسكريني بلحنه من بين شفتيكِ
انفثي في روحي نسيم همساتكِ
فروحي تذوب.. أقسم أنها تذوب)
ولكنه تماسك وهو يقول لها بثقة: أشلون الوالد والوالدة؟؟
استغربت العنود (أقول له وش تبي، يقول لي أشلون الوالد والوالدة)
ردت بخجل وهي تتمنى أن تنتهي هذه المكالمة بأسرع وقت:
طيبين طاب حالك..
فارس من الأساس ليس لديه شيء يقوله
يريد أن يسمع صوتها فقط
حين صحا من نومه صباحا
كان يشعر أنه سيجن إن لم يسمع صوتها
كان يمني نفسه أنه حين يسمعه هذه المرة
سيجده لا يستحق الزخم الأسطوري الذي ارتسم في أعماقه لسحر صوتها
سيفقد رونقه.. ويكتشف أنه صوت عادي لفتاة وقحة بليدة
وسينفك عنه سحر هذا الصوت الذي أصابه بالجنون
ولكنه اكتشف أن كل تفكيره لم يكن أكثر من هراء غبي
وهاهو يسمع صوتها ويكتشف أنه كالعطشان
الذي يشرب من ماء البحر ليزداد عطشا
لا يريدها أن تتوقف عن الكلام
يريد أن يسمعها كل يوم وكل ساعة وحتى أخر دقيقة في عمره
هكذا شعر!!
ويالاوقع اكتشافه المرعب لشعوره في نفسه!!
أكمل فارس بذات الثقة أسئلته التي لا معنى لها
سوى أن تكون وقودا يدفعها للكلام، ويدفعه لمزيد من الذوبان:
شأخبار الجامعة إن شاء الله زينة؟؟
العنود بارتباك: كل شيء زين.. فارس مريم تقول إنك تبيني ضروري..
وش فيه؟؟
(كرري اسمي مرة أخرى..
أرجوكِ كرريه
أيتها الأسطورة العذبة
يا أجراس النغمات
وساحرة العبارات
لم أكتشف أن لاسمي هذا الجمال
حتى سمعته منغما من بين شفتيكِ
حتى سمعته يتسربل بروعة همساتكِ)
ولكن فارس وجد أن موقفه أصبح محرجا
وأنه لابد أن يجد له سببا وجيها للاتصال: إيه أبيش ضروري..
ثم صمت..
يريدها أن تستحثه للكلام.. أي وسيلة ليطيل سماعه لصوتها
العنود بتوتر: هاه فارس.. شنو؟؟
(آه يا قلبي خلاص ماني بمتحمل
والله العظيم مافيني أتحمل)
فارس بهدوء: عطيني رقم حسابش.. أحط مهرش فيه..
العنود بحرج ووجهها يشتعل باللون الاحمر:
فارس هالموضوع بينك وبين الوالد
أرجوك لا تحرجني..
(أ أحرجتك يا صغيرتي؟!!
كم أتمنى أن أراك هذه اللحظة بالذات
أرى حمرة الخجل تكتسح خديكِ
ألمسهمها.. لتزهر أصابعي!!)
(صوتها أسكرني.. وأنساني التفكير بشكلها
من لها هذا الصوت المطرز بالسحر.. كيف يكون شكلها ياترى؟!!)
فارس بهدوء: أنا ماقلت شيء غلط.. أنا أتكلم في حق..
العنود بحرج بالغ: خلاص فارس الموضوع هذا بينك وبين ابي
ثم أكملت وهي يخطر لها خاطر أرعبها: فارس أنت استاذنت ابي تكلمني أو لا؟؟
فارس بذات بروده: لا.. وما اعتقد إنه عشان أكلم مرتي لازم أخذ أذن..
العنود هنا شعرت انتهت من الخجل
صوتها أصبح أكثر ارتعاشا وفي قلب فارس أكثر تأثيرا:
خلاص فارس ممكن أسكر..؟؟
( أ مستعجلة هكذا على نحري؟!!
نحرتني أولا بإهانتكِ
ونحرتني ثانيا بصوتكِ
فماذا تخبئين لي أيضا؟!!)
فارس بثقته المعتادة رغم أن داخله يذوب ويذوي: خلاص يالله مع السلامة
العنود بخفوت وهي تشعر بالسعادة لانتهاء التعذيب: مع السلامة
انتهت المكالمة
فارس مبعثر..
مبعثر..
يـــــــــــــــحــــــــبـــــــها
متأكد أنه يحبها..
ليس طفلا ليجهل هذه المشاعر التي اكتسحته بعنف..
إنه الحب.. وليس سواه..
ولكن متى؟؟
متى؟؟
بالأمس فقط سمع إهانتها وسمع صوتها
بالأمس فقط كان لا يريدها
وكان يريد فسخ كل ما بينهما
لا لا يحبها
هو يكرهها.. يكرهها..
إذن : هو يكرهها بقدر ما يحبها!!
أ يعقل أن طوفان المشاعر هذا كان ينتظر صوت العنود لإيقاظه من سباته
يا صوتها!!
ماذا فعلت بي يا صوتها!!
أحبها.. أحبها
لا شك في ذلك
ولكن كرامتي فوق كل شيء
لعنة الله على الحب
إن كان سيجعلني أنسى إهانتها لي..
لعنة الله عليه
**********************
بيت مشعل بن محمد
مشعل يجلس في الأسفل
كان قد طلب من الخادمة حين ذهبت لتنادي لطيفة
أن تحضر له جود
وهاهي جود تجلس في حضنه
وتقرص خديه
وتطبع قبلاتها على أنفه
وصوت ضحكاتهما يعلو في الجو
حين نادت الخادمة لطيفة
نظرت لطيفة لوجهها في المرآة
كان ذابلا وباديا عليها قلة النوم والبكاء
(ماني بمفرحته فيني
يدري إني قعدت طول الليل أبكي عليه هو ووجهه
خله يدري إنه ماهمني)
توجهت لغرفتها
أبدلت ملابسها ووضعت (ميكب) خفيف.. ونزلت
قبل أن تنزل
رأتهما من الأعلى
هو وجود
منسجمان ..سعيدان
آلمها قلبها
وهكذا هي الأم.. إحساسها بأولادها قبل إحساسها بأي شيء
قبل تنزل
شعر مشعل بشعور غريب يجتاحه
شعور يقول له إنها قادمة
رفع عينيه للدرج
كانت تنزل.. شعر أنها توقع خطواتها
على وقع دقات قلبه
(وش فيك يا أبو محمد؟؟ خرفت؟؟)
كانت لطيفة تنزل بثقة
وقلب مشعل يتزلزل بدون أن يعرف السبب لذلك
بدت له أشبه بأميرة أسطورية
تنزل من عليائها
هذه الثقة.. بل هذا الغرور المرتسم على وجهها
كأنها ثقة من اعتادت على أن تأمر فيستجاب لها
أو يأمر حسنها فتنصاع الرقاب له
(فعلا الجمال مرحوم..
سبحان من خلقها وصورها!!)
(أما أنك استخفيت صدق يا مشعل
المره مرتك لها سنين توك تكتشف انه
سبحان من خلقها)
(توني أدري إن زينها يوجع كذا)
لطيفة وصلت وجلست بعيدا عنه وهي تقول لجود:
جودي.. مامي.. روحي العبي مع عبودي..
جود برفض: لا لا.. بأدعد عند بابي..
مشعل بهدوء: أشفيش لطيفة عليها.. خليها تقعد..
ثم أكمل بحنان وهو يحتضن جود: أنا أصلا مشتاق لها فديت عينها
(لعنة الله عليك يا مشعل
كم تبدو قريبا.. وبعيداً!!)
قبّل مشعل جود
ورفع عينيه لتشتبك مع عيني لطيفة في نظرة كثيفة
ولكن لطيفة سارعت بتغيير اتجاه نظرتها
لا تريده أن يقرأ نظرة عينيها ويحس بمشاعرها.. إذا كان لديه إحساسٌ أصلا!!
لطيفة بثقة وهدوء: ممكن أعرف انت جاي ليه؟؟ وش تبي؟؟
مشعل بهدوء: أنتي مهوب قلتي إني أقدر أجي كضيف غير مرغوب فيه
اعتبريها زيارة من الضيف غير المرغوب..
شعرت لطيفة بالألم.. لم تعتد أن تكون لئيمة..
هو من دفعها لهذا..
لطيفة ببرود: والزيارة ما انتهت؟؟
رفع مشعل عينيه إليها
(لم تكوني قاسية هكذا يوما لطيفة
أ أنا من زرع هذه القسوة في قلبك
وحان وقت حصادي!!)
( لا تنظر لي هكذا مشعل
نظرتك تذيبني
كما فعلت وتفعل بي طيلة سنوات!!
لا تعبث بي يا مشعل
لا تعبث بي..
فقد انتهيت من عبثك.. انتهيت)
مشعل بهدوءه المعتاد: وفيه سبب ثاني للزيارة
لطيفة ببرود: خير؟؟
مشعل بذات الهدوء: ملابسي.. الملابس اللي خذتها أمس كلها غلط
ماخذت فوطة.. وخذت سراويل بدون فنايل
جيت بأسبح ماقدرت..
"ما أوهى عذرك ياهذا!!
ولكن لا بأس.. لاعبْ لطيفة
فالحرب خدعة!!"
شعرت لطيفة غصبا عنها بالألم
فهو لم يعتد أن يرتب ملابسه بنفسه
بل حتى ملابسه الداخلية هي من تشتريها له منذ سنوات مع أولادها
تنهدت (لن أضعف) ردت ببرود مصطنع: والمطلوب مني؟؟
مشعل تنهد: رتبوا لي شنطة على الأقل.. (رتبوا، وليس رتبي!!)
لطيفة وقفت.. وهي تقول ببرود:
ناد اللي تبي من الخدامات.. وخلها ترتب لك اللي تبي
آلمه ذلك
آلمه حتى النخاع
كأنها تقذف به كشيء بلا قيمة
مشعل بعتب: ويهون عليش تخلينهم يحوسون في أغراضي الخاصة؟!!
(أيها الخبيث
تعلم قدرك وتأثيرك
ولكن لن أسمح لك بهزيمتي)
لطيفة بعتب أكبر: مثل ما هنت أنا عليك
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الثالث والعشرون
بيت مشعل بن محمد
الصالة السفلية
لطيفة واقفة
ومشعل يجلس وجود على فخذه وتعبث في أزرار ثوبه
الجو مشحون حولهما
وفي عيني كل منهما نظرة عتب
مشعل بهدوء خبيث: خلاص بأتصل في العنود تجي ترتب لي شنطتي..
(عرفت تلعبها صح يا مشعل!)
أجابت لطيفة بهدوء عميق: مافيه داعي حد يدري إنه فيه شيء بيننا يا مشعل
تشغل بال هلي وهلك..
ثم أكملت بسخرية: خلها لين أنت تتزوج ويدرون كلهم مرة وحده..
مشعل بذات الهدوء المدروس: خير إن شاء الله
لطيفة تشتعل في داخلها (يا لوح الثلج الموبوء
كم أتمنى أن أغرز أظافري في وجهك البارد الوسيم)
لطيفة ببرود: خلاص أنا بأرتب لك شنطتك.. شيء ثاني..
مع أنها كانت تنوي في الأساس أن ترتبها
فهي يستحيل أن تترك الخادمات يعبثن في أغراض مشعل
لكنها أرادته أن يظن أن الخادمات هن من رتبن له
لأنها ليست مسئولة عنه أو عن أغراضه
ولكنه لم يتح لها الابتهاج بنصرها الصغير
وهاهو يجبرها على تنفيذ رغباته بطريق غير مباشر
(خبيث..
خبيث..
وآسر..)
مشعل بهدوء: لو سمحتي ادعي حمود ومرايم وعبودي
أشوفهم على ما تجهز شنطتي..
********************
فارس
مريض العشق الجديد..
القلب الملتاع بجدارة..
من عرف كيف يكون الاكتواء بنار الغرام من ليلة واحدة
فكيف يصبر لثلاثة أشهر؟؟ كيف؟؟
يريدها..
يريدها..
يريد أن يعذبها
يستمتع بصوتها..
لا يعلم أي جنون يعصف به..
سيجن بهذه الطريقة؟؟ سيجن؟؟
كان في سيارته متوجها للبنك
يريد سحب مهر العنود ليعطيه لعمه..
يالا حجته السخيفة التي خطرت بباله اليوم
حين طلب من العنود رقم حسابها!!
ولكن لم يجد حجة غيرها
فأي حجج سيخترع بعد؟!!
***********************
مر عشرة أيام
على الأحداث الأخيرة
مشعل مازال نزيلا للفنادق
يكاد يجن من انعدام الاستقرار الذي يعيش فيه
ومن شوقه لأولاده
ومن شوقٍ غريبٍ حادٍّ لمن كانت تنام جواره كل ليلة
اعتاد على حركتها الناعمة بجواره
وصوت تنفسها الهادئ ينبئه أن هذا العالم بخير
زار بيته عدة مرات
لم ير لطيفة.. رأى أبنائه فقط
أبنائه الذين يسألون بشكل مستمر
أين هو؟؟ وما كل هذا الغياب؟؟
محمد بالذات بدأ يشعر أن هناك شيء بين والده ووالدته
فهو في الثانية عشرة
وذكاؤه يتجاوز سنة حتى
شعر بالمشكلة منذ اليوم الأول ولكنه اعتصم بالصمت
ينتظر ما تسفر عنه الأيام
والموضوع يحز بعمق في روحه
روح المراهقة المبكرة
مشعل كان يحضر يوميا للمجلس
حتى لا يلحظ أحد غيابه عن بيته
ولم يكتشف أحد أن هناك شيء بينه وبين لطيفة
لطيفة
سجلها راكان في المدرسة
وأحضر لها الكتب
وبدأت في الاتصالات بالمدرسات
حتى تلحق مافاتها
وبدأت في الاستغراق في الدراسة
علها تتناسى غياب ذلك المسيطر المتغلغل في روحها حتى النخاع
فطالما هي غير مشغولة بأبنائها ودراستهم
فهي تدرس دروسها
حرصت ألا ترى مشعل خلال الأيام الماضية
رغم أنه حضر لرؤية أبنائه أكثر من مرة
أو لنقل
حرصت أن يعلم أنها لم تراه ولم تهتم لحضوره
بينما هي رأته في كل مرة جاء فيها!!!
فارس أصبح كثير الصمت
راكان وناصر هم من لاحظ عليه هذا الطبع الجديد
ولكنه كان دائما يطمئنهما بأنها مشاكل في العمل
حتى لا يعلم أحد بالطوفان الذي يزلزل القلب
موضي وحمد
مازال الحال على ماهو عليه
لكن حمد هذه الأيام هادئ عموما
وهي تتجنب قدر الإمكان استفزازه
هيا ومشعل سكان واشنطن
خلال الأيام المنصرمة
هيا هاتفت جدتها أكثر من مرة
فهي أخذت رقم البيت من مشعل في المرة الأولى
التي كلمتها فيها
ولكنها لم ترَ مشعل مطلقا بعدها
رغم أنه زار أمها عدة مرات
وكان يحضر أغراض المنزل
ولكنه كان يتعمد المجيء في وقت ذهاب هيا للجامعة
فهو غير معتاد على جو المشاحنات العاصف
الذي تحقنه فيه هيا بلا هوادة
كما أنه لا يريد فرض وجوده عليها مادامت تكره وجوده
المهم أن يطمئن عن أحوالهم ويؤدي واجبه تجاههم
شقة هيا
الساعة الثانية ظهرا
مشعل بعد أن خرج من الجامعة
وصلى الظهر
اشترى مايعتقد أن أهل عمه قد يحتاجونه وتوجه لهم
يعلم أن هيا في الجامعة
فهو أصبح يعرف جدولها من أمها
طرق الباب
فتحت له الفتاة المكسيكية التي ترافق أم هيا وقت تواجد هيا في الجامعة
أخذت منه الأغراض وأدخلتها للمطبخ
دخل مشعل وألقى التحية على أم هيا
التي كانت تجلس كعادتها في الصالة
سلم وجلس كعادته على المقعد الأقرب من الباب
وترك الباب مفتوحا
أم هيا بعتب: يمه مشعل.. لمتى وأنت تجنب تشوف هيا؟
هذي وصاتي لك؟!!
مشعل بتعب: يمه أنتي وصيتيني عليها..
وأنا قلت لش لا تحاتينها ولا تشيلين همها
وإن شاء الله إنها ما تنضام وأنا رأسي يشم الهوا
أم هيا بقلق: أشلون وأنت حتى شوفتها ما تطيقها؟؟
مشعل ابتسم: لو إحنا في الدوحة، كان مستحيل أشوفها..
ثم أكمل بعمق: وبعدين يمه هي اللي ما تطيق شوفتي
أول ما تشوفني تركبها السكون .. (السكون= العفاريت أو الجن)
وأنا بصراحة ماني بمتعود على المناقر مع الحريم
أم هيا بنبرة خاصة: زين ولو مرتك تحب النجره، منت بمناجرها؟؟
مشعل يضحك: لا يمه جعلني ماذوق حزنش.. أنا واحد حار..
صحيح قلبي طيب..
بس مافيني صبر على حنه.. أبي وحدة مثل خواتي..
فديت خواتي مافيه مثلهم في كل الدنيا..
أم هيا بنفس النبرة الخاصة: يعني وحدة مثل هيا ما تنفع لك؟؟
مشعل لم ينتبه مطلقا لمقصدها: لا لا يمه..
لو أخذ وحدة مثل هيا بيتنا بيصير ساحة حرب..
اللي مثل هيا ينفع لها واحد مثل ولد عمي محمد راكان.. أعصابه في ثلاجة..
أم هيا بعمق: والله هيا مافيه في طيبة قلبها
بس مجروحة من جرح سلطان.. لا تلومها..
هيا كانت روحها معلقة في أبوها
كانت تحبه أكثر مني.. أكثر مني بكثير..
أنا كنت مثل جدة لها..
بس سلطان كان أبوها وأمها..
أنا أعترف إني كنت أعاملها مثل ما الجدة تعامل حفيدتها
تدلعها.. وشفقانة عليها.. وماتحب حد يقول لها شيء
يعني لو علي.. أنا كان يمكن خربتها بالدلع
بس سلطان هو اللي رباها..
وكان يعرف متى يشد عليها ..ومتى يرخي
مشعل باحترام: الله يخليش لها.. أنتي الخير والبركة
أم هيا بحزن: أنا مرة كبيرة ومريضة وللمرة الثانية أقولها لك
لو صار لي شيء.. ترا هيا أمانة في رقبتك
مشعل وهو يقوم ويقول بثقة: والله العظيم إنها في رقبتي
وأنها ما تضام.. وأنها المبداة حتى على خواتي
لا تحاتين شيء.. والله يخليش لها
والحين اسمحي لي أستاذن
عندي دراسة
وبأمرش بعد بكرة نفس الوقت إن شاء الله
وأي شيء تبينه دقي علي..
خرج مشعل..
وعادت أم هيا تطوف مع أفكارها
وقلقها الدائم على ابنتها
والذي خف كثيرا مع ظهور مشعل في حياتهم
الذي أشعرهم بقوة السند الذي يقف خلفهم
بعد نصف ساعة وصلت هيا
ألقت التحية على أمها وقبلتها وهي تخلع عباءتها وتعلقها
ودخلت لتحضر لها كأس ماء
خرجت والكأس بيدها وهي تقول بنبرة محايدة: مشعل كان هنا؟؟
أم هيا بهدوء: إيه
هيا بغيظ: يمه قولي له لا عاد يجيب شيء من أغراض البيت
احنا موب محتاجينه..
وسبب غيظ هيا الرئيسي أنه أصبح يتعمد المجيء وقت غيابها
آلمها إحساسها أنه يكره رؤيتها
وهكذا هي غرابة الأنثى.. المخلوق العصيّ على التفسير!!
أم هيا بغضب: إلا محتاجينه..محتاجين ريال يكون سند النا
موب كفاية إنج كل ما تشوفينه صار لسانج شبرين وهو مستحملج
زين ماعطاج من أولها طراقين
هيا بعتب: يمه الله يهداج.. وش فيج صايرة مع ولد آل مشعل علي
أم هيا وغضبها يتزايد: وانتي بعد بنت آل مشعل وهو ولد عمج
هيا وهي تحاول تهدئة أمها وتقول بحنان: خلاص يمه خلاص فديتج
لا تعصبين.. تدرين العصبية موب زينة عليج
أم هيا بغضب: لو تهمج أعصابي.. ماكان كل ماشفتي مشعل حرقتي أعصابه
هيا بنعومة: خلاص ولا يهمج.. مشعل فوق رأسي.. المهم رضاج..
***********************
الساعة الثامنة مساء
لطيفة في غرفة بناتها
تمشط شعر مريم بعد أن حممتها استعدادا للنوم
مريم بتردد: يمه أنتي وابي بتطلقون؟؟
لطيفة صعقت..وانتفضت بعنف: من اللي قال لش ذا الكلام؟؟
مريم بخوف: حمود يقوله..
لطيفة احتضنتها وهي تقول لها بحنان: أبيكم مشغول شوي وبس..
ما أدري من وين جبتوا ذا الأفكار؟؟
لطيفة تشعر بحزن عميق
عميق جدا.. لا حدود له
ما ذنب هؤلاء الأطفال تنفتح أذهانهم على مشاكلها هي ومشعل التعيس
الخائن الذي يريد الزواج عليها
تريده أن يكون الآن أمامها لتمزقه بأسنانها
تضربه.. تعضه
أي شيء قد يبرد بعضا من قهرها
كل شيء قد تتقبله إلا شيء يمس صغارها
حينها هي مستعدة للحرب مهما كانت خسائرها
المهم أن يكون صغارها بخير
وهكذا هي الأم!!
توجهت لطيفة لغرفة أولادها
لمحمد تحديدا
كان يتمدد على سريره بيده مجلة "ماجد" يقلب فيها
بينما هو سارح عنها..
جلست بجواره
فجلس احتراما لها
لطيفة بهدوء: حمود حبيبي.. وش ذا الكلام اللي أنت قايلة لمريوم؟؟
صمت
وعبق روحه المتأرجح بين الطفولة والمراهقة يحضر بعنف
لطيفة بحنان: جاوبني حبيبي
حمود بنبرة بين البكاء وإدعاء التجلد.. نبرة مؤلمة للنخاع:
ماقلت لها غير الصدق
خلهم يدرون
إبي صار له عشر أيام وهو مخلي البيت
لمتى بتدسون علينا يعني؟؟؟
**********************
ذات الوقت
ولكن في بيت عبدالله بن مشعل
رن هاتف المنزل
كانت هيا من يتصل
الساعة هي السادسة صباحا في واشنطن
أرادت أن تلقي تحية المساء على جدتها
بالعادة كان من يرد عليها جدتها
وأحيانا أم مشعل
ولم تسمع غير صوت الاثنتين
ولكن اليوم رد عليها طفل
كان يتكلم بنبرة رجولية مسلية
التقط الهاتف: أرحب طال عمرك
هنا بيت عبدالله بن مشعل.. أرسل
هيا ابتسمت: السلام عليكم
شعر الطفل بالخجل فهو لم يعرف الصوت
فهو رأى رقم طويل في الكاشف وظنه مشعل
ابتسمت هيا: وين جدتي؟؟
ضحك الطفل: ليه أنتي مضيعة جدتش عندنا..
ضحكت هيا (كم هو ظريف!): جدتي هيا أم محمد..
ضحك الطفل وهو يقول: أووووه بنت عمي..
يا هلا والله ببنت عمي هيونه الامريكية
شوفي كنش مزيونة تراش مقروعة
فويرس خذ عنود الصيد وأنا كنت أبغيها
لكن كنش شينة.. السموحة
دوري حد غيري.. ما عطلش..
ضحكت هيا حتى كاد يغشى عليها
الطفل: بسم الله عليش.. لا تطيح حنوكش بس..
شكلش كويحه يا بنت عمي
هيا بصوت متقطع من كثرة الضحك: خلك بس لين تشوفني..
ماعادك بممسي الليل
ضحك الطفل: هويا.. قولي وراي: يا ليل ما أطولك
ضحكت هيا مطولا ثم سألت بابتسامة:
زين وولد عمي المزيون قاعد يخطب
وهو حتى اسمه ماقاله لي
الطفل وهو يفخم صوته: سلطان طال عمرش حطيه على يمناش
شهقت هيا والاسم يخترق أذنها كسهم عذب:
سلطان.. سلطان
بيت مشعل بن محمد
الصالة السفلية
لطيفة واقفة
ومشعل يجلس وجود على فخذه وتعبث في أزرار ثوبه
الجو مشحون حولهما
وفي عيني كل منهما نظرة عتب
مشعل بهدوء خبيث: خلاص بأتصل في العنود تجي ترتب لي شنطتي..
(عرفت تلعبها صح يا مشعل!)
أجابت لطيفة بهدوء عميق: مافيه داعي حد يدري إنه فيه شيء بيننا يا مشعل
تشغل بال هلي وهلك..
ثم أكملت بسخرية: خلها لين أنت تتزوج ويدرون كلهم مرة وحده..
مشعل بذات الهدوء المدروس: خير إن شاء الله
لطيفة تشتعل في داخلها (يا لوح الثلج الموبوء
كم أتمنى أن أغرز أظافري في وجهك البارد الوسيم)
لطيفة ببرود: خلاص أنا بأرتب لك شنطتك.. شيء ثاني..
مع أنها كانت تنوي في الأساس أن ترتبها
فهي يستحيل أن تترك الخادمات يعبثن في أغراض مشعل
لكنها أرادته أن يظن أن الخادمات هن من رتبن له
لأنها ليست مسئولة عنه أو عن أغراضه
ولكنه لم يتح لها الابتهاج بنصرها الصغير
وهاهو يجبرها على تنفيذ رغباته بطريق غير مباشر
(خبيث..
خبيث..
وآسر..)
مشعل بهدوء: لو سمحتي ادعي حمود ومرايم وعبودي
أشوفهم على ما تجهز شنطتي..
********************
فارس
مريض العشق الجديد..
القلب الملتاع بجدارة..
من عرف كيف يكون الاكتواء بنار الغرام من ليلة واحدة
فكيف يصبر لثلاثة أشهر؟؟ كيف؟؟
يريدها..
يريدها..
يريد أن يعذبها
يستمتع بصوتها..
لا يعلم أي جنون يعصف به..
سيجن بهذه الطريقة؟؟ سيجن؟؟
كان في سيارته متوجها للبنك
يريد سحب مهر العنود ليعطيه لعمه..
يالا حجته السخيفة التي خطرت بباله اليوم
حين طلب من العنود رقم حسابها!!
ولكن لم يجد حجة غيرها
فأي حجج سيخترع بعد؟!!
***********************
مر عشرة أيام
على الأحداث الأخيرة
مشعل مازال نزيلا للفنادق
يكاد يجن من انعدام الاستقرار الذي يعيش فيه
ومن شوقه لأولاده
ومن شوقٍ غريبٍ حادٍّ لمن كانت تنام جواره كل ليلة
اعتاد على حركتها الناعمة بجواره
وصوت تنفسها الهادئ ينبئه أن هذا العالم بخير
زار بيته عدة مرات
لم ير لطيفة.. رأى أبنائه فقط
أبنائه الذين يسألون بشكل مستمر
أين هو؟؟ وما كل هذا الغياب؟؟
محمد بالذات بدأ يشعر أن هناك شيء بين والده ووالدته
فهو في الثانية عشرة
وذكاؤه يتجاوز سنة حتى
شعر بالمشكلة منذ اليوم الأول ولكنه اعتصم بالصمت
ينتظر ما تسفر عنه الأيام
والموضوع يحز بعمق في روحه
روح المراهقة المبكرة
مشعل كان يحضر يوميا للمجلس
حتى لا يلحظ أحد غيابه عن بيته
ولم يكتشف أحد أن هناك شيء بينه وبين لطيفة
لطيفة
سجلها راكان في المدرسة
وأحضر لها الكتب
وبدأت في الاتصالات بالمدرسات
حتى تلحق مافاتها
وبدأت في الاستغراق في الدراسة
علها تتناسى غياب ذلك المسيطر المتغلغل في روحها حتى النخاع
فطالما هي غير مشغولة بأبنائها ودراستهم
فهي تدرس دروسها
حرصت ألا ترى مشعل خلال الأيام الماضية
رغم أنه حضر لرؤية أبنائه أكثر من مرة
أو لنقل
حرصت أن يعلم أنها لم تراه ولم تهتم لحضوره
بينما هي رأته في كل مرة جاء فيها!!!
فارس أصبح كثير الصمت
راكان وناصر هم من لاحظ عليه هذا الطبع الجديد
ولكنه كان دائما يطمئنهما بأنها مشاكل في العمل
حتى لا يعلم أحد بالطوفان الذي يزلزل القلب
موضي وحمد
مازال الحال على ماهو عليه
لكن حمد هذه الأيام هادئ عموما
وهي تتجنب قدر الإمكان استفزازه
هيا ومشعل سكان واشنطن
خلال الأيام المنصرمة
هيا هاتفت جدتها أكثر من مرة
فهي أخذت رقم البيت من مشعل في المرة الأولى
التي كلمتها فيها
ولكنها لم ترَ مشعل مطلقا بعدها
رغم أنه زار أمها عدة مرات
وكان يحضر أغراض المنزل
ولكنه كان يتعمد المجيء في وقت ذهاب هيا للجامعة
فهو غير معتاد على جو المشاحنات العاصف
الذي تحقنه فيه هيا بلا هوادة
كما أنه لا يريد فرض وجوده عليها مادامت تكره وجوده
المهم أن يطمئن عن أحوالهم ويؤدي واجبه تجاههم
شقة هيا
الساعة الثانية ظهرا
مشعل بعد أن خرج من الجامعة
وصلى الظهر
اشترى مايعتقد أن أهل عمه قد يحتاجونه وتوجه لهم
يعلم أن هيا في الجامعة
فهو أصبح يعرف جدولها من أمها
طرق الباب
فتحت له الفتاة المكسيكية التي ترافق أم هيا وقت تواجد هيا في الجامعة
أخذت منه الأغراض وأدخلتها للمطبخ
دخل مشعل وألقى التحية على أم هيا
التي كانت تجلس كعادتها في الصالة
سلم وجلس كعادته على المقعد الأقرب من الباب
وترك الباب مفتوحا
أم هيا بعتب: يمه مشعل.. لمتى وأنت تجنب تشوف هيا؟
هذي وصاتي لك؟!!
مشعل بتعب: يمه أنتي وصيتيني عليها..
وأنا قلت لش لا تحاتينها ولا تشيلين همها
وإن شاء الله إنها ما تنضام وأنا رأسي يشم الهوا
أم هيا بقلق: أشلون وأنت حتى شوفتها ما تطيقها؟؟
مشعل ابتسم: لو إحنا في الدوحة، كان مستحيل أشوفها..
ثم أكمل بعمق: وبعدين يمه هي اللي ما تطيق شوفتي
أول ما تشوفني تركبها السكون .. (السكون= العفاريت أو الجن)
وأنا بصراحة ماني بمتعود على المناقر مع الحريم
أم هيا بنبرة خاصة: زين ولو مرتك تحب النجره، منت بمناجرها؟؟
مشعل يضحك: لا يمه جعلني ماذوق حزنش.. أنا واحد حار..
صحيح قلبي طيب..
بس مافيني صبر على حنه.. أبي وحدة مثل خواتي..
فديت خواتي مافيه مثلهم في كل الدنيا..
أم هيا بنفس النبرة الخاصة: يعني وحدة مثل هيا ما تنفع لك؟؟
مشعل لم ينتبه مطلقا لمقصدها: لا لا يمه..
لو أخذ وحدة مثل هيا بيتنا بيصير ساحة حرب..
اللي مثل هيا ينفع لها واحد مثل ولد عمي محمد راكان.. أعصابه في ثلاجة..
أم هيا بعمق: والله هيا مافيه في طيبة قلبها
بس مجروحة من جرح سلطان.. لا تلومها..
هيا كانت روحها معلقة في أبوها
كانت تحبه أكثر مني.. أكثر مني بكثير..
أنا كنت مثل جدة لها..
بس سلطان كان أبوها وأمها..
أنا أعترف إني كنت أعاملها مثل ما الجدة تعامل حفيدتها
تدلعها.. وشفقانة عليها.. وماتحب حد يقول لها شيء
يعني لو علي.. أنا كان يمكن خربتها بالدلع
بس سلطان هو اللي رباها..
وكان يعرف متى يشد عليها ..ومتى يرخي
مشعل باحترام: الله يخليش لها.. أنتي الخير والبركة
أم هيا بحزن: أنا مرة كبيرة ومريضة وللمرة الثانية أقولها لك
لو صار لي شيء.. ترا هيا أمانة في رقبتك
مشعل وهو يقوم ويقول بثقة: والله العظيم إنها في رقبتي
وأنها ما تضام.. وأنها المبداة حتى على خواتي
لا تحاتين شيء.. والله يخليش لها
والحين اسمحي لي أستاذن
عندي دراسة
وبأمرش بعد بكرة نفس الوقت إن شاء الله
وأي شيء تبينه دقي علي..
خرج مشعل..
وعادت أم هيا تطوف مع أفكارها
وقلقها الدائم على ابنتها
والذي خف كثيرا مع ظهور مشعل في حياتهم
الذي أشعرهم بقوة السند الذي يقف خلفهم
بعد نصف ساعة وصلت هيا
ألقت التحية على أمها وقبلتها وهي تخلع عباءتها وتعلقها
ودخلت لتحضر لها كأس ماء
خرجت والكأس بيدها وهي تقول بنبرة محايدة: مشعل كان هنا؟؟
أم هيا بهدوء: إيه
هيا بغيظ: يمه قولي له لا عاد يجيب شيء من أغراض البيت
احنا موب محتاجينه..
وسبب غيظ هيا الرئيسي أنه أصبح يتعمد المجيء وقت غيابها
آلمها إحساسها أنه يكره رؤيتها
وهكذا هي غرابة الأنثى.. المخلوق العصيّ على التفسير!!
أم هيا بغضب: إلا محتاجينه..محتاجين ريال يكون سند النا
موب كفاية إنج كل ما تشوفينه صار لسانج شبرين وهو مستحملج
زين ماعطاج من أولها طراقين
هيا بعتب: يمه الله يهداج.. وش فيج صايرة مع ولد آل مشعل علي
أم هيا وغضبها يتزايد: وانتي بعد بنت آل مشعل وهو ولد عمج
هيا وهي تحاول تهدئة أمها وتقول بحنان: خلاص يمه خلاص فديتج
لا تعصبين.. تدرين العصبية موب زينة عليج
أم هيا بغضب: لو تهمج أعصابي.. ماكان كل ماشفتي مشعل حرقتي أعصابه
هيا بنعومة: خلاص ولا يهمج.. مشعل فوق رأسي.. المهم رضاج..
***********************
الساعة الثامنة مساء
لطيفة في غرفة بناتها
تمشط شعر مريم بعد أن حممتها استعدادا للنوم
مريم بتردد: يمه أنتي وابي بتطلقون؟؟
لطيفة صعقت..وانتفضت بعنف: من اللي قال لش ذا الكلام؟؟
مريم بخوف: حمود يقوله..
لطيفة احتضنتها وهي تقول لها بحنان: أبيكم مشغول شوي وبس..
ما أدري من وين جبتوا ذا الأفكار؟؟
لطيفة تشعر بحزن عميق
عميق جدا.. لا حدود له
ما ذنب هؤلاء الأطفال تنفتح أذهانهم على مشاكلها هي ومشعل التعيس
الخائن الذي يريد الزواج عليها
تريده أن يكون الآن أمامها لتمزقه بأسنانها
تضربه.. تعضه
أي شيء قد يبرد بعضا من قهرها
كل شيء قد تتقبله إلا شيء يمس صغارها
حينها هي مستعدة للحرب مهما كانت خسائرها
المهم أن يكون صغارها بخير
وهكذا هي الأم!!
توجهت لطيفة لغرفة أولادها
لمحمد تحديدا
كان يتمدد على سريره بيده مجلة "ماجد" يقلب فيها
بينما هو سارح عنها..
جلست بجواره
فجلس احتراما لها
لطيفة بهدوء: حمود حبيبي.. وش ذا الكلام اللي أنت قايلة لمريوم؟؟
صمت
وعبق روحه المتأرجح بين الطفولة والمراهقة يحضر بعنف
لطيفة بحنان: جاوبني حبيبي
حمود بنبرة بين البكاء وإدعاء التجلد.. نبرة مؤلمة للنخاع:
ماقلت لها غير الصدق
خلهم يدرون
إبي صار له عشر أيام وهو مخلي البيت
لمتى بتدسون علينا يعني؟؟؟
**********************
ذات الوقت
ولكن في بيت عبدالله بن مشعل
رن هاتف المنزل
كانت هيا من يتصل
الساعة هي السادسة صباحا في واشنطن
أرادت أن تلقي تحية المساء على جدتها
بالعادة كان من يرد عليها جدتها
وأحيانا أم مشعل
ولم تسمع غير صوت الاثنتين
ولكن اليوم رد عليها طفل
كان يتكلم بنبرة رجولية مسلية
التقط الهاتف: أرحب طال عمرك
هنا بيت عبدالله بن مشعل.. أرسل
هيا ابتسمت: السلام عليكم
شعر الطفل بالخجل فهو لم يعرف الصوت
فهو رأى رقم طويل في الكاشف وظنه مشعل
ابتسمت هيا: وين جدتي؟؟
ضحك الطفل: ليه أنتي مضيعة جدتش عندنا..
ضحكت هيا (كم هو ظريف!): جدتي هيا أم محمد..
ضحك الطفل وهو يقول: أووووه بنت عمي..
يا هلا والله ببنت عمي هيونه الامريكية
شوفي كنش مزيونة تراش مقروعة
فويرس خذ عنود الصيد وأنا كنت أبغيها
لكن كنش شينة.. السموحة
دوري حد غيري.. ما عطلش..
ضحكت هيا حتى كاد يغشى عليها
الطفل: بسم الله عليش.. لا تطيح حنوكش بس..
شكلش كويحه يا بنت عمي
هيا بصوت متقطع من كثرة الضحك: خلك بس لين تشوفني..
ماعادك بممسي الليل
ضحك الطفل: هويا.. قولي وراي: يا ليل ما أطولك
ضحكت هيا مطولا ثم سألت بابتسامة:
زين وولد عمي المزيون قاعد يخطب
وهو حتى اسمه ماقاله لي
الطفل وهو يفخم صوته: سلطان طال عمرش حطيه على يمناش
شهقت هيا والاسم يخترق أذنها كسهم عذب:
سلطان.. سلطان
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الرابع والعشرون
شقة هيا
الساعة 6 وربع صباحا
مازال رنين ضحكات سلطان الصغير يعمر أذنها
يا الله ما أروعه!!
هل الروعة كُتبت لكل من اسمه سلطان؟!!
هزها بعنف أن عمها سمّى ابنه على والدها
مشاعر مختلفة غزت روحها
هل كانت تتمنى أنه لم يسمِ على أبيها
حتى تبقى تقنع نفسها أنهم نسوا والدها وألغوه من حياتهم؟؟!!
حتى تبقي سببا لحقدها عليهم وكراهيتها لهم
هاهو سلطان آخر يعيش بينهم
سلطان صغير تشعر بلهفة عميقة لرؤيته
فرد جديد ربطها أكثر بعائلة آل مشعل بعد جدتها هيا
هناك الآن اثنان تتلهف لرؤيتهما في الدوحة
جدتها
وسلطان الصغير
فهل هناك من مزيد؟!!
*********************
الدوحة
بعد صلاة العصر
يوم الخميس
مشعل بن محمد يصل لبيته
حتى يأخذ أولاده للنقيان كما اعتادوا غالبا عصر كل خميس
حين يكون الجو معتدلا
لطيفة تقرر أن تنزل له
لم يتوقع مطلقا أن يراها
فهي كانت تتجنبه طوال الأيام الماضية
رآها تنزل.. مبهرة
مبهرة تماما..
في دراعة صفراء ذكرته بشروق الشمس
كأن الشمس لم تبزغ إلا من أجل أن تنير على وجنتيها
كم تؤلمه رؤيتها..
تذكره بخسارته التي يرفض كبرياءه الاعتراف بها!!
كانت لطيفة تقترب وأولادها يحيطون بوالدهم مستعدون للذهاب
اقتربت لطيفة وهي ترسم على وجهها ابتسامة
رغم أنها ترغب في أن تعضه لا أن تبتسم في وجهه
لم تفتها نظرة حمود المنكسرة المراقبة
نظرته نحرتها في الصميم.. وجعلتها أكثر عزما على تنفيذ ما نزلت من أجله
اقتربت من مشعل
ومشعل مستغرب اقترابها هذا
مالت على مشعل وطبعت قبلة على جبينه
ثم جلست لجواره
حين شعر بها مشعل تميل إليه
شعر برائحة عطرها تخترقه حتى النخاع
ثم ملمس شفتيها العذبتين على جبينه
(ما الذي يحدث؟!!
أي لعبة تلعبينها اليوم يا لطيفة؟؟)
لطيفة قبلته وهي ترغب في البصق في وجهه
ثم جلست جواره وهي تتمنى لو ترفسه
ثم احتضنت ذراعه وهي تتمنى لو تكسرها
همست في أذنه من قرب: ترا حمود داري إنه فيه شيء بيننا
وقايل لاخته إنه احنا بنتطلق
كلماتها نحرت مشعل تماما وهو ينقل نظراته بين أولاده
لطيفة قالت بصوت عالي: ها حبيبي مشعل .. شغلك ما خلص..
خلاص الليلة إن شاء الله بترجع صح؟؟
مشعل بهدوء: إن شاء الله.. خلصت الشغل اللي كان عندي وبأرجع
مشعل ولطيفة معا كانت نظراتهم مركزة على حمودي
الذي نفرت من عينه دمعة بريئة
مسحها بسرعة وهو يظن أن لا أحد رآها ويبتسم ابتسامة شاسعة:
يالله يبه تأخرنا.. ولا تنسى بكرة تقومني أروح معك صلاة الفجر
*******************************
بعد صلاة العشاء
بيت عبدالله بن مشعل
جميع فتيات العائلة يجتمعن اليوم
عدا لطيفة التي اعتذرت بأنها تريد الدراسة
مادام أبناؤها ذهبوا مع والدهم
البنات أخذن راحتهن لأن عبدالله سيبات الليلة عند إبله بالقرب من الشحانية
ومعه ذلك العفريت الصغير المسمى سلطان الذي اعتاد على إزعاجهن
و على إزعاج معالي بالذات
وكثيرا ماكانت أمها تصرخ فيها " أنتي لمتى وأنتي مناشبة ذا البزر؟"
ومعالي تصرخ بدورها: خلي ذا البزر يفتك من رقبتي
وسلطان يصرخ بدوره: من البزر أنتي وياها؟؟.. أنا الشيخ سلطان بن عبدالله
البنات يجلسن في صالة البيت الرئيسية
التوأم الثلاثي ومشاعل وموضي ومريم والعنود
والسيدات الكبار في غرفة الجدة
أمهات مشعل وأم حمد
معالي تجلس على الأرض وتمدد ساقيها
وموضي تقول لها وهي تضحك: أنتي يالعجوز اللي يشوفش يقول أكبرنا
قومي فزي..
معالي وهي تئن بطريقة تمثيلية: ماعلي منكم.. رجيلاتي توجعني..
مريم تبتسم: حلوة رجيلاتي ذي من وين جبتيها.. أكيد مسروقة من قاموس جدتي
معالي تضحك: جعلني ماخلا منها.. قاموسها جاي على كيف كيفي
ثم أكملت معالي كمن تذكر شيئا: إلا تعالي موضي..
صدق مشيعلوه الزرافة لقى بنت خالي سلطان في أمريكا؟؟
موضي تضحك: أولا إخي اسمه مشعل.. واكبر منش ب12 سنة، احشميه ياقليلة الحيا
ثاني شيء.. إيه لقاها معه بنفس الجامعة..
عالية وعلياء أخيرا نطقتا وفي وقت واحد: واو.. أكشن فله والله..
الجميع ضحكوا من كلامهما مع بعضهما..
فلطالما تكلمت الاثنتان في نفس الوقت وبذات العبارة
معالي بحماسة: والله حلو.. وجه جديد يدخل العائلة
لانه أنا بصراحة تمللت من وجيهكم اللي تجيب الكآبة..
أول حد يجيب الكآبة خواتي المبجلات الكوبي والبيست
كل ما أشوف وجيههم تجيني كآبة مزمنة
أحس إن الثنتين طالعين من فيلم قديم بالأبيض والأسود
أما الكآبة الأكبر فهي من نصيب عرايسنا مشاعل والعنود
الثنتين مسوين فيها مستحيين
وأنا متاكدة إنه الحين وحدة تفكر في نويصر والثانية في فويرس..
مشاعل خجلت من ذكر من ناصر
لكن العنود ابتسمت وهي تقول لمعالي:
الحين نسينا ما كلينا معاليوه.. رجعتي علي..
معالي تضحك: شوفي أنا مستعدة أرجع معاهدات السلام بيننا إذا زوجتيني فويرس
لأن أنتي من بدأ بالخيانة والاستيلاء على المزيون الموت الحمر
العنود تضحك: روحي زين..إذا كذا ما أبي معاهدات سلام معش..
خلي الحرب أحسن
في وقت جملة العنود كان هاتف موضي يرن، موضي تضحك:
كان ذكرتوا لنا مليون ريال بدل فارس
الظاهر درا إن حبيبة القلب جايبة طاريه قام ودق
العنود اشتعل وجهها بالاحمرار.. ومعالي تطلق سهام تعليقاتها عليها
بينما موضي قامت لترد على فارس بعيدا عن هذا الإزعاج.
************************
بعد صلاة العشاء
مشعل يعود لبيته..
كان يحمل جود التي نامت في الطريق على يديه
دخل بها لغرفتها
وضعها في سريرها وخلع حذائها
ثم قبلها وهو يهمس: اشتقت لبوستش وانتي نايمة يالشيطانة
توجه لغرفته وهو يشعر بنوع من التردد والتوتر
فهو حتى الآن لا يعلم ماذا تخطط لطيفة
دخل
استغرب التغيير الحادث
طقم جلوس جديد
وفي طرف غرفة الجلوس يوجد مكتب جديد
عليه الكثير من الكتب المكدسة
ولطيفة غير موجودة
اقترب من المكتب تناول كتابا
"كتاب جغرافيا للصف الثالث ثانوي"
ماذا يحدث؟؟؟
خلع غترته ووضعها على السرير
وهو يمرر يديه فوق شعره بإرهاق
وجلس ينتظر لطيفة التي علم أنها في الحمام
خرجت لطيفة دون أن تنتبه للمخلوق الضخم الجالس على طرف السرير
فغرفة نومهما غرفة شاسعة
كانت ترتدي روبها ومنشفتها
أخرجت بيجامتها والتفتت تريد العودة لغرفة التبديل
فجعت بالعينين المراقبتين: بسم الله الرحمن الرحيم
تنحنح.. قول شيء
مشعل بهدوءه المستفز: خفتي يعني؟؟!!
لطيفة بنفس هدوءه: لأ طبعا.. وليش أخاف
مشعل بهدوء: ما أدري.. انتي اللي خفتي مهوب أنا
لطيفة ببرود رغم أنها تشتعل من بروده:
دقيقة أبدل واجيك..بيننا كلام
سابقا كانت تحتمل بروده..
لأنها كانت تعيش على أمل أن هذا البرود سيذوب يوما
ولكنها الآن غير قادرة على احتمال بروده هذا.. وهي تعلم أنه لا أمل لها
ارتدت ملابسها وعادت
حين عادت كان مشعل انتقل للجلوس في غرفة الجلوس
توجهت لطيفة بتلقائية للسرير والتقطت غترته
ولكنها تذكرت.. فرمتها
ولكن مشعل انتبه لها
عضت على شفتها "أوف"
جاءت وجلست بعيدا عنه
مشعل بهدوء: حلو الطقم هذا.. وش طاري عليش مغيرة؟؟
لطيفة ببرود: غيرته عشانك..
قامت لطيفة وضغطت طرف الأريكة فانفتحت وتحولت لسرير
وهي تكمل بذات البرود: هذا سريرك
يستحيل أن تخبره أنها اشترت هذا الطقم لتنام هي على هذه الأريكة المتحولة
لأنها من بعد مغادرة مشعل لم تحتمل أن تنام على سريرها
بدون إحساسها أنه إلى جوارها
ولكن مشعل رد عليها بهدوء: أنا أفضل أخذ غرفة ثانية
(اطعنيني وسأطعنك
تريدين أن تبعديني عن سريركِ
سأبعدكِ عن غرفتي كاملة)
( أيها البارد الخبيث السادي!!) تنهدت لطيفة وهي تقول ببرود:
بكيفك يا بو محمد
أريح بعد.. أنا لو علي كنت مرتاحة يومك تجينا ضيف وتروح
بس أنا عشان عيالي
حمود صاير حساس بزيادة وكل شيء يلاحظه ونقل أفكاره لمريوم
مشعل يقف وهو يقول ببروده الشهير: مايصير إلا الخير..
لطيفة تشعر أنها تشتعل.. تتمنى أن تصفعه
تريد أن ترى هل وجهه هذا مصنوع من ألواح من الثلج أم ماذا؟؟
مشعل يريد أن يعجل بانسحابه..
فهو على الجبهة الأخرى ماعاد يحتمل حضورها الجديد الآسر
ماذا يحدث يا مشعل؟!!
أكمل بهدوء وهو يتوجه للحمام: خلاص أم محمد أنا بنام هنا
كانت لطيفة تكور يديها وهي تفرك أناملها حتى أبيضت من غضبها عليه
وعلى بروده
لِـمَ هو صامت كصمت قبر مهجور؟!!
تريده أن يصرخ بها
حتى تصرخ به..
تريد أن تفرغ كل طاقتها السلبية فوق رأسه
قبلا كان (يعصب) أحياناً
تريد بعضاً من هذه العصبية الآن
حتى تجد سببا لتشفي بعضا من غليلها فيه!!
هل يستمتع بجعلها تشعر أنها غير ذات أهمية بالنسبة له؟!!
قبل أن يدخل مشعل الحمام تذكر شيئا فعاد:
أم محمد وش سالفة المكتب والكتب؟؟
كان بود لطيفة أن تقول له (مهوب شغلك) ولكن تهذيبها واحترامها لنفسها
قبل احترامها لكونه والد أبنائها يمنعها
جاوبته ببرود: بأقدم امتحان الثانوية العامة ذا السنة
مشعل بعتب: وبدون حتى ما تستشيرني؟!!
وكانت لطيفة تنتظر جملة كهذه لتنفجر انفجارها الثاني فيه..
**********************
بيت عبدالله بن مشعل
موضي قامت لمجلس الحريم الخالي حتى ترد على فارس
موضي بمحبة: هلا هلا هلا بالشيخ فارس
فارس بهدوء: هلا والله بالقاطعة.. نعنبوا دراش ماكن لش إخ تسألين عنه
موضي تضحك: مشاغل مشاغل
فارس يبتسم: زين أنا عند باب مجلس النسوان..
افتحي لي اسلم عليش..وأروح
موضي فتحت له فورا
فارس يبتسم: أنتي قاعدة لابدة عند الباب
موضي تحتضنه وتقبل خده وهي تقول: أنا أصلا كنت هنا..
طاقة من البنات مسوين إزعاج
فارس شعر بالحرج ولكنه قال بهدوءه الواثق:
أنتو عندكم نسوان.. مادريت والله..
يالله بأروح..أنا كنت جاي اسلم عليش وبس
لأنه جدتي وأمي أم مشعل ومشاعل جايهم اليوم العصر..
كان فارس يستعد للخروج حين ضحكت موضي وقالت:
إلا قول إنك دريت إن حبيبة القلب هنا..
وقلت على الأقل نشم ريحة الحبايب..
فارس توقف وهو يشعر كما لو كان سكب على ظهره ماء مثلج
وهو يقول بهمس هادئ: العنود هنا..؟؟
موضي تبتسم: يس، هنا.. وتدري لازم نستلمها شوي بما إنها العروس الجديدة
فارس سحب نفسا عميقا
وهو يقول لموضي برجاء عميق واثق أشبه بالأمر:
موضي أبي أشوفها..
موضي صُعقت: أنت مجنون..
أشلون تشوفها البيت مليان عالم.. وهي مستحيل توافق؟؟
فارس بهدوء وثقة: أنا ماطلبت شيء حرام في الشرع.. هذي مرتي..
وأصلا أنا ابي اشوفها بدون ماتدري هي..
والموضوع بيني وبينش وبس
موضي ابتسمت بخبث: كذا مقدور عليها
موضي أطفئت أضواء المجلس ثم سحبت فارس من يده
وأوقفته بجوار الشباك الخلفي المطل على مطبخ البيت الخارجي
وقالت له بهمس: وقف هنا وأنا بجيبها الحين بوديها معي المطبخ
ثم خرجت..
وطبول الحرب تستعر في قلب فارس
وأعماقه التي ما عرفت التردد يوما يهزها زلزال من الترقب واللهفة
أي لعبة تلعبها يا فارس؟؟
أنت لم تحتمل حتى صوتها فكيف ستحتمل رؤيتها؟!!
" أنا محترق.. محترق
وحالتي حالة من يوم سمعت صوتها
وش بيضر شوفتها زود"
شقة هيا
الساعة 6 وربع صباحا
مازال رنين ضحكات سلطان الصغير يعمر أذنها
يا الله ما أروعه!!
هل الروعة كُتبت لكل من اسمه سلطان؟!!
هزها بعنف أن عمها سمّى ابنه على والدها
مشاعر مختلفة غزت روحها
هل كانت تتمنى أنه لم يسمِ على أبيها
حتى تبقى تقنع نفسها أنهم نسوا والدها وألغوه من حياتهم؟؟!!
حتى تبقي سببا لحقدها عليهم وكراهيتها لهم
هاهو سلطان آخر يعيش بينهم
سلطان صغير تشعر بلهفة عميقة لرؤيته
فرد جديد ربطها أكثر بعائلة آل مشعل بعد جدتها هيا
هناك الآن اثنان تتلهف لرؤيتهما في الدوحة
جدتها
وسلطان الصغير
فهل هناك من مزيد؟!!
*********************
الدوحة
بعد صلاة العصر
يوم الخميس
مشعل بن محمد يصل لبيته
حتى يأخذ أولاده للنقيان كما اعتادوا غالبا عصر كل خميس
حين يكون الجو معتدلا
لطيفة تقرر أن تنزل له
لم يتوقع مطلقا أن يراها
فهي كانت تتجنبه طوال الأيام الماضية
رآها تنزل.. مبهرة
مبهرة تماما..
في دراعة صفراء ذكرته بشروق الشمس
كأن الشمس لم تبزغ إلا من أجل أن تنير على وجنتيها
كم تؤلمه رؤيتها..
تذكره بخسارته التي يرفض كبرياءه الاعتراف بها!!
كانت لطيفة تقترب وأولادها يحيطون بوالدهم مستعدون للذهاب
اقتربت لطيفة وهي ترسم على وجهها ابتسامة
رغم أنها ترغب في أن تعضه لا أن تبتسم في وجهه
لم تفتها نظرة حمود المنكسرة المراقبة
نظرته نحرتها في الصميم.. وجعلتها أكثر عزما على تنفيذ ما نزلت من أجله
اقتربت من مشعل
ومشعل مستغرب اقترابها هذا
مالت على مشعل وطبعت قبلة على جبينه
ثم جلست لجواره
حين شعر بها مشعل تميل إليه
شعر برائحة عطرها تخترقه حتى النخاع
ثم ملمس شفتيها العذبتين على جبينه
(ما الذي يحدث؟!!
أي لعبة تلعبينها اليوم يا لطيفة؟؟)
لطيفة قبلته وهي ترغب في البصق في وجهه
ثم جلست جواره وهي تتمنى لو ترفسه
ثم احتضنت ذراعه وهي تتمنى لو تكسرها
همست في أذنه من قرب: ترا حمود داري إنه فيه شيء بيننا
وقايل لاخته إنه احنا بنتطلق
كلماتها نحرت مشعل تماما وهو ينقل نظراته بين أولاده
لطيفة قالت بصوت عالي: ها حبيبي مشعل .. شغلك ما خلص..
خلاص الليلة إن شاء الله بترجع صح؟؟
مشعل بهدوء: إن شاء الله.. خلصت الشغل اللي كان عندي وبأرجع
مشعل ولطيفة معا كانت نظراتهم مركزة على حمودي
الذي نفرت من عينه دمعة بريئة
مسحها بسرعة وهو يظن أن لا أحد رآها ويبتسم ابتسامة شاسعة:
يالله يبه تأخرنا.. ولا تنسى بكرة تقومني أروح معك صلاة الفجر
*******************************
بعد صلاة العشاء
بيت عبدالله بن مشعل
جميع فتيات العائلة يجتمعن اليوم
عدا لطيفة التي اعتذرت بأنها تريد الدراسة
مادام أبناؤها ذهبوا مع والدهم
البنات أخذن راحتهن لأن عبدالله سيبات الليلة عند إبله بالقرب من الشحانية
ومعه ذلك العفريت الصغير المسمى سلطان الذي اعتاد على إزعاجهن
و على إزعاج معالي بالذات
وكثيرا ماكانت أمها تصرخ فيها " أنتي لمتى وأنتي مناشبة ذا البزر؟"
ومعالي تصرخ بدورها: خلي ذا البزر يفتك من رقبتي
وسلطان يصرخ بدوره: من البزر أنتي وياها؟؟.. أنا الشيخ سلطان بن عبدالله
البنات يجلسن في صالة البيت الرئيسية
التوأم الثلاثي ومشاعل وموضي ومريم والعنود
والسيدات الكبار في غرفة الجدة
أمهات مشعل وأم حمد
معالي تجلس على الأرض وتمدد ساقيها
وموضي تقول لها وهي تضحك: أنتي يالعجوز اللي يشوفش يقول أكبرنا
قومي فزي..
معالي وهي تئن بطريقة تمثيلية: ماعلي منكم.. رجيلاتي توجعني..
مريم تبتسم: حلوة رجيلاتي ذي من وين جبتيها.. أكيد مسروقة من قاموس جدتي
معالي تضحك: جعلني ماخلا منها.. قاموسها جاي على كيف كيفي
ثم أكملت معالي كمن تذكر شيئا: إلا تعالي موضي..
صدق مشيعلوه الزرافة لقى بنت خالي سلطان في أمريكا؟؟
موضي تضحك: أولا إخي اسمه مشعل.. واكبر منش ب12 سنة، احشميه ياقليلة الحيا
ثاني شيء.. إيه لقاها معه بنفس الجامعة..
عالية وعلياء أخيرا نطقتا وفي وقت واحد: واو.. أكشن فله والله..
الجميع ضحكوا من كلامهما مع بعضهما..
فلطالما تكلمت الاثنتان في نفس الوقت وبذات العبارة
معالي بحماسة: والله حلو.. وجه جديد يدخل العائلة
لانه أنا بصراحة تمللت من وجيهكم اللي تجيب الكآبة..
أول حد يجيب الكآبة خواتي المبجلات الكوبي والبيست
كل ما أشوف وجيههم تجيني كآبة مزمنة
أحس إن الثنتين طالعين من فيلم قديم بالأبيض والأسود
أما الكآبة الأكبر فهي من نصيب عرايسنا مشاعل والعنود
الثنتين مسوين فيها مستحيين
وأنا متاكدة إنه الحين وحدة تفكر في نويصر والثانية في فويرس..
مشاعل خجلت من ذكر من ناصر
لكن العنود ابتسمت وهي تقول لمعالي:
الحين نسينا ما كلينا معاليوه.. رجعتي علي..
معالي تضحك: شوفي أنا مستعدة أرجع معاهدات السلام بيننا إذا زوجتيني فويرس
لأن أنتي من بدأ بالخيانة والاستيلاء على المزيون الموت الحمر
العنود تضحك: روحي زين..إذا كذا ما أبي معاهدات سلام معش..
خلي الحرب أحسن
في وقت جملة العنود كان هاتف موضي يرن، موضي تضحك:
كان ذكرتوا لنا مليون ريال بدل فارس
الظاهر درا إن حبيبة القلب جايبة طاريه قام ودق
العنود اشتعل وجهها بالاحمرار.. ومعالي تطلق سهام تعليقاتها عليها
بينما موضي قامت لترد على فارس بعيدا عن هذا الإزعاج.
************************
بعد صلاة العشاء
مشعل يعود لبيته..
كان يحمل جود التي نامت في الطريق على يديه
دخل بها لغرفتها
وضعها في سريرها وخلع حذائها
ثم قبلها وهو يهمس: اشتقت لبوستش وانتي نايمة يالشيطانة
توجه لغرفته وهو يشعر بنوع من التردد والتوتر
فهو حتى الآن لا يعلم ماذا تخطط لطيفة
دخل
استغرب التغيير الحادث
طقم جلوس جديد
وفي طرف غرفة الجلوس يوجد مكتب جديد
عليه الكثير من الكتب المكدسة
ولطيفة غير موجودة
اقترب من المكتب تناول كتابا
"كتاب جغرافيا للصف الثالث ثانوي"
ماذا يحدث؟؟؟
خلع غترته ووضعها على السرير
وهو يمرر يديه فوق شعره بإرهاق
وجلس ينتظر لطيفة التي علم أنها في الحمام
خرجت لطيفة دون أن تنتبه للمخلوق الضخم الجالس على طرف السرير
فغرفة نومهما غرفة شاسعة
كانت ترتدي روبها ومنشفتها
أخرجت بيجامتها والتفتت تريد العودة لغرفة التبديل
فجعت بالعينين المراقبتين: بسم الله الرحمن الرحيم
تنحنح.. قول شيء
مشعل بهدوءه المستفز: خفتي يعني؟؟!!
لطيفة بنفس هدوءه: لأ طبعا.. وليش أخاف
مشعل بهدوء: ما أدري.. انتي اللي خفتي مهوب أنا
لطيفة ببرود رغم أنها تشتعل من بروده:
دقيقة أبدل واجيك..بيننا كلام
سابقا كانت تحتمل بروده..
لأنها كانت تعيش على أمل أن هذا البرود سيذوب يوما
ولكنها الآن غير قادرة على احتمال بروده هذا.. وهي تعلم أنه لا أمل لها
ارتدت ملابسها وعادت
حين عادت كان مشعل انتقل للجلوس في غرفة الجلوس
توجهت لطيفة بتلقائية للسرير والتقطت غترته
ولكنها تذكرت.. فرمتها
ولكن مشعل انتبه لها
عضت على شفتها "أوف"
جاءت وجلست بعيدا عنه
مشعل بهدوء: حلو الطقم هذا.. وش طاري عليش مغيرة؟؟
لطيفة ببرود: غيرته عشانك..
قامت لطيفة وضغطت طرف الأريكة فانفتحت وتحولت لسرير
وهي تكمل بذات البرود: هذا سريرك
يستحيل أن تخبره أنها اشترت هذا الطقم لتنام هي على هذه الأريكة المتحولة
لأنها من بعد مغادرة مشعل لم تحتمل أن تنام على سريرها
بدون إحساسها أنه إلى جوارها
ولكن مشعل رد عليها بهدوء: أنا أفضل أخذ غرفة ثانية
(اطعنيني وسأطعنك
تريدين أن تبعديني عن سريركِ
سأبعدكِ عن غرفتي كاملة)
( أيها البارد الخبيث السادي!!) تنهدت لطيفة وهي تقول ببرود:
بكيفك يا بو محمد
أريح بعد.. أنا لو علي كنت مرتاحة يومك تجينا ضيف وتروح
بس أنا عشان عيالي
حمود صاير حساس بزيادة وكل شيء يلاحظه ونقل أفكاره لمريوم
مشعل يقف وهو يقول ببروده الشهير: مايصير إلا الخير..
لطيفة تشعر أنها تشتعل.. تتمنى أن تصفعه
تريد أن ترى هل وجهه هذا مصنوع من ألواح من الثلج أم ماذا؟؟
مشعل يريد أن يعجل بانسحابه..
فهو على الجبهة الأخرى ماعاد يحتمل حضورها الجديد الآسر
ماذا يحدث يا مشعل؟!!
أكمل بهدوء وهو يتوجه للحمام: خلاص أم محمد أنا بنام هنا
كانت لطيفة تكور يديها وهي تفرك أناملها حتى أبيضت من غضبها عليه
وعلى بروده
لِـمَ هو صامت كصمت قبر مهجور؟!!
تريده أن يصرخ بها
حتى تصرخ به..
تريد أن تفرغ كل طاقتها السلبية فوق رأسه
قبلا كان (يعصب) أحياناً
تريد بعضاً من هذه العصبية الآن
حتى تجد سببا لتشفي بعضا من غليلها فيه!!
هل يستمتع بجعلها تشعر أنها غير ذات أهمية بالنسبة له؟!!
قبل أن يدخل مشعل الحمام تذكر شيئا فعاد:
أم محمد وش سالفة المكتب والكتب؟؟
كان بود لطيفة أن تقول له (مهوب شغلك) ولكن تهذيبها واحترامها لنفسها
قبل احترامها لكونه والد أبنائها يمنعها
جاوبته ببرود: بأقدم امتحان الثانوية العامة ذا السنة
مشعل بعتب: وبدون حتى ما تستشيرني؟!!
وكانت لطيفة تنتظر جملة كهذه لتنفجر انفجارها الثاني فيه..
**********************
بيت عبدالله بن مشعل
موضي قامت لمجلس الحريم الخالي حتى ترد على فارس
موضي بمحبة: هلا هلا هلا بالشيخ فارس
فارس بهدوء: هلا والله بالقاطعة.. نعنبوا دراش ماكن لش إخ تسألين عنه
موضي تضحك: مشاغل مشاغل
فارس يبتسم: زين أنا عند باب مجلس النسوان..
افتحي لي اسلم عليش..وأروح
موضي فتحت له فورا
فارس يبتسم: أنتي قاعدة لابدة عند الباب
موضي تحتضنه وتقبل خده وهي تقول: أنا أصلا كنت هنا..
طاقة من البنات مسوين إزعاج
فارس شعر بالحرج ولكنه قال بهدوءه الواثق:
أنتو عندكم نسوان.. مادريت والله..
يالله بأروح..أنا كنت جاي اسلم عليش وبس
لأنه جدتي وأمي أم مشعل ومشاعل جايهم اليوم العصر..
كان فارس يستعد للخروج حين ضحكت موضي وقالت:
إلا قول إنك دريت إن حبيبة القلب هنا..
وقلت على الأقل نشم ريحة الحبايب..
فارس توقف وهو يشعر كما لو كان سكب على ظهره ماء مثلج
وهو يقول بهمس هادئ: العنود هنا..؟؟
موضي تبتسم: يس، هنا.. وتدري لازم نستلمها شوي بما إنها العروس الجديدة
فارس سحب نفسا عميقا
وهو يقول لموضي برجاء عميق واثق أشبه بالأمر:
موضي أبي أشوفها..
موضي صُعقت: أنت مجنون..
أشلون تشوفها البيت مليان عالم.. وهي مستحيل توافق؟؟
فارس بهدوء وثقة: أنا ماطلبت شيء حرام في الشرع.. هذي مرتي..
وأصلا أنا ابي اشوفها بدون ماتدري هي..
والموضوع بيني وبينش وبس
موضي ابتسمت بخبث: كذا مقدور عليها
موضي أطفئت أضواء المجلس ثم سحبت فارس من يده
وأوقفته بجوار الشباك الخلفي المطل على مطبخ البيت الخارجي
وقالت له بهمس: وقف هنا وأنا بجيبها الحين بوديها معي المطبخ
ثم خرجت..
وطبول الحرب تستعر في قلب فارس
وأعماقه التي ما عرفت التردد يوما يهزها زلزال من الترقب واللهفة
أي لعبة تلعبها يا فارس؟؟
أنت لم تحتمل حتى صوتها فكيف ستحتمل رؤيتها؟!!
" أنا محترق.. محترق
وحالتي حالة من يوم سمعت صوتها
وش بيضر شوفتها زود"
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الخامس والعشرون
بيت عبدالله بن مشعل
موضي تعود للبنات في الصالة وعينيها تبرقان بحماسة
فحمد لم ينجح بعد في خنق كل روحها المرحة
تقترب من العنود وتشدها من يدها لتوقفها:
قومي معي المطبخ خلينا نجيب عصير للبنات
العنود نهضت معها
ثم قفزت معالي: وأنا بعد بأروح معكم
موضي بغيظ منها فهي ستفسد مخططاتها:
اقعدي.. بأقول لها كلام نسوان.. وش ملقفش؟؟
معالي وهي تجلس وتقول بلهجة منكسرة مصطنعة:
الله حسيبكم كسرتوا خاطري الرقيق
مريم تضحك: لا تخافين على خاطرش.. يكسر كل الخواطر طال عمرش
وموضي والعنود توجهتا للمطبخ الخارجي
وقتها كان فارس يشتعل من الترقب
ويشعر بخطورة ماهو مقبل عليه
هو لا يخشى شيئا لأنه يعرف أنه لا يفعل شيئا محرما في الشرع
وهو لا يخاف من أي كان..فالخوف والتردد ملغيان من قاموسه منذ طفولته
ولكنه بات يخشى هذا القلب الذي أصبح يجهله
وكأنه ليس قلبه
بعد أن فقد سيطرته عليه
بعد دقيقة رأى شبحين يقتربان
دقات قلبه تتزايد
أغمض عينيه وهو يتنهد بعمق
وقتها كانت موضي وصلت باب المطبخ المقابل تماما لشباك المجلس
قالت للعنود بنبرة تمثيلية: يوه المطبخ ريحته بصل مايصير نبخرش بصل
وقفي هنا وأنا بأجيب الأغراض تساعديني نشيلهم داخل
العنود وقفت وهي تسند ظهرها للحائط بجوار باب المطبخ
لحظتها فتح فارس عينيه
ثم عاد لإغلاقهما وكأن نور الشمس الساطع غشا عينيه
ليس "كأن"
بل فعلاً
فنور شمسه (هو) غشا عينيه حقيقةً..
فارس وصل لمرحلة غريبة من العشق
أنه مهما يكون سيكون شكل آسرته
فهي أسرته.. وانتهى
لا يهمه أن تكون جميلة أو قبيحة
وعين الرضا عن كل عيب كليلة # لكن عين السخط تبدي المساويا
وربما كان في ذلك حالة معاكسة لمشعل
فمشعل لم ير جمال لطيفة
وفارس سيرى العنود جميلة على كل حال
فكيف وهي جميلة فعلا
بل هي أجمل من كل أحلامه وأعذب!!
حين فتح عينيه كانت تقف أمامه..أمامه تماما
بكامل بهائها وأناقتها
تمازج قميصها الزهري مع صفاء بشرتها
وشعرها الأسود المدرج يحيط بهالة القمر
كانت حكايته الخيالية
الشعر.. الوجه.. النحر.. الجسد
سلسلة من الحكايات المرسومة بإبداع
كل شيء مرسوم من أجله..
له هو فقط..
فارس غير متواجد على الكرة الأرضية
فارس يحلق في كوكب آخر
كوكبها هي!!
" ماذا فعلتي بي أيتها الصغيرة؟!!
ماذا فعلتي بي؟!!
لِـمَ أنتي ساحرة هكذا؟!
وفاتنة هكذا؟!
ورائعة كهذا؟!
وبريئة هكذا؟!
لماذا تدفعينني لأحبك أكثر؟!
لا أريد أن أحبك أكثر!!
أريد أن أكرهكِ أكثر
أريد أن أمزقكِ!!
أريد أن أنتزع قناع البراءة الذي تتسربلين به
حتى أرى كيف تجرأتي وطعنتني في رجولتي
لأرى أي لسان سليط قميء تخبئين
ذاك اللسان الجارح القاتل الذي يقف بيني وبينك
وسيبقى حائلا بيننا مهما تغلغتي في روحي وتمكنتي"
مازالت العنود واقفة وهي تهتف لموضي:
موضي هذا كله تجيبين عصير
بتجين وإلا رحت؟!!
فارس يهتف في داخله
" لا لا تروحين.. لا تصيرين قاسية كذا
ماشبعت من شوفتش!!"
كان ينظر لها بتمعن
كأنه يريد أن يخزن كل تفصيل من تفاصيلها في ذاكرته
شعرها السرمدي
عيناها الناعستان
شفتاها الشهيتان
نحرها المبهر
وصوتها!!
غرامه الأبدي!!
(أريد أن أسمع صوتها مرة أخرى)
ابتعد عن النافذة قليلا
واتصل بموضي وهمس لها: موضي خليها تسولف وطولوا شوي
موضي بهمس: تراك مسختها
فارس بثقة: نفذي وأنتي ساكتة..
موضي من داخل المطبخ:
العنود ماقلتي لي وش سويتي في المادة اللي أنتي خايفة منها؟؟
بدأت العنود في الحديث وهي تسترسل تماما
فموضي عرفت كيف تختار الموضوع
فهذه المادة بالذات هي مأساة العنود التي ما أن يفتح موضوعها
حتى تبدأ بالشكوى التي لا تنتهي
كانت تتحدث بحماس حينا وبشكوى حينا آخر
عيناها تلمعان
ويداها تتحركان
تبتسم حينا وتعبس حينا
وكل حركة وإيماءه وهمسة وابتسامة تذيب قلب فارس المتيم
ونبرات صوتها طيور نوارسٍ حلقت به فوق البحر الشاسع
جعلته ينفصل عن عالمه لعالم آخر
عالم يحلق فيه مع صوتها الملائكي المثير
(أي مخلوقة أنتِ
أ اعتدتي على نحر القلوب؟؟
أ تنحرينها وأنتي لاهية يا طفلتي؟!
متعب أنا أيتها الصغيرة
متعب
متعب منكِ
وبسببكِ
أحبكِ
وأريد أن أكرهكِ
أريد أن أكرهكِ كثيرا
كثيرا
اجعليني اكرهكِ
أرجوكِ لا تكوني عذبة هكذا!!
وشفافة هكذا!!
ولذيذة هكذا!!"
موضي خرجت أخيرا وهي تعطي العنود صحنا
وتعود لتحضر هي صحنا آخر
وتغادران
وتتركان المأسور المصاب بحمى العشق واقفا أمام شباكه
ما أن رأهما تغادران حتى جلس
يشعر أن قدميه لا تحملانه
كثير كل هذا عليه وعلى رجولته
أن تعبث هذه الطفلة به
تطعنه وتهينه
ثم تجعله يذوب فيها ومن أجلها
أ هكذا تكون العدالة؟!!
بدلا من أن ينتقم منها
يكون قلبه أسيرها؟!!!
وماذا ؟ ليكن أسيرها.. ولكن هي لن تعلم!!
موضي ما أن أوصلت العصير حتى عادت له وهي تغلق الباب خلفها
أشعلت الأنوار
وجدته جالسا
موضي بقلق: بسم الله عليك فارس وش فيك؟؟
فارس بهدوء وكأن صوته قادم من عالم آخر: مافيني شيء.. أنا باروح
موضي بنعومة: تبي تطق وما تقول لي رأيك في المدام
فارس وهو يخرج ليلملم مشاعره المبعثرة، يقول بثقته المعتادة:
بعدين بعدين موضي
موضي هزت كتفيها وعادت للبنات
***************************
معركة من نوع آخر
على جبهة أخرى
أحدُّ وأنضج
وأكثر خطورة
غرفة مشعل ولطيفة
المعركة على وشك الاحتدام
مشعل يتساءل: أم محمد وش سالفة المكتب والكتب؟؟
كان بود لطيفة أن تقول له (مهوب شغلك) ولكن تهذيبها واحترامها لنفسها
قبل احترامها لكونه والد أبنائها يمنعها
جاوبته ببرود: بأقدم امتحان الثانوية العامة ذا السنة
مشعل بعتب: وبدون حتى ما تستشيرني؟!!
لطيفة كانت تنتظر منه إشارة حتى تنفجر، وهاهي انفجرت:
نعم؟؟
استشيرك؟؟ وليش استشيرك؟؟
سنين وأنا ماشية ورا شورك
وش لقيت يعني في أخرها
لا حشيمة ولا قدر ولا محبة
مشعل بهدوء: أم محمد لا تكونين مثل ماقال صلوات الله سلامه عليه
من مكفرات العشير..
أنا ما حشمتش ولا قدرتش؟؟ اتقي الله تبهتيني وأنا واقف؟؟
لطيفة مازالت مستمرة في ثورتها وصوتها يعلو:
وليه أنت تسمي تعاملك البارد معي طول ذا السنين حشمة؟!!!
ويا سلام على الحشمة اللي أخرتها كذا
حشمتني وأنت حتى مشاعري ما احترمتها
حشمتني وأنت تبي تزوج علي بدون سبب
حشمتني وأنت طول عمرك متجاهلني وتعاملني كني طوفة
مشعل اقترب منها
وفي عينيه بريق غريب مختلف
خافت لطيفة
أ يعقل أن يضربها؟!!
وهو الذي لم يفعلها يوما
ومع ذلك لم تتراجع وبقيت تصرخ في وجهه
بكل قهر السنوات المكتوم
فهي مازال لديها الكثير لتقوله.. ولن تتراجع
ولكنها صدمت بتصرف آخر لم يخطر ببالها
مشعل يمسك وجهها من ناحية ذقنها بيد واحدة
ويسكتها بقبلة طويلة كما أراد في المرة الأولى تماما
لطيفة صُعقت
حاولت تخليص نفسها وهي تضرب صدره العريض
ولكنها لم تفلح
حينما أروى غليله.. أفلتها هو بنفسه
وهو يعطيها ظهره عائدا للحمام
لطيفة تصرخ بغضب وقهر:
يا الحقير أنا أم عيالك ماني بوحدة رخيصة تسوي فيني كذا!!
مشعل يلتفت عليها ويقول بهدوء:
أنتي أم عيالي وأنا ما أني بأصمخ أسمع زين..
وكل ما طولتي صوتش بأسكتش بذا الطريقة
أظني عيالنا غرفهم قريبة منا مافيه داعي تسمعينهم
وثاني شيء أنا سمحت لش تعصبين
بس ما أسمح لش تسبين
ذا المرة بأعديها بكيفي.. بس إياني وإياش تعيدينها
لطيفة بغضب مكتوم وهي تخفض صوتها: أكرهك.. أكرهك..
مشعل ببرود: كذابة..
لطيفة بذات الغضب المكتوم: إلا .. أكرهك وكل يوم أكرهك أكثر
مشعل عاد إليها وهو يقول بهدوءه المثير الذي أثار القشعريرة في جسدها:
يالله..حطي عينش في عيني وقولي إنش تكرهيني
أشاحت لطيفة بوجهها وهي تقول: أكرهك.. أكرهك
ابتسم مشعل وهو يعود للحمام: كذابة
(لعبةٌ مسلية..
قاوميني قليلا أيتها الشهية..
واجعلي اللعبة أكثر متعة
فأنا أعرف أنك ستستسلمين لي في النهاية!!
فأنا معتاد على المعارك
نفسي طويل
وصبري أطول
فماذا عنكِ؟!!)
ولطيفة تشتعل.. تشتعل
(حقير
حقير
وخبيث
ولئيم)
***********************
الساعة 2 ظهرا
واشنطن دي سي
مشعل قادم لزيارة زوجة عمه
يطرق الباب
لكن لا رد
استغرب
توجه لسؤال حارس المبنى إن كانوا قد ذهبوا لمكان معين
ليصعقه بالجواب:
أم هيا في المستشفى من البارحة بعد أن جاء الإسعاف وحملها
بيت عبدالله بن مشعل
موضي تعود للبنات في الصالة وعينيها تبرقان بحماسة
فحمد لم ينجح بعد في خنق كل روحها المرحة
تقترب من العنود وتشدها من يدها لتوقفها:
قومي معي المطبخ خلينا نجيب عصير للبنات
العنود نهضت معها
ثم قفزت معالي: وأنا بعد بأروح معكم
موضي بغيظ منها فهي ستفسد مخططاتها:
اقعدي.. بأقول لها كلام نسوان.. وش ملقفش؟؟
معالي وهي تجلس وتقول بلهجة منكسرة مصطنعة:
الله حسيبكم كسرتوا خاطري الرقيق
مريم تضحك: لا تخافين على خاطرش.. يكسر كل الخواطر طال عمرش
وموضي والعنود توجهتا للمطبخ الخارجي
وقتها كان فارس يشتعل من الترقب
ويشعر بخطورة ماهو مقبل عليه
هو لا يخشى شيئا لأنه يعرف أنه لا يفعل شيئا محرما في الشرع
وهو لا يخاف من أي كان..فالخوف والتردد ملغيان من قاموسه منذ طفولته
ولكنه بات يخشى هذا القلب الذي أصبح يجهله
وكأنه ليس قلبه
بعد أن فقد سيطرته عليه
بعد دقيقة رأى شبحين يقتربان
دقات قلبه تتزايد
أغمض عينيه وهو يتنهد بعمق
وقتها كانت موضي وصلت باب المطبخ المقابل تماما لشباك المجلس
قالت للعنود بنبرة تمثيلية: يوه المطبخ ريحته بصل مايصير نبخرش بصل
وقفي هنا وأنا بأجيب الأغراض تساعديني نشيلهم داخل
العنود وقفت وهي تسند ظهرها للحائط بجوار باب المطبخ
لحظتها فتح فارس عينيه
ثم عاد لإغلاقهما وكأن نور الشمس الساطع غشا عينيه
ليس "كأن"
بل فعلاً
فنور شمسه (هو) غشا عينيه حقيقةً..
فارس وصل لمرحلة غريبة من العشق
أنه مهما يكون سيكون شكل آسرته
فهي أسرته.. وانتهى
لا يهمه أن تكون جميلة أو قبيحة
وعين الرضا عن كل عيب كليلة # لكن عين السخط تبدي المساويا
وربما كان في ذلك حالة معاكسة لمشعل
فمشعل لم ير جمال لطيفة
وفارس سيرى العنود جميلة على كل حال
فكيف وهي جميلة فعلا
بل هي أجمل من كل أحلامه وأعذب!!
حين فتح عينيه كانت تقف أمامه..أمامه تماما
بكامل بهائها وأناقتها
تمازج قميصها الزهري مع صفاء بشرتها
وشعرها الأسود المدرج يحيط بهالة القمر
كانت حكايته الخيالية
الشعر.. الوجه.. النحر.. الجسد
سلسلة من الحكايات المرسومة بإبداع
كل شيء مرسوم من أجله..
له هو فقط..
فارس غير متواجد على الكرة الأرضية
فارس يحلق في كوكب آخر
كوكبها هي!!
" ماذا فعلتي بي أيتها الصغيرة؟!!
ماذا فعلتي بي؟!!
لِـمَ أنتي ساحرة هكذا؟!
وفاتنة هكذا؟!
ورائعة كهذا؟!
وبريئة هكذا؟!
لماذا تدفعينني لأحبك أكثر؟!
لا أريد أن أحبك أكثر!!
أريد أن أكرهكِ أكثر
أريد أن أمزقكِ!!
أريد أن أنتزع قناع البراءة الذي تتسربلين به
حتى أرى كيف تجرأتي وطعنتني في رجولتي
لأرى أي لسان سليط قميء تخبئين
ذاك اللسان الجارح القاتل الذي يقف بيني وبينك
وسيبقى حائلا بيننا مهما تغلغتي في روحي وتمكنتي"
مازالت العنود واقفة وهي تهتف لموضي:
موضي هذا كله تجيبين عصير
بتجين وإلا رحت؟!!
فارس يهتف في داخله
" لا لا تروحين.. لا تصيرين قاسية كذا
ماشبعت من شوفتش!!"
كان ينظر لها بتمعن
كأنه يريد أن يخزن كل تفصيل من تفاصيلها في ذاكرته
شعرها السرمدي
عيناها الناعستان
شفتاها الشهيتان
نحرها المبهر
وصوتها!!
غرامه الأبدي!!
(أريد أن أسمع صوتها مرة أخرى)
ابتعد عن النافذة قليلا
واتصل بموضي وهمس لها: موضي خليها تسولف وطولوا شوي
موضي بهمس: تراك مسختها
فارس بثقة: نفذي وأنتي ساكتة..
موضي من داخل المطبخ:
العنود ماقلتي لي وش سويتي في المادة اللي أنتي خايفة منها؟؟
بدأت العنود في الحديث وهي تسترسل تماما
فموضي عرفت كيف تختار الموضوع
فهذه المادة بالذات هي مأساة العنود التي ما أن يفتح موضوعها
حتى تبدأ بالشكوى التي لا تنتهي
كانت تتحدث بحماس حينا وبشكوى حينا آخر
عيناها تلمعان
ويداها تتحركان
تبتسم حينا وتعبس حينا
وكل حركة وإيماءه وهمسة وابتسامة تذيب قلب فارس المتيم
ونبرات صوتها طيور نوارسٍ حلقت به فوق البحر الشاسع
جعلته ينفصل عن عالمه لعالم آخر
عالم يحلق فيه مع صوتها الملائكي المثير
(أي مخلوقة أنتِ
أ اعتدتي على نحر القلوب؟؟
أ تنحرينها وأنتي لاهية يا طفلتي؟!
متعب أنا أيتها الصغيرة
متعب
متعب منكِ
وبسببكِ
أحبكِ
وأريد أن أكرهكِ
أريد أن أكرهكِ كثيرا
كثيرا
اجعليني اكرهكِ
أرجوكِ لا تكوني عذبة هكذا!!
وشفافة هكذا!!
ولذيذة هكذا!!"
موضي خرجت أخيرا وهي تعطي العنود صحنا
وتعود لتحضر هي صحنا آخر
وتغادران
وتتركان المأسور المصاب بحمى العشق واقفا أمام شباكه
ما أن رأهما تغادران حتى جلس
يشعر أن قدميه لا تحملانه
كثير كل هذا عليه وعلى رجولته
أن تعبث هذه الطفلة به
تطعنه وتهينه
ثم تجعله يذوب فيها ومن أجلها
أ هكذا تكون العدالة؟!!
بدلا من أن ينتقم منها
يكون قلبه أسيرها؟!!!
وماذا ؟ ليكن أسيرها.. ولكن هي لن تعلم!!
موضي ما أن أوصلت العصير حتى عادت له وهي تغلق الباب خلفها
أشعلت الأنوار
وجدته جالسا
موضي بقلق: بسم الله عليك فارس وش فيك؟؟
فارس بهدوء وكأن صوته قادم من عالم آخر: مافيني شيء.. أنا باروح
موضي بنعومة: تبي تطق وما تقول لي رأيك في المدام
فارس وهو يخرج ليلملم مشاعره المبعثرة، يقول بثقته المعتادة:
بعدين بعدين موضي
موضي هزت كتفيها وعادت للبنات
***************************
معركة من نوع آخر
على جبهة أخرى
أحدُّ وأنضج
وأكثر خطورة
غرفة مشعل ولطيفة
المعركة على وشك الاحتدام
مشعل يتساءل: أم محمد وش سالفة المكتب والكتب؟؟
كان بود لطيفة أن تقول له (مهوب شغلك) ولكن تهذيبها واحترامها لنفسها
قبل احترامها لكونه والد أبنائها يمنعها
جاوبته ببرود: بأقدم امتحان الثانوية العامة ذا السنة
مشعل بعتب: وبدون حتى ما تستشيرني؟!!
لطيفة كانت تنتظر منه إشارة حتى تنفجر، وهاهي انفجرت:
نعم؟؟
استشيرك؟؟ وليش استشيرك؟؟
سنين وأنا ماشية ورا شورك
وش لقيت يعني في أخرها
لا حشيمة ولا قدر ولا محبة
مشعل بهدوء: أم محمد لا تكونين مثل ماقال صلوات الله سلامه عليه
من مكفرات العشير..
أنا ما حشمتش ولا قدرتش؟؟ اتقي الله تبهتيني وأنا واقف؟؟
لطيفة مازالت مستمرة في ثورتها وصوتها يعلو:
وليه أنت تسمي تعاملك البارد معي طول ذا السنين حشمة؟!!!
ويا سلام على الحشمة اللي أخرتها كذا
حشمتني وأنت حتى مشاعري ما احترمتها
حشمتني وأنت تبي تزوج علي بدون سبب
حشمتني وأنت طول عمرك متجاهلني وتعاملني كني طوفة
مشعل اقترب منها
وفي عينيه بريق غريب مختلف
خافت لطيفة
أ يعقل أن يضربها؟!!
وهو الذي لم يفعلها يوما
ومع ذلك لم تتراجع وبقيت تصرخ في وجهه
بكل قهر السنوات المكتوم
فهي مازال لديها الكثير لتقوله.. ولن تتراجع
ولكنها صدمت بتصرف آخر لم يخطر ببالها
مشعل يمسك وجهها من ناحية ذقنها بيد واحدة
ويسكتها بقبلة طويلة كما أراد في المرة الأولى تماما
لطيفة صُعقت
حاولت تخليص نفسها وهي تضرب صدره العريض
ولكنها لم تفلح
حينما أروى غليله.. أفلتها هو بنفسه
وهو يعطيها ظهره عائدا للحمام
لطيفة تصرخ بغضب وقهر:
يا الحقير أنا أم عيالك ماني بوحدة رخيصة تسوي فيني كذا!!
مشعل يلتفت عليها ويقول بهدوء:
أنتي أم عيالي وأنا ما أني بأصمخ أسمع زين..
وكل ما طولتي صوتش بأسكتش بذا الطريقة
أظني عيالنا غرفهم قريبة منا مافيه داعي تسمعينهم
وثاني شيء أنا سمحت لش تعصبين
بس ما أسمح لش تسبين
ذا المرة بأعديها بكيفي.. بس إياني وإياش تعيدينها
لطيفة بغضب مكتوم وهي تخفض صوتها: أكرهك.. أكرهك..
مشعل ببرود: كذابة..
لطيفة بذات الغضب المكتوم: إلا .. أكرهك وكل يوم أكرهك أكثر
مشعل عاد إليها وهو يقول بهدوءه المثير الذي أثار القشعريرة في جسدها:
يالله..حطي عينش في عيني وقولي إنش تكرهيني
أشاحت لطيفة بوجهها وهي تقول: أكرهك.. أكرهك
ابتسم مشعل وهو يعود للحمام: كذابة
(لعبةٌ مسلية..
قاوميني قليلا أيتها الشهية..
واجعلي اللعبة أكثر متعة
فأنا أعرف أنك ستستسلمين لي في النهاية!!
فأنا معتاد على المعارك
نفسي طويل
وصبري أطول
فماذا عنكِ؟!!)
ولطيفة تشتعل.. تشتعل
(حقير
حقير
وخبيث
ولئيم)
***********************
الساعة 2 ظهرا
واشنطن دي سي
مشعل قادم لزيارة زوجة عمه
يطرق الباب
لكن لا رد
استغرب
توجه لسؤال حارس المبنى إن كانوا قد ذهبوا لمكان معين
ليصعقه بالجواب:
أم هيا في المستشفى من البارحة بعد أن جاء الإسعاف وحملها
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
صفحة 1 من اصل 5 • 1, 2, 3, 4, 5
صفحة 1 من اصل 5
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى