ساحة ملتقى العقول
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

صفحة 2 من اصل 5 الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5  الصفحة التالية

اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الأحد 10 أكتوبر 2010, 8:10 pm

الجزء السادس والعشرون


الساعة الثانية والربع ظهرا
مستشفى جامعة جورج تاون
الملاصق للجامعة من ناحية اليمين في 3800 Reservoir Road NW

كان مشعل يصل المستشفى
وهو يقطع ممراته ركضا بخطواته الطويلة
سأل عن أم هيا
وأخبروه أنها في العناية الفائقة
ارتعب
ماذا حدث
قبل أمس حين زارها كانت بخير
ولكنها كانت توصي بابنتها
أ كانت تشعر بشيء؟!!

(لا.. إن شاء الله.. بأتفاول على المره.. مافيها إلا الخير)

كان يشعر بالغضب على هيا لأنها لم تتصل به
من المفترض أنها ابلغته فور تعب والدتها

وصل مشعل للمكان
ولم يحتج أن يبحث عن الغرفة لأنه عرف مكانها
من الخيال الأسود الذي يدفن وجهه بين يديه

اقترب مشعل منها بهدوء وهو يهمس: هيا

رفعت هيا وجهها له
صُعق من ذبول وجهها وانتفاخه
يبدو أنها لم تتوقف عن البكاء منذ البارحة


مشعل بهمس: الوالدة وش فيها؟؟

هيا بصوت باكي: تعبانة يا مشعل تعبانة.. أمي بتروح وتخليني
سلطان راح وخلاني.. والحين أمي بتروح وتخليني بروحي في ذا الدنيا

مشعل بحنان وهو يجلس على الكرسي المجاور ولكن بدون أن يقترب منها:
أفا عليش هيا
وش ذا الكلام.. احنا هلش وأنتي في ذمتنا

هيا بحزن: أنتو ما بغيتوني وابي حي.. تبوني الحين

مشعل بذات الحنان: الله يهداش أنتي عارفة إن ذا الكلام في رأسش أنتي وبس
والوالدة إن شاء الله مافيها إلا كل خير.. هدي نفسش بس
وأنا بأروح أكلم السفارة والدكاترة..


************************



بيت فارس بن سعود
الساعة 2 بعد منتصف الليل

فارس يصل غرفته بعد سهرته مع أبناء عمه
ويبدو أن سهرته ستطول كثيرا

فهو طوال تواجده مع أبناء عمه
كان تفكيره فيها هي

وصورتها تتضخم حتى سيطرت على كل خلية في دماغه
يكره هذا الضعف
وليس فارس من يضعفه حب أنثى
ولكنها ليست أي أنثى
إنها العنود
بلسانها السليط
ثم بصوتها الساحر
ثم بتفاصيلها المبهرة وطلتها الملائكية الساحرة
فأين المفر؟؟

(ولكن أنا أيضا فارس بن سعود!!)

توضأ .. وصلى قيامه
فور تسليمته
رن هاتفه
استغرب
من يتصل به هذا الوقت؟؟

التقط الهاتف.. نظر للاسم ورد باحترام رغم استغرابه:
هلا والله بحضرة العميد

صوت ثقيل على الطرف الآخر: هلا والله أبو سعود
ماأدري أقول صباح الخير وإلا مساء الخير

فارس برزانة: تقول اللي تبيه يأبو أحمد.. آمر..

العميد بنبرة رسمية مهذبة: أدري أنه الليلة جمعة
والمفروض إنه إحنا بلغناك قبل
والسموحة يا أبو سعود
بس احنا عندنا مداهمة كبيرة
ونبي حد من النيابة العامة معانا
وأنا ما أمون إلا عليك..

فارس باحترام: ربع ساعة وأكون عندكم في المركز

العميد بامتنان: جعلني ما أخلى منك..
ماعمرك رديتني.. مع أنه حقك ترفض بدون تكليف رسمي

فارس برجولة: أفا عليك أبو أحمد.. ما بيننا ذا السوالف

فارس أنهى الاتصال وهو يلبس ملابسه بسرعة
مر بغرفة والدته وجدها نائمة
كان يخشى أن يتأخروا للفجر
وألا تجده في سريره وتقلق عليه
لكنه لم يرد تكدير نومها

(إن شاء الله قبل الفجر راجع)



**************************



بيت مشعل بن محمد
الساعة 4 الا ربع فجرا

لطيفة تطفئ منبهها وتصحو

البارحة كانت ليلة عصيبة عليها

بعد معركتها مع مشعل
هي خرجت لأولادها لترى أحوالهم بعد عودتهم
وبقيت عندهم حتى ناموا و تأكدت إن مشعل خرج
فهي تحفظ جدوله
وتعرف أن الليلة جمعة وأنه لابد سيسهر في المجلس

عادت لغرفتها ووظلت تدرس حتى اقترب موعد عودته
لا تريده أن يظن أو يخطر بباله إنها بقيت تنتظره
تمددت على سريرها
ومثلت النوم
وكم أصبحت بارعة في التمثيل!!
وكم تتعبها هذه الحياة
فهي ما اعتادت على هذه الحياة المعقدة الكثيفة
حتى حينما كانت تتعذب بهجران مشعل وبروده
كانت هي تتصرف بسجيتها

لكن الآن برود مشعل.. وتضطر أن تمثل برودا يشابهه!!

عاد مشعل
وجدها نائمة
كان لديه أمل غبي أنها ستنتظره
كان لديه أمل أنها قد تنسى كل ما قاله وستسامحه
ولكن هو يستحيل أن يطلب السماح
فلا بد أن تسامحه من تلقاء نفسها
هل أجرم أنه قال أنه يريد الزواج؟!!
هي من دفعته لهذا التفكير
وهي من دفعته لإلغاءه

نعم .. إلغاءه!!!!!!


فأي مجنون يتزوج على فتنة مثل هذه؟!!

دفعته للتفكير فيه طيلة سنوات
ودفعته لإلغاءه في دقائق

ذلك الحماس المتوقد خلب لبه
وطعم شفتيها الجديدتين أذابه

هي من عبثت به
هي من عبث به منذ البداية
وهي من لا بد أن ترضيه وتسترضيه
هو يستحيل أن يتنازل
أو يقول لها إنها غير رأيه عن فكرة الزواج
لن يصغر نفسه أمامها!!

ينظر لها وهي نائمة
كم هي رائعة
وكم هو مشتاق لها!!

"أوف"
خرجت تنهيدته عميقة وحادة جدا

لطيفة بداخلها (تأفف لين بكرة .. أحسن)

توجه لسريره الجديد وفتحه لينام
تقلب مطولا
قبل أن يحل النوم بأطراف عينيه


وهاهي الآن لطيفة تصحو
وحان دورها لتتأمله وهو نائم
اقتربت منه لتصحيه لصلاة الفجر

تمعنت فيه وهو نائم على جنبه اليمين وكفه تحت وجهه كما اعتاد
لحية عارضه أكثف
وبدا لها أكثر وسامة

هل هو متعب؟؟ مرهق؟؟
موعد الحلاق عنده كالساعة تماما
مابه أهمل عارضه هذه المرة
ما الذي يشغله؟؟

أ هي العروس الجديدة؟؟

الحقير.. كم أتمنى أن أقتله وأقتلها
ولكن لن أشمته فيني
ليذهب ويتزوج
ليشبع بها ويملأ عينيه التي لا يملأها التراب

لطيفة بنبرة باردة: مشعل.. مشعل.. الأذان أذن.. قوم
ولا تنسى تأخذ حمود.. حتى عبودي صحه وأخذه معاكم


*********************


مستشفى جامعة جورج تاون

الساعة الخامسة عصرا

سمحوا لهم بالدخول لرؤية أم هيا..
هيا ومشعل وباكينام التي حضرت فور معرفتها بالخبر


كانت أم هيا تعاني من جلطة.. وهذه هي الجلطة الثالثة
ووضعها الصحي متدهور.. فهي في السابعة والستين
وتعاني من السكر والضغط والكوليسترول
الثلاثي المتلازم


هيا انكبت على يد والدتها وهي تبكي
وباكينام وقفت خلفها وهي تربت على ظهرها
وبعينيها دمعات متعلقة
وببلعومها تختنق العبرات وهي تحاول تهدئة هيا

مشعل ذهب من الناحية الأخرى
ومال إلى أذن أم هيا وهو يقول بحنان وثقة:
ماعليش شر يمه.. تجربين غلاش علينا
تراش غالية.. ومافيش إلا العافية

أم هيا بصوت هامس: هيا أمانتك يا مشعل.. هيا أمانتك

مشعل بثقة ورجولة: هيا في عيوني وانتي بعد..
وماعليش شر.. تعب بسيط..لا تدلعين

هيا حين سمعت أمها توصي بها
انهارت في بكاء مر
باكينام مالت على أذن هيا: هيا يا حبيبتي.. اللي بتعمليه مش كويس ئدام ماما
لازم تباني جامدة ئدامها

هيا ارتمت في حضن باكينام وهي تقول بنشيج: ما أبي أكون قوية
تعبت وأنا قوية.. أبي أمي.. أمي وبس

فرت دمعة قاتلة من عين أم هيا

ومشعل يشعر بنفسه يختنق.. يختنق
يــخــتــنــق

فخرج ووقف خارجا


*************************


بيت فارس بن سعود

أذان الفجر

أم فارس تصحو من نومها
تتوضأ وتتوجه لغرفة فارس لإيقاظه

وهي تفتح الباب شعرت بإنقباض كتم على أنفاسها
استعاذت بالله من الشيطان الرجيم

وفتحت الباب
شعرت بالرعب وهي ترى سريره خاليا ومرتبا
أي أنه لم ينم عليه

عادت لغرفتها وهي تلتقط هاتفها
وترن الرقم المخزن عندها في رأس قائمة الاتصال السريع
كان مغلقا

وكأن إغلاقه كان إغلاقا لأنفاسها
شعرت أنها عاجزة عن التنفس
وكل الأفكار المرعبة تتزاحم في مخيلتها

استعاذت بالله من الشيطان الرجيم للمرة الثانية
وهي ترن على الرقم الثاني في قائمة الاتصال السريع

كان يخرج لتوه من الحمام متوضئا لصلاة الفجر
ويريد إيقاظ أولاده
استغرب الاتصال رد بسرعة وقلق: عسى ماشر يا وضحى؟؟

جاءها صوتها المخنوق ليرفع قلقه للحد الأقصى: سعد تكفى يا أختك
فارس ما أدري وينه.. وأدق عليه جواله مقفول
تكفى يا أختك بأموت من الخوف عليه.. بأموت
أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الأحد 10 أكتوبر 2010, 8:15 pm

الجزء السابع والعشرون


بيت محمد بن مشعل

كان ناصر عاد قبل وقت من صلاة الفجر ويستعد للنوم

رن هاتف ناصر.. رد باستغراب: هلا والله أبو فيصل

سعد على الطرف الآخر: ناصر تكفى روح لأم فارس وجبها للمستشفى

ناصر يقفز عن سريره ويقول برعب: عسى ماشر؟؟

سعد بقلق وحزن مرٍّ: فارس متعور عوار بسيط..
وأنا قلت لها وطمنتها
بس هي حالتها حالة.. ومهيب مصدقتني
روح جيبها تكفى
أنا لو رحت لها أبي لي ساعة
وأنا خايف عليها...

ناصر برعب: وفارس صدق بخير.. أمنتك الله تقول لي الصدق

سعد بقلق وحزن عميق: دامك أمنتني..
ما أدري.. ما أدري.. ماخلوني أدخل عليه
قبل الصلاة دقت علي أم فارس تقول ما تدري وينه
أنا قلبي نغزني جيت على طول طوارئ حمد
لقيت المستشفى مقلوب ومليان ضباط
وفارس كان معهم في مداهمة أخر الليل وانصاب فيها


ناصر باستعجال ورعب متوحش: خلاص جاينيكم الحين..


ناصر قفز وارتدي ملابسه بسرعة صاروخية
ثم خرج يتسحب لا يريد أن يراه والده أو راكان حتى يتأكد من وضع فارس

توجه لغرفة العنود
كانت العنود قد نامت بعد أن صلت الفجر
ناصر حركها وهو يقول لها بقلق مكتوم:
العنود قومي البسي عباتش وامشي معي

العنود قفزت مرعوبة: عسى ماشر؟؟

ناصر وهو يحاول التمسك بالهدوء: مافيه شر.. بس أبي أروح لأم فارس
وما أقدر أدخل على المره بروحي

العنود شعرت بقلبها يغوص بين قدميها: وفارس وينه؟؟

حتى لو كانت مشاعرها مازالت تتأرجح ناحية فارس
بين التوجس والإحترام والمودة
فالأنثى السوية ما أن يرتبط اسمها باسم رجل ما
حتى تجد مشاعرها الطبيعية تتدفق ناحيته بتلقائية
وهذا ما يحدث
ففارس أصبح نصفها الآخر
وبالغصب عنها مشاعر القلق اقتحمتها: فارس فيه شيء؟؟

ناصر باستعجال: خلصيني يا بنت الحلال بدون كثرة أسئلة
فارس مافيه إلا العافية

بالفعل العنود ارتدت عباءتها ونقابها على عجل
وهي تخرج خلف ناصر لبيت فارس
العنود دخلت أولا وناصر بقي خارجا في السيارة
وطلب منها إحضار أم فارس

دخلت العنود ووجدت أم فارس منهارة من البكاء
انقبض قلب العنود بشدة
أم فارس حين رأت العنود انهارت أكثر
اعتقدت أن فارس مصابه جلل
لذا قدمت العنود
ارتمت على صدر العنود وهي تنتحب

العنود ليست مهيأة كفاية بنعومتها ورقتها لمثل هذه المواقف
ولكنها جينات آل مشعل
الجينات التي تعمل بأعلى كفاءاتها تحت الضغط وفي أسوأ الظروف

العنود أمسكت بأم فارس وهي تقول لها بحزم
رغم أن داخلها يذوي قلقا على فارس: وين عباتش يمه؟؟

أشارت أم فارس لعباءتها الملقاة على المقعد..
تناولتها العنود وألبستها إياها وخرجت بها وهي تسحبها تقريبا

أركبهما ناصر
ولأن بيوتهم متجاورة
عاد لبيتهم وقال للعنود بحزم: انزلي..

العنود فُجعت وهي تقول بهمس موجع: ما أقدر أروح معكم؟!

ناصر بحزم: وين تروحين ..المستشفى مليان رياجيل عنده الحين
باودي خالتي أم فارس تطمن عليه.. وبارجعها على طول

نزلت العنود وهي تشعر كأنها تنحر..
اقتربت من شباك ناصر وهمست له:

تكفى طمني



**************************



مقر حزن آخر
مستشفى جامعة جورج تاون

حالة أم هيا تزداد صعوبة
ووضع هيا النفسي يزداد سوءاً

باكينام ومشعل مرابطان مع هيا في المستشفى

ولكن هيا أصبحت عدائية جدا مع مشعل
فهي تريد أحدا تفرغ فيه غضبها وحزنها
ووجدت أن واحدا من آل مشعل هو خير من ينفع للدور
مشعل متعاطف معها جدا ويقدر ظرفها وحزنها
ولكنه إنسان بشري له حدود طاقة
وهو ليس أي أحد
بل واحد من آل مشعل بكبريائهم الثمين
الذي تحاول هيا دوسه بقدميها

مشعل يقترب من هيا ويقول لها بهدوء:
هيا أنتي ماكلتي شيء ولا ارتحتي من البارحة
روحي للبيت أنا بأقعد عندها

هيا بعدائية غريبة: ما أبيك تقعد عندها..
أصلا من يوم شفنا وجهك ماشفنا خير يا وجه الشوم

باكينام هي من ردت وهي تقول لهيا بغضب مكتوم:
عيب اللي بتئوليه ياهيا..الراجل ما طلعتش منه العيبة
ودي حاجة مكتوبة عند ربنا.. وماما حصة ست تعبانة من زمان

هيا بغضب ونحيب: كله منه وجه النحس.. خليه يفارق ما أبي أشوف وجهه

وجه مشعل بدأ يتغير من فعل غضبه الذي يحاول كتمه لأنه ليس وقته ولا مكانه

باكينام وقفت وهي تهمس: ماعليش يادكتور مشعل ياريت تروح انته
أنا ئاعدة معاها

مشعل كان على وشك الذهاب لأنه كان وشك الانفجار فعلا
لولا أنه رأى أحد منسوبي السفارة القطرية يتوجه إليه
فابتعد مشعل عن مكان تواجد البنات وألتقى به وألقى التحية عليه

مشعل بترحيب: هلا والله أستاذ طلال.

طلال بهدوء: الله يرحب بك.. ترى السفير موجود هنا في المستشفى
جاي يزور السفير التونسي ويوم درا إن مرت عمك في المستشفى
لزم يمر يزورها ويشوف وضعها

مشعل بهدوء: حياه الله

مشعل عاد وأعطى هيا تنبيها أن السفير سيمر بهم
هيا عدلت وضع جلال والدتها الملفوف فوق غطاء شعر المستشفى
وقالت له بحنان: يمه بييي ريال يزورج

بعد دقائق وصل السفير ومعه سكرتيره وطلال

هيا وباكينام كانتا تقفان في زاوية الغرفة بعيدا عنهم

السفير اقترب من أم هيا وهو يقول لها: ما تشوفين شر ياخالة ماعليج شر

أم هيا بضعف وهي تضع طرف الجلال على الناحية السفلى من وجهها: من أنت؟؟

السفير يبتسم: أنا السفير القطري.. تبين شيء.. قاصرج شيء.. ترانا حاضرين

أم هيا بضعف ولكن بنبرة حازمة: إيه أبي..

السفير بهدوء وثقة: آمري ياخالة

أم هيا بحزم الضعف: هذي بنتي.. وهذا ولد عمها

السفير يقاطعها: أعرف مشعل زين يا خالة..

أم هيا تكمل: أبيك تاخذهم اثنينهم الحين معك للسفارة.. وتجيب الشيخ
وتزوجهم

هيا ومشعل صُعقا.. ومن شدة الصدمة لم يستطيعا الكلام
وقع الصدمة عليهما معا كان أكبر من كل وصف
طلب أم هيا نزل فوق رأسيهما كالصاعقة..

السفير القطري بتهذيب: ولا يهمج يا خالة
إن شاء الله إذا قمتي بالسلامة زوجناهم وسوينا لهم عرس بعد

أم هيا بحزم رغم ضعفها البادي: يمه هذي وصاة مره تموت.. أحطها أمانة في رقبتك
أبيك تزوجهم الحين.. ما أبي أموت وأخلي بنتي مابعد تطمنت عليها

السفير ارتعب.. فالأمانة أمر جلل.. فكيف وهي أمانة امرأة تحتضر؟!

هتف بحزم لهيا ومشعل: يالله قدامي للسفارة

هيا تكاد تجن.. ومشعل وقف صامتا بحزم

هيا توجهت لإذن أمها وهي تقول باستجداء مر هامس ودموعها تغرق وجهها:
يمه تكفين.. كله ولا مشعل.. كله ولا مشعل
تبين أتزوج من اللي ذبحوا أبوي.. ومشعل بالذات وجهه كان نحس علينا
أكرهه يمه.. أكرهه

أم هيا بحزم: إذا تبيني أموت وأنا غضبانة عليج.. أنتي وضميرج..

هيا مسحت دمعتها وهي تتوجه لمشعل
وتقف بجواره استعدادا للذهاب مع السفير


************************


الدوحة

ناصر يصل بأم فارس لطوارئ مستشفى حمد
وطوال الطريق وهو يطمئنها
إن إصابة فارس إصابة بسيطة
ولكن أم فارس كانت مستمرة في نحيبها الذي مزق ناصر


من لها بعد فارس؟؟
من؟؟
هو الشيء الوحيد الذي خرجت به من هذه الحياة
وتعيش من أجله

إذا ذهب فارس فما قيمة الحياة؟؟
لِـمَ تشرق الشمس إن كانت لن تشرق على وجهه؟؟
ولِـمَ تغرد العصافير إن كان فارس لن يصحو على تغريدها؟؟!!
ولِـمَ يهب النسيم إن كان لا يحمل رائحة عطره؟!!


زواجه بعد شهرين ونصف
تحلم بهذا اليوم منذ سنوات
تحلم بأولاده.. أحفادها
فكيف يذهب والدهم.. وهم لا يأتون؟!!
أ ستكفنه بالبشت الأسود الذي اشترته منذ سنوات وخبئته ليوم زفافه؟!!
أ تغسله بدهن العود الثمين المخبئ في قواريره الفاخرة لذلك اليوم؟!
أ تزفه لقبره بدلا من أن تزفه لعروسه؟!!


(ارفق بي يارب.. ارفق بقلبي الثاكل)



************************


واشنطن

بعد حوالي ساعة
هيا ومشعل يعودان للمستشفى
خرجا أبناء عم
وعادا زوجين
طوال طريق العودة في سيارة الأجرة
كلاهما معتصم بالصمت
وكلاهما يلتزم مكانه ملتصق ببابه
وكأن المساحة الفاصلة بينهم ليست أشبارا
ولكنها مئات الكيلومترات
هوة عميقة لا حدود لعمقها واتساعها
عالمان مختلفان
لا يجمع بينهما أي مشاعر طبيعية
هيا تكره مشعل أو تظن أنها تكرهه
ومشعل يريد حمايتها أو يظن أن هذه أسبابه


وصلا للمستشفى
كانت باكينام عندها

دخلا على أم هيا
أم هيا حين رأتهما معا ابتسمت بشفافية
مشعل اقترب منها
وطبع قبلة على جبينها لأول مرة
فهي أصبحت من محارمه شرعا بعد أن أصبحت أم زوجته
أم هيا بابتسامة سماوية: تزوجتوا؟؟

مشعل ابتسم وهو يميل عليها: تزوجنا.. ونتناش تطلعين من المستشفى
عشان نروح شهر عسل جماعي

أم هيا وضعت كفها على خد مشعل وهي تهمس له:
اصبر عليها.. قلبها مليان حقد صحيح.. بس ترا قلبها ذهب
اصبر عليها يمه.. أوصيك فيها.. تكفى ما تقهرها يوم

شعر مشعل أنه يختنق: يمه والله إنها في عيني.. والله ما تقهر ولا تُضام وهي في بيتي

هيا كانت تنتحب.. أشارت لها أمها فانكبت على يدها تقبلها
أم هيا وضعت يدها الأخرى على رأسها وهي تقول بحنان: يمه هيا ارفعي راسج

هيا رفعت وجهها المغرق بالدموع
وأم هيا تقول لها: يمه وصاتج مشعل.. ترا مشعل ريال مافيه مثله
لا تثقلين عليه يمه

هيا صمتت

أم هيا بضعف: يمه هيا أنا أقول مشعل وصاتج

هيا بصوت باكي: في عيوني يمه.. مشعل في عيوني
بس تكفين لا تعبين روحج بالكلام
اللي تبينه بيصير

باكينام انزوت في الركن وبدأت تبكي بصمت

وأم هيا تكمل بضعف: أنا الحين ارتحت.. اللهم لك الحمد والشكر
اللي طوّل في عمري لين ذا اليوم
الله الله في أنفسكم

ثم وجهت حديثها لمشعل: مشعل يمه.. وجهني للقبلة


هيا صُعقت..كلماتها مبعثرة: يمه لا تقولين كذا.. تكفين لا تفاولين على روحج

مشعل بحزم حنون: هيا وخري عنها

توجه لها وهو يوجهها للقبلة
ثم وقف عند رأسها وهمس في أذنها: يمه تشهدي.. تشهدي
قولي أشهد ألا إله إلا الله.. وأشهد أن محمدا رسول الله

باكينام اقتربت وهي تمسك بهيا التي رمت بنفسها على صدرها
هيا كانت تنتحب وترتعش: أمي بتخليني يا باكي
أمي بتخليني..

أم هيا تشهدت 3 مرات ومشعل يعيد عليها التشهد كل مرة
ارتعشت رعشة خفيفة ثم سكن جسدها
سكن للمرة الأخيرة
في رحلة الراحة الأبدية
لدار المقر

(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّة فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)

مشعل أغلق عينيها وهمس بحزن عميق:
إنا لله وإنا إليه راجعون
اللهم أجرنا في مصيبتنا وأخلفنا خيرا منها

هيا حين سمعت مشعل يقول ذلك
انهارت
انهارت تماما وهي تنتحب على أرضية الغرفة
مشعل اقترب منها
وهو يرفعها عن الأرض بخفة
ويحتضنها بعنف حانٍ ويهمس في أذنها:
إنما الصبر عند المصيبة الأولى
قولي إنا لله وإنا إليه راجعون
أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الأحد 10 أكتوبر 2010, 8:18 pm

الجزء الثامن والعشرون


مستشفى جامعة جورج تاون
هيا تجلس على كرسي في الممر
تبكي بصمت وهي تكرر:
إنا لله وإنا إليه راجعون

وباكينام تجلس إلى جوارها ودموعها تنساب بصمت

مشعل أنهى بعض الإجراءات
وعاد لهيا وهو يميل عليها ويهمس:
هيا.. أنا أبي جوازاتكم عشان الحجز

هيا بنبرة غارقة في الحزن: أي حجز؟؟

مشعل بمساندة: للدوحة عشان نرجع الوالدة ندفنها
ونسوي عزاها في الدوحة

هيا بحزن مرير: مافيه داعي مشعل مافيه داعي
أمي موصيتني من أيام ماكنا في بريطانيا
وحتى عقب ماجينا أمريكا
إنه المكان اللي تموت فيه تندفن فيه
كانت تقول الأرض كلها أرض الله

أنت قبلنا هنا بسنين
شوف لها مقبرة مسلمين ومسجد يُصلى عليها فيه

باكينام تؤيد كلام هيا: فعلا ماما حصة كانت دايما بتقول
الحته اللي أموت فيها ادفنوني فيها

مشعل تنهد
وهو يجري اتصالاته بالسفارة وبنادي الطلاب القطريين
وبسعيد وبأصدقائه وبإمام المسجد
استعدادا للصلاة عليها ودفنها بعد تغسيلها


************************


الساعة 6 صباحا
طوارئ مستشفى حمد

ناصر يصل بأم فارس للطوارئ
وجدا سعد واقفا في الممر
والمستشفى مزدحم من كثرة الضباط
فكل من كانوا في عملية المداهمة
أصروا أن يبقوا حتى يطمئنوا على فارس
الذي كان الوحيد الذي أصيب في عملية المداهمة

سعد توجه لأم فارس وهو يبتسم ويقول لها:
أبشرش الدكتور الحين طلع من غرفة العمليات
ويقول إصابة بسيطة في كتفه وطلعوا الرصاصة خلاص..

أم فارس تنتحب بخفوت: تكفون أشوفه..

ناصر بحزم: الحين بأوسع لش درب يا خالة..

ناصر توجه للضباط المتجمهرين أمام الباب
وسلم عليهم وتحادث معهم قليلا
ثم ابتعدوا

كان فارس في غرفة الاستراحة

دخلت أمه وناصر وخاله

ما أن رأى أمه حتى ابتسم وهو يتحامل على نفسه ليجلس
سارع له ناصر ليساعده وفي ذات الوقت طبع قبلة على رأسه
وهو يقول له: سلامات سلامات خارجن من الشر
وش لك يا الملقوف بشغل المداهمات أنت وكيل نيابة
قر في مكتبك الله يرضى عليه

لم يكن ذهن فارس مع ناصر
فعيناه كانت على المخلوقة الغالية الأثيرة خلفه
بعينيها الدامعتين الظاهرتين من فتحات نقابها
وهو يبتسم ويقول: والله إني طيب يمه
اعتبريها من أيام الهدود اللي أنتي خابره
يوم كل يوم أجيش مفلع.. دمياني تصب

أمه اقتربت منه واحتضنته بحنان وخفة حتى لا تؤلمه
وهي تقول وعبراتها تخنقها: كبرت يأمك كبرت وماعاد قلبي يستحمل

سعد بمرح: هذا هو طيب يا بنت الحلال وأمشي خليني أرجعش للبيت
وأشوف عيالي.. خليتهم بروحهم في البيت ما عندهم إلا أبو صبري

ناصر باحترام: إيه خالتي روحي.. الضباط يبون يسلمون عليه يرجعون بيوتهم

غادرت أم فارس

ودخل الضباط للاطمئنان على فارس
وخرجوا
وبعدها نقل فارس من الاستراحة لغرفة في الأعلى

بعد ساعة

رن هاتف ناصر.. نظر للاسم وهو يضرب رأسه ويقول :المسكينة نسيتها

فارس باستفسار: أي مسكينة؟؟

ناصر بمرح: حرمكم المصون.. موصيتني أطمنها عليك وأنا نسيتها

انتفض قلب فارس بعنف
(أ حقا قلقة أنتِ علي؟!
هل لأني فارس الذي ذاب من أجلكِ؟
أم لكوني مجرد زوج فرض نفسه عليكِ؟!)

كان ناصر يرد ومشاعر فارس تتحفز مع كل كلمة
هلا عنادي
.............
طيب
.............
والله العظيم إنه طيب.. تعويرة بسيطة
..........
يا بنت الحلال والله العظيم إنه طيب (ناصر بدأ يمل منها)
...............
يعني أشلون.. تكلمينه عشان تتأكدين.. بأكذب عليش يعني؟!! (ناصر بعصبية)

(أجل ناصر
أرجوك..
دعني أكلمها
أسمع صوتها
أريد أن أستمتع بخوفها علي
هل هي حقا خائفة علي؟!!)
هكذا كان فارس يهتف في نفسه.. رغم أنه يعلم استحالة ذلك

ناصر ينهي المكالمة ويلتفت لفارس ويقول: مرتك ذي أذوة
مهيب راضية تصدقني.. خايفة عليك.. ياحليلكم يا جوز الكناري


***********************


ذات اليوم بعد ساعات

مساءً في غرفة فارس
رجال عائلة آل مشعل يجتمعون عند فارس
حتى الشباب الصغار
سلطان بن عبدالله
ومحمد وعبدالله أولاد مشعل بن محمد

فارس بهدوء يلتفت عليهم ويقول: لا أحد يقول لمشعل بن عبدالله شيء
مافيه داعي تشغلون باله..

عبدالله أبومشعل بتأثر: مشعل الله يعينهم هو وبنت عمه
مرت سلطان توفت عندهم

محمد انتفض: إنا لله إنا إليه راجعون..لازم يجيبها تدفن هنا.. ونسوي عزاها

عبدالله بهدوء: المره موصية إنها تدفن في المكان اللي تموت فيه
ثم صمت عبدالله قليلا
وأكمل: وفيه شيء ثاني أبي أبلغكم فيه.. مشعل تزوج بنت سلطان

محمد بغضب: أشلون يتزوج بدون مايشورنا
وحتى ما أنتظر لين يرجعون الدوحة ونزوجهم على سلوم العرب وسنعهم

عبدالله بهدوء: مرت سلطان كانت موصيته عليها..
وهو تزوجها عشان أمها تطمن عليها
ومايصير البنت تقعد بروحها وهو مهوب حلال لها
فالسفير القطري زوجهم قبل ما تموت مرت سلطان

صمت الكل
وهم يتبادلون نظرات الاستغراب

وكان أول من قطع الصمت سلطان الصغير وهو يقول بمرح:
أما أنتو يا عيال ال مشعل مشافيح
يوم أني أبغي العنود جاء الشيخ فارس وخذها
وذا الحين يوم حطيت عيني على بنت عمي الأمريكية
جاء أخي الشيخ العود وخذها
ذا الحين لأحط عيني على خدامتنا فاطمة القردة نط الشيخ راكان يبغيها

ضحك الجميع فلطالما كان سلطان مصدر تندر دائم
ومحمد يلتفت لأبنه راكان المبتسم ويقول:
هذا هو خويك عرس.. ماعاد باقي إلا أنت

صمت راكان وهو يتبادل نظرات عميقة مع ناصر

ثم نهض راكان ليتصل بصديقه
لا يعلم هل يعزيه أو يهنئه؟!!


********************


بعد المغرب

بيت حمد بن جابر

موضي كانت غاية في الحزن والضيق
منذ علمت بإصابة فارس
كانت تريد زيارته ولكنه طمئنها أنه بخير
ويزوره كثير من الرجال
وسيخرج من المستشفى خلال يومين
وتستطيع زيارته في البيت

حمد يدخل عليها
حمد بنبرة غامضة: أنت لمتى وأنتي قالبة وجهش كذا؟؟
فارس طيب ومافيه إلا العافية

موضي بضيق: حمد أنت عارف فارس وش كثر قريب مني

حمد بسخرية: والله لد الخال ذا راعي مشاكل من صغره
مهوب منتهي لين يموت في وحدة من ذا المداهمات اللي ماله شغل فيها

موضي وقفت وهي تقول بغضب: حمد ما أسمح لك تفاول على فارس
جعل عمره طويل والله يحفظه من كل شر

حمد بغضب: نعم.. نعم.. ما تسمحين لي..؟؟

موضي بغضب مشابه: إيه ما اسمح لك.. على الأقل راعي مشاعري
وأنت تفاول على أخي قدامي

كان رد حمد عليها صفعة مباشرة قوية على وجهها

موضي حافظت على توازنها
حتى لا تسقط من قوة الصفعة التي أشعلت خدها باللون الأحمر
وهي تتماسك أمامه وتقول بقوة: مد يدك على مرة ثانية
والله ما يردني إلا بيت عبدالله بن مشعل
وأظني إنك عارف من عبدالله بن مشعل.. ومهوب بناته إللي يضامون
إذا أنا تحملتك وتحملت ضربك وإهاناتك ذا السنين كلها فعشان خالي وعمتي
وعلى أمل إنك بتتعالج يوم
والحين خلاص أنا كفيت حق خالي وعمتي ووفيت
وأنت خلاص مافيه أمل أنك بتوافق على العلاج

حمد بغضب مجنون: تهدديني.. تهدديني؟!!!

موضي بقوة: لا أهددك ولا تهددني.. بس أنا خلاص صبري خلص
ماعاد فيني صبر
إذا أنت رجّال بتحشمني وتحترمني
أو رجعني للبيت اللي خذتني منه
أنت ما خذتني من الشارع
أنت ماخذني من بيت شيوخ..


**************************


غرفة فارس في المستشفى
الساعة العاشرة مساء

كان فارس يصلي صلاة العشاء بعد أن ذهب أخر زائر من عنده
راكان هو من أصر أن يبقى مرافقا له
لأن ناصر تقريبا لم ينم منذ البارحة
وهو مع فارس منذ الصباح الباكر

بعد أن أنهى صلاته وتأكد راكان من وضعه
استأذنه راكان أن يستحم
ودخل للحمام الملحق بالغرفة

حينها رن هاتف فارس
كانت مريم بنت عمه
استغرب فهي اتصلت به العصر وهنئته السلامة

رد باحترام: هلا والله ببنت محمد

لم يكن صوت مريم
كان صوتا آخر
آخــــــر
آخــــــــــر
أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الأحد 10 أكتوبر 2010, 8:23 pm

الجزء التاسع والعشرون


الساعة 10 وعشر دقائق ليلا
غرفة فارس في المستشفى
رن هاتفه
كانت مريم بنت عمه
استغرب فهي اتصلت به العصر وهنئته السلامة

رد باحترام: هلا والله ببنت محمد

لم يكن صوت مريم
كان صوتا آخر
آخــــــر
آخــــــــــر

صوت أحلامه يصله يذوب خجلا وترددا: مساء الخير فارس.. أنا العنود

(عرفتكِ
منذ همستكِ الأولى
منذ أن وصل رنين أنفاسك إلى أذني)

لأول مرة يجد فارس نفسه مرتبكا
لم يخطر له ولا في أعذب أحلامه أنها قد تتصل به
ولكنه رد عليها بهدوء بثقته المغروسة فيه غرساً: هلا العنود

العنود بخجل: ما أبي أطول عليك.. بس قلت لازم أقول الحمدلله على السلامة

(يا آلهي.. ما أعذبكِ)
(حرام عليش.. اللي تسوينه فيني!!)

رد عليها بهدوء: الله يسلمش (خطر له أنها أنهت مهمتها وستنهي الإتصال الآن
وهو مازال عطشانا مشتاقا لهمساتها، لذا قرر أن يشاكسها)

أكمل بذات الهدوء قبل أن ترد الرد الذي يعلم أنه سيكون (مع السلامة):
ويا ترى أنتي استاذنتي عمي قبل تكلميني؟!! (يعيد لها الجملة التي قالتها له)

شهقت العنود بعذوبة وفارس شعر أن قلبه ذاب مع شهقتها
ثم قالت بحرج كبير: لا ما استاذنته.. استحيت.. أستاذنت مريم.. ما يكفي؟!!

(والله العظيم أنتي مخلوق غير طبيعي
معقولة فيه حد عنده هذا الكم الخرافي من البراءة والعذوبة
ذبحتيني.. ذبحتيني وأنتي ما تدرين)

أكملت العنود بحرج أكبر: فارس أنت زعلان إني كلمتك..

(محرجة.. أعلم هذا!!
هذه المرة أستطيع تكوين الصورة الكاملة
لإحمرار الوردتين المسماة وجنتيكِ
بعد أن سكنت صورتكِ خيالي
وهذه المرة لن أكتفي بحلم لمسهما لتزهر أصابعي
هذه المرة أتمنى لو كنتِ أمامي
لأدفن وجهك المحمر في صحراء صدري القاحلة
لتعشوشب أرجاء هذا الصدر المجدب دون ندى وجنتيكِ)

فارس رد عليها بهدوء رسمي: وش دعوى أزعل.. حياش الله..
وشكرا على ذوقش وعلى الاتصال

زاد خجلها.. هتفت بارتباك: خلاص أنا أستاذن.. مع السلامة..
ومرة ثانية الحمد لله سلامتك..

(يا آلهي.. ستتركني
ستتركني معلقا بين الحلم بها
والحقد عليها
معلقا بين وجع حبي لها
ورغبتي أن أكرهها)

فارس بهدوء: مع السلامة

أغلقت لتتركه مبعثرا كالعادة

(ليش ما أتصلت من تلفونها
على الأقل كان عرفت الرقم
ولقيت لي حجج أكلمها عليه)

**********************


مرت أياما ثلاثة


فارس خرج من المستشفى
وهو في إجازة مرضية لمدة أسبوعين

مشعل ولطيفة
مازال الحال على ماهو عليه
زوجان بالاسم فقط
كلاهما معتصمان بكبريائهما
هي تشتعل من الغيرة كلما خرج من المنزل

(لا بد أن يراها
وربما كان يخططان لزواجهما
ويسخران من الغبية المسماة لطيفة)

تعامل مشعل ببرود بارع
وما لم تكن مشغولة بأولادها فهي تدرس
أما مشعل فهو بطل لعبة البرود
رغم أن مفاصله تبدأ بالإنصهار كلما رأى لطيفة
ويشعر بالجنون من تجاهلها له
ولكنه يظهر عدم اهتمامه بأي شيء أمامها
سوى عمله وأولاده
فهو يرى أن هذه معركة كرامة
وهو ما اعتاد على خسارة معاركه!!


سكان واشنطن
انتهت أيام العزاء الثلاثة
التي قضتها هيا في بيت السفير القطري
الذي أصر على استقبال العزاء في بيته

خلال الأيام الثلاثة الماضية
تلقت هيا على هاتفها عشرات الاتصالات من أفراد عائلتها
عائلة آل مشعل
الجميع اتصل بها وعزاها
جدتها وأعمامها وعمتها وزوجات أعمامها وبنات أعمامها
الكل اتصل بها وأكثر من مرة
شعرت هيا أن كل هذا كثير عليها
كثير عليها
لم تتوقع أن يحيطوها بكل هذه المشاعر الدافئة
وأكثر من تأثرت بإتصاله كانا عميها محمد وعبدالله
شعرت برائحة أعمق لسلطان فيهما

لم ترَ مشعل خلال الأيام الثلاثة الماضية
ولكنه كان يتصل بها كثيرا ليرى إن كانت تحتاج شيئا
كانت ترد عليه ببرود عجزت هي نفسها عن إيجاد سبب له
وهاهي على وشك تقبل كل آل مشعل إلا هو

اتصل فيها ليأخذها للبيت
سلمت على زوجة السفير وشكرتها كثيرا

وخرجت بحزن مر يلتهم روحها وشوق مرير لأمها

خرجت

لتبدأ حياتها الجديدة مع زوج فُرضت عليه وفُرض عليها


************************


الساعة العاشرة مساء
غرفة لطيفة

لطيفة تدرس بعد أن نام أولادها
متأنقة كعادتها
لم تهمل عادتها في التأنق
سابقا كانت تتأنق من أجل مشعل
ولكنها الآن تتأنق من أجل نفسها
وحتى تبقى نفسيتها مشرقة

كان شعرها مرفوعا فوق رأسها بفوضوية
وخصلها تتناثر على وجهها بعذوبة
وقد غمست في شعرها قلماً نسيته

دخل مشعل
(غريبة وش عنده الأخ جاي بدري
مهوب عوايده)

لم ترفع رأسها عن كتبها
سلم ببرود
وردت بذات البرود

ثم دخل ليستحم
خرج وهو مازال في طور التعود على تصريف أموره بنفسه
مشتاق للمساتها الرقيقة في حياته
وتدخلها في كل صغيرة وكبيرة
خرج وأخذ ملابسه بنفسه
ولكن ما لا يعرفه
أن لطيفة أصبحت ترتب ملابسه بطريقة يسهل عليها تناولها
فهي تضع ماسيرتديه في الأعلى لأنها تعلم أنه لن يبحث بالتاكيد
وسيأخذ ما سيجده في الأعلى
تناول ملابسه
ارتداها
وجدها معطرة
ابتسم

(لا تستطيع إهماله مهما ادعت
يعرف ذلك!!)

تعطر كعادته.. ثم جاء وجلس في الجلسة
سألها بهدوء: أقدر أشوف الأخبار أو بأزعجش؟؟

لطيفة بهدوء مماثل: عادي حط على اللي تبي..

مكتب لطيفة في الزاوية خلف التلفاز من ناحية اليمين
ووجهها لظهر التلفاز.. حتى لا يلهيها شيء

مشعل أصبحت لديه متعة جديدة
اسمها مراقبة لطيفة الجديدة
فهو يضع على الأخبار ويقصر على صوت التلفاز لحد ما
ثم تبدأ طقوس المراقبة
كيف تعقد ناظريها
كيف تكتب؟؟
كيف تركز؟؟
تتأفف!!
تعض شفتيها!!
عالم جديد ممتع ومثير يتكشف أمام عينيه

يشعر كما لو كان يعود مراهقا
يتمتع بتصيد ومراقبة محبوبته
مشاعر لذيذة ومنعشة
نفضت ركام حياته السابقة
بدأ يتذكر بالكثير من الحنين الكثير من مواقف حياتهما السابقة
قلقها عليه
تدفقها ناحيته
ارتعاشها بين يديه

كم هو مشتاق لها!!


يلوم نفسه في اليوم ألف مرة على غبائه
ولكن لومه لنفسه هو في نفسه!!
يستحيل أن يتنازل أو يتراجع
هي أيضا عبثت به
كما أخطأ هو
هي أيضا أخطئت
هي من دفعته للتفكير بسواها
وهي من أطالت لسانها عليه
يستحيل أن يكون البادئ في إرضاءها
هي من لابد أن تعتذر

(ألف أفٍ على كل هذا
كم أنا مشتاق لها!!)

الساعة تقارب الثانية عشرة
وكلاهما يمثلان دوريهما بإتقان

مشعل نهض ليصلي وينام

قبل أن يتوجه للحمام
توجه إليها
انتفضت لطيفة حين رأته يقف إلى جوارها
اخترقت رائحة عطره الثمين حويصلاتها الهوائية

(كم أشتقت لكَ أيها الخبيث!!)

مال عليها
انتفضت أكثر
انتزع القلم من شعرها برقة
ووضعه أمامها على المكتب
وغادرها
بعد أن نجح في بعثرتها
بعثرها كأنها مجموعة من أحجار الليغو
هو وحده قادر على جمعها وتركيبها


**********************



واشنطن
بعد صلاة الظهر


مشعل يصل بهيا إلى بيته

هيا بتوتر: وش فيك وقفت هنا؟؟

مشعل بهدوء: انزلي الحين.. وباشرح لش داخل

هيا صعدت معه لشقته
فتح الباب
ودخلت بخطوات مترددة
كانت شقته أكبر من شقتها وأفخم بكثير

هيا بتوتر: أنت ليش جبتني هنا
أنا أبي أروح لشقتي

مشعل بهدوء: شقتش سلمت مفاتيحها
وأغراضش جمعتها باكينام كلها
وجبتها كلها هنا

هيا بثورة: أنت أشلون تسمح لنفسك تصرف من رأسك
ومن سمح لك تسوي كذا

مشعل بذات الهدوء: اللي سمح لي إني رجالش الحين إذا أنتي ناسية

مشعل كان تفكيره ينحصر أن يجنبها العودة لشقتها
حيث كانت المكان الأخير الذي جمعها بأمها
لم يرد لجروحها أن تنفتح من جديد
أرادها أن تبدأ حياتها الجديدة من مكان جديد

هيا تستكتمل ثورتها: ولو رجّالي على قولتك
مهوب المفروض تشركني في قرار مثل هذا
لأن هذي حياتي أنا مهيب حياتك

كانت تتكلم بذات لهجته وحدتها
ولكن ماضايق مشعل أنه شعر أنه يتحاور مع رجل
وليس مع أنثى
فحدتها كحدة الرجال وليست حدة أنثوية مطلقا

مشعل بتعب: هيا اسمعيني
أنا مهوب صعب علي أكوفنش الحين
أخليش تحاسبين ألف مرة قبل ما تعلين صوتش علي
كف واحد مني بيخليش تحرمين
لكن عمر هذا ماكان أسلوبي
ولا هذي بالمرجلة في نظري
أنا رجالش الحين
برضاش.. غصبا عنش.. رجالش
وأظن أخر شيء وصتش أمش فيه هو أنا
مثل ما أنا حفظت وصاتها.. أتمنى أنتي تحفظينها
أنا وأنتي باقي لنا ذا السنة بس ونخلص دراستنا
خلينا نخلصها بالطول وإلا بالعرض
وما فيه داعي تحولين حياتنا جحيم


هيا شعرت بالخجل
الكثير من الخجل
من تساميه فوق عصبيتها
وثورتها غير المبررة

هيا همست بهدوء: إن شاء الله مشعل إن شاء الله
ثم قالت بخفوت: غرفتي وينها؟؟
ثم أكملت وهي تبتلع ريقها: مشعل أنا أبي لي غرفة بروحي
أعتقد أنك فاهم إنه إحنا تزوجنا في ظروف غير طبيعية
وأنا مازلت غير متقبلة لفكرة الزواج كلها
وما أعتقد إنك بتطالبني بحقوق أنا مهوب مستعدة لتقديمها


أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الأحد 10 أكتوبر 2010, 8:28 pm

الجزء الثلاثون

شقة مشعل بن عبدالله

هيا تقول بخفوت:
مشعل أنا أبي لي غرفة بروحي
أعتقد أنك فاهم إنه إحنا تزوجنا في ظروف غير طبيعية
وأنا مازلت غير متقبلة لفكرة الزواج كلها
وما أعتقد إنك بتطالبني بحقوق أنا مهوب مستعدة لتقديمها

مشعل يتجاوزها وهو يلقي بنفسه على الأريكة ويقول بإرهاق:
فيه غرفة نوم فاضية جنب غرفتي الحين بأشيل شناطش فيها
ولا تخافين ماني مطالبش بشيء غير إنش تخفين من عصبيتش
تراني مافيني صبر على الحنّة الواجدة..

هيا بنبرة غضب: تهددني؟؟

مشعل بتأفف: الله يهداش بس.. دائما متحفزة ومستعدة للهجوم
ترا أنا ما أنا بعدوش.. عشان أهددش

هيا أخذت نفسا عميقا.. وهي تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم

ثم دخلت لداخل الشقة لإكتشافها ولفسخ عباءتها
تشعر بالخجل من خلع عباءتها والجلوس أمام مشعل بدونها
ولكن لابد أن تعتاد على ذلك عاجلا أو آجلا

فتحت باب الغرفة الأولى
اكتشفت فورا إنها غرفة مشعل
مكتب مكدس عليه كتب
وملابس ملقاة على السرير
ورائحة عطر رجولي فخم داعبت أنفها فور فتح الباب
شعرت بالخجل يكتسحها
أغلقت الباب وتوجهت للغرفة الأخرى

كانت غرفة نوم أنيقة ونظيفة وخالية تماما
سوى من بعض ملابس رجالية في الدولاب
أزاحتها هيا إلى الجانب
لأنها لا تعلم ملابس من هي

خلعت عباءتها وحجابها وعلقتهما
نظرت لنفسها في المرآة
كانت ترتدي بنطلونا واسعا أسود اللون
وبلوزة سماوية لنصف فخذها
وشعرها مجموع في صرة أسفل رأسها
مطلقا ليس منظرا مناسباً
ليكون المرة الأولى التي يرى فيها زوج زوجته
ولكن هل هما زوج وزوجة فعلا؟؟

وهي سارحة في أفكارها
طُرق الباب
كان مشعلا يحمل حقائبها
حقيبتان ضخمتان يحملهما بخفة
همست بخجل: ادخل

دخل مشعل ثم وقف في منتصف الحجرة ليضع الحقائب
وهو يشعر بحرج غير مفهوم
بدت له رقيقة وضئيلة
بعيدا عن العباءة التي كانت تخفي معظم تفاصيلها
اعترف لنفسه أنه مبهور بعنقها الطويل الشامخ

قال كمحاولة لتبديد احساسه:
الملابس اللي في الدولاب ناسيهم راكان ولد عمي لما زارني العام..
حطيهم في كيس وفضي الدولاب لش..

هيا بهدوء: إن شاء الله

أجابها بذات الهدوء: محتاجة شيء ثاني؟؟

هيا بهدوء: لا شكرا
ثم استدركت بحزن عميق: مشعل أغراض أمي وش سويتوا فيها؟؟

مشعل بهدوء: الملابس كلها في شناط وخليتها عند إمام المسجد
لين أشوف إذا أنتي موافقة خليته يدخلها في التبرعات
وباقي الأغراض بتلاقينها في شناطش
والكراتين اللي برا فيها كتبش
وبكرة باشتري لش مكتب


**********************


بيت مشعل بن محمد
وجبة الغداء

أسرة مشعل تجتمع كاملة على الغداء
يجلسون على الأرض حول سفرتهم
لطيفة مشغولة بإطعام جود
ومشعل مشغول بمراقبتهما

لا يعلم أي ولع غريب أصابه
كل ما تفعله بات يفتنه
حتى في إطعامها لابنتها يتتبع حركة أناملها الرشيقة
ابتساماتها لها
تدليلها ومناغاتها لها
تبدوان كما لو كانتا جزءا من صورة مبهرة
الصورة قائمة بذاتها لا تعلم ماذا فعلت بقلوب معجبيها واندهاشهم

لطيفة انتبهت أنه لا يأكل
سألته بعفوية: مشعل الأكل ما عجبك؟؟

رد عليها بهدوءه الماكر: ولو قلت ما عجبني؟؟

كانت على وشك الرد بردها الاعتيادي الذي ربما كان يتوقعه
(بأسوي لك غيره الحين)
ولكنها ردت بهدوء متقن مغلف ببرود بارع
وهي ترسم ابتسامة من أجل أبنائها:
بأقول بكيفك يا بو محمد.. تسوي ريجيم أحسن..

ابتسم.. بل كان على وشك الانفجار ضحكا
لولا أنه تحكم في ردة فعله (كم أنتِ لئيمة!!)
أجابها بابتسامة: وأنا بأقول كثر الله خيرش يأم محمد
يجي منش أكثر..

(كم أنت بارد!!
لِمَ هذه الابتسامة؟!!
هل قلت نكتة ما أيها السخيف؟!!)

لطيفة ردت عليه بنفس مستوى خبثه:
وأنا بأقول خيرك سابق
وأنت راعي الأولة يا أبو محمد
وراعي الأولة ما ينلحق..
وأظني إنك فاهمني..

"تقصد أنك من بدأ وليس أنا!!"

لطيفة أنهت عبارتها له..
وحملت ابنتها وغادرت..
وهي تقول لأبنائها: إذا خلصتوا تعالوا لي في غرفتكم أدرسكم
عشان العصر أخليكم تشوفون الكرتون..

ومشعل يبتسم وهو ينظر إلى ظهرها وهي تغادر
(يعني أشلون؟؟
ياحليلش!!
تعتقدين سكتتني كذا؟!!
توش ماعرفتي مشعل يا لطيفة
انطري علي شوي بس)



*************************



بعد صلاة العصر

بيت عبدالله بن مشعل
الصالة السفلية

الجدة تتقهوى قهوة العصر وناصر وفارس عندها
جاءا للسلام عليها
فارس مازال متعبا ولكنه يمر للسلام على جدته
حتى لا يرهقها بأن تأتيه بنفسها

مشاعل في الأعلى
تسأل وكالة الأنباء ريم: من اللي عند جدتي؟؟

ريم (بعيارة): فارس أبو نص ذراع.. (لأن يده معلقة برقبته)

مشاعل قرصتها في ذراعها: عيب يا قليلة الادب

ريم تفرك مكان القرصة: ول قبصتها والقبر..
جعل نويصر يصرقعش كفين ليلة العرس

مشاعل بغضب: زين يا قليلة الأدب.. دواش عندي

ريم ترقص حاجبيها: إذا مسكتيني يا مرت ناصر سوي اللي تبينه

وخرجت تركض ومشاعل خلفها

ونزلت للأسفل وهي تركض على السلالم ومشاعل مازالت خلفها
وهي تقسم بأن تأدبها اليوم

كان فارس وناصر يجلسان متجاورين ووجهيهما للدرج

استغربا أولا نزول ريم كالإعصار وصوت ضحكاتها يتعالى
ثم المخلوق الآخر خلفها
مشاعل وصلت نصف الدرج ثم انتبهت لوجود مخلوق آخر يجلس بجوار فارس
مشاعل بقيت لنصف دقيقة وهي مازالت غير مستوعبة
وعيناها مثبتتان عليه
ثم رمشت بجزع وعيناها تمتلئان بالدموع وتعود ركضا للأعلى


الآخر هو..
كان فاغرا فاه..
على كثرة ما زار جدته لم يصدفها يوما..
رغم أنه تمنى كثيرا لو يلمحها فقط
فهل انفتحت له أبواب ليلة القدر اليوم؟؟
وهل دعت له أمه اليوم من قلبها
وقالت: "روح ياناصر الله يحقق لك أمانيك"

فارس رغم أنه غضب أولا
ولكنه لم يستطع منع نفسه من الانفجار من الضحك
وهو يرى ناصر مغفور الفم

فارس يمد يده السليمة ويغلق فم ناصر وهو يقول (بعيارة):
يا أخ سكر البلاعة ذي لا يدخلها الذبان

الجدة لم تنتبه لشيء مطلقا لأن ظهرها كان للدرج

ناصر يضع يده على قلبه ويقول بطريقة تمثيلية وهو يهمس لفارس:
فارس يا أخيك..
تكفى زوجوني الليلة.. لا أستخف عليكم
نعنبو داركم.. داسين ذا الملاك علي.. حرام عليكم يالمجرمين



في الأعلى مشاعل انخرطت في موجه بكاء حادة
آخر ما خطر ببالها أنها قد ترى ناصر
وفي هذا الوضع المحرج!!
خجلها منه يخنقها..
تكاد أن تموت خجلا وحرجا
وكلما استعادت الموقف وهو يبحلق فيها
بدأت في موجة جديدة من البكاء


************************


المقهى القريب من جامعة جورج تاون
قبل صلاة العصر
كانت باكينام تصل وتضع كتبها على طاولة خالية وتجلس
تريد أن تتناول شيئا خفيفا وتعود للسكن لتصلي وترتاح


كانت تضع ملاحظات في كتابها
حين اقتحم سكونها الصوت العميق الدافئ إياه:
وأخيرا عدتي لزيارتنا.. خشيت أن تكوني قد كرهتي شاينا الإنجليزي

رفعت باكينام عينيها
يبدو أكثر وسامة من المرة الماضية
هذه النظرة الغامضة في عينيه تفتنها

ابتسمت باكينام: انشغلت قليلا مع صديقتي
فوالدتها توفيت

هو بتأثر: خالص تعازيّ

باكينام بعذوبة: شكرا..
ثم قالت باللهجة المصرية: يخرب بيت زوئك وحلاوتك (حتى لا يفهمها!!!!)

ثم اكملت بالإنجليزية: هل تعلم أنك مصدر محيرة؟؟

ابتسم بغموض: أنا؟؟

ابتسمت: نعم أنت..

بذات الغموض: ولماذا؟؟

ابتسمت: مكسيكي يتحدث الانجليزية بنبرة بريطانية فاخرة..
وحوارك يدل على ثقافة.. وتعمل نادلا
أي من هذه الأشياء لا يثير حيرة..؟!!

بغموضه المثير: قابليني بعد أن أنهي عملي.. وأزيل حيرتك..
لأني لا أستطيع الثرثرة مع الزبائن؟؟

ابتسمت باكينام وهو تقول بذكاء: ومادمت أنا زبونة.. أحضر لي كوراسون وعصير برتقال لو سمحت..

ابتسم بدوره..
كلاهما يجيدان اللعب..
كلاهما ذكيان..
وخطيران..
خطيران جدا..



****************************



شقة مشعل بن عبدالله

مشعل بعد أن أدخل كل أغراض هيا لغرفتها
دخل إلى غرفته وأغلق الباب
وبدأ العمل على إطروحته
التي يقضي ساعات طويلة عليها يوميا
مرت أكثر من ساعتين حتى سمع أذان العصر
توضأ وخرج للصلاة

حين عاد كان يشعر بالجوع
تعوّد طيلة السنوات الماضية أن يخدم نفسه بنفسه
رغم أنه تعود في الدوحة على تدليل أمه وشقيقاته له
ولكنه هنا تعوّد أن يقوم بكل شيء بنفسه
وخصوصا أنه كان يعرف نوعا ما أن يطبخ
من رحلات القنص التي كانت تستغرق أسابيعَ
ولكنه الآن وكأي رجل شرقي يستحيل أن يطبخ لها
ولكنه أيضا لن يطلب منها أن تطبخ له
فهو مازال يجهل هذه الهيا التي تبدو له غامضة ومتباعدة

وهاهو يتوجه للمطبخ
سيعد له شطيرة وكأسا من الشاي

حين دخل رأى أمامه شيئا غريبا
اعتقد أن عينيه تخونانه
ولكنه كان فعلا شيئا غريبا ومبهرا وأخاذاً


********************


الساعة الواحدة والنصف ليلا

غرفة مشعل ولطيفة

كلاهما مستغرقان بالنوم
كلاً في مكانه
لطيفة في سريرها
ومشعل على أريكته

رن هاتف لطيفة
لطيفة نومها خفيف
مع الرنة الثانية كانت تصحو مرعوبة
تنظر للاسم وتلتقطه برعب: موضي عسى ماشر؟؟

صوت موضي يصلها متقطعا: لطيفة تعالي الحين.. الحين.. أنتي ومشعل

لطيفة برعب: وشفيش موضي؟؟

موضي بنفس الصوت المتقطع: مافيني شيء بس تعالوا الحين بسرعة

لطيفة تقفز لمشعل وتهز كتفه بسرعة: مشعل مشعل

مشعل يمسك يدها ويحتضنها وهو نائم ويهمس: أخيرا جيتي حبيبتي حرام عليش قلبي ذاب وأنا أتناش..

انتزعت لطيفة يدها (يحلم بحبيبة القلب) عادت لتهزه بعنف أكبر: مشعل مشعل

قفز مشعل مرعوبا: وش فيش لطيفة؟؟

لطيفة بقلق: موضي متصلة تقول تبينا نجيها الحين

مشعل برعب: عسى ماشر؟؟

لطيفة وقلقها يتصاعد: ماقالت لي شيء.. بس قالت تعالي أنتي ومشعل

مشعل يقفز لارتداء ملابسه: يالله بسرعة البسي..

لطيفة لبست وأيقظت خادمة البيت العجوز..
ووصتها أن تنام في غرفة بناتها حتى تعود


وهم خارجين من البيت
صدفهم راكان في الشارع وهو يدخل لداخل بيتهم
راكان اتصل بمشعل وهو يقول له بقلق: عسى ماشر مشعل؟؟
وين رايح أنت وأم محمد في ذا الليل؟؟

مشعل بقلق: موضي متصلة تبينا.

راكان بقلق: ذا الحزة.. طمني عقب.. لا يكون فيها وإلا في حمد شيء

بعد دقائق كان مشعل الذي قاد سيارته بسرعة جنونية
يقف أمام باب بيت حمد ويجد جميع الأبواب مشرعة
ويدخل هو ولطيفة وقلقهم يصل للحد الأقصى

ليفجعوا بما رأوه داخل البيت
أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الأحد 10 أكتوبر 2010, 8:31 pm

الجزء الحادي والثلاثون


شقة مشعل بن عبدالله في واشنطن

كان مشعل يدخل إلى المطبخ
ليرى أمامه صدمة بكل المقاييس
هيا كانت تقف أمام المغسلة وتغسل وظهرها للباب
ليست هذه الصدمة بالتأكيد..

الصدمة كانت في الليل الأخاذ السرمدي الذي يصل طوله إلى ركبتيها


قبل حوالي ساعتين..بعد أن دخل مشعل لغرفته
رتبت هيا بعض أشياءها الضرورية واستخرجت بعض ملابسها
ثم قررت أن تطبخ
ظنت أن هذا قد يكون تصرفا لائقا تجاه مشعل
وحتى تتلهى عن الحزن العميق الذي يخنق روحها
والأفكار المرة التي تأخذها في دوامات الذكريات
بعد أن أنهت الغدا..ء تركته ينضج
واستحمت.. جففت شعرها سريعا ثم تركته مسدلا ليستكمل جفافه
وعادت للمطبخ لتنهي غسل الأواني
وهاهو مشعل يقف خلفها..
مشعل كان مبهورا..
بل كلمة الانبهار وصف أقل بكثير عن الاحساس الذي اكتسحه
كان يعتقد أن طول الشعر المفرط هذا قد انقرض
ولم يكن شعرها طويلا فقط بل كان مبهرا في طوله وسواده ونعومته وكثافته
كان تماما كما كانت جدته تصف شعرها في شبابها
بل إن شعر جدته مازال طويلا نوعا ما.. وهي تجدله في جديلتين طويلتين
لطالما عشق مشعل في طفولته الالتفاف بهما
وكان يقول لها: ماني بمتزوج إلا وحدة شعرها مثل شعرش طويل
وجدته تضحك وتقول: فاتّنّك.. ماعاد فيه يأمك.. خلصوا..

وربما حاول مشعل متعمدا تناسي الشرطين الآخرين
كان دائما يقول لها: يمه أنا أبي وحدة اسمها هيا وتشبهش.. وشعرها طويل نفس شعرش أيام الشباب على قولتش..

وجدته تضحك طويلا وترد عليه: هذي بيصنعونها على حسابك!!!

فهل كانت الأقدار تلعب لعبة ما!!
هاهو على أعتاب الثلاثين وكان لم يتزوج بعد
رغم أن أمه كانت تلح في كل مرة يعود فيها للدوحة
أن يتزوج ليجد من يؤنس وحدته في الغربة
ولكنه كان يرفض دائما دون سبب مقنع
فأي الأسباب كنت تنتظر يا مشعل؟!!


تنحنح مشعل.. التفتت له هيا وهي تشعر بالخجل
مشعل ابتسم: ماشاء الله هذا كله شعر..

هيا بخجل: ابي كان يحب الشعر الطويل يقول يذكره بجدتي
كان يقول إني طالعة عليها
عشان كذا ماكنت أقصه ولا قصيته ..عشانه
ثم أكملت بحزن صميم: وأمي كانت تهتم فيه واجد

كان بود مشعل أن يعبر عن إعجابه به
أو حتى يكتب قصيدة في هذا الشعر الأسطورة
ولكنه صمت.. فليس في موقع يسمح له بالغزل
وليست في وضع يسمح لها بتقبله

هيا بهدوء: تبي غدا؟؟

مشعل بذات الهدوء: وش طبختي؟؟

هيا رسمت ما يشبه ابتسامة باهتة: كبسة.. تمشي الحال؟؟

مشعل ابتسم : أكيد تمشي الحال.. أنا أصلا كانت أقصى أمنياتي سندويشة وكأس شاي


**************************


بيت حمد بن جابر

الساعة 2 إلا ربع قبل الفجر

كان مشعل الذي قاد سيارته بسرعة جنونية
يقف أمام باب بيت حمد ويجد جميع الأبواب مشرعة
ويدخل هو ولطيفة وقلقهم يصل للحد الأقصى

ليفجعوا بما رأوه داخل البيت


كانت موضي تجلس على الأرض الرخامية وتسند ظهرها على الكنب
والدم يسيل من جميع أنحاء جسدها ووجهها متورم
مشعل فقد عقله وهو يراها على هذه الحال
لم ينتبه ولم يهتم إلى أنها كانت بدون غطاء أو عباءة والكثير من جسدها ظاهر
اقترب منها وهو يحملها بين يديه بخفة
أنت موضي أنة ضعيفة..
وولطيفة صرخت برعب وهي تصرخ في مشعل: مشعل يدها مكسورة
مكسورة.. مكسورة

وبالفعل كانت يدها مكسورة كسر سيء والعظم مزق جلدها خارجا

موضي فتحت عينيها بضعف ومشعل يركض بها للسيارة ويسألها بصوت غضب مرعب:
من اللي سوى فيش كذا..؟؟

موضي بضعف: طحت من الدرج..
لم تكن موضي تريد حماية حمد لكنها تريد تجنيب عائلتها النزاع ومرارة الانتقام

لطيفة تجهز مكانا في الخلف وتركب أولا لتتناولها
وتقول له بغضب وحزن وهي ترتعش وتختنق بعبراتها القاتلة:
لا ماطاحت .. أكيد حمد ضاربها..
مثل ما يضربها من يوم خذها
بس خلاص لهنا وخلاص.. لهنا وخلاص..

وقتها كان مشعل ركب في مقعده وهو يلتفت على الخلف
ويقول بغضب ناري مرعب كاسح.. غضب بركاني: وشو؟؟ يضربها؟؟
الكلب.. النذل الحقير
ماعاد إلا بنت عبدالله بن مشعل تضرب
وأنتي وإياها دواكم عندي بعدين.. يعني ذا السنين كلها يضربها وأنتوا ساكتين
مخلينه متوطي شيخته ماكن وراها رياجيل
وأنتي يا لطيفة بالذات دواج عندي.. هذا وانتي الكبيرة

لطيفة ابتلعت ريقها..
ومشعل يقود بسرعة جنونية وهو لا يرى أمامه من الغضب الذي أعماه..
بعد أن ألقى غترته على لطيفة لتفتحها وتحاول تغطية موضي بها

بعد دقائق رن هاتفه.. كان راكان الذي سأله بقلق:
مشعل.. حمد وهله أربهم طيبين..

مشعل بغضب ناري:حمد الكلب.. يا من يمسكني رقبته بس والله ما يخلصه مني شيء..

راكان قفز واقفا وهو ينتفض من الحمية: وشو مسوي حمد؟؟

مشعل بذات الغضب الملتهب: ضاربن موضي ومكسرها..
جسمها ماعاد ينشاف من الضرب والدم.. الحيوان من خذها وهو يضربها

راكان لم يحتمل أن يسمع أكثر.. أقفل هاتفه..
وهو يخرج ليركب سيارته بدون أن يغير ملابسه حتى..

مشعل عرف ما سيفعله راكان، ويعرف أن راكان وإن كان أكثرهم حلما
إلا أنه عندما يغضب فغضبه لا حدود له..

مشعل أعاد الاتصال براكان، راكان رد عليه بكلمة واحدة: نعم

ومشعل رد عليه بجملة واحدة: آجعه بس لا تذبحه !!


**********************



قبل ذلك بحوالي ساعة

كان حمد في غرفة المكتب
وموضي كانت نائمة منذ الساعة التاسعة
حوالي الساعة 12 قامت من نومها وهي تشعر بالعطش
قررت أن تحضر لها ماءً لتشرب

في طريقها للمطبخ وجدت باب المكتب مفتوحا ونوره مضاء
دخلت لترى إن كان حمد يحتاج شيئا
وجدت المكتب خاليا
والخزنة التي يحرص حمد على إغلاقها بشكل دائم مفتوحة
وفوقها ظرف بني يحمل اسم مستشفى
شعرت موضي بالفضول
ابتعلت ريقها
وفتحت الظرف
لتفجع بما وجدت فيه...


لحظتها تماما دخل عليها حمد الذي كان في الحمام
نظر لها والظرف بيدها
وعيناه تنقلبان من الغضب: وش تسوين؟؟

موضي ابتلعت ريقها مرة ثانية وحاولت أن تقف بثقة وهي تقول له:
أنا ما كان عندي مانع إني أعيش معك
حتى لو كان معك عيب خلقي يمنعك من الانجاب
بس إنك طول ذا السنين وأنت تذلني وتضربني على عيب مهوب فيني وأنت داري
فهذا خلاص هو الفراق بيني وبينك
طلقني يا حمد..طلقني..

حينها حمد فقد عقله تماما
كيف يطلقها.. كيف؟؟ وروحه معلقة فيها؟؟
لا حياة له بدونها.. هي سبب استمراره في هذه الحياة

وكيف تتجرأ عليه وتتهمه؟؟ كيف؟؟
كيف تتجرأ وتكتشف سره؟؟
كيف سيواجهها بعد أن فقد مصدر قوته أمامها؟؟؟


أدخل يده في شعرها وسحبها للصالة وهو ينهال عليها ضربا ورفسا
بصورة لم تحدث مسبقا ولا في أي مرة من المرات السابقة
لأن هذه المرة ليست كأي مرة سابقة



***********************


حمد عاد لبيته بعد دقائق من أخذ مشعل ولطيفة لموضي
فهو استعاد وعيه
وعاد يريد أن يذهب بها للمستشفى
لم يجدها..
أخذ يدور في البيت كالمجنون وهو يناديها

حينها دخل عليه راكان..


حمد بتوتر: هلا راكان..

راكان كان رده عليه أن صفعه على وجهه صفعة أسقطته أرضا
وهو يقول بصوت اختلطت نبراته من الغضب الذي لا حدود له:
هذا ردي على سلامك
والحين قوم وقف..
ويومك رجّال يدك طويلة.. ورني فعل يدك

لم يستغرق حمد في يد راكان أكثر من 5 دقائق
تركه راكان بعده ملقى على الأرض غارقا في دمه
وراكان يميل عليه ويبصق عليه: اللي يمد يده على مره هو مره مثلها
ولولا حشمة مره هي عمتي نورة وإلا والله واللي رفع سبع سموات بليا عمد
يا الليلة ممساك أبو هامور.. (أبو هامور=منطقة في الدوحة فيها مقبرة كبيرة باسمها)
والحين إتصل في حد يوديك للمستشفى لا بارك الله فيك


بذل راكان جهدا خرافيا ليحكم عقله وحتى لا يقتل حمد أو يصيبه بعاهة مستديمة
من أجل شخصا واحدا يحمل له معزة كبيرة
هي عمتهم الوحيدة نورة
فحمد هو وحيدها

كان غضب راكان لا حدود له.. غضب صِرْف ملتهب..
أولا لأن موضي واحدة من بنات آل مشعل
ولو حصل لأي واحدة منهن ما حصل لموضي كان هذا سيكون تصرفه

الشيء الآخر الذي آلمه حتى النخاع
آلمه حتى أعمق أعماق روحه الموجوعة
أنه فضّل هذا الحيوان المدعو حمد على نفسه
ترك حبيبة قلبه له
على أمل أنه سيكون أفضل لها منه
على أمل أنه سيصونها وستكون هي أميرته الوحيدة
أراد لها الأفضل
كان يظن أن حمد هو الأفضل
فكيف وهي عاشت تتعذب معه
وراكان عاش حياته يتعذب
لو أنه كان يعلم فقط!!
لو أنه كان يعلم فقط!!
كان جنّبها وجنّب نفسه كل هذا العذاب
مهما يكن.. كان آلمها بكونه متزوجا صوريا أخرى
سيكون أهون من عذاب الإهانة التي عاشتها سنوات

ولكن ماعاد للتمنيات معنى!!
فموضي أصبحت طيفا ومجرد ذكرى باهتة
وهو مات قلبه!!
وأجدبت عروقه..

راكان عاد للبيت
وغير ملابسه
وتوجه للمستشفى


**************************


طوارئ مستشفى حمد
الساعة 3 قبل الفجر

راكان يصل للمستشفى
وجد مشعل يقف في الممر
وثوبه الأبيض غارق بالدم
كاد راكان أن يجن
وهو يتمنى أن يعود ليقتل حمد
لانه علم أن هذا الدم هو دم موضي
وما منعه من ذلك إلا أنه ترك حمد أشبه بجثة
وليس هو من يستقوي على من لا يستطيع مجابهته

اقترب من مشعل وهو يقول بتأثر: وش أخبارها؟؟

مشعل بغضب: أربك عرفته جزاء سواته فيها؟؟

راكان بهدوء: عرفته وزود.. موضي شاخبارها؟؟

مشعل يشتعل غضبا: الحيوان الله يأخذه.. ماخلا فيها عظم سالم..
عندها كسرين.. من غير الرضوض في كل جسمها..

راكان يشعر بالكثير من الغضب
والكثير من الأسى..

مشعل يستكمل: سووا لنا سالفة والشرطة جات..
بس الضابط كان يعرفني.. وعرف إن الموضوع حساس
واحنا قلنا له إنها طاحت من الدرج
مع إن الدكتور كان مصر إنه تعذيب وضرب
وقدرت ألم الموضوع.. ولو أني كنت أتمنى أخليه يدخل السجن ويعفن فيه

راكان كان صامتا.. يشعر أن كل الكلمات لا معنى لها
ككل حياته!!
تضحيته كانت بدون معنى..
ضحى بها من أجل سعادتها..
فإذا هو يضحي بها حقيقة
ويجعلها قربانا لقسوة حمد وجنونه
كيف صبرت هي كل هذه السنوات؟؟
كيف صبرت؟؟
شعر بضياع مر قاس
كان يعيش حياته كلها في كذبة اسمها

"تضحيتك لها قيمة!!"

مشعل يهمس لراكان: مشعل لا يدري بشيء
المجنون لو درى مهوب بعيد ياتي.. ويذبح حمد


أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الأحد 10 أكتوبر 2010, 8:37 pm

الجزء الثاني والثلاثون

طوارئ مستشفى حمد
أذان الفجر

راكان خرج من المستشفى
ولكنه لم يعد للبيت

مشعل يقف على باب غرفة الملاحظة
و طلب من إحدى الممرضات أن تنادي له لطيفة
لطيفة خرجت له
كانت عيناها الباديتان من فتحتي النقاب متورمتين من البكاء
فما تراه في موضي ذبحها من الوريد إلى الوريد

مشعل يخاطبها دون أن ينظر لها
تعلم لطيفة أنه غاضب
وتعلم أنها لم ترَ بعد شيئا من غضبه
وتعلم أنها مخطئة
أكثر من 3 أعوام ونصف وهي تعلم أن حمد يضرب موضي ضربا مبرحا
كانت الوحيدة التي تعرف
ولكن موضي أمنتها ألا تخبر أحدا
ولكنها الآن تشعر بعظم جنايتها
مر عام والآخر ألم يكفيا لتعلم استحالة العيش بينهما؟!
أكان يجب أن يصل الوضع لهذا الحال حتى تعلم؟!!
كانت تعلم أن كسور موضي وجروحها ستطيب يوما
لكنها تعلم أن في أعماقها جرحا نازفا لن يطيب
فحمد كسر روحها قبل جسدها
ليتها تحركت قبل ذلك.. ليتها!!
ليتها تحركت قبل أن تُذبح برؤية أختها الصغيرة على هذا الحال

مشعل بنبرة باردة دون أن ينظر لها:
أنا بأروح للبيت بأبدل وبأصلي وبأشوف العيال.. وبأرجع عليكم

لطيفة بهدوء وعيناها في الأرض: زين..


**********************


كورنيش الدوحة
قبل آذان الفجر
يحمل الجو نسمات باردة
أصبحنا في أواخر أكتوبر

يجلس على الحاجز الحجري
غترته إلى جواره
ونسمات الهواء تعبر خصلات شعره
لم يعتد مطلقا أن يخلع غترته في مكان عام

ولكنه مخنوق.. مخنوق
يتمنى أن يتخفف من جسده الضخم لو استطاع
يتمنى أن تحلق روحه
بل يتمنى أن يجد روحه أولا ليجعلها تحلق
الروح التي خُنقت حين تزوج من زوجة صديقه
ثم استلت تماما وغادرته حين تزوجت موضي

مرٌّ هذا الإحساس الذي يكتسحه
تضحيته بدون قيمة
ضحى بسعادته وسعادتها معاً
بدون ثمن
فلا هي عاشت سعيدة!!
ولا هو عاش سعيدا!!

موضي ذاتها لم تعد سوى ذكرى
لم يعد لها في داخله أي مشاعر خاصة
ولكنها ذكرى ثمينة
فهي حبه الوحيد

مازال يحتفظ بالدفتر إياه
الدفتر الذي خبئه منذ أربع سنوات ونسيه
الديوان الذي طمره كما طمر مشاعره حين تزوجت موضي من حمد
يشعر برغبة كاسحة أن يستخرجه الآن ليكتب فيه قصيدة أخيرة يسميها

"موضي ضحيتي"!!!


**************************


طوارئ مستشفى حمد
بعد صلاة الفجر
تم نقل موضي لغرفة خاصة في الأعلى

لطيفة صلت
وأخذت تتأمل وجه أختها الذي لا يكاد يظهر من كثرة الضمادات
تشعر بألم لا حدود له
فهي كان لها دور كبير في ألم أختها
كما قال مشعل "هي كانت الكبيرة"
كان لا بد أن تتصرف قبل هذا بكثير!!

قرار يتشكل في ذاتها.. آن وقت تصحيح الأخطاء
وحضرت روح آل مشعل المقاتلة

أخذت هاتفها واتصلت برقم معين

كان يصل لبيته بعد أن صلى الفجر
رن هاتفه
توقع أنه أحد (ربعه الشياب) يريده أن يفطر معه
فمن سيتصل غيرهم في هذا الوقت

استغرب حين سمع صوت لطيفة، رد بقلق: عسى ما شر يا أبيش؟؟

لطيفة سحبت نفسا عميقا وهي تقول بثقة: اسمعني يبه
أنت داري إن غلاك من غلا إبينا والله الشاهد
بس خلاص طال عمرك.. خلاص
تروح الحين لولدك وتخليه يطلق أختي أول ما تطلع الشمس

أبو حمد برعب: طلاق؟؟ ليه يا أبيش؟؟

لطيفة اختنقت بعبراتها: يبه حن زوجنا حمد شيختنا.. نحسب إنه بيصونها
لكنه توطاها كنه مطية لها
من يوم خذها وهو يضربها.. والبارحة ضربها لين ما خلا فيها عظم سالم
إبي ما بعد درا.. وأظني إنك تعرف عبدالله بن مشعل إذا درا وش ممكن يسوي
مهوب بعيد يذبح حمد وأنت داري
خل حمد يطلق موضي.. ويسافر لين تعافى موضي

أبو حمد مصدوم.. والصدمة ألجمته.. تمتم بنبرات متقطعة:
يصير خير يا أبيش يصير خير..


أبو حمد شعر بغضب كاسح يتصاعد في روحه (هذي أخرتها يا حميّد.. هذي أخرتها!!)

أبو حمد ركب سيارته وتوجه لبيت حمد..
وجد الأبواب مفتوحة..

دخل ليجد حمد ممددا على كنبة في الصالة
وملابسه غارقة في الدم

أبو حمد ارتعب حين رآه لكن ذلك لم يمنعه أن يلكزه في كتفه:
من اللي سوى فيك كذا؟؟

حمد بصوت ضعيف: راكان..

أبو حمد بغضب: حجت يمين راكان أنا أشهد إنه رجّال..
والله ثم والله لو أني ماجيت وعينتك كذا
ما كان يفكك من يدي شيء

ثم أردف: فيك كسور؟؟

حمد بذات النبرة الضعيفة: لأ..

أبو حمد بقوة: قم أوديك للمستوصف.. وعقبها ورانا مشوار

حمد وهو يحاول الوقوف: أي مشوار؟؟

أبو حمد بثقة: المحكمة عشان تطلق موضي..

حمد برعب وهو يشعر بالجملة تنزل على رأسه كالصاعقة:
لا يبه تكفى.. كله ولا طلاق موضي..

أبيه وهو يسحبه للسيارة: ليه أنت متوقع إن عبدالله وإلا ولده بيخلونها عندك
عقب اللي أنت سويته فيها يا أسود الوجه..

حمد بعبرات مختنقة: كله منك يبه.. كله منك..
أنت السبب... أنت السبب
كل اللي فيني من سبتك


أبو حمد وهو يركب سيارته ويشغلها يقول له باستنكار:
أنا؟؟ ليه وأنا وش سويت؟؟

حمد بذات العبرة المختنقة: أنت كنت عارف إني عندي مشكلة
لكن بدل ما تعالجني ضربتني.. ضربتني لأنك تحبني
وأنا أضرب موضي لاني أحبها
هذي اللغة اللي أنت علمتني..

أبو حمد بغضب: أنا ماضربتك غير مرة وحدة لأنك كنت غلطان
لكن أنت لك سنين وأنت متوطي موضي
ماحشمت إنها بنت عمتك وبنت خالك

حمد بدأ بالبكاء وهو يقول: كله منك كله منك..

أبو حمد بغضب: إقطع يالخاسي بتبكي مثل النسوان..

حمد صمت وهو يطوي مرارته في ذاته
وأبو حمد صمت وهو يقود وتعود ذاكرته لحوالي 20 عاما مضت


كان حمد في الصف السادس الابتدائي
استدعته إدارة المدرسة
مدير المدرسة كان رجلا منفتحا
أخبر أبو حمد أن حمد يعاني من عنف غير مبرر
وأنه أكثر من مرة ضرب طلاب في الصف الأول الابتدائي ضربا مبرحا
وأخبره المدير أنه حجز لحمد موعدا في الصحة النفسية
حتى يتابع مواعيده هناك
فحمد يبدو أنه يعاني مرضا نفسيا يحتاج العلاج
وأنه من الأفضل أن يتداركوه قبل استفحاله

ولكن أبا حمد بأفكار مجتمعه المتغلغلة فيه رفض فكرة العلاج النفسي
وأرجع تصرفات حمد إلى أنه أفرط هو ونورة في دلاله
لأنه ابنهما الوحيد

فكان تصرفه أنه نقله لمدرسة أخرى
وعاد به للبيت وأغلق عليه باب غرفته
وضربه ضربا مبرحا
ونورة تسمع صراخ ابنها وتصرخ عند الباب
هذا الموقف عاش في روح حمد وتغلغل
يعرف أن والده يحبه.. لذا ضربه
والعلاج النفسي عيب

توقف عن إبداء أي تصرفات عنف
ولكنه أصبح متباعدا لا يعبر مطلقا عن مشاعره
حتى حينما جئن شقيقاته وهو في الرابعة عشرة
لم يشعر بشيء تجاههن
بل كان يتمنى أحيانا لو يضربهن
ولكنه يستحيل أن يفعلها
فهو لا يحبهن.. فلماذا يضربهن؟!!

حينما تزوج موضي
تدفقت مشاعره ناحيتها بعنف
ومع مشاعره تدفق عنفه
كلما ازداد حباً لها
كلما ازداد عنفاً معها!!!

وهاهو والده وسبب مشكلته
يريد أن ينحره
يريده أن يطلق المخلوقة الوحيدة التي ينتمي لها وتنتمي له
لذا كان سكناه في بيت وحده
كان يريدها أن تكون له وحده
حتى أهله لا يشاركونه فيها
وحتى لا يعلم أحد كيف يعبر عن حبه الغريب لها

بضربها!!


*************************


بيت مشعل بن محمد
الساعة 6 وربع صباحا

لطيفة اتصلت بمشاعل لتذهب إلى بيتها
حتى توقظ أولادها وتجهزهم للمدرسة

بيت لطيفة ملاصق لبيت أهلها وبينهما باب مفتوح
وترتيب بيوت آل مشعل على النحو التالي
بيت مشعل بن محمد أولا
بجواره منزل عمه عبدالله
ثم بيت محمد
ثم بيت فارس ملاصقا لبيت محمد
وبينها جميعا أبواب
ولكن كل الأبواب مغلقة لا تفتح إلا لحاجة
عدا الباب بين لطيفة وأهلها

لطيفة أخبرت مشاعل أنها مرضت في الليل لذا أخذها مشعل للمستشفى
وأنها تستطيع أخذ راحتها في البيت لأن مشعل معها
طلبت منها تجهيز الأولاد محمد وعبدالله ومريم للمدرسة
وستساعدها خادمة البيت الكبيرة التي ستأخذهم مع السائق للمدرسة
وبعدها تأخذ جود وتعود بها معها لبيت أهلها

مشاعل ارتدت جلالها وتوجهت لبيت لطيفة

مشعل لم يعرف عن ترتيب لطيفة هذا
لذا كان له ترتيب آخر
طلب من الخادمة أن تجهز الأولاد للمدرسة
واتصل بناصر ليحضر العنود ويأتي بها ليأخذان جود بعد أن يذهب أخوانها للمدرسة
ناصر أطل على العنود وجدها تدرس لامتحان سيكون المحاضرة الأولى
فقرر أن يذهب لوحده ويحضر جود بعد أن يتأكد من ذهاب أخوانها
ثم يتوجه لعمله

وهاهو ناصر يصل لبيت مشعل
في ذات وقت وصول مشاعل له
أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الأحد 10 أكتوبر 2010, 8:43 pm

الجزء الثالث والثلاثون


بيت مشعل بن محمد
الساعة 6 وثلث صباحا

مشاعل وصلت
و دخلت من ناحية باب المطبخ الداخلي لأنه الأقرب للباب النافذ بين بيتهم وبيت لطيفة
وقتها كان ناصر يصل مع باب الصالة الرئيسي
ويتوجه للمطبخ الداخلي ليضغط جرس مناداة الخادمات من غرفتهن بجوار المطبخ الخارجي

تلاقيا
كان ناصر يدخل المطبخ
في الوقت الذي كانت مشاعل ترفع الجلال عن وجهها وشعرها
صُدمت صدمة حياتها برؤيته أمامها
وشعرت بارتعاشة خجل وخوف حادة تجتاحها
كانت تريد العودة وراءها
ولكنه لم يمهلها لتنفيذ مخططها
كان أسرع منها وهو يمسك ذراعها بقوة وحنان.. ويثبتها في مكانه

لم يكن ناصر يقصد سوءا مطلقا
حين رآها أمامه
شعر أن هذا اليوم فعلا هو يوم رضى والدته عليه وبركة دعائها له
أراد فقط أن يراها عن قرب
فهو شعر بارتعاشة ناعمة ومختلفة في ذات وقت رفعها للجلال عن وجهها
ورؤيته لشعرها القصير الناعم ينزل ليداعب عنقها بعذوبة مصفاة
فأراد أن يرى كيف هي ملامح هذا الملاك من قريب!!


ولكن ما فجعه هو نظرة الرعب التي ارتسمت على وجه ملاكه
لم يكن خوفا!!
لم يكن خجلا!!
كان رعبا صِرْفا!!

أفلتها وهو يقول لها بحرج: أنا آسف.. والله ماقصدت أضرش بشيء.. آسف

لم ترد عليه وهي تعود أدراجها راكضة

شعر ناصر بالألم.. بالكثير من الألم
يعلم أنه أخطأ في تصرفه..
ولكن ردة فعلها بدت له غير طبيعية أبداً

لم يعرف كيف يتصرف.. كيف يبرر
لم يجد أمامه غير سيدة المهمات الصعبة
أخته مريم

اتصل بها وأخبرها بكل شيء
مريم عاتبته مطولا
ناصر بضيق: والله العظيم إني داري إني غلطان
بس والله العظيم ماكان قصدي أضايقها
كنت أبي أشوفها بس..

مريم بضيق: مشاعل خجولة بزيادة.. بس خلاص لا تحاتي
أنا بأتصرف..

ناصر أغلق منها وصعد ليرى أبناء شقيقه ويأخذ جود..

ومريم أغلقت منه واتصلت فورا بمشاعل التي كانت وقتها في غرفتها
لم تكن تبكي
كانت مذهولة
مرعوبة
مصدومة


رن هاتفها.. كانت مريم
ردت عليها بجملة واحدة فقط:

خليه يطلقني.. ما أبيه..


********************


الساعة 8 صباحا

حمد ووالده يقفان أمام المحكمة الشرعية
حمد جسده مغطى بالضمادات
عانى والده في إقناع الطبيب حتى لا يتصل بالشرطة
وسكت في النهاية على مضض احتراما لسن أبي حمد ورجاءاته

حمد طوال الطريق يحاول إقناع والده بالتراجع عن فكرة الطلاق
ولكن أبا حمد كان مصرا
لأنه يعلم أنه لا أمل أن يوافق أحد على عودة موضي له
إن كان هو بنفسه لا يوافق على عودة ابنة شقيقته لإبنه.. فكيف بأهلها؟؟

يقفان أمام القاضي
بعد أن طلب أبو حمد من أحد الموظفين أن يأتي ليشهد معه على الطلاق
القاضي حاول أن يثني حمد عن فكرة الطلاق
وكان يريد تحويل قضيتهم لمركز الاستشارات العائلية على أمل الإصلاح كالعادة
ولكن أبا حمد همس في أذن القاضي بعدة عبارات جعلته ينظر لحمد شزرا بغضب

وبدأ بكتابة العقد..
أبو حمد بثقة وقوة قال للقاضي: طلاق بائن يا شيخ ثلاث طلقات محرمات

حمد فُجع.. كيف قرأ والده أفكاره..
فهو كان يفكر أن يطلقها طلقة واحدة ليسكتهم.. ثم يعيدها قبل نهاية فترة العدة
وستكون حينها قد شُفيت وأهلها خف غضبهم..

حمد همس لوالده بألم عميق: تكفى يبه تكفى طالبك.. طلقة وحدة..
عطني فرصة
والله بأعالج وأتغير..

أبو حمد همس له بغضب: أوص ولا كلمة..
تطلقها وأنت كلب ثلاث طلقات ذا الساعة..
والله ماعاد تعرفها ..دامك ما عرفت قيمة الجوهرة عندك
خلاص ما تستاهلها..


********************


ليل واشنطن
الليلة الأولى التي تقضيها هيا في بيت مشعل
الساعة 10 مساء


بعد غدائهما الصامت مع بعضهما
الذي تبادلا فيه النظرات فقط
نظرات دون كلام
نظرات لا معنى لها
ولها كل المعاني

رتبت هيا المطبخ وعادت لغرفتها
ترتب أغراضها فيها
ومشعل لم يخرج من غرفته حتى صلاة المغرب سمعت بابه يفتح
ولم يعد إلا بعد صلاة العشاء حوالي الساعة 9 وربع

الآن تقرر هيا الخروج من غرفتها
تريد أن ترى إن كان يريد عشاءً رغم أن هيا ذاتها غير متحمسة
للقيام بدور الزوجة المتفانية في خدمة زوجها
فهذا الدور لا يليق بها
وخصوصا مع مشعل بالذات
ولكن هيا يحضرها شيء واحد
أن مشعل كان الشيء الوحيد الذي وصتها به والدتها وهي تموت

وجدته في الصالة
يشاهد أخبار الجزيرة
الساعة في الدوحة الآن الثامنة صباحا
عشر ساعات تفصل بينهما

(وليتك تعلم يا مشعل أين إحدى أميراتك الأثيرات الآن
وكيف ظُلمت أختك وضُربت وأنت لا تعلم؟!
أنت الذي أردت أن تحميهن من هبوب النسيم
فإذا ضلوعهن تسحق
ليتك تعلم أن الثلاث كلهن يعانين هذه اللحظة
لطيفة
وموضي
ومشاعل
قلوبهن مجروحة .. مجروحة حتى النخاع
رحمك الله بالبعد يا مشعل!!)

هيا اقتربت منه بهدوء: مشعل تبي عشاء؟؟

مشعل نظر لها بتمعن (أشلون صغيرة ورقيقة.. لكن ليش لمت شعرها؟؟)
أجابها بهدوء: لا.. أنا وسعيد مرينا كوفي عقب صلاة العشاء وتقهوينا
ماني بمشتهي..

هيا هزت كتفيها وتوجهت عائدة لغرفتها
استوقفها مشعل: هيا

هيا التفتت عليه: نعم

مشعل بهدوء: اقعدي معي شوي..

هيا عادت وجلست بعيدا عنه، مشعل ابتسم: أنتي خايفة مني؟؟

هيا بحرج: لا.. ليش تقول كذا..

مشعل بنفس الابتسامة: شوفي وين قعدتي..

هيا قامت وجلست في كرسي أقرب..

مشعل بهدوء: سولفي لي عن دراستج بريطانيا..أي جامعة دخلتي؟؟ أنا أعرف بريطانيا عدل ولو أني ممنوع الحين من دخولها..

مشعل كان يريد فتح حوار معها.. وحاول أن يختار موضوع البدء بذكاء
لم يرد أي موضوع قد يفتح أيا من جروحها
وموضوع دراستها في بريطانيا قد يكون موضوعا مناسبا..
ولديه من الحكايات حولها الكثير..


******************


ناصر في مقر عمله في وكالة الأنباء القطرية..(العلاقات العامة)

كان في غاية التوتر من بعد موقفه مع مشاعل صباحا
وخصوصا أنه علم أن مريم توجهت لبيت عمها قبل ذهابها لعملها
لم يتوقع أن الموقف سيكون له كل هذه التبعات
نادم على تصرفه الأهوج
ولكن نيته كانت صافية
لم يرد مطلقا أن يؤذيها
أراد رؤيتها فقط

يتصل بمريم ولكن مريم لا ترد

بالتأكيد ناصر ليس عاشقا مثل فارس مثلا
ولكنه يحمل مشاعر رقيقة لمشاعل
مشاعر طبيعية بما أنها زوجته التي ارتبط اسمها باسمه
مشاعر شاب طبيعي يميل نحو نصفه الآخر ويتمنى قربه

أعاد الإتصال بمريم
وأخيرا ردت

ناصر بلهفة: مريم الله يهداش وهذا وأنا موصيش

مريم ابتسمت رغم أن داخلها غير مطمئن: خلاص يا ابن الحلال
حط في بطنك بطيخة وكبر مخدتك

ناصر ابتسم: يعني خلاص أتطمن إنها مهيب زعلانة

ابتسمت مريم رغم قلقها: إن شاء الله

وهي تستعيد ماحدث بينها وبين مشاعل قبل أكثر من ساعتين
الأمر الذي أثار قلقها على حياة ناصر ومشاعل معا..



**********************


غرفة موضي الساعة 11 صباحا

مشعل مر بهم صباحا ليرى إن كانت لطيفة تريد شيئا
وأحضر لهم بعض الاحتياجات الضرورية
ثم توجه لعمله حوالي الساعة الثامنة بعد أن اتصل بالسائق وأوصاه أن يعيد أولاده لبيت أهله


زائر يصل
صوته المتأثر يصل لطيفة من خلف الباب: لطيفة لطيفة

لطيفة قفزت وهي تقول باحترام: ادخل يبه

دخل.. قابلته لطيفة عند الباب.. وقبلت رأسه

دخل للداخل .. فُجع بمنظر موضي
بل الفجيعة كانت شعورا أقل بكثير مما شعر به
لم يتخيل أن وحشية ابنه وصلت لهذا الحد
شعر أن داخله يتمزق لمئات الشظايا
لطالما كان أبناء شقيقته مقربين منه
وخصوصا موضي بعد أن أصبحت زوجة ابنه
كانت دائما أشبه بنسمة رقيقة
فماذا فعل ابنه بهذه النسمة؟!!

أبو حمد بتأثر بالغ: ماتشوف شر
ثم استدرك بتأثر أشد: أم مشعل وخالتي أم محمد دروا؟؟ (هيا الكبيرة:خالته)

لطيفة بنفي: لا ماحد يدري إلا انا ومشعل
خايفة على أمي وإبي إذا دروا

أبو حمد بحزن: والله يا أبيش ما أدري وش أقول لش
الحكي مافيه فود.. والله مالي وجه.. قطع وجهي حميّد

لطيفة بتأثر: تكرم يبه ويكرم وجهك

أبو حمد أعطاها ظرفا بيده: هذا طلاق موضي قعدت فوق رأسي القاضي لين خلصه ووثقه..
وهذا شيك مني لبنتي موضي أدري فلوس الدنيا كلها ما تعوضها
بس خلها تعتبره هدية من إبيها الشيبه
وتعتبره بشارة مخلاصها من ولده

موضي تناولتهما وهي تقبل رأس خالها مرة أخرى وتقول بتأثر:
الطلاق وكثر الله خيرك.. جميلك ما ننساه جعل عمرك طويل
لكن الشيك جعلك سالم..(قالتها وهي تمزقه) ما نقبل العوض يا خالي
وعوضها في مخلاصها من حمد.. وأنت تكرم عنه وعن أفعاله..

خالها تأثر كثيرا وهو يحضنها ويقول:
أنا أشهد إنش بنت مشعل العود جعل عظامه الجنة

ثم التفت لموضي الغائبة عن الوعي وقبل رأسها فوق الضمادات

ثم ألتفت على لطيفة وقال لها بحزن: حمد حجزت له غصبا عنه
وهو قال بيسافر لمصر يعالج.. بس لا حد يدري بسالفة العلاج يا أبيش
وخلاص الحين هو رايح المطار بيسافر

ثم غادر أبو حمد

حينها قررت لطيفة أن تتصل بأمها ووالدها وفارس وتبلغهم
فحمد سافر بعد أن طلق موضي
وماعاد هناك شيء تخاف منه..
ولكن لنقل هناك شخصان تخشى مواجهتما في الدوحة عدا ساكن واشنطن
والدها
وفارس
أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الأحد 10 أكتوبر 2010, 8:47 pm

الجزء الرابع والثلاثون

غرفة مشاعل
حوالي الساعة 7 إلا ربع


مريم وصلت.. شعرت بحرج شديد وسائقتها تدخلها
وهي تبرر سبب زيارتها المبكرة لجدتها وأم مشعل اللاتي كن عند قهوتهن في الصالة السفلية
لو كانت قالت أريد السلام على جدتي كان سيكون أمرا اعتياديا
ولكن ما يثير الريبة أنها أرادت رؤية مشاعل
الجدة أخذت الأمر على ظاهره
ولكن أم مشعل بنظرتها البعيدة علمت أن هناك شيئا ما..
لكنها سكتت وتركت سائقة مريم توصلها للأعلى

كانت مشاعل تجلس صامتة مذهولة
في قلبها رعب هائل من ناصر
فأفكار مرعبة جدا خطرت لها
أفكار عمقت خوفها من الزواج بشكل عام ومن ناصر بشكل خاص


مريم تدخل..
تتلقاها مشاعل بخجل..
والسائقة وقفت تنتظر عند الباب المغلق من الخارج

مريم بعتب: وش الكلام اللي قلتيه لي في التلفون؟؟
عرسش بعد شهرين وتجيبين طاري الطلاق

مشاعل بحزن: طبايع ناصر مهيب عاجبتني خلينا نتطلق وإحنا على البر..

مريم باستفسار ثم شرح: أي طبايع؟؟ ناصر ماكان يبي يضرش بشيء..
كان يبي يشوفش من قريب
وهو ما سوى شيء عيب وإلا حرام في الشرع
يمكن هو تصرف طايش شوي منه.. بس ناصر رجّال ما تطلع منه العيبة..

مشاعل بحزن: أمس يطالعني ويبحلق فيني وفارس قاعد جنبه
قلت ما عليه.. النظرة ماينلام عليها
بس اليوم يمسكني في بيت مشعل وماحد منهم موجود
وشو يعني أنتظر صدفة ثالثة يسوي فيني شيء يعني؟!!

مريم باستغراب: بصراحة أفكارش غريبة..
ناصر رجّالش.. وقبلها ولد عمش.. مستحيل يضرش بشيء

مشاعل لم تعد تحتمل وطأة أفكارها رمت نفسها على صدر مريم
وبدأت في الانخراط في كل البكاء المكتوم في صدرها
مريم انفجعت من ردة فعلها.. لكنها احتضنتها بحنان وهي تقول لها:
مشاعل الله يهداش.. ترا ردات الفعل عندش مبالغ فيها شويتين

مشاعل بهمس: خايفة يا مريم خايفة..

مريم باستغراب عميق: من ويش خايفة؟؟

مشاعل بعمق باكي: من ناصر ومن الزواج.. ومن الحياة الجاية كلها

مريم بحنان: والله العظيم مهوب عشان ناصر أخي.. بس ناصر مافيه مثله
طيب وحنون ومرن.. وقبل أي شيء رجّال صدق
وهذا هو حالته حالة.. خايف تكونين زعلانة منه.. وش تبين أرد عليه يعني؟؟

مشاعل بتردد: ما أدري.. ما أدري


**********************



واشنطن/ شقة مشعل بن عبدالله
قبل صلاة الفجر

البارحة بقي مشعل وهيا يتحدثان حتى حدود الساعة 11
لاحظ مشعل أنها غير راغبة بالحديث
شاردة حينا..ومتباعدة أحيانا كثيرة
لذا تركها تعود لغرفتها
وهو عاد لغرفته

والآن صحا من نومه منذ وقت
صلى تهجده.. وينتظر آذان الفجر
توجه للمطبخ يريد شرب ماء

سمع صوتا خافتا
كان صادرا من غرفة هيا
توجه للحجرة وأرهف السمع
كانت تبكي
بدا له أنها تنتحب وتحاول كتم شهقاتها
شعر بألم عميق
ولكنه احترم حقها في التعبير عن حزنها
توجه للمطبخ وشرب الماء.. وعاد
مازال الصوت مستمرا

لم يحتمل أن يتركها وهي على هذا الحال
أن يتركها تغرق في عوالم حزنها لوحدها دون مواساة

اقترب
لم يطرق الباب
شعر إن حدة الطرقات جارحة في مقاطعة حزنها
فتح الباب بخفة

كانت منكبة على سريرها تبكي وبجوارها صورة لها ولوالدتها
في حفل تخرجها من كوينز قبل عام

اقترب جلس إلى جوارها
فور شعورها بحركة جوارها رفعت رأسها
وهو يضع يده على ظهرها ويقول بحنان:
اطلبي لها الرحمة..

مشعل صُدم من ردة فعلها
فهي نهضت واستوت جالسة
ورمت بنفسها فوق صدره
وهي تنخرط في بكاء حاد

هيا حين وصلها مشعل
كان لها ساعات وهي تبكي
تعبت من البكاء والوحدة والوحشة
لو كانت رأت أيا كان في هذه اللحظة
لارتمت في حضنه
تحتاج أن تشعر بلمسة إنسانية حانية
وهاهو مشعل يقدمها لها

مشعل احتضنها بحنان
وهو مستغرب من اقترابها منها
فهي تبدو متباعدة وشحيحة جدا بأي مشاعر طيبة تجاهه

لطالما كان صدره ملاذا لشقيقاته الأربع
ويبدو أنه أُضيف لهن شقيقة خامسة!!!

ولكن لَمَ إحساسه برأسها المدفون في عرض صدره مختلف عن إحساسه بشقيقاته؟!!
لَمَ إحساسه بأنفاسها الدافئة التي تلفح عضلات صدره مختلف؟!!
لِمَ إحساسه بملمس شعرها الناعم تحت ذقنه مختلف؟!!!

هيا ابتعدت قليلا
وعيناها في الأرض وتقول بصوت مبحوح: أنا آسفة

مشعل تنحنح: ليش تعتذرين.. أنا اللي المفروض اعتذر أني دخلت بدون استئذان
بس ما قدرت اسمع صوتش تبكين وأخليش..

هيا تنهض وتقوم عن سريرها وتبتعد: أنا بأروح أتوضأ


************************



بعد صلاة الظهر
غرفة موضي/ مستشفى حمد

لطيفة اتصلت بوالدها وطلبت منه أن يحضر معه والدتها وأن يحضر فارس أيضا
ففارس لا يستطيع أن يقود السيارة حاليا مع إصابة كتفه

كان والدها وفارس أكثر شخصين تخشى مواجهتهما
ولو كان شقيقها مشعل هنا كان سيكون صاحب النصيب الأوفر من خوف المواجهة

لذا يكفيها الآن القلق من مواجهة الاثنين!!

وفعلا كانت على حق في قلقها

فوالدها وفارس ثارا ثورة هائلة وهما يريان وضع موضي
التي لم يكف الممرضات عن حقنها بالمهدئات حتى لا تشعر بالألم قبل أن تتحسن قليلا

كانت ثورة الاثنين أشبه بثورة بركان مرعب
ألقى كل حممه النارية خارجا
وكان على لطيفة تحمل كل هذه الثورة
وخصوصا وهي أخبرتهما بكل صراحة أن حمد يضرب موضي منذ سنوات
ولكنها أخبرتهما أنها ومشعل أصرا أنها سقطت عن الدرج
وهذا ما سيخبرونه لكل الناس


فارس لم يتوقف عن إجراء الاتصالات أراد التأكد أن حمداً سافر حقا
وليست مجرد محاولة من لطيفة لتهدئته وحماية ابن خالها
شعر بخيبة أمل مرة حادة وهو يتأكد من إقلاع طائرة حمد قبل نصف ساعة
كان يشعر بغضب كاسح وهو يرى أخته الأثيرة على هذا الوضع
بينما من فعل بها هذا هرب وهو لم يروي غليله منه
كان يريده أمامه ليمزقه تمزيقا ألف مرة
على كل دمعة ذرفتها موضي
على كل صفعة صفعها إياه
على كل قطرة دم أراقها من جسدها

لطيفة بهدوء: يبه أنت وفارس الله يهداكم
حمد طلق موضي خلاص
وراكان ماقصر فيه
ضربه لين الله شاف له
وهذا هو راح في طريقه
وأنا طالبتكم ما حد يوجع خالي بالحكي
خالي ماله ذنب.. ولا قصر
من الصبح جاب لي ورقة طلاق موضي موثقة..
والمسكين متفشل من ولده وغصبه على الطلاق
واللي فيه يكفيه..

كانت أم مشعل تسمع وتتمزق
ماتراه في ابنتها نحرها
كانت تشعر بعذاب موضي منذ زمن
هي أيضا مسؤولة.. مسؤولة
لطالما اكتفت أن تقوم بدور الام الحنون فقط
وتركت التصرف كله لعبدالله بقوة شخصيته وحضوره المسيطر
كان إتخاذ المواقف الحاسمة يوترها
وترى أنها زرعت جزءا من هذه الصفة في بناتها
لطالما شعرت أن بناتها الثلاث الكبريات ينقصهن القدرة على اتخاذ الموقف الحاسم في الوقت الصحيح
لأنها ربتهن أن يفضلن الجميع على أنفسهن
كانت أم مشعل تعلم بمشاكل بناتها الثلاث وهي صامتة

لطيفة تعلم أن مشعل متباعد عنها
ولكنها عجزت عن مواجهته لنسف البرود المتجذر بينهما

وموضي كانت تعلم أن حمد يؤذيها بطريقة ما
وإن كانت لم تتصور أنها وصلت للضرب
ولكنها تعلم أنها صبرت عليه حفاظا على مشاعر كل الناس إلا هي..

ومشاعل.. ماذا تخبئ الأيام لها؟؟..
تعلم أنها خجولة جدا ومرعوبة من فكرة الزواج..
فهل ستستطيع مواجهة خوفها قبل فوات الأوان؟؟


هذه هي الأفكار التي كانت تغرق أم مشعل في دواماتها
وهي تنفصل عن الحوار الحاد الذي يدور بين لطيفة وعبدالله وفارس
دون أن تنتبه إن كبرى بناتها بدأت بالتخلي عن إرثها لها (إرث المهادنة)
فلطيفة حضرت روحها المقاتلة
وهي غير مستعدة للتفريط بها مهما حدث!!!
ولكنها روح غلفتها بكل تهذيبها الرفيع
واحترامها الكبير لوالدها وأخيها


******************


الصباح الباكر/ واشنطن

مشعل ارتدى ملابسه
وأعد لنفسه كوبا من القهوة
هاهو يشربه في غرفته وهو يجهز أوراقه وحاسوبه
ليتوجه للمكتبة كعادته

قطع إنهماكه في عمله صوتها
كانت تقف أمام الباب المفتوح من الخارج
سألته بتوتر غامض: بتروح الجامعة الحين؟؟ بدري

ابتسم: تعودت.. عشان أستغل النهار من أوله.. وخير النهار البكور

هيا بنبرة اعتيادية: أنا عندي محاضرة الساعة 10
باص أي ساعة أخذ؟؟

مشعل بهدوء: أنا بأرجع بأوديش..

هيا برفض: لا أنا بأروح بروحي.. مافيه داعي ترجع

مشعل بثقة وعند: خلاص يا بنت الحلال أنا قلت بأرجع أوديش..
أنتي قبل كنتي تروحين مشي..
بس الحين أنا مسؤول عنش وماراح أخليش تلتهين في الباصات

هيا بنبرة غضب خفيفة: مشعل أنت ناسي إني لي كم سنة أنا أصرف أموري

مشعل ينهي كوبه ويضعه على الطاولة ويقول بهدوء: هذاك أول..
الحين أنتي مرتي ومسؤولة مني..

كانت هيا مرهقة وتريد أن تعود لتنام قليلا قبل محاضرتها
فهي لم تنم منذ دخلت هذا البيت.. لذا صمتت ليس لأنها مقتنعة
ولكن لأنها لا رغبة لها في الحديث الآن.. وقررت تأجيله لوقت لاحق


**************************


الساعة 8 مساء
غرفة موضي في المستشفى
مازالت موضي لم تفق بعد
وهي تُحقن بالمهدئات بشكل مستمر

عندها لطيفة ومشاعل وأم مشعل

يصل عامل التسليم ويطرق الباب الخارجي
تلبس لطيفة نقابها وتخرج

كانت باقة ورد ضخمة كُتب عليها:

"ألف حمدا لله على سلامتكِ
خطاكِ الشر

أخوكِ الأكبر
مشعل بن محمد"

توترت لطيفة نوعا ما

أمها تسأل: من؟؟

لطيفة بهدوء: مشعل مرسل ورد..

أمها بذات الهدوء: إذا جاء رجالش روحي معه..

لطيفة برفض: لا يمه بأقعد عند موضي

أمها باستنكار: وعيالش منهم في ضوه؟؟ (جملة تعني من سيهتم بهم)
من البارحة ما تدرين عنهم
وأنا ومشاعل ما عندنا شغل
وحدة منا بتقعد عندها والثانية بترجع البيت مع عبدالله إذا جاء عقب شوي

بعد دقائق طرقات واثقة على الباب

تلاه صوت مشعل عند الباب دون أن يدخل:
الحمدلله على سلامة موضي يمه..

أم مشعل بهدوء: الله يسلمك يا أبو محمد.. جعلك ما تزار
وكثر الله خيرك.. وجعل شيبانك الجنة
أنت ولطيفة وماقصرتوا.. إخذ مرتك وروحوا لبيتكم
لطيفة على قعدتها من البارحة

مشعل بهدوء وهو واقف عند الباب ولا يرى أحدا منهم لأن الستارة ممتدة بينهم:
هاه لطيفة تروحين؟؟

أمها تأشر لها أن تذهب، فردت على مضض: إن شاء الله جايتك
أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الأحد 10 أكتوبر 2010, 8:52 pm

الجزء الخامس والثلاثون


الممر أمام غرفة موضي
الساعة 8 وربع

لطيفة تخرج لمشعل الذي ينتظرها خارجا
مازال يوجه لها الحديث دون أن ينظر لها:
تحبين تنتظرين عند موضي لين أجيب السيارة عند الباب وتنزلين علي
أو بتروحين معي للمواقف؟؟

لطيفة بهدوء: بأروح معك..

مشعل ببرود: يالله امشي..

خرجا متوجهين للمواقف دون أن يتبادلا أي حوار حتى وصلا السيارة
وركبا..

تحركت السيارة..
مشعل بهدوء وعيناه مثبتتان على الطريق كيديه المتمسكتين بقوة بالمقود:
أظني إنش عارفة إني مابعد حاسبتش على إنش دسيتي علي إن حمد يضرب موضي..

لطيفة بذات هدوءه: ما يهمني حسابك ولا أي شيء بتسويه

مشعل ألتفت عليها بقوة لدرجة إنه توازن السيارة اهتز وهو يقول بنبرة غضب: نعم؟؟

لطيفة دون أن يهتز منها شعرة: اللي سمعته.. أنا موجوعة يا مشعل موجوعة
موجوعة من قبل.. واللي شفته في موضي نحرني
وش بتسوي فيني زود؟؟
أنا ما أحتاج حد يحاسبني..لأني حاسبت روحي..
لو حتى تجيب سكين وتقطعني ماراح أحس بألم..
لأن خلاياي كلها غرقانة ألم وندم..

صمت مشعل.. كان مبهوتا.. مصعوقا
لم يتخيل يوما أن لطيفة لديها هذا الاسلوب القوي في التعبير عن مشاعرها وأفكارها..
استطاعت سحب كل مشاعره السلبية بعدة جمل
كان غاضبا جدا عليها
فإذا مشاعره تنقلب

ولكنه مع ذلك رد عليها: كان ممكن إنش توفرين ذا الألم على نفسش
وعلى أختش..لو إنش بلغتي حد فينا..
أنتي أختها الكبيرة.. شفتيها صبرت عليه شهر شهرين سنة سنتين
خلاص كفاية كذا..
وبعدين أنتي عارفة إن الضرب عمره ماكان أسلوب حد منا
أشلون رضيتي أختش تعيش في ذل ضرب حمد..

لطيفة بحزن: حمد كان يموت في التراب اللي تمشي عليه موضي..
كان عندي أمل أنه حاله بينصلح يوم دامه يحبها ذا الحب كله..

مشعل بدأ يغضب: يعني أنتي مستعدة تعيشين معي وتتحملين وأنا اضربش
عشاني أحبش وبس..

لطيفة بهدوء مدروس بارد: إذا موضي استحملت ضرب حمد وهو يحبها
فأنا استحملت برودك وأنت ما تحبني..
يعني لا تقلل من قيمة تحملي لك لأنه فوق ما تتخيل!!

وقتها كان مشعل يفتح الباب الخارجي بجهاز التحكم
ويُدخل سيارته ويقف في موقفه الداخلي ويلتفت عليها ويقول بنبرة غامضة:
يعني أنتي الحين متحملتني؟؟

لطيفة وهي تفتح بابها وتنزل: مستحملتك لحد ما تتزوج..
وعقبها خلاص
ماعاد لك أي حق عندي وأكون كفيت ووفيت..

شعر مشعل برغبة عارمة أن يوقفها.. يجذبها لصدره المشتاق لها ..يحتضنها ويقول لها:
تحمليني العمر كله
لأني ماني بمتزوج أبد
لأني..
لأني.....
لأني..........


"كم هو صعبٌ على كبرياءه اعترافه بمشاعره حتى لنفسه!!!"



************************


المقهى بالقرب من جورج تاون
الساعة 12 ظهرا

هيا وباكينام تصلان المقهى
هيا يبدو عليها الإرهاق عكس إشراق باكينام

باكينام بقلق وهما تجلسان: هيا حبيبتي .. مالك؟؟

هيا بتعب: مافيني شيء مرهقة شوي بس.. ما نمت نهائي..

باكينام بذات القلق: كده مش كويس عليكي
لازم تهتمي بنفسك شوية
ثم أردفت باهتمام: ومشعل مش مهتم فيكي وإلا إيه؟؟

هيا بنبرة محايدة: مشعل ما يقصر..

باكينام بنبرة خاصة: وهو عامل معاكي ايه؟؟

هيا بذات النبرة المحايدة: مثل ما قلت لج مايقصر..

باكينام تبتسم: إيه حكاية قصر طول دي.. إذا ما كنتيش واخدة بالك يعني
مشعل ده يهوس بره وجوه.. ستايله وشخصيته تجنن..
يمكن أنتي اتجوزتيه غصبا عنك
بس الغصب ده من بركة دعاء ماما حصة ليكي
اعرفي ئيمة الراقل وما تطفشيهوش..

هيا ابتسمت بالغصب: تدرين إنج متفرغة..

باكينام تضحك: يارب ابعت لي بس.

وهم تتحاوران اقتربت منهما النادلة وابتسمت باحترام: ماذا تشربن آنساتي؟؟

باكينام نظرت إليها وابتسمت: أين النادل الآخر؟؟

الفتاة بابتسامة: أيهم؟؟

باكينام وهي تضحك: الأسمر الوسيم..

الفتاة تنهدت بعمق: أوووه جو الوسيم.. إنه في المدرسة اليوم؟؟

ضحكت باكينام وهي تهمس لهيا: البت هتسيح في مكانها
وأكيد المستر جو في مدرسة محو الأمية زي كل المكسيكان اللي هنا
(جو اختصار جوزيف.. واختصار اسم آخر آخر رديف!!!!)

كثير من اللاتينين المهاجرين لأمريكا يدرسون في مدارس مسائية حكومية لتعليمهم المناهج الأمريكية


*************************


غرفة موضي
الساعة 10 مساء

مشاعل من أصرت أن تبقى مع شقيقتها
ووالدتها غادرت مع عبدالله من أجل أم محمد وولديها الصغيرين: سلطان وريم

كانت مشاعل تنظر لموضي بجسدها المغطى بالضمادات
وتشعر أنها تختنق
وأن روحها تنزف وجعا لا نهائيا
تشعر بألم مرٍّ يتسلق روحها
ويغرس رماحه.. ليتجذر في أعمق أعماق روحها الشفافة

أخبروها أن موضي سقطت عن الدرج وهي تحمل حقيبتها بعد أن طلقها حمد
(هل يعتقدون أني غبية أو طفلة؟؟!!)

مشاعل علمت أن مافي موضي هو من ضرب حمد لها

شعرت بحقد عميق على حمد
وخوف متزايد من ناصر

(هل يعقل أن يفعل ناصر بي يوما مافعله حمد بموضي؟!
يضربني ويمتهن إنسانيتي؟!!
أو حتى يتعامل معي كجسد لتلبية رغباته دون أي حب كمشعل ولطيفة؟؟!!
أي أن أعاني القهر في كلا الحالتين!!
لا أريد الزواج.. لا أريد
لا أريد أن أكون لرجل يهينني جسدا أو روحا
لمن أشكو؟؟ لمن أتوجه؟!
من سيفهمني؟!!
الكل يمدح ناصر.. لن يتفهم أحد مخاوفي!!
يا آلهي.. يا آلهي
خائفة.. خائفة
ماذا تخبئ لي الأيام؟!!)


*************************

مابعد منتصف الليل
غرفة فارس

مازال فارس ساهرا
ويبدو أن سهرته ستطول
شعور مر يجتاحه
شعور بالخديعة والقهر والغبن

عاجز عن إغلاق عينيه
فكلما حاول إغلاقهما تعلقت صورة موضي بأهدابه
صورتها والضمادات البيضاء تغطيها
كأنها حمامة بيضاء مهيضة الجناح

عاجز عن تخيل كيف تجرأ حمد على ضربها طوال هذه السنوات
تحت أنظارهم وأنوفهم وهي تعاني وتتعذب وهم لا يعلمون

كيف تجرأ ذلك الحقير المسمى حمد على خدش جوهرته
وإهانتها والتطاول على كرامتها وجسدها

كلما استعاد هذه الأفكار وجد نفسه يغلي من الغضب
يكاد يكسر يديه من عصرهما غضبا

(أشلون يجي له قلب يمد يده عليها؟!
أشلون وصلت حقارته يهين بنت عمته وبنت خاله في نفس الوقت!!)

" وأنت يافارس ماذا تسمي ما تنوي عمله
بالعنود ابنة عمك؟؟!!"

(لا لا
أنا مستحيل أهين مره أو أمد يدي عليها
لكني بأعرف أشلون أنتقم منها على طريقتي أنا!!)



****************************



الساحة المقابلة لكلية الإدارة
جامعة جورج تاون
الساعة 4 عصرا

هيا تتوجه للساحة حيث اتفقت مع مشعل على الإلتقاء هناك
ليعودا للبيت
هيا وهي تقترب رأت شخصا يقف مع مشعل
ويوجه الحديث له باهتمام
بل كانت ملامح الشخص الآخر تكاد تذوب ولهاً
وهي تلتقط كل حرف ينطق به مشعل باهتمام

شعور غريب اكتسح هيا
فالشخص الآخر كان قنبلة ذرية بكل المقاييس
سمراء لاتينية بشعر أشقر وعينين عسليتين
فتنة متجسدة في كل تفصيل من تفاصيل وجهها وجسدها

شعرت هيا بشعور أشبه بغضبٍ غريب
اقتربت وسلمت ببرود
مشعل ابتسم لهيا وهو يعرفها على محدثته: دكتورة باتريشيا من كولومبيا
أستاذة زائرة هذا الفصل..ولديها اهتمام شاسع بالقضايا العربية

هيا حاولت أن تدفن أحاسيسها التي هي استغربتها
وهي تبتسم وتقول: تشرفنا دكتورة باتريشيا

ولكن الكولومبية الحسناء لم تستطع الابتسام وهي تقول:
تشرفنا.. لم نتعرف بكِ؟؟

مشعل بهدوء: هذه زوجتي هيا..

لم يفت هيا مطلقا انقلاب ملامح الدكتورة التي تجاهلتها وهي توجه خطابها لمشعل:
لم تخبرني سابقا أنك متزوج.. كما أنك لا ترتدي خاتما في يدك

مشعل بدأ يشعر بالغضب من الدكتورة التي شعر أن في أسئلتها رائحة فضول غير مريحة:
أنا تزوجت منذ أيام.. ونحن في ديننا وعاداتنا لا نرتدي الخواتم

الدكتورة بنبرة سخرية: وهي أيضا لن ترتدي خاتما؟؟

مشعل بنبرة غضب: هي اسمها هيا ونحن متوجهان الآن لشراء خاتم لها إذا سمحتي لنا..

مشعل قال جملته وأمسك يد هيا التي بقيت صامتة وهي تشعر بغضب يتصاعد في روحها ليغادر بها

في الوقت الذي هتفت به الدكتورة وهي تمنحه ابتسامة رائعة:
تهاني لكما معا...ولا تنسَ احضار ماطلبته منك أرجوك..

ما أن ابتعدا قليلا حتى انتزعت هيا يدها من يده
مشعل لم يستغرب موقفها..
بل استغرب أصلا أنها سمحت له بمسك يدها طوال هذه الفترة ولم تنتزعها قبلا

مشعل لم يعرف بعد مشاعر الأنثى العصية التفسير..
مشاعر التملك
فهيا شعرت بالخطر من هذه الحسناء
وأرادت أن تثبت لها أن مشعل ملكها.. لها هي فقط
لذا تركت يدها له..
فالأنثى تفهم الأنثى..
وعرفت أن حجة الدكتورة واهتمامها بالقضايا العربية ليس أكثر من اهتمام بمشعل شخصيا
هذا الشيء قرأته بوضوح في نظرة عيني باتريشيا
النظرة التي توجه دعوة مفتوحة فاضحة ربما لم يلحظها مشعل بتدينه وتهذيبه
ولكنها لم تفت أنثى مثلها!!

فور ركوبهم السيارة.. هيا سألت مشعل بلهجة حاولت أن تكون اعتيادية جدا:
من متى تعرف الدكتورة؟؟

مشعل بلهجة اعتيادية فعلا وليس اصطناعا: شفتها عند مشرفي قبل حوالي شهر
ولما عرفت إني عربي.. قالت إنها مهتمة بالقضايا العربية واللغة العربية
خذت رقم تلفوني..وطلبت مني أجيب لها كتب عربية..
والحين بعد طالبة مني كتب بعد..

هيا بذات اللهجة الاعتيادية المصنوعة: أمممممم بس مهيب صغيرة على أنها دكتورة؟!!

مشعل بلهجته الاعتيادية الفعلية: ما اهتميت ولا سألت..

سكتت هيا لأنها لا تستطيع قول المزيد
ولا تستطيع تفسير شعور الغضب الغريب الذي اكتسحها
ما تعرفه أن مشعل زوجها
ولا يرضيها مطلقا أن يكون محط أنظار أي امرأة أخرى

هيا كانت غارقة في هذه الأفكار فلم تنتبه إلى أين أخذها مشعل
الذي لم يبتعد عن منطقة جورج تاون بل دخل في عمقها
حتى توقف عند محل معين يحتل قلب جورج تاون..

هيا انتبهت أن السيارة توقفت.. استغربت مكان توقفها: ليش وقفنا هنا؟

مشعل ابتسم: انزلي وأقول لش داخل

هيا دخلت ومشعل يقول لها بعذوبة: هذا أتيليه كارنيس..
أحسن ناس يسوون دبل ألماس في واشنطن.. اختاري على ذوقش اللي تبينه

هيا بحرج: مشعل أرجوك لا تحرجني..

مشعل ابتسم: أنا واحد غشيم في ذا السوالف..
أختي موضي هي اللي سألتني أمس لو كنت شريت لش دبلة على الأقل
وعلى فكرة ترا من يوم عقد زواجنا في السفارة خذت رقم حسابش منهم
وحطيت مهرش فيه قبل أمس..بس ماصارت فرصة أقول لش..

هيا تشعر بحرج شديد: مشعل ليش تسوي كذا؟؟

مشعل بابتسامة: وش سويت؟؟ ليه تبين تتزوجين بدون مهر..
أنتي بنت سلطان بن مشعل.. منتي بأي وحدة...

هيا بخجل: بس أنت ماخذتني برضاك عشان تسوي ذا كله..

مشعل بغضب: والله العظيم لو سمعتش تعيدين ذا الكلام مرة ثانية
بيكون لي تصرف ثاني معش..
أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الأحد 10 أكتوبر 2010, 8:57 pm

الجزء السادس والثلاثون


مضى شهر على الأحداث الأخيرة
وأصبحنا في أواخر شهر نوفمبر
تبقى حوالي 20 يوم على عودة مشعل للدوحة
وحوالي شهر على زواج ناصر وفارس


موضي خرجت من المستشفى بعد حوالي أسبوع من حادثتها
طابت الكثير من رضوضها بقي فقط الجبس في يدها اليسار المكسورة كسرين
أخبروا الجميع أنها سقطت من الدرج بعد طلاق حمد لها
وهي تحمل حقيبتها عائدة لبيت أهلها
لا أحد يعلم بالحقيقة عدا لطيفة ومشعل وراكان وعبدالله وفارس وأم مشعل
ومشاعل التي عرفت لوحدها
حتى مشعل أخبروه فقط أنها طُلقت
وأخبروه أنها مصابة برضوض بسيطة
وكانت موضي هي من اتصلت فيه بنفسها وأبلغته
حتى يطمئن حين يسمع صوتها

موضي تحاول أن تبين للجميع أنها بخير
وتبدي الكثير من المرح لكل من حولها
ولكن كسرها الداخلي العميق لم يخفَ على ثلاثة أشخاص
لطيفة ومشاعل وفارس
موضي كانت مجروحة بعمق..
فحمد حطم روحها وثقتها بنفسها وأنوثتها وإنسانيتها

مشعل ولطيفة
مازال الحال كما هو عليه
يلعبان لعبة الفأر والقط
بين كر وفر
لا وجود لأي تلامس جسدي بينهما ولا حتى في أدنى حدوده
فلطيفة تحاول جاهدة ألا تقترب منه حتى
ومشعل يستحيل أن يتنازل ويكون هو من يقترب لا روحيا ولا جسديا
معاناتهما تتعمق واشتياق كل منهما للآخر يتجذر
ولكن لطيفة مجروحة منه
ومشعل يمنعه كبرياءه من الإعتذار
ومازالا عاجزين عن التوصل لمنطقة الوسط
وخصوصا إن لطيفة مقتنعة أنه سيتزوج
ومشعل لا يبذل أي جهد لإلغاء هذه الفكرة من رأسها


مشعل وهيا
الزوجان الجديدان
أو لنقل رفيقا السكن بمصطلح أفضل
فهما هكذا
رفيقا سكن لطيفان!!
مازالا في طور تعرف كل منهما على الآخر
فكل منهما يبدو للآخر كلغز عصي على الحل والتفسير
فردات فعلهما غير متوقعة
وبينهما تدور مشاعر كثيفة غير مفهومة
خليط من الاستلطاف والإعجاب والغيرة

هيا اكتشفت أنها تغار عليه بجنون من كل النساء
وخصوصا من المدعوة باتريشيا
في أحيان كثيرة حين يرن هاتفه ويكون غير موجود
وتكون باتريشيا هي المتصلة
تقوم بمسح الاتصال من القائمة حتى لا يعيد الاتصال بها
حين تفعل ذلك تحس بالغرابة
(لِمَ أفعل ذلك؟!)
ولكنها تعجز عن الإجابة على تساؤلها!!

مشعل معجب بها وبعمق..
ولكن يضايقه عنادها غير المفهوم.. ولكنه لا يستطيع أن يقسى عليها
اكتشف أنها تعرف الكثير عن عائلته من حكايات والدها
ولكن معلوماتها تحتاج فقط لتحديث قام به مشعل
وهي الآن في غاية التوتر من لقاء بقية أسرتها بعد أسابيع معدودة
رغم أنه انكسر حاجز خوف كبير لأنهم يقومون بمهاتفتها بشكل دائم


فارس العاشق المتجبر
مازال عاشقا ومتجبرا!!
لم يرَ العنود أو يسمع صوتها منذ المرة الأخيرة قبل أكثر من شهر
يشعر بشوق قاتل لها
رنين صوتها لا يفارق أذنه
وملامحها سكنت خياله
وحقده لم يتغير عليها!!!


العنود
تتجهز لعرسها القريب
لطيفة غالبا هي المرافقة التي تأخذ العروسين معا
العنود ومشاعل
وشتان بين حماسة العنود وفتور مشاعل الذي كان يحز في أعماق لطيفة بوحشية
فمشاعل مع اقتراب موعد زفافها يزداد توترها وهواجسها
وخوفها!!!


ناصر
الحال كما الحال
بين عمله وأهله و تدريبات الفروسية
تبلورت فكرة اعتزال السباقات الرسمية في باله
ولكن رئيس الفريق يطلب منه تأجيلها قليلا


راكان
بين عمله والرماية والشطرنج
والبطولات والميداليات
والحزن المقيم في قلبه دون تفسير!!!


مريم
الحال كما الحال
القلب الحنون الذي يحتضن الجميع
النور المطفئ الذي ينير للجميع
اهتمامها الأكثر حاليا هو بمشاعل
تحاول إزالة الإفكار السلبية من رأسها عن الزواج بشكل عام
وعن ناصر بشكل خاص


حمد لم يعد من مصر
والدته لم تعرف بضربه لموضي
تألمت كثيرا للطلاق وتتألم أكثر لغياب حمد


والتوأم الثلاثي لاهيات في عوالمهن الخاصة ومدرستهن


باكينام
بين دراستها وهيا
ومقهى جو الوسيم
الذي ألمح لها أكثر من مرة أنه يريد مقابلتها بعد عمله
لكنها كانت تقطع تلميحه بذكاء
فآخر ماتريده هي علاقة من أي نوع
مع شخص ليس من مستواها المادي أو الفكري



*************************



واشنطن
الساعة 9 صباحا
يوم الأحد
يوم سكون واشنطن الأسبوعي

مشعل لم ينم بعد صلاة الفجر
وهو يعمل على أطروحته

الجو بارد جدا خارجا
ولا يفكر أن يخرج من البيت رغم أن سعيد هاتفه الآن
و يصر أن يقابله لموضوع مهم كما يقول
لذا عرض على سعيد أن يزوره في البيت
ويريد أن يخبر هيا حتى لا تخرج من غرفتها
ولكنها لم تخرج منها بعد
لذا قرر أن يطل عليها
رغم أنه محرج من دخوله لغرفتها
فهي مطلقا لا توحي له بأي نوع من الترحيب
وهو لا يستطيع أن يغامر بإبداء أي محاولة تقرب قد ترد عليها برفض له
والرفض سيكون مهينا لكبرياءه لأبعد حد

مشعل يطرق باب غرفتها بهدوء
لا رد
يفتح مشعل الباب بهدوء

صدمه بعمق عذوبة منظرها ورقتها وهي نائمة
وشعرها الطويل متناثر حولها
اقترب قليلا
تمنى لو يستطيع لمس خدها.. احتضان شعرها بين أنامله
استنشاق عطرها الرقيق

تنهد بعمق وهو يبعد أفكاره التي جرحته بعمقها وعنفوانها
وهو يتذكر أن سعيد على وصول

همس وهو يبتعد قليلا: هيا.. هيا

هيا فتحت عينيها ببطء وهي تقول باستغراب: نعم مشعل


مشعل بهدوء: سعيد بيجيني الحين.. يقول يبيني ضروري
خليش في الغرفة لين يروح

هيا وهي تجلس وتلم شعرها وتقول بحرج: إن شاء الله
(أكيد شكلي يفشل!!)


مشعل خرج ومع خروجه رن جرس الباب
ابتسم مشعل (نعنبو هذا شكله كان يكلمني وهو تحت)

فتح الباب ورحب بسعيد الذي بدا متوترا على غير العادة

جلسا.. شعر مشعل بتغير سعيد قال له بقلق: وش فيك سعيد؟؟
محتاج فلوس يا أخيك ترا الجيب واحد جعلني ماخلا منك

سعيد ابتسم رغم توتره: لا جعلني ماخلا منك.. الخير واجد
أنا أبي منك شيء أغلى من الفلوس إلا لو أنا ما أستاهل

مشعل ابتسم: أفا عليك.. العين ترخص لك

سعيد تشجع: أنا كنت أكلم هلي قبل ساعة..
والوالدة قالت لي إن أختك تطلقت.. لا تستعجل وتعصب علي
خلني أكمل
أنا ما أبي حد يسبقني لأنه واجد يبون آل مشعل يكونون خوال عيالهم..
أنت عارف أن ذا الفصل آخر فصل لي
وراجع عقب شهرين للدوحة نهائي
بتكون هي خلصت عدتها....
تزوجوني؟؟؟



************************



ذات اليوم يوم الأحد
الساعة 12 ليلا
بيت عبدالله بن مشعل
غرفة موضي

مشاعل وموضي ساهرتان
موضي تسند ظهرها لرأس السرير ويدها المجبرة جوارها
بعد أن وضع لها الطبيب مؤخرا جبيرة خفيفة

ومشاعل تضع رأسها على على فخذ موضي
وموضي تداعب شعرها بيدها السليمة
وتقول وهي تبتسم: ياحظه ناصر بذا الشعر
بس بيقول خليني ألعب فيه.. ملمسه يونس ماشاء الله

توترت مشاعل من مجرد تفكيرها بلمس ناصر لشعرها
ولكنها لم ترد أن تشغل موضي بتوترها ومخاوفها
فما في موضي يكفيها.. لذا حاولت أن ترد بمرح:
والله شعرش هو اللي ماعليه زود
بس طايل واجد ويبي ترتيب.. منتي بناوية تعدلين قصته؟؟

موضي ابتسمت ابتسامة باهتة: مالي نفس أقصه.. خليه.. لويش أقصه؟؟

مشاعل بنعومة: تقصينه عشان نفسش ونفسيتش..
شوفي لطيفة ماشاء الله عليها مع إنشغالها بعيالها ودراستها إلا أنها مهتمة بنفسها
وأنتي أصلا كنتي أكثر وحدة تحب تكشخ فينا..

موضي بنفس الابتسامة الباهتة: لطيفة حلوة يحق لها تتعدل..
بس وحدة مثلي ليش تتعدل..
ثم أكملت بغصة كأنها تحادث روحها: تدرين إن حمد كان دايما يعايرني بلطيفة
يقول ماحد حظيظ غير مشعل.. خذ المزيونة اللي تجيب عيال

مشاعل قامت عن فخذ موضي وهي تهتف بانفعال: أنتي ماعليش قاصر
لا تخلين حمد الحيوان يهز ثقتش بنفسش
ماشاء عليش موضي أنتي الواحد مايشبع من شوفة وجهش
مابعد شفت حد فيه ملح وجاذبية مثلش..

موضي تقرص خد مشاعل وتقول بحنان:
شكرا على المجاملة ماي ليتل سيستر



************************



المقهى بالقرب من جورج تاون
اليوم الأحد
فلايوجد طلاب
وعدد الرواد قليل

باكينام تجلس وهي تضع دفترها على الطاولة
كانت تريد أن تتناول إفطارها
ثم تتوجه لزيارة هيا

جاءها جو .. فكل العاملين أصبحوا يعرفون أنها لا تريد أن يخدمها سواه
وجو يريد أن يكون الوحيد الذي يكلمها

اقترب جو بابتسامته المعتادة: صباح الخير آنسة باكي..
وهو يصب لها بعض الماء في الكأس الخالي أمامها

باكي ترد ابتسامته بابتسامة شديدة العذوبة: صباح الخير جو..
كيف أخبار مدرستك.. إذا كنت تحتاج مساعدة أنا مستعدة؟؟

ابتسم جو : أي مساعدة؟؟

باكينام بمرح: في المدرسة..

ضحك جو ضحكة قصيرة: قد أسألك أنا إن كنتي أنتي تحتاجين للمساعدة في المدرسة..

ضحكت باكينام: ولكني ماجستير ولست في مدرسة وأنت تعلم..

ابتسم لها جو ابتسامة لم تخلُ من سخرية:
آنسة باكي هنا في اللهجة الأمريكية حتى الجامعة تُسمى مدرسة
وبما أنك طالبة ماجستير.. وأنا طالب دكتوراة..
فربما كنتِ أنتِ من تحتاجين مساعدة؟؟

وقتها كانت باكينام تشرب من كأس الماء الذي صبه جو لها
شرقت وكحت وكلماتها تخرج متناثرة من الحرج
وهي تشعر أنها خُدعت واُستهين بذكائها وأنها بدت بمنظر الغبية
الأمر الذي أغضبها كثيراً : دكـ ـتـ و ر اة؟؟

جو ارتعب وهو يميل عليها ويحاول أن يمسح وجهها بالمناديل الورقية
ويقول بقلق: سلامتك..سلامتك.. خدي نفس.. خدي نفس

(كان يقولها باللهجة المصرية القاهرية الصميمة!!!)



***************************



ذات الليلة
بيت مشعل بن محمد
الساعة 10 مساء

لطيفة تدرس بعد أن نام أطفالها
وفي ذات الوقت تترقب عودة مشعل
الذي لم يعد يتأخر مطلقا في العودة عدا نهاية الأسبوع لأنه يسهر في المجلس
ما أن تسمع صوت فتحه لباب الغرفة الرئيسي
حتى تمثل الاستغراق الكامل في الدراسة
رغم التوتر غير المفهوم الذي يجتاحها
فهي تشعر أن الوضع الساكن بينهما أصبح هشا جدا
وعلى وشك الإنفجار.. وهي تكاد تموت رعبا من هذا الانفجار!!
الذي تخشى أن يكون إعلانه لقرب موعد زواجه
فهي الآن مكتفية بمجرد قربه حتى لو كان متباعدا ويستنزفها شوقها إليه
يكفيها أنها بقربها ولها وحدها وينام قريبا منها كل ليلة

أصبحت الساعة 11 ولم يعد
الـ12 ولم يعد
شعرت أن أعصابها تذوب توترا وقلقا
لم تعد تستطيع الجلوس على مكتبها
أخذت تدور في غرفتها كالاعصار
(إش فيه تأخر؟؟ يالله سترك.. يالله سترك)

حوالي الساعة 12 ونصف رن هاتفها الذي لم يفارق يدها من قلقها
ردت فورا بلهفة رغم أنها حاولت تغليفها بالبرود لكنها فشلت:
مشعل عسى ماشر.. وش فيك تأخرت؟؟

مشعل بتعب: لطيفة وسعي درب لراكان بيجيبني لغرفتي الحين
أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الأحد 10 أكتوبر 2010, 9:02 pm

الجزء السابع والثلاثون

واشنطن
الساعة 9 وربع صباحا
شقة مشعل

سعيد يقول لمشعل بتوتر: أنا كنت أكلم هلي قبل ساعة..
والوالدة قالت لي إن أختك تطلقت.. لا تستعجل وتعصب علي
خلني أكمل
أنا ما أبي حد يسبقني لأنه واجد يبون آل مشعل يكونون خوال عيالهم..
أنت عارف أن ذا الفصل آخر فصل لي
وراجع عقب شهرين للدوحة نهائي
بتكون هي خلصت عدتها....
تزوجوني؟؟؟

مشعل تنهد بعمق ثم قال بهدوء: بس أختي اللي تقصد أكبر منك بشهور

(سعيد طالب ماجستير في آواخر ال25)

سعيد تشجع أكثر: لو هي أكبر مني بسنين بعد أبيها
وأشلون والفرق شهور بس
أنا أشتري نسبكم

مشعل بهدوء: ماتشوف إنك مستعجل
أختي توها تطلقت من شهر وباقي لها شهرين
إذا رجعت الدوحة يصير خير

سعيد برجاء حاد: أنا دريت إنها تطلقت نهائي
يعني دام رجّالها مهوب مرجعها
أتمنى إني أكون المقدم على أي حد

مشعل بحرج: أنا ما أقدر أوعدك.. لأنه إحنا مانقدر نجبرها على شيء

سعيد برجاء عميق: تكفى مشعل أنا شاري نسبكم وأبيك أنت تصير خال عيالي
والله العظيم أن أحطها في عيوني وفوق رأسي
ما أبي منك وعد.. أبي بس أحط عندك خبر أني أبيها قبل ماحد يتكلم عليها
أنا أبي نسبكم من زمان
بس كنت عارف إن خواتك كلهم اللي متزوجة واللي متملكة
ويمكن الله كاتب أختك ذي من نصيبي


***********************


غرفة لطيفة


حوالي الساعة 12 ونصف رن هاتف لطيفة
الذي لم يفارق يدها من قلقها
ردت فورا بلهفة رغم أنها حاولت تغليفها بالبرود لكنها فشلت:
مشعل عسى ماشر.. وش فيك تأخرت؟؟

مشعل بتعب: لطيفة وسعي درب لراكان بيجيبني لغرفتي الحين

لطيفة برعب: مشعل اشفيك؟؟

كان راكان هو من رد عليها وهو يقول بمرح:
يا أم محمد وسعوا لي درب.. رجالش الدب كسر كتفي

لطيفة ارتعبت وهي تلبس بسرعة عباءة مغلقة فوق بيجامتها
وترتدي شيلتها ونقابها بسرعة
وقتها كان راكان وصل لباب غرفتهما وهي تفتح الباب
ويدخل وهو يسند مشعل
شعرت لطيفة بريقها يجف وقلبها ينزل في قدميها
ولكنها اعتصمت بقوتها الظاهرية وهي تفسح لراكان الطريق
حتى أوصله راكان للسرير

حينها رأت ظهر مشعل

وكادت تنهار.. وهي ترى ثوبه ممزقا من الخلف وملطخ بالدم
وخلف تمزيقات الثوب يظهر الكثير من طيات الشاش الأبيض

لطيفة حاولت أن تسأل راكان بهدوء مصطنع: وش فيه أبو محمد..؟؟

راكان وهو يمدد مشعل على بطنه: الحمدلله على سلامته يا أم محمد
رجالش قطوة بسبع أرواح.. الليلة كان يعاين مشروع وطاح خشب من فوق عليه
بس الحمدلله مالمس إلا طرف ظهره وهو نازل
تسلخ شوي.. بس الحمدلله إنها جات على كذا

راكان مد كيس كان في يده: هذي غياراته والمطهر
لأنه احتمال يحتاج تغيير الشاش في الليل لو نزفت جروحه
لو ما أحتاج.. بكرة الصبح أنا بأجيه أوديه يغيرون عليه

لطيفة كانت تسمع كلمة .. وكلمة تعجز عن استيعابها
فبالها كله كان مع مشعل الذي لا ترى سوى ظهره
ولم ينطق بكلمة منذ وصوله

استاذن راكان وغادر
لطيفة بقيت لدقيقة واقفة عاجزة عن احتمال انفعالها

ثم ابتلعت ريقها: الحمد لله على سلامتك يا مشعل
ما تشوف شر..

صوته الهادئ جاءها مكتوما قليلا لأن وجهه ناحية المخدة: الشر مايجيش.. بسيطة يا أم محمد
أصلا حتى روحة المستشفى مالها داعي بس راكان لزم..

لطيفة خلعت عباءتها ثم اقتربت منه وهمست: مشعل خلني أبدل لك ملابسك

مشعل بهدوءه المعتاد: لا..تعبان أبي أنام.. عادي أنام هنا الليلة؟؟ أو أقوم لفراشي؟؟

(تدري إنك سخيف وبارد وماعندك مشاعر!!) ولكنها ردت عليه:
أكيد تقدر تنام.. وأنا قريبة منك إذا بغيت شيء نادني..

مشعل نام بعد دقائق من شدة تعبه
ولكن لطيفة لم تستطع النوم وهي تتمدد على الأريكة وتطل عليه كل 5 دقائق

حينما أصبحت الساعة الثانية والنصف بدأ مشعل يئن بشكل مؤلم
لطيفة انتفضت بعنف وهي تقفز وتتوجه له



***********************



واشنطن
المقهى
الساعة 9 ونصف صباحا


ابتسم جو لبكينام ابتسامة لم تخلُ من سخرية: آنسة باكي هنا في اللهجة الأمريكية حتى الجامعة تُسمى مدرسة
وبما أنك طالبة ماجستير.. وأنا طالب دكتوراة.. فربما كنتِ أنتِ من تحتاجين مساعدة؟؟

وقتها كانت باكينام تشرب من كأس الماء الذي صبه جو لها
شرقت وكحت وكلماتها تخرج متناثرة من الحرج
وهي تشعر أنها خُدعت واُستهين بذكائها وأنها بدت بمنظر الغبية
الأمر الذي أغضبها كثيراً : دكـ ـتـ و ر اة؟؟

جو ارتعب وهو يميل عليها ويحاول أن يمسح وجهها بالمناديل الورقية
ويقول بقلق: سلامتك..سلامتك.. خدي نفس.. خدي نفس

(كان يقولها باللهجة المصرية القاهرية الصميمة)


حينها قفزت باكينام وهي تقول بغضب كاسح باللهجة المصرية:
ومصري كمان؟!!
لكده وكفايه.. يعني كل ده بتستغفلني.. بتستغفلني..
واسمك جو كمان والا دي استغفلتني فيها كمان

جو بحرج حاول تغليفه بالثقة: اسمي يوسف..
وانتي عارفة انه يوسف بنقول له جوزيف جو..
وبعدين أنا لا استغفلتك ولا حاجة.. أنتي اللي كدبتي الكدبه وصدقتيها
وكل مائلت لك نتئابل اشرح لك.. انتي بتتهربي..

باكينام لم ترد عليه ووجهها يحمر من الحرج والغضب وتغادر بسرعة
وتنسى دفترها على الطاولة
الدفتر الذي تناوله يوسف وهو يشعر بالألم من الموقف غير المتوقع


*************************


شقة مشعل بن عبدالله
الساعة 9 ونصف بعد مغادرة سعيد
وخطبته الغريبة التي أثارت حرج مشعل واستغرابه

عاد ليطل على هيا التي كانت نهضت من نومها واغتسلت وبدلت ملابسها
وهاهي تمشط شعرها أمام المرآة
كانت تمشطه وهي واقفة حتى تستطيع التحكم فيه

مشعل بهدوء: خلاص سعيد راح

هيا بنفس هدوءه: غريبة جاي هالحزة؟؟

مشعل ابتسم: جاي يخطب موضي

ابتسمت هيا: ماشاء الله عليها موضي.. مابعد خلصت العدة ويجيها خطّاب
لهالدرجة مزيونة؟؟

ضحك مشعل: موضي أملح خواتي.. ولطيفة أحلاهم.. ومشاعل أرقهم

ضحكت هيا: يعني لكل وحدة ميزة

ابتسم مشعل: تقدرين تقولين كذا!! ولا تنسين ريم فديتها أشطنهم..

وقتها هيا كانت أنهت تمشيط شعرها وتريد رفعه..
فوجئت بمشعل يقترب منها يمسك بيدها اللي كانت تلف شعرها
ويقول بنبرة خاصة: خليه

ارتعشت هيا بعنف.. وهي تشعر بملمس يده على معصمها كسعير نار لاهبة

كان بود هيا أن تسأله (وليش أخليه؟) لكنها شعرت أن ريقها جاف جدا
والكلمات تقف في بلعومها

أعاد مشعل كلمته وهو يفلت يدها ويقول بذات النبرة الخاصة: خليه
ليش دايما رافعته؟؟

أنهى جملته وخرج لأنه شعر أن طاقة تحمله على وشك الانهيار النهائي
فهو مهما يكن رجل.. وهي زوجته وأمامه
وهذا الشعر وهذه الرقة يفتنانه حتى الثمالة

خرج
ليترك هيا مبعثرة المشاعر خلفه!!



**********************



عودة لغرفة لطيفة
الساعة 2 ونصف قبل الفجر

لطيفة قفزت وهي تسمع مشعل يئن بألم
اقتربت منه وهي تشعل الأباجورة جواره
لترتعب من مظهر ظهره
فالشاش غارق بالدم

لطيفة جلست جواره وهي تهزه بلطف وتهمس بحنان: مشعل مشعل

مشعل رد عليها بهدوء وهو يحاول أن يكتم إحساسه بالألم ويلتفت ناحيتها: نعم لطيفة

لطيفة برعب: لا تتحرك خلك على بطنك..
ثم أكملت بانفعال: الشاش غرقان دم.. خلني أغيره..

مشعل برفض: لا لطيفة لا..

لطيفة باستغراب عميق وألم أعمق: ليش مشعل؟ لهالدرجة ما تبيني أقرب منك؟؟

مشعل بهدوء: لطيفة الله يهداش أنتي وين راحت أفكارش
أنا حانّش بس.. (حانش = رأفة بكِ)

لطيفة باستغراب: تحني من ويش؟؟ كله شوي شاش بأغيره عقب ما انظف الجرح

مشعل بذات هدوءه وهو متمدد على بطنه: وبتستحملين منظره.. ترى ظهري كله منسلخ!!

لطيفة لم ترد عليه وهي تقرب المقص وتقص ثوبه أولا
ثم تقص الشاش بخفة
وتبدأ بفكه
لتنفجع من شكل التسلخات العميقة النازفة
شعرت أن عبراتها تقفز لبلعومها وعيناها تمتلئان بالدموع غصبا عنها

بدأت بالتنظيف
شعرت بألم عميق يمزق روحها
لأول مرة تلمس جسده منذ شهرين
ويكون بهذه الحال
يغتالها انفعالها بآلمه.. تكاد تشعر أن جروحه تنزف في جسدها هي

أنهت التنظيف وهي تعرف أنه يكتم إحساسه بالألم
شعرت أن شهقاته التي يكتمها كسكاكين حامية تنغرز في روحها وجسدها
كانت تعرف أنه يتألم كثيرا
كلما مسحت الجروح بالمطهر ارتعش جسده دون أن يبدي أي صوت
ومع كل ارتعاشة كانت هي تشهق في داخلها وتبدأ دموعها بالإنهمار
وكأنها تتألم نيابة عنه

ثم بدأت تغطي جروحه بالشاش بعناية
حين أنهت مهتمها كانت قد وصلت قمة انهيارها العاطفي
لم تعد تحتمل
فمالت على أذنه
وارتعش مشعل وهو يحس بأنفاسها قريبة منه هذا القرب

همست في أذنه بصوتها الباكي المرتعش: ليته فيني ولا فيك

ثم نقلت شفتيها لكتفه العاري وهي تقبله بحنان

ارتعش مشعل في داخله
شعر أن انفعاله أكبر من أي كلمات
همساتها الناعمة في أذنه
ثم ملمس شفتيها العذبتين على كتفه
كان أعذب من كل أحلامه

كان مشعل أشبه كما يكون بصحراء قاحلة
فوجئت بانفتاح السماء عليها بأمطار غزيرة
فتحتاج هذه الصحراء بعض وقت
لامتصاص المياه ولتزهر بعد جدب..


ولكن لطيفة المحرجة كانت تنتظر منه ردة فعل ما
ردة فعل على مشاعرها ناحيته
مجرد كلمة ما كانت ستكفيها
لكن مشعل مازال انفعاله العميق يهزه..

شعرت لطيفة بألم كبير وهي تشعر بإهانة حادة قاسية
(للمرة الثانية أكون غبية.. غبية
المفروض أني حفظت درسي من أول مرة
أبعثر مشاعري قدامه
وأنا عارفة إنه مشاعره مع وحدة غيري)

قفزت لطيفة للحمام لتغلق على نفسها
وتنخرط في بكاء حاد
في الوقت الذي التفت فيه مشعل لها ليقول لها:
لطيفة حبيبتي


ليجد مكانها خاليا..!!



*************************



شقة مشعل بن عبدالله
الساعة 10 إلا ربع صباحا


بعد الموقف بين مشعل وهيا
مشعل خرج للصالة ليشاهد الأخبار في محاولة للسيطرة على انفعاله

في الوقت الذي كانت فيه هيا تعاني انفعالا أكبر مازالت في غرفتها

رن جرس الباب
فوجئ مشعل بباكينام عند الباب
ووجهها غارق في الدموع
وهي تقول بحرج وعيناها في الأرض:

دكتور مشعل ممكن أدخل عند هيا..
أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الأحد 10 أكتوبر 2010, 9:07 pm

لجزء الثامن والثلاثون


غرفة مشعل ولطيفة
الساعة 3 إلا ربع

مشعل تحامل على نفسه ونهض ليقترب من باب الحمام
نحره صوت شهقاتها المكتومة القادمة من داخل الحمام
شعر بألم عميق حاد
وكم هو قاسٍ هذا الألم على رجلٍ متخمٍ بالكبرياء مثله!!

لم يعرف كيف يتصرف
ممزق بين مشاعره العميقة وكبرياءه الثمين

عاد ليجلس على السرير ووجهه لباب الحمام
استغرقت لطيفة عشر دقائق لتخرج
وهي تحاول التجلد

فألمها كان عميقا متوحشا غائرا في أعماقها
هذه المرة ألمها كان أقوى وأحد وأقسى
فكل ما تبقى لديها من الأمل تبخر
فمشعل في ظنها عاجز عن مبادلتها أدنى شعور
كان إحساسها مرا جارحا ومهينا
شعور مؤلم لا حدود لألمه الممتد في كل شريان من شرايينها
كانت تنزف ألما ويأسا ومرارة!!

فور خروجها.. همس مشعل بهدوء: لطيفة

لطيفة قاطعته ببرود وثقة: أرجوك مشعل لا تقول شيء
أي شيء بتقوله بيحرجني زيادة
اعتبرني ما قلت شيء وانت ماسمعت شيء

مشعل بذات هدوءه العميق: بس لطيفة....

قاطعته لطيفة (لا تريد أن تسمع.. لا تريد أن تسمع
كانت تظن أنه سيخبرها عن سبب عدم قدرته على مبادلتها مشاعرها
وشعرت أن مصارحة كهذه ستكون قاسية جدا على مشاعرها وكرامتها):
خلاص مشعل أرجوك
لو لي أي احترام عندك.. ما أبي اسمع شيء

صمت مشعل.. فكبرياءه لا يحتمل أكثر من هذا!!
فهو حاول أن يفسر .. يشرح.. يعترف

يعترف الاعتراف الذي انتظرته لطيفة 13 عاما
ولكنها لم تمنحه الفرصة
وهو يستحيل أن يستجدي الفرصة منها!!

تركها تتوجه لأريكتها وهو تمدد على السرير


ولم ينم أي منهما!!



**********************



غرفة هيا
الساعة 10 وربع صباحا

مازالت باكينام تبكي وهي تهتف بانفعال: أنا غبية غبية
أنا ينضحك عليا كده وبالطريئة دي
أكيد هو كان طول الوئت بيضحك عليا وأنا عاملة زي مراهقات المدارس

هيا بمساندة وهي تحتضن يد باكينام: باكي حبيبتي تراج مزودتها
مافيه شيء يستاهل
الولد ما غلط بشيء.. وحتى لو أنتي شايفته غلطان
خلاص السالفة كلها إنه أنتي خلاص ماتروحين هناك وبس

باكينام مازالت تبكي: يعني أنتي شايفة أنه ماخلانيش مسخرة
دا أنا كنت بأتغزل فيه بالمصري وهو ساكت

ابتسمت هيا: وحد قال لج تغازلينه؟!!

باكينام ابتسمت وهي تدعك أنفها المحمر:
أهو عبط وخلاص..
وهو يخرب بيته كان شكله وزوئه ينطء الحجر

هيا ضحكت: زين ابتسمتي.. فكيها
يمكن ربي بعث لج هالمصري عشان ينتقم لكل المصريين اللي لوعتي قلوبهم

باكينام بعمق: بس هو جرحني بجد يا هيا..
يعني أنا كنت باقول له أنت مكسيكي.. وكان بيسكت..
ليه ما ئاليش إنو مصري.. ليه يجرحني كده؟!!

هيا بنبرة خاصة: ما نحس بالجرح إلا من الناس اللي نحمل لهم مشاعر خاصة

باكينام وقفت وهي ترتعش: إيه مشاعر خاصة دي
أنا أخرتها هأبص لجرسون لا راح ولا جا
بعد ولاد الوزراء والسفراء اللي ماحدش منهم ملا عيني

ابتسمت هيا: جرسون بس طالب دكتوراه..

باكينام باستنكار: حتى ولو.. جرسون حافي مش لائي ياكل..



**********************



اليوم التالي

غرفة لطيفة

لطيفة نائمة
نامت بعد ذهاب أولادها للمدرسة
وبعد مجيء راكان وأخذه لمشعل
فهي لم تنم مطلقا من البارحة

تركت لطيفة هاتفها بجوارها ونبهت تلفونها على صلاة الظهر
رن جرسها
صلت الظهر ومشعل لم يعد بعد

بعد الصلاة
عاد مشعل وشكله متعب أكثر
كان راكان من أدخله

ثم همس لطيفة بصوت منخفض: جروحه ملتهبة
الدكتور كان يبي ينومه في المستشفى بس هو مارضى
انتبهي له.. تلفوني جنبي.. لو تعب عليش أي وقت دقي علي
وهذي أدويته.. أهم شيء المضاد الحيوي الحين

تحاول لطيفة تنحية شعورها العميق بالألم
ولكنها عاجزة
فكل مافيها ينطق بالألم
شرايينها تصرخ ألما له ومن أجله


(هذا مشعل
مهما كابرت.. مشعل
مهما دسيت مشاعري.. مشعل
حتى لو هو ماعرف.. يظل مشعل
مشعل اللي أتنفسه
مشعل اللي يمشي في عروقي بدل الدم
ليش ماقدرت تحبني يا مشعل ليش؟!!
يعني كل ذا الحب اللي أحبك ماحرك شيء في مشاعرك!!)

لطيفة هزت رأسها لتنفض أفكارها
خلعت عباءتها
واقتربت من مشعل الذي كان ينام على بطنه
همست: مشعل أجيب لك شيء؟؟

مشعل على الجبهة الأخرى اجتمعت عليه كل الآلام الروحية والجسدية
همس بهدوء: لا شكرا

لطيفة بذات الهمس: أشلون يعني؟؟ منت بمتغدي؟؟

مشعل بذات هدوءه: والله ماني بمشتهي

كثيرٌ عليهما كل هذا الألم
يتمدد هو السرير
وتجلس هي إلى جواره
قريبان
بعيدان
متألمان
يدور حولهما إعصار من المشاعر الكثيفة العميقة ينتظر لحظة الإطلاق
لحظة الإطلاق التي يبدو أنها أضاعت الطريق في ضبابية الكبرياء


**********************


خبر إصابة مشعل انتشر
والكل بدأ بزيارته أولهم والده وعمه وجدته


بيت عبدالله بن مشعل
بعد صلاة العصر

موضي تتصل بفارس

فارس يبتسم: من وين الشمس شارقة؟؟
الشيخة موضي متصلة
تدرين كان من المفروض مخلين حمد يطلقش من زمان
عشان تكلميني كل يوم

موضي تألمت من ذكر حمد الذي أعاد لها الذكريات المرة
لكنها ضحكت وهي تقول:
يا ملغك بس
هم المزايين كلهم مليغين وإلا أنت بس؟؟

فارس ينهرها: مويضي..

موضي تبتسم: قول مويضي على كيفك
المهم منت بعندي تزنطني

فارس ضحك: لو أني مني برايح لمشعل الحين
كان مريتش وزنطنش

موضي قفزت في بالها فكرة شيطانية: لا تروح لمشعل الحين
روح له عقب المغرب

فارس باستغراب: وليش بعد المغرب؟؟

موضي بخبث: حبيبة القلب بتكون هناك عقب المغرب
لأنها عندها محاضرات بترجع منها لبيت مشعل
هي قالت لي قبل شوي في التلفون

فارس شعر أن قلبه يغوص بين قدميه
ومجرد ذكرها بعث قشعريرة انفعال هزت جسده
ولكنه رد ببرود: وخير يا طير

موضي وهي تصطنع لهجة عدم اهتمام: صح خير ياطير
كنت بأخليك تشوفها بس

هذه المرة شعر فارس أن قلبه انتزع من مكانه بقوة قاهرة
ولكنه رد بذات بروده: أنتي نصابة
أشلون أشوفها وبيت مشعل الحين مليان ناس
أمه وأخته مريم.. حتى أمي راحت لهم واكيد أمش بعد

موضي تضحك: اعترف أول أنك أنت اللي تبي تشوفها
وعقب خلها على قدرات أختك الذهبية

فارس لا يريد أن يراها فقط
بل سيجن ليراها.. ولكنه ليس هو من يتنازل
لذا رد بكل بروده وثقته الشهيرة: والله بتخليني أشوفها بدون ما تحرجيني بخبالش
زين على زين
بتكثرين علي البربرة اقلبي وجهش المغبر

موضي تضحك: يمه منك
أدري أنك مستحيل تقول لي لو سمحتي يا أختي خليني أشوف عنودتي
لأني من يوم شفتها المرة اللي فاتت وأنا ما أمسي الليل
بس أختك قلبها طيب.. يا الله موب لازم أني أنا أنبسط يوم تترجاني شوي
المهم أنت تنبسط والله يعطيني على قد نيتي

خلاص أنت تعال بعد المغرب.. وخل الباقي علي..


**************************


شقة مشعل بن عبدالله
بعد العشاء

كانت هيا ترفع صحون العشاء عن الطاولة
ومشعل يشرب شايا أمام التلفاز

رن هاتفه
ألتقطه بهدوء ورد بهدوء: أهلا دكتورة باتريشيا

هيا ارتعشت يدها
وسقط الصحن من يدها على الطاولة
ليحدث دويا بسيطا ولكن دون أن ينكسر
لأن المسافة كانت قريبة..

لكن الصوت كان كافيا لجلب انتباه مشعل
الذي هتف بهدوء: لا بأس دكتورة باتريشيا
سأحاول الحضور إن استطعت

ثم أغلق الهاتف
وتوجه لهيا وقال لها بهدوء: سلامات.. فيش شيء؟؟

هيا لم ترد على سؤاله ولكنها قالت بغضب مكتوم: وش تبي باتريشيا هانم؟

مشعل بهدوء: عندها بكرة ندوة.. تعزمني عليها

هيا بذات الغضب المكتوم: وبتروح؟؟

مشعل بهدوء: ما أدري ما بعد قررت..

هيا وهي تصر على أسنانها: لا تروح

مشعل بحدة: نعم؟؟

هيا بحدة مشابهة: أقول لا تروح..

مشعل بغضب: أنتي تامريني أنا..

هيا بغضب أكبر: اعتبره مثل ما تبي

مشعل بغضب ناري: يظهر إنش فهمتي حلمي عليش ومراعاتي لش غلط
وخلتش تبين تحطين رأسش برأسي
أعتقد إني الرجّال هنا.. فاحفظي حدودش
وإعرفي أشلون تحشمين رجالش

هيا لم ترد عليه
وهي تتوجه لغرفتها وتغلق بابها عليها بصوت مدوٍ

كان بود مشعل أن يتوجه خلفها
لأنه لم ينهِ كلامه معها بعد

فهذه ليست المرة الألى التي تحتد فيها حين تكلمه باتريشيا بالذات
ولكن حدتها وقلة أدبها –كما يرى- تجاوزت الحد هذه المرة
لذا تحتاج لمن يوقفها عند حدها

عاجز عن تفهمها وتفهم تصرفاتها الغريبة
وأتعبته محاولة الفهم
لذا قرر أن يتصل بإحدى شقيقاته ويسألها
فالأنثى أكثر فهما للأنثى
مبدئيا كان يريد الاتصال بلطيفة
فهو يثق في بعد نظرها كثيرا
ولكنه يعلم أن مشعل مريض –كما أخبروه- لذا لابد أنها مشغولة معه
لذا قرر الاتصال بموضي

موضي التقطت الهاتف بلهفة: هلا والله بقلب أخته
هلا برجّال هيونه

مشعل ابتسم: هلا والله بالغالية.. ورجال هيونه يبي استشارة نسوية
عشان هيونه حيرته

موضي تبتسم: حاضرين.. وبدون ما تقول: الاستشارة بيني وبينك
بس مهوب تنسى أتعابي..

مشعل ابتسم: فديت اللي فاهمني يا ناس

مشعل حكى لموضي كل شيء
وكان رد موضي عليه إنها استغرقت في ضحك عميق
ثم حاولت التماسك وهي تقول: وحضرة الدكتورة باتريشيا مزيونة؟؟

مشعل يضحك من ضحكها: بصراحة ما اهتميت.. بس إيه مزيونة

موضي مازالت تضحك: مزيونة شوي وإلا واجد؟؟

مشعل يبتسم: فوق الواجد بواجد..

موضي لا تستطيع مسك نفسها من الضحك: قول كذا يا ابن الحلال!!

مشعل مبتسم: خلصيني يا بنت الحلال..
والله إني عجزت أفهم ليه تركبها العفاريت عند طاري ذا الدكتورة

موضي بحنان: ولو أنك أنت اخي الكبير وبتصير دكتور بعد كم شهر..
بس بريء الله يرج عدوينك
مرتك غيرانة عليك.. زين إنها مافقعت من الغيرة لحد الحين
وأنت ولا مهتم ولا داري

مشعل باستغراب: هيا غيرانة علي أنا؟!!

موضي برقة: لا غيرانة على ولد الجيران..
حرام عليك مشعل.. راعي مشاعرها شوي
إذا هي ما تكلمت.. المفروض أنت تفهم من تلميحاتها لك
المسكينة ترا فاض بها
زين ما ثارت عليك من زمان..
وإذا تبي نصيحتي
بلاها سالفة ذا الدكتورة.. مافيه داعي تجرح زوجتك من أولها


مشعل أغلق من موضي وهو يشعر أن غشاوة أُزيلت عن ناظريه
شعر أن كثيرا من تصرفات هيا غير المبررة
بدت له الآن مفهومة
ولكنه يعرف أن الغيرة دليل حب

فهل يعقل أنها .......؟؟

مشعل تنهد وتوجه لغرفة هيا
فتح الباب ليجدها منكبة على سريرها وتبكي
فُجع
لم يتوقع أن تكون ردة فعلها هكذا!!

اقترب منها بهدوء
أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الأحد 10 أكتوبر 2010, 9:11 pm

الجزء التاسع والثلاثون


شقة مشعل بن عبدالله

مشعل أغلق من موضي وهو يشعر أن غشاوة أُزيلت عن ناظريه
شعر أن كثيرا من تصرفات هيا غير المبررة
بدت له الآن مفهومة
ولكنه يعرف أن الغيرة دليل حب

فهل يعقل أنها .......؟؟

مشعل تنهد وتوجه لغرفة هيا
فتح الباب ليجدها منكبة على سريرها وتبكي
فُجع
لم يتوقع أن تكون ردة فعلها هكذا!!

اقترب منها بهدوء

همس: هيا.. هيا

شعرت هيا بحرج شديد.. وهي تراه أمامه
وتشعر أنها عارية أمامه بدموعها وضعفها
لذا كانت ردة فعلها أنها صرخت به وهي تحاول إخفاء دموعها والتسلح بالقوة:
اطلع من غرفتي
أظني احنا متفقين إنه لكل واحد غرفته
ومالك حق تدخل غرفتي بدون استئذان..

مشعل شعر بالغضب فعلا من أسلوبها المستفز، وهو من كان قادم لاسترضائها:
وأنا أظني إن هذا مهوب أسلوب تكلمين فيه رجّالش
إذا أنا مستحملش واحترمش
مهوب تستغلين ذا الشيء وتستغلين صبري عليش

هيا قفزت وهي تقول بغضب مر: إيه قول كذا
قول إنك مستحملني لأنه أمي فرضتني عليك
وإلا لو عليك كان رميتيني من زمان
مثل ما جدك رمى أبي

مشعل بغضب: أنتي ما تنسين الحقد اللي قي قلبش؟؟

هيا بغضب أكبر: أنا غلطانة يوم حاولت أنساه

غضب هيا وغيرتها جعلتها تدخل القضايا في بعضها
وهي تكيل العبارات القاسية لمشعل
تراكمات حقدها ومشاعرها الكثيفة وحزنها وحبها الوليد لمشعل
الحب الذي تحاول إنكاره
والذي اكتشفت أنه بدأ يتعمق في روحها
وأن مشعل لابد اكتشف ذلك من غيرتها غير المبررة

مشعل يتنهد بعمق وهو يحاول ألا ينفجر فيها
فهي مهما كان أنثى ضعيفة لا ملجأ تلجأ له في هذه الغربة سواه
ولا يمكن أن يكون مصدر الحماية لها هو ذاته من يجرحها
لذا قال بغضب مكتوم: تدرين الحكي معش ضايع
أنا ماراح أرادش في الحكي
وباشتري رأسي لأنه أنا مهوب ناقص حنة..

قال جملته وخرج
وفي الوقت الذي كانت هيا تصرخ خلفه:
إيه كلامي ثقيل على قلبك
بس كلام غيري عسل..



**************************



بيت مشعل بن محمد
بعد صلاة المغرب

مشعل مازال في المسجد
فهو رغم تعبه إلا أنه كان يصر على الصلاة في المسجد

في مجلس الحريم
كانت نساء عائلة ال مشعل
أم محمد وأمهات مشعل وأم فارس ولطيفة وموضي ومريم
مشاعل في البيت رفضت المجيء
والعنود في طريق العودة من الجامعة بعد أن ذهبت سائقة مريم لإحضارها

بعد دقائق اتصل مشعل بلطيفة يخبرها أنه وصل هو وراكان
ويريدان السلام على جدتهما

جميع من في المجلس أضفين عباءاتهن ونقاباتهن عليهن عدا مريم
دخل مشعل وراكان يسنده
سلموا على جدتهما وأمهما ومريم
وألقوا التحية على الباقين
وجلسا في الزاوية..

مشعل وجه خطابه بهدوء لموضي: بنت عبدالله.. أشلون يدش الحين؟؟

موضي بهدوء وهي تضفي عباءتها على يديها رغم أنه لا يظهر منها شيء بتاتا:
الحمدلله طال عمرك.. أنت اللي أشلونك؟؟ ومعافى من الشر

مشعل بهدوء: طيب طاب حالش..
ثم أشار لراكان أن يأخذه للأعلى

راكان وقتها كان مستغربا كيف تحولت مشاعره فعلا
قبل زواج موضي كان مجرد ذكر موضي يحرك زلازل مشاعره وفيضاناتها
الآن هي متواجدة معه في ذات المكان
ولا يشعر بأي شيء مطلقا
وجودها كعدمه..

سخر بمرارة من نفسه (الله يرحمه قلبي
كان قلب حنون ومتدفق
عظم الله أجرك يا راكان في قلبك!!)

راكان خرج بمشعل لغرفته
في الوقت الذي لطيفة همست لموضي أن تتولى مهمة صب القهوة
حتى ترى مشعل وتعود

موضي بمرح: أشلون أصب؟؟ بيد وحدة؟!!

لطيفة غير قابلة للمرح قالت بهدوء: صرفي روحش أو ادعي حد من الخدامات

وقتها رن هاتف موضي كان فارس المتصل..
موضي همست له: شوي لا تجي الحين

راكان أوصل مشعل وغادر
في الوقت الذي صعدت فيه لطيفة لمشعل الممدد على سريره

لطيفة همست له: مشعل تبي شيء؟؟

مشعل بهدوء: جيبي لي جود.. وأنتي روحي لضيوفش
لا تهتمين مني..

(كيف لا أهتم؟؟
كيف؟؟
قد أكون معهم.. ولكن تفكيري كله معك
ليتك تعلم كم يمزقني قلقي عليك!!
أي قلبٍ جليدي تحمل يا هذا!!
أيجري بعروق قلبك دم ساخن كدماءنا
أم أن مايجري بقلبك هو محض ماء بارد؟!!
ألا تشعر بشيء مطلقا؟!!)



*************************



مجلس الحريم في بيت مشعل بن محمد

العنود وصلت سلمت على الجميع
ثم صعدت ركضا لأخيها

دخلت عليه بهدوء كان يتمدد على جنبه
وجود تتمدد على ذراعه وتلعب بلعبة في يدها
وهي تثرثر على والدها
وهو يبتسم لكل شيء تقوله رغم إحساسه بألم عميق يمزق خلايا ظهره
كان جزؤه العلوي عاريا وظهره كاملا مغطى بالضمادات

ما أن رأت العنود منظره حتى انخرطت في بكاء حاد

مشعل جلس وهو يفتح ذراعيه لها ليحتضنها ويقول بحنان:
انتي تفاولين علي يعني
مافيني شيء وتبكين ذا البكاء كله
أجل لو أنا...

العنود وضعت يدها على شفتيه وهي تقول برقة باكية: تف من ثمك
جعل يومي قبل يومك

جود تسأل والدها: بابي ئميمية ليش تكي؟؟

مشعل ابتسم: تبكي عشانها غبية ودلوعة..

جود توجه حديثها للعنود: ئميمة أنت كبيه ودلوئة؟؟

العنود تمسح أنفها المحمر وتبتسم: وأنتم عيلة ماعندها مشاعر من الأبو العود
للبنت المفعوصة..

مشعل يحتضن جود بحنان مصفى: فديتها ذا المفعوصة حبيبة إبيها

العنود تجلس بجوار مشعل دموعها مازالت مستمرة بالانهمار:
انت طمني عليك.. أمانة أنت طيب؟؟

مشعل يحتضنها من كتفها ويقول بحنان: والله إني طيب
تبين أشلش على ظهري مثل يومش صغيرة عشان تتأكدين

العنود تطبع قبلة على خده: لا فديتك بلاها الشلة ذي

حينها رن هاتف العنود كانت موضي المتصلة:
العنود بسرعة روحي لغرفة مريوم لأنه فارس طالع يسلم على مشعل

العنود حينما سمعت اسم فارس وأنه قادم
شعرت كما لو كان سُكب فوق دماغها ماءً مثلجا جمد خلايا مخها
وقلبها يرتعش كأجنحة عصفور مبلل

قفزت
سألها مشعل باستغراب: وش فيش؟؟

العنود بخجل: بيجيك رجّال ويبوني أطلع

مشعل باستغراب: ومن اللي بيطلع لي غرفتي.. خله وأنا بانزل له..

العنود بخجل أكبر: فارس

مشعل بتفهم: فارس ماعليه.. أنتي روحي وبخلي لطيفة تجيبه


وقتها كان عقل موضي يعمل بسرعة حتى تحكم مخططها

كانت لطيفة تريد أن تصعد مع فارس
لكن موضي قالت لها: خليش أنتي مع النسوان
مساكين ما تقهوا وانا قاعدة أقهويهم بيد وحدة
أنا بأوصله فوق وباروح للعنود في غرفة مريوم


مريم بنت لطيفة كانت عند خالتها ريم في بيت جديها
مثل عبدالله ومحمد اللذين كانا عند خالهما سلطان

لطيفة أخذت الأمر على ظاهره وتركتها تصعد مع فارس
بعد ما أتصلت على مشعل وأخبرته
وتأكدت أن العنود خرجت من عنده

فارس وموضي يصعدان الدرج
فارس يهمس لها بهدوء: أنتي وش أنتي مهببة؟؟
قلبي ناغزني منش

موضي تضحك: أنت مهوب تبي تشوفها
بتشوفها
بس ترا دقيقة وحدة لك

فارس رغم أن قلبه يذوب شوقا لها
ولكنه غير مطمئن لمخطط موضي الذي لا يعلم عنه شيء

حين وصلوا للأعلى
موضي همست له روح افتح الغرفة اللي هناك

فارس باستغراب: بس هذي مهيب غرفة مشعل

موضي بنفاذ صبر: لا تصير مسبه.. روح على أساس أنك غلطان في الغرفة
والغلطان ماعليه حرج

فارس تنهد وهو يأخذ نفسا عميقا
ثم يفتح الباب



*************************



بعد ذلك بوقت
ولكن بتوقيت آخر
الساعة 2 بعد منتصف الليل


غرفة باكينام في السكن
باكينام مازالت ساهرة
فموقف اليوم لا يغيب عن بالها
وهي تستعيده مرارا وتكرارا
كأنه شريط سينمائي يمر أمام عينيها
تشعر بالكثير من الألم
تشعر أنها أهينت
لو كان طالب دكتوراة فقط ولكنه مكسيكي كما تظنه
كان سيكون أمرا اعتياديا

ولكن ماجرحها بعمق
أنه ابن بلدها ومع ذلك استمتع بالعبث بها والسخرية منها

رن هاتفها
رقم غريب.. لم ترد
لكن الرقم عاود الاتصال
ردت..

صوته العميق اقتحم سكونها: باكينام آسف إني باتصل دلوئتي
بس مش ئادر أنام ..سبيني اتكلم لو سمحتي
أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الأحد 10 أكتوبر 2010, 9:15 pm

الجزء الأربعون


بيت محمد بن مشعل

فارس يقف أمام غرفة مريم الصغيرة
تنهد وأخذ نفسا عميقا
ثم فتح الباب

وقتها كانت العنود تجلس على سرير مريم المواجه للباب
وظهرها مسند لرأس السرير وساقاها مطويتان للخلف تحتها بشكل مائل
و تتأرجحان على طرف السرير ليظهر طرف (البوت العالي) الذي ترتديه

كانت مازالت ترتدي عباءة الجامعة المغلقة
ولكن شيلتها على كتفيها
وشعرها كانت فكته للتو لتريحه من الربط تحت الشيلة
وهاهو يتناثر على كتفيها
مازالت آثار البكاء واضحة عليها
ووجهها الخالي تماما من أي زينة كان محمرا

كانت متوترة نوعا ما
لأنها تعلم أن فارس قريب منها
متوترة من مجرد إحساسها بقربه
فإذا بها ترى الباب يُفتح
وسبب توترها يقف أمامها


لم تره يوما من هذا القرب وبهذا الوضوح
خطوات فقط بينهما
شعرت أن حضوره ألتهم مساحة الحجرة لتضيق عليها
حتى باتت عاجزة عن مجرد التنفس
وعيناها ضارعتان للوجه البالغ الوسامة والحضور المبهر الرجولة

حاولت أن تقفز للحمام
أن تختفي من أمامه
ولكن قدميها عاجزتين عن حملها
وهي تنظر له بجزع
ودقات قلبها طبول مجنونة
(كم يبدو وسيما
ومهابا
ورجوليا لحد الوجع!!!)


فارس حلق في عالم آخر
رؤيتها هزته بعنف عميق
أعنف وأعمق من المرة الماضية بكثير
فهذه المرة هي قريبة.. قريبة..
العين في العين ودقات القلوب تتناغم

منظرها الباكي ووجهها الطفولي المحمر
كان ممزقا لشرايينه بعنف
بدت له أصغر من المرة الماضية وأكثر عذوبة وبراءة وسحرا
بدت مخلوق ملائكي لا ينتمي إلى البشر
فالبشر ليس لهم مثل هذه الطلة التي تنغرز في الروح وتهزها بعنف

( يا آلهي ماذا فعلت بنفسي؟!!
لماذا وافقت أن أراها
لماذا؟؟
رؤيتها تشطرني نصفين
تمزقني
تبعثرني
أي مخلوق هي؟؟ أي مخلوق؟؟
ليتني لم أرها.. أشعر أني ضائع.. ضائع
عاجز عن إيجاد روحي)

صوت موضي من الخارج قاطع المشهد:
فارس تعال
غرفة مشعل من هنا

فارس أغلق الباب بهدوء وملامح وجهه لم تتغير مطلقا
رغم الزلزال الذي يضربه بعنف
أغلق الباب وهو يشعر أنه ترك قلبه خلف هذا الباب
تركه حقيقة لا مجازا
يشعر أن يسار قفصه الصدري خال من قلبه
الذي حلق ليحط بين بيدي أميرته الصغيرة

يشعر أن خطواته ثقيلة وهو يتوجه لغرفة مشعل
وموضي تمسك به وتهمس في أذنه: وش الأخبار؟؟

لم يرد عليها فارس بغير كلمات معدودة أثارت أقصى استغرابها:
ماسويتي فيني خير.. ليتني ماشفتها
نحرتيني يا أخيش وأنتي ما تدرين



*********************



غرفة مريم الصغيرة
العنود بدأت بالبكاء من حرجها من الموقف

موضي فتحت الباب ودخلت

العنود قفزت وهي ترتمي على صدر موضي التي حضنتها بيد واحدة
وهي ترتعش وتهتف بصوتها الباكي: تكفين موضي لا حد يدري إن فارس شافني هنا

موضي ابتسمت وهي تمسح دموع العنود: أنتي غبية
أكيد ماحد بداري .. لا تحاتين

ثم ابتسمت العنود وهي تقول بعذوبة بين دموعها:
ويعني مالقى يشوفني إلا وأنا حالتي حالة
أكيد الحين بيهون.. ويقول ما أبيها.. جيكرة ..أنا أحلى منها

ضحكت موضي: لا تحاتين من هالناحية.. ياحظه اللي بيضويش بس (يعني محظوظ من ينالك)
ثم أكملت وهي تغمز لها: وش رأيش في فويرس من قريب كذا؟؟
عشان ما تنصدمين ليلة العرس

تنهدت العنود بعمق وهي تقول بخجل وحالمية:
ما تخيلته يجنن لذا الدرجة يا موضي
جذاب فوق الحد والوصف.. وإلا عبق رجولته.. ياويلي.. ياويلي
تحسين المكان حوالينه غرق رجولة..

ابتسمت موضي: يا سلام على وصف العشاق..

أحمر وجه العنود وهي تكح من الحرج: عيب ياموضي..
الشرهة على اللي يعطيش رأيه بس



***********************



غرفة باكينام

رن هاتفها
رقم غريب.. لم ترد
لكن الرقم عاود الاتصال
ردت..

صوته العميق اقتحم سكونها: باكينام آسف إني باتصل دلوئتي
بس مش ئادر أنام ..سيبيني اتكلم لو سمحتي

باكينام قفزت عن سريرها وهي تهتف بغضب:
أنت جبت نمرتي ازاي؟؟

يوسف بهدوء: من النوت بتاعك اللي سبتيه في الكوفي النهاردة

باكينام تحاول التحكم بأعصابها: خلاص صاحبتي هتيجي تاخده من عندكم

يوسف بعتب: للدرجة دي مش عايزة تشوفيني.. تبعتي حد ياخده

باكينام بلهجة استعلاء مصطنعة تحاول بها تغطية جرحها العميق:
وأنت تكون مين عشان أجي أشوفك

يوسف يتنهد ويقول بنبرة عميقة هزتها بعنف:
إزا كنتي انتي مش شايفاني حاجة أنا شايفك كل حاجة
بليز باكي اديني فرصة اشرح لك
خلينا نتعرف على بعضينا وبصراحة المرة دي

شعرت باكينام أن قلبها يغوص في قدميها غصبا عنها
ونبرته العميقة الدافئة تذيب خلاياها
ولكنها مجروحة منه لذا قررت أن تجرحه:
العب على ئدك ياشاطر
شوف لك جرسونة زيك
وما تبصش فوق أوي عشان رئبتك ما تنكسرش..

الإهانة وصلت يوسف حادة جارحة مؤلمة ولئيمة:
دا أخر كلام عندك؟؟

باكينام تتمزق ولكنها أجابته ببرود مصطنع: وماعنديش غيره

كبرياءها اللعين حضر بقوة
خليط من كبرياء عربي وتركي وإيرلندي صنع مخلوقاً مختلفا
متخما بالكبرياء
مستعدة هي أن تدوس قلبها ومشاعرها في سبيل كبرياءها

وتكبرها أيضا !!
التكبر الذي ورثته من عرق اللوردات الإنجليزي الفخم


*********************



الساعة 9 ونصف مساء
غرفة مشعل بن محمد

بعد أن عاد مشعل من صلاة العشاء
وتأكدت لطيفة من تناوله لعشائه
توجهت لابنائها درستهم قليلا
ثم بقيت عندهم حتى ناموا

ثم عادت لمشعل
قد يكون مشعل في ظنها لا يحبها ويريد الزواج بأخرى
ولكنه مهما يكن زوجها ووالد ابنائها وابن عمها
وهي كامرأة أصيلة مسؤولة عنه حتى تصح جروحه وتشفى

"هل هو هذا فقط يالطيفة؟!!"

كان مشعل ينام على جنبه
كان متعبا ويشعر ببوادر حرارة من آثار الإلتهاب
ولكن لطيفة حين سألته: شأخبارك الحين مشعل؟؟

أجابها: بخير تمام
ثم أردف بهدوء: اليوم مادرستي كلش
أشغلتش معي.. روحي ادرسي.. انا بأنام أصلا

لم تكن لطيفة تريد أن تدرس
كانت تريد أن تبقى لجواره
ولكنها لا تستطيع أن تقول ذلك له

(الرجّال بروحه زهقان مني
ومهوب طايق يشوفني
يبيني أروح أدرس يفتك مني)

تشعر بألم عميق من مرارة أفكارها المهينة
ولكنها قالت له بهدوء: خلاص أنا بأروح أدرس
وهذا أنا قريبة منك
إذا بغيت شيء نادني

لطيفة توجهت لمكتبها
وبدأت بالدراسة التي لم يكن تركيزها معها
بل تركيزها في شيء آخر
أجبرت نفسها على الدراسة قليلا
ثم أطلت عليه ووجدته نائما
أطمئنت وعادت للدراسة
حوالي الساعة 11 عادت لتطل عليه

صدمها منظر العرق على وجهه
فالجو كان باردا
اقتربت منه وجلست جواره
وضعت كفها على جبينه
كان ملتهبا
ارتعبت

أحضرت له كمادات ماء بارد
وأحضرت دواء الحرارة
ثم همست قريبا منه: مشعل مشعل

مشعل بتعب: نعم لطيفة

لطيفة بحنان: قوم مشعل اكل الحبوب هذي

مشعل بإرهاق: ما أبي حبوب.. أبي أنام

لطيفة وضعت يدها خلف عنقه وهي تحاول أن تقعده
ولكنها عجزت
فجسده الضخم المتخم بالعضلات كان كجبل مثبت بأوتاد

لطيفة همست له: مشعل تكفى قوم..

مشعل حاول أن يجلس وهو يشعر بدوار حاد
فسقط على ظهره فأن بعمق من ألم جروحه التي ارتطمت بالفراش
شعرت لطيفة أنها تتمزق: تكفى مشعل بس ارفع رقبتك شوي

بعد عدة محاولات نجحت في جعله يبتلع الأقراص
ثم بدأت تضع الكمادات على جبينه وهو متمدد على جنبه
وهي تجلس بجواره

كان يرتعش
ولطيفة ترتعش لارتعاشه

بقيت لطيفة لحوالي 40 دقيقة وهي تغير الكمادات
حتى انخفضت حرارته من تاثير العلاج والكمادات

حينها كانت لطيفة أنهت مهمتها
وعلى وشك القيام

لولا أنها فوجئت بيد تطبق على معصمها
وصوت عميق يقول لها: خليش جنبي

انتفض قلب لطيفة بعنف
كان بودها أن ترفض
فهي ليست مجرد محطة انتظار يرتاح هو بها
حتى موعد ذهابه لمحطته الرئيسية

ولكنها عجزت أن ترفض طلبه
تمددت جواره وهي تترك مساحة فاصلة بينهما

مشعل بهدوء وعيناه مغلقتان: ترا احنا مهوب مراهقين عشان تخافين تقربين مني
إلا لو كنتي أنتي ماتقدرين تتحكمين في انفعالاتش وخايفة إنها تخونش

(وقح
ومغرور
وقليل أدب
وشايف روحه..)

هذا مادار بخلد لطيفة التي أجابته بهدوء مستعر وهي تلتصق به :
خل نشوف من اللي انفعالاته شكلها بتخونه

مشعل بذات هدوءها البارد المستعر: نشوف

والاثنان ينخرطان في لعبة جديدة أكثر خطورة
مستوى جديد أخطر في لعبتهما
لعبة الكر والفر

"مستوى احترق بالقرب وادعي البرود"



******************



منتصف الليل
غرفة فارس

يبدو أن السهر والشجن أصبح رفيق هذا الشاب المتيم

ممزق تماما هذه الليلة.. ممزق
يشعر أن مايحدث له ظلم سافر له
فهي لا تستحق أن يحبها كل هذا الحب
فلِمَ يحبها حباً هو فوق الحب ذاته؟!!
يشعر أن هذه المشاعر الرقيقة العذبة لا تنتمي لشخصيته الصلبة القوية
مشاعر لا تشبهه.. ولكنها تشبهها!!

(يا الله
ما أعذبها وأرقها!!
عذوبتها ورقتها فوق الخيال
ليش يارب؟؟ ليش؟؟
اللهم أني أستغفرك وأتوب إليك
مهوب اعتراض على حكمك
بس هي ما تستاهل كل ذا الحب
يا الله..
ماعاد اللي أحسه ناحيتها حب وبس..
أنا مذبوح من حبها
قلبي ذاب.. والله العظيم ذاب
أنا واحد شخصيتي ما تنفع تحب بذا الطريقة
لا ومع العنود بالذات
اللي قلبي مليان حقد عليها
وفي نفس الوقت مليان عشق لها!!)

ينقلب على جنبه
وصورتها تقتحمه
تقتحمه بعنف
لتنسف خلاياه وتنثره شظايا في فضاءها
فضاءها هي فقط..
هي فقط..



************************



اليوم التالي

واشنطن دي سي

شقة مشعل

بعد مواجهة البارحة العاصفة
هيا ومشعل لم يتقابلا ولم يتكلما
هيا بقيت معتصمة بغرفتها
ومشعل اعتكف على أطروحته حتى نام
ثم نهض لصلاة الفجر
وبقي يعمل بعد الصلاة حتى موعد ذهابه المعتاد للجامعة

وهاهو يعود في موعد ذهاب هيا ليأخذها للجامعة
ولكنه فوجئ أنها غير موجودة

اتصل فيها: هيا وينش؟؟

هيا ببرود: رحت للجامعة

مشعل بغضب: أشلون تروحين بدون ما تقولين لي
أنتي عارفة إنه أنا بأرجع أوديش
ممكن تفسرين لي سبب روحتش كن رجّالش طوفة مهوب رجّال

هيا بذات البرود: ماحبيت أتعبك..

مشعل غاضب فعلا: ما تبين تعبيني.. تعصيني..
زين هيا.. حسابش إذا رجعتي البيت
لأنه خلاص أنتي تجاوزتي كل حد

هيا بهدوء: ماني براجعة.. بأقعد عند باكينام
وأبيك تطلقني
أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الأحد 10 أكتوبر 2010, 9:20 pm

الجزء الحادي والأربعون



الحوار مستمر بين مشعل وهيا



مشعل غاضب فعلا: ما تبين تعبيني.. تعصيني..
زين هيا.. حسابش إذا رجعتي البيت
لأنه خلاص أنتي تجاوزتي كل حد


هيا بهدوء: ماني براجعة.. بأقعد عند باكينام
وأبيك تطلقني


مشعل كان مصعوقا.. لا يتخيل حتى أنها تجرأت لتفكر بالفكرة
فكيف تقذفها هكذا على مسمعه
حاول مشعل أن يتمسك بالتفكير المنطقي وهو يتنهد ويكتم غيظه منها:
عمري ما تخيلت أنه ممكن أهون عليش لدرجة إنش تقولين ذا الكلمة
بدون أدنى احترام لي أو لمشاعري


اسمعيني وماراح أعيد كلامي
متضايقة مني وما تبين تشوفيني؟؟
خلاص ارجعي أنتي وباكينام
واقعدوا في الشقة
أنا اللي بأطلع وبأروح أقعد عند سعيد
وأنتي فكري عدل في الكلام اللي قلتيه لي
وشيلي فكرة الطلاق من رأسش لأنها مستحيل تصير



على الخط الآخر كانت هيا تحاول مغالبة دموعها التي بدأت بالانهمار بغزارة
ففكرة الطلاق كانت عليها أكثر قسوة
ولكنها بدأت تسيطر عليها فكرة أنها مفروضة على مشعل
وأن مشعل متضايق منها
ومايصبره عليها هو أن والدتها وصته عليها
وهذا الإحساس كان جارحا لها ولكبرياءها
بينما مشاعرها ناحيته تأخذ منحى آخر أعمق.. أعمق بكثير!!!


مشعل يتنهد: هاه هيا..؟؟


هيا لم ترد


مشعل يتنهد للمرة الألف لكتمان غضبه: عطيني باكينام أدري إنها معش


جاءه صوت باكينام الهادئ: نعم دكتور مشعل


مشعل باحترام: باكينام لو سمحتي جيبي هيا وارجعي معها البيت
وارجوش اقعدي معها ذا اليومين
ثم أكمل بهمس: وبليز حاولي تعقلينها شوي
أنا عجزت وأنا أسايرها


باكينام باحترام: ما تشيلش هم
وأديني باقول لك ئدامها
أنا معاك مش معاها



***************************




غرفة مشعل ولطيفة
قبل آذان الفجر


مشعل يفتح عينيه
ورائحة عطر خفيف مثير تداعب أنفه
عطر طال اشتياقه لصاحبته


كان يظن أنه يحلم
(الظاهر من قد ما أنا مشتاق لها
ومع السخونة البارحة بديت أخرف واتخيل
وأشم عطرها بعد)


حاول أن يركز بصره مع الإنارة الضعيفة
وهو يمد يده بعفوية لتصتدم بالمخلوق النائم إلى جواره


انتفض مشعل وهو يرفع رأسه قليلا ليراها تنام بهدوء
ووجهها ناحيته


ثم تذكر ليلة البارحة القاسية عليه وعلى رجولته
وجسدها اللين ملاصق لجسده المشتعل
لو لم يكن مرهقا من أثر الحمى وألم الجروح
وإلا لكانت سيطرته على نفسه انهارت لينهار معها كبرياءه الثمين


كم مضى عليها لم تنم جواره .. شهرين.. بل أكثر من شهرين
آلمه العميق ليس لمجرد حاجة جسدية..
لكنه محتاج نفسياً لقربها.. قربها الذي كان يسكن روحه
كم هو مشتاق أن ينام على ذراعها..
يسمع دقات قلبها
يتنفس عطرها حتى يملأ كل خلاياه
كم كان مكابرا وغبيا حين أبعدها عنه.. بعد أن كان ينعم بجنة قربها


تمعن في ملامح وجهها الساكنة بوداعة وسحر وفتنة
كان يتمنى لو يمد أنامله ليلمس خدها.. شفتيها.. حاجبيها
يمزقه شوقه لها لأشلاء متناثرة


ولكنه أكتفى أن همس في داخله:
(وربي اشتقت لش!!
والله العظيم وحشتيني!!
ما تحسين بالنار اللي تشعل جوفي كل ما أشوفش
ما تشوفين رعشة يدي لأنها عاجزة توصل لش
ما تسمعين دقات قلبي اللي تناديش؟!!
متى بتحنين علي ياقلبي؟؟
متى؟!!
تعرفيني طول عمري مغرور وغبي
لا تكسريني على آخرها
لا تكسريني)




**************************




شقة مشعل


هيا تعود للشقة هي وباكينام
بعد أن اتصل مشعل بباكينام وقال لها أنه جمع أغراضه وسيقيم مع سعيد
مشعل عاتب بالفعل على هيا
لذا لم يهاتفها هي
فهو يشعر أنها تختبر صبره وكرامته


توجه لسعيد بعد أن قال له أنه سيقيم عنده لعدة أيام
لأن صديقة زوجته لم تجد مسكنا بعد
لذا قرر ترك الشقة لهما


هيا فور دخولها للشقة.. وإحساسها برائحة مشعل تعبق في أرجائها
انخرطت في البكاء
وهي ترمي بنفسها على الأريكة


باكينام اقتربت منها جلست جوارها واحتضنتها بحنان:
ممكن أعرف بتعيطي له؟؟


هيا من بين دموعها: ما أدري.. ما أدري


باكينام بثقة: لا عارفة.. وإزا كنتي عاوزة تخبي علي
ما تخبيش على نفسك كمان
أنا عاوزة أعرف : جوزك وبتحبيه
بتعزبي نفسك وتعزبيه ليه؟!!


هيا لم ترد عليها وهي مازالت مستمرة في البكاء




*********************


بيت محمد بن مشعل


بعد صلاة الفجر
راكان وناصر يعودان من الصلاة


مريم تجلس في الصالة السفلية مع والدها الذي عاد قبلهما بدقيقة


ناصر بمرح: وش ذا؟؟ اجتماع قمة مبكر
يالله سترك وش عندكم؟؟


أبومشعل يبتسم: ماتعرف تقول السلام عليكم بالع رادو


ناصر يبتسم: لو أن بنت عبدالله قاعدة معكم كان سلمت


أبو مشعل بغضب: ليه حن صلب ما تسلم علينا


ناصر يميل على أذن راكان ويهمس: مشكلتهم الشيبان مايفهمون المزح


راكان يلطف الجو: سامحه يبه خلاص ماعلى باله إلا بنت عبدالله
عرسه قرب واستخف


أبو مشعل بنبرة خاصة: إن شاء الله الفال لك تستخف بعد


راكان كح.. وناصر يضحك ويهمس له: استلم الموال الصباحي


ثم قال ناصر بصوت عالي: اسمحوا لي ياجماعة الخير بأروح أرقد شوي قبل الدوام


وترك راكان بين يدي موال والده المعتاد
وهو يعرض عليه ابنة أحد معارفه التي اقترحتها عليه مريم للتو..




**********************




الساعة السابعة والنصف صباحا
لطيفة تعود لغرفتها بعد ذهاب أولادها لمدرستهم


كان مشعل مازال نائما
ولطيفة كانت تريد أن تعود للنوم حتى موعد قيام جود من نومها
ولكنها لا تريد أن تنام بجوار مشعل
تريد أن تنام على الأريكة


ولكنها مجبرة أن تتمدد جواره بل وقريبا منه
فهي يستحيل أن تشعره بضعفها أمامه
وأنها عاجزة عن السيطرة على مشاعرها أمام لوح الثلج


اقتربت وهي تتمدد بهدوء حتى لا تزعجه
الامر فوق طاقة احتمالها


(إذا هو ما يحبني وعادي عنده أكون قريبة أو بعيدة
أنا مهوب عادي
إذا كنت بالكاد محتملة قربه أول
أشلون الحين وهو قريب كذا
بس ماعليه يا مشعل.. ماعليه
ماراح أفرحك فيني
بتكون عندي أنت والطوفة واحد
مثل ما أنت تعاملني بأعاملك)


لطيفة تقلبت قليلا ثم نامت


حوالي الساعة العاشرة صحت جود من نومها
وتوجهت لغرفة والديها كعادتها
فتحت الباب ودخلت


بالعادة لا تجد إلا أمها
لكنها اليوم وجدت والدها لذا توجهت له أولا
لتطبع قبلة على خده وهو نائم


صحا مشعل وابتسم بعمق وهو يرى وجه جود العذب أمامه
احتضنها بحنان وهو يهمس في أذنها:وجهش أحلى صباح


جود همست في أذنه: دوم مامي أبي همام (قوم مامي.. أبي الحمام)


مشعل مد يده ليهز كتف لطيفة لكن جود أمسكت يده: كلط.. أنا هبيتك أنت هبها ( غلط أنا حبيتك أنت حبها.. تقصد أن يوقظها كما أيقظته)


مشعل ابتسم بخبث (والله إنش تونسين يا أبيش.. وينش من زمان
صدق بنت أبيش.. تعرفين وش اللي في خاطره)


مشعل اقترب من لطيفة المستغرقة في نومها
ورغم أن نوم لطيفة خفيف لكنها لم تشعر بجود لأنها كانت تتهامس مع والدها


اقترب أكثر وطبع قبلته السريعة الدافئة على خد لطيفة
كان بوده أن يطيل ويتعمق ويروي بعضا من شوقه العنيف
ولكنه لا يريد أن يكون مفضوح المشاعر لهذه الدرجة


(يا الله كم أشتقت إليكِ
لقربكِ
لهمساتكِ في أذني
لحنانكِ واحتواءكِ
أيتها العذبة البهية!!)



لطيفة فور شعورها بملمس شفتيه.. فتحت عيناها بجزع
كان وجهه مايزال قريبا جدا
شعيرات عارضيه المحددة باستقامة
عيناه الواسعتان الغامضتان
حاجباه الغليظان
كل التفاصيل التي تفتنها حتى النخاع


انتفض قلبها بعنف
كان ريقها جافا جدا وهي تقول بخفوت: فيه شيء؟؟


مشعل ابتسم وهو يبتعد ويقول بهدوء:
جود شرطت علي أذهنش مثل ماذهنتي هي


شعرت لطيفة بريقها أكثر جفافا..
(كان هذا ملمس شفتيه على خدي!!)


كان بود لطيفة أن ترفع يدها لمكان قبلته على خدها لتلمسها
ولكن يستحيل أن تفعلها
أو تظهر له تأثرها


لذا قالت بهدوء بارد وهي تنهض عن السرير:
جود مامي.. تعالي أوديش الحمام وأبدل ملابسش..







شقة سعيد
الساعة 11 مساء


سعيد يدرس امتحان وفي غرفته


ومشعل يجلس في الصالة
يشعر بضيق يكتم على روحه
لم يتخيل أن هيا قاسية لهذه الدرجة
بالكاد أكملا شهرا منذ زواجهما
وتفاجئه بطلب الطلاق


فاجأه رنين هاتفه.. انتفض قلبه ( أيعقل أن تكون هي؟!!)


نظر للاسم وابتسم ابتسامة حنونة فيها كثير من الشجن:
هلا موضي..


موضي برقة: صباح الخير


مشعل بلطف: عندنا مساء..


موضي بمرح: وعندنا الساعة 9 الصبح.. وأنا أسلم بتوقيت الدوحة


مشعل بحنان: وش مقومش بدري؟؟


موضي تضحك: اي بدري الله يهداك..
أنا وحدة نشيطة وما أحب نومة الضحى ذي
خليناها لأختك ميشو الدلوعة


مشعل باهتمام: زين يوم أنتي وحدة نشيطة.. ليه ما ترجعين للشغل
حرام موضي أنتي عبقرية حواسيب.. حرام تدفنين موهبتش


موضي بتوتر: ما أدري مشعل أفكر أرجع.. أنا أصلا متصلة استشيرك
فيه صديقة لي من أيام الجامعة.. تقول محتاجين مبرمجين لمشروع الحكومة الالكترونية
تقول بيكون فيه قسم خاص للنساء.. بس محتاجين ناس كفاءة على أعلى مستوى


مشعل بهدوء: دام حريم بروحهم.. عادي توكلي على الله


موضي بتوتر حزين: أخاف أني ما أكون قد الشغل..


مشعل يبتسم: لا لا.. مهوب موضي اللي تقول ذا الكلام..
إذا أنتي منتي بقدها.. يبقى ماحد قدها..


موضي بهدوء متأمل حزين: بأستشير إبي وبأفكر زيادة


مشعل بنبرة خاصة: ويمكن يكون فيه بعدين حد ثالث تستشيرينه


موضي باستغراب: عقبك وعقب ابي ما لحد حكم علي..


مشعل يضحك: ولا حتى رجّالش..


موضي برعب: أي رجّال..


مشعل يضحك: شوي شوي لا يطير قلبش..
فيه واحد من ربعي كلمني عليش.. يعني عقب ما تخلصين العدة
رجّال والنعم.. شهادة حق..


موضي اطمأنت وضحكت: أنا أعرف إن المطلقة ماعاد تلاقي حد يبيها
وش فيهم الناس علي؟؟.. مابعد خلصت العدة ونازلين الخطاطيب علي


مشعل باستفسار: ليه فيه حد تكلم عليش بعد؟؟


موضي تبتسم: فيه ثنتين عجايز كلموا أمي.. وواحد كلم ابي..
ووحدة كلمت لطيفة
والله يوم أنا بنت ماجاني خطّاب ذا الكثر..
شكلي بأوزعهم على عوانس الحارة..


مشعل بحنان: وأنتي وش رأيش؟؟ ترا ماحد بغاصبش على شيء


موضي بهدوء: لا فديتك.. لا..
أنا خلاص زواج ما أبي


مشعل بحنان مصفى: بس أنتي توش صغيرة..


موضي بحزن: وين صغيرة؟؟ خلاص يا أختك أنا جربت نصيبي
وخلصت من سالفة العرس كلها نهائي..




**********************




واشنطن دي سي
الساعة 1 بعد منتصف الليل
قلبان سهران


هيا تنظر لبكينام النائمة جوارها
ومشعل ينظر لسعيد النائم في السرير المجاور


وكلاهما يفكر في شخص غير من ينام لجواره


لِمَ صعب على كلاهما أن يفهم الآخر؟؟
أين مشكلة التواصل بينهما؟؟
هل هي قوة شخصية كل منهما؟؟
هل هي تراكمات العداء؟!!
هل هي المشاعر التي بدأت تتجذر بينهما؟؟


مشعل بدأ يفكر أن الهروب من مواجهة المشكلة هو مشكلة بحد ذاته
وتأجيل التفاهم سيأزم الوضع بينهما
كان يريدها أن يمنحها فرصة للتفكير
ولكنه الآن لا يريد منحها فرصة
يريد اقتحامها
إرباكها.. إثارة الفوضى في صفوفها
وقلب أوراق اللعبة عليها


لذا تناول هاتفه وخرج من غرفة النوم للصالة ليرن عليها بثقة
حينها هيا كانت جالسة تفكر.. كانت مليئة بالهم والحزن
والــــــــشــــوق


اقتحم هدوء الجو رنين هاتفها
التقطه بسرعة حتى لا توقظ باكي
رأت اسمه
شعرت زلازل أرضية عنيفة تضرب أرض قلبها
وهي ترد بصوت مرتعش غصبا عنها:


هلا مشعل


أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الأحد 10 أكتوبر 2010, 9:25 pm

الجزء الثاني والأربعون


غرفة هيا
الساعة 1 بعد منتصف الليل

اتصال من مشعل يقتحم سكون الجو
ويقتحم قبلها وجع روحها وتفكيرها المثقل وشوقها له
الشوق الذي تحاول انكاره حتى على نفسها

ردت بخفوت مرتعش: هلا مشعل..

مشعل بهدوء: صحيتش؟؟

كان بودها أن تقول (إيه صحيتني) حتى لا يعلم أنها عاجزة عن النوم
ولكنها ردت بعفوية: مابعد نمت..

مشعل بهدوء مدروس تماما: وليش ما نمتي؟؟

هيا ابتلعت ريقها: ماجاني نوم..

مشعل بثقة: تفكرين؟؟ صح..

هيا بهدوء رغم دقات قلبها الصارخة:
مشعل وش تبي؟؟ ما أعتقد أنك تتصل هالوقت عشان تعرف إذا أنا نايمة أو لا

مشعل بذات الثقة: هيا اسمعيني زين
احنا راجعين للدوحة بعد حوالي أسبوعين
مابي نبين قدام أهلنا بيننا مشاكل واحنا تونا متزوجين
أهلي مبسوطين فيش كثير.. وأكثرهم جدتي وأنتي عارفة
استحمليني شوي... صعب ذا الشيء عليش؟؟

هيا بحزن: يمكن صعب عليك أنت تحملني؟؟

مشعل بهدوء: ليه أنا اشتكيت لش؟!!!

هيا بتوتر غاضب: مهوب لازم تشتكي.. مبين

مشعل بذات الهدوء: طيب وش اللي يرضيش؟؟
وضعنا كذا وكل واحد في مكان مهوب منطقي..

هيا خذت نفس عميق: تقدر ترجع.. بس بشرط

مشعل بنبرة غضب مكتوم: وبتشرطين بعد؟؟

هيا بعتب: ليه مالي حق؟!!

مشعل أخذ نفسا عميقا: يحق لش.. تدللي..

هيا لم تكن تريد أن تظهر أمام مشعل بمظهر الغيورة
ولكنها عاجزة عن الاحتمال.. وأعصابها احترقت تماما
لذا قالت له بحرج حاولت تغليفه بالثقة:
باتريشيا ذي تحذف اسمها من تلفونك
وماترد على اتصالاتها ولا لك شغل فيها

ابتسامة شاسعة ارتسمت على وجه مشعل
لكنه كتم ضحكته وهو يرد بهدوء: حاضر.. شيء ثاني؟؟

هيا استغربت أنه لم يعتبر هذا تجاوزا لرجولته الغالية
توقعت أنه سيعاند ولكنه فاجأها بالموافقة السريعة
ردت بحرج: لا ما أبي شيء ثاني

مشعل بثقة: يعني أرجع بكرة؟؟

هيا بحرج أكبر: براحتك

مشعل بهدوء: زين تصبحين على خير..

هيا أغلقت وهي تبتسم ابتسامة شاسعة
ليفاجأها صوت باكينام وعيناها مغلقتان:
بتعملوا ئلئ بدون سبب.. وتعالي يا باكي.. ونامي عندي يا باكي
وأنا عاوزه أتطلئ يا باكي
ويخرب بيت باكي اللي عايزة تنام..
وجوز الغفر، ئصدي الكناري نازلين غزل فوء دماغها



*************************



الساعة 2 الظهر
مريم تعطلت سيارتها على طريق الوجبة مقابل المدينة التعليمية
وهي عائدة من عملها في معهد النور للبيت

مريم بعادتها سريعة ومنطقية في قراراتها
لم تكن تريد أن تتعب أحد من أشقائها في هذا الوقت
لذا اتصلت بسائق البيت ليأتي لأخذها هي وسائقتها
والعصر ستعطي المفتاح لناصر ليرى مشكلة السيارة

كانت اتصلت للتو بالسائق وتنتظر
مر عليها عدد من أهل السيارات وتوقفوا وعرضوا المساعدة
ولكنها كانت تقول لسائقتها أن تصرفهم
وبدأت السائقة تصرفهم بدون الرجوع لمريم

ولكنها هذه المرة سمعتها تطيل في الجدال مع أحدهم
رنت هاتف سائقتها ونادتها

سونيا كانت تقف بجانب شباك مريم
ومريم تسألها: سونيا.. وش فيه؟؟

سونيا: هذا مستر سعد بابا محمد كازن كول احنا يروه مئاه
أو هو يكلي سوا سوا ينتزر درايفر

كانت مريم مازالت تتحادث مع سائقتها حين اقتحم حوارهما
صوت رجولي عميق: مساش الله بالخير يا بنت محمد

مريم انزلت يديها اللتين كانتا على طرف نافذة السيارة في حضنها
وهي تضفي عباءتها عليها
مريم ترتدي غطاء ثقيل على وجهها
لأنها لا تحتاج للبس نقاب عوضها الله الجنة

وردت باحترام وخفوت: مساك أخير يا أبو فيصل

سعد باحترام: أشلون الوالدة والأهل كلهم؟؟

مريم بذات الاحترام: طيبين طاب حالك.. أشلون فيصل وفهد؟؟

سعد بهدوء: طيبين جعل شيبانش الجنة

مريم بذوق: تسهل يا بو فيصل كثر الله خيرك.. سايق البيت جاي الحين

سعد بشهامة: لا طال عمرش في الطاعة..
أما تروحون معي أنتي وسواقتش
أنا باقعد في سيارتي أنتظر لين يجي سواقكم

مريم محرجة جدا.. السائق قد يحتاج نصف ساعة ليصل
وهي لا تريد أن تذهب مع سعد
ولا أن يبقى ينتظر معهما

ردت بهدوء عذب: تسهل الله يرضى عليك.. والله إن السواق على وصول

علم سعد أنها لا تريد الركوب معه.. ومحرجة منه.. رد بثقة:
خلاص أنا في سيارتي لين تروحون

لم يمهلها فرصة الرفض أو الرد وهو يتوجه لسيارته
وتفكيره مشغول بشيئين غصبا عنه

حين اقترب من سيارتها والقى التحية
وقعت عيناه على يديها الساكنتين على حافة النافذة
هي سحبت يديها وهو غض بصره وأشاح
ولكن النظرة سبقت
و شكل يديها سكن خياله بتمكن وبشكل غريب

(نعنبو وش ذا الايدين اللي عندها
تحس إيديها بتذوب من نعومتها وصفائها)

الشيء الآخر
كان صوتها العميق الهادئ والواثق
صوت يتسلل للروح ويهدهدها
ينبئها أن العالم مازال بخير
وأن العالم مسكون بالعذوبة والحنان
حاول طرد أفكاره وهو يرى سائقهم يصل
وتركبان معه
وهو يحرك سيارته ويمشي خلفهم
فبيته قريب منهم



***************************



بيت لطيفة
بعد المغرب

شقيقاتها موضي ومشاعل عندها

مشعل حينما توجه لصلاة المغرب
أخبرها أنه لن يعود حتى يصلي العشاء
وسيبقى في المجلس بين الصلاتين

لطيفة لم تكن مرتاحة مطلقا
فجروحه طرية وتنزف
ولن يحتمل البقاء لوقت طويل بثوبه وبجلسة مستقيمة كجلسة مجالس الرجال
ولكنها ردت عليه بهدوء: براحتك يابو محمد
رغم أنها تتمزق قلقا عليها

وحتى تتلهى عن قلقها اتصلت بشقيقاتها
ليحضرن عندها
ويتسلين معا

هاتف لطيفة يرن

لطيفة تنظر للهاتف وتبتسم ثم تنظر لموضي
وتقول بابتسامة خبيثة: شيخة

موضي تبتسم: ياختي رفيقتش ذي ما تفهم قولي لها ما أبي أخيها ولا أبي غيره.
خليها تستحي على وجهها مابعد خلصت عدتي..

لطيفة ردت: هلا والله بشيخة الحريم

شيخة تضحك: خشي في عبي يا بت يا لتيفة
ما أبي تمدحيني.. سبيني.. بس خلي موضي توافق على راشد إذا خلصت عدتها على خير

لطيفة تضحك: شوفي شيوخ.. أنا بحط التلفون على السبيكر
وهذي موضي تسمع

موضي تشير لا.. لكن لطيفة وضعته على السبيكر
وصوت شيخة الرفيع المرح يتصاعد: هيه مويضي وصمخ قطاوة
أنتي مافي قلبش رحمة.. حني علي..
ثم أكملت ببكاء مصطنع: أنا يتيمة وأخويا يتيم.. وعيالي يتامى

موضي تضحك: يكون حد قال لش إني جمعية خيرية

شيخة تضحك: ياأختي نبي لنا حد قلبه حنين مثلش وشرواش
تدرين ماعندنا إلا ذا الأخو تاخذه وحدة ملعونة خير مثل طليقته الله لا يردها
توطس فيني أنا وعيالي
تخيلي تخيلي ياللهول شيوخ تهمز أرجيل مرت أخيها
ولا عيالي واحد يكنس والثاني يطبخ... نهون عليش.. نهون على قلبش الطيب

موضي لا تستطيع السيطرة على نفسها من الضحك: على قولت سليطين الشهيرة غني يا ليل ما أطولك..
اذلفي.. اذلفي.. طري على باب مسجد أنتي وعيالش.. شكلش متدربة جاهزة

شيخة ببكاءها المصطنع: ياحرام عليش مافي قلبش رحمة
دحنا يتامى..

موضي تبتسم:شيوخ اشرايش تخلين منش ذا الهذرة.. وتسيرين علينا بكرة

شيخة كأنها تفكر: أمممممممم على شرط..
تسوي ميشو نفس الحلى اللي كلته عند لطيفة المرة اللي فاتت

لطيفة تتكلم: هذي ميشو تسمع وتقول حاضرة...
بس أنتي ماعندش اختراع اسمه ريجيم يالدبة

شيخة تتأفف: جاونا المزايين المعقدين..
مشكلتكم مشكلة أنتم يالمزايين ما ترضون باوساط الحلول..
مزيونة لازم تصير رشيقة بعد
لله درنا نحن معشر التنافيخ ماخذينها تيكت إيزي..
المهم أنتو يالثلاثي الكوكباني.. الله لا يعوق بشر
بكرة بأجيكم
لطيفة لا تتزين عشان ما تجرح مشاعري الرقيقة إذا شفت زينها وانا جيكرة
وميشو تزين لي الحلويات الزينة اللي هي تعرف
وموضي تقول إنها عندها استعداد تفكر بأخي رويشد لما تخلص عدتها..
أي شرط ناقص من الشروط الثلاثة باقلبها على رووسكم..


***********************


بيت جابر بن حمد
بعد صلاة العشاء


البنات في الصالة
وأم حمد مازالت عند والدتها في بيت عبدالله

معالي تمدد ساقيها على الطاولة وبيدها صحن فيه فوشار وتشاهد التلفاز
تصرخ على عالية في المطبخ الداخلي: عاليوه ترى الفوشار خلص سوو لي معكم

علياء تطل عليها : يازينش وأنتي تأمرين بس

معالي بصوت عالي: أظني أكلم عالية.. وش دخلش أنتي يالملقوفة؟؟

علياء تضحك: زين أنا عالية

معالي تضحك بطريقة مصطنعة: ههههههه يا بطني.. يابطني
بأموت من الضحك.. ارحميني على خفت الدم اللي عندش
زينش متلايطة بس..

هذه المرة عالية تطل: زين ياختي احنا كوبي وبيست
وش بيضر أي وحدة ترد على حضرت جنابش

معالي بتأفف: أي وحدة منكم تخلصنا وتجيب الفوشار قبل يبدأ الفيلم
مافيه احترام إني أختكم الكبيرة
أكبر منكم بربع ساعة كاملة..

وهم في حوارهم يرن هاتف البيت، تلتقطه معالي دون أن تنظر للكاشف


رغم تباعده عنهم وأنه لم يشعرهم يوما بأخوته
ولكن سماعها لصوته بعد مرور كل هذا الوقت
كان هازا لمشاعرها بعنف وهي تسمعه يقول بهدوء: السلام عليكم

معالي اختنقت بعبراتها: هلا حمد هلا والله

حمد بذات الهدوء: أشلونش معالي؟؟

معالي بانفعال: طيبين.. ومشتاقين لك.. متى بترجع؟؟ ما خلصت دورتك؟؟

حمد بذات الهدوء: حبه حبة يا بنت الحلال
دورتي مطولة شوي يمكن أبي لي 5 شهور بعد

معالي بصدمة: يعني 6 شهور مانشوفك.. حرام عليك!!

حمد بغموض: الله يكتب اللي فيه الخير.. وين أمي؟؟

معالي بضيق من الخبر: أمي عند جدتي
ثم أكملت: تكفى حمد كلمها على جوالها.. أمي مشتاقة لك

حمد ذهب تفكيره لاتجاه آخر.. أمه عند جدته حيث مكان موضي
الأمر أكثر من احتماله، لذا رد على معالي:
لا خلاص بأكلمها بعد ساعتين تكون موجودة

ثم استطرد: عالية وعلياء عندش؟؟

معالي مستغربة اهتمامه السؤال عنهما: إيه عندي

حمد بذات الهدوء الساكن: خليني أكلمهم



***********************



الصباح في واشنطن
شقة عبدالله بن مشعل


باكينام خرجت للجامعة
وأخبرت هيا أنها ستعود من الجامعة لسكنها
حاولت هيا أن تثنيها.. كانت تريدها أن تكون معها حين يعود مشعل
لكن باكينام رفضت
لأن هذا موقف لا يصح أن تتدخل فيه


وهاهي هيا تشعر بالتوتر الشديد
كانت في المطبخ تغسل بعض الصحون النظيفة لتفريغ توترها
وتتسلى بجر قصيدة قديمة..
لذا لم تسمع صوت باب الشقة حين فُتح


مشعل فتح باب الشقة ودخل
فاجأه بعنف صوت هيا القادم من داخل المطبخ
لم يكن صوتها المفاجأة
ولكن المفاجأة كانت في القصيدة التي تجرها



**********************


ذات الوقت بتوقيت آخر
ليل الدوحة


مشعل تأخر قليلا
ولطيفة كانت تتنقل بين غرف أبنائها حتى ناموا

حين عادت لغرفتها وجدت مشعل يحاول خلع ملابسه بصعوبة
اقتربت منه وساعدته بصمت
كلاهما يتعذب بهذا القرب اللاسع الموجع
حتى الحركة العفوية بينهما سابقا
أصبحت أبعد ما تكون عن العفوية الآن
وهي تُشحن بعشرات المشاعر الكثيفة العصية على التأويل
من ذلك مثلا أن يدها الساكنة الآن على عضده الصلب تحرق خلايا جسده بعنف
وتذيب شرايين قلبها بوحشية
رفعت يدها عنه وهي ترتعش دون أن يظهر عليها شيئا من مشاعرها
وهو معتصم بهدوئه الأسطوري

لطيفة بعد أن أنهت مهمتها
قررت التوجه لمكتبها لتتلهى بالدراسة
لولا أنه قاطع قرارها صوته العميق الهادئ وهو يقول:
لطيفة تعالي أبي أقول لش شيء
أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الأحد 10 أكتوبر 2010, 9:29 pm

الجزء الثالث والأربعون


الصباح في واشنطن
شقة مشعل بن عبدالله

دخل مشعل إلى شقته وهو ينزل حقيبة صغيرة فيها أغراضه
صُدم وهو يسمع صوت هيا القادم من المطبخ
وصدمته كانت في القصيدة التي تجرها بلحن شديد العذوبة
مشعل لم يتحرك حتى أنهت جر القصيدة الطويلة
وبدأت تجرها من جديد

هذه القصيدة لها ذكرى خاصة وقلة هم من يعرفونها
يشك إن كانت واحدة من شقيقاته أو بنات عمه تحفظها

هذه القصيدة قالها جده مشعل في جدته هيا
إثر خلاف حصل بينهما وارتحلت على إثره إلى أهلها

القصيدة الرائعة والطويلة التي كان فيها مشعل يناجي هيا
لم يقلها مشعل لأحد لأن كبريائه لا يسمح له أن يستجدي عودتها
رغم الشوق الذي أضناه
ولكنه في ذات مرة كان يجرها على رأس (حزم)
وسمعه أحدهم وبقي مختبئا تحت الحزم حتى سمع القصيدة عدة مرات
وكأنه اكتسب كنزا بسماعه لها
ثم توجه مباشرة وألقاها في مجلس والد هيا وعلى مسمع من هيا
التي حين سمعت القصيدة
عادت بنفسها
وفوجئ مشعل بوجودها في البيت حين عاد
وهي تقول له: وصلني مرسولك.. وهذا جوابه


وهاهو مشعل الحفيد اليوم يسمعها من هيا الحفيدة
بعذوبة وألق غير مسبوقين
لم يتخيل مطلقا أنها تحفظ هذه القصيدة القديمة الصعبة المتمكنة من قلبه
لابد أنها حفظتها من والدها
هزه هذا الامر بعنف
وسماعها بصوتها الرخيم وطريقتها المميزة هزه أكثر
وهز مشاعره بعمق موجع حاد
وكأنهما يتلبسان علاقة جديهما المختلفة العميقة..
مشاعر مشعل كانت على شفير انهيار الاعتراف
وهاهي على وشك الانفجار وكل ماحوله يحفز هذا الانفجار العاطفي!!


دخل مشعل للمطبخ
وهاهو يقف خلف هيا التي كانت مشغولة بأفكارها
وغسل صحونها النظيفة وجر قصيدة الشوق المضني

همس خلفها بخفوت وعمق: هيا
هيا ارتعشت وصوته يخترقها كسهم ناري أشعل كل مشاعرها
والصحن يسقط من يدها في المغسلة
وهي تقف كتمثال جامد ويديها تحت الماء الجاري
مشعل اقترب أكثر
ليلتصق صدره الصلب بكتفيها
ويمد يده من فوقها ليقفل صنبور المياه
ثم يحتضن يديها المبللتين بين يديه بحنان وقوة

ارتعشت أكثر
مازال مشعل يمسك يديها
التي أعادها لصدرها ليحتضنها من الخلف
وينحني ليهمس في عمق أذنها من قرب بصوته العميق بخفوت موجع:
أنا آسف حبيبتي

هيا عاجزة عن الرد بأي شيء
الإنفعال يهزها كورقة شجر يابسة تنسفها ريح عاتية
وكل الكلمات تموت على شفتيها
كما أن مشعل لم يمهلها أي فرصة
وهو ينتقل من الكلام للفعل
وينقل شفتيه من أذنها لعنقها ليطبع عليه قبلة عميقة دافئة

حينها انتفضت هيا بعنف
وهي تخلص نفسها من بين يديه بحدة
وتركض لغرفتها وتغلق بابها عليها بالمفتاح بصوت مسموع
وتترك مشعل خلفها
مصعوقا
مجروحا
مطعونا في عمق مشاعره وكبرياءه
فهيا وجهت له إهانة قاسية
وهي ترفضه وترفض مشاعره بهذه الطريقة الجارحة



الجبهة الأخرى
غرفة هيا

هيا تقف وظهرها مسند للباب
قلبها يكاد يخرج من مكانه من تسارع دقاته

وهي تضع كفها على عنقها مكان قبلته
تشعر أن عنقها يشتعل بل جسدها يشتعل
وعروقها تشتعل
تشعر أنه اكتسحها بركان مدمر

لم تتوقع مطلقا أن يكون هذا تصرفه
باغتها تماما
كانت تتوقع أنه حين يعود سيمثل الغضب قليلا مع بعضا من كبريائه المعتاد
وبروده هذا سيتيح لها أن تقف أمامه دون توتر

ولكن كل هذا الكم من المشاعر الملتهبة كان أكثر بكثير من احتمالها
لا تستطيع الآن الخروج أو مواجهته
وهي تشعر بخجل قاتل يكتسحها


كلاهما اعتصم بجبهته
هو مجروح حتى النخاع
وفسر تصرفها أنه رفض له ولمشاعره

وهي مصدومة وخجلة من جرأته
ولم تعلم مطلقا تبعات تصرفها العفوي عليه



***********************



ذات الوقت ولكن بتوقيت آخر
ليل الدوحة

غرفة مشعل بن محمد

لطيفة أنهت مهامها وكانت تريد التوجه للدراسة

لولا أنه قاطع قرارها صوته العميق الهادئ وهو يقول:
لطيفة تعالي أبي أقول لش شيء

لطيفة عادت له
كان يجلس على السرير
جلست بالقرب منه وهي تقول بهدوء: خير إن شاء الله

مشعل بهدوء: خير.. أنا بسافر خلال ذا اليومين

لطيفة شعرت أن قلبها انتزع بوحشية.. (تعبان لهالدرجة عشان يسافر؟!)

ولكن ماصدمها أنه أكمل: عندي صفقة كبيرة في بون
ولازم أروح بنفسي، أبي أشتري معدات ثقيلة

لطيفة مصدومة مفجوعة كأنها تكلم نفسها: تروح في شغل وأنت على ذا الحال؟؟

مشعل بهدوءه البارد: أي حال؟؟

لطيفة شعرت بصداع مؤلم حقيقي يمزق خلايا دماغها
كانت تود أن تثور وتنفجر فيه
ولكنها تمالكت أعصابها وتناست صداعها وهي ترد بنفس بروده:
مشعل جروحك مالها يومين وبعدها تنزف
أشلون بتستحمل سفرة لألمانيا مدتها ساعات ولا وصلب الشغل بعد

مشعل بهدوء: مافيني إلا العافية

لطيفة كانت تريد أن تبكي فعلا.. تريد أن تصرخ وتصرخ وتصرخ
كم هي متعبة منه
ومن كبريائه
ومن عناده
ومن استمتاعه بألمها!!
هل يريد الهرب منها؟!!
هل يريد أن يجرحها أكثر؟!!

لكنها نحت كل مشاعرها جانبا وردت عليه وهي تعود لمكتبها
وداخلها ينزف بغزارة وهي تقول له بهدوء:
براحتك يابو محمد.. براحتك


الرد اللي كان مؤلما لمشعل مؤلما لأبعد حد
فمشعل اتخذ السفر حجة
كان يتمنى أن ترفض سفره.. تصرخ به.. تقول له أبقَ
كان يريد إشارة منها.. مجرد إشارة
لكنها أبعدته
فهو مطلقا لم يعد يحتمل هذا القرب البعيد/ البعد القريب منها
قربها ينحره
ينحر رغباته
ينحر مشاعره
ينحر رجولته

لذا قرر السفر رغم أن أحد موظفيه كان هو من سيسافر سابقا
لكنه ماعاد يحتمل مطلقا
فأما أن يسافر وأما أن ينهار
وأما أن ينهي مهزلة الخلاف بينهما

وبما أن الخلاف قائم
وكلاهما يرفض التنازل
هاهو يجد نفسه مضطرا للسفر مع وضعه الصحي المزري



*************************



المقهى بالقرب من جورج تاون
الساعة 11 صباحا

باكينام تصل وهي متوترة
تشعر بذنب عميق
مكالمتها ليوسف كانت جارحة وخالية من التهذيب
تشعر أنها آلمته لذا تشعر هي بألم عميق
كانت تشعر كأنها آلمت روحها وجرحتها

الاعتذار صعب جدا عليها
ولكنها أخطئت وهي ما اعتادت على الهروب من المواجهة
وهاهي الآن تصل وقد تسلحت بكل القوة الممكنة

جلست
جاءتها النادلة وهي تبتسم: أهلا آنستي

باكينام بتوتر: أين جو؟؟

النادلة كأنها تتذكر: أوه لا تقلقي لقد ترك دفتر محاضراتك في صندوق الأمانات
سأحضره لك حالا

باكينام أمسكت بيد النادلة : لا أسأل عن دفتر محاضراتي
أسأل عن جو شخصيا..

النادلة بحزن: جو عاد لمصر اليوم طائرته أقلعت قبل ساعتين ربما

شعرت باكينام أن الخبر وقع على رأسها مثل صاعقة اخترقت جمجتها وقسمتها نصفين..
شعرت بصداع حقيقي وهي تسأل النادلة:
هل من الممكن أن تعطيني رقم هاتفه بمصر أو عنوانه؟؟

النادلة هزت كتفيها: لا لم يترك شيئا
على العموم هو سيعود لواشنطن بعد حوالي شهرين
بعد أن يقضي فترة الأعياد ورأس السنة في بلده
ولكن لن يعود للمقهى لأنه قدم استقالته

باكينام وقفت وخرجت وهي تترنح
قدماها لا تحملانها وروحها مثقلة بالأسى

كانت النادلة تناديها لتعطيها دفترها
ولكنها لم تكن تسمع وهي تخرج من المقهى
وكأنها تهرب من جريمتها التي ارتكبتها

(لماذا؟؟
لمــــــــــاذا
هل تعاقبني يارب على جريمتي في حقه؟؟؟
أقسم أني أردت الاعتذار منه
لماذا رحل؟؟
لماذا رحل؟؟

كم هو معتم وجه واشنطن هذا الصباح!!
لِـمَ السماء مكفهرة؟!!
كم هي صغيرة واشنطن وخانقة دون رحابة وجهه!!
وكم هي مصر سعيدة باحتضانه هذه الليلة!!
لابد أنها تمطر في مصر أهازيجا وفرحا باستقباله!!
كما تمطر هنا حزنا وسوادا وألما لفراقه!!
ما بال الدنيا تعتم.. وتعتم
وتـــعــتــــم؟؟؟)



***************************



الدوحة
الساعة 11 مساء
فارس يدخل غرفته

يخلع ملابسه ليستحم
رن هاتفه.. التقطه
رد باحترامه وثقته المعتادة: هلا لطيفة

لطيفة بتوتر: تكفى فارس طالبتك

فارس انتفض من الحمية وهو يقول برجولة: اطلبي عزش
الغالي يرخص لش.. لو على قطع رقبتي

لطيفة بحنان: جعل عمرك طويل... مشعل يبي يسافر وأبيك تسافر معه

فارس ضحك غصبا عنه: غيرة ذي؟؟

لطيفة بغضب: صدق إنك متفرغ.. أقول لك بيسافر.. تقول غيرانه
تخيل يبغي يسافر خلال ذا اليومين

فارس برعب: أشلون يسافر بوضعه وجروحه تنزف..

لطيفة عبراتها وقفت بحلقها: شفت.. بس هو رأسه يابس..
عشان كذا أبيك تسافر معه

فارس ابتسم: حاضرين.. ولو إن عرسي قريب..
بس منتي اللي يرد لش طلب يا أم محمد

لطيفة برقة: جعلني ما أذوق حزنك..
ثم أكملت بتحذير: بس تراك أنت اللي بتقول لمشعل إنك بتسافر معه
أنا ماقلت لك شيء

فارس باستغراب: ليش يعني؟؟

لطيفة تكذب: تدري بيزعل علي لو درى إني تعبتك
(لم تكن تريد أن يعلم مشعل أنها قلقة عليها بل تتمزق قلقا وخوفا)



*************************



شقة مشعل بن عبدالله
حوالي الساعة 11 ونصف صباحا

هيا مازالت تغلق على نفسها باب غرفتها
مشعل يجلس في الصالة
مخنوق.. مجروح.. ومشبع بالألم

فوجئ بهيا تخرج عليه وهي ترتدي عباءتها
وتقول برعب: مشعل تكفى باكينام في المستشفى
لقوها طايحة في الشارع ودقوا علي لأني أخر رقم هي دقت عليه


مشعل وقف بشهامة وهو يخرج بها لسيارته بسرعة
ولكن دون أن ينظر لها مطلقا
مـــطـــلـــقـــا
ويبدو أنها عادة أبناء مشعل العريقة!!
أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الأحد 10 أكتوبر 2010, 9:33 pm

الجزء الرابع والأربعون


مستشفى جورج تاون
المستشفى الأقرب للمقهى

هيا تخرج لمشعل الذي ينتظرها خارج غرفة باكينام
هيا تهمس له وهي عاجزة عن رفع عينيها به:
معها انهيار عصبي
غريبة.. باكينام طول عمرها قوية
إذا سمحت لي مشعل أنا بقعد معها

مشعل ببرود ثلجي: براحتش.. إذا بغيتو أي شيء دقي على على طول

هيا شعرت بألم عميق من طريقته في الرد
ردت بخفوت: إن شاء الله

عادت لبكينام التي كانت منطوية على نفسها كوضع الجنين
وتبكي بطريقة تمزق الروح بألمها وهي تشهق بألم موجع
هيا جذبت الكرسي عند رأسها
وهي تمسح على شعرها المنثور على المخدة وتسألها بألم:
باكينام وش فيج؟؟ شاللي صار؟؟

باكينام تشهق: يوسف سافر.. سافر.. أنا كنت عاوزة أعتزر له
والله كنت عاوزة اعتزر عشان كنت لئيمة معاه
بس هو سافر سافر

هيا ارتعبت.. لم تتوقع أن مشاعر باكينام ناحية يوسف
وصلت لهذه الدرجة من القوة والعمق لدرجة أن تنهار بهذه الطريقة الموجعة
بينما هي استمرت تنكر هذه المشاعر
بكبريائها وعنادها وقلة بصيرتها حتى خسرته

هيا فكرت برعب (ياترى ممكن يصير معاي نفس الشيء)

باكينام كانت منهارة تماما
باكينام حين تعرفت بجو كانت تشعر أن مشاعرها تتحرك بعنف ناحيته
لكن مامنعها من تحرير مشاعرها معرفته أنه من عرق آخر
ولكن حين علمت أنه مصري
ورغم رفضها لعرقه الذي هو عرقها..
لكن مشاعرها المكتومة انسكبت غصبا عنها لتصب في شخصه ومن أجله
شعرت أن يوسف احتل كل خلاياها غصبا عنها
كل مشاعرها المكتومة طيلة سنوات أصبحت له
وتنبض من أجله
حين اكتشفت ذلك.. قررت أن تتنازل من أجل قلبها
توجهت إليه
ولكنها كانت تأخرت..
تأخرت كثيرا..
كثيرا..



**********************




بعد مضي أسبوعين

مشعل وهيا على وشك العودة للدوحة

هيا بقيت عند باكينام لمدة يومين
حتى تحسنت باكينام
حينها قررت باكينام أن تتوجه لأهلها في بريطانيا
وأن تقضي معهم فترة الكريسمس
فنفسيتها كانت متعبة جدا
وكانت بحاجة لوجود أهلها لجوارها

بعدها عادت هيا لشقتها
لكن صدمها برود مشعل معها
يتعامل معها كأنها غير موجودة
هيا عرفت سبب تغيره.. لا تستطيع لومه
ولكنها كانت تتمنى أن يتفهم خجلها
تشتاق كثيرا لحنان مشعل واهتمامه بها
لا تريده عاشقا
ستكتفي أن يكون مثلما كان في بداية زواجهما
ولكن حتى مشعل ذاك اختفى تحت أطنان تجاهله الدائم لها
هيا تتمزق فعلا ولكنها عاجزة أن تشتكي
مشعل مجروح منها لأقصى أعماق مشاعره ورجولته
رفضها له كان جارحا ومؤلما ومهينا
جاءها يمد يديه ويفتح صدره وقلبه
فرفضت كل شي
يستحيل أن يبادر بأي شيء ناحيتها..
يستحيل أن يسمح لها باهانته مرة أخرى

كلاهما معتصمان بالصمت في الوقت الحالي
وهاهما على وشك العودة للدوحة
وهما مثقلان بالشجن والألم


مشعل الآخر سافر لألمانيا
وسافر معه فارس
كانت رحلة مريعة
فهو لم ينزل من الطائرة إلا وملابسه غارقة بالدم
وبقي في المستشفى لعدة أيام

أنهى صفقته
وهاهما عائدان
فارس ممتن للطيفة التي عرضت عليه مرافقة مشعل
فالرحلة قصرت عليه وقت الانتظار لموعد زواجه


لطيفة متألمة لسفر مشعل وقلقة
ومنذ سفره وهي تعاني صداعا أليما لا تعرف له سببا
أجرت عدة فحوصات وهاهي تنتظر النتائج


موضي تعافت تماما من جروحها الجسدية
ولكنها مازالت تعاني مع جروحها الروحية
قررت أن تعود للعمل وتنخرط فيه
لتتناسى آلامها في العمل



**********************




منزل سعد بن فيصل
بعد وجبة الغداء

سعد يغسل يديه ويتوجه إلى الصالة حيث تجلس شقيقته وضحى (أم فارس)
يجلس وأم فارس تصب له (بيالة) شاي..
يبتسم: جعل فارس سالم ليته يطول في سفرته
كسبناش ذا الأسبوعين.. والله بيتنا من غيرش بيفقد حلاه..

أم فارس تشرب بعضا من شايها وتنزله وهي تبتسم:
جيب لك حلا يا ابن الحلال.. حلا دايم على حسابك

ابتسم سعد وهو يفهم قصدها: عقب ماشاب ودوه الكتّاب..
أي حلا طال عمرش
واجد علي شاهي بدون سكر..

أم فارس تضحك: خلك من البربرة.. ألف بنية تمناك..
ثم أكملت بجدية: حرام عليك سعد دافن عمرك وشبابك من يوم توفت مرتك..
اول عيالك صغار تقول ما أبي أجيب وحدة تعذبهم
بس الحين ماشاء الله صاروا كبار.. والواحد منهم لسانه وش طوله
يعني لو قالت لهم مرتك شيء.. لا تخاف بيقولون لها عشر..

صوت ضحكات يقاطعهم وصوت شاب صغير يتدخل في الحديث:
كاني سامع ريحة تحريض علينا من عمتنا المبجلة..

وضحى تشير للمكان الخالي جنبها.. ويجلس كل واحد من ابناء سعد في ناحية
تحتضن فهد الصغير وترد على فيصل: وش تحريضه الله يخلف علي
هو حد يقدر عليكم أنتوا وأبيكم..

فيصل ذو الخمسة عشر عاما يلتفت على والده ويقول بجدية:
ترا يبه مثل ما تقول عمتي لو بغيت تزوج ترا الموضوع من حقك
وأنت ماقصرت معنا.. غيرك ما يسويها
صبرت ذا السنين كلها بدون مرة..

فهد (12سنة) من ناحيته يقفز ويعلق: بس يبه بتزوج جيب لنا وحدة مزيونة
ما نبي قردة تلوع كبودنا..

أم فارس تضحك وهي تحتضن فهد أكثر: صدق رفيق سليطين.. نفس الأفكار
جيل ما يعلم به إلا الله

سعد يبتسم: العمة وعيال أخيها سوو حزب على سعد الضعيّف
إذا بغيت أتزوج يوم أنتو اول من بيدري.. لا تصدعون راسي
الواحد يبي يقيل.. وانتوا فتحتو له ذا السيرة

فيصل وفهد استأذنوا وتوجهوا لغرفهم
والحقيقة أنهما متراهنان على دور بلايستيشن يريدان إكماله

وسعد التفت لأم فارس وسألها بهدوء: عرس فارس قرب..
فارس محتاج شيء.. قاصره شيء؟؟
تعرفين ولدش لو بيموت ما يطلب من حد شيء

أم فارس بحنين وشوق: لا فديتك.. الخير واجد..
والشباب عيال ولد عمك محمد مايقصرون هم اللي رتبوا كل شيء

سعد نبرة خاصة: على طاري ولد عمي محمد.. بنت محمد اللي ما تشوف وش أخبارها؟؟

أم فارس أخذت السؤال على ظاهره: مريم الله يعوضها الجنة..
والله ذا البنت مافيه مثلها حد.. وأخبارها زينة.. شايلة العرب كلهم على رأسها

سعد بدأ يدخل في المحضور في أسئلته: أنا أتذكر إنها كانت زينة وهي صغيرة

أم فارس مازالت تجاوب على سجيتها دون انتباه لنبرة الخصوصية في أسئلته:
ولحد الحين زينة ..حتى عيونها.. ماكنها بعيون عمياء..
الله يعوضها عن عيونها بالجنة..

سعد باستفسار: إلا هي وش سبة عماها؟؟

أم فارس تجاوبه: حمى جاتها وهي عمرها 3 أو4 سنين..
ماخلتها لين خذت نظرها.. الله يحمي جميع المسلمين ويعوضها عن صبرها

سعد يقف ليذهب لغرفته وهو يقول بنبرة خاصة:
ما تدرين يمكن الله يعوضها
أو تكون هي تعويض لغيرها..



************************



لندن/ منطقة مايفير أحد أرقى مناطق لندن
الظهر
منزل طه الرشيدي والد باكينام


سوزان والدة باكينام تقترب من باكينام التي تجلس في الشرفة تلتفع بدثار ثقيل
وتحتضن كوبا كبيرا من القهوة لم تشرب منه شيئا

سوزان تضع يدها على كتف باكينام وتهمس لها بحنان
بعربية مكسرة تحب أن تتحدث بها: باكي حبيبي.. جو كتير برد

باكينام تفكيرها ليس معها: It's OK mom

سوزان بقلق: صغيرتي مابكِ؟؟ منذ عودتكِ من واشنطن وأنتِ مكتئبة

باكينام بهدوء: لا شيء ماما.. اشتقت لكم فقط
ثم أكملت بألم: ماما أريد الذهاب لزيارة أنّا صفيه في القاهرة
اشتقت لها كثيرا.. أريد رؤيتها قبل عودتي لواشنطن

سوزان مسحت على شعرها وهي تقول لها بحنان: كلنا ذاهبون للقاهرة
أنا أساسا كنت أريد إخبارك.. فوالدك جاءه اليوم استدعاء من القاهرة
وهو يقول أنها فرصة لرؤية والدته وأشقائه

أكملت باكينام بألم ماعادت تعرف له سببا، ألم يمزق روحها:
ولكن لابد أن أرى جدتي فيكتوريا قبل سفرنا
سأذهب لها في ايرلندا إن كانت لن تعود قريبا

سوزان بذات الحنان: أمي ستعود من ايرلندا غدا
وسنذهب كلنا لمانشستر لزيارتها وتستطيعين البقاء عندها حتى موعد ذهابنا للقاهرة لو أردتي..


**********************



العصر
الدوحة
المستشفى الأهلي


لطيفة متوترة جدا
مشعل سيعود الليلة وهي أساسا متوترة بسبب عودته
وزاد التوتر عليها
أن الطبيب اتصل وطلب منها أن تحضر فورا
وأن تحضر معه أحد تثق به من عائلتها
الأمر الذي أثار قلقها لأقصى حد

واتصلت بمريم وطلبت منها مرافقتها
وهاهما الاثنتان تجلسان أمام الطبيب الذي بدا متوترا نوعا ما

لطيفة بهدوء وهي تحاول التسلح بالثقة: دكتور وش فيه؟؟
أنا عارفة إنه فيه شيء مهوب زين ومبين في وجهك
دكتور أنا إنسانة مؤمنة بالله عز وجل.. قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا

مريم برعب: الله يهداش لطيفة بتفاولين على روحش

الطبيب تنحنح: الحمدلله أخت لطيفة أنك متقبلة الوضع ومستعدة نفسيا

لطيفة تنهدت بعمق: الوضع اللي هو؟؟

تنهد الطبيب وكأنه يريد إلقاء قنبلته والتخلص منها: ورم خبيث بالمخ

لطيفة شعرت أن روحها نُسفت نسفا
وأربعة وجوه صغيرة تحتل كل تفكيرها

مريم صُعقت.. عاجزة عن مجرد التخيل

لطيفة ابتلعت عبراتها وهي تحاول التماسك لتسأل بهدوء: وأشلون وضع الورم؟؟

الطبيب بحرج: متأخر جدا جدا..
أنا مستغرب كيف تو تحسين بالألم من أيام
مفترض ورم بهذا الحجم والوضع المتدهور له سنين يعذبك..

لطيفة وقفت وهي تشعر أنها على وشك الانهيار: يعني مافيه أي إمكانية للعلاج؟

الدكتور بحزن عميق: الله قادر على كل شيء
لكن الفحوص تقول ولا وحتى واحد في الألف

الطبيب شرح لها وضعها بعبارات موجزة لكنها كانت قاتلة تماما
وهو يلمح إلى أنها من الأفضل أن تستعجل بكتابة وصية إن كانت تريد ذلك

الوجوه الأربعة الصغيرة تتكاثر في ذهن لطيفة
وجوه صغيرة أثيرة ألتهمت تفكيرها وألمها وحزنها
هم من يهمها
هم من ينحرها
هم من تنزف روحها خوفا عليهم من الحياة بعدها

(مازالوا صغارا.. صغارا
أربعتهم يحتاجونني
لم أعودهم حتى الاعتماد على أنفسهم
حتى ملابسهم لا يعرفون تناولها بأنفسهم من الدولاب
إذا لم أخرج لهم ملابسهم بنفسي لن يعرفوا ماذا يرتدون
إذا لم أدرسهم لن يدرسوا
إذا لم أطعمهم سيلتهون في اللعب عن الطعام
إذا لم أحضنهم لا ينامون
من كبيرهم محمد
حتى صغيرتهم جود
من سيحتضنهم بعدي
من يمسح دمعتهم
من يتحسس أجسادهم الصغيرة ليرى إن كان أي شيء يؤلمهم
من سيعالج جروح محمد وعبدالله اليومية من لعب الكرة؟؟
من يمشط شعر مريم الطويل؟؟!!
من سيعلم جود الصلاة ويحفظها القرآن؟!!

هل سيحسنون تربيتهم
تعبت كثيرا في تربيتهم.. فمن يكمل بعدي؟؟ من؟؟)


مريم عاجزة عن النطق وهي تشعر بروحها تُنسف شظايا
وحزن مر يلتهم روحها كالتهام النار للهشيم
(إنا لله وإنا إليه راجعون
من وين جات ذا المصيبة)


لطيفة تناولت يد مريم لتقودها وتتوجه بها للسيارة
دون أن تنطق أي منهما بحرف
ما أن وصلتا السيارة
حتى انهارت لطيفة تماما
تماما
تـــمــــامــا
ورمت بنفسها على صدر مريم وهي تنخرط في بكاء حاد مؤلم موجع
تبكي نفسها.. وما أقسى بكاء الإنسان على نفسه!!
أن يعلم أن الحياة ستسحب من جسده الممتلئ بالحياة
وأنه سيترك أحبائه خلفه
ليصبح عاريا من كل مافي الحياة.. فقط هو ذنوبه أمام الله عز وجل

(يقولون لا تبعد وهم يدفونني**وأين مكان البعد إلاَّ مكانيا)


كانت لطيفة تهتف بجملة واحدة فقط وتكررها بوجع لا نهائي يمزق الروح
لم تكن تقولها فقط .. ولكنها كانت تنزفها دما وألما وخوفا
جملة تمثل أقسى مخاوفها وأبشع آلامها:

عيالي يا مريم.. عيالي أمانتكم



في ذات الوقت
طائرة مشعل تقترب من الأجواء القطرية
مثقل تفكيره
وبداخله تختلط الأفكار
ففترة سفره أتاحت له التفكير الطويل
رأى أنه أضاع حياته في محض عبث
كان أعمى طوال عمره
أعماه غروره وكبرياءه ووجود النعمة أمامه
ولكن الغشاوة انزاحت عن عينيه
فلطيفة تستحق من يحتويها ليخبرها أنها المرأة الأروع التي لا مثيل لها
بل هي شيء يتجاوز الروعة والإنسانية والحنان والجمال
هي أميرته.. ونبض فؤاده
ونصفه الآخر

(اشتقت يا لطيفة
والله اشتقت
أنا من غيرش ولا شيء ولا شي
سامحيني يالغالية
سامحيني
لا أبوه لا أبو الكبرياء اللي بيوقف بيني وبينش
أنا راجع يا لطيفة
راجع
بكل معنى الكلمة راجع)


اعترف يا مشعل
اعترف!!!

ولكن ألا ترى أن الوقت فاتك
وأنك تأخرت
تأخرت كثيرا
كـــــثـــــــــــــيـــــرا

اعترفت بعد أن أخذك إعصار كبريائك بعيدا بعيدا!!
أخذك إلى حيث نقطة اللا رجوع
أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الأحد 10 أكتوبر 2010, 9:36 pm

الجزء الخامس والأربعون


الدوحة
بعد صلاة العشاء
منزل محمد بن مشعل

مشعل وصل للتو من المطار
قادم للسلام على والديه أولا
يشعر بسعير نار محرقة
ولهفة كاسحة عميقة لرؤية لطيفة بالذات
مثقل بمشاعره التي يريد سكبها بين جنبيها
متعب من الكبت ومستنزف من الشوق

بعد أن سلم على والدته والعنود سأل عن مريم

أم مشعل بهدوء: في غرفتها.. العصر راحت مع لطيفة
ومن يوم رجعت وهي مسكرة على نفسها الباب

مشعل صعد لغرفة مريم
طرق الباب سمع صوت مريم الخافت: ادخل يابو محمد

مشعل حين دخل فُجع بمنظر مريم
كان واضحا تماما أن لها ساعات وهي تبكي

مشعل شعر أن قلبه انتزع من مكانه، فمريم لا يبكيها إلا أمر جلل
سألها برعب: مريم وش فيش؟؟

مريم وقفت وألقت بنفسها على صدره وهي تبكي بمرارة:
لطيفة يا مشعل لطيفة

مشعل شعر كما لو أوردة قلبه وشرايينه قطعت جميعها.. وريدا وريدا وشريانا شريانا
وهو يهتف برعب صرف: وش فيها لطيفة؟؟

لطيفة كانت طلبت من مريم ألا تخبر أحدا
ولكن مريم رأت أن مشعل بالذات لابد أن يعرف
فلطيفة تحتاج إلى من يقف إلى جوارها

مريم أخبرت مشعل بكل شيء وهي تشهق بمرارة بين عباراتها

كل كلمة كانت مريم تقولها كانت سكينا مسنونة
تنغرز في جسد مشعل بوحشية لتمزق أشلائه وتنثر دمائه أمام عينيه
شعر بألم متوحش يخترق صدره ليمزق كل خلية نابضة في جسده
ويحيلها رمادا

(لا لا ياربي لا..
كله ولا لطيفة.. كله ولا لطيفة
اخذني أنا..
خذ عمري كله وعطه لطيفة
ليه أعيش في الدنيا ولطيفة مهيب فيها
لا تخليني يا لطيفة
لا تخليني..
إذا أنا أهون عليش
عيالش يهونون عليش؟!!
لمن تخلينهم؟؟
عيالش صغار.. محتاجينش
لا يا لطيفة.. لا
لااااااااااااااااااا)



**************************




بعد ذلك بقليل

غرفة لطيفة

لطيفة تجلس على السرير
تحتضن هاتفها بيدها بعد أن أنهت مكالمة هامة
عاجزة عن احتمال انفعالها
الانفعال يهزها كالزلزال
وعيناها ممتلئتان بالدموع


وهي على هذه الحال
دخل مشعل

لم تنتبه لدخوله حتى شعرت بكفيه قويتان حانيتان على عضديها
وهو يقف أمامها ويرفعها بخفة
ليحتضنها بعنف كأنه يريد أن يخفيها بين ضلوعه
يريد أن يحمل عنها الألم والوجع
ويخفيها عن المرض عله ينساها ويتركها له
الألم يلتهم روحه.. والندم يأكله على كل لحظة أضاعها عليه وعليها
كان يشدد احتضانها أكثر وأكثر وأكثر..
وهو يستنشق عبير شعرها بعمق
كأنه يستنشق عبير روحها التي ستفارقه
يحتضنها بعمق.. ويستنشق رائحتها بعمق
كأنه يريد أن يطبع تفاصيل جسدها على جسده
ويخزن عبق رائحتها في ذاكرته


لطيفة كانت متفاجئة تماما من تصرف مشعل
بل شعورها تجاوز المفاجأة إلى الصدمة العصية على التصديق

شعرت أن روحها المعذبة تسكن ورأسها مدفون في صدر مشعل العريض
كانت تتنفس بعمق رائحته التي عذبها اشتياقها لها
كانت تشعر كالغريب الذي آب إلى أحضان وطنه أخيرا
فلكم اشتاقت إليه واستنزفها وجع الشوق إلى كل شيء فيه!!
رائحته
صلابة ذراعيه
عضلات صدره
دقات قلبه..


لطيفة شعرت بعد لحظات أنها عاجزة عن التنفس من شدة احتضانه لها
وأن عظام صدرها بدأت تؤلمها
هتفت بصوت خافت: مشعل خنقتني

مشعل لم يكن يريد إفلاتها
يريدها أن تسكن أضلاعه للأبد
أن يخفيها في قلبه وبين حناياه
لا يريدها أن تبتعد
يريدها أن تستوطن خلاياه لآخر لحظة في عمريهما

ولكنه أفلتها بخفة ليحتضن وجهها بحنان بين كفيه
وينظر لعينيها بوله ويهتف بعمق:
أنا أحبش يا لطيفة أحبش..
مهوب بس أحبش
أنا أعشقش..وأعشق الأرض اللي تمشين عليها
أنا كنت غبي
وطول عمري غبي
سامحيني حبيبتي سامحيني


لطيفة كانت مصعوقة
لم تتخيل أنها قد تسمع هذه الكلمات من مشعل
ولا حتى في أجمل أحلامها
شعرت ببركان يتفجر في روحها
وحرارتها ترتفع
ودقات قلبها تتزايد وتتزايد وتتزايد
وهي على وشك الارتماء في حضنه مرة أخرى
وغمر وجهه بقبلاتها المشتاقة
(وأخيرا يا مشعل.. وأخيرا)

لكنها خطر لها خاطر مرعب جارح مميت
سألته بحذر موجع خائف مرتجف
وهي تشعر برعب من الإجابة التي تمنت أن تخالف ظنونها
ودعت الله بعمق أن تخالف ظنونها
وضرعت لله ألف مرة أن تخالف ظنونها:

أنت شفت مريم؟؟

مشعل بألم صرف: توني جاي من عندها..

حينها لطيفة شعرت أن قلبها مات تماما
ومشاعرها تنطفئ كأنما انسكب عليها طوفان من الجليد
وهي تخلص نفسها من بين يدي مشعل وتقول ببرود.. برود مختلف
برود حقيقي .. ليس مصطنعا مثل كل مرة:
إيه قول كذا يا ابن الحلال!!
يا حرام..
تدري كلفت على روحك بذا الكلمتين
أكيد تعبت وأنت تقولهم
بس قلت ياحرام.. المرة بتموت
خلني أكذب عليها وأفرحها الأيام اللي باقية لها في الدنيا
خل شفقتك لنفسك
والفيلم الهندي البايخ اللي سويته وفره على حالك
لأنه أنا مافيني شيء
الدكتور توه كلمني الحين..يعتذر عن الخطأ الغير مقصود على قولته
يقول الفحص مهوب فحصي..
الفحص حق وحدة ثانية توفت الليلة الله يرحمها برحمته..ويعيضها الجنة
والله إني حزنت عليها
وأنا اللي معي مجرد ارتفاع في الضغط جاب لي صداع..
إذا تبي تتأكد هاك خذ كلمه..

وفعلا رنت لطيفة على الدكتور وأعطته لمشعل الذي تحادث معه قليلا
والدكتور يكيل الاعتذارات بحرج بالغ

لطيفة مجروحة بعمق..
ممزقة تماما
روحها مدمرة..
شعورها كان كمن يحلق فوق السحاب
ليجد نفسه بعدها يرتطم في الأرض بعنف
لتتحطم كل ضلوعه
وتنسحق سحقا

(أخرتها شفقة يا مشعل
أخرتها كذا
عمرك ماحبيتني ولا بتحبني
خلصت من ذا الفيلم كله خلصت
فقدت كل رغبة في حبك
أنا قرفانة من حبك أصلا)

مشعل أغلق الهاتف
وتوجه إلى حيث جلست على الأريكة
جلس جوارها وهو يحتضن يدها
لطيفة انتزعت يدها بقسوة
ومشعل يتنهد ويقول بعمق موجع صادق:
اللهم لك الحمد والشكر
ألف شكر وحمد
ما تتخيلين أشلون كنت حاسس
كنت بأموت من مجرد تخيلي الحياة من دونش
حسيت إن حياتي كلها مالها معنى
لطيفة أنت نور حياتي
أنا من غيرش ولا شيء.. والله العظيم لا شيء
لا تقسين علي حبيبتي
كفاية اللي راح علينا
والله العظيم أحبش أنتي وبس
وحتى فكرة الزواج كانت فكرة غبية أنا ألغيتها من زمان من تفكيري
حد ممكن يبعد عن روحه وأنفاسه
أنتي روحي وأنفاسي

لطيفة وقفت وابتعدت عنه وهي تقول ببرود:
والله وصرت تعرف تمثل وتصفصف حكي
وفر على نفسك حكي أنت ماتقصده
ولا راح يأثر فيني
لأن قلبي أنت نحرته
والميت خلاص مات مافيه شيء يرجعه للحياة


لطيفة أنهت جملتها
وتركت مشعل جالسا مصدوما مشبعا بالألم غارقا في وجع سرمدي
وهي خرجت لتفرغ انفعالاتها بعيدا عنه
ولتتصل بمريم وتطمنها



*************************



فارس عاد لبيته أولا وسلم على والدته
وهاهو يتوجه لبيت جدته بعد أن صلى العشاء

دخل بعد الاستئذان
وجد موضي ومشاعل في الصالة السفلية
وجدته مازالت لم تخرج من غرفتها

مشاعل سلمت عليه وركضت لغرفتها خجلا
فزواجها بعد أقل من أسبوعين وبدأت تخجل من مقابلة أكثر الناس
حتى والدها بدأت تتحاشى رؤيته من شدة خجلها

فارس يبتسم وهو يراها تتمتم بأعذار واهية وعيناها في الأرض
ثم تركض للأعلى
يغمز لموضي: مستحية الأخت؟؟

موضي تضحك: أكيييييييد.. هذي علامة الجودة حقت ميشو

فارس باهتمام: أنتي ما تحسين إنها خجولة بزيادة؟؟

موضي بقلق: بصراحة زيادة عن الزيادة
ثم أكملت بخبث: بس لا تخاف ترى العنود مهيب مثلها

فارس ينهرها: موضي عيب عليش ياقليلة الحيا

موضي (بعيارة) : عشتو.. علي يا فويرس..

فارس تنهد: تدرين مالي خلق أعصب عليش.. أنا في مشاعل
واجد شاغلتني.. أشلون بتتعامل مع ناصر إذا أنا إخيها تستحي مني كذا

موضي بقلق: والله يافارس أنا ولطيفة ومعنا مريم نحاول فيها، بس حالتها مستعصية
ياليت يافارس تقول لناصر يصبر عليها.. ومايزعل من سحاها الزايد

فارس بثقة: أنا بأقول له.. بس هو أشلون بيستحمل.. ناصر واحد مزوحي
ومايحب الصكة والنكد.. وأختش على وضعها هذا أم النكد وأبوه

وهما يتحاوران خرجت جدتهما تتهادى على عصاها
الاثنان قفزا وهما يتلقيانها باحترام
فارس يقبل رأسها ويقول بحب عميق ممزوج بالاحترام: هلا بالغالية

جدته بحنان: هلا والله.. والله إني صادقة

فارس أسند جدته حتى أجلسها
ثم جلس إلى جوارها وهو يحتضن كفها
بعد انهاء السلامات المعتادة، جدته سألت بانفعال غاضب: الخريش وينه؟؟

فارس باستغراب: أي خريش؟؟

جدته بغضب على مشعل: اللي سافر ودميانه تقوطر

فارس ضحك: كان يقول إنه بيجيش على طول عقب أمه

جدته بانفعال: ما أبيه يجيني خله يروح يرتاح..
هو حد يسوي سواته الخبل
لو أنه مات وخلا بزارينه يتمان كان سره ذا الشغل وإلا نفعه..

موضي تهمس في أذن فارس:
جدتي مفولة على مشعل من يوم درت إنه راح وهو تعبان
الله يعينه عليها إذا جاء يسلم



**********************



واشنطن دي سي
ذات اليوم بالليل

غدا موعد سفرهم
سيتوقفون في فرنسا ومنها إلى الدوحة
كان من المفترض أن تكون نقطة التوقف المعتادة هي لندن
ولكن مشعل دائما يتلافى التوقف في لندن تلافيا لأي تعقيدات تخصه
وسيكونون في الدوحة مساء بعد الغد إن شاء الله

هيا أنهت ترتيب جميع أغراضها
وكانت تتمنى أن تساعد مشعل في ترتيب أغراضه
أو تقوم هي بترتيبها
لكنه كعادته طيلة الأيام الماضية يتجاهلها تماما
وكأنها غير موجودة
لا يطلب منها أي شيء
ويوجه لها الخطاب بصيغة عامة ودون أن ينظر إليه
كم هو مؤلم إحساسها بتجاهله لها
لا تنكر أنه لم يقلل من احترامها مطلقا
ولكنه يحترمها احترام رسمي موجع
عاجزة عن التفسير والالم

هي الآن متوترة جدا من مقابلة أهلها
كانت تتمنى أن يخفف مشعل عنها
كما كان يفعل قبل غضبه الأخير منها
كان كلما شعر أنها متوترة من قرب لقاءها بأهلها
كان يحكي لها عشرات الحكايات عن كل واحد منهم
ليسحب كل مشاعرها السلبية بطريقة سحرية
ولكنه الآن صامت دائما
ويتركها للهواجس والتوتر والقلق

تطل عليه وهو في غرفته يرتب حقيبته غير منتبه لها
أو ربما غير مهتم!!

(اشتقت لك مشعل..اشتقت لك
ألا تريد أن تسامحني
ألا تكفيك الأيام الماضية
احتاجك مشعل أحتاجك
لا تتركني هكذا معلقة بين الألم والهواجس
أنا لا أعرف هناك أحدا سواك
لك وحدك انتمي
أشعر بعيدا عن دفء مشاعرك كأني غريبة تفتقد دفء وطنها
أنت وطني
فكيف يعيش الإنسان دون وطن؟!!)

تهمس وهي واقفة عند الباب: مشعل تبي مساعدة؟؟

مشعل بهدوء دون أن ينظر إليها: لا شكرا..

(هل تستمتع بإيلامي وإشعاري بالذنب حبيبي؟!)

(هل تستمتعين بتعذيبي بقربك بينما أنتِ أبعد مايكون حبيبتي؟!!)

(أنا آسفة جدا.. ألا تستطيع تفهم خجلي؟!!
ألا تسامحني وتحتضني لتشعرني بالأمان في أحضانك؟!)

(لا تشعري بالشفقة علي
فأنا من آل مشعل
مخلوقٌ غير قابل للتحلل أو الاهتزاز
وأبعد ما أريده منك هو شعور بالشفقة أو حتى الامتنان)

حوار صامت يدور بينهما
هي تنظر له
وهو ينظر لكل شيء عداها
أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الأحد 10 أكتوبر 2010, 9:39 pm

الجزء السادس والأربعون


طائرة مشعل في الجو أقلعت من مطارل شارل ديغول في باريس
وتبقى ساعات قليلة على وصولها للدوحة



اليومين الماضيين مرا قاسيين جدا على البعض
وأكثر هذا البعض كان مشعل بن محمد
آلمه خانق لروحه
قاسٍ على مشاعره المتدفقة الملتهبة
وموجع لكبرياءه الثمين


فلطيفة أصبحت تتجاهله تماما
سابقا كان يعرف حتى وإن كانت تتجاهله إلا أن تحت جلدها لهيبا
وفي عيناها ألق مختلف كلما رأته
ولكن هذا اللهيب انطفى
والألق اختفى
أصبح يشعر أنها ليست أكثر من قالب ثلج


تبادلا الأدوار بجدارة
المتجمد والملتهبة
أصبحا الملتهب والمتجمدة


(أ هكذا كانت تشعر وهي معي
أنا لم أحتمل هذين اليومين
فكيف تحملتني هي ل13 عاما
كيف؟؟
كيف؟؟
أي مخلوق جبار أنتِ؟؟)


هاهو ينظر لها وهي تنام جواره وتعطيه ظهرها
يعلم أنها لم تنم ولكنها تتجاهله كعادتها مؤخرا


يعلم أن الذنب كله ذنبه
وهو من لابد أن يبادر للاصلاح
ولكن هل مازال هناك فرصة للاصلاح؟؟


اقترب منها
ألصق جسده بظهرها
وهو يهمس في أذنها بعمق حنون: لطيفة حبيبتي


لم ترد مطلقا عليه
ولم تتحرك مطلقا


انحنى أكثر على أذنها ويده تسكن على عضدها بحنان
ليهمس بخفوت مُعذِب:
حبيبتي ردي علي
لمتى بتعذبيني يعني؟؟
والله العظيم أحبش
أنتي وبس


كان الرد عليه صمت مطبق بلا حراك


شعر أن هذا كثير عليه.. كثير جدا
لا يستطيع أن يتقدم أكثر من هذا ولا أن يقول أكثر من هذا
فتلك الكرامة اللعينة لا تسمح له بأكثر من هذا في الوقت الحالي


تراجع لمكانه
وهو يعطيها ظهره
وأفكاره المنثالة تقتحمها هواجسه
ومشاعره المصلوبة على مشانق الرغبة والألم والاحتياج


(وش هالحياة اللي عايشينها؟؟
باقي نجيب ثلاجة ونعيش فيها!!
لكن مهوب أنا اللي أخسر!!
مهوب أنا!!)





*********************




مدينة مانشستر شمال غرب لندن
قصر اللورد وليام تشارلستون جد باكينام


كان قصر جد باكينام الانجليزي عبارة عن قلعة عريقة في ضواحي مانشستر
يرجع تاريخها للقرن السابع عشر الميلادي
أجري عليها العديد من التجديدات ولكنها مازالت تحتفظ بطرازها المعماري القديم
ولا يسكن فيها حاليا سوى جدتها فيكتوريا
التي أصرت أن تبقى مع ذكرياتها التي تحمل رائحة وليام..


وتكون الصدفة المريرة والمفارقة المرعبة
أن تعيش فيكتوريا الإيرلندية في مانشستر بالذات
المدينة الانجليزية التي تعرضت لأشهر وأعنف هجمات الجيش الإيرلندي الجمهوري
(مسمى الثوار الايرلنديين الذين كان منهم والد فيكتوريا)
ومن هذه الهجمات مذبحة شهداء مانشستر الشهيرة في القرن التاسع عشر
ومن آخرها الهجوم الشهير جدا سنة 1996
الانفجار الذي هز وسط مانشستر وخلف مئات القتلى


وهاهي فيكتوريا تقيم في مانشستر التي تلعن الايرلنديين صبح مساء



كانت باكينام ترتدي حجابا ثقيلا من الصوف
وجاكيتا واسعا طويلا من الكشمير الثقيل
فالجو كان يثلج بغزارة في الخارج


فيكتوريا ترتدي طقما ثقيلا من التويد الرمادي يمثل الطراز الانجليزي الارستقراطي في اللبس
حتى وإن كانت تكره الانجليز ولكنها أصبحت تمثلهم في تصرفاتها ولبسها
شعرها أصبح أبيض تماما وهي ترفعه في شنيون كلاسيكي هادئ
يناسب هدوء ملامحها الدقيقة المشبعة بالتجاعيد


اقتربت من باكينام التي تجلس على أريكة بالقرب من المدفأة
و جلست جوارها وهي تفك حجاب باكينام بحنان
باكينام أمسكت حجابها وهي تقول بهدوء:
أخشى أن يدخل أحد خدمك وأنا بدون حجاب


فيكتوريا بحنان: لقد نبهت عليهم ألا يدخل علينا أحدا منهم
أريد أن أرى شعرك


باكينام فكت حجابها بنفسها ثم وضعت رأسها على فخذ جدتها
جدتها تمسح على شعرها و تهمس لها بحنان:
لِـمَ لم تغادري مع والديكِ؟؟


باكينام رفعت عيناها الغائمتان لها وابتسمت ابتسامة باهتة:
ألا تريدينني؟؟


فيكتوريا بذكاء: تعرفين أن هذا ليس قصدي
لا تتغابي أو تتذاكي علي
مابكِ؟؟


لطالما كانت علاقة باكينام بجدتيها استثنائية، وارتباطها كبير جدا بهما
ولطالما كان الحوار مفتوحا وذكيا بينها وبين العجوزين الذكيتين


باكينام بذكاء كذكاء جدتها:
لا شيء سوى أن واشنطن كانت قاسية علي
وكادت أن تكسرني أو ربما فعلت


انتفضت فكتوريا: لن تكوني حفيدتي إن تركتي أي شيء يكسرك


باكينام تناولت يد جدتها من فوق رأسها واحتضنتها بالقرب من صدرها:
متعبة كثيرا ماما.. متعبة..


جدتها همست بحنان وذكاء وهي تحتضن يدي باكينام:
أتمنى ألا يكون انجليزيا باردا متوحشا


باكينام جلست وهي تهتف باستغراب: من هو؟؟


فيكتوريا برقة: سبب تعبكِ


ابتسمت باكينام: ولِـمَ تفترضين إن هناك رجلا ما؟؟؟


فيكتوريا بحكمة: لا تستخفي بي ياطفلتي
قد أكون عجوزا ولكني أعرف الحب جيدا
أنا عرفته ثم عرفته في أمك
ويبدو أننا أجيال حُكم عليها بالغرام
أتمنى فقط ألا يكون انجليزيا..
الانجليز كان فيهم رجل رائع واحد كان من نصيبي
أما البقية فهم حثالة شعوب الأرض وأكثرهم وحشية


باكينام ضحكت لأول مرة منذ إصابتها بالانهيار في واشنطن:
عديني ألا تخبري أحدا


فيكتوريا تقرص أذنها: أ لي يُقال هذا الكلام؟؟ هيا أخبريني


باكينام تبتسم: مصري


تضحك الجدة : أنا أحببت المصريين بعد والدك..
والدك رجل رائع ويحب أمك كثيرا
وأخيرا قرر الجيل الثالث العودة لقواعده وعروقه سالما


باكينام بألم: لم يعد ماما لم يعد.. فحكايتي معه انتهت قبل أن تبدأ
وأرجوكِ لا تسأليني عن التفاصيل
فالتذكر مؤلم.. مؤلم كثيرا


جدتها تحتضنها: لا بأس صغيرتي لا بأس.. الحياة تجارب
وربما كان هذا الشاب مجرد محطة قبل الوصول لمحطتك الرئيسية


باكينام تحاول كبت دموعها حتى لا تثير قلق جدتها عليها:
هو كل المحطات ماما كل المحطات


وقبل أن ترد عليها جدتها هتفت باكينام لتغيير الموضوع:
سنذهب لمصر بعد أيام ما رأيكِ أن ترافقينا؟؟


فيكتوريا باستغراب: وماذا أفعل في مصر؟؟


باكينام بحماس: وماذا تفعلين هنا في هذا الثلج والصقيع
الجو الآن في مصر رائع
وأنتي لم تزوري مصر منذ زمن بعيد


فيكتوريا بحنين: زرتها مع وليام قبل وفاته بسنوات


ضحكت باكينام: وبالتأكيد أقمتم في المينا هاوس قرب الاهرامات


جدتها باستغراب: هل أخبرتكِ سابقا؟؟


باكينام تبتسم: لا.. ولكن كل اللوردات الانجليز لابد أن ينزلوا هناك
ويصوروا أيضا وتوضع صورهم في بهو الفندق أو دفتر الزوار.


فيكتوريا تتذكر: مكان رائع بالفعل..


مينا هاوس كان قصرا من قصور الخديوي اسماعيل يطل على الاهرامات مباشرة
أُعد ليكون استراحة له ولأسرته ولضيوفه زائري الأهرامات
وأشهر الزوار كانت أوجيني ملكة فرنسا التي يقال أن الخديوي كان معجبا بها جدا.
اشتراه في أواخر القرن التاسع سير انجليزي يدعى (فريدريك هيد) لأنه أعجب زوجته
ثم اشترته عائلة (لوكيه كينغ) الانجليزية العريقة المعروفة بولعها بالآثار
وكانت هذه العائلة هي من حولته لفندق شديد الفخامة
وفي سبعينيات القرن الماضي اشترته سلسلة فنادق أوبروي العالمية
والفندق تحفة معمارية مذهلة ولكنه معروف للأجانب أكثر من العرب
والزائر له سيرى في انحائه صور عدد كبير من المشاهير الذين أقاموا فيه.



باكينام بحماس وهي تحاول أن تتناسى حزنها: جربي الحياة المصرية الحقيقية
بعيدا عن الفنادق.. سأكون لك دليلا سياحيا بالمجان
بيتنا هناك رائع جدا ويطل على النيل مباشرة
كما أن لنا بيتا آخر في قرية والدي وسط مزارع شاسعة
صدقيني ستستمعين معنا


فيكتوريا بتفكير: لا بأس سأفكر.. ولكن لن أذهب معكم
سألحق بكم بعد أسبوع
فلابد أن أرتب أوضاع القصر والخدم قبل ذهابي..



منزل عبدالله بن مشعل
بعد صلاة العصر


أم مشعل لها عدة أيام وهي تستعد لاستقبال ابنها مشعل وزوجته
عبدالله منذ علم بزواج مشعل بدأ باستخراج ترخيص بناء قسم خاص له
في طرف أرض البيت الشاسعة.. حتى يعود مشعل ويستقر ويني بيته الخاص على أرضه الخاصة
وبدأ البناء فعلا ولكنه سيستغرق أشهرا


لذا مبدئيا أعاد صبغ وديكور وترتيب غرفة مشعل القديمة
ليقيما فيها فترة إقامتهما القصيرة في الدوحة التي لن تتجاوز شهرا
الترتيب قام بأكثره لطيفة وموضي
فغرفة شاب عازب تختلف بالتأكيد عن غرفة متزوجين
اشتروا الغرفة واختاروا الصبغ والستائر
حتى الحمام غيروه.. وهم يريدان إشعار الزوجان الجديدان أنهما عريسان فعلا


وهاهما الاثنتان في الغرفة


موضي ترمي بنفسها على السرير وهي تهتف بتعب:
يووووه تعبت.. انقطع قلبي من الترتيب


لطيفة بغضب: قومي من السرير لا تكرمشين المفرش


موضي مازالت تتمدد: يعني أنا اللي بأكرمشه
وأخيش الزرافة لا


لطيفة تقرصها: قومي رتبي العطور على التسريحة.. خلي لش فايدة


موضي تدعك مكان القرصة: مشكلة إذا صار فيه حد أكبر منك
تنقرص وتنضرب وأنت متلايط غصبا عنك


لطيفة بتعب: ياكثر هذرتش بس..
اتصلتي على الكل وعزمتيهم على الحفلة بكرة؟؟؟


موضي تبتسم: صار.. ماخليت حد..
بس حرام عليكم البنية توها جاية ماتعرفكم
تسوون حفلة كبيرة وتجمعون أمة لا إلة إلا الله على رأسها


لطيفة ترتب بعض الأغراض في الدواليب وتقول بجدية:
أشلون يعني تبين بنت عمش وعروس أخيش تجي ماحد درى فيها
وخصوصا إنه عرس مشاعل والعنود بعد 10 أيام
يعني لازم نحتفل فيها قبلهم..
إيه اتصلي في العنود وشوفي إذا هي أكدت حجز الكوافيرة لهيا بكرة.


موضي بتأفف مازح: يمه منش.. أنتي ما تهجدين ماشاء الله
تشتغلين على كم جبهة أنتي؟؟!!




**********************




الدوحة
العصر


ناصر وفارس يجلسان في مقهى لونوتر في فيلاجيو


فارس بتأفف: ممكن أعرف ليش داق علي وجايبني


ناصر يرتشف قهوته ويبتسم: زهقان.. وبعدين مرتك اللي جايبتني هنا
لازم تعاني معي.. مايصير أعاني بروحي


قلب فارس انتفض بعنف وهو يعرف أنها معه في نفس المكان
حتى ولو كان مكانا شاسعا فيه المئات غيرهم


ثم هتف بغضب: أنت مخليها في المجمع بروحها؟؟


ناصر ينظر له بنصف نظرة كسولة: غيران الأخ؟؟


فارس بغضب: أنت من جدك وإلا تمزح..
قوم روح لأختك لا بارك الله فيك من رجّال..


ناصر يبتسم وهو ينظر لأظافره بطريقة مصطنعة ليغيظ فارس:
والله مرتك.. غيران عليها روح دورها بروحك


فارس قفز بغضب: مادريت إنك رخمة.. اتصل فيها خلها تطلع الحين


ناصر يمسك يده ويشده وهو يضحك:
اقعد لا ينقطع عرقك بس
أمي معها.. مهيب بنت محمد بن مشعل اللي تهيت طال عمرك


فارس شعر بالحرج وأن ناصر حشره في الزاوية


وناصر يكمل وهو يضحك:
والله مهيب هينة العنود النتفة..جابت رأس الشيخ فارس


فارس ببرود يحاول به تغطية حرجه:
والله الرجّال اللي مايغار على محارمه مهوب رجّال


ناصر مازال يضحك: كثر من ذا الهياط طال عمرك


فارس يقرر أن يرد له الصفعة وهو يقول له بخبث:
دواك اللي بتسويه فيك مشاعل


هذه المرة كان ناصر هو من شعر بالرعشة وهو يهتف بمرح:
آه فديت الطاري
الله يخلص ذا الأيام العشرة على خير
قل لي وش هي ناوية تسوي فيني.. أنا كلي حلالها


فارس بهدوء: أنت ماتعرف شيء اسمه سحا.. عيب عليك


ناصر يضحك: وش عيبه؟؟ مرتي ذي.. خلينا العقد لك


فارس بجدية: ناصر ترا مشاعل خجولة بزيادة


ناصر يبتسم: حلالها خلها تخجل وتتدلع


فارس بنفس الجدية: يعني مستعد تصبر عليها؟؟


ناصر بجدية هذه المرة: يعني أنت ما تعرفني فارس
مشاعل قبل ماتصير مرتي بنت عمي.. لها القدر والحشيمة.. لا تحاتيها


الحوار مستمر بين ناصر وفارس
ولم ينتبها للعيون التي كانت تلتهمهما


بعد دقيقة اقتربتا صاحبتا العيون..
وقبل اقترابهما وصلت رائحة عطريهما القوية
اقتربتا حتى وقفتا عند طاولة ناصر وفارس
وهمست إحداهما: ناصر بن مشعل


ناصر رفع عينيه وهو يرد بعفوية: نعم


ولكنه سرعان ما أشاح بنظره وهو يصدم بمنظرهما
كأنهما ذاهبتان إلى حفل زواج
الوجوه المكشوفة المصبوغة والعباءات الضيقة والشعر البادي


أكملت بميوعة: ممكن توقع لي الشيخ
أنا والله العظيم أجمع كل صورك في كل سباق.. ياي تينن


ثم هتفت الثانية بميوعة أكثر: وخل المزيون اللي معاك يوقع لي أنا


فارس لم يرفع عينيه أصلا وهو على وشك الانفجار


ناصر بثقة وقوة: توكلوا.. الله يستر عليكم


مازالت مصرة: بس توقيع.. اشفيك ناشف جذيه مع معجبينك


فارس بقسوة: أقول توكلي توكلي


همست بغضب بارد: ياي يخرع


ثم انسحبتا ولكن الأخرى قبل أن تنسحب مالت على فارس
لتهمس له من قريب: شلعت قلبي.. وش هالرجولة والجمال اليوسفي..


وناصر انفجر ضاحكا وهو يرى احمرار وجه فارس من الغضب
فارس بغضب: أنت أشلون تستحمل ذا الاشكال
تدري.. أخر مرة أقعد معك وإلا مع راكان في مكان عام
تجيبون للواحد شبهة بذا الاشكال اللي تحذف عليكم..
هذولا وين أهلهم عنهم؟؟؟



الجزء الأخير من الموقف حدث أمام عينين دامعتين كانتا تشاهدان من بعيد




**********************




بعد ذلك بساعتين
طائرة مشعل وهيا تقترب


مشعل يهمس لهيا ببرود: أنا ما أدري وش كنتي تلبسين في الدوحة قبل
لكن الحين اسمش مرتي وأنا لولا خوفي إنه حد يضايقش في أمريكا
أو كان قلت لش تغطين وجهش هناك
لكن في الدوحة أعتقد أنه مافيه داعي انبهش


هيا لم ترد عليه لأنها كانت تغلي من الغضب عليه
(هذا وش مفكرني؟؟)


وبعد أن تمالكت نفسها ردت عليه ببرود مشابه لبروده:
والله يا ولد عمي أعرف السنع قدام تأخذني
ولمعلوماتك أنا كنت أغطي وجهي حتى في لندن عدا الجامعة بس
بس في أمريكا حذروني أغطي وجهي
ومنت باللي تجي الحين تعلمني أشلون أتستر


مشعل بتأفف عميق: أنتي كل شيء عندش معركة لازم تربحين فيها


كان هذا أول حوار حقيقي بينهما منذ أيام
وإذا به يتحول إلى مأساة وحرب باردة مستعرة


هيا أخرجت نقابها وارتدته
وهي تحاول نسيان غضبها من مشعل
فما فيها يكفيها
ألم
توتر
توجس
رعب
حزن
وقلبها ترتفع دقاته
ووجيب هذه الدقات يكاد يمزق أضلاعها
خرجت من الدوحة مع أمها
وعادت لها مع مشعل
وشتان بين الذهاب والعودة


تشعر برعب كاسح من الحياة التي تنتظرها
كيف سيكون استقبال أهلها لها
هل سيحبونها؟؟
هل ستحبهم؟؟
كيف هي أشكالهم؟؟
هل فيهم شبه من والدها مثل مشعل؟؟
كيف سيتعامل معها مشعل هناك أمام أهله؟؟


عشرات التساؤلات التهمت تفكير هيا بمرارة
وقائد الطائرة يعلن عن قرب نزول الطائرة في مطار الدوحة الدولي
أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الأحد 10 أكتوبر 2010, 9:42 pm

الجزء السابع والأربعون


بيت محمد بن مشعل
غرفة العنود


حينما طلبت لطيفة من موضي أن تتصل بالعنود لتتأكد من حجز خبيرة التجميل
ارتعبت موضي وهي تشم في صوت العنود رائحة بكاء تحاول إخفاءه
لذا قررت أن تتوجه لبيت عمها
رغم انشغالها وأن عندهم عشاء رجال ضخم بمناسبة عودة مشعل ووالاحتفال بزواجه في آن

وهاهي الآن في غرفة العنود التي ما أن رأتها حتى انخرطت في البكاء
وكأنها تحتاج إلى من ينبش قشرتها الرقيقة المتهاوية

موضي بلطف: حبيبتي العنود.. ممكن تقولين لي ليش تبكين؟؟

العنود تشهق: فارس.. فارس..

موضي برعب: وش فيه فارس؟؟

العنود تشهق أكثر: يغازل

ثم ألقت بنفسها على السرير وهي تبكي بشكل أحد..

موضي لم تستطع أن تمنع نفسها من الضحك وهي تربت على ظهر العنود:
قومي قومي يالخبلة
تدرين؟؟.. قولي لي.. إبي عبدالله بن مشعل يغازل أقول لش يمكن
بس فارس مستحيل.. لا تصيرين هبلة

العنود مازالت تبكي: أنا شايفته بعيني يكلمها وباقي تقعد في حضنه..

وحكت العنود الحكاية كاملة كما شاهدتها

موضي تشد العنود وتجلسها وتقول لها بحنان: أكيد أنتي غلطانة
فارس مستحيل يسويها..
ثم غمزت موضي وهي تقول بمرح: وبعدين ليش تصيرين صكة كذا؟؟
خليه يودع العزوبية..

العنود تشهق: حرام عليش موضي.. أحر ماعندي أبرد ماعندش

موضي بعذوبة: عشان ترتاحين الحين بأدق على فارس وأنتي تسمعين

العنود برعب: لا لا لا

لكن موضي لم تستجب لرفضها وهي ترن على فارس

وقتها فارس كان في سيارة مشعل متوجها للمطار لاستقبال مشعل
حتى يعود مشعل مع زوجته في سيارته
ويعود فارس مع ناصر..

فارس التقط هاتفه وهو يبتسم: هلا والله بالشيخة موضي
لا تخافين رايح أودي سيارة أخيش
خلاص راحت علينا جا حبيب القلب

العنود قلبها يرتعش بعنف
ويكاد عرقها يتصبب حرا في برودة ديسمبر
وهي تسمع صوته الخشن العميق عبر (السبيكر) المفتوح

موضي تبتسم: خلك من البربرة.. يقولون صادينك تغازل

فارس بغضب: اقطعي واخسي.. ماعاد إلا فارس بن سعود يخربط

موضي تنظر للعنود وتبتسم وتكمل حوارها مع فارس:
اليوم في لونوتر شايفين البنت باقي تقعد في حضنك

فارس بغضب: تدرين موضي.. مهوب شغلش..
ومهوب أنتي اللي تجين تحاسبيني
وأنتي حسابش معي ياقليلة الحيا

موضي توترت وشعرت أنها ربما تكون أخطأت بالاتصال والعنود تسمع
لذا حاولت أن تسحب التوتر: ولا حتى المدام لها حق تحاسبك وهي شايفتك بنفسها؟؟

فارس بغضب كاسح: العنود اللي قالت لش..

العنود توقف قلبها وهي تسمع كيف تغير صوته من الغضب
وكم بدا لها مرعبا ومخيفا تردد نبرة صوته الغاضبة في الجو
وكأن الهوا سكن حولها خوفا
والجو يصبح خانقا وثقيلا

وموضي شعرت أنها تورطت لذا أجابت بصراحة:
أنا عندها.. وتراها تسمعك.. خل عندك شوي ذوق

فارس بغضب ناري: يعني هي تسمعني..زين العنود اسمعيني
حسابش عندي.. عشان ثاني مرة تدخلين حد بيننا
يعني مافيش صبر كم يوم وتسأليني بنفسش
أو من أولها ماعندش ثقة فيني.. أصلا رصيدش عندي كبير
ما يضر ذا الموضوع زيادة

العنود غضبت من تهديده الوقح لها فصرخت بصوت عالٍ حتى يسمع:
وأنا ماني بعبدة عندك تهددني وأنا عادني في بيت إبي..
على شنو شايف حالك؟؟

موضي أغلقت السبيكر بسرعة وهي تهتف لفارس:
فارس الله يهداك مافيه شيء يستاهل

فارس بغضب: دواش أنتي وياها عندي..
ثم أغلق الهاتف..

وموضي ترجع للعنود الباكية وتحاول تهدئتها وإقناعها
أن فارس يغضب بسرعة ويرضى بسرعة
بينما العنود كانت تشعر أنها مجروحة بعمق منه ومن قسوته
وقبلها من المشهد المهين الذي رأته
مشاعرها الرقيقة كانت مستباحة ومستهاضة حزنا وألما
وغيرة مرة جارحة



*************************



مطار الدوحة الدولي

مشعل وهيا يصلان
هيا متوترة جدا
قلقة
مرتاعة
مشاعرها تنزف توترا وخوفا غير مفهوم

راكان كان قد أخذ أذن لدخول المستقبلين لصالة الاستقبال الرئيسية
صالة الحقائب
ولكنه لم يحضر.. بقي في المجلس لاستقبال الرجال مع والده وعمه
ولأن استقباله لصديق عمره لابد أن يكون استقبالا خاصا

ومن جاء للاستقبال فارس وناصر
ومشعل ليحضر لطيفة.. لأنه لابد أن يكون هناك أحد لاستقبال هيا

وهاهما يصلان
وهيا توترها يتصاعد
وهي تود لو تخفي وجهها في ظهر مشعل توجسا وقلقا

ثلاثة أجساد ضخمة تتوسط البهو
عرفت هيا فورا أن اثنين منهما مشعليان أصيلان
الثالث لا يشابههما إلا في الطول والعرض فقط
تأخرت عن مشعل قليلا وهي تراه يتوجه ناحيتهم وابتسامته تتسع وتشع
شعرت أنها غريبة تماما وهي تتأخر أكثر وتتقزم
وهي ترى استقبالهم الحار له
شعرت بدموعها تقفز إلى محاجرها
وذكرى والدها ووالدتها تقتحمها بعنف
شعرت أنها وحيدة وهي ترى مشعل بعيدا عنها
في أحضان أهله
لم ترَ من قبل أسرايره بهذا الانفتاح
وابتسامته بهذا الصفاء
وكأنه يحلق ويتحرر من سجنها له أخيرا

وهي في أفكارها المرة
شعرت بيد رقيقة تسحبها لتحتضنها
وصاحبة اليدين تهمس بصوت عذب حنون:
الحمدلله على سلامتش.. نورتي الدوحة وبيت هلش
أنا لطيفة بنت عمش وأخت مشعل الكبيرة

غصبا عنها وجدت هيا نفسها تنخرط في بكاء مكتوم
وهي تحتضن لطيفة
شعرت بانفعال عميق وهي ترى أن هناك من تذكرها
وغمرها بمشاعره
في الوقت الذي كانت مشاعرها مستثارة ومتحفزة وعلى شفا الانهيار

وقتها كان مشعل يلتفت لها
شعر بألم عميق لأنه علم أنها تبكي
(أما لهذا البكاء والوجع من نهاية؟!)

الشباب ناصر وفارس أخذا أرقام الحقائب من مشعل
ليحضراها هما
وأعطى فارس مشعلا مفتاح سيارته

خرج مشعل مع مشعل
ولطيفة وهيا

حتى وصلا المواقف للسيارتين المتجاورتين

حينها لطيفة ألقت بنفسها في حضن شقيقها
مشعل احتضنها بقوة وحنان
وهو يقبل رأسها: اشتقت لش لطوف والله العظيم

لطيفة بحنان: وأنا أكثر ياقلب أختك

حوار عذب وعميق وشفاف مليء بالاهتمام كان يدور بينهما

الحوار والأحضان أثارت غيرة شخصين محرومين منها إلى حد الوجع
مشعل بن محمد وهيا
فكلاهما محتاج لحضن نصفه الآخر ويفتقده بوجع
وهو يرى كيف أن نصفه الأخر متدفق مع غيره ومليء بالحب والحنان
الذي هو في أمس الحاجة إليه..

مشعل لشقيقته بحنان: لطيفة تعالي معنا..

لطيفة بذوق: لا حبيبي.. أنت روح أنت ومرتك..
وأنا بأروح مع خويي اللي جيت معه
أنا ما أبور في أبو محمد..

مشعل بهدوء: الله يخلي لش أبو محمد.. ما يستاهل من يبور فيه..

جمل عفوية لكنها في القلوب المثقلة تؤول بعشرات المعاني

مشعل الكبير بهدوء: يالله يأم محمد..

هيا شعرت أن إحساس الغربة يعاودها بعنف..
وهي تركب إلى جوار مشعل
تحاول أن تفتح حوارا ما: سيارة من هذي؟؟

مشعل بهدوء: سيارتي..

هيا بذات الهدوء: حلوة ماشاء الله.. متى اشتريتها؟؟

مشعل بسكون: من كم شهر.. في الصيف هذا اللي فات..

حوار غبي باهت.. ولكنه حوار قد يؤدي لشيء ما
وهاهو يؤدي وهيا تتجاوز حبسها لمشاعرها وتقول بخفوت متوتر:
مشعل أنا خايفة..

مشعل شعر أن قلبه يقفز وهي يسمعها تعبر عن خوفها
كان بوده أن يحتضنها.. يطمئنها.. يبعد عنها وساوس الخوف والقلق
رد عليها بطمأنة: لا تخافين من شيء (كان سيقول وأنتي معي، لكنه أكمل):
صدقيني بتنبسطين وترتاحين... هلي ناس طيبين
وكفاية إنش بتشوفين سميتش.. هي بروحها تكفي عن كل الناس

توترت هيا أكثر لذكر جدتها التي يمزقها شوقها لرؤيتها
سترى والدة سلطان أخيرا
الحلم الذي مات وهو يحلم به!!
(سأراها يا سلطان.. سأراها
أمك.. عبق رائحتك
حلمك السرمدي
وجع غربتك التي عشتها في وطنك
سأراها
وكم يمزقني شوقي لها
وخوفي من رؤيتها!!)



السيارة الآخرى
مشعل ولطيفة

مضت لحظات صمت قبل أن يقطعها مشعل بهدوء وعيناه مثبتتان على الطريق:
وصدق ما تبورين في أبو محمد؟؟؟
واللي تسوينه فيه شتسمينه؟؟

لطيفة بذات هدوءه ويداها مثبتتان في حضنها:
أبو محمد أول من بار..والرد من جنس العطا

مشعل بعمق: لطيفة احنا عشرة عمر
وأظني إنش تعرفين أني ما أقول شيء ما أعنيه
أنا أعتذرت لش.. لمتى وأنتي تصديني كذا؟

لطيفة بألم حاولت تغليفه بالبرود لكنها فشلت:
13 سنة وأنت تعاملني كني طوفة
لحد ما خلاص كانت القشة اللي قصمت ظهر البعير
مشاعر شفقة وكسر خاطر
وعقبه لقيت نفسك تورطت
أنت قلتها وخلاص.. ومايصير تراجع ولازم تثبت أنه هذا قرارك من البداية
أو يمكن عجبتك اللعبة وقلت خلني أكملها
مشاعري مهيب لعبة لك يا مشعل
تبيني أصدق أني قدامك 13 سنة وما مليت عينك
وفجأة صرت تموت علي
لا ومشاعرك ماطلعت الا في نفس الوقت اللي كنت تظن إني مريضة



***********************



منزل عبدالله بن مشعل

الصالة السفلية

مشاعل تمسك بيد جدتها وتحاول أن تجلسها وهي تقول لها بحنان:
يمه فديتش اقعدي
هذا هم على وصول
يمه مايصير توقفين على أرجيلش ذا الوقت كله

الجدة بخليط من التوتر والشوق والحنين:
مافيني صبر يأمش.. مافيني صبر
ليتني رحت مع لطيفة

مشاعل مازالت تقف جوارها كما تفعل منذ أكثر من ساعة
فهي لا يهون عليها أن تجلس أو ترتاح وهي ترى قلق جدتها وتوترها
مشاعل بالذات شديدة الاهتمام بجدتها وهي المسؤولة عن كل شيء يخصها
طعامها وملابسها وأدويتها

ترد عليها بحنان: وين تروحين مع لطيفة
تعب عليش فديتش

ثم أكملت بحماس وهي تسمع صوت سيارة تتوقف في الخارج:
شكلهم جاو يمه..

واقتربت من الشباك لترفع طرف الستارة
وترى بالفعل سيارة شقيقها مشعل تتوقف
أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الأحد 10 أكتوبر 2010, 9:45 pm

الجزء الثامن والأربعون



بيت عبدالله بن مشعل

مشاعل وجدتها تقفان في منتصف صالة البيت الرئيسية

مشعل يدخل
وخلفه خيال متشح بالسواد

الجدة قلبها يصطرع شوقا مضنيا لهذا الخيال
بالتأكيد هي مشتاقة لمشعل

ولكن مشعل رأته منذ أشهر قليلة
لكن هذا الشبح الأسود هو وجع 27 سنة مضت
27 سنة مرت وهي تطوي أحشائها على ألم يمزقها
ألم حزَّ عميقا في أعمق أعماقها
حتى بات غائرا كالوشم
وجع شوقها لابن حُرمت منه
ثم انتزعت منه الحياة في عز شبابه
وماترك خلفه غير هذه الصبية
هي كل مابقي منه
كل مابقي من رائحته
هي ما تبقى من أمل عاشت سنين شيخوختها ترتجيه
أمل دعت ربها طويلا أن يسكن روحها برؤيته
قبل أن يأخذ أمانته إليه


مشعل اقترب أولا
احتضن جدته وقبل رأسها وهو يسلم عليها
ولكنها كانت عاجزة عن الرد
لأول مرة في حياته جدته لا ترحب به عشرات المرات
كان يعلم السبب ولا يلومها
لذا تأخر قليلا ليرجع إلى هيا
هيا التي كان يلفها إعصار مشاعر كاسح
كانت ترتعش بعنف وهي على وشك الانهيار

مشعل أمسك بيد هيا بحنان وهو يشدها
ويقول لها بلطف: تعالي سلمي على سميتش

هيا أزالت نقابها بأصابع مرتعشة
كانت تريد أن ترى جدتها وجهها
رغم أن جدتها كانت تحتفظ ببرقعها على وجهها

اقتربت هيا بخطوات مترددة
وعيناها مثبتتان على عيني جدتها الممتلئتان بدموع تعلقت بأهدابها

شعرت هيا أن روح والدها تحوم حولها
لم تشعر بقوة حضوره يوما كما تشعر اليوم
(هل عدت معي ياوالدي؟؟
هل تراها الآن كما أراها؟؟
هل ترى من حرموك من أحضانها؟!
هل ترى من استنزفك شوقك لأحضانها؟!!
هل ترى وجع أحلامك ويأس سنينك؟!!
هل ترى مابقي من ذكراك في رائحتها؟!!
كم تبدو جدتي عظيمة وشامخة يا أبي
كنخلة باسقة تضرب بجذورها في عمق الأرض؟؟
هل ستتقبلني وتحبني كما كنت أنت تحبني؟!!
هل سأشعر في أحضانها بدفئك وبعضا من عبقك الذي استنزفني شوقي إليه؟!!)


بقيت الاثنتان لبرهة متقابلتان
كل منهما تنظر للأخرى
الجدة لكل تفصيل في وجه هيا
وهيا لعيني جدتها اللتين أحاطت بهما تجاعيد غائرة
تحكي سيرة سلسلة طويلة من الألام

حينها الجدة شدت هيا واحتضنتها بعنف حانٍ
ثم انهارت هيا في أحضان جدتها
وهي تبكي بصوت مسموع
والجدة تسيل دموعها بصمت
وهيا تهتف بجملة واحدة
" مات وهو مايبي شي في الدنيا إلا شوفتش
مات وهو مايبي شيء في الدنيا إلا شوفتش"

الجملة التي أثارت أقصى أوجاع الجدة
ليبدأ صوت نشيج مؤلم يتعالى من روحها المثقلة

حينها صُعق كل من مشعل ومشاعل اللذين كانا أنهيا للتو
سلامهما الحار على بعضهما
فهما مطلقا لم يسمعا بكاء جدتهما قبلا

مشعل اقترب من هيا التي مازالت في أحضان جدتها
وهمس في أذنها بعتب: مافيه داعي تقلبين مواجعها بالكلام
جدتي عمرها مابكت قبل اليوم

هيا رفعت رأسها وابتعدت قليلا وهي تمسك بكف جدتها التي مازالت تنشج
وهي تهمس لها بحنان باكٍ: يمه فديتش.. خلاص لا تخربين علي فرحتي بشوفتش

الجدة بعمق متألم: إذا هو مات وهو يبي يشوفني
أنا أموت في اليوم ألف مرة لأني ماقدرت أشوفه

حينها مشاعل الرقيقة التي كانت تحاول التماسك انهارت في بكاءها الخاص

مشعل بحيرة بين الباكيات الثلاث:
خلاص الله يهداكم أنتو بتسوون مناحة
أذكروا الله
قولوا لا إله إلا الله

ثم توجه لجدته وشدها وأجلسها على الأريكة
وجلس هو إلى جوارها وهيا بجوارها من الناحية الأخرى
حتى تأكد أن الاثنتين سكنتا
حينها توجه لمشاعل التي كانت تجلس على كرسي لوحدها
وتبكي بصمت
جلس على طرف الكرسي واحتضنها بحنان: وأنتي يالدلوعة على طريف

حينها انتبهت هيا إلى حنانه المتدفق مع شقيقته
يبدو كما لو كان سيذوب من أجلها
هاهو يحتضنها مرة تلو الأخرى وهو يحايلها ويمازحها
حتى رأى ابتسامتها.. حينها أشرق وجهه بإبتسامة صافية
(ياترى ممكن يكون معي في يوم كذا؟!!)

حينها مشاعل قفزت وهي تقترب من هيا
وتسلم عليها بحماس وانفعال مغلفان بخجلها وعذوبتها
وهي تعتذر بتهذيب حقيقي.. وتسأل هيا عن أحوالها.. وترحب بها برقة

شعرت هيا أنها تبدو ذكرا فعلا أمام أنثى مثل هذه
كيف تتكلم بخفوت.. وتنتقي عباراتها برقة
ويدل كل مافيها على أنوثة مصفاة
من طريقة تحريكها ليديها.. لتعبيرها بملامحها.. لتحكمها بدرجة صوتها

وهيا مازالت مبهوتة في عذوبة مشاعل ورقة انثيال عباراتها
سمعت صوتا طفوليا رفيعا يأتي من الأعلى:
الزرافة جا ماحد قال لي..

مشعل حين رآها اتسعت ابتسامته
وهو يتلقاها وهي تنزل كالسهم من الأعلى
ليحملها عاليا وهو يحتضنها وضحكاتها تتعالى وهي تقول: وش جبت لي؟؟
ومع جملتها تغمر وجهه بالكثير من القبلات التي تعبر عن اشتياقها الطفولي الشفاف

مشعل يضحك: ماجبت لش شيء.. زعلان عليش..

يقوله وهو ينزلها وهي تحتضن خصره :
أفا.. أبو عبدالله زعلان
نزل رأسك خلني أحبه.. وجيب لي هديتي
لأنه مستحيل تنساها

مشعل مازال يضحك: أبوك يالثقة.. الشناط مع ناصر وفارس
إذا جات
الشنطة الصغيرة كلها لش أنتي ومريوم

ريم تضحك: مالي شغل في مريوم.. كلها حقتي..

وهو في حواره معها
الحوار الذي كان مدار تركيز شخص افتقد بعنف لهذه الأجواء العائلية

دخلت أم مشعل من ناحية المطبخ

وهيا مازالت تراقب

لقاء مشعل بأمه استثنائي تماما
حنان مصفى ولهفة كاسحة وتبجيل غريب

كان مشعل يغمر رأسها ويديها بقبلاته
وهي تتحسسه كأنه تريد أن تتأكد من وجوده أمامها

مشعل يبتسم: والله إني طيب لا نقص مني يد ولا رجل

أم مشعل بحنان مصفى وعيناها تلمعان ببريق الدموع:
أدري أنك طيب

ثم ألتفتت على هيا التي كانت واقفة للسلام عليها:
وخصوصا عقب ما تطمنت إن بنت سلطان معك وتراعيك

شعرت هيا بخجل مؤلم
(أي مراعاة؟ أنا لم أكن أكثر من حمل ثقيل هو من كان يراعيه)

أم مشعل رحبت كثيرا بهيا وهي تسألها عن أحوالها بحنان واهتمام
الأمر الذي أشعرها بالكثير من الخجل والتأثر

حينها دخل اعصار آخر من أعاصير آل مشعل العذبة
قادم من باب الصالة الرئيسي
كانت تصرخ بحماس: خيانة .. خيانة
ميشو يالعلة .. أشلون مشعل وصل وما تبلغيني

حينها مشعل وقف وهو يبتسم ابتسامة شاسعة:
والله المفروض أنتي قاعدة تنتظرين أخيش الكبير
مهوب تلوبين وتبينهم يبلغونش

موضي تقترب وهي تبتسم بسعادة: كنت عند بيت عمي محمد
واحسب إني بارجع قبل توصل.. السموحة فديتك

تستمر اللقاءات الاستثنائية
أمام عيني هيا
كل لقاء له مع أهله رأت أن له خصوصيته واستثنائيته
بدءا من أبناء عمه فلطيفة مرورا بجدته ثم مشاعل فريم ثم والدته والآن موضي

وموضي بالذات كان للقاءه بها عبق خاص
فهناك اختلاف حدث
فموضي طُلقت وهو في الخارج وعادت لبيت أهله
وموضي كانت سعيدة أنه لم يكن موجودا حينها ولم يعلم بما حصل لها
فهي تعلم معزتها عنده.. وأنه لا يرضى عليها حتى أن تخدش

طال احتضانه لها
وهي انفعال عميق يهزها
وإحساسها بوجوده يسكن بعضا من روحها الممزقة التي تخفيها عن الجميع

ثم ألتفتت موضي لهيا وهي تسلم عليها وتحتضنها بحماس
وتغدق عليها الكثير من الترحيب والانفعال والتعليقات المرحة

مشعل جلس معهم لخمس دقائق كان يدور بينهم فيها حوار صاخب
بينما هيا جالسة جوار جدتها صامتة
ومشاعر غريبة مليئة بالانفعال تلفها

بعدها وقف مشعل وهو يقول:
أنا باروح للمجلس مابعد سلمت على أبي وعمي
وماني برايح لهم ببنطلون

ثم ألتفت لمشاعل وهو يسأل:أبي أبدل.. ثيابي جاهزة؟؟

مشاعل قفزت باحترام وهي تقول:
بتلاقي ثوب وغترة مكوية ومبخرة معلقة في غرفة الملابس حقتك
وعلى العموم كل ثيابك البيض والشتوية والغتر مكوية ومبخرة في الدولاب
لو ماعجبك اللي طلعته طلع اللي تبي..

ثم أكملت موضي بذات الاهتمام: وترا كل نعالك وجزمك تكرم
وديناها ولمعناها وتوه السواق جابهم اليوم

مشعل يبتسم وهو يصعد ويقول بحنان لشقيقتيه: الله لا يخليني منكم

هيا شعرت بضيق يكتم على نفسها حين رأت كيف اهتمام شقيقاته به
بينما هي لم تشعره يوما بأدنى اهتمام رغم حرصه الدائم عليها
شعرت حينها بعمق صبره معها
وقلة تهذيبها معه
فشخص مثله تعود على كل هذا الاهتمام والتدليل
كان سيفترض أن زوجته لابد أن تقدم له بعضا من هذا الاهتمام
لكنه لم يطلب منها يوما شيئا
وهي لم تقدم شيئا
سوى الأمور الاعتيادية التي كانت ستفعلها لنفسها من الطبخ والتنظيف والغسيل

بعد صعود مشعل استمر الحوار بين البنات وأمهم والجدة وهيا
التي كانوا يسألونها عن أحوالها باهتمام حقيقي رقيق

موضي بحماس: أشلون مشعل معش؟؟ إذا مقصر عليش بشيء قولي لي أقطع أذانيه

هيا تبتسم: لا والله مايقصر ولا قصر بشيء..

أم مشعل بحنان: هيا يأمش ترا بكرة مسوين لش عشا وبيجون ناس كثير
إذا قاصرش شيء.. موضي وإلا لطيفة يودونش بكرة السوق

هيا ارتبكت: عشا شنو يمه؟؟

أم مشعل بهدوء: يأمش أنتي عارفة إنه عرس عيالنا وبناتنا عقب حوالي 10 أيام
ولازم نحتفل فيش قبلهم.. الناس يبون يتعرفون عليش

شعرت هيا بتوتر كاسح.. كيف ستقابل كل هؤلاء الناس
وهي مازالت لم تتعرف على عائلتها بعد

وحينها رأت ما أثار توترها وانفعالها أكثر وأكثر
وجعل قلبها يصطرع بجنون
ودقاته ترتفع
وترتفع
وترتفع
أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الإثنين 11 أكتوبر 2010, 8:13 pm

الجزء التاسع والأربعون


بيت عبدالله بن مشعل
الصالة الرئيسية

كان مشعل ينزل الدرج بسرعة بعد أن استحم سريعا وأبدل ملابسه

شعرت هيا أن قلبها هوى إلى هوة سحيقة
وهي تراه ينزل بطلة تراها لأول مرة
الثوب الأبيض الناصع والغترة الحمراء
رغم أن مشعل ذاته ليس وسيما بالمعنى المتعارف عليه للوسامة
ولكنه بدا لها مبهرا بل فوق الإبهار بمراحل
وثوبه ينساب على عضلات جسده الرياضي الطويل بتناسق مرسوم بدقة
وغترته تحيط وجهه بملامحه السمراء وعارضيه المحددين وكأنه لوحة رُسمت بحرفنة
ويبقى للثوب والغترة حضورهما الجليل في الذاكرة الجمعية المشبعة بتقديس كل ماهو من العادات الأصيلة


أم مشعل كانت أول من تكلم باعتراض: يأمك الله يهداك ليش لابس ثوب أبيض
الجو بارد.. مشاعل مهيب مطلعة لك ثوب شتوي

مشاعل تدافع عن نفسها: والله يمه طلعت له من ثيابه الشتوية الجديدة اللي فارس توه جابها من الخياط

مشعل يبتسم: يمه الله يهداش.. أنا جايكم من صقيع واشنطن كلها ثلج
جو الدوحة الحين جو ربيعي..

موضي تضحك: بس ماعليك من الحكي.. بردنا يوجع..

مشعل اقترب من هيا ومال على أذنها
هيا انتفضت بعنف ورائحة عطر فاخر تشمه لأول مرة
تتناسب فخامته مع طلته الفاخرة تخترقتها حتى النخاع ومشعل يهمس:
بأصلي العشاء وبعدين بأجيب أبي وعمي.. استعدي تسلمين عليهم

شعرت حينها أن أعصابها على وشك الذوبان
فمقابلة عميها بدت لها أكثر من احتمالها
بعد أن استنزفتها مقابلة جدتها حتى النخاع



***********************



مجلس آل مشعل

لقاء حافل بين مشعل ووالده وعمه وراكان
وحتى سلطان وأبناء شقيقته محمد وعبدالله
ولكنه لقاء يتناسب مع طبيعة آل مشعل
مفعم بكبريائهم العميق المغلف لانفعالاتهم الدافئة

الرجال لم يصلوا بعد
سيصلون بعد صلاة العشاء

وهاهو مشعل يجلس في الزاوية مع راكان
كان راكان يستفسر منه بالتفصيل عن سير دراسته
فراكان يعرف عنه كل صغيرة وكبيرة
ومشعل بالمثل عدا موضوع واحد

راكان يبتسم: زين والحياة الزوجية؟؟ وأشرايك فيها؟؟ مرتاح؟؟

مشعل بابتسامة غامضة: الحمدلله.. عقبالك

راكان يبتسم بذات الغموض: لا يا أخيك خلينا العرس لك..

مشعل بهدوء: تعرف رفيقي سعيد.. ماشاء الله خواته واجد
خل نخطب لك عندهم.. أنا أشهد أنهم منسب
وأبيه رجّالن نادر
أنا لولا إني خذت بنت عمي سلطان وإلا كنت ناوي إذا خلصت أخطب عندهم

راكان بهدوء: خلاص خذت بنت سلطان ماتبي عقبها حد..

مشعل يبتسم: وانا أشهد.. هاه وأشرايك نخطب لك عند سعيد؟؟

راكان يبتسم: عشان أنت عرست لازم تسحبني وراك.. يابن الحلال
عرس ما أبي.. كفاية علي حنة أبي وامي ومريم.. تجي فوقهم
خلنا من خرابيط العرس
أشرايك نقنص لنا كم يوم قبل عرس العيال
طيرك من يوم رحت وهو في مركز الطيور ماتبي تخليه يطلق جنحانه شوي

مشعل بحنين: أفا عليك.. تشاورني
خلاص بس أرتب وضعي ذا اليومين ونروح



*********************



بيت عبدالله بن مشعل

لطيفة تصل بعد أن ألبست بناتها وأحضرتهن معها

هيا عرفتها أنها من استقبلتها في المطار
لطيفة ألقت بنقابها وبجلالها على المقعد وهي تنثر شعرها بعفوية على كتفيها
وترحب بهيا بحرارة

هيا شعرت بصدمة وهي ترى لطيفة..
نعم مشعل قال لها أن لطيفة أجمل شقيقاته
ولكنها لم تتخيلها بهذا الجمال المبهر
لا تعتقد أنها سبق لها أن رأت امرأة على الطبيعة بهذا الجمال الموجع

شعرت هيا أنها باهتة تماما ولا يمكن أن تكون أنثى أمام شقيقات مشعل
مشاعل بعذوبتها ورقتها
وموضي بملاحتها وحضورها الآسر
ثم لطيفة بهذا الجمال الذي يذيب القلوب

لطالما كانت هيا مشغولة بالكثير من الأشياء عن الاهتمام بنفسها كفتاة
والدتها ودراستها واثبات ذاتها
حتى بعد زواجها بمشعل لا تذكر أنها تأنقت من أجله ولا حتى مرة واحدة

غصبا عنها شعرت هيا بألم عميق
(اعتاد مشعل على هؤلاء الإناث الحقيقيات اللاتي هن على استعداد دائم لخدمته باستماتة
فماذا لقي مني غير زميل سكن لا يختلف عن أي رجل قد يرافقه
إضافة إلى تحمله لعنادي وعصبيتي وحدة لساني الدائمة)

لطيفة برقة: هيا خلني أعرفش على بناتي
مريم سلمي.. هذي مريم عمرها 10 سنين في الصف الخامس
أكبر منها محمد 12 وأصغر منها عبدالله 7
الحين مع إبيهم..وإن شاء الله عادهم بيجونش يسلمون عليش
وهذي جود.. عمرها 3 سنين أخر العنقود..

هيا كانت تسلم على البنات وأجلست جود على رجليها
وموضي تهتف باستنكار مرح: وش أخر عنقوده ذي؟؟
انتاجش أنتي ومشعل سوى تحسين ثوري لنسل العائلة الكريمة
نبي لنا ثنين أو 3 بعد..


لطيفة غصبا عنها شعرت بألم وهي تتذكر وضعها الغريب مع مشعل
لكنها هتفت بابتسامة: لا خلاص الاثنين والثلاثة تجيبهم لنا هيا ومشعل إن شاء الله

حينها انتقل شعور الألم الممزوج بالخجل لهيا وهي تحتضن جود
و تتذكر وضعها الأغرب مع مشعل الآخر
أكثر من شهران مضيا على زواجهما
ولا تجمعهما أي علاقة طبيعية تشبه علاقة الأزواج ببعضهما
والذنب ذنبها في المقام الأول
فهي من طالبت بغرفة لوحدها
ثم هي من صدته حين عبر لها عن مشاعره



*************************



القاهرة
المعادي
منزل كبير يطل على النيل
حديقة المنزل

الجو بارد وبه زخات خفيفة من المطر
ولكنها تجلس على كرسي في الحديقة
تستمتع بالجو الذي تشعر بالحرمان منه أكثر أيام السنة

صوت يتعالى من الداخل: بت باكينام.. تعالي هينّا

باكينام باحترام وهي ترفع صوتها: جايه يا أنّا جايه..

دخلت باكينام لتجد جدتها تلتفع بلفاع ثقيل وتجلس بالقرب من المدفأة
تحتضنها من الخلف وتطبع قبلة على خدها ثم تجلس بجوارها
ثم تقول بابتسامة: إيه ده يا أنّا؟؟ تكوني فاكرة نفسك في الئطب الجنوبي
(كما هو معروف وتعلمون الجيم القاهرية المعطشة تُنطق مثل القاف
يعني ستنطق القنوبي، لكنها في الكتابة ثقيلة وتبدو غير مستحبة)

جدتها كانت ماتزال تحتفظ ببعض ملامح جمال زائل
ببشرتها البيضاء وتجاعيدها الدقيقة الناعمة وشفتيها المزمومتين الزهريتين
كانت ترتدي حجابا أبيضَ من الحرير
وثوبا فضافا تحته بنطلون مطرز الأطراف على الطريقة التركية العريقة في اللبس

أنّا صفية بتأفف:إيفيت..إيفيت جو تعبان هينّا ..في أزمير كنت ألعب بالتلج
بس برد هيناك جّميل..

باكينام تبتسم وتساير جدتها: أكيد هو في حاجة زي جو أزمير
اللهم احفظ ازمير من كل شر

جدتها تضربها على مؤخرة رأسها: أخلاق سيس بت باكي
سهن يلان (أنتي كذابة)

باكينام تضحك: الله الله ابتدأ الضرب تحت الحزام والرطن بالتركي
خفي عليا يا أنَّا.. أنا مش ئدك

الجدة بتذمر: أنتم بنات يومين دول عاوزين أدب
أنا زمان بعتني بابا آستانة عشان أتعلم هناك (الآستانة =أسطنبول)
كان زمان تعليم غير.. بنات غير.. فيه أدب.. هوانم بجد

باكينام تبتسم وتحتضن ذراع جدتها وتقول بحنان: والله يا أنّا مافيش زيك اتنين

الجدة بنبرة خاصة: وعشان أنا مافيش زيي اتنين.. يخبي عليا بت باكي؟!!

تتنهد باكينام
( ألهذه الدرجة أبدو شفافة وزجاجية الروح
أمام عيني هاتين العجوزين السابرتين؟!!)

لا تريد أن تخبر جدتها التركية بشيء
فإذا كانت جدتها الايرلندية تقبلت مشاعرها
لأنها لا تحمل ضغينة للعرب
فإن صفية التركية ستظل تؤنبها وتقول لها:
أنا حذرتكِ أن تقعي في غرام عربي (سيس)

باكينام تبتسم: وأنا هأخبي إيه على أحلى أنّا؟؟

صفية تلمس صدر باكينام من اليسار وتقول بعمق:
إسالي ده وجاوبي أنّا



***************************




صالة بيت عبدالله بن مشعل
بعد صلاة العشاء

مشعل يصل ومعه والده وعمه ومحمد
يدخل مشعل أولا لينبههم

هيا تقف وهي تشعر بتوتر عميق يلفها
كانت هيا مازالت ترتدي عباءتها المغلقة وتلف شيلتها على رأسها
وحمدت الله أنها لم تخلعهما بعد رغم مطالبة البنات لها أن تاخذ رأحتها

دخل الكهلان العملاقان
وامتلأ المكان فورا بحضورهما الآسر العميق
وقلب هيا يقفز إلى حنجرتها
وهي تشعر أن دقاته تمزق خلاياها تمزيقا
ريقها جاف وعيناها غائمتان
ورائحة عميقة لوالدها تحضر بعنف مع شبه شقيقيه الكبير به
كأنها ترى أمامها والدها في كهولته التي لم يرد له الله عز وجل أن يصلها
الشيء الذي هزها بعنف
لم تتخيل أن لهم هذا الشبه بوالدها
شعرت أنها مستثارة حتى أقصى أقصى روحها

كان محمد أول من تقدم لها وعلى شفتيه ابتسامة دافئة
تمزق قلبها وهي تراها
ذات ابتسامة والدها.. تكاد تقسم أنها ذاتها
ذات الفك القوي الشامخ بابتسامته الهادئة الواثقة
احتضنها بحنان وهو يهمس: نورتي بيتش يا أبيش
الله يرحم سلطان ويجعل مثواه الجنة
سلطان راح بس تراني في مكانه

ثم رفع صوته وهو يقول لمشعل:
ترا هيا مثلها مثل العنود ومريم
لا يطري عليك يوم تضيمها ترا حسابك معي

مشعل يبتسم: ما أحتاج من يوصيني في هيا.. إزهلها

هيا تشعر أنها عاجزة عن احتمال الانفعال
وعمها الآخر يحتضنها وهو يبتسم ويقول: يخسا مشيعل يزعلها
وإلا قطعت رأسه

ضحك مشعل: أفا الدعوة خاربة
الشيبان صفوا مع المدام وخلوني

عبدالله يحتضنها بحنان ويهمس لها:
سلطان كان غلاه عندي غير أخواني كلهم
عشان كذا سميت ولدي الثاني سلطان
وترا غلاش من غلا أبيش اللي ماله حد

هيا تشعر انها بالفعل على وشك الانهيار من عظم الانفعالات التي تكتسحها
لا تحتمل المزيد
ولكنها تذكرت أنه بقي المزيد
المزيد المختلف
عمتها الوحيدة نورة
بقي هي
كان والدها يحبها كثيرا
وكان لها معزة خاصة جدا عنده
فهي شقيقته الوحيدة

ومع تذكرها كانت عمتها نورة تدخل مع الباب الرئيسي
بينما البنات لففن من وراء المنزل ليدخلن مع باب المطبخ الداخلي

نورة كانت أكثرهن انفعالا
فهي احتضنت هيا بعنف وانخرطت في بكاء حاد
عشرات الأفكار كانت تموج في فكرها
شوقها لشقيقها الذي كان هو الأكبر منها مباشرة وارتباطها به كان قويا جدا
إحساسها بالوجع لغياب حمد الذي جعلها تشعر بعظم ألم أمها
حرمانها من الانجاب لسنوات الذي جعلها تشعر بقيمة الابناء
ثم تفكيرها لو أنها تموت وتترك بناتها من سيحس بالآمهن بعدها
فلا شيء يعوض البنت بالذات عن غياب أمها

كانت عشرات المشاعر المتشابكة التي انصبت في شكل حنان طاغٍ
تجاه ابنة شقيقها اليتيمة التي حُرمت من الأسرة ثم من الأب ثم من الأم..

بيت عبدالله بن مشعل الليلة كان مصدرا لتفجر مشاعر كاسحة في عنفها وعنفوانها

بعد أن غادر محمد وعبدالله ومشعل
دخلن بنات نورة

لم تستطع هيا أن تمنع نفسها من الابتسام رغم وجهها المحمر من أثر الدموع
وهي ترى علياء وعالية
كانت الاثنتان تلبسان ذات الطقم والحذاء وربطة الشعر
شعرت أنهما كبيرتان على هذا التطابق الذي قد يناسب طفلتين
مشعل كان قد أخبرها عن التوأم الثلاثي
وأن عالية وعلياء متطابقتان ومعالي مختلفة
لكن رؤيتهن على الطبيعة كانت شيئا مسليا

معالي تقترب وتسلم أولا وهي تضحك وتقول:
ما ألومش تضحكين إذا شفتي المصيبة اللي ربي بلانا فيها
أنا معالي وأقدم لش خواتي الكوبي والبيست
لو في يوم صدفتي وحدة لابسة شيء واحد مختلف غير الثانية تكون أعجوبة العالم الثامنة
وترا مهوب لازم تتعبين نفسش تعرفين من علياء ومين عالية
نادي اسم أي وحدة بترد عليش نفس الرد

بعد دقائق وصلت أم مشعل بن محمد وبناتها وأم فارس
وكان لكل منهن ترحيبها الخاص بهيا التي باتت عاجزة بالفعل عن احتمال كل هذا الكم من المشاعر

انتقلن النساء لمجلس الحريم الداخلي
ومضى الوقت وهيا لم تشعر به
عفويتهن وابتعادهن عن الرسمية واحتواءهن الطبيعي لها
كأنهن يعرفنها طوال عمرها
كانت عمتها نورة بجوارها وهي تحتضنها بين الفينة والأخرى
ومعالي تتحركش بهما بمرح
وأنهوا العشاء منذ وقت


لطيفة برقة: هاه هيا تحبين نروح بكرة السوق.. على الأقل نشتري لش شيء حق العشاء بكرة

هيا بحرج: مافيه داعي..

معالي بمرح: شنو مافيه داعي إلا فيه داعي ونص... وتراني بأروح معكم

نورة باستنكار غاضب: يا سلام وبدون استئذان
ماكن وراش أم ولا وراش مدرسة..وشورش في مخباش..

معالي تقفز وتقبل رأس أمها: النوري فديتش الحركات ذي ما تنفع البنات الحلوين اللي مثلش
تبينهم يقولون إنش دقة قديمة.. وحركات عجايز وصكة

نورة تقرص معالي في ذراعها: إيه عجوز وحركات أول
وروحي انثبري ومافيه روحة بكرة غير للمدرسة ثم الحفلة في الليل وبس

معالي تتصنع الزعل: إلا لازم تكسرون بخاطري وإلا ما تستانسون

العنود كانت غالبا صامتة
فموقفها مع فارس مازال ماثلا بعنف
الكل كان مستغرب صمتها غير المعتاد
الوحيدة اللي كانت تعرف السبب كانت موضي
ولكن الجميع تفهموا أنها ربما تشعر بالخجل ومتوترة من اقتراب موعد زواجها

ومريم كانت فاكهة الجلسة بعذوبتها وحديثها الشيق والعميق
وهيا أحبتها كثيرا
بدت لها تتمتع بشحصية مغناطيسية تجذب وتحتوي محدثها تلقائيا




لساعة اقتربت من 12 مساء

الكل انسحب لأن غدا مدارس
أولهن كانت لطيفة بأولادها
ثم أم مشعل وبناتها وأم فارس
ثم أخيرا نورة وبناتها

الجدة وأم مشعل أيضا كل واحدة منهما انسحبت لغرفتها لترتاح من تعب اليوم
رغم أن الجدة لم تكن تريد ترك هيا
ولكن هيا طلبت منها أن ترتاح ووعدتها أن تنزل لها الصباح الباكر

تبقى موضي ومشاعل وهيا

هيا تسأل: أنا ماشفت سلطان وينه؟؟

مشاعل بعذوبة: هو رجع من العشاء متأخر
ودخل نام على طول عشان عنده مدرسة بكرة

هيا بحنين: كان نفسي أشوفه

موضي بمرح: ياما جاي لش من الخير
مافيه حد لزقة وأذوة مثل سليطين.. وخصوصا لو حد عطاه وجه

ثم أكملت بحماس:وبعدين أنتي اليوم انتهيتي من التعب ولا خليناش ترتاحين
يالله أمشي لغرفتش نوريش إياها
وترا شناطش طلعناها فوق

مشاعل اعتذرت بخجل أنها تريد الذهاب لغرفتها
والسبب الحقيقي أنها كانت تخجل من الدخول معهم
فهي تعلم أية مصائب اشترتها لطيفة وموضي لهيا وبالتاكيد ستريها لها

صعدت هيا وهي متوترة من رؤية مكانها الجديد

موضي فتحت الباب وقالت لها بابتسامة: قولي باسم الله
وادخلي برجلش اليمين

دخلت هيا
كانت غرفة شاسعة أثثت بذوق رفيع جدا وراقي
في طرفها جلسة أنيقة مع تلفاز كبير مسطح معلق على الحائط
وحمام كبير فخم وغرفة ملابس
و
و
وفقط

توترت هيا
غرفة واحدة فقط
وسرير واحد

توقعت أن تكون على الأقل هناك غرفة جلوس منفصلة
كيف ستنام؟؟
حتى لو قررت أن تنام في الجلسة
الجلسة مقابلة للسرير
كأنها لم تفعل شيئا

موضي تكمل ثرثرتها: إبي يبني لكم قسم خاص كبير
بس مابعد خلص
إن شاء الله إذا جيتوا على الصيف يكون جاهز

هيا توترت بشدة
(الصيف..
وأنا وش لي بالصيف؟!!
أنا في الحين
أنا في شقة مشعل بواشنطن كان لي حتى حمامي الخاص
الحين لازم نستخدم نفس الحمام ونفس الغرفة!!!)
أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر - صفحة 2 Empty رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر

مُساهمة من طرف أميرة بكلمتي الإثنين 11 أكتوبر 2010, 8:18 pm

الجزء الخمسون


غرفة مريم
الساعة 11 ونصف مساء

مريم كانت تقرأ وردها المسائي من القرآن حتى موعد صلاة قيامها
لتنام بعدها

بابها يُطرق.. بهدوء: تفضل مشعل

مشعل يدخل وهو يبتسم: خاطري مرة أفاجئش

مريم بابتسامة صافية: الله يديم فضله علينا
والحمدلله على نعمة السمع والشم والحركة
الله سبحانه خذ حاسة لكنه دعّم الحواس الباقية
ما أكرمه عز شانه هو أرحم بعباده منهم بأنفسهم

مشعل يطبع قبلة على رأسها وهو يهتف بإيمان: الله يثبتنا على دينه

ثم استطرد: أشلونها بنت عمنا الجديدة؟؟

مريم بعذوبة: ماشاء الله عليها تجنن.. والنفس تنشرح لها
ثم أكملت بنبرة خاصة: بس أكيد منت بجايني عشان تنشد عن بنت عمك
واستطردت بتوتر: لا تكون عادك على سالفة إنك تبي تزوج على لطيفة

مشعل يبتسم: لا حرمت.. ما أبي حد غير أم محمد.. ولا حد يملا عيني غيرها

مريم تبتسم: ياحي ذا الكلام الزين..
طيب خلاص دام السالفة مافيها عرس على لطيفة.. خلاص قول اللي تبي

مشعل بنبرة خاصة: السالفة فيها عرس
بس عرس ناس ثانين

مريم باستفسار: من؟؟

مشعل بحنان: أنتي


*********************



غرفة مشعل بن عبدالله في بيت والده

مازالت موضي تثرثر
وهيا متوترة جدا

موضي تفتح الدواليب: ترا اشترينا لش طقم فوط وأرواب جديد
تلاقينه هنا
أطقم عطور وكريمات وميكب على التسريحة
إن شاء الله يعجبش ذوقنا فيهم

ثم أكملت بخبث: وهنا هديتي الخاصة أنا ولطيفة

ثم فتحت دولاب ضخم في غرفة الملابس كان ممتلئا تماما
بأطقم نوم مختلفة الألوان والأشكال والخامات

ثم أكملت موضي بحماس: جبنا كل شيء ممكن يخطر على بالش
عشان لو ماعجبش شيء يعجبش الثاني

وجه هيا تلون بعشرات الألوان
لم يخطر ببالها يوما هذه الأشياء
وهي تشعر بألم في رأسها من الخجل الذي اكتسحها

(ماذا تبقى أيضا من مفاجأت هذا اليوم؟!)

موضي برقة: خلاص أنا خلصت جولتي التعريفية
وخرقت أذنش
وأكيد أنتي تبين تتسبحين وترتاحين وتتخلصين مني!!

هيا برعب: لا وين بتروحين؟؟ اقعدي..

موضي تضحك: وين أقعد؟؟!! تبين مشعل يجي يلاقيني ويشوتني
خليني أطلع بكرامتي..

موضي خرجت وتركت هيا لهواجسها وانفعالاتها
هيا قررت أن تستحم أولا
الحمام كان ممتلئا بمختلف أنواع الشامبوهات والكريمات والشاور جل وعلب أخرى مختلفة
ورغم أن هيا كانت نظيفة جدا وتستحم أحيانا مرتين في اليوم لو كان الجو حارا
ولكن هذا الهوس بتدليل الذات لم يكن من أولوياتها
شامبو وبلسم ودعك جسدها بالشاور جل بسرعة هو أقصى مايحتمله وقتها المشغول دوما

بعد أن أنهت حمامها وجدت أن هناك طاولة معدة في غرفة الملابس
عليها مبخرة وولاعة جمر وأنواع مختلفة من البخور الفاخر
(ماشاء الله عليهم بنات عمي
مصدقين سالفة عروس ذي
ماخلو شيء ماسووه)

البخور أيضا لم يكن من أولويات هيا
فمن له مزاج لكل هذه الخطوات؟!!

هيا فتحت الدولاب الذي أرتها إياه موضي
وأغلقته فورا بحرج
وهي تسحب حقيبتها وتفتحها وتستخرج إحدى بيجاماتها القديمة

(مستحيل ألبس من ذا الأشياء
شيقول مشعل.. جات الدوحة فسخت الحيا)

بحثت هيا عن سجادة وفعلا وجدت سجادة في الدولاب مع جلال صلاة جديدين
صلت هيا قيامها
وشكرت الله عز وجل بعمق الذي أرجعها إلى أحضان أهلها أخيرا
شكرته وحمدته سبحانه كثيرا وبعمق

ثم جلست تفكر في يومها الطويل
وكم كان طويلا فعلا
عمر كامل اُختصر في ساعات
جدتها وعماها وعمتها وبنات أعمامها وبنات عمتها
كل هذا كان كثيرا
كثيرا جدا عليها
سنوات طويلة مرت وهي وحيدة بل أكثر من وحيدة
لم تعرف رائحة الأسرة ولا تعاضدها
كانت مكتفية بوالدها ووالدتها
ثم بوالدتها فقط
كانت السنوات تمر والوحدة والوحشة تنغرز في روحها أكثر وأكثر
حتى باتت الوحدة هاجسها وخوفها وخصوصا مع مرض والدتها الأخير
وخوفها أن تتركها أمها وحيدة تماما في الحياة
لولا ظهور مشعل في حياتها
وآه يا مشعل وألف آه


مر وقت طويل وهيا تفكر
وقت لم تحسب دقائقه ولحظاته
وهي تعيد شريط حياتها ومامر بها الليلة
مرات ومرات

كانت الساعة حوالي الثانية حينما سمعت صوت الباب يُفتح
ومشعل يدخل
وهي تصيبها حالة غير طبيعية من الارتعاش والتوتر

مشعل دخل و سلم بهدوء وهو يقول: طولنا السهرة شوي أنا وعيال عمي

هيا همست: أشلونهم عيال عمي كلهم؟؟

مشعل يخلع غترته ويلقيها على الأريكة وهو يجلس قريبا منها: كلهم طيبين

نظر لها
ارتعش قلبه بعنف
كان شعرها الطويل الذي يميته ولعا منثورا على كتفيها
وتتساقط أطرافه الطويلة على جانبي فخذيها في جلستها
كان نادرا مايرى شعرها مفتوحا فهي غالبا ترفعه
ولكنها الآن ستنام وهي لا تستطيع النوم وهو مجموع خلف رأسها

سألها بهدوء ليتجاوز التباس مشاعره الذي يستحيل أن يعبرعنه بعد صدها له:
إن شاء الله انبسطتي مع البنات؟؟

هيا ابتسمت بشفافية: ما تتخيل أشلون انبسطت.. كلهم يجنون ماشاء الله عليهم

شعر مشعل أن قلبه يغرد
لأول مرة يراها تبتسم ابتسامة حقيقة.. لأول مرة
كم بدت له عذبة وشفافة
تمنى ألا تزول ابتسامتها.. أن تبقى دائما مبتسمة وسعيدة ومبتهجة
يريدها أن تكون سعيدة
فهي عاشت من الأحزان الكثير
أحزان أثقل بكثير من أن تحتملها فتاة في سنها
يتمنى أن يبعد عنها الأحزان والألم
ليتها فقط أتاحت له فرصة أن يغمرها بمشاعره كما أراد
أن يغمرها بحنانه كما يشعر هو به ناحيتها

مشعل هز رأسه كأنه يبعد الهواجس عنه
ثم نهض ليتوضأ ويصلي قيامه


********************



القاهرة
منزل طه الرشيدي

غرفة باكينام
الساعة الواحدة ليلا

كانت باكينام تسلم من صلاة قيامها
لتسمع صوتا حنونا يقول لها: حرما يا بنتي

باكينام تلتفت لوالدها وتبتسم: جمعا يا بابا

طه بلطف: ماشاء الله بأشوفك بتصلي كتير في الفترة الأخيرة

باكينام بعذوبة: صحبة الخير يابابا لها دور

طه بحنان: ربنا يديم عليكي فضله

ثم أكمل باهتمام: باكي حبيبي فيه حفلة كبيرة معمولة لنواب مجلس الشعب الجُداد
وعاوزك تحضريها معايا

باكينام برفض: لا يابابا اعفيني.. أنت عارف إني أساسا ماكنتش باحب أحضر حفلات
ودلوئتي بعد ماتحجبت كرهتها أكتر..

طه بحنان: وفيها إيه يا بنتي.. مامتك تحجبت وبتحضر معايا
وكتير من بنات الوزراء وستاتهم لابسين حجاب.. فين المشكلة؟؟

باكينام مستمرة في الرفض: مش جوي يابابا.. وكفاية عليك ماما هتكون معاك

طه بمنطقية: أنا عاوز الأوساط السياسية تتعرف عليكي.. عشان لما تتخرجي نلائي لك منصب كويس

باكينام بهدوء: لما أتخرج.. يحلها الحلال..

طه يحاول إقناعها: أنتي عارفة يا بنتي إنه ماديا أنا مش محتاج الشغل ده أصلا
أنا عندي أراضي كتير..وأحوالنا الحمدلله
بس أنا عاوز أأمن على معرفة السلك الدبلوماسي ليكي ويعرفوا إنك بتدرسي سياسة

باكينام برجاء: خلاص يابابا ربنا يخليك.. سيبني براحتي..



***********************



الساعة 2 بعد منتصف الليل
غرفة العنود

العنود مليئة بالهواجس والحزن هذه الليلة
حزن شفاف كشفافيتها يغزو روحها الصافية التي لا تعرف التلون
فارس جرحها اليوم مرتين
أولا موقفه مع الفتاة التي كانت تهمس في أذنه
وثانيا حدته وتهديده لها وهم لم يبق على زواجهما إلا أيام
هي بذاتها متوترة بدون سبب
فكيف وهي تجد لها سببا قويا الآن
لِـمَ هو عاجز عن معاملتها برقتها؟؟؟
لم تسمع صوته إلا مرات معدودة يكون غالبا إما باردا أو غاضبا
تملئها مشاعر دافئة ناحيته
فكيف سيتلاقى دفئها مع بروده؟؟

"عن أي برود تتحدثين يالعنود؟!!
ليتك تعلمين فقط أي نار أشعلتها في جوانح العاشق المتيم!!"

مازالت هواجسها تغالب نعاسها
وهي بين النعاس والهواجس
رن هاتفها
انتفضت بعنف
(من بيتصل علي ذا الحزة؟؟)

تناولت هاتفها
رقم مميز وغير غريب سبق أن مر عليها
سقط قلبها إلى قدميها وهي تتذكر رقم من هذا
لم ترد

الرنين يرتفع مرة أخرى
لم ترد

رنة مسج
"أنا فارس
ردي علي"

(يا ربي.. وش أسوي؟؟
أدري أنك فارس
وش يبي فيني تالي ذا الليل
أكيد يبي يغسل شراعي
مثل ماقال اليوم أنه بيوريني شغلي)

العنود طبعت له مسج
" والله عندي توجيهات من جهات عليا
إني ما أرد على أرقام غريبة"

غصبا عنه ابتسم فارس وهو يتذكر أول مرة سمع صوتها عبر الهاتف
حين طلب منها ألا ترد على أرقام غريبة

طبع مسج وأرسله
" والجهات العليا تقول ردي الحين"

أرسلت له:
"فارس وش تبي فيني؟؟
واللي يخليك اللي فيني يكفيني
لا تزيدها علي"

فارس شعر أن عبارتها المترجية كانت سهما اخترق قلبه بوحشية

فارس غاضب عليها منذ مكالمة موضي
لذا أخذ رقمها من هاتف ناصر دون أن ينتبه
كان يريد أن يفرغ فيها بعضا من غضبه
يأدبها
يحاسبها على أنها شكت فيه
وعلى أنها أدخلت طرفا ثالثا بينهما
أو
أو

يجد سببا ليسمع صوتها
وربما كان هذا هو السبب الوحيد والحقيقي
من بين خزعبلات غضبه المصطنع كلها
فشوقه ينحره لسماع صوتها
وطاقة الصبر عنده نفدت تماما

أرسل لها
" أنا بأتصل الحين
إذا رديتي.. عرفتي أنا وش أبي
وياويلش لو ما رديتي"

ثم أعاد الاتصال بها بكل ثقة



********************



الجبهة الثالثة

غرفة لطيفة

لطيفة عادت حوالي العاشرة والنصف
حممت أطفالها
ونومتهم

ثم تحممت هي وصلت وبدأت في الدراسة
تأخر مشعل ولكنها تتوقع أن يتأخر الليلة للسهر مع شقيقها مشعل وسماع أخباره

وعلى العموم لايهمها تأخر أو لا
وهي ساهرة للدراسة وليس من أجله!!
للدراسة فقط وليس إلا!!
وليس إلا!!

حوالي الثانية وصل مشعل
حين دخل وجدها ماتزال تدرس
سلم.. ردت عليه ببرود
ألقى بنفسه على الأريكة وهو يسألها: غريبة طولتي الليلة؟؟

لطيفة بهدوء: الامتحانات قربت واليوم مادرست

مشعل يقف ويتوجه للحمام ليستحم
لطيفة نهضت وأخرجت ملابسه وعطرتها ووضعتها على الكرسي في غرفة الملابس
فهي من بعد تعبه الأخير عادت للاهتمام بكل شئونه وملابسه
نستطيع أن نتصنع قليلا في مشاعرنا
ولكن عاداتنا اليومية المتغلغلة فينا شيء يتجاوز فذلكات التصنع

مشعل خرج وارتدى ملابسه ثم صلى قيامه
وعاد للطيفة التي مازالت تدرس
ليقف خلفها ويميل قليلا للأمام

غصبا عنها ارتعشت
وهو لم يفته مطلقا هذه الارتعاشة.. ابتسم

ولطيفة تسأله ببرود: فيه شي؟؟ وش تشوف؟؟

مشعل مازال مبتسما: دروسش.. أشوف وش تدرسين؟؟

لم تفتها رائحة الابتسامة في كلامه.. عقبت بحذر لا تعرف سببه:
وش شفت في دروسي؟؟

مشعل يبتسم: ماشفت شيء ..
أنا من بعد صفحة خدش ضيعت الدرب..وعيني سكنت هنا

قالها وهو يلمس خدها بطرف سبابته بخفة

لطيفة توترت وارتعاشها الذي تحاول كتمه يتزايد
(ياربي وش يبي هذا؟؟
ما أحب ذا اللف والدوران.. يوترني
أبيه صريح وحاد
عشان أرد عليه بنفس الصراحة والحدة)

لطيفة وقفت تريد الذهاب

لكنها فوجئت بيد تطبق على معصمها وتشدها: وين بتروحين؟؟

لطيفة حاولت نزع يدها منه
ولكنها لم تفلح فيده مطبقة بقوة على معصمها
ردت عليه ببرود: خل يدي.. أبي أروح أنام..

مشعل بهدوء: تهربين مني؟؟

لطيفة بسخرية: وليش أهرب منك؟؟

مشعل بهدوء مسيطر: اسألي روحش

لطيفة ببرود : سألتها وتقول إنك غلطان.. والحين خلني أروح أنام

مشعل شد يدها التي يمسك بها
رفعها إلى شفتيه.. وطبع في باطن كفها قبلة طويلة عميقة
ثم أفلتها وهمس بعمق: الحين روحي نامي



******************



غرفة مشعل بن عبدالله

بعد أن سلم مشعل من صلاته ألتفت على هيا وجدها ماتزال جالسة على نفس جلستها
سألها: ماتبين تنامين؟؟

هيا بتوتر: لا مافيني نوم..

مشعل بهدوء: لنا تقريبا يومين ما نمنا.. أكيد تعبانة وبكرة وراش مشاوير
لطيفة قالت لي.. قومي نامي

هيا بخجل كاسح والكلمات تقف في بلعومها: وين أنام؟؟
أميرة بكلمتي
أميرة بكلمتي
عضو راقى
عضو راقى

عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صفحة 2 من اصل 5 الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5  الصفحة التالية

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى