آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
صفحة 3 من اصل 5
صفحة 3 من اصل 5 • 1, 2, 3, 4, 5
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الحادي والخمسون
غرفة مشعل بن عبدالله
بعد أن سلم مشعل من صلاته التفت على هيا وجدها ماتزال جالسة على نفس جلستها
سألها: ماتبين تنامين؟؟
هيا بتوتر: لا مافيني نوم..
مشعل بهدوء: لنا تقريبا يومين ما نمنا.. أكيد تعبانة وبكرة وراش مشاوير
لطيفة قالت لي.. قومي نامي
هيا بخجل كاسح والكلمات تقف في بلعومها: وين أنام؟؟
مشعل انتبه للتو لسبب حرجها
تنهد: نامي على السرير أنا بأنام على الكنبة
ومافيه داعي تحرجيني بخجل ماله داعي
احنا صار لنا شهرين متزوجين وما أعتقد أني ضايقتش خلالها بشيء
هيا بحرج: خلاص بأقوم أجيب لك غطا
هيا بحثت عن أية أغطية لكنها لم تجد
مشعل بهدوء: ماراح تلاقين
المفارش والبطانيات الزايدة وحتى الجديدة كلها في غرفة تخزين الفرش فوق
أنا بأروح أجيب لي
هيا برجاء: لا مشعل تكفى لا تروح
مشعل باستغراب: ليش؟؟
هيا بخجل مر: وش يقولون لو حد شافك جايب لك فراش؟؟
مشعل بهدوء وهو يريد الخروج: ماعلي من حد..
هيا يخجل أكبر: بس أنا علي..ما أبي حد يحس أن فيه شيء غير طبيعي بيننا
مشعل وهو يتجاوزها ويخرج ويقول بعتب بنبرة خاصة:
زين إنش حاسة إنه شيء غير طبيعي..
ثم أكمل:
ولا تخافين لو حد شافني بأقول نبي لنا غطا زيادة لأنه أنتي تبردين في الليل
هيا كان كل تفكيرها بجملته العاتبة:
(زين إنش حاسة إنه شيء غير طبيعي..)
****************************
غرفة فارس
يتمدد الجسد الضخم على سريره وظهره مسند إلى ظهر السرير
هاتفه بيده يدق بثقة
وقلبه به زلازل وبراكين واعاصير
على الطرف الآخر
العنود متوترة
متوترة جدا.. لم تكن تريد أن ترد عليه
ولكنها لم تكن تريد أن تأزم الوضع بينهما
رن هاتفها انتفض قلبها بعنف
ردت بصوتها الذي ينحره نحرا: هلا
(آه ياقلبي.. أحلى هلا سمعتها في حياتي
مستحيل يكون هذا صوت بشري
هذا معجزة
أسطورة
سحر
خيال
أي شيء مبهر إلا أنه صوت بشري عادي
مستحيل.. مستحيل)
فارس بهدوء: هلا بش
صمت على الطرف الآخر
فارس بنفس هدوءه: ليش ساكتة؟؟
العنود بتوتر تحاول تغليفه بالهدوء: أنت اللي تبيني
(إيه والله أني أبيش وأبيش وابيش
ولأخر قطرة في دمي أبيش)
فارس تنحنح ليقول بثقة: وش اللي سويتيه اليوم؟؟
العنود بعتب: وممكن أنا أسأل نفس السؤال وأقول وش اللي أنت سويته اليوم؟؟
فارس بثقة: أنا ما سويت شيء
العنود بحزن: إذا أنت ما سويت شيء.. أنا ماسويت شيء بعد
فارس بنبرة غضب خفيفة: وإنش تخلين موضي تكلمني.. شتسمينها؟؟
العنود عبراتها بحلقها: وإنك تكلم بنت في مكان عام
لا والبنت توشوشك في أذنك.. شتسميها؟؟
فارس شعر بقلبه يهوي وهو يعرف من تغير صوتها انها تغالب بكائها
لم يعرف كيف يشعر أو يتصرف
أ يتمزق لأنها تبكي؟!!
أو يعاتبها لأنها شكت فيه؟!!
أو يغضب لأنها ضخمت القصة –من وجهة نظره- وأدخلت موضي فيها؟؟
أو
أو
يجن سعادة لأنها تغار عليه؟؟
نعم تغار عليه لدرجة أن تبكي وتتألم لمجرد رؤيته مع أخرى؟!!
( أ تغارين علي يا صغيرتي؟!!
أحقا تغارين؟؟
ما أسعدني هذه الليلة بأحاسيسك!!
هل حقا تحملين لي شعورا ما
بعد أن مزقتي قلبي من فرط المشاعر لكِ؟!)
الطرفان يتبادلان الصمت
العنود مازالت تغالب عبراتها لا تريد أن تبكي وهو يسمع
(يبدو أن لا أهمية لمشاعري عنده
لم يفكر أن يبرر لي... أن يعتذر
أن يكذب حتى ..كما هو مفترض من شاب في موقفه
لمجرد أن يرضيني)
العنود صوتها أصبح أكثر اختناقا كانت أول من قطع الصمت:
خلاص فارس تبي شيء أو أسكر؟؟
فارس شعر أن قلبه يتمزق أشلاء وهو يسمع صوتها المختنق
همس لها بهدوء: العنود اسمعيني
أنا ما أدري أشلون أنتي فسرتي اللي شفتيه
لكن أنا ما أبرر تصرفاتي لأحد
وخصوصا لما أكون أنا ماغلطت نهائي
العنود ماعادت تحتمل قسوته وعجرفته
( أ يصعب عليه لهذه الدرجة أن يطيب خاطري؟؟)
غصبا عنها ارتفع صوت بكائها وهي تشهق وتقول:
أنت ليش قاسي كذا؟؟
ليش؟؟
والا أنا مالي قيمة عندك لدرجة أنك مستخسر فيني أنك تطيب خاطري بكلمتين
يعني مكلف على نفسك تتصل عشان تجرحني وبس
يعني رجولتك الغالية بتنهز لو راضيتني بكلمة حتى وإن كانت كذب
ثم أنهت هي الاتصال
لتترك فارس ممزقا
فهو منذ سمع بكائها شعر بطعنات تتوالى على روحه مع كل شهقة من شهقاتها
كل شهقة كانت سهما مراشا يخترق روحه
(أين خزعبلات الانتقام يافارس
إن كنت لم تحتمل حتى سماع بكائها
فكيف لو رأيتها تبكي؟!)
كان فارس يريد أن يتصل بها مرة أخرى
يريد أن يعتذر لها ألف مرة
ويبرر ألف مرة
ويقول أنه يحبها ويعشقها ويذوب من أجلها آلاف آلاف المرات
أن يقول لها: أرجوكِ لا تبكي
بكائكِ ينحرني
ولكن مايريده شيء
ومايقدر عليه ويسمح له كبرياءه به هو شيء آخر تماما
***************************
غرفة مشعل بن عبدالله
مشعل عاد بغطائه
كانت هيا تجلس على السرير
تخجل أن تتمدد أمامه
مشعل خلع ثوبه ووضعه في سلة الغسيل وبقي بفانيلته وسرواله الأبيضين
نبه هاتفه للصلاة
أطفأ الأنوار بقي فقط نور الأباجورة المجاورة للسرير عند هيا
ثم تمدد على الكنبة وهو يتمتم بأذكاره
انتهى وهي مازالت تجلس
همس بهدوء: أشفيش هيا؟؟
هيا لا تعرف ماذا تقول.. صمتت
مشعل يكرر السؤال: فيش شيء؟؟
هيا بخجل: لا.. إذا نمت أنت.. نمت أنا
مشعل يعطيها ظهره وهو يقول هذا أنا نمت.. نامي
هيا تمددت وهي تسحب شعرها لجوارها
نسيت أن تسأله عن توقيت الصلاة
خجلت أن تكلمه.. لم تكن تريد أن تسأله الآن
توقعت وقت تقريبي ونبهت هاتفها
لأنها لم تكن تريده أن يصحو قبلها ويراها نائمة
تركت الضوء جوارها مضاء ونامت بعد لحظات من شدة التعب
**************************
غرفة مشعل ولطيفة
مشعل بهدوء: تهربين مني؟؟
لطيفة بسخرية: وليش أهرب منك؟؟
مشعل بهدوء مسيطر: أسألي روحش
لطيفة ببرود : سألتها وتقول إنك غلطان.. والحين خلني أروح أنام
مشعل شد يدها التي يمسك بها
رفعها إلى شفتيه.. وطبع في باطن كفها قبلة طويلة عميقة
ثم أفلتها وهمس بنبرة خاصة: الحين روحي نامي
لطيفة ارتعشت أعماقها بعنف
كزوجين مضى على زواجهما 13 عاما
ومر بهما مئات اللمسات المشتركة
لما هزتها قبلته هذه؟!!
لما بدت لها مختلفة؟!!
بل ومختلفة جدا
بدت دافئة جدا وعميقة جدا
وموجعة جدا
موجعة لأبعد حد..
لطيفة غادرته
وهو بقي واقفا في مكانه
لطيفة تمددت على سريرها وهي مازالت ترتعش
بعدها بلحظات وصل هو
تمدد جوارها
دون أن يكلمها
ولو أنه فعل
لربما كانت انهارت
كان سيصل لمبتغاه لو أنه انتهز فرصة ضعفها الحالي
قبل أن تتماسك وتعاود تجميد مشاعرها ورص حصونها
التي دكها بقبلته التي تحرق كفها
كفها الذي تحتضنه الآن قريبا من صدرها
ولكن مشعل كان له مخطط آخر
مخطط يطهوه على نار هادئة
كما تفعل لطيفة به تماما
وهي تتسلى بطهي مشاعره وأعصابه ورغباته على نار هادئة
(إذا كانت لا تصدق أن تتدفق مشاعري فجأة كما تقول
لنذقها التدفق التدريجي
شيئا فشيئا)
*******************
قبل صلاة الفجر بقليل
منبه مشعل يرن.. صحا وأطفئه فورا
يركز بصره بهدوء
النور مازال مضاء بجوار هيا
جلس وهو ينظر لها
دقائق مرت وهو ينظر إليها وهي مستغرقة في النوم
كم تبدو قريبة وبعيدة
وكم يؤلمه هذا القرب البعيد
كم هي رائعة وهذا الشعر الموجع يتناثر حولها
كم يتمنى لو يدفن وجهه في طياته
يستنشق عبيره من قريب
يكون مخدته وغطائه
انتزعه صوت منبهها من أفكاره التي ذهبت بعيدا بألم
كان صوته حادا وعاليا
نهض ليطفئه
وهو يمد يده لتناوله
كانت تمد يدها لتمسك بيده بدلا من هاتفها
انتبهت مرعوبة
وقفزت لتجلس بعد أن كفت يدها وهي تشعر بخجل كاسح
مشعل أطفأ جرس هاتفها
ومرت لحظات وهما يتبادلان النظرات
مشعل واقف وهي جالسة
(لماذا كل هذه التعقيدات بيننا؟؟
لماذا؟؟
هأنا واقف أتمزق شوقا لها ورغبة بها
وهي زوجتي
ما هذا الجنون الذي نمارسه؟!)
مشعل تنهد وهو يقول: أنا بأتوضأ وأروح للصلاة
هيا هممت بكلمات غير مفهومة
ومشعل توجه للحمام
**********************
قبل صلاة الفجر
غرفة مريم
مازالت مريم لم تنم
ماحدث البارحة يلتهم تفكيرها
يلوكه ويمضغه ويلفظه في حلقة متصلة من التفكير الذي لا يهدأ
(سعد
غريبة؟؟
واحد مثل سعد وش يبي بوحدة مثلي
ضريرة لا وكبيرة في السن بعد
وهو يقدر يتزوج أحسن بنت
بعده شباب وعنده خير
وش يبي فيني أنا
وش يبي فيني؟؟)
تتذكر حوارها مع مشعل
مشعل بهدوء: مريم سعد بن فيصل كلمني عليش
مريم انتفضت بعنف: كلمك علي أشلون
مشعل ابتسم: أشلون يعني بعد.. خطبش
تدرين أنا وياه ربع
وهو كلمني أول عشان أخذ رأيش
لو أنتي موافقة كلم إبي
رجال في هيبته مايبي يحرج نفسه لو أنتي رافضته
والموضوع كله بيننا ثلاثتنا لين توافقين
مريم وقفت وهي تقول بعصبية: لا طبعا.. لا
مشعل وقف وشد يدها وأجلسها وهو يقول بمنطقية:
مريم طول عمرش أعقل وحدة فينا.. وصمام الأمان لنا كلنا
مهوب تجين عند نفسش وتخونش الحكمة
سعد ما ينرفض..
وإذا تقبلين بشهادتي.. أنا أبصم له بأصابعي العشر وأنا مغمض إنه سعد رجال مافيه مثله ثنين
مريم بحزن: أعرف سعد زين ولأنه رجال كامل والكامل وجه الله
وش يبي بوحدة مثلي..
مشعل بغضب: وأنتي وش قاصرش جمال ووعقل وبنت محمد بن مشعل........
قاطعته مريم كأنها تنزف الكلمات: وعمياء وكبيرة في السن
مشعل بغضب رقيق: مريم ما اسمح لش تقولين كذا على نفسش
مريم بحزن أرق: أنت لا تسمح لي.. بس رفضك للحقيقة مايلغيها
مشعل تنهد: مريم اخذي وقتش وفكري
سعد ملزم عليش فوق ما تتصورين.. ويقول إنه شاريش
ومن ناحية ثانية لا تخلين شيء يخليش توافقين إلا رغبتش أنتي
لأنه بيوتنا كلها لش أنتي الداخلة واحنا الطالعين
وهاهي مريم مازالت تفكر.. مثقلة بالهم وممزقة من التفكير
وبروحها تهب نسمة أمل ما
نسمة باردة في هجير حياتها
************************
هيا بعد أن صلت الفجر
قررت أن تبدل ملابسها وتنزل لرؤية جدتها
وفي ذات الوقت تتلافى رؤية مشعل في غرفتهما
يكفيها ضغط البارحة واليوم
لبست جلالها وأحكمت لفه على وجهها بعد أن أبدلت ملابسها ونزلت
دخلت إلى غرفة جدتها
الباب الذي رأت جدتها تدخل منه البارحة
وبالفعل كانت غرفة جدتها تحمل رائحة عميقة وأصيلة
وتفوح من الغرفة رائحة البخور المعتق
كانت غرفة شاسعة بها سريرين
سرير للجدة
وسرير آخر تستخدمه مشاعل أو أم مشعل وحاليا موضي حين يشعرون أن الجدة قد تكون متعبة
وبطرفها جلسة لطيفة تتسع لسبعة أو ثمانية
كانت جدتها ماتزال تصلي
جلست قريبا منها
حتى أنهت صلاتها
كانت الجدة مكشوفة الوجه
وحين سلمت من صلاتها ورأت هيا
ابتسمت وهي تتناول برقعها لتلبسه
ولكن هيا التي توجهت لها وسلمت واحتضنتها وقبلت كتفها ويدها
ثم أمسكت ببرقعها وهي تقول: لا خليني أشبع من وجهش أول
الجدة بابتسامة وهي تضع طرف جلالها على وجهها:
عيب عليش يا بنت.. خاف يجي عمش الحين وأنا ماعلى وجهي شيء
هيا بمرح: مشعل يقول أني أشبهش.. خليني أشوف
وإلا مشعل حلال يشوف وجهش وأنا لا
وهما تتحاوران حوارا مشبعا بالمرح والحنان دخل عليهم خيال صغير
يقول بمرح: وينها بنت عمي اللي من البارح أدورها ولا صدتها
وينها الخاينة اللي خذت أخي وخانتني؟؟
وقفت هيا بسعادة وشوق لاستقباله
فهي مشتاقة لهذا الفتى الذي كانت تهاتفه تقريبا بشكل يومي
رسمت له صورة في بالها من خلال حوارها معه
ولكن الصورة التي رسمتها كانت مختلفة تماما عن الحقيقة
غرفة مشعل بن عبدالله
بعد أن سلم مشعل من صلاته التفت على هيا وجدها ماتزال جالسة على نفس جلستها
سألها: ماتبين تنامين؟؟
هيا بتوتر: لا مافيني نوم..
مشعل بهدوء: لنا تقريبا يومين ما نمنا.. أكيد تعبانة وبكرة وراش مشاوير
لطيفة قالت لي.. قومي نامي
هيا بخجل كاسح والكلمات تقف في بلعومها: وين أنام؟؟
مشعل انتبه للتو لسبب حرجها
تنهد: نامي على السرير أنا بأنام على الكنبة
ومافيه داعي تحرجيني بخجل ماله داعي
احنا صار لنا شهرين متزوجين وما أعتقد أني ضايقتش خلالها بشيء
هيا بحرج: خلاص بأقوم أجيب لك غطا
هيا بحثت عن أية أغطية لكنها لم تجد
مشعل بهدوء: ماراح تلاقين
المفارش والبطانيات الزايدة وحتى الجديدة كلها في غرفة تخزين الفرش فوق
أنا بأروح أجيب لي
هيا برجاء: لا مشعل تكفى لا تروح
مشعل باستغراب: ليش؟؟
هيا بخجل مر: وش يقولون لو حد شافك جايب لك فراش؟؟
مشعل بهدوء وهو يريد الخروج: ماعلي من حد..
هيا يخجل أكبر: بس أنا علي..ما أبي حد يحس أن فيه شيء غير طبيعي بيننا
مشعل وهو يتجاوزها ويخرج ويقول بعتب بنبرة خاصة:
زين إنش حاسة إنه شيء غير طبيعي..
ثم أكمل:
ولا تخافين لو حد شافني بأقول نبي لنا غطا زيادة لأنه أنتي تبردين في الليل
هيا كان كل تفكيرها بجملته العاتبة:
(زين إنش حاسة إنه شيء غير طبيعي..)
****************************
غرفة فارس
يتمدد الجسد الضخم على سريره وظهره مسند إلى ظهر السرير
هاتفه بيده يدق بثقة
وقلبه به زلازل وبراكين واعاصير
على الطرف الآخر
العنود متوترة
متوترة جدا.. لم تكن تريد أن ترد عليه
ولكنها لم تكن تريد أن تأزم الوضع بينهما
رن هاتفها انتفض قلبها بعنف
ردت بصوتها الذي ينحره نحرا: هلا
(آه ياقلبي.. أحلى هلا سمعتها في حياتي
مستحيل يكون هذا صوت بشري
هذا معجزة
أسطورة
سحر
خيال
أي شيء مبهر إلا أنه صوت بشري عادي
مستحيل.. مستحيل)
فارس بهدوء: هلا بش
صمت على الطرف الآخر
فارس بنفس هدوءه: ليش ساكتة؟؟
العنود بتوتر تحاول تغليفه بالهدوء: أنت اللي تبيني
(إيه والله أني أبيش وأبيش وابيش
ولأخر قطرة في دمي أبيش)
فارس تنحنح ليقول بثقة: وش اللي سويتيه اليوم؟؟
العنود بعتب: وممكن أنا أسأل نفس السؤال وأقول وش اللي أنت سويته اليوم؟؟
فارس بثقة: أنا ما سويت شيء
العنود بحزن: إذا أنت ما سويت شيء.. أنا ماسويت شيء بعد
فارس بنبرة غضب خفيفة: وإنش تخلين موضي تكلمني.. شتسمينها؟؟
العنود عبراتها بحلقها: وإنك تكلم بنت في مكان عام
لا والبنت توشوشك في أذنك.. شتسميها؟؟
فارس شعر بقلبه يهوي وهو يعرف من تغير صوتها انها تغالب بكائها
لم يعرف كيف يشعر أو يتصرف
أ يتمزق لأنها تبكي؟!!
أو يعاتبها لأنها شكت فيه؟!!
أو يغضب لأنها ضخمت القصة –من وجهة نظره- وأدخلت موضي فيها؟؟
أو
أو
يجن سعادة لأنها تغار عليه؟؟
نعم تغار عليه لدرجة أن تبكي وتتألم لمجرد رؤيته مع أخرى؟!!
( أ تغارين علي يا صغيرتي؟!!
أحقا تغارين؟؟
ما أسعدني هذه الليلة بأحاسيسك!!
هل حقا تحملين لي شعورا ما
بعد أن مزقتي قلبي من فرط المشاعر لكِ؟!)
الطرفان يتبادلان الصمت
العنود مازالت تغالب عبراتها لا تريد أن تبكي وهو يسمع
(يبدو أن لا أهمية لمشاعري عنده
لم يفكر أن يبرر لي... أن يعتذر
أن يكذب حتى ..كما هو مفترض من شاب في موقفه
لمجرد أن يرضيني)
العنود صوتها أصبح أكثر اختناقا كانت أول من قطع الصمت:
خلاص فارس تبي شيء أو أسكر؟؟
فارس شعر أن قلبه يتمزق أشلاء وهو يسمع صوتها المختنق
همس لها بهدوء: العنود اسمعيني
أنا ما أدري أشلون أنتي فسرتي اللي شفتيه
لكن أنا ما أبرر تصرفاتي لأحد
وخصوصا لما أكون أنا ماغلطت نهائي
العنود ماعادت تحتمل قسوته وعجرفته
( أ يصعب عليه لهذه الدرجة أن يطيب خاطري؟؟)
غصبا عنها ارتفع صوت بكائها وهي تشهق وتقول:
أنت ليش قاسي كذا؟؟
ليش؟؟
والا أنا مالي قيمة عندك لدرجة أنك مستخسر فيني أنك تطيب خاطري بكلمتين
يعني مكلف على نفسك تتصل عشان تجرحني وبس
يعني رجولتك الغالية بتنهز لو راضيتني بكلمة حتى وإن كانت كذب
ثم أنهت هي الاتصال
لتترك فارس ممزقا
فهو منذ سمع بكائها شعر بطعنات تتوالى على روحه مع كل شهقة من شهقاتها
كل شهقة كانت سهما مراشا يخترق روحه
(أين خزعبلات الانتقام يافارس
إن كنت لم تحتمل حتى سماع بكائها
فكيف لو رأيتها تبكي؟!)
كان فارس يريد أن يتصل بها مرة أخرى
يريد أن يعتذر لها ألف مرة
ويبرر ألف مرة
ويقول أنه يحبها ويعشقها ويذوب من أجلها آلاف آلاف المرات
أن يقول لها: أرجوكِ لا تبكي
بكائكِ ينحرني
ولكن مايريده شيء
ومايقدر عليه ويسمح له كبرياءه به هو شيء آخر تماما
***************************
غرفة مشعل بن عبدالله
مشعل عاد بغطائه
كانت هيا تجلس على السرير
تخجل أن تتمدد أمامه
مشعل خلع ثوبه ووضعه في سلة الغسيل وبقي بفانيلته وسرواله الأبيضين
نبه هاتفه للصلاة
أطفأ الأنوار بقي فقط نور الأباجورة المجاورة للسرير عند هيا
ثم تمدد على الكنبة وهو يتمتم بأذكاره
انتهى وهي مازالت تجلس
همس بهدوء: أشفيش هيا؟؟
هيا لا تعرف ماذا تقول.. صمتت
مشعل يكرر السؤال: فيش شيء؟؟
هيا بخجل: لا.. إذا نمت أنت.. نمت أنا
مشعل يعطيها ظهره وهو يقول هذا أنا نمت.. نامي
هيا تمددت وهي تسحب شعرها لجوارها
نسيت أن تسأله عن توقيت الصلاة
خجلت أن تكلمه.. لم تكن تريد أن تسأله الآن
توقعت وقت تقريبي ونبهت هاتفها
لأنها لم تكن تريده أن يصحو قبلها ويراها نائمة
تركت الضوء جوارها مضاء ونامت بعد لحظات من شدة التعب
**************************
غرفة مشعل ولطيفة
مشعل بهدوء: تهربين مني؟؟
لطيفة بسخرية: وليش أهرب منك؟؟
مشعل بهدوء مسيطر: أسألي روحش
لطيفة ببرود : سألتها وتقول إنك غلطان.. والحين خلني أروح أنام
مشعل شد يدها التي يمسك بها
رفعها إلى شفتيه.. وطبع في باطن كفها قبلة طويلة عميقة
ثم أفلتها وهمس بنبرة خاصة: الحين روحي نامي
لطيفة ارتعشت أعماقها بعنف
كزوجين مضى على زواجهما 13 عاما
ومر بهما مئات اللمسات المشتركة
لما هزتها قبلته هذه؟!!
لما بدت لها مختلفة؟!!
بل ومختلفة جدا
بدت دافئة جدا وعميقة جدا
وموجعة جدا
موجعة لأبعد حد..
لطيفة غادرته
وهو بقي واقفا في مكانه
لطيفة تمددت على سريرها وهي مازالت ترتعش
بعدها بلحظات وصل هو
تمدد جوارها
دون أن يكلمها
ولو أنه فعل
لربما كانت انهارت
كان سيصل لمبتغاه لو أنه انتهز فرصة ضعفها الحالي
قبل أن تتماسك وتعاود تجميد مشاعرها ورص حصونها
التي دكها بقبلته التي تحرق كفها
كفها الذي تحتضنه الآن قريبا من صدرها
ولكن مشعل كان له مخطط آخر
مخطط يطهوه على نار هادئة
كما تفعل لطيفة به تماما
وهي تتسلى بطهي مشاعره وأعصابه ورغباته على نار هادئة
(إذا كانت لا تصدق أن تتدفق مشاعري فجأة كما تقول
لنذقها التدفق التدريجي
شيئا فشيئا)
*******************
قبل صلاة الفجر بقليل
منبه مشعل يرن.. صحا وأطفئه فورا
يركز بصره بهدوء
النور مازال مضاء بجوار هيا
جلس وهو ينظر لها
دقائق مرت وهو ينظر إليها وهي مستغرقة في النوم
كم تبدو قريبة وبعيدة
وكم يؤلمه هذا القرب البعيد
كم هي رائعة وهذا الشعر الموجع يتناثر حولها
كم يتمنى لو يدفن وجهه في طياته
يستنشق عبيره من قريب
يكون مخدته وغطائه
انتزعه صوت منبهها من أفكاره التي ذهبت بعيدا بألم
كان صوته حادا وعاليا
نهض ليطفئه
وهو يمد يده لتناوله
كانت تمد يدها لتمسك بيده بدلا من هاتفها
انتبهت مرعوبة
وقفزت لتجلس بعد أن كفت يدها وهي تشعر بخجل كاسح
مشعل أطفأ جرس هاتفها
ومرت لحظات وهما يتبادلان النظرات
مشعل واقف وهي جالسة
(لماذا كل هذه التعقيدات بيننا؟؟
لماذا؟؟
هأنا واقف أتمزق شوقا لها ورغبة بها
وهي زوجتي
ما هذا الجنون الذي نمارسه؟!)
مشعل تنهد وهو يقول: أنا بأتوضأ وأروح للصلاة
هيا هممت بكلمات غير مفهومة
ومشعل توجه للحمام
**********************
قبل صلاة الفجر
غرفة مريم
مازالت مريم لم تنم
ماحدث البارحة يلتهم تفكيرها
يلوكه ويمضغه ويلفظه في حلقة متصلة من التفكير الذي لا يهدأ
(سعد
غريبة؟؟
واحد مثل سعد وش يبي بوحدة مثلي
ضريرة لا وكبيرة في السن بعد
وهو يقدر يتزوج أحسن بنت
بعده شباب وعنده خير
وش يبي فيني أنا
وش يبي فيني؟؟)
تتذكر حوارها مع مشعل
مشعل بهدوء: مريم سعد بن فيصل كلمني عليش
مريم انتفضت بعنف: كلمك علي أشلون
مشعل ابتسم: أشلون يعني بعد.. خطبش
تدرين أنا وياه ربع
وهو كلمني أول عشان أخذ رأيش
لو أنتي موافقة كلم إبي
رجال في هيبته مايبي يحرج نفسه لو أنتي رافضته
والموضوع كله بيننا ثلاثتنا لين توافقين
مريم وقفت وهي تقول بعصبية: لا طبعا.. لا
مشعل وقف وشد يدها وأجلسها وهو يقول بمنطقية:
مريم طول عمرش أعقل وحدة فينا.. وصمام الأمان لنا كلنا
مهوب تجين عند نفسش وتخونش الحكمة
سعد ما ينرفض..
وإذا تقبلين بشهادتي.. أنا أبصم له بأصابعي العشر وأنا مغمض إنه سعد رجال مافيه مثله ثنين
مريم بحزن: أعرف سعد زين ولأنه رجال كامل والكامل وجه الله
وش يبي بوحدة مثلي..
مشعل بغضب: وأنتي وش قاصرش جمال ووعقل وبنت محمد بن مشعل........
قاطعته مريم كأنها تنزف الكلمات: وعمياء وكبيرة في السن
مشعل بغضب رقيق: مريم ما اسمح لش تقولين كذا على نفسش
مريم بحزن أرق: أنت لا تسمح لي.. بس رفضك للحقيقة مايلغيها
مشعل تنهد: مريم اخذي وقتش وفكري
سعد ملزم عليش فوق ما تتصورين.. ويقول إنه شاريش
ومن ناحية ثانية لا تخلين شيء يخليش توافقين إلا رغبتش أنتي
لأنه بيوتنا كلها لش أنتي الداخلة واحنا الطالعين
وهاهي مريم مازالت تفكر.. مثقلة بالهم وممزقة من التفكير
وبروحها تهب نسمة أمل ما
نسمة باردة في هجير حياتها
************************
هيا بعد أن صلت الفجر
قررت أن تبدل ملابسها وتنزل لرؤية جدتها
وفي ذات الوقت تتلافى رؤية مشعل في غرفتهما
يكفيها ضغط البارحة واليوم
لبست جلالها وأحكمت لفه على وجهها بعد أن أبدلت ملابسها ونزلت
دخلت إلى غرفة جدتها
الباب الذي رأت جدتها تدخل منه البارحة
وبالفعل كانت غرفة جدتها تحمل رائحة عميقة وأصيلة
وتفوح من الغرفة رائحة البخور المعتق
كانت غرفة شاسعة بها سريرين
سرير للجدة
وسرير آخر تستخدمه مشاعل أو أم مشعل وحاليا موضي حين يشعرون أن الجدة قد تكون متعبة
وبطرفها جلسة لطيفة تتسع لسبعة أو ثمانية
كانت جدتها ماتزال تصلي
جلست قريبا منها
حتى أنهت صلاتها
كانت الجدة مكشوفة الوجه
وحين سلمت من صلاتها ورأت هيا
ابتسمت وهي تتناول برقعها لتلبسه
ولكن هيا التي توجهت لها وسلمت واحتضنتها وقبلت كتفها ويدها
ثم أمسكت ببرقعها وهي تقول: لا خليني أشبع من وجهش أول
الجدة بابتسامة وهي تضع طرف جلالها على وجهها:
عيب عليش يا بنت.. خاف يجي عمش الحين وأنا ماعلى وجهي شيء
هيا بمرح: مشعل يقول أني أشبهش.. خليني أشوف
وإلا مشعل حلال يشوف وجهش وأنا لا
وهما تتحاوران حوارا مشبعا بالمرح والحنان دخل عليهم خيال صغير
يقول بمرح: وينها بنت عمي اللي من البارح أدورها ولا صدتها
وينها الخاينة اللي خذت أخي وخانتني؟؟
وقفت هيا بسعادة وشوق لاستقباله
فهي مشتاقة لهذا الفتى الذي كانت تهاتفه تقريبا بشكل يومي
رسمت له صورة في بالها من خلال حوارها معه
ولكن الصورة التي رسمتها كانت مختلفة تماما عن الحقيقة
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الثاني والخمسون
غرفة الجدة أم محمد
بينما هيا وجدتها تتحاوران حوارا مشبعا بالمرح والحنان دخل عليهم خيال صغير
يقول بمرح: وينها بنت عمي اللي من البارح أدورها ولا صدتها
وينها الخاينة اللي خذت أخي وخانتني؟؟
وقفت هيا بسعادة وشوق لاستقباله
فهي مشتاقة لهذا الفتى الذي كانت تهاتفه تقريبا بشكل يومي
رسمت له صورة في بالها من خلال حوارها معه
ولكن الصورة التي رسمتها كانت مختلفة تماما عن الحقيقة
ضحكت هيا حين رأته وهي تقول له (بعيارة):
ومسوي لروحك شخصية وأثرك شبر القاع ياولد عمي..
سلطان يقترب منها ويسلم دون أي ملامسة ولا حتى مصافحة كما تربى
مع أن هيا كانت تود تقبيله فعلا
وهو يقول بمرح: أخ جيتي لي عالوجيعة..
لم يكن سلطان طويل اللسان سوى طفل حقيقي قصير القامة
ولم تبدو عليه أي بوادر للفوران المبكر التي قد تبدو على من هم في سنه
هو في الثالثة عشرة ويبدو للناظر كما لو كان في التاسعة..
يقترب من جدته التي تحتضنه وتقول له بحنان: ماعليك منهم
مشعل يوم إنه كبرك كان أقصر منك
بتغدي أنت أطول منهم كلهم
سلطان يرقص حاجبيه لهيا: شفتي بكرة بأغدي أطول من رجالش
وأنتي بتحسفين إنش خليتيني عشانه
هيا تضحك: سليطين غن وراي ياليل ما أطولك
سلطان يضحك: خاينة وسراقة بعد..
على الأقل أنا أحسن من رجالش الزرافة
أشلون تفاهمون ما أدري
أكيد أنتي إذا بغيتي تقولين له شي تكتبينه في ورقة وتسوينها طيارة وتطيرينها له
هيا بداخلها تكاد تموت من الضحك لكنها قلبت شفتيها وهي تقول بسخرية:
حبوا لي خشمه ما أطوله
ويلك بس تصير مثل ميشو حبيبي
يقاطع حوارهما المرح صوت يقول بنبرة خاصة: سامع حد يدلعني
هيا كحت من الحرج وهي تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها
وسلطان يقول بمرح: ياحظك يا مشيعل بس
جعل يسقى عقب 20 سنة الاقي لي وحدة تغازلني قدام الناس مايهمها حد
هيا كان بودها أن تخنق سلطان الذي بدأ في مبالغاته:
تعال شوف مرتك وهي تغزل فيك..
تصدق شكيت هي تكلم عن أخي مشعل
وإلا تكون تحسب روحها خذت رئيس أمريكا
مشعل ينظر لهيا نظرة خاصة ويبتسم ابتسامة جانبية
وهو يرى وجهها الذي احمر وبدأ يتصبب عرقا
يسلم على جدته التي لبست برقعها
ويجلس جوارها ويسأل سلطان: ليه وش قالت لك؟؟
سلطان ينعم صوته ويقول بطريقة أنثوية مصطنعة:
مشعل حبيبي فديت روحه مافيه مثله اثنين.. ليت كل الرياجيل مثله
ولا ليش مثله.. ليت كل الرياجيل فدوتن له.. جعل يومي قبل يومه
وه بس فديت طاري مشعل واسم مشعل
هيا بدأت تكح بصوت مسموع وهي لا تعرف من أين أتى هذا الفتى بهذه التخاريف
وسلطان يكمل وهو ينظر لهيا ويرقص حاجبيه دون أن ينتبه مشعل:
فديت طول حبيبي مشعل وفديت رزته..
وشبر القاع راحت عليه
وحبو لي خشمه ما أطوله
والناس الخاينين يستاهلون اللي جاهم
عشان ماعاد يحارشون شبر القاع
مشعل لم يفهم الجزء الأخير من كلامه
ولكن هيا فهمت أنه ينتقم منها لأنه سمته )شبر القاع(
لم تستطع منع نفسها من الابتسام
لهذا الفتى قدرة عجيبة على شرح الخاطر وشق الابتسامة في الوجوه
وقدرة أخرى عجيبة في كسر الحواجز الغبية المرتفعة
حاجز ما انكسر بين هيا ومشعل
كلاهما شعر بهذا بوضوح وارتياح شفاف
هو سمعها تتغزل به حتى وإن كانت لتغيظ سلطان
وهي لم تنكر كلام سلطان وكأنها كانت تتمنى فعلا أن تقوله
الجدة بعذوبة: زين يأمكم أنا أبي أتمدد شوي لين شرقة الشمس
البارحة رقادي مهوب زين..
مشعل باحترام: خلاص يمه نخليش براحتش..
وسلطان بمرح: وأنا بأروح أنخمد شوي قدام تجيني موضي تذهني للمدرسة مثل القضاء المستعجل
هيا بحرج: بأنام عندش يمه
الجدة برفض: لا يأمش روحي مع مشعل
مشعل بهدوء: خليها يمه.. هيا ماشبعت منش..
مشعل خرج.. وهيا تجلس بجوار سرير جدتها التي تمددت
جدتها همست لها بحنان: قومي يأمش انسدحي على السرير الثاني
هيا بحنان ممزوج بالحنين وهي تحتضن كف جدتها: باقعد جنبش لين تنامين
************************
الساعة العاشرة صباحا
هيا تصحو من النوم.. تنظر لسرير جدتها الخالي
تبتسم بحنان وهي تتذكر كيف أنها بقيت بجوار جدتها حتى استغرقت في النوم
وكان لديها استعداد أن تبقى تراقبها لساعات دون ملل
هيا الآن تريد أن تغسل وجهها وأسنانها وتبدل ملابسها
استعدادا للخروج مع لطيفة التي قالت أنها ستخرجان العاشرة والنصف
تريد الذهاب لغرفتها
(هل مشعل هناك أو خرج؟؟)
حين خرجت من غرفتها وجدت جدتها وأم مشعل جالستان
عند قهوة الصباح
قبلت رأسيهما
وكم شعرت بسعادة مختلفة وهي ترى هذا الصباح المختلف
روح مختلفة ترفرف حولها
سكينة وإطمئنان وإنشراح قلب
أم مشعل بحنان: اقعدي تقهوي مشاعل وموضي بينزلون ذا الحين؟؟
هيا بتوقير: بأغسل وأبدل وأجي الحين
صعدت هيا فتحت باب غرفتها بهدوء
كان الضوء خافتا بالداخل
(أي أنه لا يزال نائما)
دخلت بالفعل كان مشعل نائما
وكان نائما على السرير وغطاه متكوم عند قدميه
شعرت هيا بحنان متعاظم ناحيته
كيف استطاع تحملها طوال الأسابيع الماضية
حرمته من أبسط حقوقه المفترضة ولكنه لم يقسُ عليها يوما
صبت عليه كل كراهيتها لأهل والدها وتحملها
شعرت بالضآلة أمامه وهو يتسامى فوق أحقادها وعنادها وتصرفاتها الغريبة
هاهو ينام بسكينة وملامحه الأثيرة مسترخية بشموخ حتى وهو نائم
دموعها تنسكب على خديها بدون أن تشعر
اهتزت أعماقها وهي تحاول نفض أفكارها الملتصقة بتلافيف مخها
توجهت للحمام واغتسلت سريعا
وأبدلت ملابسها
جهزت عباءتها وشيلتها ونقابها كانت تريدها أن تكويها
ستسأل موضي عن ذلك
قبل أن تخرج مرت بمشعل وهي تتأمله مرة أخرى بحنان أكبر وأكبر
اقتربت منه بهدوء
جلست جواره تتأمله من قرب
حزن شفاف يكتسح روحها من أجله
كم كان صبورا ورائعا معها
كان رجلا بكل معنى الكلمة
رجلا نادرا قل نظيره
(على قولت سليطين ليت كل الرياجيل فدوتن لك)
شعرت أن مشاعرها تضغط عليها بعنف
اقتربت أكثر وأكثر
قربت شفتيها من وجهه
لتطبع قبلة خفيفة وخاطفة على عظم وجنته
شعرت أن دقات قلبها تتصاعد كما لو كانت ارتكبت جريمة ما
واحساس متعاظم بالخجل يلفها وهي تنهض لتغادر وتغلق باب الغرفة وراها
وهي تحمد الله أن مشعلا لم يستيقظ
دون أن تنتبه أن هناك عينين انفتحتا ببطء
مع ارتسام ابتسامة نصر وشجن وسعادة على وجه صاحبها
( لو أدري كان جينا الدوحة من زمان)
********************
صالة بيت مشعل بن عبدالله السفلية
الستائر مرفوعة عن الشبابيك الضخمة
ونور الشمس القوي يغمر الصالة الواسعة
نزلت هيا لتجد جدتها وأم مشعل وموضي ومشاعل
سلمت
موضي تفسح لها مكان لتجلس جنبها: تعالي جنبي
شكلش محتاجة حنان.. تعالي يأمش أنا عندي فائض حنان
هيا تضحك: ومن قال لش يافائض الحنان أنتي؟؟
موضي تبتسم: طليت الصبح على جدتي لقيتي نايمة عندها
ومهملة أخيي المسيكين..
قلت أكيد محتاجة شوي حنان أمومي..
رغم إحساس هيا بالحرج إلا أنها ردت على موضي:
يا أختي أخيش زهق مني شهرين مقابل وجهي
قلت خله يرتاح مني
أم مشعل بحنان: الله لا يغير عليكم
هاش يأمش فنجال قهوة
مشاعل قربي القدوع من هيا..
هيا تناولت الفنجان وهمست لموضي: أبي أكوي عباتي
موضي بصوت عالي: ميشو.. قومي فزي اخذي عباية هيا
وعطيها وحدة الشغالات تكويها
هيا بخجل: لا تامرين على مشاعل أنا بأوديها
مشاعل ابتسمت وهي تتناول عباءة هيا من المقعد:
أنتي عروستنا.. لازم ندلعش
هيا تبتسم : أي عروس خلاص عتقنا.. أنتي العروس الحين
مشاعل تغير وجهها.. التغير الذي لاحظته هيا
همست هيا لموضي بعد ذهاب مشاعل: وش فيها؟؟
موضي بقلق: واجد تستحي من طاري العرس
هزتت هيا كتفيها: الله يعين ناصر عليها
(وأنتي ياهيا؟؟
أ ليس مشعل أيضا أعانه الله عليكِ؟؟)
حوار حميم كان يدور بينهن قاطعه صوت واثق عميق:
السلام عليكم
هيا انتفضت بعنف
(لاحول ولاقوة إلا بالله.. واشفيني صرت أخاف منه هنا
في واشنطن كان عادي يدخل وإلا يطلع)
مشعل يصلهن ويقبل رأس كل من جدته ووالدته
موضي حين رأته وقفت
توجهت هي ناحيته وقبلت كتفه وقالت بمرح:
أنا قمت من جنب المدام قبل ماحد يقومني
مشعل جلس بجوار هيا
وهو يقول : صبوا لي فنجال قهوة
هيا قامت لتصب له لأنها كانت أساسا تريد القيام من جواره
لكن موضي حلفت عليها أن تجلس
عادت للجلوس وموضي تتولى مسئولية الصب
الجدة بحنان: يأمك كان رقدت ألين تقرب صلاة الظهر وقمت تصلي
أكيد إنك تعبان
مشعل بنبرة خاصة: أنا كنت راقد بس صحيت على حلم حلو طير النوم من عيني
قالها وهو يلمس خده مكان قبلة هيا بطريقة بدت عفوية
لكن هيا انتبهت لها تماما وهي تشعر بصدمة حرج بالغ
بل شعورها تجاوز حدود الحرج والخجل وهي تدعك أصابع يدها بحدة
لدرجة الشعور بالخزي وكأنها مجرم أمسكوا به بالجرم المشهود
وأنقذها من الحرج دخول لطيفة وهي تمسك بيد جود
وتسلم على الجميع
وأولهم مشعل الذي وقف لاستقبالها
وقتها كانت مشاعل تعود بعباءة هيا
لطيفة بهدوء: هاه هيا نمشي؟؟
هيا التفتت بحرج لمشعل تستأذنه
مشعل بهدوء: ماتبوني أوديكم؟؟
لطيفة برفض: لا فديتك احنا بنلف كم مكان..
ثم ألتفتت لموضي: خلي بالش من جود وتراها مابعد تريقت
لبستها وجبتها على السريع
مشعل همس لهيا من قريب: هيا تعالي
وقام وتوجه لغرفة جدته
هيا توترت بشدة (وش يبي فيني؟؟)
غرفة الجدة أم محمد
بينما هيا وجدتها تتحاوران حوارا مشبعا بالمرح والحنان دخل عليهم خيال صغير
يقول بمرح: وينها بنت عمي اللي من البارح أدورها ولا صدتها
وينها الخاينة اللي خذت أخي وخانتني؟؟
وقفت هيا بسعادة وشوق لاستقباله
فهي مشتاقة لهذا الفتى الذي كانت تهاتفه تقريبا بشكل يومي
رسمت له صورة في بالها من خلال حوارها معه
ولكن الصورة التي رسمتها كانت مختلفة تماما عن الحقيقة
ضحكت هيا حين رأته وهي تقول له (بعيارة):
ومسوي لروحك شخصية وأثرك شبر القاع ياولد عمي..
سلطان يقترب منها ويسلم دون أي ملامسة ولا حتى مصافحة كما تربى
مع أن هيا كانت تود تقبيله فعلا
وهو يقول بمرح: أخ جيتي لي عالوجيعة..
لم يكن سلطان طويل اللسان سوى طفل حقيقي قصير القامة
ولم تبدو عليه أي بوادر للفوران المبكر التي قد تبدو على من هم في سنه
هو في الثالثة عشرة ويبدو للناظر كما لو كان في التاسعة..
يقترب من جدته التي تحتضنه وتقول له بحنان: ماعليك منهم
مشعل يوم إنه كبرك كان أقصر منك
بتغدي أنت أطول منهم كلهم
سلطان يرقص حاجبيه لهيا: شفتي بكرة بأغدي أطول من رجالش
وأنتي بتحسفين إنش خليتيني عشانه
هيا تضحك: سليطين غن وراي ياليل ما أطولك
سلطان يضحك: خاينة وسراقة بعد..
على الأقل أنا أحسن من رجالش الزرافة
أشلون تفاهمون ما أدري
أكيد أنتي إذا بغيتي تقولين له شي تكتبينه في ورقة وتسوينها طيارة وتطيرينها له
هيا بداخلها تكاد تموت من الضحك لكنها قلبت شفتيها وهي تقول بسخرية:
حبوا لي خشمه ما أطوله
ويلك بس تصير مثل ميشو حبيبي
يقاطع حوارهما المرح صوت يقول بنبرة خاصة: سامع حد يدلعني
هيا كحت من الحرج وهي تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها
وسلطان يقول بمرح: ياحظك يا مشيعل بس
جعل يسقى عقب 20 سنة الاقي لي وحدة تغازلني قدام الناس مايهمها حد
هيا كان بودها أن تخنق سلطان الذي بدأ في مبالغاته:
تعال شوف مرتك وهي تغزل فيك..
تصدق شكيت هي تكلم عن أخي مشعل
وإلا تكون تحسب روحها خذت رئيس أمريكا
مشعل ينظر لهيا نظرة خاصة ويبتسم ابتسامة جانبية
وهو يرى وجهها الذي احمر وبدأ يتصبب عرقا
يسلم على جدته التي لبست برقعها
ويجلس جوارها ويسأل سلطان: ليه وش قالت لك؟؟
سلطان ينعم صوته ويقول بطريقة أنثوية مصطنعة:
مشعل حبيبي فديت روحه مافيه مثله اثنين.. ليت كل الرياجيل مثله
ولا ليش مثله.. ليت كل الرياجيل فدوتن له.. جعل يومي قبل يومه
وه بس فديت طاري مشعل واسم مشعل
هيا بدأت تكح بصوت مسموع وهي لا تعرف من أين أتى هذا الفتى بهذه التخاريف
وسلطان يكمل وهو ينظر لهيا ويرقص حاجبيه دون أن ينتبه مشعل:
فديت طول حبيبي مشعل وفديت رزته..
وشبر القاع راحت عليه
وحبو لي خشمه ما أطوله
والناس الخاينين يستاهلون اللي جاهم
عشان ماعاد يحارشون شبر القاع
مشعل لم يفهم الجزء الأخير من كلامه
ولكن هيا فهمت أنه ينتقم منها لأنه سمته )شبر القاع(
لم تستطع منع نفسها من الابتسام
لهذا الفتى قدرة عجيبة على شرح الخاطر وشق الابتسامة في الوجوه
وقدرة أخرى عجيبة في كسر الحواجز الغبية المرتفعة
حاجز ما انكسر بين هيا ومشعل
كلاهما شعر بهذا بوضوح وارتياح شفاف
هو سمعها تتغزل به حتى وإن كانت لتغيظ سلطان
وهي لم تنكر كلام سلطان وكأنها كانت تتمنى فعلا أن تقوله
الجدة بعذوبة: زين يأمكم أنا أبي أتمدد شوي لين شرقة الشمس
البارحة رقادي مهوب زين..
مشعل باحترام: خلاص يمه نخليش براحتش..
وسلطان بمرح: وأنا بأروح أنخمد شوي قدام تجيني موضي تذهني للمدرسة مثل القضاء المستعجل
هيا بحرج: بأنام عندش يمه
الجدة برفض: لا يأمش روحي مع مشعل
مشعل بهدوء: خليها يمه.. هيا ماشبعت منش..
مشعل خرج.. وهيا تجلس بجوار سرير جدتها التي تمددت
جدتها همست لها بحنان: قومي يأمش انسدحي على السرير الثاني
هيا بحنان ممزوج بالحنين وهي تحتضن كف جدتها: باقعد جنبش لين تنامين
************************
الساعة العاشرة صباحا
هيا تصحو من النوم.. تنظر لسرير جدتها الخالي
تبتسم بحنان وهي تتذكر كيف أنها بقيت بجوار جدتها حتى استغرقت في النوم
وكان لديها استعداد أن تبقى تراقبها لساعات دون ملل
هيا الآن تريد أن تغسل وجهها وأسنانها وتبدل ملابسها
استعدادا للخروج مع لطيفة التي قالت أنها ستخرجان العاشرة والنصف
تريد الذهاب لغرفتها
(هل مشعل هناك أو خرج؟؟)
حين خرجت من غرفتها وجدت جدتها وأم مشعل جالستان
عند قهوة الصباح
قبلت رأسيهما
وكم شعرت بسعادة مختلفة وهي ترى هذا الصباح المختلف
روح مختلفة ترفرف حولها
سكينة وإطمئنان وإنشراح قلب
أم مشعل بحنان: اقعدي تقهوي مشاعل وموضي بينزلون ذا الحين؟؟
هيا بتوقير: بأغسل وأبدل وأجي الحين
صعدت هيا فتحت باب غرفتها بهدوء
كان الضوء خافتا بالداخل
(أي أنه لا يزال نائما)
دخلت بالفعل كان مشعل نائما
وكان نائما على السرير وغطاه متكوم عند قدميه
شعرت هيا بحنان متعاظم ناحيته
كيف استطاع تحملها طوال الأسابيع الماضية
حرمته من أبسط حقوقه المفترضة ولكنه لم يقسُ عليها يوما
صبت عليه كل كراهيتها لأهل والدها وتحملها
شعرت بالضآلة أمامه وهو يتسامى فوق أحقادها وعنادها وتصرفاتها الغريبة
هاهو ينام بسكينة وملامحه الأثيرة مسترخية بشموخ حتى وهو نائم
دموعها تنسكب على خديها بدون أن تشعر
اهتزت أعماقها وهي تحاول نفض أفكارها الملتصقة بتلافيف مخها
توجهت للحمام واغتسلت سريعا
وأبدلت ملابسها
جهزت عباءتها وشيلتها ونقابها كانت تريدها أن تكويها
ستسأل موضي عن ذلك
قبل أن تخرج مرت بمشعل وهي تتأمله مرة أخرى بحنان أكبر وأكبر
اقتربت منه بهدوء
جلست جواره تتأمله من قرب
حزن شفاف يكتسح روحها من أجله
كم كان صبورا ورائعا معها
كان رجلا بكل معنى الكلمة
رجلا نادرا قل نظيره
(على قولت سليطين ليت كل الرياجيل فدوتن لك)
شعرت أن مشاعرها تضغط عليها بعنف
اقتربت أكثر وأكثر
قربت شفتيها من وجهه
لتطبع قبلة خفيفة وخاطفة على عظم وجنته
شعرت أن دقات قلبها تتصاعد كما لو كانت ارتكبت جريمة ما
واحساس متعاظم بالخجل يلفها وهي تنهض لتغادر وتغلق باب الغرفة وراها
وهي تحمد الله أن مشعلا لم يستيقظ
دون أن تنتبه أن هناك عينين انفتحتا ببطء
مع ارتسام ابتسامة نصر وشجن وسعادة على وجه صاحبها
( لو أدري كان جينا الدوحة من زمان)
********************
صالة بيت مشعل بن عبدالله السفلية
الستائر مرفوعة عن الشبابيك الضخمة
ونور الشمس القوي يغمر الصالة الواسعة
نزلت هيا لتجد جدتها وأم مشعل وموضي ومشاعل
سلمت
موضي تفسح لها مكان لتجلس جنبها: تعالي جنبي
شكلش محتاجة حنان.. تعالي يأمش أنا عندي فائض حنان
هيا تضحك: ومن قال لش يافائض الحنان أنتي؟؟
موضي تبتسم: طليت الصبح على جدتي لقيتي نايمة عندها
ومهملة أخيي المسيكين..
قلت أكيد محتاجة شوي حنان أمومي..
رغم إحساس هيا بالحرج إلا أنها ردت على موضي:
يا أختي أخيش زهق مني شهرين مقابل وجهي
قلت خله يرتاح مني
أم مشعل بحنان: الله لا يغير عليكم
هاش يأمش فنجال قهوة
مشاعل قربي القدوع من هيا..
هيا تناولت الفنجان وهمست لموضي: أبي أكوي عباتي
موضي بصوت عالي: ميشو.. قومي فزي اخذي عباية هيا
وعطيها وحدة الشغالات تكويها
هيا بخجل: لا تامرين على مشاعل أنا بأوديها
مشاعل ابتسمت وهي تتناول عباءة هيا من المقعد:
أنتي عروستنا.. لازم ندلعش
هيا تبتسم : أي عروس خلاص عتقنا.. أنتي العروس الحين
مشاعل تغير وجهها.. التغير الذي لاحظته هيا
همست هيا لموضي بعد ذهاب مشاعل: وش فيها؟؟
موضي بقلق: واجد تستحي من طاري العرس
هزتت هيا كتفيها: الله يعين ناصر عليها
(وأنتي ياهيا؟؟
أ ليس مشعل أيضا أعانه الله عليكِ؟؟)
حوار حميم كان يدور بينهن قاطعه صوت واثق عميق:
السلام عليكم
هيا انتفضت بعنف
(لاحول ولاقوة إلا بالله.. واشفيني صرت أخاف منه هنا
في واشنطن كان عادي يدخل وإلا يطلع)
مشعل يصلهن ويقبل رأس كل من جدته ووالدته
موضي حين رأته وقفت
توجهت هي ناحيته وقبلت كتفه وقالت بمرح:
أنا قمت من جنب المدام قبل ماحد يقومني
مشعل جلس بجوار هيا
وهو يقول : صبوا لي فنجال قهوة
هيا قامت لتصب له لأنها كانت أساسا تريد القيام من جواره
لكن موضي حلفت عليها أن تجلس
عادت للجلوس وموضي تتولى مسئولية الصب
الجدة بحنان: يأمك كان رقدت ألين تقرب صلاة الظهر وقمت تصلي
أكيد إنك تعبان
مشعل بنبرة خاصة: أنا كنت راقد بس صحيت على حلم حلو طير النوم من عيني
قالها وهو يلمس خده مكان قبلة هيا بطريقة بدت عفوية
لكن هيا انتبهت لها تماما وهي تشعر بصدمة حرج بالغ
بل شعورها تجاوز حدود الحرج والخجل وهي تدعك أصابع يدها بحدة
لدرجة الشعور بالخزي وكأنها مجرم أمسكوا به بالجرم المشهود
وأنقذها من الحرج دخول لطيفة وهي تمسك بيد جود
وتسلم على الجميع
وأولهم مشعل الذي وقف لاستقبالها
وقتها كانت مشاعل تعود بعباءة هيا
لطيفة بهدوء: هاه هيا نمشي؟؟
هيا التفتت بحرج لمشعل تستأذنه
مشعل بهدوء: ماتبوني أوديكم؟؟
لطيفة برفض: لا فديتك احنا بنلف كم مكان..
ثم ألتفتت لموضي: خلي بالش من جود وتراها مابعد تريقت
لبستها وجبتها على السريع
مشعل همس لهيا من قريب: هيا تعالي
وقام وتوجه لغرفة جدته
هيا توترت بشدة (وش يبي فيني؟؟)
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الثالث والخمسون
مشعل همس لهيا من قريب: هيا تعالي
وقام وتوجه لغرفة جدته
هيا توترت بشدة (وش يبي فيني؟؟)
لكنها تبعته
مشعل أخرج ظرفا من جيبه: خذي
هيا باستفسار: شنو هذا؟؟
مشعل بتلقائية: فلوس
هيا بحرج: مشعل أنت عارف أني عندي فلوس
مشعل بعتب: أنتي لازم تعاندين في كل شيء
عطيتش فلوس.. خذيها بدون ماتراديني
هيا تناولت الظرف ووضعته في حقيبة يدها
وقالت بعذوبة: هذا أنا خذته.. شيء ثاني؟؟
مشعل بخبث:إيه فيه شيء ثاني.. فيه دين لي عندش
هيا باستغراب: دين شنو؟؟
مشعل أحنى قامنى الطويلة قليلا قرب وجهه منه
وهيا ارتعشت بحدة وهي ترى وجهه من هذا القرب
شعيرات عارضه.. أهداب عينيه
اقترب أكثر
وطبع قبلة على وجنتها تماما مكان قبلتها
وقال بعمق: الحين متعادلين..
ثم غادرها
مشعل بعد موقفها في واشنطن معه
قرر أنه لن يبادر حتى لا تصده مرة أخرى
لكن بما أنها بادرت اليوم
فلن يفلت الفرصة.. فهو مرهق من هذا الجفاف العاطفي الذي يغلف حياتهما
لذا قرر أن يطرق الحديد وهو ساخن
وأن يساهم في تقويض الجدار المتعالي بينهما
هيا تتسند على الحائط تشعر أن قدميها عاجزتين عن حملها
وقلبها تتعالى دقاته بعنف
صوت لطيفة يناديها من الخارج: هيا يالله تأخرنا
خرجت وهي تتحاشى النظر للموجودين
وموضي تقول بمرح وهي تطعم جود: هذا كله اجتماع قمة مع أبو العيال
ومداولات عقبه بعده
ومشعل الذي كان يرتشف كوبا في يده يقول لها:
ياشين اللقافة ياناس.. خليش في جود ريقيها
وعقب عطيني إياها الاعبها شوي
فديتها حبيبة خالها.. أبي أكل خدودها المدورة ذي
لطيفة تغادر وهي تضحك وتقول لأمها: يمه بنتي أمانة عندكم
لا تخلين ولدش الفجعان ياكلها
**************************
بعد المغرب
بيت عبدالله بن مشعل
خبيرة التجميل تصل
لطيفة أخذت هيا اليوم لشراء فستان ومستلزماته
ثم مرت بها مركز التجميل
للقيام بعملية عناية شاملة لها
ولم تعودا إلا بعد صلاة العصر
ولم يكن مشعل موجودا ولم تراه هيا مطلقا
ولكنها علمت أنه ذهب مع ابن عمه راكان لإخراج طيره من مركز الصقور
بعد دقائق موضي تتصل بلطيفة
لطيفة باستعجال: موضي الله يهداش وش تبين داقة؟؟
تدرين إني أدرس عيالي
ماعندي وقت يالله ألحق أخلصهم وألبس وأتمكيج
موضي تضحك: لو إنش بدال ذا المحاضرة اللي عطيتيني
خليتني أتكلم كان الحين مخلصة اللي عندي
لطيفة تبتسم: زين خلصي اللي عندش
موضي: بنت عمش
لطيفة: أي وحدة فيهم؟؟
موضي: مرت أخيش
لطيفة باهتمام: وش فيها؟؟
موضي تضحك: شعرها طويل ماشاء الله
لطيفة تضحك: زين ماشاء الله.. متصلة علي عشان تقولين لي
موضي تضحك ثم تقول باهتمام: يالمتنحة ركزي معي الثانوية العامة مع عيالش لحسوا مخش
البنية شعرها طويل طويل ويجنن تبيني أخليها تفكه عند جماعتنا المشفح يطسونها عين..
ماعاد فيه حد شعره ذا الطول.. خايفة عليها
لطيفة بهدوء: حصنيها واقري عليها.. شعرها طويل يعني لازم ينكوي وينفرد
ماينفع ينعمل شنيون أو يرفع
وخلي أمي وجدتي يحصنونها بعد..
لطيفة تبتسم: ليه أنا ما كفي..أصلا الناس يجوني أقرأ عليهم..
وبكرة بتلاقيني أبيع ماي وزيت مقري فيه
لطيفة تريد إنهاء المكالمة: سوي اللي قلته وبس
وتأكدي من ترتيب طاولات البوفية
والمضيفات تراهم على وصول..
وفيه كم طلبية بتوصل الحين بعد..
لا تخلين حد من الخدامات يطلع عليهم إلا فاطمة.. الباقيات غبيات
موضي تبتسم: يازينش وأنتي تأمرين بس..
لطيفة باستعجال: وش أسوي مشاعل والعنود عرايس ومايصير نتأمر عليهم
وخصوصا أنهم مهوب حاضرين
ومعالي مايعتمد عليها
ومافيه غيرش
من زين نفعتش يعني؟؟
وش حدك على المر على قال اللي أمر منه..
موضي تضحك: الله يعيني عليكم
أنا مثل العومة ماكولة ومذمومة
***********************
القاهرة
منزل طه الرشيدي
باكينام تجلس في صالة الاستقبال الرئيسية بعد أن صلت المغرب
وتقرأ لها كتابا
كانت مسغرقة في القراءة حتى وصلتها الخطوات الثقيلة الهادئة
التفتت باحترام وهي تفسح مكانا إلى جوارها:
تعالي أنّا جنبي
صفيه بهدوء: فين صاحباتك اللي كانوا هينا؟؟
باكينام برقة: مشيو يا أنّا.. بئولو عاوزين يروحون سيتي ستارز..
والله مسكت فيهم للعشاء بس هم مارضيوش..
عشان ما تزعليش وتئولي احنا العرب بخلاء
صفية بنبرة خاصة: وانتي مارحتيش معاهم ليه؟؟
باكينام تبتسم: من هنا من المعادي لسيتي ستارز في مدينة نصر وفي الزحمة دي
عاوزين ساعتين رايح ساعتين جاي
وأنا ماليش خلئ
صفية بذات النبرة الخاصة: بت باكي انتي من لما جيتي هينا.. وأنتي ما بيخرجش خالص
باكينام تحتضن ذراع جدتها: انتي عاوزاني أسيب أحلى أنا وأروح فين
صفية مستمرة في الاسئلة المبطنة: شباب يحبوا يخرجوا..
باكينام تبتسم وتقول بنبرة خاصة كجدتها: أنّا.. مبروم على مبروم مايلفش
جيبي اللي عندك م الآخر
ضحكت الجدة ضحكة قصيرة وهي تقرص خد باكينام: عفارم باكينام عفارم
صحيح بنتي أنا ..مخك زي مخ أنّتك
هيجي يخطبك أمتى؟؟
باكينام شرقت بدون شيء وبدأت تكح بعنف..
وجدتها ارتعبت وهي تحرك يديها أمام وجهها:
بت باكينام خدي نفس يخرب بيته خلاص مش عاوزينه يجي
باكينام تبتسم رغم عينيها التي امتلئت بالدموع من الكحة المتواصلة:
إيه حكاية يخطبني دي يا أنّا؟؟
صفية ترقص حاجبيها بخبث: بت باكي أنا عارفاك كويس
فيه واحد معشش هنا وهنا (قالتها وهي تشير على قلب باكينام وراسها)
أنا عاوزة أعرف هو هيجي يخطبك أمتى
ثم أكملت صفية بغضب وكأنها تتذكر شيئا: أوعي بت باكينام تكوني تعملي حكايات غرام وتئولي نتعرف كويس وجواز بعدين
باكينام تضحك: أنتي عملتي حكاية طويلة من مخك الحلو ده
مافيش حاجة من اللي أنتي بتئوليها
صفية بغضب: أنتي هتكدبي عليا بت باكي
أنا مش بت امبارح
باكينام تتنهد: لما يكون عندي حاجة أئولها هائول..
ربنا يخليكي أنّا ما تزعليش مني
**************************
قبل صلاة العشاء
لطيفة انتهت من اللبس وكانت على وشك لبس عباءتها
بعد أن أنهت بناتها أولا وأرسلتهن لبيت والدها
دخل مشعل وهو مستعجل
لم ينظر ناحيتها وهو يدخل الحمام بسرعة ويقول لها:
لطيفة لو سمحتي طلعي لي ثوب وغترة مستعجل
لطيفة فرشت عباءتها على السرير
وأخرجت له ثوب وغترة وعطرتهما كما اعتادت
ثم اقتربت من باب الحمام ورفعت صوتها:
مشعل أنا طلعت ثيابك وباروح.. تبي شيء ثاني؟؟
مع انهائها لجملتها كان مشعل يفتح الباب
وكاد أن يصدم بها
توقف قليلا وهو ينظر لها بتركيز
ولطيفة تنسحب بعفوية لتلبس عباءتها
مشعل بنبرة غضب: لطيفة انتي بتروحين بالثوب هذا؟؟
لطيفة انتبهت لسبب غصبه.. فالفستان كان بحمالتين رفيعتين
ولطيفة أساسا تلبسه مع جاكيت قصير والجاكيت معها
لكنها لم تكن تريده أن يتجعد لذا تركته في علاقته لتلبسه في بيت أهلها
ومع ذلك ردت عليه ببرود مدروس: ليه؟؟ وش فيه ثوبي؟؟
مشعل يتنهد بعمق حتى لا يثور فيها: افسخيه الحين والبسي شيء ثاني
لطيفة تلعب لعبة لا تعلم ماذا تهدف منها: إن شاء الله أغيره
بس أقنعني بأسبابك
مشعل اقترب منها ليمرر أصبعه على كتفها وأسفل عنقها ويقول بنبرة خاصة:
أنا ما أسمح لأحد يشوف شيء مالحد حق بشوفته إلا أنا
لطيفة تراجعت بعنف وهي تقول بخفوت: الفستان معه جاكيت
وأنا أخاف ربي قبل أي شيء
وأعتقد أنك عارف إني ماتعودت ألبس عاري حتى عند الحريم
مشعل ابتسم: ولو حتى شنو مالبستي.. أنتي أحلى منهم كلهم
قال جملته وتناول ثوبه ليبلسه
ولطيفة مصدومة
(هو مدحني وقال لي أني حلوة
أو أنا يتهيأ لي وسمعت أشياء على كيفي؟؟)
مهما كانت المرأة جميلة
يهمها أن تكون جميلة في نظر إنسان واحد
نظره هو..
فما فائدة جمال لا يحرك مشاعره ويدفعه للتعبير والصراخ
وهو لن يرى جمال وجهها حتى يرى جمال روحها أولا..
وحينما رأى هذا الجمال
رأى كل ماعداه من جمال
لطيفة لبست عباءتها ونقابها وكانت على وشك الخروج
مشعل الذي كان يعدل غترته أمام المرآه ناداها: لطيفة
لطيفة عند الباب ردت بعفوية: لبيه
مشعل بابتسامة وعيناه مركزتان في المرآة:
لبيتي في مكة...أبي أقول الأحمر عليش يضوي ضوي
مشعل همس لهيا من قريب: هيا تعالي
وقام وتوجه لغرفة جدته
هيا توترت بشدة (وش يبي فيني؟؟)
لكنها تبعته
مشعل أخرج ظرفا من جيبه: خذي
هيا باستفسار: شنو هذا؟؟
مشعل بتلقائية: فلوس
هيا بحرج: مشعل أنت عارف أني عندي فلوس
مشعل بعتب: أنتي لازم تعاندين في كل شيء
عطيتش فلوس.. خذيها بدون ماتراديني
هيا تناولت الظرف ووضعته في حقيبة يدها
وقالت بعذوبة: هذا أنا خذته.. شيء ثاني؟؟
مشعل بخبث:إيه فيه شيء ثاني.. فيه دين لي عندش
هيا باستغراب: دين شنو؟؟
مشعل أحنى قامنى الطويلة قليلا قرب وجهه منه
وهيا ارتعشت بحدة وهي ترى وجهه من هذا القرب
شعيرات عارضه.. أهداب عينيه
اقترب أكثر
وطبع قبلة على وجنتها تماما مكان قبلتها
وقال بعمق: الحين متعادلين..
ثم غادرها
مشعل بعد موقفها في واشنطن معه
قرر أنه لن يبادر حتى لا تصده مرة أخرى
لكن بما أنها بادرت اليوم
فلن يفلت الفرصة.. فهو مرهق من هذا الجفاف العاطفي الذي يغلف حياتهما
لذا قرر أن يطرق الحديد وهو ساخن
وأن يساهم في تقويض الجدار المتعالي بينهما
هيا تتسند على الحائط تشعر أن قدميها عاجزتين عن حملها
وقلبها تتعالى دقاته بعنف
صوت لطيفة يناديها من الخارج: هيا يالله تأخرنا
خرجت وهي تتحاشى النظر للموجودين
وموضي تقول بمرح وهي تطعم جود: هذا كله اجتماع قمة مع أبو العيال
ومداولات عقبه بعده
ومشعل الذي كان يرتشف كوبا في يده يقول لها:
ياشين اللقافة ياناس.. خليش في جود ريقيها
وعقب عطيني إياها الاعبها شوي
فديتها حبيبة خالها.. أبي أكل خدودها المدورة ذي
لطيفة تغادر وهي تضحك وتقول لأمها: يمه بنتي أمانة عندكم
لا تخلين ولدش الفجعان ياكلها
**************************
بعد المغرب
بيت عبدالله بن مشعل
خبيرة التجميل تصل
لطيفة أخذت هيا اليوم لشراء فستان ومستلزماته
ثم مرت بها مركز التجميل
للقيام بعملية عناية شاملة لها
ولم تعودا إلا بعد صلاة العصر
ولم يكن مشعل موجودا ولم تراه هيا مطلقا
ولكنها علمت أنه ذهب مع ابن عمه راكان لإخراج طيره من مركز الصقور
بعد دقائق موضي تتصل بلطيفة
لطيفة باستعجال: موضي الله يهداش وش تبين داقة؟؟
تدرين إني أدرس عيالي
ماعندي وقت يالله ألحق أخلصهم وألبس وأتمكيج
موضي تضحك: لو إنش بدال ذا المحاضرة اللي عطيتيني
خليتني أتكلم كان الحين مخلصة اللي عندي
لطيفة تبتسم: زين خلصي اللي عندش
موضي: بنت عمش
لطيفة: أي وحدة فيهم؟؟
موضي: مرت أخيش
لطيفة باهتمام: وش فيها؟؟
موضي تضحك: شعرها طويل ماشاء الله
لطيفة تضحك: زين ماشاء الله.. متصلة علي عشان تقولين لي
موضي تضحك ثم تقول باهتمام: يالمتنحة ركزي معي الثانوية العامة مع عيالش لحسوا مخش
البنية شعرها طويل طويل ويجنن تبيني أخليها تفكه عند جماعتنا المشفح يطسونها عين..
ماعاد فيه حد شعره ذا الطول.. خايفة عليها
لطيفة بهدوء: حصنيها واقري عليها.. شعرها طويل يعني لازم ينكوي وينفرد
ماينفع ينعمل شنيون أو يرفع
وخلي أمي وجدتي يحصنونها بعد..
لطيفة تبتسم: ليه أنا ما كفي..أصلا الناس يجوني أقرأ عليهم..
وبكرة بتلاقيني أبيع ماي وزيت مقري فيه
لطيفة تريد إنهاء المكالمة: سوي اللي قلته وبس
وتأكدي من ترتيب طاولات البوفية
والمضيفات تراهم على وصول..
وفيه كم طلبية بتوصل الحين بعد..
لا تخلين حد من الخدامات يطلع عليهم إلا فاطمة.. الباقيات غبيات
موضي تبتسم: يازينش وأنتي تأمرين بس..
لطيفة باستعجال: وش أسوي مشاعل والعنود عرايس ومايصير نتأمر عليهم
وخصوصا أنهم مهوب حاضرين
ومعالي مايعتمد عليها
ومافيه غيرش
من زين نفعتش يعني؟؟
وش حدك على المر على قال اللي أمر منه..
موضي تضحك: الله يعيني عليكم
أنا مثل العومة ماكولة ومذمومة
***********************
القاهرة
منزل طه الرشيدي
باكينام تجلس في صالة الاستقبال الرئيسية بعد أن صلت المغرب
وتقرأ لها كتابا
كانت مسغرقة في القراءة حتى وصلتها الخطوات الثقيلة الهادئة
التفتت باحترام وهي تفسح مكانا إلى جوارها:
تعالي أنّا جنبي
صفيه بهدوء: فين صاحباتك اللي كانوا هينا؟؟
باكينام برقة: مشيو يا أنّا.. بئولو عاوزين يروحون سيتي ستارز..
والله مسكت فيهم للعشاء بس هم مارضيوش..
عشان ما تزعليش وتئولي احنا العرب بخلاء
صفية بنبرة خاصة: وانتي مارحتيش معاهم ليه؟؟
باكينام تبتسم: من هنا من المعادي لسيتي ستارز في مدينة نصر وفي الزحمة دي
عاوزين ساعتين رايح ساعتين جاي
وأنا ماليش خلئ
صفية بذات النبرة الخاصة: بت باكي انتي من لما جيتي هينا.. وأنتي ما بيخرجش خالص
باكينام تحتضن ذراع جدتها: انتي عاوزاني أسيب أحلى أنا وأروح فين
صفية مستمرة في الاسئلة المبطنة: شباب يحبوا يخرجوا..
باكينام تبتسم وتقول بنبرة خاصة كجدتها: أنّا.. مبروم على مبروم مايلفش
جيبي اللي عندك م الآخر
ضحكت الجدة ضحكة قصيرة وهي تقرص خد باكينام: عفارم باكينام عفارم
صحيح بنتي أنا ..مخك زي مخ أنّتك
هيجي يخطبك أمتى؟؟
باكينام شرقت بدون شيء وبدأت تكح بعنف..
وجدتها ارتعبت وهي تحرك يديها أمام وجهها:
بت باكينام خدي نفس يخرب بيته خلاص مش عاوزينه يجي
باكينام تبتسم رغم عينيها التي امتلئت بالدموع من الكحة المتواصلة:
إيه حكاية يخطبني دي يا أنّا؟؟
صفية ترقص حاجبيها بخبث: بت باكي أنا عارفاك كويس
فيه واحد معشش هنا وهنا (قالتها وهي تشير على قلب باكينام وراسها)
أنا عاوزة أعرف هو هيجي يخطبك أمتى
ثم أكملت صفية بغضب وكأنها تتذكر شيئا: أوعي بت باكينام تكوني تعملي حكايات غرام وتئولي نتعرف كويس وجواز بعدين
باكينام تضحك: أنتي عملتي حكاية طويلة من مخك الحلو ده
مافيش حاجة من اللي أنتي بتئوليها
صفية بغضب: أنتي هتكدبي عليا بت باكي
أنا مش بت امبارح
باكينام تتنهد: لما يكون عندي حاجة أئولها هائول..
ربنا يخليكي أنّا ما تزعليش مني
**************************
قبل صلاة العشاء
لطيفة انتهت من اللبس وكانت على وشك لبس عباءتها
بعد أن أنهت بناتها أولا وأرسلتهن لبيت والدها
دخل مشعل وهو مستعجل
لم ينظر ناحيتها وهو يدخل الحمام بسرعة ويقول لها:
لطيفة لو سمحتي طلعي لي ثوب وغترة مستعجل
لطيفة فرشت عباءتها على السرير
وأخرجت له ثوب وغترة وعطرتهما كما اعتادت
ثم اقتربت من باب الحمام ورفعت صوتها:
مشعل أنا طلعت ثيابك وباروح.. تبي شيء ثاني؟؟
مع انهائها لجملتها كان مشعل يفتح الباب
وكاد أن يصدم بها
توقف قليلا وهو ينظر لها بتركيز
ولطيفة تنسحب بعفوية لتلبس عباءتها
مشعل بنبرة غضب: لطيفة انتي بتروحين بالثوب هذا؟؟
لطيفة انتبهت لسبب غصبه.. فالفستان كان بحمالتين رفيعتين
ولطيفة أساسا تلبسه مع جاكيت قصير والجاكيت معها
لكنها لم تكن تريده أن يتجعد لذا تركته في علاقته لتلبسه في بيت أهلها
ومع ذلك ردت عليه ببرود مدروس: ليه؟؟ وش فيه ثوبي؟؟
مشعل يتنهد بعمق حتى لا يثور فيها: افسخيه الحين والبسي شيء ثاني
لطيفة تلعب لعبة لا تعلم ماذا تهدف منها: إن شاء الله أغيره
بس أقنعني بأسبابك
مشعل اقترب منها ليمرر أصبعه على كتفها وأسفل عنقها ويقول بنبرة خاصة:
أنا ما أسمح لأحد يشوف شيء مالحد حق بشوفته إلا أنا
لطيفة تراجعت بعنف وهي تقول بخفوت: الفستان معه جاكيت
وأنا أخاف ربي قبل أي شيء
وأعتقد أنك عارف إني ماتعودت ألبس عاري حتى عند الحريم
مشعل ابتسم: ولو حتى شنو مالبستي.. أنتي أحلى منهم كلهم
قال جملته وتناول ثوبه ليبلسه
ولطيفة مصدومة
(هو مدحني وقال لي أني حلوة
أو أنا يتهيأ لي وسمعت أشياء على كيفي؟؟)
مهما كانت المرأة جميلة
يهمها أن تكون جميلة في نظر إنسان واحد
نظره هو..
فما فائدة جمال لا يحرك مشاعره ويدفعه للتعبير والصراخ
وهو لن يرى جمال وجهها حتى يرى جمال روحها أولا..
وحينما رأى هذا الجمال
رأى كل ماعداه من جمال
لطيفة لبست عباءتها ونقابها وكانت على وشك الخروج
مشعل الذي كان يعدل غترته أمام المرآه ناداها: لطيفة
لطيفة عند الباب ردت بعفوية: لبيه
مشعل بابتسامة وعيناه مركزتان في المرآة:
لبيتي في مكة...أبي أقول الأحمر عليش يضوي ضوي
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الرابع والخمسون
بيت عبدالله بن مشعل
الحفلة
النساء توزعن بين حديقة البيت وصالاته الداخلية
الجو هذه الليلة كان لطيفا وبرده محتمل
معالي تقترب من هيا وتهمس : وين كنتي داسة ذا الزين كله
وإلا ذا الشعر ماشاء الله تبارك الله انصرعت لما شفته
سلفيني شوي بدل شعري اللي ماضغته المعزى على قولت أمي هيا
هيا تبتسم وتهمس لها: صدقتش الحين
حاسة إني على قولت صديقتي باكينام مثل عروسة المولد
صبغوني لين قلت بس
اقترب فوج نساء للسلام على هيا
إحداهن وضعت يدها على رأس هيا وقرأت عليها
ثم دعت لها بالتوفيق هي وزوجها وأن يجمعهما الله في خير وعلى خير
وهيا شعرت بحرج شديد من رقة هذه السيدة
حين ذهبن التفتت هيا لمعالي: من هذي؟؟
معالي هزت كتفيها: ما اعرفها
بس لا تستغربين.. الناس فيهم خير..
ثم أكملت بعيارة: تصدقين أنا ما أروح مكان إلا كل شوي توقفني وحدة
تقول خلني أقرأ عليش لأنش فتنة متحركة ينخاف عليش من العين
موضي تقاطعهما وهي تحشر نفسها بين الأثنتين:
إيه كثري من ذا الهياط طال عمرش
يقرون عليش يقولون يالله سكنهم مساكنهم
موضي كانت متألقة من فستان أصفر أنيق
ومعالي كانت مليئة بالحياة في فستان حرير مشجر
وشقيقاتها علياء وعالية كالعادة متطابقتين ولكن في غاية العذوبة في طقم سماوي
بينما الفتنة المذهلة كانت لطيفة في فستانها الأحمر
وهاهي تجلس بجوار صديقتها شيخة التي تقول لها: أنتي ما تخافين الله في مشاعري
لا عاد تلبسين ذا الأحمر تجلطيني
لطيفة تضحك: ليه أنتي عندش مشاعر؟؟
شيخة تضحك: مشكلتش صايدتني.. تدرين ياوخيتي أحاول
يمدحون المشاعر ذا الأيام
ثم همست وهي تلتفت على هيا: ماشاء الله مرت أخيش تجنن
كفاية ذا الشعر ماشاء الله.. ماألومه أخيش ينجلط.. الله يبارك له
لطيفة برقة: عقبال راشد إن شاء الله.. يلاقي اللي تعوضه عن زواجه الأول
غمزت شيخة وهي تلتفت لموضي: راشد مطلوبه عندكم
زوجونا ذا الأصفراني المشعشع
لطيفة تهمس لها: موضي ما تبي تعرس خلاص من غير قصور في راشد
شيخة بهدوء: حرام يا لطيفة موضي عادها صغيرة.. بتدفن روحها يعني؟؟
لطيفة برقة: ما نقدر نجبرها على شيء
وبعدين تو الناس.. توها طالعة من تجربة.. يمكن مع مرور الوقت تفكر
*****************************
غرفة مشاعل
العنود تطل مع شباك مشاعل المطل على الحديقة
وتقول بتحسر: الناس برا مستانسين واحنا محبوسين هنا
مشاعل بهدوء: من جدش تبين الناس يشوفونش وأنتي ماباقي على عرسش إلا كم يوم
العنود (بعيارة): ليه هو عرسي بروحي
ثم أكملت وهي تقفز على السرير بجوار مشاعل:
أخيش الملقوف ماهان عليه يخليش تستانسين أنتي وناصر بروحكم
إلا يدخلنا معكم..
آه ياناس خبرتوا وحدة تتزوج قبل امتحاناتها بأسبوع.. الله يعديها على خير
مشاعل بخجل: عيب العنود استحي..
العنود تضحك: ليه أنا وش قلت.. ياحرم الشيخ ناصر
مشاعل يحمر وجهها: العنود تحشمي..
العنود تقترب من مشاعل وتلتصق بها وتمسك يدها بطريقة تمثيلية وتقول بخبث:
على ذا السحا اللي عندش
لو ناصر قرب منش كذا ومسك يدش كذا
وش بتسوين؟؟
مشاعل قفزت وهي تنتزع يدها من العنود وكأن ناصر هو من أمسكها
وهي تقول بخجل كاسح: العنود والله العظيم بأزعل عليش
العنود غابت في عالم آخر من الضحك: والله العظيم منتي بصاحية
زين يا ميشو دواش عندي..
العنود التقطت هاتفها ورنت على رقم معين ووضعته على السبيكر
طال الرنين حتى جاءها صوت رجولي عميق: هلا والله بعنودة قلبي
مشاعل شعرت أن قلبها توقف وهي تريد لها منفذ تهرب معه وهي تسمع صوت ناصر
العنود بمرح: نصوري حبيبي إذا مشاعل تسمعك الحين وذايبة على روحها من السحا
وش تقول لها؟؟
ناصر بنبرة خاصة: هي تسمعني الحين؟؟
العنود بابتسامة: yes
ناصر بنبرة عميقة مليئة بعبق رجولة خاص:
أقول لها تدللي واستحي على كيفش
بدل اليوم عشرة.. وبدل السنة عشرة
أنتظرش عمري كله.. لا تخافين من شيء وأنتي معي
وخلاص عنودة لا تحرجينها أكثر من كذا
مع السلامة
وأغلق ناصر وعينا العنود تغيم بالدموع من التأثر بمشاعر شقيقها العذبة
(يعني فارس ماهان عليه يقول لي كلمتين مثل هذي
فديتك يا ناصر الله يوفقك
ويسخر مشاعل لك)
وإذا كانت العنود غامت عيناها
فغيرها انهار يبكي بانفعال
مشاعل شعرت أن سماع صوته والكلمات التي حملها صوته العميق
كانت أكثر من احتمالها
أكثر بكثير
***************************
عزبة آل مشعل
الشباب والشياب مجتمعون
وبعد العشاء المبكر الذي كان بعد صلاة العشاء مباشرة
بدأوا بالتحزب كل اثنين يتحدثان سويا
عبدالله ومحمد
راكان ومشعل بن عبدالله
وسعد ومشعل بن محمد
وناصر وفارس
والشباب الصغار في الزاوية يلعبون بيلوت
فيصل ومحمد بن مشعل فريق
وسلطان وفهد فريق
وعبدالله الصغير متفرج
رن هاتف ناصر رأى اسم المتصل
فقام بعيدا عن الرجال حتى أنهى الاتصال وعاد
حينما عاد كانت ترتسم على وجهه ابتسامة مختلفة
فارس يميل عليه ويهمس بمرح: نويصر لا تكون تغازل
مالي بذا القومة ولا ذا الابتسامة اللي تقول اعلان معجون أسنان
ناصر فتح هاتفه على قائمة الاتصالات الواردة
ولف الجهاز ناحية فارس دون أن يتحدث
فما زال تحت نشوة إحاسيسه
"الأهل ع"
الاسم الذي يعرفه فارس جيدا
والذي نقله بالأمس فقط من جهاز ناصر
تنهد فارس بعمق ولكن دون أن تتجاوز تنهيدته روحه المثقلة بالكبرياء
( هل مازالت غاضبة؟
بالتأكيد غاضبة..
هل أرضيتها يا فارس حتى ترضى؟!
أم تعتقد أنها سترضى لوحدها مكافأة لك على لطفك وحنانك معها؟؟
لِـمَ هي رقيقة هكذا؟؟
وهشة هكذا؟؟
كيف ستحتمل لؤمي وفظاظتي وقسوتي؟؟
أعلم أني لئيم وفظ وقاسٍ
بالكاد أحتمل نفسي
فكيف ستتحملني؟؟
آه يا صغيرتي.. آه
تمزق الآهات قلبي.. وأنتِ يوماً تلو الآخر تصبحين هاجسي وجنوني وولعي
وأنا سادر في غيي
هل رأيتِ جنونا مثل هذا؟؟؟
أعرف تماما مشكلتي ولكني عاجز عن حلها
يا لا عرق الكبرياء المجنون المتضخم في عروق رأسي!!)
راكان ومشعل
راكان بهدوء: ها بوعبدالله.. متى نمشي؟؟
مشعل بذات هدوءه: عقب بكرة بعد صلاة العشاء.. وش رأيك
راكان: مثل ما تبي..على سيارتك وإلا سيارتي؟؟
مشعل: سيارتي أحسن..
راكان يتذكر شيئا: إيه ترا مشعل يقول إنه يمكن يروح معنا
مشعل باستغراب: غريبة ماخبرت مشعل يحب سوالف القنص
مخه مافيه غير شغله
راكان يبتسم: حاب يغير
مشعل وسعد
مشعل يبتسم: اركد يارجال والله العظيم إني قلت لها البارحة
أبد طلعت من عندكم من المجلس رحت لها على طول
سعد بلهفة: زين ومتى بتردون علي؟؟
مشعل بابتسامة: عطها وقت تفكر
ثم أكمل باهتمام: البارحة عشا رياجيل وعالم ماقدرت أخذ راحتي وأتكلم معك
تدري سعد أنا عني أشوف أختي مافيه مثلها ثنتين
لكن أنت وش اللي يخليك مصمم عليها؟؟
سعد كأنه يتأمل: مشعل أنا تعبت من الوحدة
لكن في نفس الوقت أنا تعودت على السكينة والهدوء
أبي وحدة تكون شريكة لي بكل معنى الكلمة.. شريكة حياة وفكر
نتحاور بعقل وبعمق وفي نفس الوقت تكون لي مصدر هدوء وسكينة
وذا الشيء حسيت إن بنت محمد تقدر تهديني إياه الله يكملها بعقلها
عودة للحفل
انتهى العشاء
وأكثر الزائرات غادرن
مريم تجلس في الزاوية..
بالها مشغول بهذه الخطبة المفاجئة التي قلبت حساباتها
بداخلها مترددة على الموافقة تخشى من أسباب سعد في الإصرار عليها
ولكن من ناحية أخرى تفكر
(أليست هذه فرصة أخيرة لأشعر كامرأة مكتملة بالقرب من رجل رائع؟!!)
أحلامها تتسع بوجع
(أنجب طفلا ربما؟؟)
مريم انتفضت وهي تنهر نفسها بقسوة
(أي طفل يامريم ؟!!
أ تريدين انجاب طفل تعذبينه بعجزك عن العناية به وتربيته؟؟)
الأمل يناديها بشفافية مؤلمة
(بس أنا ربيت العنود
وما أعتقد أني فشلت في تربيتها ولا في الاهتمام بها)
( يا الله تعبت
والله العظيم تعبت من التفكير)
(الحلو سرحان في ويش؟؟) كان صوت لطيفة التي جلست جوارها
مريم بهدوء: موضوع شاغلني وأبي أخذ رأيش فيه
بس مهوب هنا ولا الحين
مرينا بكرة لو تقدرين
لطيفة برقة: حاضرين بأجيكم بكرة عقب المغرب
*************************
غرفة مشعل وهيا
الساعة 12 ونصف بعد منتصف الليل
هيا تدخل وترمي نفسها على الأريكة
وموضي تدخل وراءها
هيا بتعب: انهديت والكعب ذبحني
أبي أسبح وأنام
موضي باستنكار مرح: نعم نعم نعم
والله العظيم ماتغيرين شيء وحتى الكعب ما تحطينه لين يوصل مشعل
أبي أصوركم مع بعض
محسوبتش خبيرة تصوير من الطراز الأول وتعديل على الكمبيوتر وحركات ومونتاج..ولا أحسن استوديو
وأنا أطبع الصور بنفسي يعني لا تخافين على صورش
هيا ابتلعت ريقها وهي تتخيل أن مشعل سيراها وهي بهذا الشكل
قالت برجاء: لا موضي تكفين
موضي باستغراب: من جدش أنتي؟؟
هيا بصراحة: مشعل ماعمره شافني كذا
وش يقول عني مصبغة وجهها
لا والفستان عاري شوي
موضي تتصنع الغضب: وين عاري؟؟ اسكتي بس لا تجلطيني
أنتي ورجالش من أي كوكب جايين
وش فايدة ذا الزين واللبس إذا ماشافه هو
هو أصلا الأساس
والله ما تتحركين لين يجي ويشوفش
(من اللي يجي ووش يشوف؟؟)
صوته يصلهم وهو مازال واقفا عند الباب
بيت عبدالله بن مشعل
الحفلة
النساء توزعن بين حديقة البيت وصالاته الداخلية
الجو هذه الليلة كان لطيفا وبرده محتمل
معالي تقترب من هيا وتهمس : وين كنتي داسة ذا الزين كله
وإلا ذا الشعر ماشاء الله تبارك الله انصرعت لما شفته
سلفيني شوي بدل شعري اللي ماضغته المعزى على قولت أمي هيا
هيا تبتسم وتهمس لها: صدقتش الحين
حاسة إني على قولت صديقتي باكينام مثل عروسة المولد
صبغوني لين قلت بس
اقترب فوج نساء للسلام على هيا
إحداهن وضعت يدها على رأس هيا وقرأت عليها
ثم دعت لها بالتوفيق هي وزوجها وأن يجمعهما الله في خير وعلى خير
وهيا شعرت بحرج شديد من رقة هذه السيدة
حين ذهبن التفتت هيا لمعالي: من هذي؟؟
معالي هزت كتفيها: ما اعرفها
بس لا تستغربين.. الناس فيهم خير..
ثم أكملت بعيارة: تصدقين أنا ما أروح مكان إلا كل شوي توقفني وحدة
تقول خلني أقرأ عليش لأنش فتنة متحركة ينخاف عليش من العين
موضي تقاطعهما وهي تحشر نفسها بين الأثنتين:
إيه كثري من ذا الهياط طال عمرش
يقرون عليش يقولون يالله سكنهم مساكنهم
موضي كانت متألقة من فستان أصفر أنيق
ومعالي كانت مليئة بالحياة في فستان حرير مشجر
وشقيقاتها علياء وعالية كالعادة متطابقتين ولكن في غاية العذوبة في طقم سماوي
بينما الفتنة المذهلة كانت لطيفة في فستانها الأحمر
وهاهي تجلس بجوار صديقتها شيخة التي تقول لها: أنتي ما تخافين الله في مشاعري
لا عاد تلبسين ذا الأحمر تجلطيني
لطيفة تضحك: ليه أنتي عندش مشاعر؟؟
شيخة تضحك: مشكلتش صايدتني.. تدرين ياوخيتي أحاول
يمدحون المشاعر ذا الأيام
ثم همست وهي تلتفت على هيا: ماشاء الله مرت أخيش تجنن
كفاية ذا الشعر ماشاء الله.. ماألومه أخيش ينجلط.. الله يبارك له
لطيفة برقة: عقبال راشد إن شاء الله.. يلاقي اللي تعوضه عن زواجه الأول
غمزت شيخة وهي تلتفت لموضي: راشد مطلوبه عندكم
زوجونا ذا الأصفراني المشعشع
لطيفة تهمس لها: موضي ما تبي تعرس خلاص من غير قصور في راشد
شيخة بهدوء: حرام يا لطيفة موضي عادها صغيرة.. بتدفن روحها يعني؟؟
لطيفة برقة: ما نقدر نجبرها على شيء
وبعدين تو الناس.. توها طالعة من تجربة.. يمكن مع مرور الوقت تفكر
*****************************
غرفة مشاعل
العنود تطل مع شباك مشاعل المطل على الحديقة
وتقول بتحسر: الناس برا مستانسين واحنا محبوسين هنا
مشاعل بهدوء: من جدش تبين الناس يشوفونش وأنتي ماباقي على عرسش إلا كم يوم
العنود (بعيارة): ليه هو عرسي بروحي
ثم أكملت وهي تقفز على السرير بجوار مشاعل:
أخيش الملقوف ماهان عليه يخليش تستانسين أنتي وناصر بروحكم
إلا يدخلنا معكم..
آه ياناس خبرتوا وحدة تتزوج قبل امتحاناتها بأسبوع.. الله يعديها على خير
مشاعل بخجل: عيب العنود استحي..
العنود تضحك: ليه أنا وش قلت.. ياحرم الشيخ ناصر
مشاعل يحمر وجهها: العنود تحشمي..
العنود تقترب من مشاعل وتلتصق بها وتمسك يدها بطريقة تمثيلية وتقول بخبث:
على ذا السحا اللي عندش
لو ناصر قرب منش كذا ومسك يدش كذا
وش بتسوين؟؟
مشاعل قفزت وهي تنتزع يدها من العنود وكأن ناصر هو من أمسكها
وهي تقول بخجل كاسح: العنود والله العظيم بأزعل عليش
العنود غابت في عالم آخر من الضحك: والله العظيم منتي بصاحية
زين يا ميشو دواش عندي..
العنود التقطت هاتفها ورنت على رقم معين ووضعته على السبيكر
طال الرنين حتى جاءها صوت رجولي عميق: هلا والله بعنودة قلبي
مشاعل شعرت أن قلبها توقف وهي تريد لها منفذ تهرب معه وهي تسمع صوت ناصر
العنود بمرح: نصوري حبيبي إذا مشاعل تسمعك الحين وذايبة على روحها من السحا
وش تقول لها؟؟
ناصر بنبرة خاصة: هي تسمعني الحين؟؟
العنود بابتسامة: yes
ناصر بنبرة عميقة مليئة بعبق رجولة خاص:
أقول لها تدللي واستحي على كيفش
بدل اليوم عشرة.. وبدل السنة عشرة
أنتظرش عمري كله.. لا تخافين من شيء وأنتي معي
وخلاص عنودة لا تحرجينها أكثر من كذا
مع السلامة
وأغلق ناصر وعينا العنود تغيم بالدموع من التأثر بمشاعر شقيقها العذبة
(يعني فارس ماهان عليه يقول لي كلمتين مثل هذي
فديتك يا ناصر الله يوفقك
ويسخر مشاعل لك)
وإذا كانت العنود غامت عيناها
فغيرها انهار يبكي بانفعال
مشاعل شعرت أن سماع صوته والكلمات التي حملها صوته العميق
كانت أكثر من احتمالها
أكثر بكثير
***************************
عزبة آل مشعل
الشباب والشياب مجتمعون
وبعد العشاء المبكر الذي كان بعد صلاة العشاء مباشرة
بدأوا بالتحزب كل اثنين يتحدثان سويا
عبدالله ومحمد
راكان ومشعل بن عبدالله
وسعد ومشعل بن محمد
وناصر وفارس
والشباب الصغار في الزاوية يلعبون بيلوت
فيصل ومحمد بن مشعل فريق
وسلطان وفهد فريق
وعبدالله الصغير متفرج
رن هاتف ناصر رأى اسم المتصل
فقام بعيدا عن الرجال حتى أنهى الاتصال وعاد
حينما عاد كانت ترتسم على وجهه ابتسامة مختلفة
فارس يميل عليه ويهمس بمرح: نويصر لا تكون تغازل
مالي بذا القومة ولا ذا الابتسامة اللي تقول اعلان معجون أسنان
ناصر فتح هاتفه على قائمة الاتصالات الواردة
ولف الجهاز ناحية فارس دون أن يتحدث
فما زال تحت نشوة إحاسيسه
"الأهل ع"
الاسم الذي يعرفه فارس جيدا
والذي نقله بالأمس فقط من جهاز ناصر
تنهد فارس بعمق ولكن دون أن تتجاوز تنهيدته روحه المثقلة بالكبرياء
( هل مازالت غاضبة؟
بالتأكيد غاضبة..
هل أرضيتها يا فارس حتى ترضى؟!
أم تعتقد أنها سترضى لوحدها مكافأة لك على لطفك وحنانك معها؟؟
لِـمَ هي رقيقة هكذا؟؟
وهشة هكذا؟؟
كيف ستحتمل لؤمي وفظاظتي وقسوتي؟؟
أعلم أني لئيم وفظ وقاسٍ
بالكاد أحتمل نفسي
فكيف ستتحملني؟؟
آه يا صغيرتي.. آه
تمزق الآهات قلبي.. وأنتِ يوماً تلو الآخر تصبحين هاجسي وجنوني وولعي
وأنا سادر في غيي
هل رأيتِ جنونا مثل هذا؟؟؟
أعرف تماما مشكلتي ولكني عاجز عن حلها
يا لا عرق الكبرياء المجنون المتضخم في عروق رأسي!!)
راكان ومشعل
راكان بهدوء: ها بوعبدالله.. متى نمشي؟؟
مشعل بذات هدوءه: عقب بكرة بعد صلاة العشاء.. وش رأيك
راكان: مثل ما تبي..على سيارتك وإلا سيارتي؟؟
مشعل: سيارتي أحسن..
راكان يتذكر شيئا: إيه ترا مشعل يقول إنه يمكن يروح معنا
مشعل باستغراب: غريبة ماخبرت مشعل يحب سوالف القنص
مخه مافيه غير شغله
راكان يبتسم: حاب يغير
مشعل وسعد
مشعل يبتسم: اركد يارجال والله العظيم إني قلت لها البارحة
أبد طلعت من عندكم من المجلس رحت لها على طول
سعد بلهفة: زين ومتى بتردون علي؟؟
مشعل بابتسامة: عطها وقت تفكر
ثم أكمل باهتمام: البارحة عشا رياجيل وعالم ماقدرت أخذ راحتي وأتكلم معك
تدري سعد أنا عني أشوف أختي مافيه مثلها ثنتين
لكن أنت وش اللي يخليك مصمم عليها؟؟
سعد كأنه يتأمل: مشعل أنا تعبت من الوحدة
لكن في نفس الوقت أنا تعودت على السكينة والهدوء
أبي وحدة تكون شريكة لي بكل معنى الكلمة.. شريكة حياة وفكر
نتحاور بعقل وبعمق وفي نفس الوقت تكون لي مصدر هدوء وسكينة
وذا الشيء حسيت إن بنت محمد تقدر تهديني إياه الله يكملها بعقلها
عودة للحفل
انتهى العشاء
وأكثر الزائرات غادرن
مريم تجلس في الزاوية..
بالها مشغول بهذه الخطبة المفاجئة التي قلبت حساباتها
بداخلها مترددة على الموافقة تخشى من أسباب سعد في الإصرار عليها
ولكن من ناحية أخرى تفكر
(أليست هذه فرصة أخيرة لأشعر كامرأة مكتملة بالقرب من رجل رائع؟!!)
أحلامها تتسع بوجع
(أنجب طفلا ربما؟؟)
مريم انتفضت وهي تنهر نفسها بقسوة
(أي طفل يامريم ؟!!
أ تريدين انجاب طفل تعذبينه بعجزك عن العناية به وتربيته؟؟)
الأمل يناديها بشفافية مؤلمة
(بس أنا ربيت العنود
وما أعتقد أني فشلت في تربيتها ولا في الاهتمام بها)
( يا الله تعبت
والله العظيم تعبت من التفكير)
(الحلو سرحان في ويش؟؟) كان صوت لطيفة التي جلست جوارها
مريم بهدوء: موضوع شاغلني وأبي أخذ رأيش فيه
بس مهوب هنا ولا الحين
مرينا بكرة لو تقدرين
لطيفة برقة: حاضرين بأجيكم بكرة عقب المغرب
*************************
غرفة مشعل وهيا
الساعة 12 ونصف بعد منتصف الليل
هيا تدخل وترمي نفسها على الأريكة
وموضي تدخل وراءها
هيا بتعب: انهديت والكعب ذبحني
أبي أسبح وأنام
موضي باستنكار مرح: نعم نعم نعم
والله العظيم ماتغيرين شيء وحتى الكعب ما تحطينه لين يوصل مشعل
أبي أصوركم مع بعض
محسوبتش خبيرة تصوير من الطراز الأول وتعديل على الكمبيوتر وحركات ومونتاج..ولا أحسن استوديو
وأنا أطبع الصور بنفسي يعني لا تخافين على صورش
هيا ابتلعت ريقها وهي تتخيل أن مشعل سيراها وهي بهذا الشكل
قالت برجاء: لا موضي تكفين
موضي باستغراب: من جدش أنتي؟؟
هيا بصراحة: مشعل ماعمره شافني كذا
وش يقول عني مصبغة وجهها
لا والفستان عاري شوي
موضي تتصنع الغضب: وين عاري؟؟ اسكتي بس لا تجلطيني
أنتي ورجالش من أي كوكب جايين
وش فايدة ذا الزين واللبس إذا ماشافه هو
هو أصلا الأساس
والله ما تتحركين لين يجي ويشوفش
(من اللي يجي ووش يشوف؟؟)
صوته يصلهم وهو مازال واقفا عند الباب
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الخامس والخمسون
غرفة مشعل وهيا
مشعل مازال واقفا عند الباب وهو يقول:
من اللي يجي وش يشوف؟؟
هيا تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها!!
أن تختفي!!
أن تصبح غير مرئية!!
تحدث معجزة ما تنقذها من شعور الحرج الجارح الذي غشاها مع سماعها لصوته!!
موضي تهتف بمرح:
أنت اللي تجي عشان تشوف المدام
وأصوركم سوا
أنا بأروح أجيب كاميرتي
مهوب أجي ألاقيكم سكرتم الباب من دوني
موضي خرجت
ومشعل دخل
وهيا تراجعت للخلف وعيناها تنغرزان في الأرض
دقات قلبها تتعالى وتتعالى حتى أصبحت أنفاسها تخرج وتدخل بصعوبة
وخجل مر يكتسحها
ووجيب مشاعر مختلطة شديدة الكثافة والضغط يتخللها
هو تقدم أكثر
شعر أن يدا هائلة القوة اعتصرت قلبه بعنف
يكاد يحس بألم فعلي في خلايا قلبه المعصور
قلبه عاجز عن الاحتمال
مشاعره مُستنزفة
وهو متعب.. متعب
مـــــتـــــعــــــــب
هي كانت تعجبه ببساطتها وبدون أي زينة بملامحها الناعمة
فكيف وهو يراها بهذا التألق الأنثوي المختلف
ساحرة
خيالية
موجعة
فتنة متجسدة
هو يراها هكذا بعين المحب!!
كانت هيا تقف أمامه تذوب ارتباكا ولكنها تحاول الوقوف بثقة
كانت ترتدي ثوبا من الحرير التركوازي والدانتيل الذهبي
يد بدون كم واليد الاخرى كاملة الطول إلى منتصف كفها من الدانتيل الذهبي الملتصق بذراعها
مع (هاي نك) من الدانتيل أيضا
والفستان ضيق ليتسع عند أسفل الوركين في قصة راقية
جبينها ومقدمة شعرها ملفوفان بعصبة من الدانتيل الذهبي ينحدر طرفاها على كتفها
وشعرها السرمدي مسترسل كالحرير
أمواج ليل هادر تعانق سماء من الذهب والتركواز
وفرد شعرها زاده طولا ولمعانا ونعومة
وفتنة أكثر انغرازا في قلب هذا المتيم المسحور!!
لم يتكلم
ولم تتكلم
كل الكلمات لا معنى لها
فمعركة شفافة من المشاعر الجياشة كانت تدور رحاها بينهما
و(لا صوت يعلو على صوت المعركة) كما قيل
فكيف إذا كانت معركة عميقة حادة لذيذة وموجعة
كالمعركة التي تدور بسلاح النظرات والإيماءات وحديث النفس بين مشعل وهيا
(أميرتي
ارفعي وجهكِ قليلا
اجعلي الشمس تشرق
واجعلي روحي تشرق
واجعلي حياتنا تشرق
أما لهذا الخجل والتباعد من آخر؟!!
تعبت يا أميرتي تعبت
مرهق أنا.. ألا تشعرين بوجع روحي المستشري
وقد اُستنزفت ولعا وشوقا واحتياجا وحبا؟!!
اسمحي لي أن أحتويكِ.. أغمركِ بهذه النار المشتعلة في جوفي
لا تكوني كالمهرة النافرة
لا أريد ترويضكِ
ولكن أريدكِ أنتِ أن تروضي مشاعركِ)
(آه.. أيها السامق حتى طاولت هامتك السحاب
أعجز عن رفع عيني إليك
نورك محرق وأكثر إشعاعا من احتمالي
أروع من كل أحلامي أنت
أعذب من كل أمنياتي أنت
تساميت فوق صغائري
لتكون أنت وحدك فوق السمو الإنساني
لتكون الرجل الأعظم والمعادلة التي لا تكرر
وحدك رهان الاستثنائية
وحدك كسرت أقفال هذا القلب المغلق على سنوات طويلة من الحقد والكراهية
ساحر أنت.. ساحر
حولت كل مشاعري.. أعدت صياغتها من جديد
لتجعلني أخرى
أخرى مشبعة بمشاعر جامحة هي لك وحدك
أنت فقط ولا سواك )
موضي عادت بكاميرتها
ظلت واقفة للحظات وهي تراقب مشعل المبحلق
وهيا المطأطة
وهي تكاد تنفجر ضحكا من غرابة الاثنين
موضي (بعيارة): نحن هنا يا بو الهول أنت ويا نفرتيتي
مشعل ألتفت لها بهدوء وابتسم: زين وأنتي هنا.. نسوي لش استقبال رسمي؟؟
موضي تضحك: لا خلصوني أبي أصوركم..
يالله أصلي قيامي وانخمد.. ميتة تعب..
موضي تقمصت الدور وهي تلصقهما ببعضهما
ارتعشت هيا وابتلعت ريقها بصعوبة
وهي تشعر بحفيف كم مشعل على ذراعها العاري
حلقها جاف ومشاعرها مضطربة
موضي (بعيارة) : ماراح أطول عليكم
صورتين وانتوا واقفين وثنتين وأنتم قاعدين وبس
مافيه داعي للخساير.. الحبر حق الصور وورق طباعة الصور غالي
خسارة فيكم أنتو وتعابيركم المحزنة
أجلستهما على الأريكة.. حاولت هيا أن تبتعد قليلا
ولكن موضي نهرتها: خالتي قماشة حدش
خليش جنب عمي قحطه
وابتسمي وإلا والله لأحرق صوركم
دقات قلب هيا تتعالى بعنف مرعب وعقلها يتوقف جراء قربها الملاصق من مشعل
الذي كان يشعر بتسلية غامرة وهو يراقب انفعالات وجهها
مشعل مال عليها وهو يهمس لها: ابتسمي على الأقل عشان خاطر موضي
هيا ابتسمت ابتسامة صغيرة
وموضي هتفت بابتهاج مرح فيه كم هائل من الخبث:
الحمدلله ابتسامة وأخيرا..
يا أخي كان من زمان وشوشتها وقلت لها : أحبش يا حبيبتي.. عشان تبتسم
الظاهر كلامك الحلو هو البتري اللي يشغل ابتسامة المدام
وخلاص أنا خلصت وتصبحون على خير
قالتها موضي وهي تنسحب فعلا وتغلق الباب خلفها
مرت دقائق والاثنان صامتان
مشاعر أعمق وأكبر من كل تعبير تمر بينهما
كل برودهما المصطنع السابق يشوى على صفيح ساخن
وكل الجمود وخزعبلات الكبرياء والخجل أصبحت غاية في الهشاشة
وتنذر بانهيار تام قريب أمام روحين مثقلتين بالوجع والهجران
تتوقان للتمازج والاندماج وأن تسكن كل منهما إلى الأخرى
كما هي فطرة البشرية دون أي حواجز غبية
هيا وقفت بتردد وخجل
شعرت بأصابع دافئة تلامس أطراف أناملها
كان ينظر للأرض
همس بنبرته الدافئة العميقة مغلفة بعبق رجولي خاص:
لو قلت اقعدي
بتهربين مني نفس ماسويتي في واشنطن
هيا برقة وخجل: بأهرب ..بس لمكان ثاني
مكان من زمان نفسي أهرب له وألجأ لأحضانه
بس يا ترى بيستقبلني أو لا ؟؟
قالتها وهي تعاود الجلوس جواره
وتشدد احتضانها ليده التي تمسك بيدها
***********************
فارس بغرفته
عاجز عن النوم
عاجز عن التفكير
مثقل بالألم وبالكثير الكثير من العشق الموجع الموغل في العمق
هاتفه بيده
يريد أن يتصل بها
يريد أن يتأكد أن الصوت الباكي الذي نحره ببكائه بالأمس
عاد اليوم للتغريد الذي ينعش روحه بهمساته
تردد للحظات ولكن ليس هو من يطيل التردد في قراراته
اتصل بها عدة مرات ولكنها لم ترد
أرسل لها رسالة قصيرة
" العنود ردي"
وصله الرد بعد ثواني.. كما لو أنه كان جاهزا لديها
" آسفة
ما بيننا كلام
اعتذر لي أول
ما أبيك تعتذر بلسانك أدري صعب على كرامتك الغالية
اعتذر لي بمسج وعقب بأرد عليك"
فارس اشتعل من الغضب
كيف تجرؤ؟؟ كيف تجرؤ أن تطالبه بالاعتذار بينما هو لم يخطئ
لو كان أخطأ ربما كان فكر ..ربما فكر أن يكتب لها رسالة اعتذار
فحبه لها أصبح أكبر من أي شيء وأعمق من كل شيء
ولكنه لم يخطئ.. لم يخطئ
ويستحيل أن يعتذر بينما هو لم يخطئ بشيء
فهو لم يكلم الفتيات ولم يلقِ لهن بالا أصلا
والحقيقة أن ما ضايقه هو مطالبتها له بالاعتذار بهذه الطريقة المباشرة
شعر أنها تريد تصغيره وإهانته
(ليش اتصلت عليها
أنا اللي غلطان
أكيد عرفت قدرها وغلاها
وتبي تفرض أوامرها علي
زين العنود زين
توج ماعرفتي فارس
ومهوب فارس اللي يقاد ويمشي عليه شور حد)
وصلها الرد بعد دقيقة
" أنا ما غلطت عشان أعتذر
واللي زعل بدون ماحد يزعله
يرضى بدون ما حد يرضيه"
**********************
لطيفة عادت لبيتها حدود الساعة 12
كانت جود قد نامت
لذا ذهبت بها لغرفتها وأبدلت ملابسها وهي نائمة
وأبدلت لمريم ووضعتها في سريرها
كانت تتوقع أن أبنائها لم يعودوا بعد.. فهم مع والدهم في العزبة
وغدا الجمعة لذا توقعت أن يطيلوا السهر قليلا
لكنها قررت المرور بغرفتهما أولا لتخرج لهم بيجاماتهما
فوجئت أنهما في سريريهما نائمان
توترت
(هل يعني هذا أن مشعل هنا؟؟)
نظرت للمرآة في غرفة أولادها
توترت أكثر
لأول مرة يقول أنها جميلة
هل يراها جميلة حقا؟؟
أم كان يجاملها؟؟
أخرجت أحمر شفاهها من حقيبتها وفرشاة شعرها
عدلت زينتها قليلا
لِـمَ؟؟
لا تعرف السبب
كانت مازالت ترتدي عباءتها
نثرت شعرها على عباءتها ومشطته
ثم توجهت لغرفتها وفتحت الباب بهدوء وتوجس
*************************
عزبة آل مشعل
الكل عادوا لبيوتهم.. تبقى ناصر وراكان فقط
ناصر يصب لراكان كوبا من الكرك ويناوله له
ويصب لنفسه كوبا آخر ويعود ليجلس بجوار راكان
يرتشف بضع رشفات من كوبه.. ينزله أمامه ثم يهمس لراكان بنبرة خاصة:
بنت عمك عقب أسبوعين ثلاثة بتخلص عدتها
راكان يرتشف بدوره بضع رشفات ثم يضع كوبه ويهمس بهدوء: وإذا؟؟
ناصر باستغراب: وإذا؟؟ لا تقول لي إنك مفكر تفرط فيها للمرة الثانية
راكان بعمق: أنا فرطت فيها وخلاص
موضي قضية وانتهت.. ما ينفع ينعاد فيها الحكي
ناصر باهتمام: راكان.. موضي من الحين فيه ناس قاعدين يتكلمون عليها
تكفى تحرك.. لا تضيعها من منك
غرفة مشعل وهيا
مشعل مازال واقفا عند الباب وهو يقول:
من اللي يجي وش يشوف؟؟
هيا تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها!!
أن تختفي!!
أن تصبح غير مرئية!!
تحدث معجزة ما تنقذها من شعور الحرج الجارح الذي غشاها مع سماعها لصوته!!
موضي تهتف بمرح:
أنت اللي تجي عشان تشوف المدام
وأصوركم سوا
أنا بأروح أجيب كاميرتي
مهوب أجي ألاقيكم سكرتم الباب من دوني
موضي خرجت
ومشعل دخل
وهيا تراجعت للخلف وعيناها تنغرزان في الأرض
دقات قلبها تتعالى وتتعالى حتى أصبحت أنفاسها تخرج وتدخل بصعوبة
وخجل مر يكتسحها
ووجيب مشاعر مختلطة شديدة الكثافة والضغط يتخللها
هو تقدم أكثر
شعر أن يدا هائلة القوة اعتصرت قلبه بعنف
يكاد يحس بألم فعلي في خلايا قلبه المعصور
قلبه عاجز عن الاحتمال
مشاعره مُستنزفة
وهو متعب.. متعب
مـــــتـــــعــــــــب
هي كانت تعجبه ببساطتها وبدون أي زينة بملامحها الناعمة
فكيف وهو يراها بهذا التألق الأنثوي المختلف
ساحرة
خيالية
موجعة
فتنة متجسدة
هو يراها هكذا بعين المحب!!
كانت هيا تقف أمامه تذوب ارتباكا ولكنها تحاول الوقوف بثقة
كانت ترتدي ثوبا من الحرير التركوازي والدانتيل الذهبي
يد بدون كم واليد الاخرى كاملة الطول إلى منتصف كفها من الدانتيل الذهبي الملتصق بذراعها
مع (هاي نك) من الدانتيل أيضا
والفستان ضيق ليتسع عند أسفل الوركين في قصة راقية
جبينها ومقدمة شعرها ملفوفان بعصبة من الدانتيل الذهبي ينحدر طرفاها على كتفها
وشعرها السرمدي مسترسل كالحرير
أمواج ليل هادر تعانق سماء من الذهب والتركواز
وفرد شعرها زاده طولا ولمعانا ونعومة
وفتنة أكثر انغرازا في قلب هذا المتيم المسحور!!
لم يتكلم
ولم تتكلم
كل الكلمات لا معنى لها
فمعركة شفافة من المشاعر الجياشة كانت تدور رحاها بينهما
و(لا صوت يعلو على صوت المعركة) كما قيل
فكيف إذا كانت معركة عميقة حادة لذيذة وموجعة
كالمعركة التي تدور بسلاح النظرات والإيماءات وحديث النفس بين مشعل وهيا
(أميرتي
ارفعي وجهكِ قليلا
اجعلي الشمس تشرق
واجعلي روحي تشرق
واجعلي حياتنا تشرق
أما لهذا الخجل والتباعد من آخر؟!!
تعبت يا أميرتي تعبت
مرهق أنا.. ألا تشعرين بوجع روحي المستشري
وقد اُستنزفت ولعا وشوقا واحتياجا وحبا؟!!
اسمحي لي أن أحتويكِ.. أغمركِ بهذه النار المشتعلة في جوفي
لا تكوني كالمهرة النافرة
لا أريد ترويضكِ
ولكن أريدكِ أنتِ أن تروضي مشاعركِ)
(آه.. أيها السامق حتى طاولت هامتك السحاب
أعجز عن رفع عيني إليك
نورك محرق وأكثر إشعاعا من احتمالي
أروع من كل أحلامي أنت
أعذب من كل أمنياتي أنت
تساميت فوق صغائري
لتكون أنت وحدك فوق السمو الإنساني
لتكون الرجل الأعظم والمعادلة التي لا تكرر
وحدك رهان الاستثنائية
وحدك كسرت أقفال هذا القلب المغلق على سنوات طويلة من الحقد والكراهية
ساحر أنت.. ساحر
حولت كل مشاعري.. أعدت صياغتها من جديد
لتجعلني أخرى
أخرى مشبعة بمشاعر جامحة هي لك وحدك
أنت فقط ولا سواك )
موضي عادت بكاميرتها
ظلت واقفة للحظات وهي تراقب مشعل المبحلق
وهيا المطأطة
وهي تكاد تنفجر ضحكا من غرابة الاثنين
موضي (بعيارة): نحن هنا يا بو الهول أنت ويا نفرتيتي
مشعل ألتفت لها بهدوء وابتسم: زين وأنتي هنا.. نسوي لش استقبال رسمي؟؟
موضي تضحك: لا خلصوني أبي أصوركم..
يالله أصلي قيامي وانخمد.. ميتة تعب..
موضي تقمصت الدور وهي تلصقهما ببعضهما
ارتعشت هيا وابتلعت ريقها بصعوبة
وهي تشعر بحفيف كم مشعل على ذراعها العاري
حلقها جاف ومشاعرها مضطربة
موضي (بعيارة) : ماراح أطول عليكم
صورتين وانتوا واقفين وثنتين وأنتم قاعدين وبس
مافيه داعي للخساير.. الحبر حق الصور وورق طباعة الصور غالي
خسارة فيكم أنتو وتعابيركم المحزنة
أجلستهما على الأريكة.. حاولت هيا أن تبتعد قليلا
ولكن موضي نهرتها: خالتي قماشة حدش
خليش جنب عمي قحطه
وابتسمي وإلا والله لأحرق صوركم
دقات قلب هيا تتعالى بعنف مرعب وعقلها يتوقف جراء قربها الملاصق من مشعل
الذي كان يشعر بتسلية غامرة وهو يراقب انفعالات وجهها
مشعل مال عليها وهو يهمس لها: ابتسمي على الأقل عشان خاطر موضي
هيا ابتسمت ابتسامة صغيرة
وموضي هتفت بابتهاج مرح فيه كم هائل من الخبث:
الحمدلله ابتسامة وأخيرا..
يا أخي كان من زمان وشوشتها وقلت لها : أحبش يا حبيبتي.. عشان تبتسم
الظاهر كلامك الحلو هو البتري اللي يشغل ابتسامة المدام
وخلاص أنا خلصت وتصبحون على خير
قالتها موضي وهي تنسحب فعلا وتغلق الباب خلفها
مرت دقائق والاثنان صامتان
مشاعر أعمق وأكبر من كل تعبير تمر بينهما
كل برودهما المصطنع السابق يشوى على صفيح ساخن
وكل الجمود وخزعبلات الكبرياء والخجل أصبحت غاية في الهشاشة
وتنذر بانهيار تام قريب أمام روحين مثقلتين بالوجع والهجران
تتوقان للتمازج والاندماج وأن تسكن كل منهما إلى الأخرى
كما هي فطرة البشرية دون أي حواجز غبية
هيا وقفت بتردد وخجل
شعرت بأصابع دافئة تلامس أطراف أناملها
كان ينظر للأرض
همس بنبرته الدافئة العميقة مغلفة بعبق رجولي خاص:
لو قلت اقعدي
بتهربين مني نفس ماسويتي في واشنطن
هيا برقة وخجل: بأهرب ..بس لمكان ثاني
مكان من زمان نفسي أهرب له وألجأ لأحضانه
بس يا ترى بيستقبلني أو لا ؟؟
قالتها وهي تعاود الجلوس جواره
وتشدد احتضانها ليده التي تمسك بيدها
***********************
فارس بغرفته
عاجز عن النوم
عاجز عن التفكير
مثقل بالألم وبالكثير الكثير من العشق الموجع الموغل في العمق
هاتفه بيده
يريد أن يتصل بها
يريد أن يتأكد أن الصوت الباكي الذي نحره ببكائه بالأمس
عاد اليوم للتغريد الذي ينعش روحه بهمساته
تردد للحظات ولكن ليس هو من يطيل التردد في قراراته
اتصل بها عدة مرات ولكنها لم ترد
أرسل لها رسالة قصيرة
" العنود ردي"
وصله الرد بعد ثواني.. كما لو أنه كان جاهزا لديها
" آسفة
ما بيننا كلام
اعتذر لي أول
ما أبيك تعتذر بلسانك أدري صعب على كرامتك الغالية
اعتذر لي بمسج وعقب بأرد عليك"
فارس اشتعل من الغضب
كيف تجرؤ؟؟ كيف تجرؤ أن تطالبه بالاعتذار بينما هو لم يخطئ
لو كان أخطأ ربما كان فكر ..ربما فكر أن يكتب لها رسالة اعتذار
فحبه لها أصبح أكبر من أي شيء وأعمق من كل شيء
ولكنه لم يخطئ.. لم يخطئ
ويستحيل أن يعتذر بينما هو لم يخطئ بشيء
فهو لم يكلم الفتيات ولم يلقِ لهن بالا أصلا
والحقيقة أن ما ضايقه هو مطالبتها له بالاعتذار بهذه الطريقة المباشرة
شعر أنها تريد تصغيره وإهانته
(ليش اتصلت عليها
أنا اللي غلطان
أكيد عرفت قدرها وغلاها
وتبي تفرض أوامرها علي
زين العنود زين
توج ماعرفتي فارس
ومهوب فارس اللي يقاد ويمشي عليه شور حد)
وصلها الرد بعد دقيقة
" أنا ما غلطت عشان أعتذر
واللي زعل بدون ماحد يزعله
يرضى بدون ما حد يرضيه"
**********************
لطيفة عادت لبيتها حدود الساعة 12
كانت جود قد نامت
لذا ذهبت بها لغرفتها وأبدلت ملابسها وهي نائمة
وأبدلت لمريم ووضعتها في سريرها
كانت تتوقع أن أبنائها لم يعودوا بعد.. فهم مع والدهم في العزبة
وغدا الجمعة لذا توقعت أن يطيلوا السهر قليلا
لكنها قررت المرور بغرفتهما أولا لتخرج لهم بيجاماتهما
فوجئت أنهما في سريريهما نائمان
توترت
(هل يعني هذا أن مشعل هنا؟؟)
نظرت للمرآة في غرفة أولادها
توترت أكثر
لأول مرة يقول أنها جميلة
هل يراها جميلة حقا؟؟
أم كان يجاملها؟؟
أخرجت أحمر شفاهها من حقيبتها وفرشاة شعرها
عدلت زينتها قليلا
لِـمَ؟؟
لا تعرف السبب
كانت مازالت ترتدي عباءتها
نثرت شعرها على عباءتها ومشطته
ثم توجهت لغرفتها وفتحت الباب بهدوء وتوجس
*************************
عزبة آل مشعل
الكل عادوا لبيوتهم.. تبقى ناصر وراكان فقط
ناصر يصب لراكان كوبا من الكرك ويناوله له
ويصب لنفسه كوبا آخر ويعود ليجلس بجوار راكان
يرتشف بضع رشفات من كوبه.. ينزله أمامه ثم يهمس لراكان بنبرة خاصة:
بنت عمك عقب أسبوعين ثلاثة بتخلص عدتها
راكان يرتشف بدوره بضع رشفات ثم يضع كوبه ويهمس بهدوء: وإذا؟؟
ناصر باستغراب: وإذا؟؟ لا تقول لي إنك مفكر تفرط فيها للمرة الثانية
راكان بعمق: أنا فرطت فيها وخلاص
موضي قضية وانتهت.. ما ينفع ينعاد فيها الحكي
ناصر باهتمام: راكان.. موضي من الحين فيه ناس قاعدين يتكلمون عليها
تكفى تحرك.. لا تضيعها من منك
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء السادس والخمسون
عزبة آل مشعل
الحوار بين ناصر وراكان
ناصر باهتمام: راكان.. موضي من الحين فيه ناس قاعدين يتكلمون عليها
تكفى تحرك.. لا تضيعها من منك
تيار ما سرى في العضلة الشمالية من قفصه الصدري
لكنه أنكر هذا التيار وكذبه لأن هذه العضلة ماتت منذ زمن
ومن المستحيل أن ينبض شيء ميت
لذا رد على ناصر بهدوء: الله يوفقها
ناصر بنبرة غضب: راكان لا تجنني.. وش الله يوفقها ذي
الله يوفقها معك..
عاجبك حالك ذا.. عمرك الحين 30 وما تبي تعرس
راكان بهدوء عميق: ناصر خلاص.. ألف مرة قلت لك هذا مات
(قالها وهو يشير لقلبه) ماعاد ينفع موضي ولا غيرها
خل موضي تشوف نصيبها
كفاية ما توفقت مع حمد (ناصر لا يعلم بضرب حمد لها)
خلها تأخذ واحد يعرف قيمتها عدل
ناصر بنبرة غامضة: قول نفس الكلام اللي قلته يوم خذت حمد
"واحد يعرف قيمتها"
موضي ماحد بيعرف قيمتها غيرك
ما أدري متى تصحى من الغيبوبة اللي أنت فيها
إذا لقيت إنه فاتك كل فرصة للسعادة في الدنيا
راكان يسند ظهرة للخلف وتفكيره يذهب للبعيد:
خلاص يا ناصر السعادة الله إن شاء يكتبها لنا في الآخرة
لأنه سعادة الدنيا مهيب من نصيبي
********************
غرفة مشاعل
يثقلها التفكير ويمزقها الأسى
بدا لها ناصر الليلة رائعا ومذهلا ومتفهما في كلامه
(ولكن مايدريني قد تكون هذه مجرد واجهة منمقة يخفي خلفها حقيقته
ما الذي ينتظرني معه؟؟
ماذا؟؟
أشعر بخجل كاسح من مجرد التفكير برجل لا أعرفه
يغلق علينا باب وتكون له حقوق علي في أعمق خصوصياتي الروحية والجسدية
ثم ماذا؟؟
أعلم أني سأتجاوز الخجل يوما.. ولكن بعد تجاوزه مالذي ينتظرني؟؟
هل أذوب فيه هياما مثل لطيفة ويكون رده على حبي له برودا وتجاهلا مثل مشعل؟؟
أو هل يضربني مثل حمد وأضطر أن أصبر عليه مثل موضي حفاظا على الروابط الأسرية؟؟
هل ستذوي روحي ويُنتهك جسدي في كل الأحوال؟؟
ما الذي ينتظرني؟؟
ماذا تخبئ لي الحياة مع ناصر؟؟
ماذا تخفي لي؟؟!!)
***************************
غرفة موضي
تبدل ملابسها
تخلع الأصفر المنعش وكأنها تخلع قناع البهجة الذي تتسربل به أمام الناس
لينهار هذا القناع حالما تخلو إلى نفسها
تنظر في المرآة
علامة واضحة على كتفها من ناحية الصدر تأبى الانزياح
وشم ماكن كوشم الألم والجرح والمرارة في روحها
تقترب من المرآة أكثر.. تلمس الأثر بأطراف أصابعها
أثر عقال حمد الغائر في كتفها.. تتحسسه
ترتعش بعنف
تشعر بألم ما.. ألم غريب غير مفهوم
ليس ألما جسديا
فهذا الأثر ماعاد يثير ألما جسدا.. يثير ألما أعمق بكثير
يذكرها بكل الذي تحاول نسيانه فلا تستطيع
حياتها البائسة مع حمد
وهي تتحول لمخلوق هلامي بلا كرامة
كرامتها التي بعثرها حمد يمينا ويسارا وهو يمتهن جسدها وإنسانيتها
وهي صامتة خرساء حفاظا على مشاعر أهلها
فبماذا خرجت بعد تفضيل الجميع على نفسها؟؟
تشويه في جسدها
وتشويه أبشع في روحها
(لا ويبوني أتزوج مرة ثانية
وش عندي أقدمه للزوج رقم 2
بقايا امرأة؟؟!!!)
**********************
غرفة لطيفة
لطيفة تقف أمام الباب تشعر بتوجس غير مفهوم
لِـمَ هي خائفة من مقابلته؟؟
استجمعت شجاعتها
ودخلت
ويالا صدمتها!!
كان نائما
شعرت بخيبة أمل حادة غير مفهومة
لأول مرة تحدث.. أن ينام هو قبلها
نظرت لناحية السرير
وابتسمت
(تلاعبني يا مشعل؟!!)
عرفت أنه ليس نائما
فهو كان نائما على جنبه اليسار
وهي تعرف أن مشعل يستحيل أن ينام على جنبه الأيسر
إنها عشرة 13 عاما
تعرفه وتعرف عاداته أكثر منه حتى
هو لا ينام إلا على جنبه اليمين ووجهه للقبلة
ابتسمت أكثر
(العب.. ليش لا؟؟
ماني معبرتك
خلك على نومتك)
************************
بيت سعد بن فيصل
غرفة سعد تحديدا
عاد منذ وقت ليجد أبا صبري غاضبا
فهو نسي أخباره إنهم سيتعشى وأولاده خارجا
أبو صبري يعمل عند سعد منذ وفاة زوجة سعد..
وسعد يعده هو صاحب البيت وهم ضيوفه
تعرف على أبي صبري قبل سنوات في دورة عسكرية في القاهرة
وأبو صبري وقتها كان طباخ الثكنة..
بعد سنوات كُسرت قدمه وأحيل للتقاعد فأرسل لسعد يطلب منه أن يبحث له عن عمل
وكان ذلك قبل وفاة زوجة سعد بقليل وانشغاله بمرضها
بعد وفاتها بشهر شعر بحاجته لمن يساعده
أولاده كانوا عند شقيقته وضحى.. ورغم أنها كانت تصر على العناية بهم
ولكن سعد كان رافضا فكرة إبعاد أولاده عنه أو أن يربيهم أحد سواه
حينها تذكر أبا صبري
ومن حينها وأبو صبري هو الفرد الرابع في أسرتهم ومتولي شؤونهم
أبوصبري بغضبه الطريف: والأكل ده أعمل فيه إيه؟؟ أديه لقطاوة الفريج؟؟
سعد يبتسم: ياحلوها قطاوة الفريج من ثمك..
أبي أدري أنت من وين تجيب ذا المصطلحات.. إذا احنا ما نقولها؟؟
أبو صبري بتأفف: آه ياواد يا سعد خدني في دوكه..
عشان ما أزعلش إنك ما ئلت ليش أنك هتتعشى برا أنته والمفاعيص عيالك..
سعد يتجاوزه ليصعد لغرفته: السموحة يابو صبري.. أخر مرة
والعشا حرام لا تكبه.. عطه حد
أبو صبري يعود للمطبخ وهو غاضب: خلاص مالكش دعوة.. أنا هتصرف
وهأوكلهو لك أنته وجوز الئرود بكرة على الغداء
عشان تاني مرة تئولي ئبل ما تسيبوني ئاعد ده كلو أتناكم
سعد كان على أول الدرج انفجر ضاحكا: أما (أتناكم) ذي منك فلة
بس تكفى دخيلك فكنا في عشاك اللي تبغي تغدينا منه
عطه حد الليلة وبكرة لا تطبخ أنا عازمك أنت والعيال نتغدى برا
أبو صبري يبتسم: كده خوش كلام ياواد ياسعد
وهاهو سعد في غرفته الشاسعة وحيدا تلتهمه أفكاره
ينظر إلى المكان الخالي جواره
قبل حوالي عامين كان فهد ينام معه أحيانا
لكن فهد الآن أصبح يرى نفسه كبيرا
يريد الاستقلال بغرفته
وأصبح أكثر التصاقا بفيصل
وهكذا هي سنة الحياة
الصغير يكبر ويريد الاستقلال
والمكان الخالي بجوار سعد أصبح خاليا دائما
(يا ترى ممكن توافق علي؟؟
ياترى بيجي اللي بيونس وحدتي؟؟
يا ترى ممكن ألاقي حد يقصر علي ذا الليالي الطويلة اللي ماعاد انقضت من طولها؟؟)
(ولو ماوافقت ياسعد؟؟)
انتفض بعنف
(ليش ما توافق؟؟
ليه أنا سيء لدرجة أنها ترفضني)
مطلقا لم يكن سعد ينظر لعماها أنه عيب فيها
أو يرى نفسه أفضل منها
أو يرى في نفسه فرصة لا ترفض لمن هي مثلها
بل كان يراها شيئا باهرا يتجاوز أمنياته
لذا كان في غاية الخوف أن ترفضه
كان يتصبر على أمل موجع أنها ستوافق
فمريم منذ لقائه القصير معها
وهي تمكنت من روحه بشكل غريب عاجز هو عن تفسيره
وكأن روحها المحلقة اقتنصت روحه الهائمة
**********************
غرفة ناصر
صلى قيامه
وتمدد على سريره
ينظر لغرفته التي كانت مستقره لسنوات
بعد أيام سيغادرها
شعور حنين غريب يجتاحه
فهو أنجز بناء قسم خاص له ملاصق لبيتهم
هو شخصيا كان يريد البدء ببناء منزله مباشرة
فأرضه موجودة.. والخير وافر ولله الحمد
ولكن مريم كانت من أصرت عليه أن يبدأ ببناء قسم جوارهم
ثم يبني بيته بالاتفاق بينه وبين مشاعل
والحقيقة التي يعلمها تماما والتي لم تشدد عليها مريم وإن كانت تشير لها من وقت لآخر
أن مشاعل خجولة جدا
لذا تريدها أن تبقى قريبة منهم
لا تريدها أن تشعر برعب وجودها معه في بيت منعزل لوحدهما منذ البداية
(الله يعيني على ذا الخجل
اللي الكل يحذرني منه
أنا من يوم شفتها وأنا أعد الأيام والليالي اللي بتصير فيها خلاص حلالي
بس ماعليه اللي صبرني ذا الشهور كلها
يصبرني لين تتعود علي)
عزبة آل مشعل
الحوار بين ناصر وراكان
ناصر باهتمام: راكان.. موضي من الحين فيه ناس قاعدين يتكلمون عليها
تكفى تحرك.. لا تضيعها من منك
تيار ما سرى في العضلة الشمالية من قفصه الصدري
لكنه أنكر هذا التيار وكذبه لأن هذه العضلة ماتت منذ زمن
ومن المستحيل أن ينبض شيء ميت
لذا رد على ناصر بهدوء: الله يوفقها
ناصر بنبرة غضب: راكان لا تجنني.. وش الله يوفقها ذي
الله يوفقها معك..
عاجبك حالك ذا.. عمرك الحين 30 وما تبي تعرس
راكان بهدوء عميق: ناصر خلاص.. ألف مرة قلت لك هذا مات
(قالها وهو يشير لقلبه) ماعاد ينفع موضي ولا غيرها
خل موضي تشوف نصيبها
كفاية ما توفقت مع حمد (ناصر لا يعلم بضرب حمد لها)
خلها تأخذ واحد يعرف قيمتها عدل
ناصر بنبرة غامضة: قول نفس الكلام اللي قلته يوم خذت حمد
"واحد يعرف قيمتها"
موضي ماحد بيعرف قيمتها غيرك
ما أدري متى تصحى من الغيبوبة اللي أنت فيها
إذا لقيت إنه فاتك كل فرصة للسعادة في الدنيا
راكان يسند ظهرة للخلف وتفكيره يذهب للبعيد:
خلاص يا ناصر السعادة الله إن شاء يكتبها لنا في الآخرة
لأنه سعادة الدنيا مهيب من نصيبي
********************
غرفة مشاعل
يثقلها التفكير ويمزقها الأسى
بدا لها ناصر الليلة رائعا ومذهلا ومتفهما في كلامه
(ولكن مايدريني قد تكون هذه مجرد واجهة منمقة يخفي خلفها حقيقته
ما الذي ينتظرني معه؟؟
ماذا؟؟
أشعر بخجل كاسح من مجرد التفكير برجل لا أعرفه
يغلق علينا باب وتكون له حقوق علي في أعمق خصوصياتي الروحية والجسدية
ثم ماذا؟؟
أعلم أني سأتجاوز الخجل يوما.. ولكن بعد تجاوزه مالذي ينتظرني؟؟
هل أذوب فيه هياما مثل لطيفة ويكون رده على حبي له برودا وتجاهلا مثل مشعل؟؟
أو هل يضربني مثل حمد وأضطر أن أصبر عليه مثل موضي حفاظا على الروابط الأسرية؟؟
هل ستذوي روحي ويُنتهك جسدي في كل الأحوال؟؟
ما الذي ينتظرني؟؟
ماذا تخبئ لي الحياة مع ناصر؟؟
ماذا تخفي لي؟؟!!)
***************************
غرفة موضي
تبدل ملابسها
تخلع الأصفر المنعش وكأنها تخلع قناع البهجة الذي تتسربل به أمام الناس
لينهار هذا القناع حالما تخلو إلى نفسها
تنظر في المرآة
علامة واضحة على كتفها من ناحية الصدر تأبى الانزياح
وشم ماكن كوشم الألم والجرح والمرارة في روحها
تقترب من المرآة أكثر.. تلمس الأثر بأطراف أصابعها
أثر عقال حمد الغائر في كتفها.. تتحسسه
ترتعش بعنف
تشعر بألم ما.. ألم غريب غير مفهوم
ليس ألما جسديا
فهذا الأثر ماعاد يثير ألما جسدا.. يثير ألما أعمق بكثير
يذكرها بكل الذي تحاول نسيانه فلا تستطيع
حياتها البائسة مع حمد
وهي تتحول لمخلوق هلامي بلا كرامة
كرامتها التي بعثرها حمد يمينا ويسارا وهو يمتهن جسدها وإنسانيتها
وهي صامتة خرساء حفاظا على مشاعر أهلها
فبماذا خرجت بعد تفضيل الجميع على نفسها؟؟
تشويه في جسدها
وتشويه أبشع في روحها
(لا ويبوني أتزوج مرة ثانية
وش عندي أقدمه للزوج رقم 2
بقايا امرأة؟؟!!!)
**********************
غرفة لطيفة
لطيفة تقف أمام الباب تشعر بتوجس غير مفهوم
لِـمَ هي خائفة من مقابلته؟؟
استجمعت شجاعتها
ودخلت
ويالا صدمتها!!
كان نائما
شعرت بخيبة أمل حادة غير مفهومة
لأول مرة تحدث.. أن ينام هو قبلها
نظرت لناحية السرير
وابتسمت
(تلاعبني يا مشعل؟!!)
عرفت أنه ليس نائما
فهو كان نائما على جنبه اليسار
وهي تعرف أن مشعل يستحيل أن ينام على جنبه الأيسر
إنها عشرة 13 عاما
تعرفه وتعرف عاداته أكثر منه حتى
هو لا ينام إلا على جنبه اليمين ووجهه للقبلة
ابتسمت أكثر
(العب.. ليش لا؟؟
ماني معبرتك
خلك على نومتك)
************************
بيت سعد بن فيصل
غرفة سعد تحديدا
عاد منذ وقت ليجد أبا صبري غاضبا
فهو نسي أخباره إنهم سيتعشى وأولاده خارجا
أبو صبري يعمل عند سعد منذ وفاة زوجة سعد..
وسعد يعده هو صاحب البيت وهم ضيوفه
تعرف على أبي صبري قبل سنوات في دورة عسكرية في القاهرة
وأبو صبري وقتها كان طباخ الثكنة..
بعد سنوات كُسرت قدمه وأحيل للتقاعد فأرسل لسعد يطلب منه أن يبحث له عن عمل
وكان ذلك قبل وفاة زوجة سعد بقليل وانشغاله بمرضها
بعد وفاتها بشهر شعر بحاجته لمن يساعده
أولاده كانوا عند شقيقته وضحى.. ورغم أنها كانت تصر على العناية بهم
ولكن سعد كان رافضا فكرة إبعاد أولاده عنه أو أن يربيهم أحد سواه
حينها تذكر أبا صبري
ومن حينها وأبو صبري هو الفرد الرابع في أسرتهم ومتولي شؤونهم
أبوصبري بغضبه الطريف: والأكل ده أعمل فيه إيه؟؟ أديه لقطاوة الفريج؟؟
سعد يبتسم: ياحلوها قطاوة الفريج من ثمك..
أبي أدري أنت من وين تجيب ذا المصطلحات.. إذا احنا ما نقولها؟؟
أبو صبري بتأفف: آه ياواد يا سعد خدني في دوكه..
عشان ما أزعلش إنك ما ئلت ليش أنك هتتعشى برا أنته والمفاعيص عيالك..
سعد يتجاوزه ليصعد لغرفته: السموحة يابو صبري.. أخر مرة
والعشا حرام لا تكبه.. عطه حد
أبو صبري يعود للمطبخ وهو غاضب: خلاص مالكش دعوة.. أنا هتصرف
وهأوكلهو لك أنته وجوز الئرود بكرة على الغداء
عشان تاني مرة تئولي ئبل ما تسيبوني ئاعد ده كلو أتناكم
سعد كان على أول الدرج انفجر ضاحكا: أما (أتناكم) ذي منك فلة
بس تكفى دخيلك فكنا في عشاك اللي تبغي تغدينا منه
عطه حد الليلة وبكرة لا تطبخ أنا عازمك أنت والعيال نتغدى برا
أبو صبري يبتسم: كده خوش كلام ياواد ياسعد
وهاهو سعد في غرفته الشاسعة وحيدا تلتهمه أفكاره
ينظر إلى المكان الخالي جواره
قبل حوالي عامين كان فهد ينام معه أحيانا
لكن فهد الآن أصبح يرى نفسه كبيرا
يريد الاستقلال بغرفته
وأصبح أكثر التصاقا بفيصل
وهكذا هي سنة الحياة
الصغير يكبر ويريد الاستقلال
والمكان الخالي بجوار سعد أصبح خاليا دائما
(يا ترى ممكن توافق علي؟؟
ياترى بيجي اللي بيونس وحدتي؟؟
يا ترى ممكن ألاقي حد يقصر علي ذا الليالي الطويلة اللي ماعاد انقضت من طولها؟؟)
(ولو ماوافقت ياسعد؟؟)
انتفض بعنف
(ليش ما توافق؟؟
ليه أنا سيء لدرجة أنها ترفضني)
مطلقا لم يكن سعد ينظر لعماها أنه عيب فيها
أو يرى نفسه أفضل منها
أو يرى في نفسه فرصة لا ترفض لمن هي مثلها
بل كان يراها شيئا باهرا يتجاوز أمنياته
لذا كان في غاية الخوف أن ترفضه
كان يتصبر على أمل موجع أنها ستوافق
فمريم منذ لقائه القصير معها
وهي تمكنت من روحه بشكل غريب عاجز هو عن تفسيره
وكأن روحها المحلقة اقتنصت روحه الهائمة
**********************
غرفة ناصر
صلى قيامه
وتمدد على سريره
ينظر لغرفته التي كانت مستقره لسنوات
بعد أيام سيغادرها
شعور حنين غريب يجتاحه
فهو أنجز بناء قسم خاص له ملاصق لبيتهم
هو شخصيا كان يريد البدء ببناء منزله مباشرة
فأرضه موجودة.. والخير وافر ولله الحمد
ولكن مريم كانت من أصرت عليه أن يبدأ ببناء قسم جوارهم
ثم يبني بيته بالاتفاق بينه وبين مشاعل
والحقيقة التي يعلمها تماما والتي لم تشدد عليها مريم وإن كانت تشير لها من وقت لآخر
أن مشاعل خجولة جدا
لذا تريدها أن تبقى قريبة منهم
لا تريدها أن تشعر برعب وجودها معه في بيت منعزل لوحدهما منذ البداية
(الله يعيني على ذا الخجل
اللي الكل يحذرني منه
أنا من يوم شفتها وأنا أعد الأيام والليالي اللي بتصير فيها خلاص حلالي
بس ماعليه اللي صبرني ذا الشهور كلها
يصبرني لين تتعود علي)
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء السابع والخمسون
اليوم التالي
غرفة مشعل وهيا
هيا صحت منذ بعض الوقت
مشعل مازال نائما
أبدلت ملابسها
ولأول مرة تفكر أن تضع بعض الزينة بنفسها
أحمر شفاة هادئ اللون وبعض الكحل والماسكرا
بدأت تشعر بالجوع
يوجد الكثير من العصير والحلويات في ثلاجة الغرفة
لكنها تود شرب شيء ساخن.. تتوق لفنجان قهوة
وفي ذات الوقت لا تريد ترك مشعل خلفها نائما
" سبحان من يغير ولا يتغير"
اقتربت من مشعل النائم
جلست جواره
همست في أذنه من قرب: مشعل الآذان الأول للجمعة قرب يأذن
ماشبعت نوم؟؟.. من عقب مارجعت من صلاة الفجر وأنت نايم
مشعل يهمس وعيناه مغلقتان: مشعل وحاف بعد.. ماني بقايم
هيا همست برقة: قوم حبيبي..
مازالت عيناه مغلقتان: خلصنا من مشعل بس ماخلصنا من حاف
هيا تبتسم: صدق طماع..
تميل عليه وتقبله وتهمس بحنان: خلصنا قوم.. أنا ميتة جوع
مشعل يجلس ويبتسم: ليه أنا طردتش تاكلين
هيا بعذوبة: تبيني أطلع وأخليك وراي نايم
مشعل يتنهد ويقرص خدها: شكلها أمي دعت لي البارحة من قلب
فديت أمي ياناس.. ليتها دعت لي من زمان
هيا بخجل: تحشم
مشعل يبتسم: عدال على تحشم ذي.. أكون قايل كفر
نظر لها ثم همس: فكي شعرش.. لا عاد ترفعينه وأنتي عندي
كفاية شهرين حارمتني منه يالمجرمة
هيا رفعت يدها للمشابك في شعرها وأطلقت أساره: مع أني بالمه الحين
بس حاضرة تدلل..
مشعل أدخل يديه في طوفان شعرها أحتضنه بين كفيه وهو يستنشق عبيره بعمق
ثم همس: ياويلش يجيش جنون النسوان وتفكرين تقصينه.. بأقص رقبتش
ابتسمت هيا : وتهدد بعد؟؟
وقف وهو يقول بابتسامة: يحق لي
ثم وقف أمام المرآة يمشط شعره
ثم قال كمن تذكر شيئا: إيه ترى بكرة عقب صلاة العشاء إن شاء الله
بأروح أنا وعيال عمي للقنص
هيا انتفضت بعنف ثم توجهت له: تكفى مشعل مالنا يومين من يوم جينا
تبي تروح وتخليني
مشعل ألتفت لها واحتضن وجهها بين كفيه وقال بابتسامة:
لو أنتي مراضيتني من يوم كنا في واشنطن ماكان رحت
بس الحين خلاص اتفقت مع الشباب ما أقدر أخلف.. تبيني أطلع صغير قدام الرياجيل
هيا باستجداء: تكفى مشعل عشان خاطري
مشعل تنهد: أنتي تكفين هيا..والله خاطرش كبير..بس خلاص الموضوع منتهي.. 5 أيام بس ونرجع
شهقت هيا: يالظالم 5 أيام عندك شوي
همست هيا بشفافية: تذكر يوم زعلت ورحت لبيت سعيد
ضحك مشعل وهو يلمس أرنبة أنفها: لا تغيرين الحقائق أنتي اللي زعلتي
هيا ابتسمت وخيالها يسرح: أنا اللي زعلت وأنا اللي مخي صغير
بس تدري والله العظيم ماقدرت أنام وانت منت في الشقة
تعودت على وجودك جنبي.. أشلون الحين
والله ما أقدر حرام عليك
مشعل احتضنها بقوة كأنها يريد زرعها بين أضلاعه، همس في أذنها:
تسلي مع البنات وانبسطي لين أرجع
وكلها كم يوم وتلاقيني ناط عندش
***********************
صالة بيت عبدالله بن مشعل
هيا نزلت أولا لأنها كانت جاهزة
مشعل بقي ليستحم ويلبس استعداد للذهاب لصلاة الجمعة
هيا نزلت بدراعة واسعة وجلال استعدادا لمقابلة سلطان لو صدفته
كان الكل مجتمعون عدا عمها عبدالله وسلطان اللذين ذهبا مبكرين للمسجد
سلمت هيا وجلست بجوار جدتها وهي تحتضن ذراعها وتقبل كتفها
الجدة بحنان: كيف أصبحتي يأمش؟؟
كانت من موضي من ردت (بعيارة): أنا أصبحت بخير يمه
وجهي مورد.. والابتسامة شاقة.. شكلي يمه طول الليل أحلم أحلام تونس
الجدة باستغراب: شكلش؟؟ ليه مني بدارية أنتي تحلمتي وإلا لا
موضي تضحك: وش يدريني يمه.. أقول شكلي وإن بعض الظن أثم
هيا بدأت تكح كعادتها حين تشعر بالحرج..
والحوار مستمر بين الجدة وموضي.. الجدة: وبعدين يالملقوفة أنا ما سألتش
أنا أسال هيا
موضي كأنها تفاجأت: أثرش تبين تسألين هيا... توتوتو مادريت يمه حسبتش تسأليني
هيا جاوبي أمي هيا كيف أصبحتي؟؟
هيا تنظر لموضي وهي تشير لها إشارات تهديد وتجاوب جدتها:
طيبة يمه يسرش الحال
أم مشعل بحنان: دوم يامش.. مشعل وينه؟؟
هيا باحترام: بينزل الحين يمه..
مشاعل كانت في عالم آخر بعيدا عن كل الحوار الدائر
تبقت أيام فقط
أيام فقط لتنقلب حياتها رأسا على عقب
مليئة بالرعب والتوتر
لا أحد يشعر بها.. لا أحد يفهمها
تشعر أنها تدور في فلك كوني مهجور لا سكان فيه سوى خوفها
الذي أصبح يحيط بروحها إحاطة السوار بالمعصم
*************************
العصر
القاهرة
غرفة باكينام
باكينام تطبع بحثا على جهاز الحاسوب استعدادا للعودة للجامعة فيما بعد
وتسلي نفسها
شعرها الأشقر الذهبي المحمر الذي ورثته من فيكتوريا مرفوع بشكل فوضوي
وتتناثر خصله العنيدة على وجهها الثلجي
دخلت عليها والدتها وهي تحمل كيسا طويلا من الجلد
يحمل اسم مصممة مصرية معروفة في ملابس المحجبات وأكياس أخرى
وضعت الأكياس على السرير
وباكينام وقفت لتقبل أمها: أين ذهبتي منذ الصباح الباكر؟؟
أفقت من النوم لم أجدك؟؟
والدتها تخلع حجابها وترميه على السرير
ليظهر تحته شعرها الأشقر القصير المائل بشقاره للون الرمادي
وهي تتناول الاكياس وتقول بحماس:
تعالي لأريكِ؟؟
باكينام تنهض وتبتسم: ماهذا كله؟؟
سوزان باهتمام: لكِ
باكينام باستغراب: لي؟؟
سوزان: لتحضري معنا الحفل الذي يقيمه طاهر عزت غدا
إنها المرة الأولى التي تحضرين حفلا بهذا الحجم
رئيس مجلس الوزراء ذاته سيكون موجودا
لذا لابد أن تظهري بشكل أنيق وراقٍ جدا
باكينام بغضب: ومن قال أني سأحضر؟؟
سوزان بغضب مشابه: لا تعانديني يافتاة
منال زوجة طاهر عزت اتصلت بي البارحة وشددت على حضوركِ شخصيا وبالاسم
هل تريدين إحراجي وإحراج والدك؟؟
أنتِ تعلمين أن مصانع عزت الغذائية ومصانعه للقطن
هي التي تشتري جميع محاصيل أراضي والدك الزراعية وعلاقتنا بهم متينة
لا تحرجينا معهم..
باكينام تتنهد: علاقتكم أنتم بهم متينة ولكن أنا لا أعرفهم
أرجوكِ ماما لا تجبريني
وخصوصا أن جدتي فيكتوريا ستصل غدا عند الظهر
أريد البقاء معها
سوزان تتنهد وتحاول أن تتكلم بعقلانية:
حبيبتي.. أمي ستصل عند الظهر ابقي معها حتى المساء
واذهبي معنا بسيارتك.. ربع ساعة فقط تلقين التحية عليهم
ثم عودي.. أرجوكِ حبيبي
باكينام برجاء: لكن ماما
أمها برجاء مشابه: باكي أرجوكِ.. من أجل ماما
باكينام باستسلام: حسنا ماما.. لا بأس كما تشاءين
***********************
بعد صلاة العصر
الدوحة
بيت عبدالله بن مشعل
بعد أن خرج مشعل لصلاة العصر
هيا نزلت لجدتها
وهاهي عندها
تستمتع بحديثها
وما فاجأ الجدة أن هيا تعرف كثيرا من الحكايات والأشعار القديمة
مما جعل للحديث متعة أكبر
فهيا كانت تذكرها ببعض الأشياء التي سقطت من ذاكرتها بحكم الزمن
وكأن الاثنتين تحكيان حكاية واحدة انقطع طرفاها وهما تعيدان وصلها
هيا الكبيرة حكتها لسلطان وهي مازالت شابة
وهاهي ابنة سلطان تعيد الحكايات لها بعد أن خارت بها سنوات عمرها
وكلاهما تكتشف لجمال الحكاية بعدا آخر
بعدا مليئا بالشجن والحنين والوجع
قاسمه المشترك كان سلطان الذي كان حاضرا بعنف
رغم أن الاثنتين تتجنبان ذكره حتى لا تنكئان الجروح الرطبة المطمورة بغلاف هش
مشعل دخل عليهما
سلم
الاثنتان ردتا السلام
كلا بطريقتها وكلا لها نظرتها المختلفة
هيا الجدة بحنان مصفى
وهيا الحفيدة بشغف مصفى
مشعل همس لهيا من قرب: حبيبتي تعالي.. إبي وعمي يبونش في مجلس الحريم
هيا همست بدورها: فيه شيء؟؟
مشعل يمسك بيدها ويشدها ليوقفها: أنتي الحين تعالي وبتعرفين
يبونش في شيء مهم هم بيقولونه لش
************************
ذات اليوم في الليل
غرفة لطيفة
كانت لطيفة تدرس كعادتها بعد أن نومت أطفالها
الامتحانات اقتربت وهي تشعر بتوتر كبير
تريد أن تحصل على مجموع كبير
تريد أن ترد اعتبار ذاتها أمام نفسها قبل أي أحد
ومن ناحية أخرى زواج أشقائها وأبناء عمها بعد أيام
وهي من رتبت كل شيء والضغط النفسي عليها كبير من كل ناحية
الكل يطالبها بالانجاز
ومشعل لوحده حكاية عويصة
بل مشعل هو كل الحكايات
لا تنكر أنها شعرت بجرح عميق حين عبر عن مشاعره تحت ضغط إحساسه بالذنب ربما
لا تنكر أن مشاعرها ظلت لعدة أيام مطمورة تحت جليد مصنوع
ولكن تحت جليد الأيام سنوات متطاولة من الاشتعال
وأبسط منطق سيقول أن سنوات من الاشتعال ستنسف بالتاكيد وفي ثواني أيام الجليد
هكذا حكم الطبيعة.. ومن يستطيع الوقوف أمام قوة الطبيعة؟!!
ولكنها في ذات الوقت
تخشى أن تعاود سكب مشاعرها تجاه مشعل
فيعود لمقابلة اشتعالها ببروده
حينها لن تحتمل
لن تحتمل مطلقا
ستنهار نهائيا
وهي غارقة في أفكارها
دخل مشعل
سلم
ردت السلام وهي سارحة
مشعل بعمق: الحلو سرحان في شيء غيري؟؟
(وهل هناك شيء سواك
يلتهم التفكير ويشغل العقل والفؤاد؟؟)
لكن لطيفة ردت عليه بهدوء: أفكر في امتحاناتي.. قربت
مشعل شعر بخيبة أمل لم تظهر في نبرة صوته الهادئة: أهه الله يوفقش
ثم قال كمن تذكر شيئا رغم أن هذا الشيء في باله منذ دخل
لكنه كان ينتظر ردة فعلها: إيه لطيفة ولا عليش أمر
بكرة رتبي لي شنطة صغيرة وجهزي السليب باق حقي
بأروح مع مشعل وراكان القنص
انتظر منها ردا
لم ترد.. تنهد ثم نهض ليتوضأ ويصلي قيامه
بينما لطيفة كانت مازالت في مرحلة عدم التوازن
ومحاولة الاستيعاب
(مشعل وقنص؟؟)
اليوم التالي
غرفة مشعل وهيا
هيا صحت منذ بعض الوقت
مشعل مازال نائما
أبدلت ملابسها
ولأول مرة تفكر أن تضع بعض الزينة بنفسها
أحمر شفاة هادئ اللون وبعض الكحل والماسكرا
بدأت تشعر بالجوع
يوجد الكثير من العصير والحلويات في ثلاجة الغرفة
لكنها تود شرب شيء ساخن.. تتوق لفنجان قهوة
وفي ذات الوقت لا تريد ترك مشعل خلفها نائما
" سبحان من يغير ولا يتغير"
اقتربت من مشعل النائم
جلست جواره
همست في أذنه من قرب: مشعل الآذان الأول للجمعة قرب يأذن
ماشبعت نوم؟؟.. من عقب مارجعت من صلاة الفجر وأنت نايم
مشعل يهمس وعيناه مغلقتان: مشعل وحاف بعد.. ماني بقايم
هيا همست برقة: قوم حبيبي..
مازالت عيناه مغلقتان: خلصنا من مشعل بس ماخلصنا من حاف
هيا تبتسم: صدق طماع..
تميل عليه وتقبله وتهمس بحنان: خلصنا قوم.. أنا ميتة جوع
مشعل يجلس ويبتسم: ليه أنا طردتش تاكلين
هيا بعذوبة: تبيني أطلع وأخليك وراي نايم
مشعل يتنهد ويقرص خدها: شكلها أمي دعت لي البارحة من قلب
فديت أمي ياناس.. ليتها دعت لي من زمان
هيا بخجل: تحشم
مشعل يبتسم: عدال على تحشم ذي.. أكون قايل كفر
نظر لها ثم همس: فكي شعرش.. لا عاد ترفعينه وأنتي عندي
كفاية شهرين حارمتني منه يالمجرمة
هيا رفعت يدها للمشابك في شعرها وأطلقت أساره: مع أني بالمه الحين
بس حاضرة تدلل..
مشعل أدخل يديه في طوفان شعرها أحتضنه بين كفيه وهو يستنشق عبيره بعمق
ثم همس: ياويلش يجيش جنون النسوان وتفكرين تقصينه.. بأقص رقبتش
ابتسمت هيا : وتهدد بعد؟؟
وقف وهو يقول بابتسامة: يحق لي
ثم وقف أمام المرآة يمشط شعره
ثم قال كمن تذكر شيئا: إيه ترى بكرة عقب صلاة العشاء إن شاء الله
بأروح أنا وعيال عمي للقنص
هيا انتفضت بعنف ثم توجهت له: تكفى مشعل مالنا يومين من يوم جينا
تبي تروح وتخليني
مشعل ألتفت لها واحتضن وجهها بين كفيه وقال بابتسامة:
لو أنتي مراضيتني من يوم كنا في واشنطن ماكان رحت
بس الحين خلاص اتفقت مع الشباب ما أقدر أخلف.. تبيني أطلع صغير قدام الرياجيل
هيا باستجداء: تكفى مشعل عشان خاطري
مشعل تنهد: أنتي تكفين هيا..والله خاطرش كبير..بس خلاص الموضوع منتهي.. 5 أيام بس ونرجع
شهقت هيا: يالظالم 5 أيام عندك شوي
همست هيا بشفافية: تذكر يوم زعلت ورحت لبيت سعيد
ضحك مشعل وهو يلمس أرنبة أنفها: لا تغيرين الحقائق أنتي اللي زعلتي
هيا ابتسمت وخيالها يسرح: أنا اللي زعلت وأنا اللي مخي صغير
بس تدري والله العظيم ماقدرت أنام وانت منت في الشقة
تعودت على وجودك جنبي.. أشلون الحين
والله ما أقدر حرام عليك
مشعل احتضنها بقوة كأنها يريد زرعها بين أضلاعه، همس في أذنها:
تسلي مع البنات وانبسطي لين أرجع
وكلها كم يوم وتلاقيني ناط عندش
***********************
صالة بيت عبدالله بن مشعل
هيا نزلت أولا لأنها كانت جاهزة
مشعل بقي ليستحم ويلبس استعداد للذهاب لصلاة الجمعة
هيا نزلت بدراعة واسعة وجلال استعدادا لمقابلة سلطان لو صدفته
كان الكل مجتمعون عدا عمها عبدالله وسلطان اللذين ذهبا مبكرين للمسجد
سلمت هيا وجلست بجوار جدتها وهي تحتضن ذراعها وتقبل كتفها
الجدة بحنان: كيف أصبحتي يأمش؟؟
كانت من موضي من ردت (بعيارة): أنا أصبحت بخير يمه
وجهي مورد.. والابتسامة شاقة.. شكلي يمه طول الليل أحلم أحلام تونس
الجدة باستغراب: شكلش؟؟ ليه مني بدارية أنتي تحلمتي وإلا لا
موضي تضحك: وش يدريني يمه.. أقول شكلي وإن بعض الظن أثم
هيا بدأت تكح كعادتها حين تشعر بالحرج..
والحوار مستمر بين الجدة وموضي.. الجدة: وبعدين يالملقوفة أنا ما سألتش
أنا أسال هيا
موضي كأنها تفاجأت: أثرش تبين تسألين هيا... توتوتو مادريت يمه حسبتش تسأليني
هيا جاوبي أمي هيا كيف أصبحتي؟؟
هيا تنظر لموضي وهي تشير لها إشارات تهديد وتجاوب جدتها:
طيبة يمه يسرش الحال
أم مشعل بحنان: دوم يامش.. مشعل وينه؟؟
هيا باحترام: بينزل الحين يمه..
مشاعل كانت في عالم آخر بعيدا عن كل الحوار الدائر
تبقت أيام فقط
أيام فقط لتنقلب حياتها رأسا على عقب
مليئة بالرعب والتوتر
لا أحد يشعر بها.. لا أحد يفهمها
تشعر أنها تدور في فلك كوني مهجور لا سكان فيه سوى خوفها
الذي أصبح يحيط بروحها إحاطة السوار بالمعصم
*************************
العصر
القاهرة
غرفة باكينام
باكينام تطبع بحثا على جهاز الحاسوب استعدادا للعودة للجامعة فيما بعد
وتسلي نفسها
شعرها الأشقر الذهبي المحمر الذي ورثته من فيكتوريا مرفوع بشكل فوضوي
وتتناثر خصله العنيدة على وجهها الثلجي
دخلت عليها والدتها وهي تحمل كيسا طويلا من الجلد
يحمل اسم مصممة مصرية معروفة في ملابس المحجبات وأكياس أخرى
وضعت الأكياس على السرير
وباكينام وقفت لتقبل أمها: أين ذهبتي منذ الصباح الباكر؟؟
أفقت من النوم لم أجدك؟؟
والدتها تخلع حجابها وترميه على السرير
ليظهر تحته شعرها الأشقر القصير المائل بشقاره للون الرمادي
وهي تتناول الاكياس وتقول بحماس:
تعالي لأريكِ؟؟
باكينام تنهض وتبتسم: ماهذا كله؟؟
سوزان باهتمام: لكِ
باكينام باستغراب: لي؟؟
سوزان: لتحضري معنا الحفل الذي يقيمه طاهر عزت غدا
إنها المرة الأولى التي تحضرين حفلا بهذا الحجم
رئيس مجلس الوزراء ذاته سيكون موجودا
لذا لابد أن تظهري بشكل أنيق وراقٍ جدا
باكينام بغضب: ومن قال أني سأحضر؟؟
سوزان بغضب مشابه: لا تعانديني يافتاة
منال زوجة طاهر عزت اتصلت بي البارحة وشددت على حضوركِ شخصيا وبالاسم
هل تريدين إحراجي وإحراج والدك؟؟
أنتِ تعلمين أن مصانع عزت الغذائية ومصانعه للقطن
هي التي تشتري جميع محاصيل أراضي والدك الزراعية وعلاقتنا بهم متينة
لا تحرجينا معهم..
باكينام تتنهد: علاقتكم أنتم بهم متينة ولكن أنا لا أعرفهم
أرجوكِ ماما لا تجبريني
وخصوصا أن جدتي فيكتوريا ستصل غدا عند الظهر
أريد البقاء معها
سوزان تتنهد وتحاول أن تتكلم بعقلانية:
حبيبتي.. أمي ستصل عند الظهر ابقي معها حتى المساء
واذهبي معنا بسيارتك.. ربع ساعة فقط تلقين التحية عليهم
ثم عودي.. أرجوكِ حبيبي
باكينام برجاء: لكن ماما
أمها برجاء مشابه: باكي أرجوكِ.. من أجل ماما
باكينام باستسلام: حسنا ماما.. لا بأس كما تشاءين
***********************
بعد صلاة العصر
الدوحة
بيت عبدالله بن مشعل
بعد أن خرج مشعل لصلاة العصر
هيا نزلت لجدتها
وهاهي عندها
تستمتع بحديثها
وما فاجأ الجدة أن هيا تعرف كثيرا من الحكايات والأشعار القديمة
مما جعل للحديث متعة أكبر
فهيا كانت تذكرها ببعض الأشياء التي سقطت من ذاكرتها بحكم الزمن
وكأن الاثنتين تحكيان حكاية واحدة انقطع طرفاها وهما تعيدان وصلها
هيا الكبيرة حكتها لسلطان وهي مازالت شابة
وهاهي ابنة سلطان تعيد الحكايات لها بعد أن خارت بها سنوات عمرها
وكلاهما تكتشف لجمال الحكاية بعدا آخر
بعدا مليئا بالشجن والحنين والوجع
قاسمه المشترك كان سلطان الذي كان حاضرا بعنف
رغم أن الاثنتين تتجنبان ذكره حتى لا تنكئان الجروح الرطبة المطمورة بغلاف هش
مشعل دخل عليهما
سلم
الاثنتان ردتا السلام
كلا بطريقتها وكلا لها نظرتها المختلفة
هيا الجدة بحنان مصفى
وهيا الحفيدة بشغف مصفى
مشعل همس لهيا من قرب: حبيبتي تعالي.. إبي وعمي يبونش في مجلس الحريم
هيا همست بدورها: فيه شيء؟؟
مشعل يمسك بيدها ويشدها ليوقفها: أنتي الحين تعالي وبتعرفين
يبونش في شيء مهم هم بيقولونه لش
************************
ذات اليوم في الليل
غرفة لطيفة
كانت لطيفة تدرس كعادتها بعد أن نومت أطفالها
الامتحانات اقتربت وهي تشعر بتوتر كبير
تريد أن تحصل على مجموع كبير
تريد أن ترد اعتبار ذاتها أمام نفسها قبل أي أحد
ومن ناحية أخرى زواج أشقائها وأبناء عمها بعد أيام
وهي من رتبت كل شيء والضغط النفسي عليها كبير من كل ناحية
الكل يطالبها بالانجاز
ومشعل لوحده حكاية عويصة
بل مشعل هو كل الحكايات
لا تنكر أنها شعرت بجرح عميق حين عبر عن مشاعره تحت ضغط إحساسه بالذنب ربما
لا تنكر أن مشاعرها ظلت لعدة أيام مطمورة تحت جليد مصنوع
ولكن تحت جليد الأيام سنوات متطاولة من الاشتعال
وأبسط منطق سيقول أن سنوات من الاشتعال ستنسف بالتاكيد وفي ثواني أيام الجليد
هكذا حكم الطبيعة.. ومن يستطيع الوقوف أمام قوة الطبيعة؟!!
ولكنها في ذات الوقت
تخشى أن تعاود سكب مشاعرها تجاه مشعل
فيعود لمقابلة اشتعالها ببروده
حينها لن تحتمل
لن تحتمل مطلقا
ستنهار نهائيا
وهي غارقة في أفكارها
دخل مشعل
سلم
ردت السلام وهي سارحة
مشعل بعمق: الحلو سرحان في شيء غيري؟؟
(وهل هناك شيء سواك
يلتهم التفكير ويشغل العقل والفؤاد؟؟)
لكن لطيفة ردت عليه بهدوء: أفكر في امتحاناتي.. قربت
مشعل شعر بخيبة أمل لم تظهر في نبرة صوته الهادئة: أهه الله يوفقش
ثم قال كمن تذكر شيئا رغم أن هذا الشيء في باله منذ دخل
لكنه كان ينتظر ردة فعلها: إيه لطيفة ولا عليش أمر
بكرة رتبي لي شنطة صغيرة وجهزي السليب باق حقي
بأروح مع مشعل وراكان القنص
انتظر منها ردا
لم ترد.. تنهد ثم نهض ليتوضأ ويصلي قيامه
بينما لطيفة كانت مازالت في مرحلة عدم التوازن
ومحاولة الاستيعاب
(مشعل وقنص؟؟)
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الثامن والخمسون
غرفة لطيفة ومشعل
لطيفة كانت مازالت عاجزة عن استيعاب فكرة ذهاب مشعل للقنص
(أي جنون يصطرع في رأس هذا الرجل
عاد من ألمانيا منذ أيام
وهاهو يريد الطيران للقنص
لم يكن يوما من هواة القنص
ماهذا الولع المفاجئ؟؟)
مشعل أنهى صلاته
ولطيفة مازالت سارحة تفكر
مشعل أطل عليها وهو يقول بهدوء: تصبحين على خير بأنام
لطيفة همست بهدوء فيه رنة جزع:
مشعل وش طاري عليك روحة القنص؟؟
مشعل ابتسم بانتصار وهو يجلس على الأريكة المقابلة لمكتبها
ويقول بهدوء مدروس..مدروس تماما: راكان ومشعل بيروحون قلت بأخاويهم
لطيفة تتنهد وهي تحاول أن تتحكم في انفعالاتها التي تكاد أن تهزمها:
بس أنت ما تحب سوالف القنص ذي؟؟
مشعل بخبث: نجرب ليش لا؟؟ لكل شيء مرة أولى
يمكن يعجبني الحال وتلاقيني كل يوم رايح القنص
(مهوب كفاية علي شغلك
تطلع لي سالفة القنص بعد؟؟!!)
لطيفة بدأت تتوتر فعلا ولكنها مازالت تتحكم بدرجة صوتها الهادئة:
زين وعرس العيال عقب كم يوم؟؟
تبون تروحون كلكم وتخلون المعاريس والشيبان يبلتشون
مشعل بهدوءه الخبيث: أولا العرس باقي عليه حوالي 8 أيام
وكل شيء مرتب والحجوزات انتهت والبطاقات وزعت
واحنا 5 أيام وبنرجع.. يعني بنرجع على وقت ترتيب مكان الحفل
ولين هاذاك الوقت ماعندنا شيء نسويه
لطيفة توترت لا تستطيع الاخفاء أكثر من هذا
فهي لا تريده أن يسافر
يكفيها كل هذا الضغط الذي تعانيه
وجوده جوارها يطمئن روحها
لن تحتمل غيابه مع كل هذا الضغط
لكنها مازالت تكابر: بس مشعل حتى ولو.. مايصير كلكم تسافرون
مشعل بخبث: خلاص بأخلي راكان يقعد
وبأروح أنا ومشعل دامش لذا الدرجة خايفة على الشباب المعاريس يتعبون عمارهم
(أيها الخبيث
لن ترتاح حتى تنبشني)
لطيفة بهدوء: بس يا مشعل.....
مشعل قاطعها وهو ينظر لها بشكل مباشر ويقول بنبرة خاصة:
بدل ذا الحجج كلها قولي السبب بصراحة
وأنا أوعدش أقعد وألغي فكرة الروحة كلها
لطيفة تبتلع ريقها: أي سبب؟؟
مشعل يبتسم: إنش أنتي تبيني أقعد
لطيفة بغضب مكتوم: تدري إنك مغرور
مشعل وقف وهو يقول بابتسامة شاسعة: يحق لي
اللي عنده لطيفة إذا ماصار مغرور ماعنده سالفة إذا ما اغتر بذا الجوهرة
(أيها اللئيم
لا تفعل هذا بي)
لطيفة تنظر للكتاب في يدها: زين.. يعني بتروح أو لا؟؟
مشعل يتوجه لسريره.. ابتسم وهو يعطيها ظهره: بأروح
والله انتظرت حد يقول لي اقعد عشان خاطري
بس ماحد عبرني
الظاهر روحتي وقعدتي سوا
مشعل تمدد على سريره
بعدما ألقى الكرة في ملعبها
يلفه توتره وترقبه وشوقه
(لا تخذليني لطيفة
لا تفعلي ذلك بي!!)
لطيفة مازالت تجلس على مكتبها
ممزقة.. مليئة بالحيرة
وأهم مايشغل بالها
ألا يذهب
لا تريده أن يذهب
تريده جوارها
حتى لو كان غاضبا وهي غاضبة
وبينهما جبال من جليد بليد غبي
المهم أنه قريب منها
لطيفة نهضت عن مكتبها
وتمددت جواره
ورائحة عطرها الأثير تخترق كل خلاياه
صامتان كلاهما
مرت دقائق من الصمت
والجو مشحون بينهما
مشحون لأقصى حد
لطيفة كانت تعطيه ظهرها
وهو ينظر إلى ظهرها ويكاد يعد النجمات الذهبية التي تتلألأ على ظهر قميص بيجامتها السوداء
ينظر وهو يتمنى أن يرى عينيها وانفعالات وجهها
همست بصوت مخنوق وهي مازالت تعطيه ظهرها:
مشعل لا تروح.. عشان خاطري
مشعل بعمق رجولي آسر: التفتي علي
وقوليها لي
لطيفة لفت بجسدها ووجهها ناحيته
صمتت
وهي تنظر له نظرتها التي باتت تذيب مفاصله مؤخرا
مشعل نظر لها بحنين
مد يده
مسح خدها بطرف أصبعه
كان يمسح دمعة فرت من عينها
همس لها بخفوت: لطيفة تعالي
قالها وهو يفتح ذراعه لها
لطيفة اقتربت.. وضعت رأسها على صدره
ماعادت تحتمل كل هذا
ماعادت تحتمل
انخرطت في بكاء مر
وهي تدفن وجهها بين عضلات صدره
فهي مستنزفة من كل ناحية
وتحتاج إليه بكل وجع الدنيا
اشتاقت له شوقا يكفي أن يوزع على كل العالم ويفيض
وتعبت من التمثيل.. ومن هذه الحياة
فهي عاشقة حتى الثمالة
عاشقة حد الجنون
عاشقة حتى النخاع
هذا الرجل يتغلغل في كل خلاياها
تشربت به مسامات جسدها
وتخلل نبضات روحها
تعبت من صده.. وهي بصده كأنه تمزق روحها إلى شظايا
تريد أن تنتهي من كل هذه الألاعيب
تتوق للعودة لأحضانه
وكم اشتاقت للاستكانة بين أضلاعه!!
مشعل شعر أن قلبه انتزع من مكانه
وهي تشهق على صدره
احتضنها بشدة بيد
وبالأخرى رفع وجهها وغمره بقبلاته الحانية المشتاقة
وهو يقول بابتسامة شفافة وعبق رجولي:
لا أبو القنص ولا أبو أمه
ماني برايح مكان
والله ما أروح مكان
قاعد عندش يا قلبي
*****************
غرفة مريم
مريم تتمدد على سريرها
بعد أن صلت قيامها وأنهت وردها المسائي
تريد أن تنام لكن النوم يبدو حلما بعيد المنام
تتذكر كلام لطيفة لها اليوم
"مريم لا تكونين مثل اللي طول عمره يوزع الخير على الناس
ويوم جا دوره عشان يأخذ
قال ما أبي.. الخير وش يبي بي
سعد رجال فيه خير
وألف منهي تمناه
ولا تقولين زين وش يبي فيني وألف يتمنونه على قولتش
الله أرسله لش
والله كتبه من نصيبش
لا تشغلين بالش بالتفكير اللي ماوراه فود
ليه وشهو عشانه؟؟
وافقي وبس
وأسبابه اسمعيها منه بعدين
ومهما كانت أسبابه
فرجال مثل سعد أسبابه أكيد مامنها خوف
لأنه رجال يخاف ربه
وبعدين أنا متأكدة إنش صليتي استخارة كم مرة
قلبش وش يقول؟؟؟"
وهي غارقة في أفكارها وفيما قاله لها قلبها
سمعت صوت الباب يُفتح
خطوات مترددة
ورائحة عطر عذب رقيق تغشى المكان
تبتسم مريم وهي تزيح مكانا جوارها
" تعالي عنودتي
بتنامين؟؟ وإلا مجرد زيارة؟؟"
العنود بعذوبة: بأنام.. ممكن؟؟
مريم بحنان: أكيد ممكن
العنود تتمدد بجوار مريم ونعومتها ورائحتها العذبة العميقة تغمر ماحولها بسحر خاص بها..
سحر هو خليط من أنوثة طاغية وبراءة عذبة
مريم بحنان أمومي مصفى: ياحظه اللي بتنامين في حضنه عقب أسبوع
أمه وضحى بنت فيصل شكلها كانت تدعي له ليل ونهار
العنود تبتسم بحزن: مهوب كنتي تقولين داعية عليه..
مريم بعتب: أمزح يا قلبي.. حد يلاقي عنود الصيد وتكون أمه داعيه عليه
العنود تحتضن كف مريم بالقرب من صدرها: خايفة يا مريم من فارس
فارس قاسي واجد..
مريم بحنان وهي تحتضن العنود ابنتها الصغيرة قبل أن تكون شقيقتها:
مهما كان قاسي مستحيل يقسى عليش
أنتي مخلوق مستفز للعواطف
الواحد غصبا عنه لازم يحبش
العنود بحزن: هذا عشانش أنتي تحبيني.. بس فارس......
مريم تقاطعها وهي تقول بحزم حنون:
العنود اسمعيني.. الرجّال مهما كان قاسي
المره تقدر تحتويه بحنانها
وتجبره يقابلها بحنان مشابه
وأنا ما أوصيش في فارس
لا تقصرين في حقه... فارس صدق رجّال حار وعصبي
بس بعد هو فعلا رجّال بمعنى الكلمة
فلا تقصرين في حقه.. وإن شاء الله إنش أنتي اللي بتكسبينه
العنود بتوتر: أنا ماني مقصرة في حقه بس..
مريم بحنان: لا بس ولا شيء
أنتي أرضي ضميرش وربش من ناحيته ولا تخافين من شيء
********************
غرفة هيا ومشعل
مشعل يتمدد على سريره وظهره مسند لظهر السرير
وينظر بوله لهيا التي تمشط شعرها أمام المرآة
وكأن ضربات المشط تمر عبر روحه
هيا أنهت تمشيط شعرها
ثم توجهت له
مشعل أشار على فخذه
وهيا تمددت ووضعت رأسها على فخذه
ومشعل يمرر أصابعه خلال خصلات شعرها بحنان
هيا باستجداء: لازم روحة القنص ذي؟؟
مشعل يبتسم: أنتي ما تيأسين؟؟ خلصنا حبيبتي
هيا بعبوس: خلصنا.. خلصنا
ثم قالت كمن تذكر شيئا وهي تنهض وتستوي جالسة
وهي تقول بخجل: ظنك عماني ماخذين على خاطرهم مني؟؟
مشعل يجذبها ويريح رأسها على صدره
وهي تشدد احتضانها لخصره
ويقول لها بحنان: بعد أنتي الله يهداش الكلام اللي قلتيه ماينقال
هيا تبتسم وتهمس ووجهها مدفون في صدره: أنتو يا آل مشعل غريبين
يعني أنا ماقلت شيء يزعل
مشعل يطبع قبلاته على شعرها ويهمس:
من حيث هو يزعل إلا يزعل ويزعل.. لا تقولين ماقلت شيء يزعل
هيا تتذكر ماحدث اليوم بعد صلاة العصر
حين ناداها مشعل لمقابلة عميها
وجدت الاثنين يجلسان متجاورين
بديا لها مذهلين
لهما ألق غريب وحضور كاسح
وعبق وجودهما في المكان عميق وحنون وشامخ ومفعم بالكبرياء
قبلت رأسيهما
ثم جلست بجوار مشعل
بعد السلامات المعتادة
كان محمد أول من تكلم
قال لها بحنان: أدري عادش تعبانة وتوه البارحة عشاش عند عبدالله
وبكرة مشعل رايح القنص
فعشاش بعد بكرة عند أمش أم مشعل وخواتش مريم والعنود
هيا باعتراض: بس يبه...
محمد يقاطعها بحزم: خلاص يا أبيش لا تراديني
هيا باحترام: خلاص يبه تم
عبدالله فتح الموضوع الرئيسي وهو يقول بهدوء:
أكيد يا أبيش أنتي تدرين إن جدش
توفى قبل أبيش الله يبيح منهم كلهم
هيا انتفضت بعنف
وذكرى وفاة والدها تحضر
ابتلعت ريقها وصمتت
ومحمد يكمل وهو يبتسم: مهوب المفروض تسألين عن ورثش؟؟
هيا انتفضت وهي تقول باحترام: أبي خلا لي حلال واجد
الله يبيح منه كان كل شيء مسجلة باسمي قبل يموت
أراضي وفلوس في البنك.. وزيادة عن كذا وش أبي
عبدالله بهدوء: جعلش في زود
بس سلطان أبي خلا له ورث مهوب شوي
وهذا حقش واحنا الحين نبي نسلمه لش
هيا بهدوء: إذا بتكلمون في حق.. فأنا لي نصه بس
والنص الثاني لكم.. لأنه البنت ما تحجر الورث عن عمانها
محمد وعبدالله وقفا كلاهما بغضب
والاثنان يحاولان كتم غضبهما
وهيا انتفضت بعنف من وقفتهما المفاجئة
وردة فعلهما المتشابهة
محمد بغضب وهو يستعد للخروج: مشعل فهم مرتك
إنه مهوب حن اللي ينقال لنا ذا الكلام
محمد خرج وعبدالله خرج خلفه
هيا التفتت على مشعل وهي مستغربة:
اشفيهم زعلوا مشعل؟؟ أنا ماقلت شيء يزعل
مشعل تنهد وهو يقول لها بعتب:
إلا قلتي شيء يزعل بس ما تنلامين لأنش مابعد تعرفين إبي وعمي
هيا.. أبي وعمي لو بيموتون من الجوع ماحطوا عينهم على ورثش
أشلون وهم عندهم خير ربي ولله الحمد
هيا بعناد: بس أنا بعد عندي خير.. وأنا ماتكلمت إلا في حق
مشعل بحزم: هيا خلاص.. الموضوع منتهي
ولا عاد تفتحينه مرة ثانية
أنا بأخلص لش اجراءات الورث وأحوله كله باسمش قبل نرجع أمريكا
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء التاسع والخمسون
اليوم التالي
نهار السبت
فارس في سيارته ويخرج من بوابة بيته للخارج
وهو خارج رأى سيارة ناصر تخرج من بيت عمه المجاور
اتصل بناصر: وقف خلني أعطيك البطاقات اللي طلبتها
مهوب تقول باقي اثنين ماعطيتهم بطاقات
ناصر بهدوء: خلاص أوكيه
تصادفت السيارتان في الخارج بشكل متعاكس
كان هناك من تجلس بجاور ناصر
ورغم أنه لا يظهر منهما شيء إطلاقا
فطرف الشيلة مسدل على فتحي العينين
وأكمام العباءة مضفاة على كفيها
ولكنه لم يحتج من يخبره من هي
فقلبه أخبره من تكون
وروحه التي غادرته منذ زمن لتحلق حولها أخبرته من تكون
كل منهما أشاح حتى لا ينظر للآخر وحتى يُشعر الآخر بذلك
ولكن كل منهما استرق من النظرات الكثير
هو من تحت نظارته الشمسية
وهي من تحت شيلتها التي تغطي عينيها
(أخ.. الله يعدي ذا الأيام بسرعة على خير
وتقعدين جنبي أنا)
(إيه ما ألومهم البنات يغازلونه
الأخ كاشح ومتعدل كنه رايح عرس)
فارس بنبرة عدم اهتمام مصطنعة وهو يناول ناصر البطاقات:
وين رايح؟؟
ناصر بتلقائية: الأهل عندهم موعد عند دكتور الأسنان
فارس غصبا عنه اشتعل: دكتور وإلا دكتورة؟؟
ناصر بخبث: والله مهوب شغلك..
فارس من بين أسنانه وهو يقول بحزمه الطبيعي:
ناصر أنا سألت سؤال محدد تجاوبني جواب محدد
سألتك دكتور وإلا دكتورة؟؟
العنود دقات قلبها بدأت بالتصاعد
(يعني مهوب أنا بروحي اللي أغار)
ناصر بذات الخبث: دكتور.. وش عندك؟؟
فارس بحزم: رجعها.. مافيه روحة
ناصر يضحك: ماني متفرغ لك وإلا كان طولتها عليك شوي
تأخرنا على الدكتورة
سامعني.. الـــــدكــتــورة.. تاء تأنيث في الأخر
فارس يشتعل من الغضب من ناصر الذي بالغ في إحراجه أمام العنود
أغلق نافذته وتحرك دون أن يرد على ناصر
العنود كانت تبتسم.. شعرت أنها انتقمت منه انتقاما لطيفا ممتعا
لكنها همست لناصر بخجل: حرام عليك احرجته
ناصر يلتفت لها وهو ينظر لها بنصف عين: عشتو.. الأخت شايلة همه؟؟
*******************
بعد صلاة الظهر
بيت مشعل بن محمد
لطيفة في المطبخ الداخلي
تصنع حلوى سريعة من أجل الغداء
مشعل عاد من الصلاة هو وأبناؤه
محمد وعبدالله صعدا لشقيقتيهما
ومشعل أطل في غرفته ولم يجد لطيفة
عرف أنها لابد في المطبخ
نزل لها
وجدها منهمكة في عملها
همس بهدوء: السلام عليكم
لطيفة التفتت له وابتسمت: وعليكم السلام
وهي تحاول إزاحة خصلة بظهر كفها
لأن يديها متسختين بصف البسكويت المبلل بالحليب في الصينية
مشعل اقترب منها وأزاح الخصلة خلف أذنها
وهمس لها: شتسوين؟؟
لطيفة برقة: حلا
مشعل بابتسامة: كفاية حلاش
لطيفة ضحكت: لا بصراحة تطورك مذهل
مشعل بعمق: أدري قصرت واجد في حقش
في كل شيء كنت مقصر .. حتى في الحكي مقصر.. و....
لطيفة تقاطعه: لا تقول شيء حبيبي
المهم ما تخلي شيء يخرب بيننا
لأني عقبها ماني بمسامحتك لو مهما صار
مشعل احتضنها من الخلف وهو يهمس في أذنها:
أنا والله ما أستاهلش
سامحيني حبيبتي
ابتسمت لطيفة: كفاية تقول حبيبتي عشان أنسى كل شيء
**********************
المساء
مساء السبت
المساء الثوري
الذي يحمل وسيحمل الكثير من الأحداث
الدوحة
بعد صلاة المغرب
غرفة موضي
كانت موضي مازالت تصلي
دخلت عليها والدتها
جلست أم مشعل على السرير تنتظر انتهاء موضي من الصلاة
موضي سلمت
ابتسمت وهي تقول لأمها: أم مشعل مشرفتنا بالزيارة
كان دعتيني فديتش وأنا جيتش لين مكانش
أم مشعل بنبرة غامضة: أبيش في موضوع ما أبي حد يسمعه
موضي استغربت وتوترت: وش فيه يمه؟؟ مهوب عوايدش
أم مشعل بحزم لم تعتده منها موضي: اسمعيني موضي
أنا دارية إن الزفت ولد أخي في مصر يعالج
جابر قال لي.. ولولا غلا جابر اللي ماله حد عندي
وإلا كان دعيت على ولده اللي حرق قلبي باللي أنا شفته فيش
أنتي كنتي أكثر وحدة في بناتي جاها خطّاب لكن حن بديناه على خلق الله..
لكنه بدل مايصون الجوهرة اللي عطيناه إياها
داسها بدون ما يحشم إني عمته وإن عبدالله خاله
موضي توترت وتوترت بشدة.. لم تتخيل أن أمها تحمل هذه المشاعر العنيفة المتشابكة ناحية موضوعها
فهي كانت صامتة غالبا.. لا أحد يعلم بالذي يدور في عقلها
مستعدة لتقديم الحنان للكل وبلا حدود.. ولكنها مغلقة غير قابلة للتفسير
تماما مثل مشاعل التي كانت أكثرهن شبها بها حنانا وغموضا وشكلا
موضي بتوتر: خلاص يمه موضوع حمد انتهى.. وش تبين فيه؟؟
أم مشعل بذات الحزم: اسمعيني موضي عدل.. أنتي قربتي تخلصين عدتش..
وأنتي عارفة إنه فيه كم رجال لمحوا أنهم يبونش عقب العدة
وكلهم رياجيل فيهم خير... استخيري ربش.. وشوفي من اللي أنتي تبين منهم عشان نرد الباقيين إذا خطبوا.. لأنه تدرين إن خطبة المسلم على المسلم ما تجوز
موضي برعب حقيقي: يمه تكفين أنا ما أبي أعرس خلاص..
أنتي عارفة إني قاعدة أخلص اجراءاتي وباستلم شغلي قريب.. ما أبي عرس خلاص
أم مشعل بحزمها الغريب: تبين حميّد الكلب يرجع من العلاج ويعينش قاعدة
لا والله واللي رفع سبع سماوات بليا عمد
مايرجع إلا وأنتي في رأس رجال أخير منه ومن لحيته
موضي لم تحتمل
بدأت بالبكاء.. رغم أنها لا تحب أن يراها أحد وهي تبكي
انكبت على يد والدتها تقبلها.. وهي تتضرع بمرارة: يمه تكفين ما أبي أعرس..
أم مشعل لا تحتمل دموعها ولكنها مصرة على أفكارها الغريبة
فقلبها محترق على موضي
وهي تعلم يقينا أن موضي مهما أخفت جروحها فإن هذه الجروح لا تتوقف عن النزيف
وتعتقد أن علاج جروح موضي سيكون في رجل ينسيها حمد..ومافعله بها..
رجل يعيد ثقتها بالرجال.. وأنه كما كان هناك حمد المتوحش.. سيكون هناك رجل حنون قادر أن يحتويها
فهي لا تريد أن يعود حمد من مصر.. وتنكأ عودته جروح ابنتها
همست باستجداء و داخلها يذوي وهي تحتضن موضي:
برضاي عليش ياموضي
برضاي عليش ما ترديني
*********************
القاهرة
بعد المغرب
باكينام اليوم سعيدة جدا
فهي تجلس بين جدتيها الأثيرتين
وتقوم بدور الترجمة بين الاثنتين
والعجوزان تتجادلان طويلا وتتفقان حينا وتتعارضان أحيانا
وباكينام مستمعة جدا بهما ومعهما
لم تشعر بالسعادة منذ زمن
مـــــنــــــــذ .............
نفضت الفكرة من رأسها
وهي تعود للاستغراق مع جدتيها ومتعتها معهما
وهي تعدهما بجدول تأخذهما فيه لكل أرجاء القاهرة بل ومصر كلها
فهي تريد أن تذهب بهما للاقصر وأسوان وشرم الشيخ والاسكندرية
خلال الشهر الذي تبقى فيه في مصر
ورغم أن فيكتوريا قررت أنها ستبقى لأسبوع فقط
باكينام بحماس: لا لا ماما أسبوع لا يكفي مطلقا
ستبقين معنا حتى أعود لواشنطن وأنتي تعودين مع ماما وبابا لبريطانيا
فيكتوريا بتردد: لكن صغيرتي..
باكينام باستجداء: أرجوكِ فيكي
فيكتوريا بحنان: حسنا لابأس.. أنتِ بالذات لا أستطيع أن أرفض لكِ طلبا
صفية تقاطع الحديث: بتئول لك إيه أنتك الخواجايه؟؟
باكينام تبتسم وهي تحتضن صفيه من كتفها: بتئول أنتك التركية دي زي فلئة الئمر
صفية تبتسم: والله كلها زوء الوليه دي.. مع أني عارفة إن دي تأليفة من جناب حزرتكم
سوزان تدخل عليهم قادمة من المطبخ بعد أن أوصتهم بإعداد العشاء للعجوزين
وهي تهتف لباكينام بالعربية: باكي ماما.. مش يئوم يلبس؟؟ مافيش وئت هبيبي
باكينام بتأفف: من فين طلع لي الحفل الزفت ده... والله مش عاوزه أروح
سوزان التي كانت تصعد: أسمعكِ يافتاة.. اشتمي بكل اللغات التي تعرفينها
لأنكِ ستذهبين في كل الأحوال
***********************
الدوحة
بعد صلاة العشاء
غرفة مشعل وهيا
مشعل يربط حقيبة النوم الخاصة به جيدا ثم يضعها بجوار حقيبته
هيا تقف صامتة
مشعل يقترب منها ويهمس وهو يرفع وجهها: على الأقل ودعيني بابتسامة
هيا بحزن: أبتسم غصبا عني يعني؟؟
مشعل تضايق فعلا: هيا حبيبتي أنتي كذا تخليني أروح وأنا متضايق
هيا أشاحت وهي تعطيه جنبها: خلاص لا تروح
مشعل تنهد: طالعيني
مازالت تشيح..
مشعل بحنان: حبيبتي طالعيني
نظرت له.. كانت تحاول أن تخفي دموعها العنيدة
مشعل شدها واحتضنها بحنان: حبيبتي أنا رجال أحب القنص
كل ما أجي أروح بتسوين لي كذا يعني؟؟
لا تصيرين نكدية باقلبي
هيا بحزن: عشان هذي أول مرة
أنا آسفة حبيبي
تروح وترجع بالسلامة
مشعل يبتسم وهو يبعدها قليلا عنه وينظر لوجهها:
إيه كذا عفيه عليش
طبع قبلة عميقة على جبينها
ثم مال ليحمل حقيبته وهمس لها: خلي بالش من نفسش
وأي شيء تبينه دقي علي معي تلفوني ومعي خط ثريا بأرسل لش رقمه الحين
************************
القاهرة
حدود الساعة العاشرة مساء
فندق الفورسيزونز على الناحية الغربية من النيل
حيث يُقام حفل عشاء طاهر عزت الذي أقامه على شرف أعضاء مجلس الشعب الجدد
طاهر عزت من كبار رجال الأعمال المصريين
ورغم علاقته الوثيقة بالسياسيين إلا أنه هو نفسه رفض خوض غمار السياسة
رغم أنه عرض عليه عدة حقائب وزارية رفضها
كما رفض ترشيحاته لخوض غمار انتخابات مجلس الشعب
فهو مكتفٍ بضغط أعماله وليس مستعدا لخوض مشاكل السياسة
الليلة نخبة المجتمع المخملي المصري تحضر
500 مدعو فقط من السلك الدبلوماسي وأطياف السياسة وحتى المعارضة ورجال الأعمال الكبار
باكينام كانت تتبع سيارة والدها لأنها كانت تريد إلقاء التحية بسرعة
والعودة هروبا لأحضان جدتيها
تضايقت كثيرا من الأجراءات الأمنية المشددة
ولولا أنها دخلت ولا تستطيع التراجع أو كانت تحججت بالإجراءات الأمنية وعادت
لأول مرة تكره بهذه الطريقة الذهاب لمكان
وصلت وهاهي تمشي خلف والدها ووالدتها
كانت باكينام متألقة تماما
في بنطلون واسع من الحرير الأسود الثقيل
فوقه قميص حرير أخضر واسع بقصة مبتكرة ينحدر من أعلى ركبة أحد الرجلين ليصل لمنتصف ساق الرجل الثانية
وحجاب هو خليط حريري من اللونين
واللون يبرز بشفافية إخضرار عينيها وصفاء بشرتها الثلجية
رأت وجوها لم ترها في غير وسائل الأعلام والصحف
ووالدها يبتعد عنهما لينخرط في الحديث معهم
كانت باكينام تشعر بغثيان حقيقي من الجو العام وتريد أن تنهي مهزلة الاستعراض هذه لتعود لبيتها
همست في أذن والدتها: ماما فين الست منال دي عاوزة أسلم عليها وأمشي؟؟ (قالتها بالعربية)
والدتها ترد بعربيتها المكسرة: ماما باكي شويه سبر
ومع إنهاء سوزان لجملتها كانت السيدة منال تصل
وكان منظرها مفاجئا لبيكنام تماما
فهي توقعت بحكم مكانة زوجها وغناه أن تكون سيدة متحررة في لباسها
وخصوصا أن والدتها أخبرتها أنها درست سنوات دراستها كلها في بريطانيا
ولكنها تفاجأت أنها ترتدي عباءة خليجية سوداء مطرزة بتطريز خفيف على الأكمام والشيلة
وبدا منظرها لطيفا محتشما جدا.. وهي بدت مهذبة وحنونة لأبعد حد
رحبت منال ببكينام كثيرا بل وبطريقة بدت لبكينام مبالغا فيها
(هي لا تعرفني
فلمَ هذا الترحيب كله؟؟)
منال باهتمام: أنتي بتدرسي ماستر في جورج تاون.. صح؟؟
باكينام بأدب وهي تريد أن تنتهي لتذهب: آه صحيح
منال برقة: ابني كمان في جورج تاون بس دكتوراة علم اجتماع ئرب يخلص خلاص
هو أستاز جامعة هنا في جامعة القاهرة
هو كان درس البكلوريا الدولية والليسانس والماستر في بريطانيا بس بعدها حب يغير
هو تفكيره غريب شوية
تعرفي حبيبتي باكينام هو اللي أصر أنك لازم تنعزمي.. أكيد بتعرفوا بعضيكم في الجامعة
منال قالت الجملة الأخيرة بنبرة خاصة توحي أن مابينهما يتجاوز مجرد التعارف
وهي تنظر لبكينام نظرة استحسان تقييمية
بينما باكينام كانت تستمع لها وهي تدعي الاهتمام من باب الذوق رغم أنها غير مهتمة إطلاقا
(وأنا أعمل إيه بابنها الدلوعة زفت الطين؟؟!!)
حنى وصلت منال للجملة الأخيرة
حينها تحفزت مشاعر وذهن باكينام بعنف
وخصوصا حين مر بهم أحد مساعدي طاهر عزت ونادته منال وهي تقول:
فتحي لو سمحت انده يوسف ئول له مامتك عاوزاك حالا
اليوم التالي
نهار السبت
فارس في سيارته ويخرج من بوابة بيته للخارج
وهو خارج رأى سيارة ناصر تخرج من بيت عمه المجاور
اتصل بناصر: وقف خلني أعطيك البطاقات اللي طلبتها
مهوب تقول باقي اثنين ماعطيتهم بطاقات
ناصر بهدوء: خلاص أوكيه
تصادفت السيارتان في الخارج بشكل متعاكس
كان هناك من تجلس بجاور ناصر
ورغم أنه لا يظهر منهما شيء إطلاقا
فطرف الشيلة مسدل على فتحي العينين
وأكمام العباءة مضفاة على كفيها
ولكنه لم يحتج من يخبره من هي
فقلبه أخبره من تكون
وروحه التي غادرته منذ زمن لتحلق حولها أخبرته من تكون
كل منهما أشاح حتى لا ينظر للآخر وحتى يُشعر الآخر بذلك
ولكن كل منهما استرق من النظرات الكثير
هو من تحت نظارته الشمسية
وهي من تحت شيلتها التي تغطي عينيها
(أخ.. الله يعدي ذا الأيام بسرعة على خير
وتقعدين جنبي أنا)
(إيه ما ألومهم البنات يغازلونه
الأخ كاشح ومتعدل كنه رايح عرس)
فارس بنبرة عدم اهتمام مصطنعة وهو يناول ناصر البطاقات:
وين رايح؟؟
ناصر بتلقائية: الأهل عندهم موعد عند دكتور الأسنان
فارس غصبا عنه اشتعل: دكتور وإلا دكتورة؟؟
ناصر بخبث: والله مهوب شغلك..
فارس من بين أسنانه وهو يقول بحزمه الطبيعي:
ناصر أنا سألت سؤال محدد تجاوبني جواب محدد
سألتك دكتور وإلا دكتورة؟؟
العنود دقات قلبها بدأت بالتصاعد
(يعني مهوب أنا بروحي اللي أغار)
ناصر بذات الخبث: دكتور.. وش عندك؟؟
فارس بحزم: رجعها.. مافيه روحة
ناصر يضحك: ماني متفرغ لك وإلا كان طولتها عليك شوي
تأخرنا على الدكتورة
سامعني.. الـــــدكــتــورة.. تاء تأنيث في الأخر
فارس يشتعل من الغضب من ناصر الذي بالغ في إحراجه أمام العنود
أغلق نافذته وتحرك دون أن يرد على ناصر
العنود كانت تبتسم.. شعرت أنها انتقمت منه انتقاما لطيفا ممتعا
لكنها همست لناصر بخجل: حرام عليك احرجته
ناصر يلتفت لها وهو ينظر لها بنصف عين: عشتو.. الأخت شايلة همه؟؟
*******************
بعد صلاة الظهر
بيت مشعل بن محمد
لطيفة في المطبخ الداخلي
تصنع حلوى سريعة من أجل الغداء
مشعل عاد من الصلاة هو وأبناؤه
محمد وعبدالله صعدا لشقيقتيهما
ومشعل أطل في غرفته ولم يجد لطيفة
عرف أنها لابد في المطبخ
نزل لها
وجدها منهمكة في عملها
همس بهدوء: السلام عليكم
لطيفة التفتت له وابتسمت: وعليكم السلام
وهي تحاول إزاحة خصلة بظهر كفها
لأن يديها متسختين بصف البسكويت المبلل بالحليب في الصينية
مشعل اقترب منها وأزاح الخصلة خلف أذنها
وهمس لها: شتسوين؟؟
لطيفة برقة: حلا
مشعل بابتسامة: كفاية حلاش
لطيفة ضحكت: لا بصراحة تطورك مذهل
مشعل بعمق: أدري قصرت واجد في حقش
في كل شيء كنت مقصر .. حتى في الحكي مقصر.. و....
لطيفة تقاطعه: لا تقول شيء حبيبي
المهم ما تخلي شيء يخرب بيننا
لأني عقبها ماني بمسامحتك لو مهما صار
مشعل احتضنها من الخلف وهو يهمس في أذنها:
أنا والله ما أستاهلش
سامحيني حبيبتي
ابتسمت لطيفة: كفاية تقول حبيبتي عشان أنسى كل شيء
**********************
المساء
مساء السبت
المساء الثوري
الذي يحمل وسيحمل الكثير من الأحداث
الدوحة
بعد صلاة المغرب
غرفة موضي
كانت موضي مازالت تصلي
دخلت عليها والدتها
جلست أم مشعل على السرير تنتظر انتهاء موضي من الصلاة
موضي سلمت
ابتسمت وهي تقول لأمها: أم مشعل مشرفتنا بالزيارة
كان دعتيني فديتش وأنا جيتش لين مكانش
أم مشعل بنبرة غامضة: أبيش في موضوع ما أبي حد يسمعه
موضي استغربت وتوترت: وش فيه يمه؟؟ مهوب عوايدش
أم مشعل بحزم لم تعتده منها موضي: اسمعيني موضي
أنا دارية إن الزفت ولد أخي في مصر يعالج
جابر قال لي.. ولولا غلا جابر اللي ماله حد عندي
وإلا كان دعيت على ولده اللي حرق قلبي باللي أنا شفته فيش
أنتي كنتي أكثر وحدة في بناتي جاها خطّاب لكن حن بديناه على خلق الله..
لكنه بدل مايصون الجوهرة اللي عطيناه إياها
داسها بدون ما يحشم إني عمته وإن عبدالله خاله
موضي توترت وتوترت بشدة.. لم تتخيل أن أمها تحمل هذه المشاعر العنيفة المتشابكة ناحية موضوعها
فهي كانت صامتة غالبا.. لا أحد يعلم بالذي يدور في عقلها
مستعدة لتقديم الحنان للكل وبلا حدود.. ولكنها مغلقة غير قابلة للتفسير
تماما مثل مشاعل التي كانت أكثرهن شبها بها حنانا وغموضا وشكلا
موضي بتوتر: خلاص يمه موضوع حمد انتهى.. وش تبين فيه؟؟
أم مشعل بذات الحزم: اسمعيني موضي عدل.. أنتي قربتي تخلصين عدتش..
وأنتي عارفة إنه فيه كم رجال لمحوا أنهم يبونش عقب العدة
وكلهم رياجيل فيهم خير... استخيري ربش.. وشوفي من اللي أنتي تبين منهم عشان نرد الباقيين إذا خطبوا.. لأنه تدرين إن خطبة المسلم على المسلم ما تجوز
موضي برعب حقيقي: يمه تكفين أنا ما أبي أعرس خلاص..
أنتي عارفة إني قاعدة أخلص اجراءاتي وباستلم شغلي قريب.. ما أبي عرس خلاص
أم مشعل بحزمها الغريب: تبين حميّد الكلب يرجع من العلاج ويعينش قاعدة
لا والله واللي رفع سبع سماوات بليا عمد
مايرجع إلا وأنتي في رأس رجال أخير منه ومن لحيته
موضي لم تحتمل
بدأت بالبكاء.. رغم أنها لا تحب أن يراها أحد وهي تبكي
انكبت على يد والدتها تقبلها.. وهي تتضرع بمرارة: يمه تكفين ما أبي أعرس..
أم مشعل لا تحتمل دموعها ولكنها مصرة على أفكارها الغريبة
فقلبها محترق على موضي
وهي تعلم يقينا أن موضي مهما أخفت جروحها فإن هذه الجروح لا تتوقف عن النزيف
وتعتقد أن علاج جروح موضي سيكون في رجل ينسيها حمد..ومافعله بها..
رجل يعيد ثقتها بالرجال.. وأنه كما كان هناك حمد المتوحش.. سيكون هناك رجل حنون قادر أن يحتويها
فهي لا تريد أن يعود حمد من مصر.. وتنكأ عودته جروح ابنتها
همست باستجداء و داخلها يذوي وهي تحتضن موضي:
برضاي عليش ياموضي
برضاي عليش ما ترديني
*********************
القاهرة
بعد المغرب
باكينام اليوم سعيدة جدا
فهي تجلس بين جدتيها الأثيرتين
وتقوم بدور الترجمة بين الاثنتين
والعجوزان تتجادلان طويلا وتتفقان حينا وتتعارضان أحيانا
وباكينام مستمعة جدا بهما ومعهما
لم تشعر بالسعادة منذ زمن
مـــــنــــــــذ .............
نفضت الفكرة من رأسها
وهي تعود للاستغراق مع جدتيها ومتعتها معهما
وهي تعدهما بجدول تأخذهما فيه لكل أرجاء القاهرة بل ومصر كلها
فهي تريد أن تذهب بهما للاقصر وأسوان وشرم الشيخ والاسكندرية
خلال الشهر الذي تبقى فيه في مصر
ورغم أن فيكتوريا قررت أنها ستبقى لأسبوع فقط
باكينام بحماس: لا لا ماما أسبوع لا يكفي مطلقا
ستبقين معنا حتى أعود لواشنطن وأنتي تعودين مع ماما وبابا لبريطانيا
فيكتوريا بتردد: لكن صغيرتي..
باكينام باستجداء: أرجوكِ فيكي
فيكتوريا بحنان: حسنا لابأس.. أنتِ بالذات لا أستطيع أن أرفض لكِ طلبا
صفية تقاطع الحديث: بتئول لك إيه أنتك الخواجايه؟؟
باكينام تبتسم وهي تحتضن صفيه من كتفها: بتئول أنتك التركية دي زي فلئة الئمر
صفية تبتسم: والله كلها زوء الوليه دي.. مع أني عارفة إن دي تأليفة من جناب حزرتكم
سوزان تدخل عليهم قادمة من المطبخ بعد أن أوصتهم بإعداد العشاء للعجوزين
وهي تهتف لباكينام بالعربية: باكي ماما.. مش يئوم يلبس؟؟ مافيش وئت هبيبي
باكينام بتأفف: من فين طلع لي الحفل الزفت ده... والله مش عاوزه أروح
سوزان التي كانت تصعد: أسمعكِ يافتاة.. اشتمي بكل اللغات التي تعرفينها
لأنكِ ستذهبين في كل الأحوال
***********************
الدوحة
بعد صلاة العشاء
غرفة مشعل وهيا
مشعل يربط حقيبة النوم الخاصة به جيدا ثم يضعها بجوار حقيبته
هيا تقف صامتة
مشعل يقترب منها ويهمس وهو يرفع وجهها: على الأقل ودعيني بابتسامة
هيا بحزن: أبتسم غصبا عني يعني؟؟
مشعل تضايق فعلا: هيا حبيبتي أنتي كذا تخليني أروح وأنا متضايق
هيا أشاحت وهي تعطيه جنبها: خلاص لا تروح
مشعل تنهد: طالعيني
مازالت تشيح..
مشعل بحنان: حبيبتي طالعيني
نظرت له.. كانت تحاول أن تخفي دموعها العنيدة
مشعل شدها واحتضنها بحنان: حبيبتي أنا رجال أحب القنص
كل ما أجي أروح بتسوين لي كذا يعني؟؟
لا تصيرين نكدية باقلبي
هيا بحزن: عشان هذي أول مرة
أنا آسفة حبيبي
تروح وترجع بالسلامة
مشعل يبتسم وهو يبعدها قليلا عنه وينظر لوجهها:
إيه كذا عفيه عليش
طبع قبلة عميقة على جبينها
ثم مال ليحمل حقيبته وهمس لها: خلي بالش من نفسش
وأي شيء تبينه دقي علي معي تلفوني ومعي خط ثريا بأرسل لش رقمه الحين
************************
القاهرة
حدود الساعة العاشرة مساء
فندق الفورسيزونز على الناحية الغربية من النيل
حيث يُقام حفل عشاء طاهر عزت الذي أقامه على شرف أعضاء مجلس الشعب الجدد
طاهر عزت من كبار رجال الأعمال المصريين
ورغم علاقته الوثيقة بالسياسيين إلا أنه هو نفسه رفض خوض غمار السياسة
رغم أنه عرض عليه عدة حقائب وزارية رفضها
كما رفض ترشيحاته لخوض غمار انتخابات مجلس الشعب
فهو مكتفٍ بضغط أعماله وليس مستعدا لخوض مشاكل السياسة
الليلة نخبة المجتمع المخملي المصري تحضر
500 مدعو فقط من السلك الدبلوماسي وأطياف السياسة وحتى المعارضة ورجال الأعمال الكبار
باكينام كانت تتبع سيارة والدها لأنها كانت تريد إلقاء التحية بسرعة
والعودة هروبا لأحضان جدتيها
تضايقت كثيرا من الأجراءات الأمنية المشددة
ولولا أنها دخلت ولا تستطيع التراجع أو كانت تحججت بالإجراءات الأمنية وعادت
لأول مرة تكره بهذه الطريقة الذهاب لمكان
وصلت وهاهي تمشي خلف والدها ووالدتها
كانت باكينام متألقة تماما
في بنطلون واسع من الحرير الأسود الثقيل
فوقه قميص حرير أخضر واسع بقصة مبتكرة ينحدر من أعلى ركبة أحد الرجلين ليصل لمنتصف ساق الرجل الثانية
وحجاب هو خليط حريري من اللونين
واللون يبرز بشفافية إخضرار عينيها وصفاء بشرتها الثلجية
رأت وجوها لم ترها في غير وسائل الأعلام والصحف
ووالدها يبتعد عنهما لينخرط في الحديث معهم
كانت باكينام تشعر بغثيان حقيقي من الجو العام وتريد أن تنهي مهزلة الاستعراض هذه لتعود لبيتها
همست في أذن والدتها: ماما فين الست منال دي عاوزة أسلم عليها وأمشي؟؟ (قالتها بالعربية)
والدتها ترد بعربيتها المكسرة: ماما باكي شويه سبر
ومع إنهاء سوزان لجملتها كانت السيدة منال تصل
وكان منظرها مفاجئا لبيكنام تماما
فهي توقعت بحكم مكانة زوجها وغناه أن تكون سيدة متحررة في لباسها
وخصوصا أن والدتها أخبرتها أنها درست سنوات دراستها كلها في بريطانيا
ولكنها تفاجأت أنها ترتدي عباءة خليجية سوداء مطرزة بتطريز خفيف على الأكمام والشيلة
وبدا منظرها لطيفا محتشما جدا.. وهي بدت مهذبة وحنونة لأبعد حد
رحبت منال ببكينام كثيرا بل وبطريقة بدت لبكينام مبالغا فيها
(هي لا تعرفني
فلمَ هذا الترحيب كله؟؟)
منال باهتمام: أنتي بتدرسي ماستر في جورج تاون.. صح؟؟
باكينام بأدب وهي تريد أن تنتهي لتذهب: آه صحيح
منال برقة: ابني كمان في جورج تاون بس دكتوراة علم اجتماع ئرب يخلص خلاص
هو أستاز جامعة هنا في جامعة القاهرة
هو كان درس البكلوريا الدولية والليسانس والماستر في بريطانيا بس بعدها حب يغير
هو تفكيره غريب شوية
تعرفي حبيبتي باكينام هو اللي أصر أنك لازم تنعزمي.. أكيد بتعرفوا بعضيكم في الجامعة
منال قالت الجملة الأخيرة بنبرة خاصة توحي أن مابينهما يتجاوز مجرد التعارف
وهي تنظر لبكينام نظرة استحسان تقييمية
بينما باكينام كانت تستمع لها وهي تدعي الاهتمام من باب الذوق رغم أنها غير مهتمة إطلاقا
(وأنا أعمل إيه بابنها الدلوعة زفت الطين؟؟!!)
حنى وصلت منال للجملة الأخيرة
حينها تحفزت مشاعر وذهن باكينام بعنف
وخصوصا حين مر بهم أحد مساعدي طاهر عزت ونادته منال وهي تقول:
فتحي لو سمحت انده يوسف ئول له مامتك عاوزاك حالا
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الستون
القاهرة /فندق الفورسيزونز
منال توجه الحديث لأحد مساعدي زوجها:
فتحي لو سمحت انده يوسف ئول له مامتك عاوزاك حالا
باكينام شعرت أن قلبها نزل إلى أخمص قدميها
لم تكن بحاجة لترى يوسف هذا لتعرف من هو
رغم صعوبة التخيل وتباعد طرفيه
من نادل لابن واحد من أغنى أغنياء مصر
ولكن واحداً زائد واحد يساوي اثنين
يوسف؟؟.. ومعها بذات الجامعة؟؟.. ويعرفها؟؟
ناتج جمع الاحتمالات: لا أحد غيره
رغم استحالة التصور الذي جعلها تشعر بألم في أسفل معدتها
وألم أشد في رأسها الذي شعرت فيه بصداع حاد ناتج عن إرتفاع ضغطها فعليا
وألم أشد وأشد في عروق قلبها التي تكاد تنفجر من ضغط الدم المتدفق بكثافة لشرايينه
لا تتخيل أن تراه
بل يستحيل أن تراه
كانت تريد الهرب قبل يصل
(لِمَ الآن؟؟ ولِـمَ هنا؟؟)
باكينام بأدب وهي تتحكم تماما بطبقة صوتها حتى لا تشي بالبركان الذي ثارت حممه في داخلها:
خلاص اسمحوا لي أستأزن
ستي لسه واصلة من لندن ولازم أرجع ليها
منال أمسكت بيدها: تروحي فين.. ده يوسف جننا عشانك
وهو عامل لك سربرايز الليلة تروحي إزاي
"تروح فين؟؟"
الصوت العميق الساحر الذي ألهب خيالها وأحلامها وقلّب كل مواجعها وأقسى آلامها
الصوت ذاته
ذاتــــه
منال بحنان: أهلا ياحبيبي.. تعالى.. باكينام عاوزة تروح.. خد بالك منها
أنا وسوزي هنشوف العواجيز اللي زينا
لم تكن سوزان تريد ترك ابنتها مع هذا الشاب الذي بدا لها بحضوره الكاسح خطرا كاسحا
ولكن منال همست لها عدة همسات جعلت سوزان تبتسم وتنسحب معها
باكينام لم تنتبه لانسحاب أمها ومنال
لم تنتبه لشيء ولا لأحد
المئات حولهما
ولكن كل هذه الحشود تحولت لسراب.. لخيالات
أمام حقيقة راسخة واحدة
يـوســف
يــــــــوســـــف
بدا لها أكثر وسامة.. أكثر إيلاما في طقم رسمي أسود أبرز عرض كتفيه
مختلف.. مختلف جدا
هل بسبب عبق الغنى والنفوذ الذي يحيط به؟
لا.. لا
إنها نظرته المختلفة
نظرة عتب وحزن....... وقسوة
صامتان
تمور بهما وحولهما عشرات الانفعالات
باكينام كانت أول من تكلم وهي تقول بثقة
وكل عروقها المجنونة تحضر وتصطرع التركي والإيرلندي والانجليزي والمصري
وهي تحاول التركيز مع كل الآلام التي اجتاحتها مع رؤيته:
أتمنى إنك مش جايبني هنا عشان تهزئني
يوسف ببرود: أنا مش رخيص للدرجة دي عشان أعملها
مع إنها فكرة حلوة
أرد الإهانة بإهانة
بس أنا ما أنزلش نفسي للمستوى التافه ده
لأني مش تافه وفاضي زيك
أنا جايبك لسبب.. بس أهم أهم بكتير
باكينام تحاول السيطرة على أعصابها:
خلاص خليك في مستواك ومع الناس اللي من مستواك
أنا أستازن لأني مش مستعدة أئعد وأسمع اهانات
وأسبابك ما تهمنيش.. خليها لك
يوسف بذات البرود وبثقة مرعبة: أسبابي هتهمك
وهتهمك أوي كمان
باكينام بأدب إجباري يفرضه عليها وضع والدها وطبيعة الحفل الذي هما فيه:
يوسف احنا مافيش حاجة بيننا نتكلم فيها
الكلام كلو خلص في واشنطن
يوسف مازال يتكلم بثقة مخيفة:
أولا ما تنادنيش يوسف حاف
سانيا: الكلام لسه هيبتدي.. في واشنطن أنتي تكلمتي
دلوئتي دوري أنا أتكلم وأنتي تتخرسي
باكينام بغضب مكتوم وعروق كرامتها تتصادم في رأسها:
عاوزني أقول لك إيه؟؟؟.. يوسف باشا مثلا
وأنته اتكلم براحتك مع نفسك
ماعنديش استعداد أسمع مجانين
سلم ع الست مامتك
يوسف ببرود وثقة قاتلين: أوعي تتحركي
أما تئولي إيه؟؟ فمخك راح للبشوات
لأنه وحدة فاضية مثلك مايملاش فضاوتها غير الألقاب الكبيرة
أنا عاوزك تئولي: يوسف حبيبي
عشان الليلة هنعلن خطوبتنا ياحبيبتي
قال الكلمة الأخيرة (حبيبتي) وهو يضغط على كل حرف بطريقة مقصودة
وبسخرية لاذعة
**************************
الطريق البري الواصل بين سلوى والأحساء
راكان ومشعل تجاوزا المراكز الحدوية للتو
طيراهما (لطّام) صقر مشعل و (كسّاب) صقر راكان على المقعد الحلفي
وكان راكان هو من يقود
والاثنان يتبادلان الحديث
مشعل لراكان: وش فيه أبو محمد غير رأيه من الروحة معنا؟؟
راكان يبتسم وهو يخلع غترته ويضعها جواره ويمسح على شعره القصير الناعم:
على قولتك مخه مافيه غير شغله
يقول جا له شغل طارئ
أسأله شنو ذا الشغل الطارئ
يقول لي: شغل مالك خص فيه
مشعل يضحك: لا يكون أخيك يبي يعرس على أختي
ترا بأقطع أذانيك أنت وياه
راكان يضحك: زين قطع أذانيه هو.. أنا وش ذنبي؟؟
مشعل بمرح: أخيه.. لازم نعاقبك معه..
راكان بمرح مشابه: لا لا تخاف على أم محمد
مسيطرة على الوضع تمام
مشعل صار له كم شهر وهو من الساعة 10 أو 11 محضر في البيت
صاير بيتوتي يغثي
مشعل بابتسامة: إيه طسهم عين يالبندق
راكان بمرح: والله بطسك أنت اللي نص ساعة قاعد أنتظرك على باب بيتكم لين طلعت علي..
ذا كله مهوب هاين عليك فراق بنت سلطان
يا أخي كان قلت لي من أولها وهوننا
مشعل بشفافية مرحة: مشكلتك كاشفني
ثم أكمل باهتمام: هاه أشرايك نمسي الليلة في الحسا؟؟ وعقب صلاة الفجر نغبش
راكان بهدوء مبتسم: شورك وهداية الله
**************************
موضي في غرفتها
لم تخرج منها منذ صلاة المغرب
بعد الفاجعة التي فجعتها بها والدتها
لا تريد أن ترى أحدا
فهي ليست في مزاج لمقابلة أحد أو الحديث مع أحد
أو إرتداء أقنعة المرح المتعبة
طرقات خفيفة على الباب
ثم دخل الطارق
هيا بتردد: موضي وش فيش؟؟
حتى عشا ما تعشيتي
كانت موضي تتمدد على سريرها.. ردت بتعب:
تعبانة شوي هيا
هيا اقتربت منها وجلست جوارها:
تبين أجيب لش شيء؟؟
موضي بذات النبرة المتعبة: لا فديتش.. أنا كلت حبيتين بنادول بأنام شوي وبأصير أحسن
هيا تقف وتقول بحنان: خلاص بأخليش ترتاحين
موضي تلتفت لها وتقول بأسف: أنا آسفة هيا
أدري مشعل مسافر وأكيد إنش ضايقة
بس اسمحي لي الليلة بس.. أنا فعلا تعبانة
هيا التفتت لموضي لتقول لها بعمق:
موضي لا تحملين نفسش فوق طاقتش
وأنتي منتي بمطالبة تكونين السوبرومن اللي تطيب خاطر كل الناس
وهي خاطرها مسكور
متضايقة وحزينة.. عبري عن اللي في خاطرش
ولا تهتمين لأحد غير نفسش
أنا بأنزل لجدتي وبأنام عندها
بس أنتي انتبهي لنفسش وطيبي خاطرش
لأنه مافيه شيء في الدنيا يستاهل نحزن عليه
خذي ذا الكلام من وحدة شافت الحزن ألوان وألوان
**************************
مجلس آل مشعل
سعد ومشعل في الزاوية يدور بينهما حديث خاص
سعد بلهفة: هاه مشعل ردت عليك بنت محمد؟؟
مشعل يبتسم: أنت منت بشايف إنك قدك كبير على ذا الطفاقة؟؟
سعد يبتسم: وأنت منت بشايف إنك قدك كبير على ذا الملاغة؟؟
مشعل بمرح: عاد لا تخلي الملاغة تحضر.. وأقول ماعندي خبر لين الأسبوع الجاي وإلا اللي عقبه
سعد بابتسامة: مشعل خلصني.. ماتسوى علي ذا الخطبة وترتوني.. والليل ماعاد أمسيته
مشعل همس لسعد وهو يضحك: زين قوم الحق على أبي قدام يروح يمسي
كون كنك تبي تأجل الخطبة لوقت ثاني؟؟؟
سعد وقف بحزم: وش أأجل؟؟ الحين أكلمه.. ماصدقت تبلون ريقي
************************
شقة من الشقق الفندقية المفروشة على أول الأحساء
لا يستطيعان النزول في فندق
لأن الفندق لن يقبل بإدخال طيريهما معهما
مشعل يستحم
وراكان كان يصلي قيامه
سمع هاتف مشعل المحمول يرن عدة مرات
حين سلم.. سمعه يرن مرة أخرى
التقطه
المتصل: نبض قلبي
راكان قرر أن يرد
أولا رأى أنها فرصة أن يسلم على ابنة عمه زوجة مشعل
يبارك لها زواجهما ويرحب بعودتها
وثانيا هي اتصلت عدة مرات خشي أن يكون هناك طارئ
رد بصوته الواثق العميق: حيا الله بنت سلطان
صوت أنثوي عذب مرتبك ومتعب وغير غريب: حياك الله بس أنا بنت عبدالله
راكان باستغراب: موضي؟؟
موضي بصوتها المستنزف إرهاقا والواضح به أثار البكاء:
إيه طال عمرك.. وين مشعل؟؟
راكان لا يحتاج كثير ذكاء ليعلم أنها كانت تبكي
صوتها الباكي هزه بعنف.. فمهما كان هذه إحدى بنات مشعل
وليس لكونها موضي بالذات أي دخل في اهتمامه
سألها بهدوء قلق: موضي.. فيه شيء؟؟ حد صاير عليه شيء؟؟
موضي باستنكار: لا والله العظيم كلنا طيبين بس كنت أبي مشعل في موضوع
راكان بثقة: مشعل قريب.. إذا أنا اقدر أسوي شيء تراني حاضر
موضي صمتت
وفكرة مجنونة مجنونة
مــجــنــونــة تخطر ببالها..
طال صمتها الذي أثار قلق راكان أكثر: موضي إذا تبين شيء أنا حاضر
موضي تنهدت بعمق ثم قالت بخجل هامس: راكان أنا بسألك سؤال
وبناء على ردك على ذا السؤال بيكون الطلب اللي بطلبه
راكان استغرب: سؤال ثم طلب؟؟.. تفضلي
موضي بهدوء متردد: مرت رفيقك محمد الله يرحمه عادها على ذمتك وإلا طلقتها؟؟؟
راكان صُعق.. بهت.. صُدم صدمة عمره
من أين تعرف.. وكيف؟؟
يستحيل أن يكون ناصر أخبر أحدا..
حتى لو كان ناصر من أخبر، مع أن هذا مستحيل،فلابد أن تكون عرفت بالطلاق أيضا
ولكن بما أنها لم تعرف بالطلاق فمعرفتها بالموضوع قديمة
راكان كان مصدوما بكل معنى الكلمة.. رغم أن راكان بشخصيته الموغلة في الثقة لا يهزه شيء..
كما أن كبرياءه لا يسمح له أن يستجوبها: كيف عرفت ومن أين
فهي عرفت وانتهى.. ويبدو أنه لا أحد سواها يعرف أو كان تفاجأ بمعرفة أهله للموضوع أيضا
لذا أجابها بهدوء واثق: طلقتها من سنة تقريبا
موضي تنهدت وهي تقول بارتباك: زين أنت مستعد تعيد اللي سويته مع مرت محمد
تتزوج وحدة زواج صوري كخدمة إنسانية لذا الوحدة؟؟
راكان مستغرب بشدة.. يبدو أنها تعرف الكثير عن زواجه وظروفه
(وموضي بالذات؟!!)
راكان بهدوء: موضي مافهمت أنتي وش تقصدين؟؟
موضي ابتلعت ريقها الجاف المنغرز بألم في حنجرتها كأشواك حادة
والكلمات تخرج متعسرة مذبوحة مفككة .. كلمات تشبه موضي في ألمها:
راكان تقدر تزوجني أنا؟؟
القاهرة /فندق الفورسيزونز
منال توجه الحديث لأحد مساعدي زوجها:
فتحي لو سمحت انده يوسف ئول له مامتك عاوزاك حالا
باكينام شعرت أن قلبها نزل إلى أخمص قدميها
لم تكن بحاجة لترى يوسف هذا لتعرف من هو
رغم صعوبة التخيل وتباعد طرفيه
من نادل لابن واحد من أغنى أغنياء مصر
ولكن واحداً زائد واحد يساوي اثنين
يوسف؟؟.. ومعها بذات الجامعة؟؟.. ويعرفها؟؟
ناتج جمع الاحتمالات: لا أحد غيره
رغم استحالة التصور الذي جعلها تشعر بألم في أسفل معدتها
وألم أشد في رأسها الذي شعرت فيه بصداع حاد ناتج عن إرتفاع ضغطها فعليا
وألم أشد وأشد في عروق قلبها التي تكاد تنفجر من ضغط الدم المتدفق بكثافة لشرايينه
لا تتخيل أن تراه
بل يستحيل أن تراه
كانت تريد الهرب قبل يصل
(لِمَ الآن؟؟ ولِـمَ هنا؟؟)
باكينام بأدب وهي تتحكم تماما بطبقة صوتها حتى لا تشي بالبركان الذي ثارت حممه في داخلها:
خلاص اسمحوا لي أستأزن
ستي لسه واصلة من لندن ولازم أرجع ليها
منال أمسكت بيدها: تروحي فين.. ده يوسف جننا عشانك
وهو عامل لك سربرايز الليلة تروحي إزاي
"تروح فين؟؟"
الصوت العميق الساحر الذي ألهب خيالها وأحلامها وقلّب كل مواجعها وأقسى آلامها
الصوت ذاته
ذاتــــه
منال بحنان: أهلا ياحبيبي.. تعالى.. باكينام عاوزة تروح.. خد بالك منها
أنا وسوزي هنشوف العواجيز اللي زينا
لم تكن سوزان تريد ترك ابنتها مع هذا الشاب الذي بدا لها بحضوره الكاسح خطرا كاسحا
ولكن منال همست لها عدة همسات جعلت سوزان تبتسم وتنسحب معها
باكينام لم تنتبه لانسحاب أمها ومنال
لم تنتبه لشيء ولا لأحد
المئات حولهما
ولكن كل هذه الحشود تحولت لسراب.. لخيالات
أمام حقيقة راسخة واحدة
يـوســف
يــــــــوســـــف
بدا لها أكثر وسامة.. أكثر إيلاما في طقم رسمي أسود أبرز عرض كتفيه
مختلف.. مختلف جدا
هل بسبب عبق الغنى والنفوذ الذي يحيط به؟
لا.. لا
إنها نظرته المختلفة
نظرة عتب وحزن....... وقسوة
صامتان
تمور بهما وحولهما عشرات الانفعالات
باكينام كانت أول من تكلم وهي تقول بثقة
وكل عروقها المجنونة تحضر وتصطرع التركي والإيرلندي والانجليزي والمصري
وهي تحاول التركيز مع كل الآلام التي اجتاحتها مع رؤيته:
أتمنى إنك مش جايبني هنا عشان تهزئني
يوسف ببرود: أنا مش رخيص للدرجة دي عشان أعملها
مع إنها فكرة حلوة
أرد الإهانة بإهانة
بس أنا ما أنزلش نفسي للمستوى التافه ده
لأني مش تافه وفاضي زيك
أنا جايبك لسبب.. بس أهم أهم بكتير
باكينام تحاول السيطرة على أعصابها:
خلاص خليك في مستواك ومع الناس اللي من مستواك
أنا أستازن لأني مش مستعدة أئعد وأسمع اهانات
وأسبابك ما تهمنيش.. خليها لك
يوسف بذات البرود وبثقة مرعبة: أسبابي هتهمك
وهتهمك أوي كمان
باكينام بأدب إجباري يفرضه عليها وضع والدها وطبيعة الحفل الذي هما فيه:
يوسف احنا مافيش حاجة بيننا نتكلم فيها
الكلام كلو خلص في واشنطن
يوسف مازال يتكلم بثقة مخيفة:
أولا ما تنادنيش يوسف حاف
سانيا: الكلام لسه هيبتدي.. في واشنطن أنتي تكلمتي
دلوئتي دوري أنا أتكلم وأنتي تتخرسي
باكينام بغضب مكتوم وعروق كرامتها تتصادم في رأسها:
عاوزني أقول لك إيه؟؟؟.. يوسف باشا مثلا
وأنته اتكلم براحتك مع نفسك
ماعنديش استعداد أسمع مجانين
سلم ع الست مامتك
يوسف ببرود وثقة قاتلين: أوعي تتحركي
أما تئولي إيه؟؟ فمخك راح للبشوات
لأنه وحدة فاضية مثلك مايملاش فضاوتها غير الألقاب الكبيرة
أنا عاوزك تئولي: يوسف حبيبي
عشان الليلة هنعلن خطوبتنا ياحبيبتي
قال الكلمة الأخيرة (حبيبتي) وهو يضغط على كل حرف بطريقة مقصودة
وبسخرية لاذعة
**************************
الطريق البري الواصل بين سلوى والأحساء
راكان ومشعل تجاوزا المراكز الحدوية للتو
طيراهما (لطّام) صقر مشعل و (كسّاب) صقر راكان على المقعد الحلفي
وكان راكان هو من يقود
والاثنان يتبادلان الحديث
مشعل لراكان: وش فيه أبو محمد غير رأيه من الروحة معنا؟؟
راكان يبتسم وهو يخلع غترته ويضعها جواره ويمسح على شعره القصير الناعم:
على قولتك مخه مافيه غير شغله
يقول جا له شغل طارئ
أسأله شنو ذا الشغل الطارئ
يقول لي: شغل مالك خص فيه
مشعل يضحك: لا يكون أخيك يبي يعرس على أختي
ترا بأقطع أذانيك أنت وياه
راكان يضحك: زين قطع أذانيه هو.. أنا وش ذنبي؟؟
مشعل بمرح: أخيه.. لازم نعاقبك معه..
راكان بمرح مشابه: لا لا تخاف على أم محمد
مسيطرة على الوضع تمام
مشعل صار له كم شهر وهو من الساعة 10 أو 11 محضر في البيت
صاير بيتوتي يغثي
مشعل بابتسامة: إيه طسهم عين يالبندق
راكان بمرح: والله بطسك أنت اللي نص ساعة قاعد أنتظرك على باب بيتكم لين طلعت علي..
ذا كله مهوب هاين عليك فراق بنت سلطان
يا أخي كان قلت لي من أولها وهوننا
مشعل بشفافية مرحة: مشكلتك كاشفني
ثم أكمل باهتمام: هاه أشرايك نمسي الليلة في الحسا؟؟ وعقب صلاة الفجر نغبش
راكان بهدوء مبتسم: شورك وهداية الله
**************************
موضي في غرفتها
لم تخرج منها منذ صلاة المغرب
بعد الفاجعة التي فجعتها بها والدتها
لا تريد أن ترى أحدا
فهي ليست في مزاج لمقابلة أحد أو الحديث مع أحد
أو إرتداء أقنعة المرح المتعبة
طرقات خفيفة على الباب
ثم دخل الطارق
هيا بتردد: موضي وش فيش؟؟
حتى عشا ما تعشيتي
كانت موضي تتمدد على سريرها.. ردت بتعب:
تعبانة شوي هيا
هيا اقتربت منها وجلست جوارها:
تبين أجيب لش شيء؟؟
موضي بذات النبرة المتعبة: لا فديتش.. أنا كلت حبيتين بنادول بأنام شوي وبأصير أحسن
هيا تقف وتقول بحنان: خلاص بأخليش ترتاحين
موضي تلتفت لها وتقول بأسف: أنا آسفة هيا
أدري مشعل مسافر وأكيد إنش ضايقة
بس اسمحي لي الليلة بس.. أنا فعلا تعبانة
هيا التفتت لموضي لتقول لها بعمق:
موضي لا تحملين نفسش فوق طاقتش
وأنتي منتي بمطالبة تكونين السوبرومن اللي تطيب خاطر كل الناس
وهي خاطرها مسكور
متضايقة وحزينة.. عبري عن اللي في خاطرش
ولا تهتمين لأحد غير نفسش
أنا بأنزل لجدتي وبأنام عندها
بس أنتي انتبهي لنفسش وطيبي خاطرش
لأنه مافيه شيء في الدنيا يستاهل نحزن عليه
خذي ذا الكلام من وحدة شافت الحزن ألوان وألوان
**************************
مجلس آل مشعل
سعد ومشعل في الزاوية يدور بينهما حديث خاص
سعد بلهفة: هاه مشعل ردت عليك بنت محمد؟؟
مشعل يبتسم: أنت منت بشايف إنك قدك كبير على ذا الطفاقة؟؟
سعد يبتسم: وأنت منت بشايف إنك قدك كبير على ذا الملاغة؟؟
مشعل بمرح: عاد لا تخلي الملاغة تحضر.. وأقول ماعندي خبر لين الأسبوع الجاي وإلا اللي عقبه
سعد بابتسامة: مشعل خلصني.. ماتسوى علي ذا الخطبة وترتوني.. والليل ماعاد أمسيته
مشعل همس لسعد وهو يضحك: زين قوم الحق على أبي قدام يروح يمسي
كون كنك تبي تأجل الخطبة لوقت ثاني؟؟؟
سعد وقف بحزم: وش أأجل؟؟ الحين أكلمه.. ماصدقت تبلون ريقي
************************
شقة من الشقق الفندقية المفروشة على أول الأحساء
لا يستطيعان النزول في فندق
لأن الفندق لن يقبل بإدخال طيريهما معهما
مشعل يستحم
وراكان كان يصلي قيامه
سمع هاتف مشعل المحمول يرن عدة مرات
حين سلم.. سمعه يرن مرة أخرى
التقطه
المتصل: نبض قلبي
راكان قرر أن يرد
أولا رأى أنها فرصة أن يسلم على ابنة عمه زوجة مشعل
يبارك لها زواجهما ويرحب بعودتها
وثانيا هي اتصلت عدة مرات خشي أن يكون هناك طارئ
رد بصوته الواثق العميق: حيا الله بنت سلطان
صوت أنثوي عذب مرتبك ومتعب وغير غريب: حياك الله بس أنا بنت عبدالله
راكان باستغراب: موضي؟؟
موضي بصوتها المستنزف إرهاقا والواضح به أثار البكاء:
إيه طال عمرك.. وين مشعل؟؟
راكان لا يحتاج كثير ذكاء ليعلم أنها كانت تبكي
صوتها الباكي هزه بعنف.. فمهما كان هذه إحدى بنات مشعل
وليس لكونها موضي بالذات أي دخل في اهتمامه
سألها بهدوء قلق: موضي.. فيه شيء؟؟ حد صاير عليه شيء؟؟
موضي باستنكار: لا والله العظيم كلنا طيبين بس كنت أبي مشعل في موضوع
راكان بثقة: مشعل قريب.. إذا أنا اقدر أسوي شيء تراني حاضر
موضي صمتت
وفكرة مجنونة مجنونة
مــجــنــونــة تخطر ببالها..
طال صمتها الذي أثار قلق راكان أكثر: موضي إذا تبين شيء أنا حاضر
موضي تنهدت بعمق ثم قالت بخجل هامس: راكان أنا بسألك سؤال
وبناء على ردك على ذا السؤال بيكون الطلب اللي بطلبه
راكان استغرب: سؤال ثم طلب؟؟.. تفضلي
موضي بهدوء متردد: مرت رفيقك محمد الله يرحمه عادها على ذمتك وإلا طلقتها؟؟؟
راكان صُعق.. بهت.. صُدم صدمة عمره
من أين تعرف.. وكيف؟؟
يستحيل أن يكون ناصر أخبر أحدا..
حتى لو كان ناصر من أخبر، مع أن هذا مستحيل،فلابد أن تكون عرفت بالطلاق أيضا
ولكن بما أنها لم تعرف بالطلاق فمعرفتها بالموضوع قديمة
راكان كان مصدوما بكل معنى الكلمة.. رغم أن راكان بشخصيته الموغلة في الثقة لا يهزه شيء..
كما أن كبرياءه لا يسمح له أن يستجوبها: كيف عرفت ومن أين
فهي عرفت وانتهى.. ويبدو أنه لا أحد سواها يعرف أو كان تفاجأ بمعرفة أهله للموضوع أيضا
لذا أجابها بهدوء واثق: طلقتها من سنة تقريبا
موضي تنهدت وهي تقول بارتباك: زين أنت مستعد تعيد اللي سويته مع مرت محمد
تتزوج وحدة زواج صوري كخدمة إنسانية لذا الوحدة؟؟
راكان مستغرب بشدة.. يبدو أنها تعرف الكثير عن زواجه وظروفه
(وموضي بالذات؟!!)
راكان بهدوء: موضي مافهمت أنتي وش تقصدين؟؟
موضي ابتلعت ريقها الجاف المنغرز بألم في حنجرتها كأشواك حادة
والكلمات تخرج متعسرة مذبوحة مفككة .. كلمات تشبه موضي في ألمها:
راكان تقدر تزوجني أنا؟؟
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الواحد الستون
الحوار الهاتفي مستمر بين راكان وموضي
راكان بهدوء: موضي مافهمت أنتي وش تقصدين؟؟
موضي ابتلعت ريقها الجاف المنغرز بألم في حنجرتها كأشواك حادة
والكلمات تخرج متعسرة مذبوحة مفككة.. كلمات تشبه موضي في آلمها:
راكان تقدر تزوجني أنا؟؟
راكان شعر كما لو قنبلة ما انفجرت في منتصف رأسه.. شعر بصداع مؤلم حقيقي
هل سمع موضي تعرض عليه أن يتزوجها أو كان يتخيل؟؟؟
راكان بصدمة حقيقية: أنتي يا موضي؟؟
موضي كانت أشبه بحطام مدمر..
ليست أشبه.. بل كانت فعلا حطاما متناثرا
لا تعرف كيف تجرأت أن تفعل هذا
أو كيف خرجت الكلمات من بين شفتيها
ولكن الفكرة خطرت ببالها فجأة وشعرت أن راكان قد يكون حلها الوحيد
كان أخر ماخطر ببالها أن يرد راكان على هاتف مشعل
وكأن قدرته سبحانه ترسم لها هذا المسار
أن تتصل وهي في محطمة تماما تبحث عن بعض السلوى عند شقيقها
فيكون راكان هو من يرد
وتقفز الفكرة لذهنها فورا ودون تخطيط
ردت عليه موضي بحزن وخجل : راكان أدري إن واحد مثلك مستحيل يفكر بوحدة مثلي
راكان شعر أن تقليل ابنة عمه من نفسها أمامه يخترق بقسوة روحه المشبعة رجولة:
لا موضي أرجوش لا تقولين كذا
موضي بذات الحزن والخجل: راكان خلني أكمل كلامي..
وأنت عقب لك مطلق الحرية توافق أو ترفض
راكان صمت
وموضي أكملت نزف روحها: راكان أنا أدري إنك تدري إن حمد كان يضربني
ويهيني من يوم خذني
راكان شعر أن جوفه يشتعل نارا محرقة وغضبا كاسحا وهو يتذكر الموضوع وعلى لسانها وبهذه النبرة النازفة ألما
وموضي تكمل بصراحة جارحة مؤلمة:
حمد ياراكان حطمني.. أقولها لك بكل صراحة.. ضربني وهانني فوق كل شيء ممكن تتخيله
أنا وحدة ما عاد أنفع لرجال لا جسديا ولا روحيا.. وأمي حالفة علي إني لازم أتزوج إذا خلصت عدتي
إذا أنت عندك استعداد تزوجني فأنا أوعدك أني أقوم بكل شيء يخصك على أكمل وجه
مكانك ثيابك عزايمك كرايمك.. لكن أكثر من كذا ماعندي استعداد أقدم
ومتى ما بغيت أنت تتزوج أنا مستعدة أخطب لك اللي تبي متى مابغيت
ومثلك ماحد يرده حتى لو عنده مره
وما أبي منك إلا أنك تحترمني وتخليني أشتغل
أنت سبق لك جربت الزواج الصوري في السر
ياترى ممكن تجربه الحين في العلن عشان بنت عمك وتسترها ؟؟
لأني لو انجبرت وخذت رجّال ثاني صدقني بانفضح عنده لو شاف رفضي له
وأنت خذ وقتك وفكر.. ولو رفضت صدقني ما ألومك لأنه حقك
ولكن ما فاجأها تماما كان رد راكان المباشر الواثق: مافيه داعي أفكر
لأني موافق
موضي بخجل: لا راكان أرجوك لا تحسسني بالذنب إني ضغطت عليك
فكر وشوف لو ذا الشيء يناسبك أو لا
راكان بثقة: خلاص موضي اعتبري الموضوع منتهي
بس أنا عندي طلب
موضي بلعت ريقها: أي طلب؟؟
راكان بهدوء: أنتي قلتي إنه أنتي مستعدة تقومين بكل شيء يخصني على أكمل وجه
وفيه شيء بعد لازم تحطينه في اعتبارش
موضي بحذر: اللي هو؟؟
راكان بهدوء: في منصبي في الشغل المجاملات لها دور كبير
وأنتي بنفسش بتشوفين زوجات زملائي كلهم بيجونش وبيجيبون لش هدايا غالية
فأنتي مضطرة تردين بالمثل.. وهو فعلا شيء متعب..
أي واحد فيهم زوجته تولد
أو وولده أو بنته يتزوجون لازم تروحين تباركين وتودين هدية
أنا قبل كنت عزابي فكنت معفي من المجاملات.. لكن إذا تزوجت لازم زوجتي تجامل زوجاتهم
مستعدة لذا المجاملات الكثيرة؟؟
موضي بحزن: إذا أنت مستعد تتزوجني.. فليش ما أكون مستعدة أرد جزء بسيط من جميلك
الشيء الثاني إذا ماعندك مانع خلها ملكة بس عشان أمي ترتاح
والزواج نفسه أجله قد ماتقدر
موضي أنهت أتصالها
والاثنان يغرقان في تفكيرهما الخاص
كلاهما يلفه ألم عميق.. عميق..
عـــمــــيـــــق
موضي مجروحة بعمق
نعم وافق أن سيتزوجها ولكن كيف تستطيع رفع عينيها له وهي من عرضت نفسها عليه
(الله يسامحش يمه
كله منش
خليتني أمام خيارين أحلاهما مر
وأحلى المرين أني أعرض على راكان يتزوجني
على الأقل راكان عارفة إنه بيستر على أي تقصير بيطلع مني
لكن أي رجّال ثاني لا)
كانت تشعر بألم عميق شديد الحزوز في روحها
(ألا يكفيني إحساسي بالمهانة حتى أكمله بعرض نفسي على رجل لم أخطر بباله يوما؟؟!!
رجل هو فوق الكمال
ويستحق من توازيه اكتمالا
وأتمنى أن يجدها يوما ليكمل معها حياته فعليا
فراكان رجل مختلف
رجل متخم بالشهامة والنخوة
أعرف هذا من سنوات
سره الذي كتمته لسنوات
وسأكتمه حتى أخر يوم بعمري
سره الذي جعله يكبر في عيني ألف مرة
وزاد احترامه في ذاتي الاف المرات
وهذا هو ما أريده رجل أحترمه ويحترمني
لا أريد شيئا غير الاحترام
استنزفني عيشي مع رجل أنا أحتقره وهو يهينني)
راكان كان في طوفان مشاعر مختلف
(موضي تعرض نفسها علي
ليه ليه؟؟ وعقب أيش جايه؟؟
موضي أنا ماعندي شيء أعطيه لش
أنتي تستحقين رجّال أحسن مني
أنا واحد ماعاد عندي مشاعر
أجدب قلبي وتصحرت روحي
أنا ماعاد أنفع أي مره.. أشلون موضي؟؟ موضي بالذات؟؟)
راكان كان بوده أن يرفض طلبها
بل تمنى رفض طلبها
ولكن رجولته أبت عليه أن يرفض امرأة تستنجد به
وهكذا فعلت موضي؟؟
فروحها المليئة بالثقوب لا تريد لأي رجل أن يراها
هو وحده يستطيع ستر عيوبها وتغطية ثقوبها حتى لا يراها سواه
راكان ماعرف قرب امرأة يوما
وماعاد يريد قرب إحداهن
مستغرق في عوالمه الخاصة التي استنفذته واستنفذت وقته
حتى ماعاد لديه وقت للتفكير في شيء
عمله المعقد الحساس
بطولات الرماية
مسابقات الشطرنج
فكيف يستطيع الآن استقبال هذا الهجوم الأنثوي المرفوض على حياته؟؟؟
(هيه هيه يا أخ أنت)
يد تهزه.. وصوت ضاحك
راكان بعدم انتباه: نعم مشعل
مشعل بمرح: تدري إني طلعت من الحمام
وصليت قيامي
وصار لي نص ساعة أدور تلفوني
وأنت ولا حاسس بشيء
لا ومتلوي على تلفوني بعد
وش سرحان فيه ذا كله.. وهات تلفوني..
مشعل يناوله تلفونه ويقول بعمق واثق:
مشعل ظنك موضي توافق علي إذا خلصت عدتها؟؟
فارق توقيت زمني هو ساعة أبكر
هو التوقيت الشتوي في مصر
الساعة 11 مساء في القاهرة
وعودة للجبهة الأخرى
على ضفة أخرى
حفل طاهر عزت
الحوار الناري المغطى الدائر بين باكينام ويوسف
باكينام بغضب مكتوم وهي تصر على أسنانها
وعيناها الخضروان تشعان بإخضرار عميق مرعب وفتّان: خطوبة إيه يا مجنون أنته؟؟
يوسف بنبرة مستفزة: خطوبتنا يائلبي
باكينام بصوت خافت وهي مازالت تسيطر على أعصابها:
أنا مش مستعدة أئعد وأسمع الجنان ده
أنت لو أخر راجل في العالم مستحيل أتجوزك
يوسف بثقة بردت دماءها: لو مشيتي هتندمي سدئيني
باكينام باستفسار غاضب: أنا عاوز أعرف أنت جايب السئة دي منين
يوسف بذات الثقة: بصي ناحية باباكي وماماتك دلوئتي
هتلائيهم بيبصوا ناحيتنا وبيبتسموا
وفعلا استرقت باكينام النظرات لتجد والدها ووالدتها يقفان مع طاهر عزت ونظراتهم عليها
وابتسامة مشرقة تنير وجه كل واحد منهما
باكينام برعب: أنتو ئلتوا إيه لماما وبابا؟؟
يوسف يبتسم ببرود: الحئيئة يا ئلبي..الحئيئة وبس
إنو احنا عارفين بعضينا في واشنطن
متفئين على الجواز بس أنتي ماحبيتيش تئولي لأهلك حاجة لحد ما أنا أتكلم رسمي
زي ما بنات الزوات اللي زي حضرتك بيعملوا
ماما ماكنتش عارفة التفاصيل كلها بس بابا عارف وهو اللي ئال لمامتك وباباكي
باكينام بغضب مر وهي ترتجف من غضبها
ولكن مازالت تتكلم بصوت خافت.. فهذه سنوات متطاولة من التربية الرفيعة:
أنت أكيد مجنون.. أنا هاروح لبابا وأئول إنك كداب
وإنك أنته اللي كنت بتطاردني في واشنطن.. وزي ما كدبت أنا هأكدب
يوسف بابتسامته التي باتت تكرهها بعد أن كانت تراها أحد أجمل الأشياء في الدنيا:
اعملي كده وشوفي اللي هيجرالك
باكينام بثقة: أنت مش ماسك لي زله عشان تهددني..
وأنا عمري ماعملتش غلط عشان أخاف منه
يوسف بثقة: باكي أنتي في واشنطن شفتي وشي السمح المتواضع الطيب
وماعجبكيش
ماتجبرينيش أوريكي وش الواد المتبغدد اللي بفلوسه ممكن يعمل كل حاجة
باكينام بثقة مثل ثقته: أعلى مافي خيلك اركبه
يوسف بابتسامة: من أوطى خيلي مش أعلاها أني هأروح لباباكي دلوئتي
وأئول له إنه احنا تجوزنا في واشنطن جواز عرفي
وممكن أديه تفاصيل حميمة أوي منها مسلا مسلا
الشامة الكبيرة اللي في أخر ظهرك
وطبعا نسخة من عقد زواجنا العرفي
فتخيلي أعلى خيلي هيبئى إيه
باكينام تريد أن تبكي.. تريد فعلا أن تبكي
لم تتخيل أن فارس أحلامها المليء بالرجولة والسحر
يتحول أمامها لوحش مريع مرعب
مستعد لنسفها للانتقام منها
وإجبارها عليه
(والشامة دي عرف عنها إزاي؟؟)
باكينام تتنهد لكنها يستحيل أن تظهر انفعالها:
يوسف أنت بتعمل كل ده ليه
ألف وحدة تتمناك.. أنا مش عاوزاك سيبني في حالي
يوسف ينظر لها بتحدي: ولا أنا عاوزك.. بس أنتي عاوزة تأديب
وأنا عاوز أعمل خدمة لأهلك وأربيكي من جديد
باكينام بتحدي مشابه: أنا متربية ئبل ما أشوفك
وسدئني لو عملت اللي في رأسك.. مافيش حد هيندم غيرك
فور إنهاءها لجملتها كان والدها يقف بجوارها وهو يهمس لها:
ليه ما ئلتي ليش ئبل كده يا باكي؟؟
باكينام صمتت
يوسف كان من استلم زمام الحديث بثقة:
أنا اللي ئلت لها ياعمي.. ماتئولش لحد ،لحد ما أتكلم رسمي..
أو حضرتك شايفني ما أستاهلش باكي؟؟
طه بابتسامة مهذبة: لا والله يا ابني..
يوسف بثقة: الحفلة دي فرصة ما تتعوضش نعلن فيها خطوبتنا
كبرات مصر كلهم موجودين
طه التفت لباكينام وقال بحنان: الرأي رأي باكي
يوسف التفت لباكينام وهو يشعر بتوتر عميق في داخله
قد يكون أقنعها بترهات الغضب والكراهية
ولكنه يستحيل أن يسمح لها أن تطل على روحه التي تغلغلت هي في كل خلاياها منذ أشهر
منذ اليوم الأول الذي رأها فيه في واشنطن
قبلا لم يهتم يوما بالنساء مع انشغاله بدراسته وأبحاثه
حتى جاءت هي.. وكأنه كان ينتظرها طوال حياته
قيدت مشاعره وشدتها ناحيتها بقوة
وبعد ما حدث في واشنطن حاول تناسيها وإقناع نفسه أن إحساسه ناحيتها ليس سوى مجرد إعجاب
لكنه اكتشف أنه يخدع نفسه.. فهذه الأنثى اختلطت بأنفاسه
والليلة
من بداية الحفل وعيناه على المدخل ينتظر وصولها
ومنذ رأها وهي تدخل خلف والدتها ووالدها
وهو يشعر أن روحه نُسفت
بدت له أجمل وأعذب من كل أحلامه
نعم هو مجروح حتى أخر أعماقه منها ولكنه يريدها.. يريدها بجنون
كان يصبر نفسه وهو يسترق النظرات لها
حتى نادته والدته
وجاءت عيناه في عينيها ..الموج الأخضر الساحر
شعر أن قلبه يذوب.. وكل إيماءة منه طعنه في روحه
وهاهو ينتظر ردها وكأن حياته تتعلق على كلمة منها
يستحيل أن ينفذ شيئا من تهدايداته لها
فهو يستحيل أن يضرها بشيء
ولكن مهمته كانت تتركز على إقناعها بقدرته على فعل ذلك
باكينام بمرارة وعيناها في الأرض : موافئة يابابا
الحوار الهاتفي مستمر بين راكان وموضي
راكان بهدوء: موضي مافهمت أنتي وش تقصدين؟؟
موضي ابتلعت ريقها الجاف المنغرز بألم في حنجرتها كأشواك حادة
والكلمات تخرج متعسرة مذبوحة مفككة.. كلمات تشبه موضي في آلمها:
راكان تقدر تزوجني أنا؟؟
راكان شعر كما لو قنبلة ما انفجرت في منتصف رأسه.. شعر بصداع مؤلم حقيقي
هل سمع موضي تعرض عليه أن يتزوجها أو كان يتخيل؟؟؟
راكان بصدمة حقيقية: أنتي يا موضي؟؟
موضي كانت أشبه بحطام مدمر..
ليست أشبه.. بل كانت فعلا حطاما متناثرا
لا تعرف كيف تجرأت أن تفعل هذا
أو كيف خرجت الكلمات من بين شفتيها
ولكن الفكرة خطرت ببالها فجأة وشعرت أن راكان قد يكون حلها الوحيد
كان أخر ماخطر ببالها أن يرد راكان على هاتف مشعل
وكأن قدرته سبحانه ترسم لها هذا المسار
أن تتصل وهي في محطمة تماما تبحث عن بعض السلوى عند شقيقها
فيكون راكان هو من يرد
وتقفز الفكرة لذهنها فورا ودون تخطيط
ردت عليه موضي بحزن وخجل : راكان أدري إن واحد مثلك مستحيل يفكر بوحدة مثلي
راكان شعر أن تقليل ابنة عمه من نفسها أمامه يخترق بقسوة روحه المشبعة رجولة:
لا موضي أرجوش لا تقولين كذا
موضي بذات الحزن والخجل: راكان خلني أكمل كلامي..
وأنت عقب لك مطلق الحرية توافق أو ترفض
راكان صمت
وموضي أكملت نزف روحها: راكان أنا أدري إنك تدري إن حمد كان يضربني
ويهيني من يوم خذني
راكان شعر أن جوفه يشتعل نارا محرقة وغضبا كاسحا وهو يتذكر الموضوع وعلى لسانها وبهذه النبرة النازفة ألما
وموضي تكمل بصراحة جارحة مؤلمة:
حمد ياراكان حطمني.. أقولها لك بكل صراحة.. ضربني وهانني فوق كل شيء ممكن تتخيله
أنا وحدة ما عاد أنفع لرجال لا جسديا ولا روحيا.. وأمي حالفة علي إني لازم أتزوج إذا خلصت عدتي
إذا أنت عندك استعداد تزوجني فأنا أوعدك أني أقوم بكل شيء يخصك على أكمل وجه
مكانك ثيابك عزايمك كرايمك.. لكن أكثر من كذا ماعندي استعداد أقدم
ومتى ما بغيت أنت تتزوج أنا مستعدة أخطب لك اللي تبي متى مابغيت
ومثلك ماحد يرده حتى لو عنده مره
وما أبي منك إلا أنك تحترمني وتخليني أشتغل
أنت سبق لك جربت الزواج الصوري في السر
ياترى ممكن تجربه الحين في العلن عشان بنت عمك وتسترها ؟؟
لأني لو انجبرت وخذت رجّال ثاني صدقني بانفضح عنده لو شاف رفضي له
وأنت خذ وقتك وفكر.. ولو رفضت صدقني ما ألومك لأنه حقك
ولكن ما فاجأها تماما كان رد راكان المباشر الواثق: مافيه داعي أفكر
لأني موافق
موضي بخجل: لا راكان أرجوك لا تحسسني بالذنب إني ضغطت عليك
فكر وشوف لو ذا الشيء يناسبك أو لا
راكان بثقة: خلاص موضي اعتبري الموضوع منتهي
بس أنا عندي طلب
موضي بلعت ريقها: أي طلب؟؟
راكان بهدوء: أنتي قلتي إنه أنتي مستعدة تقومين بكل شيء يخصني على أكمل وجه
وفيه شيء بعد لازم تحطينه في اعتبارش
موضي بحذر: اللي هو؟؟
راكان بهدوء: في منصبي في الشغل المجاملات لها دور كبير
وأنتي بنفسش بتشوفين زوجات زملائي كلهم بيجونش وبيجيبون لش هدايا غالية
فأنتي مضطرة تردين بالمثل.. وهو فعلا شيء متعب..
أي واحد فيهم زوجته تولد
أو وولده أو بنته يتزوجون لازم تروحين تباركين وتودين هدية
أنا قبل كنت عزابي فكنت معفي من المجاملات.. لكن إذا تزوجت لازم زوجتي تجامل زوجاتهم
مستعدة لذا المجاملات الكثيرة؟؟
موضي بحزن: إذا أنت مستعد تتزوجني.. فليش ما أكون مستعدة أرد جزء بسيط من جميلك
الشيء الثاني إذا ماعندك مانع خلها ملكة بس عشان أمي ترتاح
والزواج نفسه أجله قد ماتقدر
موضي أنهت أتصالها
والاثنان يغرقان في تفكيرهما الخاص
كلاهما يلفه ألم عميق.. عميق..
عـــمــــيـــــق
موضي مجروحة بعمق
نعم وافق أن سيتزوجها ولكن كيف تستطيع رفع عينيها له وهي من عرضت نفسها عليه
(الله يسامحش يمه
كله منش
خليتني أمام خيارين أحلاهما مر
وأحلى المرين أني أعرض على راكان يتزوجني
على الأقل راكان عارفة إنه بيستر على أي تقصير بيطلع مني
لكن أي رجّال ثاني لا)
كانت تشعر بألم عميق شديد الحزوز في روحها
(ألا يكفيني إحساسي بالمهانة حتى أكمله بعرض نفسي على رجل لم أخطر بباله يوما؟؟!!
رجل هو فوق الكمال
ويستحق من توازيه اكتمالا
وأتمنى أن يجدها يوما ليكمل معها حياته فعليا
فراكان رجل مختلف
رجل متخم بالشهامة والنخوة
أعرف هذا من سنوات
سره الذي كتمته لسنوات
وسأكتمه حتى أخر يوم بعمري
سره الذي جعله يكبر في عيني ألف مرة
وزاد احترامه في ذاتي الاف المرات
وهذا هو ما أريده رجل أحترمه ويحترمني
لا أريد شيئا غير الاحترام
استنزفني عيشي مع رجل أنا أحتقره وهو يهينني)
راكان كان في طوفان مشاعر مختلف
(موضي تعرض نفسها علي
ليه ليه؟؟ وعقب أيش جايه؟؟
موضي أنا ماعندي شيء أعطيه لش
أنتي تستحقين رجّال أحسن مني
أنا واحد ماعاد عندي مشاعر
أجدب قلبي وتصحرت روحي
أنا ماعاد أنفع أي مره.. أشلون موضي؟؟ موضي بالذات؟؟)
راكان كان بوده أن يرفض طلبها
بل تمنى رفض طلبها
ولكن رجولته أبت عليه أن يرفض امرأة تستنجد به
وهكذا فعلت موضي؟؟
فروحها المليئة بالثقوب لا تريد لأي رجل أن يراها
هو وحده يستطيع ستر عيوبها وتغطية ثقوبها حتى لا يراها سواه
راكان ماعرف قرب امرأة يوما
وماعاد يريد قرب إحداهن
مستغرق في عوالمه الخاصة التي استنفذته واستنفذت وقته
حتى ماعاد لديه وقت للتفكير في شيء
عمله المعقد الحساس
بطولات الرماية
مسابقات الشطرنج
فكيف يستطيع الآن استقبال هذا الهجوم الأنثوي المرفوض على حياته؟؟؟
(هيه هيه يا أخ أنت)
يد تهزه.. وصوت ضاحك
راكان بعدم انتباه: نعم مشعل
مشعل بمرح: تدري إني طلعت من الحمام
وصليت قيامي
وصار لي نص ساعة أدور تلفوني
وأنت ولا حاسس بشيء
لا ومتلوي على تلفوني بعد
وش سرحان فيه ذا كله.. وهات تلفوني..
مشعل يناوله تلفونه ويقول بعمق واثق:
مشعل ظنك موضي توافق علي إذا خلصت عدتها؟؟
فارق توقيت زمني هو ساعة أبكر
هو التوقيت الشتوي في مصر
الساعة 11 مساء في القاهرة
وعودة للجبهة الأخرى
على ضفة أخرى
حفل طاهر عزت
الحوار الناري المغطى الدائر بين باكينام ويوسف
باكينام بغضب مكتوم وهي تصر على أسنانها
وعيناها الخضروان تشعان بإخضرار عميق مرعب وفتّان: خطوبة إيه يا مجنون أنته؟؟
يوسف بنبرة مستفزة: خطوبتنا يائلبي
باكينام بصوت خافت وهي مازالت تسيطر على أعصابها:
أنا مش مستعدة أئعد وأسمع الجنان ده
أنت لو أخر راجل في العالم مستحيل أتجوزك
يوسف بثقة بردت دماءها: لو مشيتي هتندمي سدئيني
باكينام باستفسار غاضب: أنا عاوز أعرف أنت جايب السئة دي منين
يوسف بذات الثقة: بصي ناحية باباكي وماماتك دلوئتي
هتلائيهم بيبصوا ناحيتنا وبيبتسموا
وفعلا استرقت باكينام النظرات لتجد والدها ووالدتها يقفان مع طاهر عزت ونظراتهم عليها
وابتسامة مشرقة تنير وجه كل واحد منهما
باكينام برعب: أنتو ئلتوا إيه لماما وبابا؟؟
يوسف يبتسم ببرود: الحئيئة يا ئلبي..الحئيئة وبس
إنو احنا عارفين بعضينا في واشنطن
متفئين على الجواز بس أنتي ماحبيتيش تئولي لأهلك حاجة لحد ما أنا أتكلم رسمي
زي ما بنات الزوات اللي زي حضرتك بيعملوا
ماما ماكنتش عارفة التفاصيل كلها بس بابا عارف وهو اللي ئال لمامتك وباباكي
باكينام بغضب مر وهي ترتجف من غضبها
ولكن مازالت تتكلم بصوت خافت.. فهذه سنوات متطاولة من التربية الرفيعة:
أنت أكيد مجنون.. أنا هاروح لبابا وأئول إنك كداب
وإنك أنته اللي كنت بتطاردني في واشنطن.. وزي ما كدبت أنا هأكدب
يوسف بابتسامته التي باتت تكرهها بعد أن كانت تراها أحد أجمل الأشياء في الدنيا:
اعملي كده وشوفي اللي هيجرالك
باكينام بثقة: أنت مش ماسك لي زله عشان تهددني..
وأنا عمري ماعملتش غلط عشان أخاف منه
يوسف بثقة: باكي أنتي في واشنطن شفتي وشي السمح المتواضع الطيب
وماعجبكيش
ماتجبرينيش أوريكي وش الواد المتبغدد اللي بفلوسه ممكن يعمل كل حاجة
باكينام بثقة مثل ثقته: أعلى مافي خيلك اركبه
يوسف بابتسامة: من أوطى خيلي مش أعلاها أني هأروح لباباكي دلوئتي
وأئول له إنه احنا تجوزنا في واشنطن جواز عرفي
وممكن أديه تفاصيل حميمة أوي منها مسلا مسلا
الشامة الكبيرة اللي في أخر ظهرك
وطبعا نسخة من عقد زواجنا العرفي
فتخيلي أعلى خيلي هيبئى إيه
باكينام تريد أن تبكي.. تريد فعلا أن تبكي
لم تتخيل أن فارس أحلامها المليء بالرجولة والسحر
يتحول أمامها لوحش مريع مرعب
مستعد لنسفها للانتقام منها
وإجبارها عليه
(والشامة دي عرف عنها إزاي؟؟)
باكينام تتنهد لكنها يستحيل أن تظهر انفعالها:
يوسف أنت بتعمل كل ده ليه
ألف وحدة تتمناك.. أنا مش عاوزاك سيبني في حالي
يوسف ينظر لها بتحدي: ولا أنا عاوزك.. بس أنتي عاوزة تأديب
وأنا عاوز أعمل خدمة لأهلك وأربيكي من جديد
باكينام بتحدي مشابه: أنا متربية ئبل ما أشوفك
وسدئني لو عملت اللي في رأسك.. مافيش حد هيندم غيرك
فور إنهاءها لجملتها كان والدها يقف بجوارها وهو يهمس لها:
ليه ما ئلتي ليش ئبل كده يا باكي؟؟
باكينام صمتت
يوسف كان من استلم زمام الحديث بثقة:
أنا اللي ئلت لها ياعمي.. ماتئولش لحد ،لحد ما أتكلم رسمي..
أو حضرتك شايفني ما أستاهلش باكي؟؟
طه بابتسامة مهذبة: لا والله يا ابني..
يوسف بثقة: الحفلة دي فرصة ما تتعوضش نعلن فيها خطوبتنا
كبرات مصر كلهم موجودين
طه التفت لباكينام وقال بحنان: الرأي رأي باكي
يوسف التفت لباكينام وهو يشعر بتوتر عميق في داخله
قد يكون أقنعها بترهات الغضب والكراهية
ولكنه يستحيل أن يسمح لها أن تطل على روحه التي تغلغلت هي في كل خلاياها منذ أشهر
منذ اليوم الأول الذي رأها فيه في واشنطن
قبلا لم يهتم يوما بالنساء مع انشغاله بدراسته وأبحاثه
حتى جاءت هي.. وكأنه كان ينتظرها طوال حياته
قيدت مشاعره وشدتها ناحيتها بقوة
وبعد ما حدث في واشنطن حاول تناسيها وإقناع نفسه أن إحساسه ناحيتها ليس سوى مجرد إعجاب
لكنه اكتشف أنه يخدع نفسه.. فهذه الأنثى اختلطت بأنفاسه
والليلة
من بداية الحفل وعيناه على المدخل ينتظر وصولها
ومنذ رأها وهي تدخل خلف والدتها ووالدها
وهو يشعر أن روحه نُسفت
بدت له أجمل وأعذب من كل أحلامه
نعم هو مجروح حتى أخر أعماقه منها ولكنه يريدها.. يريدها بجنون
كان يصبر نفسه وهو يسترق النظرات لها
حتى نادته والدته
وجاءت عيناه في عينيها ..الموج الأخضر الساحر
شعر أن قلبه يذوب.. وكل إيماءة منه طعنه في روحه
وهاهو ينتظر ردها وكأن حياته تتعلق على كلمة منها
يستحيل أن ينفذ شيئا من تهدايداته لها
فهو يستحيل أن يضرها بشيء
ولكن مهمته كانت تتركز على إقناعها بقدرته على فعل ذلك
باكينام بمرارة وعيناها في الأرض : موافئة يابابا
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الثاني والستون
القاهرة
حفل طاهر عزت
باكينام أعلنت موافقتها كأنها تعلن حكم إعدامها
كانت مثل المغيبة
لم يخطر لها لافي أحلامها ولافي كوابيسها
أنها تعود لمقابلة جو ويكون عكس ماعرفته وتخطب له
وكل هذا خلال نصف ساعة كأنها مشاهد مجزوءة من فيلم سيء الإخراج
لا تنكر أنها تحب يوسف بل هي مغرمة به
فهو الرجل الوحيد الذي استطاع تسلق أسوارها
وغرس رايات انتصاره على صفحة قلبها
ولكنها ترفض الزواج به
فزواج بهذه الطريقة وبكل هذه التعقيدات التي بينهما
هو زواج فاشل منذ بدايته
ومعركة خاسرة قبل أن ترفع أسلحتها
لم تعرف كيف تتصرف
فقررت أن تساير يوسف حتى تنتهي من هذه المهزلة أمام أعين مئات البشر
حتى تختلي بروحها وتصفي تفكيرها
كان يوسف الوقح مستعدا لكل شيء
والده أعلن الخطبة
وهاهو يمسك بيدها ليلبسها دبلة ألماسية ثمينة يتمدد اسمه في ثناياها
كانت أناملها باردة متصلبة
تشعر أنها في عالم آخر
كأنها نائمة ووتحلم بكابوس مريع لا تستطيع التدخل لتغيير مساراته
وصداعها يتزايد
همس يوسف لها ببرود: ممكن تلبسيني دبلتي لو سمحتي
شكلنا بئى بايخ أوي
باكينام تبتسم أمام الناس و تهمس له: انته اللي جبته لنفسك
لكنها وجدت نفسها مجبرة على على إلباسه دبلته الفضية في بنصر يده اليمنى
وفرق شاسع بين أناملها الثلجية الشفافة الباردة التي تسكن الآن في يده السمراء الدافئة
كالفرق تماما بين مشاعر كل منهما
فكرة مجنونة تخطر ببال يوسف.. فهو لم يحتمل ضغط مشاعره وملمس يدها في يده.. وحتى هذه اللمسة لا تجوز له شرعا
بينما هو يتمزق لهفة لاحتضان كفيها وغمرها بقبلاته
حتى وإن كانت هي رافضة..لا يهمه رفضها
لذا همس لها وكأنه يتحدث في موضوع اعتيادي:
شيخ الأزهر موجود هنا.. إيه رايك نخليه يكتب كتابنا بالمرة؟؟
باكينام برعب صرف: أنته أكيد مجنون..
(كنت أقول أن الخطبة فسخها هين
ولكن هذا يريد تقييدي بعقد قران)
يوسف لم يمهلها.. فهو رأى فعلا أنها تبدو كالتائهة
وهي فعلا كانت تشعر بصداع أليم واضطراب شديد في عوطفها وتفكيرها
لذا قرر أن ينتهز فرصة عدم التوزان الذي تشعر به ويربطها به
يوسف توجه لطه.. وباكينام يزداد قوة صداعها ورؤيتها أصبحت غائمة
مازالت غير مستوعبة وعشرات التهاني تنهال عليها
والدها اقترب منها سألها بقلق: باكي حبيبي مش شايفة إنكم مستعجلين على كتب الكتاب
خلوها خطوبة بالأول تتعرفوا على بعض كويس
يوسف الذي كان يتحرك كالعنكبوت هو من أجاب:
احنا خلاص اتعرفنا على بعضينا في واشنطن وعاوزين يكون بيننا رابط شرعي
عشان نتعرف على بعض أكتر ونئدر نخرج مع بعضينا بدون احراج
ثم مال وهمس على أذن باكينام بخبث: أو يمكن فيه رابط شرعي خلاص
باكينام انتفضت بعنف وهي تقول كأنها تسحب الكلمات من حنجرتها سحبا:
زي ماتشوف يابابا
طاهر تقدم وهو يضع يده على كتف طه ويقول بنبرة رجل الأعمال الذي يحسب لكل شيء حسابه:
هتكون فرصة ما تتعوضش شيخ الأزهر يكتب كتابهم دلوئتي
والشهود يكونوا الدكتور نظيف والدكتور سرور رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الشعب
مادام كلهم موجودين... ويمكن مستحيل يجتمعوا تاني
***********************
الأحساء
حوار مشعل وراكان
مشعل كان مصدوما: أنت ياراكان تبي موضي؟؟
راكان بشبح ابتسامة: ليه ما أترس عينك؟؟
مشعل بابتسامة حقيقية: إلا تترسها وتبطها بعد.. بس ماخطر ببالي
ثم أكمل بعمق: أنا توقعت إنك تخطبها قبل حمد
لكن بعدها.. السنين مرت وأنت ماتزوجت
ورافض فكرة الزواج
توقعت إنك خلاص ماعاد تبي تتزوج
راكان بهدوء: كل شيء في وقته حلو
مشعل يشعر بسعادة حقيقية صديقه وتوأم روحه يتزوج شقيقته الأقرب لروحه:
أنا موافق بس بشرط.. تزوجون قبل أرجع واشنطن
ارتبك راكان داخليا.. موضي نفسها تريد التأجيل قدر ما تستطيع
وهو غير مستعد بعد نفسيا..
ومع ذلك أجاب بهدوء: يمكن موضي ماترضى
مشعل يبتسم: خل كل شيء علي..
***********************
القاهرة
انتهى حفل طاهر عزت
ومعه عقد قران باكينام ويوسف
والربع ساعة المقررة أصبحت عدة ساعات
باكينام على وشك الانهيار
مازالت عاجزة عن التصديق
ما كل هذا؟!!
كانت ستحضر لربع ساعة مجاملة لوالديها تلقي التحية وتعود لجدتيها
فإذا الربع ساعة تتحول لكابوس من أسوأ كوابيس حياتها
وينتهي الكابوس بزواجها من يوسف
تبقى عدد محدود من الضيوف
باكينام تهمس لوالدتها بالانجليزية: ماما أنا ذاهبة
سوزان بحنان: انتظري 5 دقائق فقط وسنذهب كلنا
يوسف كعادته الرديئة التي برزت مؤخرا كان من تدخل: اسمحي لي سيدتي أنا سأوصلها
سوزان تبتسم: لا تستأذني فهي أصبحت زوجتك
انتفضت باكينام بعنف
زوجته.. زوجته.. زوجته
(أنا أصبحت زوجته
أي كابوس مرعب هذا؟!
متى سأصحو من هذا الكابوس
وأجد أني كنت أحلم حلما طويلا مريعا)
يوسف يمسك بيد باكينام ودفء يده يقنعها أنها لا تحلم: يالله حبيبي عشان أوصلك
باكينام تود أن تنتزع يدها من يده وأن تصفعه وتعضه
وتخلع حذائها وتحدث بكعبه ثقوب عميقة في رأسه العنيد المجنون
لم تشعر في حياتها كلها بالقهر كما تشعر الآن
هذا اليوسف الخبيث أجبرها على تنفيذ كل مايريد وقادها كما تُقاد الشاه للمسلخ
لا تحتمل وجوده ولا حتى دقيقة إضافية همست له:
يوسف اعتئني عشان ربنا..أنا مش طايئاك سيبني امشي
يوسف يهمس: وأنا كمان ياحبيبتي مش طايئك.. امشي أوصلك
باكينام بتعب: عربيتي معايا مش محتاجة حد يوصلني
يوسف بهدوء: هاتي مفاتيح عربيتك.. هاخلي فتحي يسوئها ورانا
وبعدين هأرجعه
باكينام مرهقة حقا: يوسف أنته ما بتهمدش..
حرام عليك بائول لك مش طايئاك.. يارب أموت عشان أرتاح
مزق يوسف دعائها على نفسها بالموت (لهذه الدرجة تكرهني!!!)
لم يرد عليها
تناول كفها وهو يعتصرها في كفه وخرج بها خارج القاعة وهو يجرها حتى وصل سيارته: اركبي
باكينام ركبت
ماعاد بها أدنى طاقة للصراخ.. مستنزفة تماما من هذه الليلة المارثونية
وهاهي في سيارته الفخمة تجوب بهما شوارع القاهرة التي لا تهدأ حتى في وقت متأخر كهذا
مسافة طويلة تفصل بين فندق الفورسينز وبيتها في المعادي
لم يسألها عن مكان بيتها فهو يحفظه
ووقف أمامه عدة مرات الأيام الماضية عله يلمحها
ولكنها لم تكن تخرج مطلقا
أكثر من عشر دقائق من الصمت مرت
كلاهما غارق في تفكيره الخاص
يداه على مقود السيارة
ويداها ترتاحان على فخذيها
مد يده لكفها الأقرب له
تناوله
باكينام ارتعشت بعنف
هناك أمسك يدها أمام الناس ومن أجل المظاهر
فماذا يريد الآن؟؟
رفع يدها إلى شفتيه وطبع على ظاهرها قبلة عميقة
باكينام انتزعت يدها وهي تحتضنها وترتعش:
ما اعتقدش أنه من لوازم تربيتي الحركات اللي مالهاش داعي دي
لم يرد عليها
مسكون بالنشوة
(إذا كان لملمس كفها هذا التأثير على روحي
فكيف بملمس خدها أو شفتيها؟!!)
تسربل الجو بينهما بالصمت لدقائق أخرى
همس بصوت عميق: تحبي نوئف شوية في كورنيش المعادي قبل ماأرجعك البيت؟؟
باكينام انفجرت
انفجرت تماما
كل كبت الساعات الماضية -الذي يوزاي سنوات- تدفق كحمم بركانية:
أنته تكون فاكر نفسك خطيبي وإلا جوزي بجد
نمشي عالكورنيش ونئزئز لب ووكل واحد يتغزل في التاني
اصحا يادلوعة ماما
أنا بأكرهك باكرهك.. ومهزلة الجواز دي زي ماورطتني فيها
تخلصني منها..
أنا عمري ماشفتش واحد حقير وندل زيك
أنا بأكرهك باكرهك ولاخر يوم في عمري هأكرهك
يوسف همس وابتسامة ملولة تتلاعب على شفتيه: خلصتي شتيمة؟؟
باكينام بغضب: لا ما خلصتش ومش هأخلص لحد ما تطلئني
يوسف ببرود: يبئى أجليها ليوم تاني لأنو خلاص أدي بيتكم
وأنا ماليش خلئ أسمعك
باكينام بغضب كاسح: لا هتسمعني وغصبا عنك هتسمعني
مش كل حاجة على كيفك
يوسف بحزم: باكي انزلي.. ئبل ما أنزلك سحب من العربية
باكينام تشتعل.. نزلت وهي تغلق الباب بعنف
ثم لفت من ناحيته لتقول له بهمس غاضب:
أتمنى يكون عندك شوية كرامة
وماتورنيش وشك تاني وتبعت لي ورئة الطلاء
خلاص أنته عملت اللي أنت عاوزه
ورديت لي الألم وزيادة..وزليتني وهنتني
وكده خالصين.. وده أخر كلام بيننا
كانت باكينام تتكلم بكل جدية
وكان رد يوسف عليها أن حرك سيارته وتركها تصرخ في الشارع
أمام باب بيتها
(كم هي غبية
غبية ولذيذة
"ئال خالصين ئال؟؟"
"إحنا لسه هنبتدي؟!"
مغرورة وسخيفة وتافهة
ولكنها تثير جنوني
لم تفعل بي امرأة هذا مطلقا
لطالما كانت المرأة مخلوقا فاقدا للأهلية في عرفي
حتى عرفتها
قلبت موازيني
قلبتها تماما!!)
*********************
قبل الفجر
الكثير من القلوب عاجزة عن النوم هذه الليلة
مريم جاءها والدها
وأخبرها بخطبة سعد لها
وطلب منها أن تفكر وتأخذ وقتها في التفكير
بعد أن أشاد في سعد كثيرا وزكاه كما يفرض عليه الحق
ولكنه في داخله كان يشعر بحزن عميق شفاف
بالكاد احتمل فكرة ذهاب العنود لبيت آخر
فكيف بمريم شمعة بيتهم؟!!
وهاهي مريم تفكر.. للمرة الثانية تفكر
أو ربما المرة الألف!!!
هيا عاجزة عن النوم
لم تستطع البقاء في غرفتها مع رائحة مشعل العميقة التي تغمر المكان
لذا قررت أن تستغل أيام غياب مشعل بالنوم عند جدتها
منها أن تتلهى عن غيابه
ومن ناحية أخرى تستمتع بقرب جدتها وأحاديثها
وهاهي مازالت ساهرة
وهي تنظر بحنان متعاظم لجدتها المستغرقة في النوم
وتدعو الله بعمق أن يحفظ مشعل ويعيده لها سالما
تشعر أن مشعلا هو كل ما تبقى لها في الحياة
نعم هي سعيدة بعودتها لأهلها واحتضانهم لها
ولكنها تشعر أنها لا تنتمي لأي شيء إلا لمشعل
لــمشــعـــل فقط
مشعل كان نائما وقتها
استعداد لنهوضه المبكر لصلاة الفجر وإكمال رحلتهما
لكن رفيق سفره جافاه النوم
راكان مستنزف من التفكير
لم يخطر له مطلقا أنه قد يتزوج موضي وبعد كل هذا الوقت
الأمر كما لو أنك كنت عطشانا طوال عمرك
ستموت من أجل قطرة ماء
وحينما أصابك الجفاف وأصبحت على شفير الهاوية
وماعادت كل مياه العالم لتنقذ روحك الذاوية
أحضروا الماء أمامك وأجبروك على ازدراده
ورغم أن الماء يبقى نعمة لا مثيل لها ولكنها نعمة ماعادت لتنفعك بشيء
ولا تستثير رغبتك فيها
وهذا هو حاله تماما مع موضي
هاهو يُجبر على ازدرادها
ورغم أنه يراها نعمة حقيقية ولكنها نعمة هو في غنى تام عنها وماعاد راغبا بها!!!
موضي ساهرة دامعة.. روحها تبكي قبل عينيها
محطمة ممزقة مشتتة ومُهانة
تكره نفسها
وتكره الظروف التي دفعتها لعرض نفسها على راكان بهذه الطريقة المزرية
راكان ذاته وحتى قبل أن تتزوج حمد لم تفكر به يوما كزوج
ولم تحمل له أي مشاعر خاصة
رغم أن المنطق الرومانسي قد يفترض شيئا من هذا
فراكان بشخصيته الواثقة الناجحة ومزاياه العديدة كان يبدو لها شيئا أشبه بأسطورة
ولا أحد يتزوج الأساطير
وخصوصا أنها عرفت بزواجه بعد زواجه بأشهر فقط
كانت حينها في الثامنة عشرة
السن الذي قد تبدأ الفتاة فيه بالتفكير في شخص قد يكون هو نصفها الآخر
معرفة موضي بزواج راكان وأسبابه وظروفه عززت صورته الأسطورية في خيالها
وأبعدته عن إطار تفكيرها الرومانسي
وفعليا هي لم تفكر مطلقا بأي رجل محدد
فهي كانت متفوقة في الدراسة
وفي الجامعة كان تخصصها الصعب يستنزف تفكيرها
وبعد تخرجها بأشهر تزوجت حمد
وطوال هذه السنوات كلها ظلت تحتفظ بسر راكان في أعمق بئر في روحها
شعرت أن احتفاظها بسره هو أقل شيء قد يقدم لمن هو في عظمة راكان وشهامته ونخوته
وهاهي خطوط حياتها تتقاطع مع خطوط حياته
رغم أنها رافضة لهذا التقاطع ورافضة لاقتراب أي رجل من حدودها الممتهنة المدمرة
تريد أن تحتفظ بما بقي من روحها الذاوية لنفسها
وتريد أن تعيش مابقي من حياتها لنفسها
وتريد أن تحتفظ بجسدها لنفسها
ولكنها مجبرة على تقديم التنازلات من أجلها.. من أجل المخلوقة الأعز والأغلى
كما اعتادت أن تتنازل طوال عمرها من أجل غيرها
في هذا التنازل ستخسر أشياء كثيرة
ولكنها على الأقل واثقة أنها مع راكان ستحتفظ بما تبقى من كرامة روحها وجسدها
باكينام
بعد أن تركها يوسف تصرخ في الشارع
دخلت إلى البيت وهي تتسحب لم تكن تريد أن ترى جدتيها في هذا الوقت بالذات
وهي مستثارة وتشعر برغبة حادة في البكاء والاختلاء بنفسها
دخلت غرفتها وأغلقت الباب على نفسها بالمفتاح
فهي تعلم أن والدتها ووالدها على وصول
وبالتأكيد سيمران بها لتهنئتها على حظها العظيم الذي بعث لها بهذا المغرور المعتوه أستاذ الجامعة المجنون ابن الذوات
وأخر شيء تريده هو أن يهنئها أحد
يعزونها ربما!!
لِـمَ عاد لحياتها بهذه الطريقة وبهذه الصورة المبالغ في تراجديتيها؟؟
كان يعرف مكانها طوال الوقت ويعرف من هي
لماذا لم يطلب مقابلتها كما قد يفعل كل الناس الطبيعين
يصفون مابينهما
ثم يطلبها للزواج
كانت حينها ستكون أسعد مخلوقات الله
ولكنها الآن وبما فعله هذه الليلة تشعر أنها المخلوق الأكثر تعاسة على وجه الأرض
فهي كانت تراه شيئا عظيما ومشاعرها نحوه كانت استثنائية تماما
ولكنه بما فعله الليلة كسر شيئا ثمينا في روحها
سلبها حقا مقدسا
حق اتخاذ القرار
فهو من اتخذ كل القرارات ونحاها جانبا
وكم كان هذا قاسيا على من هي مثلها
معتادة على الاستقلال واتخاذ قراراتها بنفسها
شعرت أنه بالغ في إهانتها والعبث بها والحط من شأنها
(يبدو أن أنّا صفية كانت محقة
عربي همجي.. يراني بضاعة تُشترى
أين كان عقلي حين نحيت قناعاتي وسمحت لقلبي أن يتعلق به
حتى بعد أن عرفت أنه مصري
ولكن لم تنتهِ اللعبة بعد يا يوسف
وأنت لم تعرفني بعد
فأنا سليلة عناد أصيل)
يوسف في شقته الخاصة في منطقة الزمالك
فهو استقل بسكنه منذ سنوات
فحياة والديه المليئة بالمجاملات والكثير من العزائم والضيوف
لم تكن تناسب رتم حياته الهادئ
فهو اعتاد على القراءة والبحث
لذا منذ بدأ بالعمل كأستاذ علم اجتماع في جامعة القاهرة
استقل بسكنه بحجة أنه يريد أن يكون قريبا من مكان عمله
وخصوصا أن قصر والده الجديد بناه في منطقة السادس من أكتوبر البعيدة قليلا عن قلب القاهرة
رغم أنه بات يفكر أن يعود للسكن معهما مجددا بعد تخرجه المقرر بعد عدة أشهر
فشقيقته الصغرى ستتزوج بعد أشهر
ولا يستطيع ترك والديه وحيدين في بيت ضخم ليس معهما سوى الخدم
وخصوصا أنه هو ذاته سيتزوج
تتسع ابتسامته وهو يتذكر هذا الأمر
من يصدق؟؟
هو ذاته مازال عاجزا عن التصديق
ينظر ليده اليسرى.. يدير دبلته عدة مرات
فهذه الدبلة لم تستقر في يمناه إلا أقل من ساعة لتنتقل بعدها ليسراه
في أقصر فترة خطوبة في التاريخ
يشعر بخدر لذيذ وهو يتذكر ملمس يديها
لا يصدق أن مخططه نجح
وضع كل الاحتمالات في ذهنه حتى يحكم سيطرته على الوضع
فهو عرف ابنة من تكون منذ أيام واشنطن
فهو يعرف والدها جيدا ورأه عدة مرات في بريطانيا في السفارة.. وفي القاهرة عند والده
شعر بتسلية غامرة وهو يراها تظنه مكسيكيا
وهذا الظن جعلها تتحدث أمامه بالعربية
تتحدث مع صديقتها في أشياء خاصة دون حرج لأنها تظنه لا يفهمها
بل وتتغزل به أحيانا
يبتسم وهو يتذكر
وحقيقة :كان يريد إخبارها بالحقيقة
ولكنه كان يريد إخبارها خارج إطار المقهى
لتراه بحقيقته وتتعرف عليه
ولكنها كانت ترفض مقابلته
وهي تضع بينهما حدودا رسمها غرورها وتكبرها
كان يكره فيها هذا الغرور.. كما كره الغرور طوال حياته
لذا يريد أن يكسر فيها هذا الغرور
تتسع ابتسامته وهو يتذكر أحداث هذه الليلة
التي سارت بشكل أفضل مما خطط له
فمخططه كان يشمل الخطبة فقط
فجاءت فكرة عقد القرآن كمكافاة حقيقية له
وسارت بشكل رائع ولا حتى أجمل أحلامه
أما لِـمَ فعل كل هذا؟؟ لِـمَ لم يطلبها للزواج بشكل طبيعي؟؟
لسبب وحيد
أنه يجهل مشاعرها
لذا خشي أن ترفضه.. وقرر أن يضعها أمام المدفع
حتى لا تجد لها منفذا للهروب من براثنه
وفعلا لم تجد لها منفذاً
************************
اليوم التالي
القاهرة بعد صلاة الظهر
باكينام صلت الظهر ومازالت في غرفتها تغلق عليها الباب
فهي متأكدة أن جدتيها عرفتا بخبر عقد قرانها
وهي غير مستعدة لمواجهتهما
ولمواجهة أنّا صفية بالذات
تكره أن تسمع تقريع جدتها لها
والأسوا من التقريع أنها كانت محقة
(فهأنا أتزوج من عربي متخلف مهما درس وتعلم يبقى متخلفا
يريد إعادتي لعصور العبودية والجواري
بل أعادني وهو يجبرني عليه
كأني جارية له
أنا باكينام الرشيدي
التي لم يُفرض علي يوما شيئا حتى والدي نفسه لم يجبرني يوما على شيء
يأتي هذا اليوسف الحقير ليفعل بي مايشاء
أتمنى أن يكون راجع تفكيره اليوم وقرر أن يطلقني)
باكينام بعد فترة قررت أن تنزل
فهي ليست ضعيفة لتهرب من المواجهة
وهي لابد ستواجه جدتيها
فلماذا تأجل هذه المواجهة؟!!
وخصوصا أنها وعدت الاثنتين أن تأخذهما للأهرامات
ثم يتغدين سويا في المينا هاوس لتتذكر جدتها فيكتوريا ذكرياتها مع جدها وليام
ارتدت ملابسها
ونزلت وحجابها في يدها
فداخل المنزل لا يوجد خدم رجال
سمعت أصواتا وهي تنزل الدرج
تنهدت وتسلحت بقوتها
ورسمت ابتسامة على وجهها وهي تقول:
نهاركم نادي
لتتفاجأ بمن وقف لاستقبالها غامرا المكان بحضوره المختلف
وفي عينيه تلمع نظرة مختلفة
القاهرة
حفل طاهر عزت
باكينام أعلنت موافقتها كأنها تعلن حكم إعدامها
كانت مثل المغيبة
لم يخطر لها لافي أحلامها ولافي كوابيسها
أنها تعود لمقابلة جو ويكون عكس ماعرفته وتخطب له
وكل هذا خلال نصف ساعة كأنها مشاهد مجزوءة من فيلم سيء الإخراج
لا تنكر أنها تحب يوسف بل هي مغرمة به
فهو الرجل الوحيد الذي استطاع تسلق أسوارها
وغرس رايات انتصاره على صفحة قلبها
ولكنها ترفض الزواج به
فزواج بهذه الطريقة وبكل هذه التعقيدات التي بينهما
هو زواج فاشل منذ بدايته
ومعركة خاسرة قبل أن ترفع أسلحتها
لم تعرف كيف تتصرف
فقررت أن تساير يوسف حتى تنتهي من هذه المهزلة أمام أعين مئات البشر
حتى تختلي بروحها وتصفي تفكيرها
كان يوسف الوقح مستعدا لكل شيء
والده أعلن الخطبة
وهاهو يمسك بيدها ليلبسها دبلة ألماسية ثمينة يتمدد اسمه في ثناياها
كانت أناملها باردة متصلبة
تشعر أنها في عالم آخر
كأنها نائمة ووتحلم بكابوس مريع لا تستطيع التدخل لتغيير مساراته
وصداعها يتزايد
همس يوسف لها ببرود: ممكن تلبسيني دبلتي لو سمحتي
شكلنا بئى بايخ أوي
باكينام تبتسم أمام الناس و تهمس له: انته اللي جبته لنفسك
لكنها وجدت نفسها مجبرة على على إلباسه دبلته الفضية في بنصر يده اليمنى
وفرق شاسع بين أناملها الثلجية الشفافة الباردة التي تسكن الآن في يده السمراء الدافئة
كالفرق تماما بين مشاعر كل منهما
فكرة مجنونة تخطر ببال يوسف.. فهو لم يحتمل ضغط مشاعره وملمس يدها في يده.. وحتى هذه اللمسة لا تجوز له شرعا
بينما هو يتمزق لهفة لاحتضان كفيها وغمرها بقبلاته
حتى وإن كانت هي رافضة..لا يهمه رفضها
لذا همس لها وكأنه يتحدث في موضوع اعتيادي:
شيخ الأزهر موجود هنا.. إيه رايك نخليه يكتب كتابنا بالمرة؟؟
باكينام برعب صرف: أنته أكيد مجنون..
(كنت أقول أن الخطبة فسخها هين
ولكن هذا يريد تقييدي بعقد قران)
يوسف لم يمهلها.. فهو رأى فعلا أنها تبدو كالتائهة
وهي فعلا كانت تشعر بصداع أليم واضطراب شديد في عوطفها وتفكيرها
لذا قرر أن ينتهز فرصة عدم التوزان الذي تشعر به ويربطها به
يوسف توجه لطه.. وباكينام يزداد قوة صداعها ورؤيتها أصبحت غائمة
مازالت غير مستوعبة وعشرات التهاني تنهال عليها
والدها اقترب منها سألها بقلق: باكي حبيبي مش شايفة إنكم مستعجلين على كتب الكتاب
خلوها خطوبة بالأول تتعرفوا على بعض كويس
يوسف الذي كان يتحرك كالعنكبوت هو من أجاب:
احنا خلاص اتعرفنا على بعضينا في واشنطن وعاوزين يكون بيننا رابط شرعي
عشان نتعرف على بعض أكتر ونئدر نخرج مع بعضينا بدون احراج
ثم مال وهمس على أذن باكينام بخبث: أو يمكن فيه رابط شرعي خلاص
باكينام انتفضت بعنف وهي تقول كأنها تسحب الكلمات من حنجرتها سحبا:
زي ماتشوف يابابا
طاهر تقدم وهو يضع يده على كتف طه ويقول بنبرة رجل الأعمال الذي يحسب لكل شيء حسابه:
هتكون فرصة ما تتعوضش شيخ الأزهر يكتب كتابهم دلوئتي
والشهود يكونوا الدكتور نظيف والدكتور سرور رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الشعب
مادام كلهم موجودين... ويمكن مستحيل يجتمعوا تاني
***********************
الأحساء
حوار مشعل وراكان
مشعل كان مصدوما: أنت ياراكان تبي موضي؟؟
راكان بشبح ابتسامة: ليه ما أترس عينك؟؟
مشعل بابتسامة حقيقية: إلا تترسها وتبطها بعد.. بس ماخطر ببالي
ثم أكمل بعمق: أنا توقعت إنك تخطبها قبل حمد
لكن بعدها.. السنين مرت وأنت ماتزوجت
ورافض فكرة الزواج
توقعت إنك خلاص ماعاد تبي تتزوج
راكان بهدوء: كل شيء في وقته حلو
مشعل يشعر بسعادة حقيقية صديقه وتوأم روحه يتزوج شقيقته الأقرب لروحه:
أنا موافق بس بشرط.. تزوجون قبل أرجع واشنطن
ارتبك راكان داخليا.. موضي نفسها تريد التأجيل قدر ما تستطيع
وهو غير مستعد بعد نفسيا..
ومع ذلك أجاب بهدوء: يمكن موضي ماترضى
مشعل يبتسم: خل كل شيء علي..
***********************
القاهرة
انتهى حفل طاهر عزت
ومعه عقد قران باكينام ويوسف
والربع ساعة المقررة أصبحت عدة ساعات
باكينام على وشك الانهيار
مازالت عاجزة عن التصديق
ما كل هذا؟!!
كانت ستحضر لربع ساعة مجاملة لوالديها تلقي التحية وتعود لجدتيها
فإذا الربع ساعة تتحول لكابوس من أسوأ كوابيس حياتها
وينتهي الكابوس بزواجها من يوسف
تبقى عدد محدود من الضيوف
باكينام تهمس لوالدتها بالانجليزية: ماما أنا ذاهبة
سوزان بحنان: انتظري 5 دقائق فقط وسنذهب كلنا
يوسف كعادته الرديئة التي برزت مؤخرا كان من تدخل: اسمحي لي سيدتي أنا سأوصلها
سوزان تبتسم: لا تستأذني فهي أصبحت زوجتك
انتفضت باكينام بعنف
زوجته.. زوجته.. زوجته
(أنا أصبحت زوجته
أي كابوس مرعب هذا؟!
متى سأصحو من هذا الكابوس
وأجد أني كنت أحلم حلما طويلا مريعا)
يوسف يمسك بيد باكينام ودفء يده يقنعها أنها لا تحلم: يالله حبيبي عشان أوصلك
باكينام تود أن تنتزع يدها من يده وأن تصفعه وتعضه
وتخلع حذائها وتحدث بكعبه ثقوب عميقة في رأسه العنيد المجنون
لم تشعر في حياتها كلها بالقهر كما تشعر الآن
هذا اليوسف الخبيث أجبرها على تنفيذ كل مايريد وقادها كما تُقاد الشاه للمسلخ
لا تحتمل وجوده ولا حتى دقيقة إضافية همست له:
يوسف اعتئني عشان ربنا..أنا مش طايئاك سيبني امشي
يوسف يهمس: وأنا كمان ياحبيبتي مش طايئك.. امشي أوصلك
باكينام بتعب: عربيتي معايا مش محتاجة حد يوصلني
يوسف بهدوء: هاتي مفاتيح عربيتك.. هاخلي فتحي يسوئها ورانا
وبعدين هأرجعه
باكينام مرهقة حقا: يوسف أنته ما بتهمدش..
حرام عليك بائول لك مش طايئاك.. يارب أموت عشان أرتاح
مزق يوسف دعائها على نفسها بالموت (لهذه الدرجة تكرهني!!!)
لم يرد عليها
تناول كفها وهو يعتصرها في كفه وخرج بها خارج القاعة وهو يجرها حتى وصل سيارته: اركبي
باكينام ركبت
ماعاد بها أدنى طاقة للصراخ.. مستنزفة تماما من هذه الليلة المارثونية
وهاهي في سيارته الفخمة تجوب بهما شوارع القاهرة التي لا تهدأ حتى في وقت متأخر كهذا
مسافة طويلة تفصل بين فندق الفورسينز وبيتها في المعادي
لم يسألها عن مكان بيتها فهو يحفظه
ووقف أمامه عدة مرات الأيام الماضية عله يلمحها
ولكنها لم تكن تخرج مطلقا
أكثر من عشر دقائق من الصمت مرت
كلاهما غارق في تفكيره الخاص
يداه على مقود السيارة
ويداها ترتاحان على فخذيها
مد يده لكفها الأقرب له
تناوله
باكينام ارتعشت بعنف
هناك أمسك يدها أمام الناس ومن أجل المظاهر
فماذا يريد الآن؟؟
رفع يدها إلى شفتيه وطبع على ظاهرها قبلة عميقة
باكينام انتزعت يدها وهي تحتضنها وترتعش:
ما اعتقدش أنه من لوازم تربيتي الحركات اللي مالهاش داعي دي
لم يرد عليها
مسكون بالنشوة
(إذا كان لملمس كفها هذا التأثير على روحي
فكيف بملمس خدها أو شفتيها؟!!)
تسربل الجو بينهما بالصمت لدقائق أخرى
همس بصوت عميق: تحبي نوئف شوية في كورنيش المعادي قبل ماأرجعك البيت؟؟
باكينام انفجرت
انفجرت تماما
كل كبت الساعات الماضية -الذي يوزاي سنوات- تدفق كحمم بركانية:
أنته تكون فاكر نفسك خطيبي وإلا جوزي بجد
نمشي عالكورنيش ونئزئز لب ووكل واحد يتغزل في التاني
اصحا يادلوعة ماما
أنا بأكرهك باكرهك.. ومهزلة الجواز دي زي ماورطتني فيها
تخلصني منها..
أنا عمري ماشفتش واحد حقير وندل زيك
أنا بأكرهك باكرهك ولاخر يوم في عمري هأكرهك
يوسف همس وابتسامة ملولة تتلاعب على شفتيه: خلصتي شتيمة؟؟
باكينام بغضب: لا ما خلصتش ومش هأخلص لحد ما تطلئني
يوسف ببرود: يبئى أجليها ليوم تاني لأنو خلاص أدي بيتكم
وأنا ماليش خلئ أسمعك
باكينام بغضب كاسح: لا هتسمعني وغصبا عنك هتسمعني
مش كل حاجة على كيفك
يوسف بحزم: باكي انزلي.. ئبل ما أنزلك سحب من العربية
باكينام تشتعل.. نزلت وهي تغلق الباب بعنف
ثم لفت من ناحيته لتقول له بهمس غاضب:
أتمنى يكون عندك شوية كرامة
وماتورنيش وشك تاني وتبعت لي ورئة الطلاء
خلاص أنته عملت اللي أنت عاوزه
ورديت لي الألم وزيادة..وزليتني وهنتني
وكده خالصين.. وده أخر كلام بيننا
كانت باكينام تتكلم بكل جدية
وكان رد يوسف عليها أن حرك سيارته وتركها تصرخ في الشارع
أمام باب بيتها
(كم هي غبية
غبية ولذيذة
"ئال خالصين ئال؟؟"
"إحنا لسه هنبتدي؟!"
مغرورة وسخيفة وتافهة
ولكنها تثير جنوني
لم تفعل بي امرأة هذا مطلقا
لطالما كانت المرأة مخلوقا فاقدا للأهلية في عرفي
حتى عرفتها
قلبت موازيني
قلبتها تماما!!)
*********************
قبل الفجر
الكثير من القلوب عاجزة عن النوم هذه الليلة
مريم جاءها والدها
وأخبرها بخطبة سعد لها
وطلب منها أن تفكر وتأخذ وقتها في التفكير
بعد أن أشاد في سعد كثيرا وزكاه كما يفرض عليه الحق
ولكنه في داخله كان يشعر بحزن عميق شفاف
بالكاد احتمل فكرة ذهاب العنود لبيت آخر
فكيف بمريم شمعة بيتهم؟!!
وهاهي مريم تفكر.. للمرة الثانية تفكر
أو ربما المرة الألف!!!
هيا عاجزة عن النوم
لم تستطع البقاء في غرفتها مع رائحة مشعل العميقة التي تغمر المكان
لذا قررت أن تستغل أيام غياب مشعل بالنوم عند جدتها
منها أن تتلهى عن غيابه
ومن ناحية أخرى تستمتع بقرب جدتها وأحاديثها
وهاهي مازالت ساهرة
وهي تنظر بحنان متعاظم لجدتها المستغرقة في النوم
وتدعو الله بعمق أن يحفظ مشعل ويعيده لها سالما
تشعر أن مشعلا هو كل ما تبقى لها في الحياة
نعم هي سعيدة بعودتها لأهلها واحتضانهم لها
ولكنها تشعر أنها لا تنتمي لأي شيء إلا لمشعل
لــمشــعـــل فقط
مشعل كان نائما وقتها
استعداد لنهوضه المبكر لصلاة الفجر وإكمال رحلتهما
لكن رفيق سفره جافاه النوم
راكان مستنزف من التفكير
لم يخطر له مطلقا أنه قد يتزوج موضي وبعد كل هذا الوقت
الأمر كما لو أنك كنت عطشانا طوال عمرك
ستموت من أجل قطرة ماء
وحينما أصابك الجفاف وأصبحت على شفير الهاوية
وماعادت كل مياه العالم لتنقذ روحك الذاوية
أحضروا الماء أمامك وأجبروك على ازدراده
ورغم أن الماء يبقى نعمة لا مثيل لها ولكنها نعمة ماعادت لتنفعك بشيء
ولا تستثير رغبتك فيها
وهذا هو حاله تماما مع موضي
هاهو يُجبر على ازدرادها
ورغم أنه يراها نعمة حقيقية ولكنها نعمة هو في غنى تام عنها وماعاد راغبا بها!!!
موضي ساهرة دامعة.. روحها تبكي قبل عينيها
محطمة ممزقة مشتتة ومُهانة
تكره نفسها
وتكره الظروف التي دفعتها لعرض نفسها على راكان بهذه الطريقة المزرية
راكان ذاته وحتى قبل أن تتزوج حمد لم تفكر به يوما كزوج
ولم تحمل له أي مشاعر خاصة
رغم أن المنطق الرومانسي قد يفترض شيئا من هذا
فراكان بشخصيته الواثقة الناجحة ومزاياه العديدة كان يبدو لها شيئا أشبه بأسطورة
ولا أحد يتزوج الأساطير
وخصوصا أنها عرفت بزواجه بعد زواجه بأشهر فقط
كانت حينها في الثامنة عشرة
السن الذي قد تبدأ الفتاة فيه بالتفكير في شخص قد يكون هو نصفها الآخر
معرفة موضي بزواج راكان وأسبابه وظروفه عززت صورته الأسطورية في خيالها
وأبعدته عن إطار تفكيرها الرومانسي
وفعليا هي لم تفكر مطلقا بأي رجل محدد
فهي كانت متفوقة في الدراسة
وفي الجامعة كان تخصصها الصعب يستنزف تفكيرها
وبعد تخرجها بأشهر تزوجت حمد
وطوال هذه السنوات كلها ظلت تحتفظ بسر راكان في أعمق بئر في روحها
شعرت أن احتفاظها بسره هو أقل شيء قد يقدم لمن هو في عظمة راكان وشهامته ونخوته
وهاهي خطوط حياتها تتقاطع مع خطوط حياته
رغم أنها رافضة لهذا التقاطع ورافضة لاقتراب أي رجل من حدودها الممتهنة المدمرة
تريد أن تحتفظ بما بقي من روحها الذاوية لنفسها
وتريد أن تعيش مابقي من حياتها لنفسها
وتريد أن تحتفظ بجسدها لنفسها
ولكنها مجبرة على تقديم التنازلات من أجلها.. من أجل المخلوقة الأعز والأغلى
كما اعتادت أن تتنازل طوال عمرها من أجل غيرها
في هذا التنازل ستخسر أشياء كثيرة
ولكنها على الأقل واثقة أنها مع راكان ستحتفظ بما تبقى من كرامة روحها وجسدها
باكينام
بعد أن تركها يوسف تصرخ في الشارع
دخلت إلى البيت وهي تتسحب لم تكن تريد أن ترى جدتيها في هذا الوقت بالذات
وهي مستثارة وتشعر برغبة حادة في البكاء والاختلاء بنفسها
دخلت غرفتها وأغلقت الباب على نفسها بالمفتاح
فهي تعلم أن والدتها ووالدها على وصول
وبالتأكيد سيمران بها لتهنئتها على حظها العظيم الذي بعث لها بهذا المغرور المعتوه أستاذ الجامعة المجنون ابن الذوات
وأخر شيء تريده هو أن يهنئها أحد
يعزونها ربما!!
لِـمَ عاد لحياتها بهذه الطريقة وبهذه الصورة المبالغ في تراجديتيها؟؟
كان يعرف مكانها طوال الوقت ويعرف من هي
لماذا لم يطلب مقابلتها كما قد يفعل كل الناس الطبيعين
يصفون مابينهما
ثم يطلبها للزواج
كانت حينها ستكون أسعد مخلوقات الله
ولكنها الآن وبما فعله هذه الليلة تشعر أنها المخلوق الأكثر تعاسة على وجه الأرض
فهي كانت تراه شيئا عظيما ومشاعرها نحوه كانت استثنائية تماما
ولكنه بما فعله الليلة كسر شيئا ثمينا في روحها
سلبها حقا مقدسا
حق اتخاذ القرار
فهو من اتخذ كل القرارات ونحاها جانبا
وكم كان هذا قاسيا على من هي مثلها
معتادة على الاستقلال واتخاذ قراراتها بنفسها
شعرت أنه بالغ في إهانتها والعبث بها والحط من شأنها
(يبدو أن أنّا صفية كانت محقة
عربي همجي.. يراني بضاعة تُشترى
أين كان عقلي حين نحيت قناعاتي وسمحت لقلبي أن يتعلق به
حتى بعد أن عرفت أنه مصري
ولكن لم تنتهِ اللعبة بعد يا يوسف
وأنت لم تعرفني بعد
فأنا سليلة عناد أصيل)
يوسف في شقته الخاصة في منطقة الزمالك
فهو استقل بسكنه منذ سنوات
فحياة والديه المليئة بالمجاملات والكثير من العزائم والضيوف
لم تكن تناسب رتم حياته الهادئ
فهو اعتاد على القراءة والبحث
لذا منذ بدأ بالعمل كأستاذ علم اجتماع في جامعة القاهرة
استقل بسكنه بحجة أنه يريد أن يكون قريبا من مكان عمله
وخصوصا أن قصر والده الجديد بناه في منطقة السادس من أكتوبر البعيدة قليلا عن قلب القاهرة
رغم أنه بات يفكر أن يعود للسكن معهما مجددا بعد تخرجه المقرر بعد عدة أشهر
فشقيقته الصغرى ستتزوج بعد أشهر
ولا يستطيع ترك والديه وحيدين في بيت ضخم ليس معهما سوى الخدم
وخصوصا أنه هو ذاته سيتزوج
تتسع ابتسامته وهو يتذكر هذا الأمر
من يصدق؟؟
هو ذاته مازال عاجزا عن التصديق
ينظر ليده اليسرى.. يدير دبلته عدة مرات
فهذه الدبلة لم تستقر في يمناه إلا أقل من ساعة لتنتقل بعدها ليسراه
في أقصر فترة خطوبة في التاريخ
يشعر بخدر لذيذ وهو يتذكر ملمس يديها
لا يصدق أن مخططه نجح
وضع كل الاحتمالات في ذهنه حتى يحكم سيطرته على الوضع
فهو عرف ابنة من تكون منذ أيام واشنطن
فهو يعرف والدها جيدا ورأه عدة مرات في بريطانيا في السفارة.. وفي القاهرة عند والده
شعر بتسلية غامرة وهو يراها تظنه مكسيكيا
وهذا الظن جعلها تتحدث أمامه بالعربية
تتحدث مع صديقتها في أشياء خاصة دون حرج لأنها تظنه لا يفهمها
بل وتتغزل به أحيانا
يبتسم وهو يتذكر
وحقيقة :كان يريد إخبارها بالحقيقة
ولكنه كان يريد إخبارها خارج إطار المقهى
لتراه بحقيقته وتتعرف عليه
ولكنها كانت ترفض مقابلته
وهي تضع بينهما حدودا رسمها غرورها وتكبرها
كان يكره فيها هذا الغرور.. كما كره الغرور طوال حياته
لذا يريد أن يكسر فيها هذا الغرور
تتسع ابتسامته وهو يتذكر أحداث هذه الليلة
التي سارت بشكل أفضل مما خطط له
فمخططه كان يشمل الخطبة فقط
فجاءت فكرة عقد القرآن كمكافاة حقيقية له
وسارت بشكل رائع ولا حتى أجمل أحلامه
أما لِـمَ فعل كل هذا؟؟ لِـمَ لم يطلبها للزواج بشكل طبيعي؟؟
لسبب وحيد
أنه يجهل مشاعرها
لذا خشي أن ترفضه.. وقرر أن يضعها أمام المدفع
حتى لا تجد لها منفذا للهروب من براثنه
وفعلا لم تجد لها منفذاً
************************
اليوم التالي
القاهرة بعد صلاة الظهر
باكينام صلت الظهر ومازالت في غرفتها تغلق عليها الباب
فهي متأكدة أن جدتيها عرفتا بخبر عقد قرانها
وهي غير مستعدة لمواجهتهما
ولمواجهة أنّا صفية بالذات
تكره أن تسمع تقريع جدتها لها
والأسوا من التقريع أنها كانت محقة
(فهأنا أتزوج من عربي متخلف مهما درس وتعلم يبقى متخلفا
يريد إعادتي لعصور العبودية والجواري
بل أعادني وهو يجبرني عليه
كأني جارية له
أنا باكينام الرشيدي
التي لم يُفرض علي يوما شيئا حتى والدي نفسه لم يجبرني يوما على شيء
يأتي هذا اليوسف الحقير ليفعل بي مايشاء
أتمنى أن يكون راجع تفكيره اليوم وقرر أن يطلقني)
باكينام بعد فترة قررت أن تنزل
فهي ليست ضعيفة لتهرب من المواجهة
وهي لابد ستواجه جدتيها
فلماذا تأجل هذه المواجهة؟!!
وخصوصا أنها وعدت الاثنتين أن تأخذهما للأهرامات
ثم يتغدين سويا في المينا هاوس لتتذكر جدتها فيكتوريا ذكرياتها مع جدها وليام
ارتدت ملابسها
ونزلت وحجابها في يدها
فداخل المنزل لا يوجد خدم رجال
سمعت أصواتا وهي تنزل الدرج
تنهدت وتسلحت بقوتها
ورسمت ابتسامة على وجهها وهي تقول:
نهاركم نادي
لتتفاجأ بمن وقف لاستقبالها غامرا المكان بحضوره المختلف
وفي عينيه تلمع نظرة مختلفة
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الثالث والستون
القاهرة
بيت طه الرشيدي
كان يوسف يجلس مع الجدتين
واستطاع بكل براعة السيطرة على انتباههما والفوز بإعجابهما
كل ما احتاجه مجرد بضع شحنات من الإشادة بالإيرلنديين والأتراك
وبوبي ساندز (ثائر إيرلندي شهير) من ناحية والسلطان عبدالحميد من ناحية أخرى..
وثقافته الشاسعة أتاحت له أن يتحدث مع كل واحدة منهما في خصائص تاريخ شعبها
بالتأكيد لاحظ بذكائه أن فيكتوريا أكثر تقبلا له
لذا زاد جرعة تمجيد الأتراك وأيام حكم العثمانيين ليستولي على إعجاب العجوز الأخرى
ومضى له مايوازي الساعة وهو مع العجوزين
فهو صلى الظهر في المسجد المجاور لبيتهم
ثم قدم مباشرة
لم يجد طه وسوزان
وعرضت عليه فيكتوريا أن تنادي باكينام لكنه رفض
وقال إنه اليوم قادم للتعرف على أروع سيدتين في العالم
جدتا باكينام اللتان حدثته كثيرا عنهما
(بالتأكيد هو لم يقصر مطلقا خلال الساعة الماضية في إقناع العجوزين
بعمق علاقته بباكينام)
وهو في حديثه معهما أقتحمهم صوت مرح:
صباحكم نادي
وقف يوسف من باب الذوق للترحيب بها
ليصدم بإحدى أجمل صدمات حياته
شلال ذهبي متموج ينحدر إلى أسفل كتفيها بقليل
بالتأكيد هو توقع أن من لها هذه البشرة البيضاء والعيون الموغلة إخضرارا
أن شعرها لابد سيكون فاتحا
ولكن اكتمال الصورة على الطبيعة كان موجعا لقلب عاشق مثله
وهذا اللون المشع كسلاسل ذهبية كان مبهرا لعينيه
باكينام ارتبكت بعنف
تناولت حجابها وارتدته على رأسها كيفما اتفق
لتبقى خصلها تتناثر من الأمام والخلف
صفية كانت أول من تحدث: تعالي بت باكينام
واد يوسف من زمان هينا.. تعالئ اقعد جنبه
(يا ســــــلام
أدي اللي كان نائصني
إزا أنّا شكلها راضية عليه أوي
يبقئ فيكي هتبوس في إيديه دلوئتي)
باكينام اقتربت.. قبلت جدتيها
ثم توجهت للجلوس بجوار فيكي الأبعد مكانا عن يوسف
لكن صفية نهرتها بحزم: بت باكي تعالي سلمي على جوزك واقعد جنبه
أنتي مش سامعاني أول مرة؟؟
باكينام قامت لتنفيذ أوامر صفية..فهي تعرفها جيدا..
وهي لا مانع لديها من زجر باكينام أمام الناس كطفلة صغيرة إذا لم تنفذ أوامرها..
كعادة الأتراك الأجلاف الذين قد يبدون في كثير من الأحيان جاهلين في أصول اللياقة
وأخر ما تريده باكينام أن يتشمت فيها هذا اليوسف
اقتربت منه.. مالت عليه
بالكاد ألصقت خدها بخده
إقناعا لجدتها أنها سلمت عليه
ولكن هذه الحركة كانت كافية لصعق يوسف وشد أوتار قلبه المشدودة أصلا
أولا رائحة عطرها الخفيف الناعم
ثم ملمس خدها الزبدي على خده الحشن
وهي تهمس بصوت مسموع واحترام مصطنع: إزيك يوسف؟؟
ثم تجلس جواره
يوسف ذائب وخده يشتعل ولكنه رد بهدوء: كويس.. انتي ازيك؟؟
مالت على أذنه: زفت ولله الحمد على كل حال.. والفضل طبعا ليكم
كان رد يوسف عليها أن سحب حجابها من فوق رأسها أمام جدتيها وهو يقول بصوت عالي:
مش حرام عليها يا أنّا حرماني أني أشوف شعرها وأنا جوزها
صفية بابتسامة: إيفيت واد يوسف إيفيت
وأعاد من باب اللياقة نفس الجملة لفيكتوريا بالانجليزية التي كان ردها عليه هزة رأس مهذبة
بينما باكينام كانت تشتعل منه ومن جرأته
همست له من قرب: يوسف اديني حجابي
يوسف همس لها: لا
العجوزان حينما رأيا أنهما بدأ بالتهامس قررا الخروج
ولم ينتبه الزوجان اللدودان لمغادرتهما
حرب متبادلة من النظرات دارت رحاها بين الطرفين
باكينام همست بغيظ: ممكن أعرف أنت جاي ليه؟؟ ومن أمتى وحضرتك مشرفنا بالزيارة؟؟
يوسف ابتسم ابتسامة شاسعة:
أولا أنا جاي أزور مراتي..
سانيا أنا بئى لي ساعة هنا.. ستاتك التركية والإيرلندية زي العسل
وأنا كنت بأئول أنتي طعمه كده لديه
دا أنتو عندكم مركز طعامة عالمي
قالها وهو يمد يده ليقرص خدها.. باكينام انتبهت أن جدتيها غادرتا
لذا أشاحت بوجهها قبل أن يلمسه ونهضت
وهي تقول بحدة: ما تلمسينيش
يوسف ابتسم بسخرية: ماعنديش جرب.. أكيد أنتي عندك جرب وخايفة عليا
باكينام بغيظ: يخرب بيت سئالتك.. دمك بيلطش
ثم أكملت ببرود: وأمتى هتطلئني؟؟
يوسف يضحك باصطناع مقصود: حلوة النكتة دي
باكينام بجدية: أنا بأتكلم جد
يوسف يبتسم ببرود: شكلها هتبئى نكتة بايخة
والنكت البايخة الأحسن أنو الواحد يخليها لنفسه
باكينام تقف: لحد ما تفكر بموضوع الطلاء ما تشرفنيش بالزيارة
ودلوئتي اتفضل من غير مطرود
لأني خارجة أنا وأنَّا وفيكي
يوسف يقف: وأنا خارج معاكم لأني خلاص اتفئت معاهم إني أكون دليلهم السياحي
وحدة خواجايه زيك إيه هيعرفها في مصر زيي
أخر ماتريده باكينام أن يتدخل هذا البارد بينها وبين جدتيها المقربتين من روحها
وأن يكسبهما لصفه
أي سحر خبيث مارسه على جدتيها العنيدتين الحذرتين الفطنتين حتى يكسبهما؟!!
فلطالما حذرتاها الاثنتان من سرعة الوثوق بالناس
فكيف يثقان هما به سريعا
هل كونه أصبح زوجها جعلهما ترتاحان له
فابنتهما لن ترضى إلا بمن هو أهل للثقة
هل هكذا فكرتا؟؟!!
لكن هي لا تريده معها ولا قريبا منها
فهي باتت تشعر أن حضوره يلغي حضورها
ولشد ماتكره هذا الاحساس!!
وفعلا كان يوسف هو من ذهب بالثلاث إلى الأهرامات
ثم للغداء
والجدتان مبهورتان بحديثه وسعة إطلاعه
وهو يرواح ببراعة وسرعة في حديثه بين العربية والانجليزية
وباكينام شعرت بالحرج من إصراره على الدفع في كل شيء
بل تجرأ على نهرها حين حاولت الدفع
وهو يهمس لها بغضب: أوعي تعيديها.. أنتي مع راجل مش مع حيطه
انتهت رحلتهما قبل المغرب بقليل
وعاد بهما يوسف لبيت الرشيدي
الجدتان نزلتا
باكينام كانت تريد النزول
ولكن يوسف أمسك ذراعها وهو يقول: استني شويه
عاوز أكلمك
باكينام بغضب بعد نزول جدتيها: أنا مش ئلت لك ما تلمسينيش
يوسف ببرود: أنتي كلك بتاعتي.. ومافيش حد يتحاسب على لمس أملاكه
باكينام ببرود مشابه: سيبنا من كلام المجانين ده.. عاوز إيه؟؟
يوسف بثقة: أنا هأرجع الساعة 10 عشان نخرج نتعشى سوا
كان رد باكينام عليه أن نزلت وأغلقت الباب خلفها
ثم همست وهي تبتعد: أعتقد أنو ردي وصلك
****************************
بعد مرور أربعة أيام
ليلة عودة مشعل وراكان من القنص التي تقرر اختصار يوم منها لهطول أمطار الخير
تبقى ثلاثة أيام فقط على حفل زفاف أبناء آل مشعل وبناتهم
عدة أحداث حدثت خلال الأيام الماضية
أبرزها أن مريم وافقت أخيرا على سعد
سعد كان يريد عقد القرآن فورا
ولكن مريم رفضت أن يعقد قرانها وراكان غائب
الوضع الأكثر تأزما هو جبهة القاهرة بين باكينام ويوسف
باكينام أصبحت أعصابها مشدودة دائما
فهو أصبح يتدخل في حياتها كثيرا
الشيء الذي هي لا تحتمله أبدا
ربما لو كانت متقبلة وجوده وموافقة على هذا الزواج
كان من الممكن أن تحاول تقبل تدخلاته
التي هي بوجهة النظر الطبيعية طبيعية جدا
فهو زوجها ومن حقه أن يستفسر أين ذهبت
بل وأن يطالبها أن تستأذنه قبل خروجها
وأن يفرض وجوده عليها
أصبحت تستغرب كيف أنها مر عليها وقت كانت معجبة فيه بهذا الطاغية المتحكم المملل بل ومغرمة به
أصبحت أمنيتها في الحياة أن تجد لها وسيلة للتخلص منه
وغشاوة متينة باتت تغطي عينيها وتحاصر مشاعرها التي ماعادت تفهمها
هل هي تحبه؟؟ أم تكرهه؟؟
لا تدري.. لا تدري
لا تدري..
ما تعرفه أنها لا تريده..
لا تريده
لا تـــريــــــــده
يوسف نفذ مايريد
أصبحت باكينام له
وبدأ في مخططه لترويضها
فهذه الفتاة القوية الشخصية التي ما اعتادت أن تستأذن
أو أن تشارك أحدا في اتخاذ قرارتها تحتاج إلى من يعيد تقويمها
وهاهو يتسلى لأبعد حد بمحاولات التقويم هذه
يستمتع بنوبات غضبها وجنونها اللذيذة
يكاد يجن ولعا حين يرى عينيها تشعان بنار خضراء مثيرة
تأسره هذه الفتاة وتثيره وتصيبه بالجنون
بات يستغل كل وقت فراغه في مرافقتها هي وجدتيها
يعلم أن جدتيها هما من تستمتعان بوجوده
أما هي فتود قذفه لأبعد مجرة
تفكير جديد بدأ يستولي على يوسف
التعجيل بالزواج
فهو ماعاد يحتمل مطلقا ضغط قربها على مشاعره
يريد أن يعودا معا إلى واشنطن زوجين فعليين
يعلم أن إقناع أهلها ليس بمشكلة
ولكن هي المشكلة
كل المـــــشــــكــــلـــة!!
هيا قضت الأيام الأربعة الماضية بين بيتها وبيت عمها محمد
توطدت علاقتها ببنات عميها
وأكثر وقتها تقضيه مع جدتها في أحاديث طويلة ممتعة
بدت تتعرف على عادات جدتها وأدويتها وتستلم هي وموضي المهمة شيئا فشيئا من مشاعل
مشاعل التي كانت قلقة جدا على جدتها
لذا حرصت أن تكتب كل شيء يخص جدتها في ورقة
ونسختها وأعطت نسخة لهيا وأخرى لموضي
وتركت نسخا على مكتبها في غرفتها
كانت مشاعل خلال الفترة الأخيرة لا تهدأ
لا تبدو كعروس عرسها بعد أيام
بل أم مسافرة تريد التأكد أن كل شيء سيكون على مايرام خلفها
والحقيقة أنها كانت تحاول أن تنسى أنها عروس
وتتناسى ما ينتظرها
قضت الأيام الماضية في إعادة ترتيب البيت كاملا
قلبت جميع أطقم البيت ونظفتها
أعادت تنظيف كل غرف البيت وترتيب الملابس
وخصوصا غرفتا سلطان وريم وملابسهما
المطابخ أخرجت كل مافيها ونظفتها من جديد
أشغال شاقة تماما
فلا يأتي الليل إلا وهي منهارة من التعب وتريد الإلقاء بجسدها المتعب على السرير للنوم عاجزة حتى عن مجرد التفكير الذي هي تهرب منه
كان كل من أم مشعل ولطيفة وموضي وهيا يطاردنها طوال اليوم
وهن يحاولن إجلاسها ولكنها كانت ترفض
وتقول أنها تتسلى في العمل عن التوتر الذي يصيب أي عروس
ولكن لطيفة على كل حال لم تكن تتركها مطلقا تهرب من مخططاتها لها وللعنود
فلم تسمح لها أن تفوت موعدا واحدا مع طبيبة البشرة أو جلسات العناية وخبيرة التجميل
فإذا كانت هذه المجنونة لا تعرف مصلحتها فلن تتركها لجنونها
وفي ذات الوقت لطيفة وموضي كانتا تحاولان دفع شحنات إيجابية في عروق مشاعل من ناحية ناصر
يحاولان أن يكسرا حدة خجلها ويجعلانها أكثر تقبلا للزواج
ولكن حالة مشاعل كانت مستعصية على الحل
خجل وخوف متراكم يحتاج لقنبلة ما لنسفه
لأن محاولة التفكيك التدريجي التي كانت شقيقتاها ومعهما مريم يمارسنه عليها طيلة الأشهر الماضية لم يؤدِ لفائدة
لطيفة هي المخلوق الأسعد
لأول مرة تكون بهذه السعادة
تدفق مشاعر مشعل ناحيتها أكثر من مرضي لمشاعرها وأنوثتها
ومشعل على الجبهة الأخرى كان أكثر سعادة بهذا الصفاء بينهما أخيرا
راكان ومشعل استمتعا في رحلة القنص كثيرا مع طيريهما (لطّام) و(كسّاب)
بالتأكيد مشعل لاحظ أن راكان مهموم
حاول أن يجره للحديث ولكن راكان كان مصرا أنه بخير
مشعل لم يلح عليه.. فهو يعرف راكان ككف يده
ولطالما كان مغلقا على أسراره
وإذا لم يرد أن يتحدث فيستحيل أن يجبره شيء أو أحد على البوح
مشعل قضى الأيام الماضية في غزل لذيذ عبر الهاتف مع زوجته..
فهو كان يقضي كثيرا من الوقت كل ليلة قبل أن ينام
يهاتفها... يخبرها بكل شيء فعله وهي بالمثل
وهما يكتشفان مجاهل جديدة وعميقة من مشاعرهما
بينما راكان غارق في أفكاره
وفيما ينتظره في الدوحة بعد أيام قليلة حين تنهي موضي عدتها
ويجد نفسه مجبرا على تنفيذ وعدها له
يشعر أنه في دوامة حقيقية كان في غنى عنها
لِـمَ كُتب عليه أن تكون كل زواجاته بهذه الطريقة الموجعة؟!!
أن يفقد حقه في الاختيار الطبيعي وأن يعيش مشاعره كما يحس هو بها
حين كان يريد موضي بجنون ومتشبع بحبها اُجبر أن يتزوج سواها وأن يتركها تذهب لسواه
وحين فقط الرغبة في كل النساء وعلى رأسهن موضي يُجبر على الزواج منها..
كم هي معقدة هذه الحياة!!!
كم هي معقدة؟!!
موضي تجاوزت صدمتها بما حدث
وأعادت لبس أقنعة مرحها ببراعة
فأهلها يحتاجونها هذه الفترة كثيرا
فزواج أشقائها وابناء عمها اقترب
وهناك الكثير لتجهيزه
موضي تقضي الكثير من الوقت مع هيا
خرجا كثيرا للتسوق
وفي عشاء بيت عمها محمد كادت هيا تموت ضحكا
وموضي تعرفها على كل الموجودات بطريقة مرحة
وهاهي موضي تقضي نهارها في مرح وصخب
ولكن ما أن يأتي الليل حتى تحضر الهواجس والألم
لذا قررت أن تنام مع هيا في غرفة جدتها
تتسامران
وكل منهما تُنسي الأخرى الغائبين في رحلة القنص
**************************
يوم الثلاثاء مساء
بيت فارس بن سعود
أم فارس كانت ترتب جناح فارس الجديد
زواجه اقترب وهي تفرغ توترها في أي شيء
جأتها الخادمة وأخبرتها أن شقيقها سعد ينتظرها بالأسفل
نزلت له
وقف حين رأها تنزل قبل رأسها ثم جلس
قال لها باحترام حنون: عادش زعلانة؟؟
أم فارس بعتب: يعني كن رضاي وإلا زعلي يهمك
ماكني بأختك الكبيرة اللي مالك غيرها
سعد بهدوء: يا أم فارس جعلني الأول
أول ماكلمت محمد جيت وقلت لش على طول قبل حتى ما يردون علي
وش اللي مزعلش علي جعلني فدا خشمك؟؟
أم فارس بذات نبرة العتب: كان المفروض تشورني قبل الخطبة
قد لي سنين أحن على راسك أبي أخطب لك
ثم تروح تخطب من وراي
سعد وقف وجلس جوارها وهو يحتضنها من كتفها ويقبل رأسها مرة أخرى:
خلاص مالش إلا الرضا
أنا محقوق لش.. وش اللي يرضيش؟؟
أم فارس بخفوت: لا فات الفوت ما ينفع الصوت
سعد بتأثر: أفا.. ليه تقولين كذا ياوضحى؟؟
أم فارس بحزن شفاف: من غير قصور في بنت محمد
بس أنا كنت أبي لك الأحسن
(وبنت محمد هي الأحسن)
صوت واثق قوي يقاطعهما
سعد يبتسم: إيه يا سنايد خالك.. تعال عاوني على أمك
أم فارس بنبرة متعبة: لا تساعدون علي عشانكم بتصيرون عدايل الولد وخاله
مريم من غير قصور فيها وأنا أشهد أنه مافيه مثلها
لكن سعد ألف من هي تمناه أصغر وأزين وصحيحة بصر
فارس اقترب وقبل ورأس خاله وجلس وهو يقول
بنبرة هي خليط من الاحترام البالغ والحنان المصفى والقوة المتأصلة نبرة خاصة به لأمه:
يمه مريم مايعيبها إنها ماتشوف
والعمى عمى البصيرة مهوب عمى البصر
سعد بابتسامة: صح لسانك
أم فارس بهدوء: خلاص ياسعد المهم أنك مقتنع وراغبها
أنت اللي بتعاشرها مهوب غيرك
ثم أردفت باستفسار: زين ومتى الملكة؟؟
سعد بهدوء: ننتظر راكان بيجي الليلة.. يمكن أتملك قدام عرس فارس
والعرس عقب شهرين ..ثلاثة ..في الصيف.. اللي تشوفينه أنتي والعرب
***********************
القاهرة
بعد صلاة العشاء
طه الرشيدي في مكتبه ويوسف عنده
وباكينام خرجت مع جدتيها لزيارة خان الخليلي والحسين ولن تعودا حتى وقت متأخر
استغربت أن يوسف لم يقفز ليصر على مرافقتهن كعادته
لم تعلم أن يوسف هذه الليلة قرر المحاربة على جبهة أخرى
طه بهدوء: أنا عاوز أعرف يا ابني أنته متسربع على إيه؟؟
يوسف بهدوء أعمق فيه خبث شاسع: خليك منطقي ياعمي وفكر بمنطقية
أنا وباكينام هنرجع واشنطن بعد 3 أسابيع.. شهر بالكثير لو مددنا شوية
واحنا الاتنين موجودين في نفس المكان ومتجوزين
لكن محكوم علينا إنه كل واحد في مكان
ثم صمت يوسف بطريقة مدروسة
والفكرة وصلت كاملة لطه الرشيدي وأرعبته
منطق الطبيعة يقول النار بجانب البترول حريق لابد منه
طه الرشيدي بهدوء واثق: خلاص نعمل الفرح يوم سفركم بالزبط
احجز الأوتيل والتزاكر في نفس اليوم
يوسف تجاوز العقبة الأولى بقيت العقبة الأكبر (باكينام)
يوسف بهدوء: بس أنا خايف باكي ما توافئش
طه بهدوء مشابه: يعني وافئت على خطوبة وكتب كتاب بالسرعة دي
مش هتوافئ على الفرح؟؟
خلاص سيب الموضوع عليا
أنت إبدا في الحجوزات وسيب باكي عليا
ابتسم يوسف إبتسامة انتصار وهو يعيد ظهره للخلف
ونظره يسرح للبعيد
*************************
الساعة 10 مساء
مشعل وراكان يصلان
الاثنان ذهبا للمجلس أولا
سلما على والديهما والشباب المتواجدين
وأنزلا طيريهما في المقلط الداخلي
ثم توجه كل منهما لبيته
وهاهو راكان يصل
سلم على والدته في الأسفل
ثم صعد لمريم أولا
طرقات خفيفة على الباب، مريم بابتهاج عميق شفاف: ادخل راكان
راكان وجد مريم والعنود سويا: ماشاء الله العرايس كلهم مجتمعين
يحتضن الاثنتان والعنود تقول بمرح: شفت أختك ماهان عليها أنا بروحي عروس
تبي تنافسني
راكان يبتسم: يحق لها
ثم أكمل بمرح هادئ: وتراني واجهت سعد في المجلس
كنه شايفني نازل من السماء... أقول وش فيه الأخ مشتاق لي كذا
أثركم رابطين الملكة فيني
مريم صمتت بخجل
وراكان يكمل: تراني قلت له لو يبي الملكة بكرة براحته
فهو ماصدق شاور إبي والملكة بكرة إن شاء الله عقب صلاة العصر
ومشعل أيضا توجه لبيتهم سلم على والدته وجدته ومشاعل اللاتي كن في الأسفل
سأل عن موضي قالوا له أنها مع هيا بالأعلى وقد تكون بغرفتها
مر بغرفة موضي
طرق الباب
استقبلته موضي بفرح غامر
بعد السلامات هتفت له بمرح: لا عاد تعودها
مرتك سيلت الدوحة من دموعها
غير مسموح لك بتاتا .حلوة بتاتا صح.. المهم غير مسموح لك بتاتا
بروحات القنص ذي.. خلصنا... خل القنص للبزارين
أنت دكتور.. دكتور ويقنص.. متى صارت ذي؟؟
مشعل بخبث: يعني أنتي عقب منتي مخلية راكان يقنص؟؟
موضي كحت بحرج وهي تقول: وش دخلي في راكان؟؟
(على أساس أنها لا تعرف بموضوع الخطبة التي هي بدأتها)
مشعل بهدوء: راكان يسأل أنتي بتوافقين عليه إذا خلصتي عدتش بعد كم يوم؟؟
موضي صمتت
مشعل يبتسم: أدري إن راكان ما ينرد
عشان كذا أنا أبيكم تزوجون قبل أرجع واشنطن
موضي برعب حقيقي: لا مشعل تكفى
ماعليه.. الملكة تصير قبل رجعتك لواشنطن
والعرس خليه بعدين.. أنا ماني بمستعدة نفسيا له
أرجوك مشعل تكفى
مشعل يحتضنها بحنان: خلاص خلاص
بدون تكفى ذي.. تدرين عظامي ما تشلني على وحدة منكم
بعد تكفى ذي ما استحملها
اللي تبينه يا نبض قلبي
***************************
غرفة مشعل وهيا
هيا منذ علمت بوصول مشعل وهي مرتبكة
لا تعرف لماذا؟؟
سعيدة مشتاقة ومتوترة
استلمتها موضي بتعليقاتها طويلا
وهاهي الآن تعود لغرفتها التي هجرتها طيلة الأيام الماضية
لا تستطيع الجلوس أو الاستقرار في مكان
كأنها تقف على صفيح ساخن في انتظارها لمشعل
والدقائق تمر كأنها ساعات لا تنقضي
كانت قد اشترت الكثير من الملابس خلال الايام الماضية
غصبا عنها وفرضا من موضي التي تتمتع فعلا بذوق رفيع في الملابس
وهاهي تختار شيئا جديدا لتلبسه
تريد أن يحس مشعل بالاختلاف
فهي قصرت كثيرا في حقه
وحق له أن تعوضه
قررت أن ترتدي تنورة قصيرة
مع توب يُعلق في العنق
وشعرها الذي يعشقه يسترسل أمواج ليل على ظهرها
ويصل حتى أطراف تنورتها
وهاهو الباب يفتح
ومشعل يدخل
وقف للحظات ينظر لها بشوق وحنين وحنان جارفين... وإعجاب
إعجاب موجع
(أميرتي
أربعة أيام مضت على روحي المثقلة شوقا
كأربعة قرون
الآن أعلم يقينا لِمَ لم أتزوج قبلا؟؟
كنت أنتظركِ
وطوال عمري كنت أفعل
صلبت نفسي على أبواب الوجع والانتظار
انتظارا لشيء مجهول استوطن روحي
كان أنتِ!!!
يا أميرة روحي وارتشافات عروقي
اقتربي مني
أروي هذا الصدر الضامئ والعروق اليابسة
التي أجدبت شوقا لعينيكِ ودفء أنفاسكِ)
همس بابتسامة: ياحي ذا الشوف
4 أيام ماشفت غير راكان ولطّام وكسّاب
انقرفت من الثلاثة
هيا كانت تقف انفعالها يهزها وعيناها ضارعتان لكل تفصيل في وجهه الأثير الذي استنزفها شوقها له
( أحقا أتيت؟!!
وها أنت تقف أمامي
ليتك تعلم كيف مضت كل دقيقة بعيدا عنك
وكأن روحي تصفد في الأغلال
وكل دقيقة تمضي تضيق أغلالي علي
آه يا مشعل
عشت حياتي كلها خائفة جزعة تقتلني الوحشة
ويسمم روحي خوف الوحدة
أدعيت القوة.. وانا أرى في كل زاوية شبحا يستعد للانقضاض علي
حتى أتيت أنت
كالسحر مسحت خوفي
بجوارك لا أخشى شيئا.. في أحضانك عرفت معنى الأمان الذي ماعرفته يوما
لا تتركني يوما
عِدني ألا تتركني مهما حدث!!!)
رمت بنفسها على صدره وهي تقول بتأثر عميق:
خلاص ماعاد فيه روحة مكان
إلا رجلي على رجلك
مشعل احتضنها بشدة وهو يهمس في أذنها بعمق:
اشتقت لش ياقلبي
والله العظيم اشتقت لش فوق ما تخيلين
هيا تدفن رأسها في صدره أكثر وبدأت دموعها تسيل:
أوعدني إنك ما تخليني يوم.. أوعدني
مشعل يحتضنها أكثر: حبيبتي الله يهداش أنا وين رحت.. كلها يومين ورجعت
هيا تشهق: أنت فاهم قصدي.. ما أقصد سفرة يومين وترجع
أقصد ما تسمح لشيء يبعدك عني
مشعل أنا عقب ما لقيتك ما لي حياة من غيرك
مشعل يرفع وجهها المبلل بالدموع ويمسحه بكفيه
ويطبع قبلاته على عينيها
وهو يقول لها برجولة عميقة: أوعدش عمري ما أخليش
ولاعمرش تحاتين شيء وأنتي معي
القاهرة
بيت طه الرشيدي
كان يوسف يجلس مع الجدتين
واستطاع بكل براعة السيطرة على انتباههما والفوز بإعجابهما
كل ما احتاجه مجرد بضع شحنات من الإشادة بالإيرلنديين والأتراك
وبوبي ساندز (ثائر إيرلندي شهير) من ناحية والسلطان عبدالحميد من ناحية أخرى..
وثقافته الشاسعة أتاحت له أن يتحدث مع كل واحدة منهما في خصائص تاريخ شعبها
بالتأكيد لاحظ بذكائه أن فيكتوريا أكثر تقبلا له
لذا زاد جرعة تمجيد الأتراك وأيام حكم العثمانيين ليستولي على إعجاب العجوز الأخرى
ومضى له مايوازي الساعة وهو مع العجوزين
فهو صلى الظهر في المسجد المجاور لبيتهم
ثم قدم مباشرة
لم يجد طه وسوزان
وعرضت عليه فيكتوريا أن تنادي باكينام لكنه رفض
وقال إنه اليوم قادم للتعرف على أروع سيدتين في العالم
جدتا باكينام اللتان حدثته كثيرا عنهما
(بالتأكيد هو لم يقصر مطلقا خلال الساعة الماضية في إقناع العجوزين
بعمق علاقته بباكينام)
وهو في حديثه معهما أقتحمهم صوت مرح:
صباحكم نادي
وقف يوسف من باب الذوق للترحيب بها
ليصدم بإحدى أجمل صدمات حياته
شلال ذهبي متموج ينحدر إلى أسفل كتفيها بقليل
بالتأكيد هو توقع أن من لها هذه البشرة البيضاء والعيون الموغلة إخضرارا
أن شعرها لابد سيكون فاتحا
ولكن اكتمال الصورة على الطبيعة كان موجعا لقلب عاشق مثله
وهذا اللون المشع كسلاسل ذهبية كان مبهرا لعينيه
باكينام ارتبكت بعنف
تناولت حجابها وارتدته على رأسها كيفما اتفق
لتبقى خصلها تتناثر من الأمام والخلف
صفية كانت أول من تحدث: تعالي بت باكينام
واد يوسف من زمان هينا.. تعالئ اقعد جنبه
(يا ســــــلام
أدي اللي كان نائصني
إزا أنّا شكلها راضية عليه أوي
يبقئ فيكي هتبوس في إيديه دلوئتي)
باكينام اقتربت.. قبلت جدتيها
ثم توجهت للجلوس بجوار فيكي الأبعد مكانا عن يوسف
لكن صفية نهرتها بحزم: بت باكي تعالي سلمي على جوزك واقعد جنبه
أنتي مش سامعاني أول مرة؟؟
باكينام قامت لتنفيذ أوامر صفية..فهي تعرفها جيدا..
وهي لا مانع لديها من زجر باكينام أمام الناس كطفلة صغيرة إذا لم تنفذ أوامرها..
كعادة الأتراك الأجلاف الذين قد يبدون في كثير من الأحيان جاهلين في أصول اللياقة
وأخر ما تريده باكينام أن يتشمت فيها هذا اليوسف
اقتربت منه.. مالت عليه
بالكاد ألصقت خدها بخده
إقناعا لجدتها أنها سلمت عليه
ولكن هذه الحركة كانت كافية لصعق يوسف وشد أوتار قلبه المشدودة أصلا
أولا رائحة عطرها الخفيف الناعم
ثم ملمس خدها الزبدي على خده الحشن
وهي تهمس بصوت مسموع واحترام مصطنع: إزيك يوسف؟؟
ثم تجلس جواره
يوسف ذائب وخده يشتعل ولكنه رد بهدوء: كويس.. انتي ازيك؟؟
مالت على أذنه: زفت ولله الحمد على كل حال.. والفضل طبعا ليكم
كان رد يوسف عليها أن سحب حجابها من فوق رأسها أمام جدتيها وهو يقول بصوت عالي:
مش حرام عليها يا أنّا حرماني أني أشوف شعرها وأنا جوزها
صفية بابتسامة: إيفيت واد يوسف إيفيت
وأعاد من باب اللياقة نفس الجملة لفيكتوريا بالانجليزية التي كان ردها عليه هزة رأس مهذبة
بينما باكينام كانت تشتعل منه ومن جرأته
همست له من قرب: يوسف اديني حجابي
يوسف همس لها: لا
العجوزان حينما رأيا أنهما بدأ بالتهامس قررا الخروج
ولم ينتبه الزوجان اللدودان لمغادرتهما
حرب متبادلة من النظرات دارت رحاها بين الطرفين
باكينام همست بغيظ: ممكن أعرف أنت جاي ليه؟؟ ومن أمتى وحضرتك مشرفنا بالزيارة؟؟
يوسف ابتسم ابتسامة شاسعة:
أولا أنا جاي أزور مراتي..
سانيا أنا بئى لي ساعة هنا.. ستاتك التركية والإيرلندية زي العسل
وأنا كنت بأئول أنتي طعمه كده لديه
دا أنتو عندكم مركز طعامة عالمي
قالها وهو يمد يده ليقرص خدها.. باكينام انتبهت أن جدتيها غادرتا
لذا أشاحت بوجهها قبل أن يلمسه ونهضت
وهي تقول بحدة: ما تلمسينيش
يوسف ابتسم بسخرية: ماعنديش جرب.. أكيد أنتي عندك جرب وخايفة عليا
باكينام بغيظ: يخرب بيت سئالتك.. دمك بيلطش
ثم أكملت ببرود: وأمتى هتطلئني؟؟
يوسف يضحك باصطناع مقصود: حلوة النكتة دي
باكينام بجدية: أنا بأتكلم جد
يوسف يبتسم ببرود: شكلها هتبئى نكتة بايخة
والنكت البايخة الأحسن أنو الواحد يخليها لنفسه
باكينام تقف: لحد ما تفكر بموضوع الطلاء ما تشرفنيش بالزيارة
ودلوئتي اتفضل من غير مطرود
لأني خارجة أنا وأنَّا وفيكي
يوسف يقف: وأنا خارج معاكم لأني خلاص اتفئت معاهم إني أكون دليلهم السياحي
وحدة خواجايه زيك إيه هيعرفها في مصر زيي
أخر ماتريده باكينام أن يتدخل هذا البارد بينها وبين جدتيها المقربتين من روحها
وأن يكسبهما لصفه
أي سحر خبيث مارسه على جدتيها العنيدتين الحذرتين الفطنتين حتى يكسبهما؟!!
فلطالما حذرتاها الاثنتان من سرعة الوثوق بالناس
فكيف يثقان هما به سريعا
هل كونه أصبح زوجها جعلهما ترتاحان له
فابنتهما لن ترضى إلا بمن هو أهل للثقة
هل هكذا فكرتا؟؟!!
لكن هي لا تريده معها ولا قريبا منها
فهي باتت تشعر أن حضوره يلغي حضورها
ولشد ماتكره هذا الاحساس!!
وفعلا كان يوسف هو من ذهب بالثلاث إلى الأهرامات
ثم للغداء
والجدتان مبهورتان بحديثه وسعة إطلاعه
وهو يرواح ببراعة وسرعة في حديثه بين العربية والانجليزية
وباكينام شعرت بالحرج من إصراره على الدفع في كل شيء
بل تجرأ على نهرها حين حاولت الدفع
وهو يهمس لها بغضب: أوعي تعيديها.. أنتي مع راجل مش مع حيطه
انتهت رحلتهما قبل المغرب بقليل
وعاد بهما يوسف لبيت الرشيدي
الجدتان نزلتا
باكينام كانت تريد النزول
ولكن يوسف أمسك ذراعها وهو يقول: استني شويه
عاوز أكلمك
باكينام بغضب بعد نزول جدتيها: أنا مش ئلت لك ما تلمسينيش
يوسف ببرود: أنتي كلك بتاعتي.. ومافيش حد يتحاسب على لمس أملاكه
باكينام ببرود مشابه: سيبنا من كلام المجانين ده.. عاوز إيه؟؟
يوسف بثقة: أنا هأرجع الساعة 10 عشان نخرج نتعشى سوا
كان رد باكينام عليه أن نزلت وأغلقت الباب خلفها
ثم همست وهي تبتعد: أعتقد أنو ردي وصلك
****************************
بعد مرور أربعة أيام
ليلة عودة مشعل وراكان من القنص التي تقرر اختصار يوم منها لهطول أمطار الخير
تبقى ثلاثة أيام فقط على حفل زفاف أبناء آل مشعل وبناتهم
عدة أحداث حدثت خلال الأيام الماضية
أبرزها أن مريم وافقت أخيرا على سعد
سعد كان يريد عقد القرآن فورا
ولكن مريم رفضت أن يعقد قرانها وراكان غائب
الوضع الأكثر تأزما هو جبهة القاهرة بين باكينام ويوسف
باكينام أصبحت أعصابها مشدودة دائما
فهو أصبح يتدخل في حياتها كثيرا
الشيء الذي هي لا تحتمله أبدا
ربما لو كانت متقبلة وجوده وموافقة على هذا الزواج
كان من الممكن أن تحاول تقبل تدخلاته
التي هي بوجهة النظر الطبيعية طبيعية جدا
فهو زوجها ومن حقه أن يستفسر أين ذهبت
بل وأن يطالبها أن تستأذنه قبل خروجها
وأن يفرض وجوده عليها
أصبحت تستغرب كيف أنها مر عليها وقت كانت معجبة فيه بهذا الطاغية المتحكم المملل بل ومغرمة به
أصبحت أمنيتها في الحياة أن تجد لها وسيلة للتخلص منه
وغشاوة متينة باتت تغطي عينيها وتحاصر مشاعرها التي ماعادت تفهمها
هل هي تحبه؟؟ أم تكرهه؟؟
لا تدري.. لا تدري
لا تدري..
ما تعرفه أنها لا تريده..
لا تريده
لا تـــريــــــــده
يوسف نفذ مايريد
أصبحت باكينام له
وبدأ في مخططه لترويضها
فهذه الفتاة القوية الشخصية التي ما اعتادت أن تستأذن
أو أن تشارك أحدا في اتخاذ قرارتها تحتاج إلى من يعيد تقويمها
وهاهو يتسلى لأبعد حد بمحاولات التقويم هذه
يستمتع بنوبات غضبها وجنونها اللذيذة
يكاد يجن ولعا حين يرى عينيها تشعان بنار خضراء مثيرة
تأسره هذه الفتاة وتثيره وتصيبه بالجنون
بات يستغل كل وقت فراغه في مرافقتها هي وجدتيها
يعلم أن جدتيها هما من تستمتعان بوجوده
أما هي فتود قذفه لأبعد مجرة
تفكير جديد بدأ يستولي على يوسف
التعجيل بالزواج
فهو ماعاد يحتمل مطلقا ضغط قربها على مشاعره
يريد أن يعودا معا إلى واشنطن زوجين فعليين
يعلم أن إقناع أهلها ليس بمشكلة
ولكن هي المشكلة
كل المـــــشــــكــــلـــة!!
هيا قضت الأيام الأربعة الماضية بين بيتها وبيت عمها محمد
توطدت علاقتها ببنات عميها
وأكثر وقتها تقضيه مع جدتها في أحاديث طويلة ممتعة
بدت تتعرف على عادات جدتها وأدويتها وتستلم هي وموضي المهمة شيئا فشيئا من مشاعل
مشاعل التي كانت قلقة جدا على جدتها
لذا حرصت أن تكتب كل شيء يخص جدتها في ورقة
ونسختها وأعطت نسخة لهيا وأخرى لموضي
وتركت نسخا على مكتبها في غرفتها
كانت مشاعل خلال الفترة الأخيرة لا تهدأ
لا تبدو كعروس عرسها بعد أيام
بل أم مسافرة تريد التأكد أن كل شيء سيكون على مايرام خلفها
والحقيقة أنها كانت تحاول أن تنسى أنها عروس
وتتناسى ما ينتظرها
قضت الأيام الماضية في إعادة ترتيب البيت كاملا
قلبت جميع أطقم البيت ونظفتها
أعادت تنظيف كل غرف البيت وترتيب الملابس
وخصوصا غرفتا سلطان وريم وملابسهما
المطابخ أخرجت كل مافيها ونظفتها من جديد
أشغال شاقة تماما
فلا يأتي الليل إلا وهي منهارة من التعب وتريد الإلقاء بجسدها المتعب على السرير للنوم عاجزة حتى عن مجرد التفكير الذي هي تهرب منه
كان كل من أم مشعل ولطيفة وموضي وهيا يطاردنها طوال اليوم
وهن يحاولن إجلاسها ولكنها كانت ترفض
وتقول أنها تتسلى في العمل عن التوتر الذي يصيب أي عروس
ولكن لطيفة على كل حال لم تكن تتركها مطلقا تهرب من مخططاتها لها وللعنود
فلم تسمح لها أن تفوت موعدا واحدا مع طبيبة البشرة أو جلسات العناية وخبيرة التجميل
فإذا كانت هذه المجنونة لا تعرف مصلحتها فلن تتركها لجنونها
وفي ذات الوقت لطيفة وموضي كانتا تحاولان دفع شحنات إيجابية في عروق مشاعل من ناحية ناصر
يحاولان أن يكسرا حدة خجلها ويجعلانها أكثر تقبلا للزواج
ولكن حالة مشاعل كانت مستعصية على الحل
خجل وخوف متراكم يحتاج لقنبلة ما لنسفه
لأن محاولة التفكيك التدريجي التي كانت شقيقتاها ومعهما مريم يمارسنه عليها طيلة الأشهر الماضية لم يؤدِ لفائدة
لطيفة هي المخلوق الأسعد
لأول مرة تكون بهذه السعادة
تدفق مشاعر مشعل ناحيتها أكثر من مرضي لمشاعرها وأنوثتها
ومشعل على الجبهة الأخرى كان أكثر سعادة بهذا الصفاء بينهما أخيرا
راكان ومشعل استمتعا في رحلة القنص كثيرا مع طيريهما (لطّام) و(كسّاب)
بالتأكيد مشعل لاحظ أن راكان مهموم
حاول أن يجره للحديث ولكن راكان كان مصرا أنه بخير
مشعل لم يلح عليه.. فهو يعرف راكان ككف يده
ولطالما كان مغلقا على أسراره
وإذا لم يرد أن يتحدث فيستحيل أن يجبره شيء أو أحد على البوح
مشعل قضى الأيام الماضية في غزل لذيذ عبر الهاتف مع زوجته..
فهو كان يقضي كثيرا من الوقت كل ليلة قبل أن ينام
يهاتفها... يخبرها بكل شيء فعله وهي بالمثل
وهما يكتشفان مجاهل جديدة وعميقة من مشاعرهما
بينما راكان غارق في أفكاره
وفيما ينتظره في الدوحة بعد أيام قليلة حين تنهي موضي عدتها
ويجد نفسه مجبرا على تنفيذ وعدها له
يشعر أنه في دوامة حقيقية كان في غنى عنها
لِـمَ كُتب عليه أن تكون كل زواجاته بهذه الطريقة الموجعة؟!!
أن يفقد حقه في الاختيار الطبيعي وأن يعيش مشاعره كما يحس هو بها
حين كان يريد موضي بجنون ومتشبع بحبها اُجبر أن يتزوج سواها وأن يتركها تذهب لسواه
وحين فقط الرغبة في كل النساء وعلى رأسهن موضي يُجبر على الزواج منها..
كم هي معقدة هذه الحياة!!!
كم هي معقدة؟!!
موضي تجاوزت صدمتها بما حدث
وأعادت لبس أقنعة مرحها ببراعة
فأهلها يحتاجونها هذه الفترة كثيرا
فزواج أشقائها وابناء عمها اقترب
وهناك الكثير لتجهيزه
موضي تقضي الكثير من الوقت مع هيا
خرجا كثيرا للتسوق
وفي عشاء بيت عمها محمد كادت هيا تموت ضحكا
وموضي تعرفها على كل الموجودات بطريقة مرحة
وهاهي موضي تقضي نهارها في مرح وصخب
ولكن ما أن يأتي الليل حتى تحضر الهواجس والألم
لذا قررت أن تنام مع هيا في غرفة جدتها
تتسامران
وكل منهما تُنسي الأخرى الغائبين في رحلة القنص
**************************
يوم الثلاثاء مساء
بيت فارس بن سعود
أم فارس كانت ترتب جناح فارس الجديد
زواجه اقترب وهي تفرغ توترها في أي شيء
جأتها الخادمة وأخبرتها أن شقيقها سعد ينتظرها بالأسفل
نزلت له
وقف حين رأها تنزل قبل رأسها ثم جلس
قال لها باحترام حنون: عادش زعلانة؟؟
أم فارس بعتب: يعني كن رضاي وإلا زعلي يهمك
ماكني بأختك الكبيرة اللي مالك غيرها
سعد بهدوء: يا أم فارس جعلني الأول
أول ماكلمت محمد جيت وقلت لش على طول قبل حتى ما يردون علي
وش اللي مزعلش علي جعلني فدا خشمك؟؟
أم فارس بذات نبرة العتب: كان المفروض تشورني قبل الخطبة
قد لي سنين أحن على راسك أبي أخطب لك
ثم تروح تخطب من وراي
سعد وقف وجلس جوارها وهو يحتضنها من كتفها ويقبل رأسها مرة أخرى:
خلاص مالش إلا الرضا
أنا محقوق لش.. وش اللي يرضيش؟؟
أم فارس بخفوت: لا فات الفوت ما ينفع الصوت
سعد بتأثر: أفا.. ليه تقولين كذا ياوضحى؟؟
أم فارس بحزن شفاف: من غير قصور في بنت محمد
بس أنا كنت أبي لك الأحسن
(وبنت محمد هي الأحسن)
صوت واثق قوي يقاطعهما
سعد يبتسم: إيه يا سنايد خالك.. تعال عاوني على أمك
أم فارس بنبرة متعبة: لا تساعدون علي عشانكم بتصيرون عدايل الولد وخاله
مريم من غير قصور فيها وأنا أشهد أنه مافيه مثلها
لكن سعد ألف من هي تمناه أصغر وأزين وصحيحة بصر
فارس اقترب وقبل ورأس خاله وجلس وهو يقول
بنبرة هي خليط من الاحترام البالغ والحنان المصفى والقوة المتأصلة نبرة خاصة به لأمه:
يمه مريم مايعيبها إنها ماتشوف
والعمى عمى البصيرة مهوب عمى البصر
سعد بابتسامة: صح لسانك
أم فارس بهدوء: خلاص ياسعد المهم أنك مقتنع وراغبها
أنت اللي بتعاشرها مهوب غيرك
ثم أردفت باستفسار: زين ومتى الملكة؟؟
سعد بهدوء: ننتظر راكان بيجي الليلة.. يمكن أتملك قدام عرس فارس
والعرس عقب شهرين ..ثلاثة ..في الصيف.. اللي تشوفينه أنتي والعرب
***********************
القاهرة
بعد صلاة العشاء
طه الرشيدي في مكتبه ويوسف عنده
وباكينام خرجت مع جدتيها لزيارة خان الخليلي والحسين ولن تعودا حتى وقت متأخر
استغربت أن يوسف لم يقفز ليصر على مرافقتهن كعادته
لم تعلم أن يوسف هذه الليلة قرر المحاربة على جبهة أخرى
طه بهدوء: أنا عاوز أعرف يا ابني أنته متسربع على إيه؟؟
يوسف بهدوء أعمق فيه خبث شاسع: خليك منطقي ياعمي وفكر بمنطقية
أنا وباكينام هنرجع واشنطن بعد 3 أسابيع.. شهر بالكثير لو مددنا شوية
واحنا الاتنين موجودين في نفس المكان ومتجوزين
لكن محكوم علينا إنه كل واحد في مكان
ثم صمت يوسف بطريقة مدروسة
والفكرة وصلت كاملة لطه الرشيدي وأرعبته
منطق الطبيعة يقول النار بجانب البترول حريق لابد منه
طه الرشيدي بهدوء واثق: خلاص نعمل الفرح يوم سفركم بالزبط
احجز الأوتيل والتزاكر في نفس اليوم
يوسف تجاوز العقبة الأولى بقيت العقبة الأكبر (باكينام)
يوسف بهدوء: بس أنا خايف باكي ما توافئش
طه بهدوء مشابه: يعني وافئت على خطوبة وكتب كتاب بالسرعة دي
مش هتوافئ على الفرح؟؟
خلاص سيب الموضوع عليا
أنت إبدا في الحجوزات وسيب باكي عليا
ابتسم يوسف إبتسامة انتصار وهو يعيد ظهره للخلف
ونظره يسرح للبعيد
*************************
الساعة 10 مساء
مشعل وراكان يصلان
الاثنان ذهبا للمجلس أولا
سلما على والديهما والشباب المتواجدين
وأنزلا طيريهما في المقلط الداخلي
ثم توجه كل منهما لبيته
وهاهو راكان يصل
سلم على والدته في الأسفل
ثم صعد لمريم أولا
طرقات خفيفة على الباب، مريم بابتهاج عميق شفاف: ادخل راكان
راكان وجد مريم والعنود سويا: ماشاء الله العرايس كلهم مجتمعين
يحتضن الاثنتان والعنود تقول بمرح: شفت أختك ماهان عليها أنا بروحي عروس
تبي تنافسني
راكان يبتسم: يحق لها
ثم أكمل بمرح هادئ: وتراني واجهت سعد في المجلس
كنه شايفني نازل من السماء... أقول وش فيه الأخ مشتاق لي كذا
أثركم رابطين الملكة فيني
مريم صمتت بخجل
وراكان يكمل: تراني قلت له لو يبي الملكة بكرة براحته
فهو ماصدق شاور إبي والملكة بكرة إن شاء الله عقب صلاة العصر
ومشعل أيضا توجه لبيتهم سلم على والدته وجدته ومشاعل اللاتي كن في الأسفل
سأل عن موضي قالوا له أنها مع هيا بالأعلى وقد تكون بغرفتها
مر بغرفة موضي
طرق الباب
استقبلته موضي بفرح غامر
بعد السلامات هتفت له بمرح: لا عاد تعودها
مرتك سيلت الدوحة من دموعها
غير مسموح لك بتاتا .حلوة بتاتا صح.. المهم غير مسموح لك بتاتا
بروحات القنص ذي.. خلصنا... خل القنص للبزارين
أنت دكتور.. دكتور ويقنص.. متى صارت ذي؟؟
مشعل بخبث: يعني أنتي عقب منتي مخلية راكان يقنص؟؟
موضي كحت بحرج وهي تقول: وش دخلي في راكان؟؟
(على أساس أنها لا تعرف بموضوع الخطبة التي هي بدأتها)
مشعل بهدوء: راكان يسأل أنتي بتوافقين عليه إذا خلصتي عدتش بعد كم يوم؟؟
موضي صمتت
مشعل يبتسم: أدري إن راكان ما ينرد
عشان كذا أنا أبيكم تزوجون قبل أرجع واشنطن
موضي برعب حقيقي: لا مشعل تكفى
ماعليه.. الملكة تصير قبل رجعتك لواشنطن
والعرس خليه بعدين.. أنا ماني بمستعدة نفسيا له
أرجوك مشعل تكفى
مشعل يحتضنها بحنان: خلاص خلاص
بدون تكفى ذي.. تدرين عظامي ما تشلني على وحدة منكم
بعد تكفى ذي ما استحملها
اللي تبينه يا نبض قلبي
***************************
غرفة مشعل وهيا
هيا منذ علمت بوصول مشعل وهي مرتبكة
لا تعرف لماذا؟؟
سعيدة مشتاقة ومتوترة
استلمتها موضي بتعليقاتها طويلا
وهاهي الآن تعود لغرفتها التي هجرتها طيلة الأيام الماضية
لا تستطيع الجلوس أو الاستقرار في مكان
كأنها تقف على صفيح ساخن في انتظارها لمشعل
والدقائق تمر كأنها ساعات لا تنقضي
كانت قد اشترت الكثير من الملابس خلال الايام الماضية
غصبا عنها وفرضا من موضي التي تتمتع فعلا بذوق رفيع في الملابس
وهاهي تختار شيئا جديدا لتلبسه
تريد أن يحس مشعل بالاختلاف
فهي قصرت كثيرا في حقه
وحق له أن تعوضه
قررت أن ترتدي تنورة قصيرة
مع توب يُعلق في العنق
وشعرها الذي يعشقه يسترسل أمواج ليل على ظهرها
ويصل حتى أطراف تنورتها
وهاهو الباب يفتح
ومشعل يدخل
وقف للحظات ينظر لها بشوق وحنين وحنان جارفين... وإعجاب
إعجاب موجع
(أميرتي
أربعة أيام مضت على روحي المثقلة شوقا
كأربعة قرون
الآن أعلم يقينا لِمَ لم أتزوج قبلا؟؟
كنت أنتظركِ
وطوال عمري كنت أفعل
صلبت نفسي على أبواب الوجع والانتظار
انتظارا لشيء مجهول استوطن روحي
كان أنتِ!!!
يا أميرة روحي وارتشافات عروقي
اقتربي مني
أروي هذا الصدر الضامئ والعروق اليابسة
التي أجدبت شوقا لعينيكِ ودفء أنفاسكِ)
همس بابتسامة: ياحي ذا الشوف
4 أيام ماشفت غير راكان ولطّام وكسّاب
انقرفت من الثلاثة
هيا كانت تقف انفعالها يهزها وعيناها ضارعتان لكل تفصيل في وجهه الأثير الذي استنزفها شوقها له
( أحقا أتيت؟!!
وها أنت تقف أمامي
ليتك تعلم كيف مضت كل دقيقة بعيدا عنك
وكأن روحي تصفد في الأغلال
وكل دقيقة تمضي تضيق أغلالي علي
آه يا مشعل
عشت حياتي كلها خائفة جزعة تقتلني الوحشة
ويسمم روحي خوف الوحدة
أدعيت القوة.. وانا أرى في كل زاوية شبحا يستعد للانقضاض علي
حتى أتيت أنت
كالسحر مسحت خوفي
بجوارك لا أخشى شيئا.. في أحضانك عرفت معنى الأمان الذي ماعرفته يوما
لا تتركني يوما
عِدني ألا تتركني مهما حدث!!!)
رمت بنفسها على صدره وهي تقول بتأثر عميق:
خلاص ماعاد فيه روحة مكان
إلا رجلي على رجلك
مشعل احتضنها بشدة وهو يهمس في أذنها بعمق:
اشتقت لش ياقلبي
والله العظيم اشتقت لش فوق ما تخيلين
هيا تدفن رأسها في صدره أكثر وبدأت دموعها تسيل:
أوعدني إنك ما تخليني يوم.. أوعدني
مشعل يحتضنها أكثر: حبيبتي الله يهداش أنا وين رحت.. كلها يومين ورجعت
هيا تشهق: أنت فاهم قصدي.. ما أقصد سفرة يومين وترجع
أقصد ما تسمح لشيء يبعدك عني
مشعل أنا عقب ما لقيتك ما لي حياة من غيرك
مشعل يرفع وجهها المبلل بالدموع ويمسحه بكفيه
ويطبع قبلاته على عينيها
وهو يقول لها برجولة عميقة: أوعدش عمري ما أخليش
ولاعمرش تحاتين شيء وأنتي معي
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الرابع والستون
مضت الأيام سريعة على البعض
وبطيئة على البعض الأخر
أصبحنا في يوم الجمعة
يوم الزواج
ملكة مريم تمت على خير قبل يومين.. وأصبحت رسميا حرم سعد بن فيصل
باكينام لم تعرف بعد أن موعد زواجها تقرر
ووالدها جاءته سفرة مفاجئة للأمم المتحدة في نيويورك
لذا لم يخبرها بعد.. ووالدتها غير قادرة على مواجهتها وحيدة
لذا تنتظر عودة طه ليكون هو من يخبرها
راكان ألمح لعمه أنه يريد موضي إذا أنهت عدتها
وأنه يريد الملكة فورا ولكن الزواج نفسه ليس قريبا
بعد أن أنقذه مشعل بإخباره أن موضي لا تريد الزواج قريبا
عبدالله بقدر استغرابه بقدر سعادته
لم يخطر بباله أن راكان الذي ترك موضي تتزوج غيره وهي بنت
يعود ليتزوجها بعد أن أصبحت مطلقة
أم مشعل ارتاحت نفسيا وبعمق.. وراكان في رأيها خير من يعوض موضي
فهي تراه رجلا حقيقيا وأفضل من حمد بألف مرة
العرسان الأربعة تختلف مشاعرهم بين اللهفة والشوق والخوف والترقب
***********************
بعد صلاة الجمعة
سعد ومشعل خارجان من الصلاة سويا
وكل واحد منهما معه ابناه
توجها لمجلس آل مشعل
فالغداء عندهم
ما أن جلسا حتى أخرج سعد من جيبه وصل إيداع وإعطاه لمشعل
مشعل نظر للوصل وهمس بهدوء: واجد يا سعد
ماهان تبارك.. وحن نشتري رجّال
سعد يبتسم: وبنت محمد مهيب أقل من غيرها
قدرها عندي عالي ومهوب بالفلوس
ثم تلفت حوله وهو يرى الكثير من الرجال ولكنه لا يرى شباب آل مشعل:
وين الشباب اليوم؟؟
ابتسم مشعل وهو يضع في جيبه وصل مهر مريم الذي تم إيداعه أمس في حسابها ليعطيه لمريم ويقول:
خبرك حركات الشباب كل واحد منهم في جناحه في الفندق
خلوني اليوم أنا والشيبان
سعد يضحك: قال خلوني أنا والشيبان.. يعني إنك أنت شباب
يا اخي أنت بروحك شيبة قاضي
مشعل يبتسم: راضي بشيباتي وخلينا الشباب لك يا العريس الجديد
**********************
بيت جابر بن حمد
حدود الساعة الواحدة ظهرا
معالي تدخل كالأعصار لغرفة شقيقتيها وتصرخ بصوت عالي:
هيه كوبي وبيست
ترا الكوافيرة كلمتني تقول ربع ساعة وواصلة
خلصوني
عالية كانت تلف جسدها بروب الحمام ومازالت منشفتها على شعرها:
أنا تسبحت خلاص، وعلياء في الحمام شوي وتخلص
معالي بتأفف: أنتو الوحدة منكم إذا شافت الحمام كنها شايفة أمها عقب غربة
ماعاد تخلصت
ما ألوم جلدكم صوفر من كثر السبوح
عالية تفك منشفتها وتبدأ بتمشيط شعرها وهي تبتسم:
شيء من حلالش يالكويحة
أصلا مهوب ذابحش إلا ذا اللون اللي بعيد عن شواربش
وحلوة صوفر ذي.. مصطلحات أمي هيا ماخليتي منها شيء
معالي تقفز وتشد شعر عالية للاسفل: قال اللون قال
لون مرضان اللهم ياكافي.. الموضة الحين السمار طال عمرش
علياء خرجت من الحمام بروبها ومنشفتها المطابقة لروب ومنشفة لعالية
لتشتبك معهم فورا في الحوار:
أنتي منتي بعاتقتنا من معلقة مدح السمار اليومية ذي؟؟
معالي تضحك: وش أسوي
باقعد أمدح روحي لين أعرس
ادعو لي كود عجوز عمياء ماتشوف الليلة تخطبني لولدها ردي الحظ
(إخسي واقطعي يابنت جابر
أنا كم مرة قايلة لش لاعاد أسمع طاري العرس عندش ياقليلة الحيا)
معالي تتصنع الإرتباك والخجل: أوبس مامي
أنتي ماتدخلين إلا في الوقت الغلط
نورة تقترب وتقرص إذن معالي: أنتي متى بتعرفين السنع؟؟
توش أم 17 وفي المدرسة وبتفلجين على العرس
معالي تدعك أذنها وتضحك ثم تحتضن أمها: أضمن مستقبلي ماماتي
بناتش البيضان ذولا ماينخاف عليهم
بس أنا اللي شكلي بأعنس فوق رأسش أنتي وجويبر
نورة مهما ادعت الغضب في داخلها لكنها لا تقدر على معالي
عادت لتقرص أذنها وهي تقول بابتسامة:
أجل حطي في بالش و اللي مايحلف به زور
إنه مافيه عرس لين تخلصون كلكم جامعة
وياويلكم كلكم لو ماجبتوا نسبة السنة الجاية تدخلكم الجامعة
معالي تضحك: زين فرضا فرضا مامي ماجبت نسبة
أمها تضحك وترد عليها بخبث شفاف: عادي خلش تعيدين السنة لين تجيبين نسبة
والعرس يتأجل مهوب طاير
معالي تضحك: لا خلاص أوعدش من أول مرة أجيب نسبة
هذي فيها عرس عرس
كل سنة تاخير بتأخير زواجي الميمون
نورة تبتسم: خلصوني أنتو هذرتكم
المره على وصول
وأنا أبي أروح الصالة بدري
أبيكم كلكم عقب صلاة المغرب خالصين
***********************
جبهتا العروستين
العروسان وشقيقاتهما وأمهاتهما في القاعة من بعد صلاة الظهر
تقرر أن العروسين لن تجلسا أمام الضيفات
وإنما ستكونان في الغرف الداخلية من القاعة
ومن تريد السلام عليهن تستطيع الدخول لهن
بالنسبة لمشاعل هي من رفضت
لأنها تخجل من المشي أمام كل هذه الأعين
وبالنسبة للعنود مريم هي من رفضت
والعنود وافقتها دون نقاش
ورفض مريم كان من الوجهة الدينية لأن عرض العروس ليس من الدين في شيء
ومن ناحية أخرى مريم تخشى كثيرا على أختها من العين
فهي تعرف أن أختها جميلة وسمعت ذلك كثيرا وللعروس أي عروس في تلك الليلة ألق مختلف
فكيف من هي في جمال ابنتها وشقيقتها الصغرى؟!!
أما هيا فقد قررت البقاء مع جدتها حتى تحضرها وتأتي معها
لذا البنات حجزن لها كوافيرة تأتيها في البيت
وبعد صلاة المغرب مباشرة تحضر جدتها وتأتي بها للقاعة
غرفة مشاعل في القاعة
مشاعل توترها قفز للذروة
وهاهي تكثر من قراءة آيات القرآن الكريم لتطمن قلبها الجازع
بدقاته التي تصاعدت بشكل مرعب
موضي لا تفارقها مطلقا وتقرأ عليها بدورها
موضي الواقفة تهمس لمشاعل الجالسة استعداد لعمل شعرها
وهي تضع يدها على كتفها:
حبيبتي اذكري الله ترا السالفة سهالات
وناصر والله العظيم يجنن ومافيه مثله
لا تخربين على نفسش أحلى ليلة في عمرش
بذا الخوف اللي ماله داعي
مشاعل تمسك بيد موضي وتنقلها لقلبها الذي تتقافز دقاته بجنون وهي تقول بصوت مختنق:
خايفة يا موضي خايفة.. غصبا عني.. أحاول أهدأ بس ماني بقادرة
خايفة
موضي تحتضن مشاعل بحنان وهي تهمس بداخلها:
يا الله يا كريم أنزل السكينة على قلبها
واشرح صدرها لناصر
العنود وضعها أفضل بكثير
وضع عروس اعتيادية بتوترها وخوفها
حتى موقفها الأخير مع فارس حاولت تناسيه
وهي تقرر أن تبدأ صفحة جديدة في كل شيء
مريم جوارها
قرأت وتقرأ الكثير من القرآن
لطيفة لا تهدأ تتنقل بين ترتيب الصالة
ووصول الطلبيات
وغرفتي العروسين
أحضرت ابنتيها معها
وأبنائها مع والدهما
تتذكر شيئا.. تلتقط هاتفها وتتصل:
هلا حبيبي تغديتو؟؟
مشعل كان في البيت ليرتاح قليلا ليذهب هو أبنائه لمكان حفل الزواج بعد صلاة العصر
يبتسم وهو يعدل المخدة تحت رأسه: تغدينا
لطيفة باهتمام واستعجال: وحمودي وعبودي تغدوا زين؟؟
مشعل مازال يبتسم: صاروا رياجيل لو ما تغدوا إذا جاعوا بيأكلون
لطيفة باستجداء: حرام عليك مشعل هذولاء الواحد لو ماقعد فوق رووسهم ماياكلون..
مشعل يضحك: والله العظيم تغدوا.. شيء ثاني؟؟
لطيفة باستعجالها وهي تتأكد من ترتيب أحد الطاولات:
إيه ملابس العيال طلعتها لهم.. معلقة على الدولاب من برا
تأكد إنهم بيلبسون الثياب اللي أنا طلعتها مهوب شيء غيرها
مشعل برقة: حاضر عمتي... شيء ثاني؟؟
لطيفة تبتسم: وش عندك على شيء ثاني.. لا.. مع السلامة
مشعل بابتسامة: زين أنا عندي شيء ثاني
لطيفة باستفسار: ويش؟؟
مشعل بعمق: أحبش.. ولا تتأخرين الليلة ياقلبي
أبي أشوف غزالتي شكلها أشلون
ترا على 12 بأجي أجيبش
*************************
بعد المغرب
اقترب الموعد.. اقترب كثيرا
الشباب أصبحوا كلهم متواجدين في مكان الحفل
مشعل وراكان مع فارس وناصر منذ الصباح
ووصلوا هم وإياهم بعد أن صلوا المغرب
عمالقة آل مشعل كلهم يجتمعون
فارس وناصر في الصدر مذهلان متألقان مفعمان برجولة خاصة
وأناقة مبهرة في بشتيهما السوداوين
حضورهما مختلف وألقهما كاسح
عن يمينهم ويسارهم محمد وعبدالله
وبالجوار جابر أبو حمد وسعد ابن عمهم ومشعل ومشعل وراكان
مشعل بن محمد يميل على أذن راكان ومشعل بن عبدالله وهو يقول بابتسامة:
أما الشيبان اليوم يبون يكسرون على المعاريس وهو ينافسونهم بذا البشوت السود تقول معاريس
مشعل بن عبدالله بمرح: والله المفروض لبسنا بشوت وصفينا جنبهم
خصوصا أنا مسكين مالبست بشت.. كان لازم أجرب روحي في البشت
الحوار المرح مستمر بين المشعلين
الحوار الذي تباعد عنه راكان وهو يفكر بنفسه
هل يأتي يوما ويجد نفسه مقيدا بمظاهر كهذه بشت ومعازيم
والأهم
الأهـــــــــــم
مقيدا بموضي!!!
حسن صديق ناصر يصل
يسلم على الجميع حتى يصل ناصر ليسلم عليه سلاما خاصا حماسيا
على طريقة الفرسان
ناصر بامتنان: والله ما أنسى لك جيتك
حسن بمرح: ما أبيك ما تنساها.. أبيك تردها لي عقب ما أرجع من الأردن
كل ليلة تسهر معي يا العريس
ناصر يضحك: مهوب كنك مسختها وهذا طلب تعجيزي
حسن بمودة: والله كان ودي أقعد بس أنت عارف إنه السباق بكرة
أنا راجع من الأردن عشان عرسك والحين طالع المطار
ناصر بمودة أكبر: تكفى سلم لي على شباب الفريق كلهم
وترا ما نبي نشوف وجيهكم إلا بمركز من المراكز الثلاثة الأولى
لو ما جبتوه اقعدوا هناك أحسن
حسن يضحك ويسلم مرة ثانية: الله كريم.. ويالله دعواتك لنا
فارس جالس بهدوءه المعتاد راسما ابتسامته الثقيلة
يمزقه التوتر انتظارا لرؤية قصة غرامه اللا متناهي
ناصر يميل عليه: هيه يالمعرس.. وش علومك؟؟
فارس بهدوء: وش علومه؟؟ شوفة عينك
ناصر يبتسم: ترا أختي شوفتها تسر القلب.. مافيه داعي تجيك حالة اكتئاب
فارس يبتسم ويرد عليه بخبث: وأختي شوفتها تسر القلب
وأظنك شفت على الطبيعة
ناصر (بعيارة): يا لبا الطاري.. من عقب ذيك الشوفة ماعاد أمسيت الليل
فارس يبتسم: ياكثر هياطك بس
************************
قاعة الحريم
اكتمل عقد الحاضرات
وأميرات آل مشعل جميعهن غاية في التآلق
فالليلة يزففن أربعة من أبنائهن
مناسبة خاصة تستلزم ألقا وأناقة خاصين
وهاهن يطفن بين الضيفات في القاعة يرحبن بهن
وأحيانا يعدن للاطمئنان على وضع العروسين
العروسان كل واحدة منهما في غرفتها المقررة لها
مع كوشة ناعمة تتناسب مع طلة كل منهما
وبالفعل كانت طلة كل واحدة تتناسب مع شخصيتها
مشاعل شعرها الحريري القصير رُفع كاملا في شينيون كلاسيكي
طرحتها دانتيل خفيف وُضعت على رأسها بطريقة الشيلة الكلاسيكية
الفستان كان بسيطا وراقيا جدا خليط من الساتان الحريري والدانتيل المتداخلين بدون أي شك أو تطريز
العنود لم ترتدِ طرحة أساسا
وشعرها المدرج الذي يصل لمنتصف ظهرها ينسدل في خصلات لولبية تختلف أطوالها
وتتوزع فيه زهرات بيضاء صغيرة
ذات الزهرات تتوزع على الفستان الفخم المبهر في نفاصيله
مضى الوقت واقترب وقت حضور العريسين
الغرف التي فيها العروسان لها مداخل على خارج القاعة لا تمر على الحضور
فتقرر أن ناصر يحضر أولا ليأخذ مشاعل
ثم يليه فارس ليأخذ العنود
مشعل اتصل بشقيقته موضي وأخبرها أنه سيحضر الآن مع ناصر لأخذ مشاعل
موضي لبست عباءتها ونقابها واقتربت من مشاعل وأخبرتها أن ناصر سيحضر
مشاعل بدأت ترتعش بشكل عنيف واضح
موضي اقتربت واحتضنتها وهي تقرأ عليها وهي تقول لها:
تكفين مشاعل لا تفضحينا في ناصر
والله ناصر مافيه مثله
أنتي هدي أعصابش بس
مشعل جاي معه.. وأنتي عارفة مشعل بيمتغث لو شافش كذا
مشعل الكلمة السحرية لشقيقاته
حاولت مشاعل التماسك من أجل مشعل
ومن أجل مشعل فقط
المتواجدات في الانتظار موضي ولطيفة وأمهات مشعل وأم حمد
ومريم أحضرتها سائقتها وأجلستها على كرسي قريب من الباب حتى تسلم على ناصر ثم تعيدها للعنود
أم مشعل بن عبدالله غاية في التوتر وحزن شفاف يغزو روحها
وهي تراقب لمعة الدموع في عيني ابنتها وارتجاف يديها
كانت تكثر من الدعاء لها
ودقات قلبها تتعالى وكأنها تتضامن مع دقات قلب ابنتها
التي يكاد قلبها يتوقف من قوة تصارع العروق وتعالي النبضات
ناصر دخل
قبل أن يرى شيئا عرف مريم عند المدخل تجلس بعباءتها وغطاها
وقف عندها وهو يحتضنها ويقبل رأسها ومريم تهمس له بحنان:
مبروك ياقلبي.. جمع الله بينكما في خير
ثم نزلت له أمهات مشعل وقبل رأس كل واحدة منهما
وهو يشعر بشوق كاسح لإنهاء هذه السلامات حتى يراها
حينها استطاع أن يرفع عينيه أن ينظر لملاكه الذي طال اشتياقه له
بدت له أكثر عذوبة ورقة من أن تكون حقيقة
كانت أشبه ما تكون بحلم شفاف
نسمة عابرة
شيء خيالي يستعصي على خيال البشر الإحاطة به
(آه ياقلبي
وش ذا العذوبة كلها
أحسها بتذوب من رقتها)
مشعل كان يمشي جواره وهو يلقي التحية على مريم وأم مشعل
صعدا سويا
موضي أوقفت مشاعل ونزلت
مشاعل شعرت أنه سيغمى عليها وهي ترى الجسد الفارع الطول يطل عليها من علو
وعيناها المنخفضتان تركزان في طرف البشت الأسود
شعرت به قريبا جدا
فرائحة عطره الرجولي الفاخر اخترقتها تماما
توترت بشدة (أ يعقل أنه يشم عطري الآن؟!)
وبالفعل كان ناصر منذ اقترب منها وهو يشم رائحة عطرها المسكر
الذي اكتسب من عذوبتها سحرا خاصا
اقترب أكثر ليطبع على جبينها الناعم قبلته الدافئة
ومشاعل شعرت أنها تكاد تذوب وتنتهي لم تتوقع شيئا من هذا ولا أنه اقترب لهذه الدرجة لأنها لم ترفع عينيها إطلاقا
ناصر بعد أن قبل جبينها وقف جوارها ليتيح لمشعل السلام عليها
مشعل قبل رأس شقيقته وهو يهمس لها بحنان:
مبروك يالغالية.. ما أوصيش في ناصر
ثم ألتفت لناصر وهو يقول بعمق: وما أوصيك في مشاعل
ناصر بعمق مشابه: في عيوني
ثم أمسك بيدها ليجلسها ويجلس جوارها ملاصقا لها على المقعد الطويل
يدها باردة وصغيرة وناعمة وترتعش.. ترتعش بشدة
مشاعل تدعو ربها بعمق أن يفلت يدها التي تسكن الآن في يده الكبيرة
وأن يبتعد قليلا فملاصقة جسده لها بهذه الطريقة أوقفت عقلها عن التفكير من شدة الخجل
ولكن ناصر لم يحقق أيا من أمانيها فلا هو ابتعد.. ولا هو أفلت يدها التي يمسكها الآن بحنان وبقوة
وهو يتأمل بإعجاب شفاف خطوط الحناء الناعمة فيها
(أخاف يدها الهشة تنكسر في يدي
بس بعد ماني بفاكها
وش هالسحر اللي فيش؟!!
وقفتي تفكيري وأشعلتي مشاعري)
(أرجوك.. حرام عليك
بيغمى علي
فكني
بعد عني شوي
والله العظيم بيغمى علي وقلبي بيوقف)
بعد دقائق ..مشعل همس لناصر: يالله نمشي
ناصر شعر بارتعاشة يدها أكثر في يده
مال عليها وهمس لها من قرب: ليش ترتعشين كذا؟؟
مشاعل لا تخافين من شيء
مشعل أشار لشقيقتيه لإحضار عباءة مشاعل
لطيفة كانت تلبسها
في الوقت الذي همست له موضي: بأروح معها
مشعل همس لموضي: مافيه داعي
أنا بأوصلهم للأوتيل
وبعدين أنتي رايحة اليوم الصبح ورتبتي أغراضها هناك
لا تحاتينها
خرجا سويا وركبا السيارة
مشعل يقود بهما
وناصر جلس معها في الخلف
مشاعل وضعت يديها متشابكتين في حضنها
حتى لا تسمح له بإمساكها
ناصر تفهم خجلها
وتركها براحتها
والسيارة تخرج من الصالة باتجاه الفندق
**********************
الثنائي الآخر
فارس والعنود
بعد أن خرج ناصر اتصل مشعل براكان ليحضر فارس
لطيفة ومريم وأم فارس وأمهات مشعل وأم حمد هم من يتواجد مع العنود الآن
مريم اقتربت من العنود
حصنتها مطولا بالأذكار والأدعية
ثم نزلت.. حاولت العنود التمسك بها ودقات قلبها تتزايد
همست لها مريم بمرح شفاف: لا تصيرين جبانة
فارس مايعض..
وصل فارس مع راكان
سلم على والدته أولا
وسلم على كل الموجودات وهو يتلافى النظر إلى من يلتهمه شوقه لها
شعر لأول مرة في حياته بضغط توتر هائل
معشوقته أمامه
من مزقت قلبه هياما أمامه
من أهانته أمامه
من شكت فيه أمامه
كل المتناقضات وسعير المترادفات أمامه
سلم على والدته وأمهات مشعل وشقيقته لطيفة وأطال وهو يسلم عليهم
وراكان يهمس له بمرح: يا أخي أنت مستغرب من هلك وعجايزك توك شايفهم اليوم
وشرايك نطلع القاعة ونخليك تلف على عجايز الجماعة كلهم تسلم عليهم عجوز عجوز
خلّصنا
مرتك واقفة تنتظرك
وبالفعل كانت العنود واقفة من قبل دخوله
أوقفتها لطيفة.. ونزلت.. وتركتها وحدها لتستحوذ على البهاء الأبدي
رفع فارس عينيه إليها وهو يتقدم بثقة ناحيتها
مــوجـعـة
مــوجـــــعـــة
مـــــــــــوجـــــــعـــــة
لم يجد وصفا أفضل للشعور الذي اجتاحه غير الوجع
كانت إطلالتها موجعة
وجمالها موجعا
وتأثيرها سلبا وإيجابا على روحه موجعا
وقف للحظات أمامها ضائعا في بحر ملامحها
(أ يعقل أنها أصبحت لي
وأخيرا لي
أ أستطيع مد يدي لشفتيها وألمسهما؟!
معانقة أهداب عينيها؟!
مصافحة زهر خديها؟!
أريد أن أتاكد أنها أمامي وكل هذا الحسن والجمال والروعة لي أنا
أنا وحدي)
راكان اقترب من شقيقته الصغيرة احتضنها بحنان:
مبروك عنودتي ألف مبروك
العنود همست بصوت خافت: الله يبارك فيك
بالكاد سمعها راكان
ولكن همساتها وصلت للقلب المتيم
لاول مرة يسمع صوتها الذي عذبه من هذا القرب
وكم بدا له صوتها مع صورتها عذابا لا يحتمل
العنود لم تستطع رفع عينيها خجلا
ولكنها شعرت أن فارس أطال في وقفته أمامها
راكان همس له: اقعد يا ابن الحلال
فارس وقف جوارها وكان على وشك أن يجلس
دون أن يمسك بيدها أو يجلسها
لطيفة اقتربت من ناحيته وهمست:
فارس الله يهداك أمسك يدها وقعدها
فارس لم يفكر أن يقبل رأسها كالعادة الشائعة
رغم أن شقيقاته أخبرنه بذلك سابقا
شعر أن اقترابه من حدود وجهها شيء خاص به هو وإياها
لا يريد لأحد أن يشهده
شيء خاص جدا.. لهما وحدهما
وإذا كان يشعر أن إمساك يدها فوق احتماله
فكيف بتقبيلها؟؟
ولكن مسك كفها أهون الأمرين
لذا تناول يدها
وليته ما فعل
فهو شعر كما لو أن ماسا كهربائيا صاعقا ضرب يده
مع إحساسه بسكون أناملها الناعمة الدافئة المرتعشة بين أنامله
ولكن أي من انفعالاته لم يظهر على وجهه وهو يجلسها ثم يفلت يدها
والدته كانت شديدة التأثر
وهي تدمع من الفرح
وتكثر من الدعوات له
كان ينظر للأمام بثقته الطبيعية
لكن داخله كان يهتز بعنف
وهو غير قادر على التركيز في أي شيء
كيف يركز وأقطاب التشتيت في العالم كله تجلس جواره؟!!
العنود كانت دقات قلبها تتصاعد بعنف
تعلم أنه لم يبدُ رومانسيا
ولكن لأنها تعرفه فهي لم تتوقع أبدا أن يكون رومانسيا
وتحمد الله أنه لم يكن كذلك
فارتباكها يكفيها
وهي تتفهم جيدا ثقله ورزانته وتشكر الله عليهما
بعد دقائق
راكان همس له: يالله قوم نمشي
فارس وقف وهذه المرة لم ينسَ أن يمد يده لها ويوقفها
هذه المرة كانت يدها أكثر ارتعاشا وفي أعماق روحه أكثر تأثيرا
(خائفة حبيبتي؟!
ليتني أستطيع اخفائكِ في صدري
حمل كل مخاوفكِ عنكِ
ولكن ماذا أفعل حين أكون أنا سبب خوفكِ؟!
ليتني أستطيع احتضان هذه اليد الصغيرة المرتعشة الغالية
غمرها بقبلاتي وزرعها بين أضلاعي
حتى أبعد عنكِ كل خوف)
لطيفة ألبستها عباءتها وساعدتها حتى أوصلتها للسيارة لضخافة فستانها ثم عادت
لتنطلق السيارة بهم
**********************
كل ثنائي وصل لفندقه
وكل شقيق أوصل أخته
أطمئن عليها
ثم تركها مع الرجل الذي يُفترض أن تكمل معه بقية حياتها
.
.
مضت الأيام سريعة على البعض
وبطيئة على البعض الأخر
أصبحنا في يوم الجمعة
يوم الزواج
ملكة مريم تمت على خير قبل يومين.. وأصبحت رسميا حرم سعد بن فيصل
باكينام لم تعرف بعد أن موعد زواجها تقرر
ووالدها جاءته سفرة مفاجئة للأمم المتحدة في نيويورك
لذا لم يخبرها بعد.. ووالدتها غير قادرة على مواجهتها وحيدة
لذا تنتظر عودة طه ليكون هو من يخبرها
راكان ألمح لعمه أنه يريد موضي إذا أنهت عدتها
وأنه يريد الملكة فورا ولكن الزواج نفسه ليس قريبا
بعد أن أنقذه مشعل بإخباره أن موضي لا تريد الزواج قريبا
عبدالله بقدر استغرابه بقدر سعادته
لم يخطر بباله أن راكان الذي ترك موضي تتزوج غيره وهي بنت
يعود ليتزوجها بعد أن أصبحت مطلقة
أم مشعل ارتاحت نفسيا وبعمق.. وراكان في رأيها خير من يعوض موضي
فهي تراه رجلا حقيقيا وأفضل من حمد بألف مرة
العرسان الأربعة تختلف مشاعرهم بين اللهفة والشوق والخوف والترقب
***********************
بعد صلاة الجمعة
سعد ومشعل خارجان من الصلاة سويا
وكل واحد منهما معه ابناه
توجها لمجلس آل مشعل
فالغداء عندهم
ما أن جلسا حتى أخرج سعد من جيبه وصل إيداع وإعطاه لمشعل
مشعل نظر للوصل وهمس بهدوء: واجد يا سعد
ماهان تبارك.. وحن نشتري رجّال
سعد يبتسم: وبنت محمد مهيب أقل من غيرها
قدرها عندي عالي ومهوب بالفلوس
ثم تلفت حوله وهو يرى الكثير من الرجال ولكنه لا يرى شباب آل مشعل:
وين الشباب اليوم؟؟
ابتسم مشعل وهو يضع في جيبه وصل مهر مريم الذي تم إيداعه أمس في حسابها ليعطيه لمريم ويقول:
خبرك حركات الشباب كل واحد منهم في جناحه في الفندق
خلوني اليوم أنا والشيبان
سعد يضحك: قال خلوني أنا والشيبان.. يعني إنك أنت شباب
يا اخي أنت بروحك شيبة قاضي
مشعل يبتسم: راضي بشيباتي وخلينا الشباب لك يا العريس الجديد
**********************
بيت جابر بن حمد
حدود الساعة الواحدة ظهرا
معالي تدخل كالأعصار لغرفة شقيقتيها وتصرخ بصوت عالي:
هيه كوبي وبيست
ترا الكوافيرة كلمتني تقول ربع ساعة وواصلة
خلصوني
عالية كانت تلف جسدها بروب الحمام ومازالت منشفتها على شعرها:
أنا تسبحت خلاص، وعلياء في الحمام شوي وتخلص
معالي بتأفف: أنتو الوحدة منكم إذا شافت الحمام كنها شايفة أمها عقب غربة
ماعاد تخلصت
ما ألوم جلدكم صوفر من كثر السبوح
عالية تفك منشفتها وتبدأ بتمشيط شعرها وهي تبتسم:
شيء من حلالش يالكويحة
أصلا مهوب ذابحش إلا ذا اللون اللي بعيد عن شواربش
وحلوة صوفر ذي.. مصطلحات أمي هيا ماخليتي منها شيء
معالي تقفز وتشد شعر عالية للاسفل: قال اللون قال
لون مرضان اللهم ياكافي.. الموضة الحين السمار طال عمرش
علياء خرجت من الحمام بروبها ومنشفتها المطابقة لروب ومنشفة لعالية
لتشتبك معهم فورا في الحوار:
أنتي منتي بعاتقتنا من معلقة مدح السمار اليومية ذي؟؟
معالي تضحك: وش أسوي
باقعد أمدح روحي لين أعرس
ادعو لي كود عجوز عمياء ماتشوف الليلة تخطبني لولدها ردي الحظ
(إخسي واقطعي يابنت جابر
أنا كم مرة قايلة لش لاعاد أسمع طاري العرس عندش ياقليلة الحيا)
معالي تتصنع الإرتباك والخجل: أوبس مامي
أنتي ماتدخلين إلا في الوقت الغلط
نورة تقترب وتقرص إذن معالي: أنتي متى بتعرفين السنع؟؟
توش أم 17 وفي المدرسة وبتفلجين على العرس
معالي تدعك أذنها وتضحك ثم تحتضن أمها: أضمن مستقبلي ماماتي
بناتش البيضان ذولا ماينخاف عليهم
بس أنا اللي شكلي بأعنس فوق رأسش أنتي وجويبر
نورة مهما ادعت الغضب في داخلها لكنها لا تقدر على معالي
عادت لتقرص أذنها وهي تقول بابتسامة:
أجل حطي في بالش و اللي مايحلف به زور
إنه مافيه عرس لين تخلصون كلكم جامعة
وياويلكم كلكم لو ماجبتوا نسبة السنة الجاية تدخلكم الجامعة
معالي تضحك: زين فرضا فرضا مامي ماجبت نسبة
أمها تضحك وترد عليها بخبث شفاف: عادي خلش تعيدين السنة لين تجيبين نسبة
والعرس يتأجل مهوب طاير
معالي تضحك: لا خلاص أوعدش من أول مرة أجيب نسبة
هذي فيها عرس عرس
كل سنة تاخير بتأخير زواجي الميمون
نورة تبتسم: خلصوني أنتو هذرتكم
المره على وصول
وأنا أبي أروح الصالة بدري
أبيكم كلكم عقب صلاة المغرب خالصين
***********************
جبهتا العروستين
العروسان وشقيقاتهما وأمهاتهما في القاعة من بعد صلاة الظهر
تقرر أن العروسين لن تجلسا أمام الضيفات
وإنما ستكونان في الغرف الداخلية من القاعة
ومن تريد السلام عليهن تستطيع الدخول لهن
بالنسبة لمشاعل هي من رفضت
لأنها تخجل من المشي أمام كل هذه الأعين
وبالنسبة للعنود مريم هي من رفضت
والعنود وافقتها دون نقاش
ورفض مريم كان من الوجهة الدينية لأن عرض العروس ليس من الدين في شيء
ومن ناحية أخرى مريم تخشى كثيرا على أختها من العين
فهي تعرف أن أختها جميلة وسمعت ذلك كثيرا وللعروس أي عروس في تلك الليلة ألق مختلف
فكيف من هي في جمال ابنتها وشقيقتها الصغرى؟!!
أما هيا فقد قررت البقاء مع جدتها حتى تحضرها وتأتي معها
لذا البنات حجزن لها كوافيرة تأتيها في البيت
وبعد صلاة المغرب مباشرة تحضر جدتها وتأتي بها للقاعة
غرفة مشاعل في القاعة
مشاعل توترها قفز للذروة
وهاهي تكثر من قراءة آيات القرآن الكريم لتطمن قلبها الجازع
بدقاته التي تصاعدت بشكل مرعب
موضي لا تفارقها مطلقا وتقرأ عليها بدورها
موضي الواقفة تهمس لمشاعل الجالسة استعداد لعمل شعرها
وهي تضع يدها على كتفها:
حبيبتي اذكري الله ترا السالفة سهالات
وناصر والله العظيم يجنن ومافيه مثله
لا تخربين على نفسش أحلى ليلة في عمرش
بذا الخوف اللي ماله داعي
مشاعل تمسك بيد موضي وتنقلها لقلبها الذي تتقافز دقاته بجنون وهي تقول بصوت مختنق:
خايفة يا موضي خايفة.. غصبا عني.. أحاول أهدأ بس ماني بقادرة
خايفة
موضي تحتضن مشاعل بحنان وهي تهمس بداخلها:
يا الله يا كريم أنزل السكينة على قلبها
واشرح صدرها لناصر
العنود وضعها أفضل بكثير
وضع عروس اعتيادية بتوترها وخوفها
حتى موقفها الأخير مع فارس حاولت تناسيه
وهي تقرر أن تبدأ صفحة جديدة في كل شيء
مريم جوارها
قرأت وتقرأ الكثير من القرآن
لطيفة لا تهدأ تتنقل بين ترتيب الصالة
ووصول الطلبيات
وغرفتي العروسين
أحضرت ابنتيها معها
وأبنائها مع والدهما
تتذكر شيئا.. تلتقط هاتفها وتتصل:
هلا حبيبي تغديتو؟؟
مشعل كان في البيت ليرتاح قليلا ليذهب هو أبنائه لمكان حفل الزواج بعد صلاة العصر
يبتسم وهو يعدل المخدة تحت رأسه: تغدينا
لطيفة باهتمام واستعجال: وحمودي وعبودي تغدوا زين؟؟
مشعل مازال يبتسم: صاروا رياجيل لو ما تغدوا إذا جاعوا بيأكلون
لطيفة باستجداء: حرام عليك مشعل هذولاء الواحد لو ماقعد فوق رووسهم ماياكلون..
مشعل يضحك: والله العظيم تغدوا.. شيء ثاني؟؟
لطيفة باستعجالها وهي تتأكد من ترتيب أحد الطاولات:
إيه ملابس العيال طلعتها لهم.. معلقة على الدولاب من برا
تأكد إنهم بيلبسون الثياب اللي أنا طلعتها مهوب شيء غيرها
مشعل برقة: حاضر عمتي... شيء ثاني؟؟
لطيفة تبتسم: وش عندك على شيء ثاني.. لا.. مع السلامة
مشعل بابتسامة: زين أنا عندي شيء ثاني
لطيفة باستفسار: ويش؟؟
مشعل بعمق: أحبش.. ولا تتأخرين الليلة ياقلبي
أبي أشوف غزالتي شكلها أشلون
ترا على 12 بأجي أجيبش
*************************
بعد المغرب
اقترب الموعد.. اقترب كثيرا
الشباب أصبحوا كلهم متواجدين في مكان الحفل
مشعل وراكان مع فارس وناصر منذ الصباح
ووصلوا هم وإياهم بعد أن صلوا المغرب
عمالقة آل مشعل كلهم يجتمعون
فارس وناصر في الصدر مذهلان متألقان مفعمان برجولة خاصة
وأناقة مبهرة في بشتيهما السوداوين
حضورهما مختلف وألقهما كاسح
عن يمينهم ويسارهم محمد وعبدالله
وبالجوار جابر أبو حمد وسعد ابن عمهم ومشعل ومشعل وراكان
مشعل بن محمد يميل على أذن راكان ومشعل بن عبدالله وهو يقول بابتسامة:
أما الشيبان اليوم يبون يكسرون على المعاريس وهو ينافسونهم بذا البشوت السود تقول معاريس
مشعل بن عبدالله بمرح: والله المفروض لبسنا بشوت وصفينا جنبهم
خصوصا أنا مسكين مالبست بشت.. كان لازم أجرب روحي في البشت
الحوار المرح مستمر بين المشعلين
الحوار الذي تباعد عنه راكان وهو يفكر بنفسه
هل يأتي يوما ويجد نفسه مقيدا بمظاهر كهذه بشت ومعازيم
والأهم
الأهـــــــــــم
مقيدا بموضي!!!
حسن صديق ناصر يصل
يسلم على الجميع حتى يصل ناصر ليسلم عليه سلاما خاصا حماسيا
على طريقة الفرسان
ناصر بامتنان: والله ما أنسى لك جيتك
حسن بمرح: ما أبيك ما تنساها.. أبيك تردها لي عقب ما أرجع من الأردن
كل ليلة تسهر معي يا العريس
ناصر يضحك: مهوب كنك مسختها وهذا طلب تعجيزي
حسن بمودة: والله كان ودي أقعد بس أنت عارف إنه السباق بكرة
أنا راجع من الأردن عشان عرسك والحين طالع المطار
ناصر بمودة أكبر: تكفى سلم لي على شباب الفريق كلهم
وترا ما نبي نشوف وجيهكم إلا بمركز من المراكز الثلاثة الأولى
لو ما جبتوه اقعدوا هناك أحسن
حسن يضحك ويسلم مرة ثانية: الله كريم.. ويالله دعواتك لنا
فارس جالس بهدوءه المعتاد راسما ابتسامته الثقيلة
يمزقه التوتر انتظارا لرؤية قصة غرامه اللا متناهي
ناصر يميل عليه: هيه يالمعرس.. وش علومك؟؟
فارس بهدوء: وش علومه؟؟ شوفة عينك
ناصر يبتسم: ترا أختي شوفتها تسر القلب.. مافيه داعي تجيك حالة اكتئاب
فارس يبتسم ويرد عليه بخبث: وأختي شوفتها تسر القلب
وأظنك شفت على الطبيعة
ناصر (بعيارة): يا لبا الطاري.. من عقب ذيك الشوفة ماعاد أمسيت الليل
فارس يبتسم: ياكثر هياطك بس
************************
قاعة الحريم
اكتمل عقد الحاضرات
وأميرات آل مشعل جميعهن غاية في التآلق
فالليلة يزففن أربعة من أبنائهن
مناسبة خاصة تستلزم ألقا وأناقة خاصين
وهاهن يطفن بين الضيفات في القاعة يرحبن بهن
وأحيانا يعدن للاطمئنان على وضع العروسين
العروسان كل واحدة منهما في غرفتها المقررة لها
مع كوشة ناعمة تتناسب مع طلة كل منهما
وبالفعل كانت طلة كل واحدة تتناسب مع شخصيتها
مشاعل شعرها الحريري القصير رُفع كاملا في شينيون كلاسيكي
طرحتها دانتيل خفيف وُضعت على رأسها بطريقة الشيلة الكلاسيكية
الفستان كان بسيطا وراقيا جدا خليط من الساتان الحريري والدانتيل المتداخلين بدون أي شك أو تطريز
العنود لم ترتدِ طرحة أساسا
وشعرها المدرج الذي يصل لمنتصف ظهرها ينسدل في خصلات لولبية تختلف أطوالها
وتتوزع فيه زهرات بيضاء صغيرة
ذات الزهرات تتوزع على الفستان الفخم المبهر في نفاصيله
مضى الوقت واقترب وقت حضور العريسين
الغرف التي فيها العروسان لها مداخل على خارج القاعة لا تمر على الحضور
فتقرر أن ناصر يحضر أولا ليأخذ مشاعل
ثم يليه فارس ليأخذ العنود
مشعل اتصل بشقيقته موضي وأخبرها أنه سيحضر الآن مع ناصر لأخذ مشاعل
موضي لبست عباءتها ونقابها واقتربت من مشاعل وأخبرتها أن ناصر سيحضر
مشاعل بدأت ترتعش بشكل عنيف واضح
موضي اقتربت واحتضنتها وهي تقرأ عليها وهي تقول لها:
تكفين مشاعل لا تفضحينا في ناصر
والله ناصر مافيه مثله
أنتي هدي أعصابش بس
مشعل جاي معه.. وأنتي عارفة مشعل بيمتغث لو شافش كذا
مشعل الكلمة السحرية لشقيقاته
حاولت مشاعل التماسك من أجل مشعل
ومن أجل مشعل فقط
المتواجدات في الانتظار موضي ولطيفة وأمهات مشعل وأم حمد
ومريم أحضرتها سائقتها وأجلستها على كرسي قريب من الباب حتى تسلم على ناصر ثم تعيدها للعنود
أم مشعل بن عبدالله غاية في التوتر وحزن شفاف يغزو روحها
وهي تراقب لمعة الدموع في عيني ابنتها وارتجاف يديها
كانت تكثر من الدعاء لها
ودقات قلبها تتعالى وكأنها تتضامن مع دقات قلب ابنتها
التي يكاد قلبها يتوقف من قوة تصارع العروق وتعالي النبضات
ناصر دخل
قبل أن يرى شيئا عرف مريم عند المدخل تجلس بعباءتها وغطاها
وقف عندها وهو يحتضنها ويقبل رأسها ومريم تهمس له بحنان:
مبروك ياقلبي.. جمع الله بينكما في خير
ثم نزلت له أمهات مشعل وقبل رأس كل واحدة منهما
وهو يشعر بشوق كاسح لإنهاء هذه السلامات حتى يراها
حينها استطاع أن يرفع عينيه أن ينظر لملاكه الذي طال اشتياقه له
بدت له أكثر عذوبة ورقة من أن تكون حقيقة
كانت أشبه ما تكون بحلم شفاف
نسمة عابرة
شيء خيالي يستعصي على خيال البشر الإحاطة به
(آه ياقلبي
وش ذا العذوبة كلها
أحسها بتذوب من رقتها)
مشعل كان يمشي جواره وهو يلقي التحية على مريم وأم مشعل
صعدا سويا
موضي أوقفت مشاعل ونزلت
مشاعل شعرت أنه سيغمى عليها وهي ترى الجسد الفارع الطول يطل عليها من علو
وعيناها المنخفضتان تركزان في طرف البشت الأسود
شعرت به قريبا جدا
فرائحة عطره الرجولي الفاخر اخترقتها تماما
توترت بشدة (أ يعقل أنه يشم عطري الآن؟!)
وبالفعل كان ناصر منذ اقترب منها وهو يشم رائحة عطرها المسكر
الذي اكتسب من عذوبتها سحرا خاصا
اقترب أكثر ليطبع على جبينها الناعم قبلته الدافئة
ومشاعل شعرت أنها تكاد تذوب وتنتهي لم تتوقع شيئا من هذا ولا أنه اقترب لهذه الدرجة لأنها لم ترفع عينيها إطلاقا
ناصر بعد أن قبل جبينها وقف جوارها ليتيح لمشعل السلام عليها
مشعل قبل رأس شقيقته وهو يهمس لها بحنان:
مبروك يالغالية.. ما أوصيش في ناصر
ثم ألتفت لناصر وهو يقول بعمق: وما أوصيك في مشاعل
ناصر بعمق مشابه: في عيوني
ثم أمسك بيدها ليجلسها ويجلس جوارها ملاصقا لها على المقعد الطويل
يدها باردة وصغيرة وناعمة وترتعش.. ترتعش بشدة
مشاعل تدعو ربها بعمق أن يفلت يدها التي تسكن الآن في يده الكبيرة
وأن يبتعد قليلا فملاصقة جسده لها بهذه الطريقة أوقفت عقلها عن التفكير من شدة الخجل
ولكن ناصر لم يحقق أيا من أمانيها فلا هو ابتعد.. ولا هو أفلت يدها التي يمسكها الآن بحنان وبقوة
وهو يتأمل بإعجاب شفاف خطوط الحناء الناعمة فيها
(أخاف يدها الهشة تنكسر في يدي
بس بعد ماني بفاكها
وش هالسحر اللي فيش؟!!
وقفتي تفكيري وأشعلتي مشاعري)
(أرجوك.. حرام عليك
بيغمى علي
فكني
بعد عني شوي
والله العظيم بيغمى علي وقلبي بيوقف)
بعد دقائق ..مشعل همس لناصر: يالله نمشي
ناصر شعر بارتعاشة يدها أكثر في يده
مال عليها وهمس لها من قرب: ليش ترتعشين كذا؟؟
مشاعل لا تخافين من شيء
مشعل أشار لشقيقتيه لإحضار عباءة مشاعل
لطيفة كانت تلبسها
في الوقت الذي همست له موضي: بأروح معها
مشعل همس لموضي: مافيه داعي
أنا بأوصلهم للأوتيل
وبعدين أنتي رايحة اليوم الصبح ورتبتي أغراضها هناك
لا تحاتينها
خرجا سويا وركبا السيارة
مشعل يقود بهما
وناصر جلس معها في الخلف
مشاعل وضعت يديها متشابكتين في حضنها
حتى لا تسمح له بإمساكها
ناصر تفهم خجلها
وتركها براحتها
والسيارة تخرج من الصالة باتجاه الفندق
**********************
الثنائي الآخر
فارس والعنود
بعد أن خرج ناصر اتصل مشعل براكان ليحضر فارس
لطيفة ومريم وأم فارس وأمهات مشعل وأم حمد هم من يتواجد مع العنود الآن
مريم اقتربت من العنود
حصنتها مطولا بالأذكار والأدعية
ثم نزلت.. حاولت العنود التمسك بها ودقات قلبها تتزايد
همست لها مريم بمرح شفاف: لا تصيرين جبانة
فارس مايعض..
وصل فارس مع راكان
سلم على والدته أولا
وسلم على كل الموجودات وهو يتلافى النظر إلى من يلتهمه شوقه لها
شعر لأول مرة في حياته بضغط توتر هائل
معشوقته أمامه
من مزقت قلبه هياما أمامه
من أهانته أمامه
من شكت فيه أمامه
كل المتناقضات وسعير المترادفات أمامه
سلم على والدته وأمهات مشعل وشقيقته لطيفة وأطال وهو يسلم عليهم
وراكان يهمس له بمرح: يا أخي أنت مستغرب من هلك وعجايزك توك شايفهم اليوم
وشرايك نطلع القاعة ونخليك تلف على عجايز الجماعة كلهم تسلم عليهم عجوز عجوز
خلّصنا
مرتك واقفة تنتظرك
وبالفعل كانت العنود واقفة من قبل دخوله
أوقفتها لطيفة.. ونزلت.. وتركتها وحدها لتستحوذ على البهاء الأبدي
رفع فارس عينيه إليها وهو يتقدم بثقة ناحيتها
مــوجـعـة
مــوجـــــعـــة
مـــــــــــوجـــــــعـــــة
لم يجد وصفا أفضل للشعور الذي اجتاحه غير الوجع
كانت إطلالتها موجعة
وجمالها موجعا
وتأثيرها سلبا وإيجابا على روحه موجعا
وقف للحظات أمامها ضائعا في بحر ملامحها
(أ يعقل أنها أصبحت لي
وأخيرا لي
أ أستطيع مد يدي لشفتيها وألمسهما؟!
معانقة أهداب عينيها؟!
مصافحة زهر خديها؟!
أريد أن أتاكد أنها أمامي وكل هذا الحسن والجمال والروعة لي أنا
أنا وحدي)
راكان اقترب من شقيقته الصغيرة احتضنها بحنان:
مبروك عنودتي ألف مبروك
العنود همست بصوت خافت: الله يبارك فيك
بالكاد سمعها راكان
ولكن همساتها وصلت للقلب المتيم
لاول مرة يسمع صوتها الذي عذبه من هذا القرب
وكم بدا له صوتها مع صورتها عذابا لا يحتمل
العنود لم تستطع رفع عينيها خجلا
ولكنها شعرت أن فارس أطال في وقفته أمامها
راكان همس له: اقعد يا ابن الحلال
فارس وقف جوارها وكان على وشك أن يجلس
دون أن يمسك بيدها أو يجلسها
لطيفة اقتربت من ناحيته وهمست:
فارس الله يهداك أمسك يدها وقعدها
فارس لم يفكر أن يقبل رأسها كالعادة الشائعة
رغم أن شقيقاته أخبرنه بذلك سابقا
شعر أن اقترابه من حدود وجهها شيء خاص به هو وإياها
لا يريد لأحد أن يشهده
شيء خاص جدا.. لهما وحدهما
وإذا كان يشعر أن إمساك يدها فوق احتماله
فكيف بتقبيلها؟؟
ولكن مسك كفها أهون الأمرين
لذا تناول يدها
وليته ما فعل
فهو شعر كما لو أن ماسا كهربائيا صاعقا ضرب يده
مع إحساسه بسكون أناملها الناعمة الدافئة المرتعشة بين أنامله
ولكن أي من انفعالاته لم يظهر على وجهه وهو يجلسها ثم يفلت يدها
والدته كانت شديدة التأثر
وهي تدمع من الفرح
وتكثر من الدعوات له
كان ينظر للأمام بثقته الطبيعية
لكن داخله كان يهتز بعنف
وهو غير قادر على التركيز في أي شيء
كيف يركز وأقطاب التشتيت في العالم كله تجلس جواره؟!!
العنود كانت دقات قلبها تتصاعد بعنف
تعلم أنه لم يبدُ رومانسيا
ولكن لأنها تعرفه فهي لم تتوقع أبدا أن يكون رومانسيا
وتحمد الله أنه لم يكن كذلك
فارتباكها يكفيها
وهي تتفهم جيدا ثقله ورزانته وتشكر الله عليهما
بعد دقائق
راكان همس له: يالله قوم نمشي
فارس وقف وهذه المرة لم ينسَ أن يمد يده لها ويوقفها
هذه المرة كانت يدها أكثر ارتعاشا وفي أعماق روحه أكثر تأثيرا
(خائفة حبيبتي؟!
ليتني أستطيع اخفائكِ في صدري
حمل كل مخاوفكِ عنكِ
ولكن ماذا أفعل حين أكون أنا سبب خوفكِ؟!
ليتني أستطيع احتضان هذه اليد الصغيرة المرتعشة الغالية
غمرها بقبلاتي وزرعها بين أضلاعي
حتى أبعد عنكِ كل خوف)
لطيفة ألبستها عباءتها وساعدتها حتى أوصلتها للسيارة لضخافة فستانها ثم عادت
لتنطلق السيارة بهم
**********************
كل ثنائي وصل لفندقه
وكل شقيق أوصل أخته
أطمئن عليها
ثم تركها مع الرجل الذي يُفترض أن تكمل معه بقية حياتها
.
.
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الخامس والستون
الدوحة
فندق الانتركونتنتال
جناح ناصر ومشاعل
وصلا منذ دقائق
اطمئن مشعل عليهما ثم غادرهما
مازالت مشاعل غير مستوعبة كيف وصلت هنا دون أن تنهار
ومازالت تقف وعيناها في الأرض
وقلبها يكاد يتمزق من ضغط دقاته
تشعر بوجل وخوف وخجل غير طبيعي
تتمنى أن تنشق الأرض تبتلعها
وأن يتوقف هذا الموجود معها عن مراقبتها بهذه الصورة المتفحصة
مازالت حتى الآن لم تر ناصر.. فهي لم ترفع عينيها له مطلقا
انتزعها من أفكارها
صوت عميق هامس قريب:
تدرين إنش أحلى من كل أحلامي..مبروك ياقلبي
(متى صرت قلبك يا النصاب؟)
أكمل همسه: حبيبتي.. توضي خلينا نصلي ركعتين
(وحبيبتي بعد؟! وش عنده ذا)
تريد أن تتكلم ولكنها عاجزة.. فكل الكلمات تحجرت في بلعومها
ولكنها تحتاج فعلا أن تصلي وتصلي طويلا أيضا
لتطمئن الصلاة روحها الجازعة
تركته وتوجهت للدولاب.. تعلم أن موضي أعدت لها كل شيء
تناولت روبها ومنشفتها وبيجامتها
فشقيقاتها كن يعلمن أنها يستحيل أن تلبس قميصا في ليلتها الأولى
لذا أعدت لها موضي بيجامة حريرية بيضاء مطرزة
علقتها مشاعل في الحمام وهي تحشر نفسها وثوبها في الحمام
طوال حركتها في الغرفة
وناصر يراقبها باستمتاع وهو ينظر لها بإعجاب عميق
يشعر أن حرارته ترتفع وكل ما تفعله يبدو رقيقا وعذبا ومثيرا
وخطرا.. خطرا جدا.. وخصوصا أنها تتحرك بتلقائية متوترة بدت أكثر خطرا
(الله يعيني على خجلها بس!!)
مشاعل أطالت في الحمام وهو لم يسمع صوت الماء يُفتح
كان يريد أن يصلي قيامه
لكنه يريد قبلا أن يصليا سويا ركعتين ليبارك الله لهما في حياتهما معا
ناصر طرق عليها الباب
وهو يهمس لها برقة: مشاعل حبيبتي تأخرتي نبي نصلي
مشاعل كانت تبكي في الداخل
فهي مرتبكة وتكاد تذوب خوفا وخجلا
وهذا الثوب اللعين لم تعرف كيف تخلعه فهو لم ينفتح لها
تكررت الطرقات على الباب
أخيرا استطاعت أن تهمس له: شوي لو سمحت
كان وجهها قد أصبح خريطة ألوان من تمازج دموعها وزينتها
أخذت مناديل مسح الزينة التي تركتها لها موضي في الحمام
ومسحت وجهها كاملا بعناية
وختاما وجدت نفسها مضطرة لطلب مساعدته
فهي تريد أن تصلي
ولولا الصلاة لكانت بقيت في الحمام حتى الصباح
فتحت الباب
قفز ناصر الذي كان جالسا على الأريكة فور سماعه لفتح الباب
مشاعل بخجل مر ودموعها مازالت تسيل:
ممكن تساعدني لو سمحت
************************
الدوحة
فندق الريتز
جناح فارس والعنود
راكان أوصل فارس والعنود لجناحهما
ثم انسحب
مازال الاثنان واقفان
يلفهما توتر عميق
في حالة ناصر ومشاعل
نجد مشاعر عريس طبيعي عند ناصر
وخجل غير طبيعي عند مشاعل
في حالة فارس والعنود
نجد مشاعر عروس طبيعية عند العنود
ومشاعر عشق متجاوز للحدود لكنها مغلفة بكبرياء غير طبيعي عند فارس
العنود خلعت عباءتها كمحاولة لتبديد توترها
وهاهي مازالت تقف بخجل وعباءتها بيدها
وعيناها في الأرض
فارس ينظر لها
ومضى وقت طويل وهو ينظر لها
ويشعر أنه لو ظل ينظر إليها طوال عمره فلن يشبع أو يرتوي أو يمل
يتأملها من قمة رأسها إلى أخمص قدميها
(يا آلهي.. يا ألهي
أي مخلوقة أنتي؟؟
أي روعة أنتِ؟؟
أي معجزة أنتِ؟؟
ماذا فعلتِ وتفعلين بي
كفى
كفى
ارحمي قلبي الذي تطعنينه بأهداب عينيك الذائبتين خجلا
وتعصرينه بين ملتقى شفتيكِ المرتعشتين توترا)
العنود تعبت وهي تنتظر منه رد فعل بينما هو واقف كتمثال حجري
وخجلها يمنعها من الحركة
(هذا شفيه كذا
يبي يحرجني يعني
يضطرني أنا أتكلم أول
لمتى وحنا واقفين
أنا أبي أصلي)
العنود همست بخفوت معذب: أبي أصلي.. ممكن؟
انتفض فارس بعنف ولكن انتفاضته لم تظهر مطلقا على محياه
فلطالما اعتاد على التحكم في انفعالاته
فارس بهدوء وثقة: بنصلي كلنا الحين ركعتين
وعقب صلي
************************
جناح ناصر ومشاعل
ناصر اقترب منها بدت له كطفلة خائفة مذعورة بوجهها المحمر الصافي الخالي من المساحيق
ودموعها التي تسيل بغزارة
شعر بحنان غامر ناحيتها
سألها بحنان: وش فيش؟؟
مشاعل بخجل عميق من بين دموعها المنهمرة بصمت:
ماعرفت افتح الفستان.. ممكن تساعدني
ناصر ابتسم
(والله ربي يحبني)
أجابها بابتسامة: لفي
مشاعل أعطته ظهرها
ناصر بدأ يفتح السحاب ببطء شديد وكأنه يريد إطالة المهمة قدر يستطيع
وهو يفتح كان يمرر أصبعه بطريقة مقصودة على سلسلة ظهرها
مشاعل كادت تجن وهي تشعر أن إعصارا صاعقا ضرب سلسلة ظهرها
همست بخجل واختناق: ناصر بسرعة لو سمحت
ناصر يبتسم: خلاص خلصت
مشاعل لم تصدق أنه انتهى
قفزت للحمام وهي تبكي بشكل أشد
وتناشد الله في أعماقها
(يا ربي الطف فيني ياربي الطف فيني
شكله مهوب عاتقني الليلة
وش ذا الوقاحة اللي عنده
ياربي ارحمني
ارحمني
يارب الطف فيني .. الطف فيني
ليتني قعدت في الحمام ولا قلت له يساعدني)
********************
جناح فارس والعنود
العنود دخلت الحمام لتستحم وتستعد للصلاة
ووجدت أن لطيفة كانت قد أعدت لها كل شيء في الحمام وفي دواليب الجناح بتنظيم شديد
بينما فارس خرج خارج الجناح
شعر أنه بالفعل عاجز عن احتمال ضغط وجودها بهذا القرب
العنود خرجت لم تجده
ارتدت ثوب الصلاة فوق قميصها
انتظرته
تأخر
بدأت تصلي قيامها
دخل وهي تصلي
انتظرها حتى انتهت ثم همس لها بهدوء دون أن ينظر ناحيتها: يالله نصلي
صليا سويا
حين انتهوا من صلاة الركعتين
فارس بدأ يصلي قيامه
والعنود انسحبت وخلعت ثوب الصلاة
وعادت للحمام للتأكد من شكلها
نشفت شعرها جيدا
ثم فردته
لم تعرف هل تترك وجهها خاليا من المساحيق
أو تضع شيئا خفيفا
لكنها قررت ختاما أن تتركه بدون مساحيق
فوجهها اكتفى اليوم من أطنان المساحيق
تعطرت بكثافة وعطرت شعرها
ثم نظرت لشكلها النهائي في المرآة
وأن شكلها يبدو فعلا أنيقا ومحتشما
في رداء نوم أبيض ملكي عليه روبه السميك المطرز بفخامة
يتناثر عليه شعرها المدرج المسدل بعذوبة على كتفيها
حين خرجت
كان فارس يجلس على الأريكة وقد أرتدى بيجامة سوداء
شعرت العنود بالخجل بالكثير من الخجل
(هل أبدو بشعة أمامه؟!)
ففارس بدا لها وسيما حد الوجع
ومذهلا في بيجامته التي انسابت على عضلات جسده البارزة من تحتها بتناسق رائع
بدأ خجلها يتحول لتوتر
(عشان كذا ما عبرني
أكيد ماشاف فيني شيء يعجبه)
لم يرَ شيء يعجبه؟؟
عن ماذا تتحدثين؟؟
هذا الشاب متيم حتى أقصى عروقه وخلاياه
لو كنتي بشعة حتى، فهو يراكِ المخلوق الأروع في كل الكون؟!!
فكيف وأنتي تقفين أمامه بحسنكِ الموجع؟!!
ظلت واقفة
وفارس يتأملها بعمق
يتأمل وجهها الصافي العذب المشبع أنوثة كاسحة وبراءة عذبة
لباسها الذي أصفى عليها مزيدا من الأنوثة والبراءة معا
كل مافيها موجع.. موجع
ويحز في روحه حتى أقصى أعماقه
طالت وقفة العنود.. وانتبه فارس
وأخيرا تكلم وهو يقول بهدوء: ليش واقفة؟؟
اقعدي
(تعّب روحه صراحة
أخيرا تذكرني)
جلست العنود بعيدا عنه ومقابلا له
حرب من النظرات استعرت بينهما
العنود تنظر له بخجل نظرات متوترة منقطعة تتراوح بينه وبين حضنها حيث كفيها المتشابكتين
وفارس ينظر لها بشكل مباشر وعيناه تلتهمها التهاما وتلتهم كل تفاصيلها
(أوف اشفيه يطالعني كذا
لا يكون فيني شيء غلط)
العنود توقفت تماما عن رفع عينيها ونظراتها تثبت على يديها وتطريزات روبها
(لا تصدين
تكفين ارفعي عينش ولدي صوبي
لاتصد هناك ياعمري دقيقه .......... العمر محسوب بحساب الدقايق
في بحر عينك تبينت الحقيقه........... كل موجه تنقل لعيني حقايق
الهوى دلتني عيونك طريقه ...........ثم سوت وسط قلبي لك طرايق
إلتفت يمي ترى عمري دقيقة..........ليتني احيا في سما عينك دقايق
لا تصدين
حتى نظرة عينش تبين تحرميني منها
حرام عليش اللي سويتيه وتسوينه فيني)
********************
غرفة ناصر ومشاعل
بعد حوالي نصف ساعة خرجت مشاعل من الحمام
بعد أن نشفت شعرها بالمجفف
ولبست بيجامتها
بدت لناصر أشبه بدمية حقيقية
أشبه ما تكون بلعبة قد يكسرها أقل شيء
شعر برغبة عارمة أن يحتضنها.. يستنشق عطر هذا الشعر الطفولي الناعم
لكنه تنهد وهو يقول لنفسه
(كل شيء في وقته حلو)
همس لها: يالله نصلي
مشاعل رفعت عينيها له لأول مرة
بدا لها وسيما ومهابا حتى في نحافته التي لم تخفِ عضلاته
النحافة التي ميزته عن عرض أجساد آل مشعل
أنزلت عينيها بسرعة وهي تقول: بس أجيب سجادتي
أحضرت سجادتها ووقفت خلفه وصليا معا ركعتين
ثم صلى كل منهما قيامه
ناصر أنهى صلاته قبلها
وهي أطالت كثيرا في الصلاة
ناصر كان يبتسم وهو يجلس للكرسي الأقرب لها
انتهز الفرصة أنها سلمت بين ركعتين فهمس بمرح شفاف عميق:
ترى أكثر القيام 8 ركعات ..والشفع والوتر صاروا 11
شكلش صليتي 30 أو 40 ركعة
وترى عادي.. صلي 70، 80 قاعد انتظرش للصبح ماوراي شي ترا
لا جمعة شباب ولا تدريب ولا شغل
أنتي وبس
مشاعل بخجل: بأوتر بس
صلت مشاعل ركعتها المتبقية
ثم قامت لتعيد سجادتها للدولاب
لا تعرف لماذا تعيدها كان من الممكن أن تتركها على الكرسي
ولكنها تريد أن تبتعد عن مدى وجوده
أطالت وهي تقف أمام الدولاب المفتوح وأفكارها تسرح
لم ينتزعها من أفكارها سوى أنفاس دافئة تلفح عنقها
وناصر يميل عليها ويهمس بالقرب من أذنها: مطولة؟؟
************************
جناح فارس والعنود
الجلسة طالت كثيرا
العنود زاد خجلها كثيرا وهي تراه يراقبها بهذه الطريقة
وفارس العاشق لم يكن أصلا في وعيه فهو كان يحلق في عوالمه الخاصة
فهو مازال غير مستوعب أن معشوقته تجلس أمامه
بدون حواجز
وأنها أصبحت له يتمتع بالنظر إليها كيف يشاء
ويستمتع بهمساتها كيف شاء
تذكر أنه لم يسمع صوتها تقريبا منذ وصلا
وكم هو مشتاق لانسكابه في أذنه
همس بطريقته الواثقة الاعتيادية: العنود تعالي اجلسي جنبي
العنود لم تتحرك
(صدق ماعنده ذوق
يامرني أجي عنده)
فارس طلب ذلك بعفوية لأنه هو من يجلس على الأريكة
بينما هي تجلس على كرسي منفرد
فارس بذات الهدوء: العنود تعودي من أولها إني ما أعيد الطلب مرتين
إذا طلبت منش شيء تنفذينه من أول مرة
قلت لش تعالي جنبي
تقومين تجين جنبي
وهذي بتكون أخر مرة أكرر طلب مرتين
العنود شعرت بضيق عميق
أسلوبه مستفز وقاس وخالٍ تماما من الذوق
ولكنها وجدت نفسها مجبرة للقيام والجلوس جواره
فنصائح مريم الكثيرة ترن في رأسها
وعصيانه عصيان لربها
العنود جلست على الطرف الآخر من الأريكة وهي تترك مسافة فاصلة بينهما
ولكن قربها كان كافيا لتخترقه رائحتها العذبة
لم يكن عطرها فقط
بل رائحتها هي.. اختلاط عطرها برائحتها الطبيعية كان ناتجه فتاكا على مشاعره
مازال يتجلد.. فتنكيس الرايات السريع ليس من شيم كبرياءه
وخصوصا أنه يحاول جاهدا أن يستعيد إهانتها الوقحة لها حتى يقسو عليها قليلا
فيجد أن هذه الاهانة تتضاءل ذكراها أمام ذكرى أعظم وأجمل
هي العنود ذاتها
ولكن كبرياءه .. كبرياءه أين يفرمنه؟؟؟
سألها بهدوء: ناصر قال لي إنش أنتي رفضتي نسافر.. ليش؟؟
العنود تتذكر أنها قالت لناصر السبب.. أيعقل أنه لم يقله لفارس
وفارس كان يعلم السبب
لكنه يريد فتح حوار ما
العنود بخفوت وعذوبة: امتحاناتي بعد أسبوع وماعندي وقت
أن يسمعها توجه الحوار له مباشرة بصوتها الساحر وطريقتها الآسرة في الكلام
كان إحساسا فوق كل خيال روعة وآلما ومتعة
سألها بهدوء: كم ساعة مسجلة؟؟
العنود بذات النبرة الخافتة: 16
فارس : مهوب واجد عليش؟؟
العنود ترفع عينها.. وتكمل بخجل: لا بالعكس أصلا كنت أبي 18 بس ماحصلت
إن شاء الله الفصل الجاي أسجل 18 ساعة
فارس بهدوء: أكثر من 14 لا تسجلين.. أنتي الحين مرة متزوجة
لبيتش حق
العنود صمتت لا تريد أن تثير معركة منذ ليلتهما الأولى همست برقة: يصير خير
فارس ماعاد يحتمل
(ماكل هذه العذوبة!!
تبدو الكلمات كما لو كانت تختلط بالعسل والسكر
وهي تتدفق من بين شفتيها)
يريد أن يلمس وجهها فقط
يريد أن يلمس تفاصيل ملامحها
يلمس شفتيها النديتين النابضتين بالهمس المعذب
هل هما فعلا حقيقة أم خيال؟؟
هذه المرة لم يأمرها أن تقترب
بل هو من اقترب منها
العنود توترت وهي تتراجع أكثر للطرف الذي حجزها
وهو يقترب أكثر
حتى أصبح شديد القرب منها
همس لها بحنان تلقائي: ارفعي وجهش
وطالعيني
نبرة الحنان اللذيذة غير المعتادة في صوته أجبرتها على التنفيذ بدون وعي
مد سبابته لوجهها
انتفضت بعنف
وهو يمرر سبابته على حاجبها
خدها
شفتيها
ذقنها
عنقها
ثم يضع كفه على خدها بحنان ووله مصفى
وهو يقرب وجهه أكثر منها
العنود رأت كيف تلمع عيناه ويزفر أنفاسه بعمق
والجو يُشحن بشرارات كهربائية بينهما
همست بخجل شفاف وهي تحاول الابتعاد: تكفى فارس خلني لين أتعود عليك
رغم صعوبة الابتعاد على فارس بعد أن أصبح على هذا القرب منها
ورائحتها التي أسكرته تماما وهي تخترق أقصى حويصلاته الهوائية
لكنه ليس من يفرض نفسه
أو يتعامل بهمجية مع نصفه الآخر
فعلاقته بها يريدها أن تكون برضاها وتجاوبها
ابتعد وهو يتنحنح وكأن هذه النحنحنة صادرة من أعمق أعماقه:
بس إن شاء الله مرحلة التعود ذي ما تطول
صمتت العنود بخجل
استمر الصمت وفارس يعود لتأملها بوله
(أي سحرٌ تتسربلين به؟!
أي روعة يضمها جنبيكِ؟!
متى ترحمين قلبي المتيم؟؟
أو متى أرحم نفسي من جنوني المتكبر
آه يا صغيرتي
وألف آه)
بقيا على جلستهما المشحونة بالمشاعر العصية على التفسير
حتى أذن الفجر
وصليا فرضهما
حين أنهيا الصلاة قال فارس بطريقته الواثقة المعتادة في الكلام:
زين نبي ننام وإلا ذي بعد تبي لها تعود
(صدق ماعنده أسلوب!!)
لكنها ردت بخجل: نام.. تصبح على خير
فارس يتنهد وهو يعرف أنه لم يكن لطيفا رغم أنه يتمنى لو يذوب لها لطفا
ويقول بهدوء: العنود مافيه داعي لسوالف الأفلام وواحد منا ينام على الكنبة والثاني على السرير
تعالي نامي جنبي.. تراني مخلوق متحضر لو عندش شك في هذا..وأعرف أتحكم بنفسي
العنود نهضت معه
لم ترد أن تبدو قليلة التهذيب معه
فهي ثتق به وبكلامه
ومادام قال لها شيئا فلن يخلف بكلامه لها
تمدد فارس على طرف
وتمددت هي الآخر دون أن تخلع روبها
فارس يتنهد بعمق
(لو أنها بس تسولف لي
ما أبي شيء ثاني
صوتها بيصبرني
بس الحين شوف وحر جوف)
*************************
جناح ناصر ومشاعل
مشاعل أطالت وهي تقف أمام الدولاب المفتوح وأفكارها تسرح
لم ينتزعها من أفكارها سوى أنفاس دافئة تلفح عنقها
وناصر يميل عليها ويهمس بالقرب من أذنها: مطولة؟؟
شعرت مشاعل أنه سيغمى عليها
صمتت
ناصر فسر صمتها وأنها لم تتحرك أنه نوع من التجاوب معه
وتوقع أنهم بالغوا في تصوير خجلها له
لذا تجرأ أكثر وهو يقترب من ظهرها ويضع يديه على عضديها
ويطبع قبلة على شعرها
وناصر بالفعل كان لديه استعداد للتوقف فورا لو أنها طلبت منه ذلك
فهو وعدها أن يصبر عليها
وليس هو من يخلف وعدا
ولكنها لم تطلب
بل تصرفت
وهي تنخرط في بكاء هستيري
ابتعد ناصر عنها وهو يقول بتأثر: مشاعل أنا آسف
خلاص ماني مقرب منش والله العظيم
لا تخافين حبيبتي
لكنها لم تستمع له وهي تركض للحمام وتغلق على نفسها فيه
ناصر قرر تركها حتى تهدأ
مضت أكثر من ساعة وهي لم تخرج
طرق عليها الباب
لم ترد عليها
همس لها بحنان: مشاعل حبيبتي والله العظيم آسف
خلاص والله ما أعيدها ولا أقرب منش إلا برضاش
هذا أنا حلفت
اطلعي مايصير.. بتقضين الليل في الحمام؟؟
لكنها لم ترد عليه
ناصر أصبحت حالته مزرية من القلق والندم
عاد لها بعد نصف ساعة
وهو يقول بنبرة فيها بعض حدة: لو مارديتي علي بأكسر الباب
مشاعل بصوت باكي ضعيف: تكفى ناصر خلني
(لا حول ولاقوة إلا بالله
وش ذا البلشة
بأخليها شوي)
وبقيت مشاعل في الحمام
وناصر بين باب الحمام يحايلها ويطمئنها ويحلف لها ألا يقترب منها
وبين الأريكة التي يجلس عليها
حتى أذن الفجر
حينها بدأ ناصر يغضب فعلا
وتتحول مشاعره من الشفقة عليها للغضب منها
(هذي وش شايفتني؟؟
تحسبني بأغتصبها ذا الخبلة مسكرة على روحها 5 ساعات)
اقترب من الباب وهو يهمس بغضب مكتوم:
مشاعل اطلعي أبي أتوضأ وأصلي
مشاعل بخوف: ماني بفاتحة
أكيد تبي تضربني الحين
ناصر بغضب شفاف: يابنت الحلال
أنا ماأستاهل منش اللي انتي تسوينه فيني
حلفت لش ألف مرة ما أسوي لش شيء
يعني بأكذب على ربي عشانش
اتقي الله
مايصير اللي تسوينه
اقعدي وين ما تبين.. في الغرفة.. في الصالة
لو تبين أخلي لش الجناح كله خليته
بس اطلعي
مشاعل بذات الخوف: قلت لك ماني بفاتحة
ناصر خرج من الجناح وتوضأ في حمامات البهو الرئيسي (اللوبي) وصلى الفجر
ثم عاد لها يعتقد أنها قد تكون فكرت في كلامه وخرجت
لكنه وجدها مازالت تغلق عى نفسها
عاد لها يحايلها بدون فائدة
حتى أشرقت الشمس وناصر منهك ويريد النوم
اقترب من الباب وهو يقال برجاء عميق:
مشاعل الله يهداش الشمس شرقت
والله العظيم أنا ما أستاهل منش كذا
أنا شاريش ومحترمش وعازش
تسوين فيني كذاّّ
مشاعل بخوف صميمي: ماني بفاتحة لين يجي أخي مشعل
أبي مشعل
طلبها لمشعل ذبح ناصر
ذبحه تماما
يفترض أن يكون هو من يحميها
فكيف تريد أن تحتمي بغيره ومنه
ناصر بغضب مر: أنتي صاحية؟؟
تبين تفضحين روحش
وش يقولون الناس وانتي مقضية ليلة عرسش في الحمام
مستحيل اتصل في مشعل
خلش في الحمام لين تشبعين
ثم أردف بمرارة:
وترا النفس طابت منش
هذا مهوب سحا يا بنت عمي
هذا عياف
ومن عافنا عفناه لو كان غالي
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
أ
الجزء السادس والستون
بيت عبدالله بن مشعل
الصالة السفلية
الساعة التاسعة والنصف صباحا
موضي تجلس في الأسفل
جدتها تتمدد في غرفتها
وأمها في المطبخ
والجو يعبق به روح تأثر عميقة لغياب مشاعل
موضي تعرف أن الاثنتين مفتقدتان لمشاعل بوجع مستشري
لذا جدتها ادعت التعب وتمددت
وأمها تتلهى في المطبخ عن التفكير
بعد دقائق نزلت هيا
سلمت وسألت عن الجميع
موضي بابتسامة: غريبة وش فيش مصبحة بدري عقب سهرة البارحة
هيا تبتسم: مصبحة مثلش هذا أولا
ثانيا مشعل جاه اتصال مهم على قولته وطلع
وأنا عقب ماطلع ماقدرت أنام
موضي تبتسم: عيني يا عيني على أهل الغرام
هيا ترد بخبث: نشوفش عقب كم يوم أنتي والشيخ راكان
رغم الضيق الذي سببه الموضوع لموضي إلا أنها ضحكت:
حووو.. رويترز ما يدس شيء عليش
هيا تبتسم: خله يدس علي عشان أقص رقبته
ثم أردفت باهتمام: إلا شبر القاع وينه؟؟ اليوم ماعنده مدرسة وينه
موضي بضيق حقيقي لأنها هي ذاتها متضايقة من اشتياقها لأختها
همست بصوت منخفض:
سلطان متضايق ومكتئب
هيا بقلق: من جدش أنتي... سليطين متضايق ومكتئب؟؟
موضي بحزن: مشتاق لمشاعل وما يبي يقول.. وكاتم في نفسه
هيا بشفافية: لحق يشتاق.. توها عرسها البارحة
موضي بتأثر: مشاعل أكثر حد فينا ريم وسلطان متعلقين فيه
ريم عادي عبرت عن مشاعرها وهذي هي تنحط فوق
وأنا ماني بشايلة همها
لأني أدري إنها بتبكي وتفضي اللي في رأسها وترتاح
بس سلطان وذا العرق الأمحق اللي في رياجيل آل مشعل
كاتم في روحه.. شكله يكسر الخاطر جد
ودي إنه يبكي عشان يرتاح
هيا بتأثر: وينه ؟؟
موضي: في الصالة الداخلية يلعب بلاي ستيشن وهو في صوب واللعبة في صوب
هيا نهضت وهي تحكم لف جلالها على وجهها وتدخل على سلطان في الصالة الداخلية المفتوحة على الصالة الرئيسية
هيا بمرح مصطنع: هلا والله بشيخهم.. هلا بالشيخ سلطان بن عبدالله
سلطان رد بهدوء وعينه مثبتة على شاشة التلفاز: حياش الله
هيا بذات المرح: أفا وش ذا الحفوة الباردة يا ولد عمي
كنها طردة.. أبي ألعب معك.. ممكن؟؟
سلطان بعفوية: مشاعل كانت تلعب معي
أجاب بالشيء الذي يشغل باله
هيا تبتسم: وأنا أعرف ألعب بعد
سلطان صمت
هيا جلست قريبا منه وهي تتمنى لو كان بإمكانها احتضان هذا السلطان الغالي
(كم من الكبرياء الكريه في عروقكم
حتى الاطفال لم ترحموهم منه)
هيا بعمق: سلطان ترا مهوب معنى إن مشاعل تزوجت
إنها خلاص صارت بعيدة عنك
البيت جنب البيت
بتلاقيها كل شوي ناطة لنا
ثم أكملت بمرح: أو أنت كل شوي نط عندها
خلاص بنات عمك وحدة تزوجت ووحدة تملكت
ماعاد ينخاف عليهم يفتتنون فيك
مازال صامتا
هيا تتمزق بالفعل من أجله..
فهي خير من يشتم رائحة الحزن العميق
وتعلم أن قلب هذا الفتى مشبع بحزن شفاف
صمت متوتر حزين يشبع الأجواء
أخيرا تكلم
همس بخفوت موجع: البيت ماكن فيه حد
حاس كنه قبر من غيرها
جملته مزقت قلب هيا تماما.. تعرف هذا الإحساس .. تعرفه تماما
هي من صمتت الآن وهي تحاول مغالبة دمعات تتوق للانهمار
لم تعرف ماذا تقول له
صمتت
حزين هو..حزين بالفعل.. ويبدو أنها فاشلة في المواساة!!!
أكمل بذات الهمس الحزين فهو محتاج للبوح:
كانت تعرف لي بدون ما أتكلم
وإذا حضنتني شميت فيها ريحة أمي
كل يوم كانت تعصب علي: إذا مادرست..إذا ماكلت.. إذا تأخرت...
وانا أحب أشوفها وهي معصبة..لأنها ماتعرف تعصب...
عمري ماقلت لها آسف..أبي أقول لها آسف..
عمري ماقلت لها إني أحبها...أبي أقول لها إني أحبها
اني أحبها واجد واجد.. وإن بيتنا ماله حلا من غيرها
ماعاد يحتمل المزيد.. أكتفى من البوح
ويريد أن يبكي.. ويستحيل أن يسمح لأحد برؤيته
وقف وترك هيا التي تمزقت حزنا من أجله
تركها وصعد لغرفته
*************************
جبهة حزن فراق أخرى
صالة بيت محمد بن مشعل
أم مشعل تجلس مع مريم أمام قهوتهما التي لم تمس
والجو ثقيل ثقيل حولهما
أم مشعل بلهفة مكسورة: مريم يأمش دقي على العنود نتطمن عليها
مريم بهدوء: يمه تو الناس.. وهذولاء معاريس مايصير نزعجهم
أم مشعل صمتت
بعد دقائق صمت
همست أم مشعل بحزن: الله يعيني إذا رحتي أنتي بعد
مريم تمزقت من جملة والدتها الموغلة في الحزن
ثم همست بتأثر: يمه هذولاء مشاعل وموضي بيجون عندش
أم مشعل بتأثر: شكلي بأقول لراكان يستعجل في العرس
أبي لي وحدة تكون معي داخل البيت
بأستخف لو أقعد في البيت بروحي
مريم مدت يدها تتحسس حتى وصلت يد والدتها احتضنتها وقبلتها:
أنا يمه قاعدة عندش لين عقب عرس راكان.. لا تستعجلينهم
موضي توها بتخلص عدة
مايصير تغصبونها على طول عرس
***************************
قبل ذلك بحوالي ساعة
حدود الساعة 9 إلا ربع صباحا
جناح ناصر ومشاعل
ناصر لم ينم إلا حدود الساعة السابعة
ليلة زواجه كانت الليلة الأسوأ في حياته
وهاهو هاتفه يرتفع بالرنين ويصحيه من نومه الذي يحتاجه بشدة
التقط الهاتف يريد أن يضعه على الصامت ولكنه رأى أن المتصل هو رئيس فريقهم
استغرب وذهنه يتحفز.. فالفريق كاملا يتواجد في الأردن حاليا
والوقت مبكر للاتصال قالساعة عندهم الآن الثامنة إلا الربع
والفريق كلهم ورئيسه اتصلوا به البارحة وهنأووه
فما سبب الاتصال يا ترى؟؟!!
التقط الهاتف وهو يرد باحترام: هلا والله
الطرف الآخر بحرج: هلا بك يابو محمد آسفين على الأزعاج
ناصر بذوق: لا إزعاج ولا شي حياك الله أي وقت
رئيس الفريق بحرج أكبر: والله ياناصر ما أدري وش أقول لك مالي وجه
ناصر يقف ومشاعره تتحفز: عسى ماشر؟؟
رئيس الفريق بإرتباك عميق: أدري أنه عرسك البارحة وأنك كنت بتسافر الليلة
بس حن محتاجينك
ناصر باستغراب: محتاجيني؟!!
رئيس الفريق: البارحة حسن عقب ماحضر عرسك وهو طالع المطار زلق وانكسرت يده وماقدر يجي.. وأكيد مايقدر يشارك
فاحنا نبيك تجي تشارك مكانه في السباق الليلة
وبكرة على الليل ترجع
تدري ناصر أنت وحسن أحسن فرسان في الفريق
أنت أساسا ماكنت مشارك وهذا حسن انكسر.. يعني ماعاد لنا أمل بأي من المراكز الأولى كذا
أدري مالي وجه أطلب منك كذا وأنت عريس
بس اعتبرها خدمة أخيرة لفريق بلدك.. وهذا تمثيل وطني
وأنت كنت تبي تعتزل السباقات.. خل السباق ذا سباقك الأخير
ناصر كان يستمع لرئيس الفريق وعشرات الأفكار تصطخب في ذهنه
زواجه...
رفض مشاعل له..
حاجة فريقه له الذين هم أصدقاء عمر وليسوا مجرد فريق رياضي..
رد على رئيس الفريق بثقة: خلاص أنا مستعد
رئيس الفريق بسعادة: كنت عارف إنك منت بخاذلني
خلاص الطيارة بعد 3 ساعات
بيجيك مندوب لين مكانك يأخذ شنطتك وجوازك وبيخلص كل شيء
أنت بس تعال قبل الإقلاع بنص ساعة
مشعل باهتمام: والجليلة؟؟
رئيس الفريق: وش دخلها الجليلة؟؟
ناصر باستغراب: أشلون أسابق بدون فرسي؟!!
رئيس الفريق بهدوء واهتمام: ناصر أنت عارف إنه إجراءات شحن الجليلة بتأخذ وقت
عدا إنها تبي لها وقت لين تتعود على لجو.. والجو هنا ذا الأيام بارد جدا وصقيع
ناصر باستفسار: زين والحل؟؟
رئيس الفريق: تركب ثيندر.. ثيندر صار له هنا أكثر من أسبوعين وهو كل يوم يتدرب وتعود على الجو
ناصر بهدوء: بس ثيندر حصان عنيف.. وما يتقبل حد إلا حسن
رئيس الفريق: وأنت جوكي محترف.. والسيطرة على ثيندر موب صعبة عليك
ناصر بثقة: خلاص تم... شنطتي وجوازي أصلا جاهزين لسفري الليلة
خل المندوب يجيني الحين في الأنتر
عشان أسوي شيك آوت.. وأروح أسلم على هلي
ناصر أنهى اتصاله
وتفكيره مشغول بمن قضت ليلها في الحمام
ولكنه لا يريد رؤيتها
يشعر أن رؤيتها جارحة له وبعمق
جارحة لكرامته ولرجولته وقرابتها له
اتصل بمشعل بن عبدالله وطلب منه الحضور فورا
بعد نصف ساعة كان مشعل يصل هو والمندوب سويا في ذات الوقت
ناصر أعطى المندوب حقيبته وجواز سفره ومشعل في غاية الاستغراب
كانوا مازالوا في الممر
بعد ذهاب المندوب.. ناصر همس لمشعل القلق من اتصاله: تعال
مشعل دخل وهو يشعر بالحرج
ناصر قال لمشعل بهدوء: اجلس مشعل
مشعل جلس وعيناه تجوبان بالجناح بحثا عن شقيقته
ناصر بذات الهدوء: مشعل باسالك سؤال وجاوبني بصراحة
مشعل بقلق: وش ذا المقدمة.. إسال.. أظني إنك عارفني
ناصر بهدوء عميق: مشعل أنتو غاصبين مشاعل علي؟؟
مشعل قفز وهو يقول بحدة: من يقوله؟؟ مهوب بناتنا اللي يغصبون
ناصر: اقعد مشعل
مشعل جلس وناصر يكمل كلامه: اللي باقوله لك أبيه بيننا
لأنه ما أدري وش أقول لك.. ماينقال
مشعل تصاعد قلقه وعشرات الأفكار المجنونة تعصف به
وناصر يكمل: مشاعل من البارحة مسكرة على روحها في الحمام
مشعل قفز: وشو؟؟
كان يريد التوجه للحمام.. لكن ناصر أشار له لا
ناصر أخبر مشعل بإضطراره للسفر للاشتراك في سباق التحمل الصحراوي في الأردن
ثم قال له: أنا أبيك تأخذ مشاعل.. شوف وشهي تبي.. وش اللي يريحها؟؟
وأنا بأسويه لها إذا رجعت
مشعل بتأثر عميق: أنتظر لازم أخليها تطلع وتعتذر لك..
ناثر برجاء: لا تكفى مشعل.. ماعليه أدري إنها أختك
بس أنا متضايق منها وما أبي أشوفها الحين
خلني أروح الحين... وإذا رجعت من سفري تفاهمنا
مشعل احتضنه وهو يقول له بأخوية عميقة:
تروح وترجع بالسلامة.. وترجع لنا بالكأس
والسموحة يا أخيك امسحها في لحيتي
مشاعل والله إنها ذهب بس هي تستحي بزيادة
ناصر حمل حقيبته وخرج يريد الذهاب لأهله للسلام عليهم وإخبارهم
ثم للتوجه للمطار
مشعل تنهد وهو يتوجه للحمام
الوضع حساس
ويحتاج لمعالجة متوزانة
طرق الباب عليها
لم ترد
أعاد الطرق
لم ترد
همس بقلق: مشاعل افتحي الباب
فُتح الباب فورا.. لتظهر من خلفه مشاعل بوجهها المتورم من كثرة البكاء
رمت بنفسها على صدره وهي تنتحب
مشعل احتضنها بحنان وهي يربت على ظهرها ويهمس:
ليه سويتي كذا مشاعل الله يهداش
ناصر ضايقش بشيء؟؟
مشاعل بين شهقاتها: ماضايقني بس أنا ما أبيه
أنا ماني بوجه عرس يا مشعل
وما استحمل حد يقرب مني
والله استحي.. استحي
مشعل ارتاح قليلا بعدما تاكد أن القضية لا تتجاوز خجل مشاعل المعتاد
وإن كان خجلها هذه المرة تجاوز الحد
مشعل جذبها وأجلسها على ألاريكة وجلس جوارها واحتضنها
وتركها تبكي حتى ارتاحت تماما وصمتت
ثم همس لها: مشاعل اسمعيني
اللي سويتيه عيب في حقش وحق ناصر وحقنا
أنتي ماحد جبرش على ناصر
أنتي خذتيه برضاش
ولو كنتي فهمتيه بالهداوة إنش ما تبينه يقرب منش
ماراح يجبرش على شيء
لو أنتي حتى مسكرة على روحش في الغرفة كان عادي
بس تسكرين على روحش طول الليل في الحمام
كنش تقولين له قعدة الحمام ولا مقابلك
تراها قوية عليه.. قوية يا أخيش
وناصر مايستاهل تجرحينه بذا الشكل
عمري ماشفت ناصر زعلان كذا
ناصر أوسع خاطر فينا ومايضيقه إلا شي كايد
والله مايستاهل منش كذا ياقلبي
وهذا هو سافر وهو زعلان عليش
مشاعل برعب: سافر.. وين؟؟ وليه؟؟
مشعل أخبرها بسفر ناصر
توترت وشعرت غصبا عنها بإحساس كاسح بالذنب
مشعل أكمل لها: اسمعيني
أنتي قومي الحين تسبحي
وأبيش تعدلين وتلبسين مثل أي عروس
وبأوديش لبيت ناصر
مشاعل بجزع: لا مشعل تكفى.. أبي أرجع لبيتنا
مشعل بحنان: مايصير ياقلب أخيش
تبين الناس ياكلون وجيهنا
وبعدين ناصر اللي أنتي مستحية منه مسافر
عشان خاطري لو لي خاطر عندش
مشاعل ابتسمت أخيرا وهي تقول بحزن:
عشانك أقط روحي في النار
خلاص يابو عبدالله عطني نص ساعة أتسبح وأصلي وأجهز على السريع وألم أغراضي
*************************
بيت محمد بن مشعل
مشاعل وصلت بيت عمها
مشعل أوصاها أن يبقى الموضوع بينهما فقط
وأن تحاول التأقلم مع محيطها الجديد قبل عودة ناصر
وأكد لها أنها غير مجبرة على إكمال حياتها مع ناصر إذا كانت رافضة له
ولكنها يجب أن تمنحه فرصة أولا فمن هو مثل ناصر يستحق عشرات الفرص
فلا تستكثر عليه أن تعطيه فرصة وحيدة
وثانيا أن تتمهل قليلا قبل اتخاذ أي قرار
كلام مشعل طمئن روحها القلقة المرتاعة
وهاهي مستعدة مبدئيا للمحاولة
نزلت لبيت عمها بخطوات مترددة
مريم وأم مشعل استقبلاها بابهتاج كبير
قبل قليل مر بهم وناصر وأخبرهما باضطراره للسفر
لكنه لم يقل شيئا عن مشاعل
لذا سعدا كثيرا برؤيتها
أم مشعل أخذتها لقسمها
وأغراض مشاعل رتبتها لطيفة هناك قبل عدة أيام
دخلت وهي مرتبكة وتتنهد بعمق
تركتها أم مشعل لترتاح وانسحبت
غرفتان كل منهما بحمام
وصالة شاسعة ملحقة أيضا بحمام
ومطبخ متوسط الحجم
شعرت بحضور كاسح لناصر في كل مكان
فالصالة كان يتوزع بها بطريقة منسقة الكثير من الكؤوس
والكثير من الصور لناصر مع فريقه ومع الجليلة
أما ما أرعبها تماما فقميص أبيض مثبت داخل إطار كبير كأطار الصور
كان ممزقا وعليه بقع دم وطين وكُتب تحته
دورة الألعاب الأسيوية الخامسة عشرة /الدوحة/ 2006
ومعه ميداليته البرونزية التي حصل عليها في تلك الدورة
انتفض قلب مشاعل وهي تشعر بضيق يكتم على روحها
(الله يهداك ناصر.. هذا قميص حد يحتفظ به)
تتذكر جيدا هذه الدورة
فاز بسباق التحمل الفردي في تلك الدورة الفارس راشد بن محمد راشد آل مكتوم على فرسه (ماجيك غلين)
وبسباقات الفرق فاز الفريق الإماراتي بالذهبية
والقطري بالبرونزية
وكانت الأجواء أيامها مطيرة
والسباق كان يتكون من 120 كيلو على خمس مراحل وانطلق من منطقة سيلين البحرية
اجتاز ناصر 3 مراحل وفي المرحلة الرابعة زلقت الجليلة وتعرضت للاصابة
وسقط ناصر وأصيب إصابة بالغة في كتفه
لا تعلم لم تتذكر كل هذا
ولكنها دعت بعمق أن يحفظه الله في هذا السباق
وهي تحاول أن تبعد شعور الضيق غير المفهوم الذي اجتاحها مع رؤيتها للقميص الممزق الملطخ بالدم
*******************
جناح فارس والعنود
حدود الساعة 11 صباحا
فارس صحا من النوم أولا
كان نور الشمس القوي يغمر الغرفة تماما
التفت جواره حيث تنام هي بسكينة
كان وجهها ناحيته
(هل أرى شمسا أخرى تشرق جواري
صباحكِ سكر يا طعم السكر
صباحكِ إشراق يا شمسي
كم يبدو هذا الصباح مختلفا
إنه الصباح الأجمل في حياتي
لأنه ابتدأ برؤية محياكِ
أرجوكِ كوني صباحي ومسائي وكل أوقاتي
هائم أنا ياصغيرتي.. هائم.. هائم
أحبكِ
أحبكِ
أحبكِ
ليتني أستطيع الصراخ بها لأسمع العالم ..كل العالم)
"اسمعها إياها يافارس أولا"
كان فارس ينظر لها بوله عميق
كم بدت له صغيرة وناعمة وفاتنة
ورؤيتها تمزق الروح بلذة موجعة
مضت عدة دقائق وهو يراقبها بتمعن واستمتاع
ودقات قلبه تتصاعد بوجيب مزعج
رأى جفنيها يضطربان كأنها على وشك فتحهما
فأغلق هو عينيه
لا يريدها أن تعلم أنه كان يراقبها كالأبله
العنود فتحت عينيها
تلفتت حولها بخجل وهي ترى المكان الجديد عليها
ضمت أطراف روبها على جسدها رغم أنه لم ينفتح
ثم التفتت للنائم جوارها
وحان دور تبادل أدوار المراقبة
وإن كان هو تأملها بحب
فهاهي تتأمله بإعجاب.. في تضاد عارضه الشديد السواد مع بياض بشرته
"والضد يظهر حسنه الضد"
العنود أسندت رأسها لكفها وهي تنظر ناحيته
تمنت لو تستطيع أن تفعل كما فعل هو بالأمس
أن تتحسس وجهه الفاره الوسامة.. المبهر في تفاصيله الرجولية
بل شعرت برغبة عارمة أن تتحسس مكانين بالذات
مكاني القطع المثيرين في حاجبه وفي شفته
(بيحس فيني لو سويتها؟!!
موضي تقول نومه ثقيل)
بيت عبدالله بن مشعل
الصالة السفلية
الساعة التاسعة والنصف صباحا
موضي تجلس في الأسفل
جدتها تتمدد في غرفتها
وأمها في المطبخ
والجو يعبق به روح تأثر عميقة لغياب مشاعل
موضي تعرف أن الاثنتين مفتقدتان لمشاعل بوجع مستشري
لذا جدتها ادعت التعب وتمددت
وأمها تتلهى في المطبخ عن التفكير
بعد دقائق نزلت هيا
سلمت وسألت عن الجميع
موضي بابتسامة: غريبة وش فيش مصبحة بدري عقب سهرة البارحة
هيا تبتسم: مصبحة مثلش هذا أولا
ثانيا مشعل جاه اتصال مهم على قولته وطلع
وأنا عقب ماطلع ماقدرت أنام
موضي تبتسم: عيني يا عيني على أهل الغرام
هيا ترد بخبث: نشوفش عقب كم يوم أنتي والشيخ راكان
رغم الضيق الذي سببه الموضوع لموضي إلا أنها ضحكت:
حووو.. رويترز ما يدس شيء عليش
هيا تبتسم: خله يدس علي عشان أقص رقبته
ثم أردفت باهتمام: إلا شبر القاع وينه؟؟ اليوم ماعنده مدرسة وينه
موضي بضيق حقيقي لأنها هي ذاتها متضايقة من اشتياقها لأختها
همست بصوت منخفض:
سلطان متضايق ومكتئب
هيا بقلق: من جدش أنتي... سليطين متضايق ومكتئب؟؟
موضي بحزن: مشتاق لمشاعل وما يبي يقول.. وكاتم في نفسه
هيا بشفافية: لحق يشتاق.. توها عرسها البارحة
موضي بتأثر: مشاعل أكثر حد فينا ريم وسلطان متعلقين فيه
ريم عادي عبرت عن مشاعرها وهذي هي تنحط فوق
وأنا ماني بشايلة همها
لأني أدري إنها بتبكي وتفضي اللي في رأسها وترتاح
بس سلطان وذا العرق الأمحق اللي في رياجيل آل مشعل
كاتم في روحه.. شكله يكسر الخاطر جد
ودي إنه يبكي عشان يرتاح
هيا بتأثر: وينه ؟؟
موضي: في الصالة الداخلية يلعب بلاي ستيشن وهو في صوب واللعبة في صوب
هيا نهضت وهي تحكم لف جلالها على وجهها وتدخل على سلطان في الصالة الداخلية المفتوحة على الصالة الرئيسية
هيا بمرح مصطنع: هلا والله بشيخهم.. هلا بالشيخ سلطان بن عبدالله
سلطان رد بهدوء وعينه مثبتة على شاشة التلفاز: حياش الله
هيا بذات المرح: أفا وش ذا الحفوة الباردة يا ولد عمي
كنها طردة.. أبي ألعب معك.. ممكن؟؟
سلطان بعفوية: مشاعل كانت تلعب معي
أجاب بالشيء الذي يشغل باله
هيا تبتسم: وأنا أعرف ألعب بعد
سلطان صمت
هيا جلست قريبا منه وهي تتمنى لو كان بإمكانها احتضان هذا السلطان الغالي
(كم من الكبرياء الكريه في عروقكم
حتى الاطفال لم ترحموهم منه)
هيا بعمق: سلطان ترا مهوب معنى إن مشاعل تزوجت
إنها خلاص صارت بعيدة عنك
البيت جنب البيت
بتلاقيها كل شوي ناطة لنا
ثم أكملت بمرح: أو أنت كل شوي نط عندها
خلاص بنات عمك وحدة تزوجت ووحدة تملكت
ماعاد ينخاف عليهم يفتتنون فيك
مازال صامتا
هيا تتمزق بالفعل من أجله..
فهي خير من يشتم رائحة الحزن العميق
وتعلم أن قلب هذا الفتى مشبع بحزن شفاف
صمت متوتر حزين يشبع الأجواء
أخيرا تكلم
همس بخفوت موجع: البيت ماكن فيه حد
حاس كنه قبر من غيرها
جملته مزقت قلب هيا تماما.. تعرف هذا الإحساس .. تعرفه تماما
هي من صمتت الآن وهي تحاول مغالبة دمعات تتوق للانهمار
لم تعرف ماذا تقول له
صمتت
حزين هو..حزين بالفعل.. ويبدو أنها فاشلة في المواساة!!!
أكمل بذات الهمس الحزين فهو محتاج للبوح:
كانت تعرف لي بدون ما أتكلم
وإذا حضنتني شميت فيها ريحة أمي
كل يوم كانت تعصب علي: إذا مادرست..إذا ماكلت.. إذا تأخرت...
وانا أحب أشوفها وهي معصبة..لأنها ماتعرف تعصب...
عمري ماقلت لها آسف..أبي أقول لها آسف..
عمري ماقلت لها إني أحبها...أبي أقول لها إني أحبها
اني أحبها واجد واجد.. وإن بيتنا ماله حلا من غيرها
ماعاد يحتمل المزيد.. أكتفى من البوح
ويريد أن يبكي.. ويستحيل أن يسمح لأحد برؤيته
وقف وترك هيا التي تمزقت حزنا من أجله
تركها وصعد لغرفته
*************************
جبهة حزن فراق أخرى
صالة بيت محمد بن مشعل
أم مشعل تجلس مع مريم أمام قهوتهما التي لم تمس
والجو ثقيل ثقيل حولهما
أم مشعل بلهفة مكسورة: مريم يأمش دقي على العنود نتطمن عليها
مريم بهدوء: يمه تو الناس.. وهذولاء معاريس مايصير نزعجهم
أم مشعل صمتت
بعد دقائق صمت
همست أم مشعل بحزن: الله يعيني إذا رحتي أنتي بعد
مريم تمزقت من جملة والدتها الموغلة في الحزن
ثم همست بتأثر: يمه هذولاء مشاعل وموضي بيجون عندش
أم مشعل بتأثر: شكلي بأقول لراكان يستعجل في العرس
أبي لي وحدة تكون معي داخل البيت
بأستخف لو أقعد في البيت بروحي
مريم مدت يدها تتحسس حتى وصلت يد والدتها احتضنتها وقبلتها:
أنا يمه قاعدة عندش لين عقب عرس راكان.. لا تستعجلينهم
موضي توها بتخلص عدة
مايصير تغصبونها على طول عرس
***************************
قبل ذلك بحوالي ساعة
حدود الساعة 9 إلا ربع صباحا
جناح ناصر ومشاعل
ناصر لم ينم إلا حدود الساعة السابعة
ليلة زواجه كانت الليلة الأسوأ في حياته
وهاهو هاتفه يرتفع بالرنين ويصحيه من نومه الذي يحتاجه بشدة
التقط الهاتف يريد أن يضعه على الصامت ولكنه رأى أن المتصل هو رئيس فريقهم
استغرب وذهنه يتحفز.. فالفريق كاملا يتواجد في الأردن حاليا
والوقت مبكر للاتصال قالساعة عندهم الآن الثامنة إلا الربع
والفريق كلهم ورئيسه اتصلوا به البارحة وهنأووه
فما سبب الاتصال يا ترى؟؟!!
التقط الهاتف وهو يرد باحترام: هلا والله
الطرف الآخر بحرج: هلا بك يابو محمد آسفين على الأزعاج
ناصر بذوق: لا إزعاج ولا شي حياك الله أي وقت
رئيس الفريق بحرج أكبر: والله ياناصر ما أدري وش أقول لك مالي وجه
ناصر يقف ومشاعره تتحفز: عسى ماشر؟؟
رئيس الفريق بإرتباك عميق: أدري أنه عرسك البارحة وأنك كنت بتسافر الليلة
بس حن محتاجينك
ناصر باستغراب: محتاجيني؟!!
رئيس الفريق: البارحة حسن عقب ماحضر عرسك وهو طالع المطار زلق وانكسرت يده وماقدر يجي.. وأكيد مايقدر يشارك
فاحنا نبيك تجي تشارك مكانه في السباق الليلة
وبكرة على الليل ترجع
تدري ناصر أنت وحسن أحسن فرسان في الفريق
أنت أساسا ماكنت مشارك وهذا حسن انكسر.. يعني ماعاد لنا أمل بأي من المراكز الأولى كذا
أدري مالي وجه أطلب منك كذا وأنت عريس
بس اعتبرها خدمة أخيرة لفريق بلدك.. وهذا تمثيل وطني
وأنت كنت تبي تعتزل السباقات.. خل السباق ذا سباقك الأخير
ناصر كان يستمع لرئيس الفريق وعشرات الأفكار تصطخب في ذهنه
زواجه...
رفض مشاعل له..
حاجة فريقه له الذين هم أصدقاء عمر وليسوا مجرد فريق رياضي..
رد على رئيس الفريق بثقة: خلاص أنا مستعد
رئيس الفريق بسعادة: كنت عارف إنك منت بخاذلني
خلاص الطيارة بعد 3 ساعات
بيجيك مندوب لين مكانك يأخذ شنطتك وجوازك وبيخلص كل شيء
أنت بس تعال قبل الإقلاع بنص ساعة
مشعل باهتمام: والجليلة؟؟
رئيس الفريق: وش دخلها الجليلة؟؟
ناصر باستغراب: أشلون أسابق بدون فرسي؟!!
رئيس الفريق بهدوء واهتمام: ناصر أنت عارف إنه إجراءات شحن الجليلة بتأخذ وقت
عدا إنها تبي لها وقت لين تتعود على لجو.. والجو هنا ذا الأيام بارد جدا وصقيع
ناصر باستفسار: زين والحل؟؟
رئيس الفريق: تركب ثيندر.. ثيندر صار له هنا أكثر من أسبوعين وهو كل يوم يتدرب وتعود على الجو
ناصر بهدوء: بس ثيندر حصان عنيف.. وما يتقبل حد إلا حسن
رئيس الفريق: وأنت جوكي محترف.. والسيطرة على ثيندر موب صعبة عليك
ناصر بثقة: خلاص تم... شنطتي وجوازي أصلا جاهزين لسفري الليلة
خل المندوب يجيني الحين في الأنتر
عشان أسوي شيك آوت.. وأروح أسلم على هلي
ناصر أنهى اتصاله
وتفكيره مشغول بمن قضت ليلها في الحمام
ولكنه لا يريد رؤيتها
يشعر أن رؤيتها جارحة له وبعمق
جارحة لكرامته ولرجولته وقرابتها له
اتصل بمشعل بن عبدالله وطلب منه الحضور فورا
بعد نصف ساعة كان مشعل يصل هو والمندوب سويا في ذات الوقت
ناصر أعطى المندوب حقيبته وجواز سفره ومشعل في غاية الاستغراب
كانوا مازالوا في الممر
بعد ذهاب المندوب.. ناصر همس لمشعل القلق من اتصاله: تعال
مشعل دخل وهو يشعر بالحرج
ناصر قال لمشعل بهدوء: اجلس مشعل
مشعل جلس وعيناه تجوبان بالجناح بحثا عن شقيقته
ناصر بذات الهدوء: مشعل باسالك سؤال وجاوبني بصراحة
مشعل بقلق: وش ذا المقدمة.. إسال.. أظني إنك عارفني
ناصر بهدوء عميق: مشعل أنتو غاصبين مشاعل علي؟؟
مشعل قفز وهو يقول بحدة: من يقوله؟؟ مهوب بناتنا اللي يغصبون
ناصر: اقعد مشعل
مشعل جلس وناصر يكمل كلامه: اللي باقوله لك أبيه بيننا
لأنه ما أدري وش أقول لك.. ماينقال
مشعل تصاعد قلقه وعشرات الأفكار المجنونة تعصف به
وناصر يكمل: مشاعل من البارحة مسكرة على روحها في الحمام
مشعل قفز: وشو؟؟
كان يريد التوجه للحمام.. لكن ناصر أشار له لا
ناصر أخبر مشعل بإضطراره للسفر للاشتراك في سباق التحمل الصحراوي في الأردن
ثم قال له: أنا أبيك تأخذ مشاعل.. شوف وشهي تبي.. وش اللي يريحها؟؟
وأنا بأسويه لها إذا رجعت
مشعل بتأثر عميق: أنتظر لازم أخليها تطلع وتعتذر لك..
ناثر برجاء: لا تكفى مشعل.. ماعليه أدري إنها أختك
بس أنا متضايق منها وما أبي أشوفها الحين
خلني أروح الحين... وإذا رجعت من سفري تفاهمنا
مشعل احتضنه وهو يقول له بأخوية عميقة:
تروح وترجع بالسلامة.. وترجع لنا بالكأس
والسموحة يا أخيك امسحها في لحيتي
مشاعل والله إنها ذهب بس هي تستحي بزيادة
ناصر حمل حقيبته وخرج يريد الذهاب لأهله للسلام عليهم وإخبارهم
ثم للتوجه للمطار
مشعل تنهد وهو يتوجه للحمام
الوضع حساس
ويحتاج لمعالجة متوزانة
طرق الباب عليها
لم ترد
أعاد الطرق
لم ترد
همس بقلق: مشاعل افتحي الباب
فُتح الباب فورا.. لتظهر من خلفه مشاعل بوجهها المتورم من كثرة البكاء
رمت بنفسها على صدره وهي تنتحب
مشعل احتضنها بحنان وهي يربت على ظهرها ويهمس:
ليه سويتي كذا مشاعل الله يهداش
ناصر ضايقش بشيء؟؟
مشاعل بين شهقاتها: ماضايقني بس أنا ما أبيه
أنا ماني بوجه عرس يا مشعل
وما استحمل حد يقرب مني
والله استحي.. استحي
مشعل ارتاح قليلا بعدما تاكد أن القضية لا تتجاوز خجل مشاعل المعتاد
وإن كان خجلها هذه المرة تجاوز الحد
مشعل جذبها وأجلسها على ألاريكة وجلس جوارها واحتضنها
وتركها تبكي حتى ارتاحت تماما وصمتت
ثم همس لها: مشاعل اسمعيني
اللي سويتيه عيب في حقش وحق ناصر وحقنا
أنتي ماحد جبرش على ناصر
أنتي خذتيه برضاش
ولو كنتي فهمتيه بالهداوة إنش ما تبينه يقرب منش
ماراح يجبرش على شيء
لو أنتي حتى مسكرة على روحش في الغرفة كان عادي
بس تسكرين على روحش طول الليل في الحمام
كنش تقولين له قعدة الحمام ولا مقابلك
تراها قوية عليه.. قوية يا أخيش
وناصر مايستاهل تجرحينه بذا الشكل
عمري ماشفت ناصر زعلان كذا
ناصر أوسع خاطر فينا ومايضيقه إلا شي كايد
والله مايستاهل منش كذا ياقلبي
وهذا هو سافر وهو زعلان عليش
مشاعل برعب: سافر.. وين؟؟ وليه؟؟
مشعل أخبرها بسفر ناصر
توترت وشعرت غصبا عنها بإحساس كاسح بالذنب
مشعل أكمل لها: اسمعيني
أنتي قومي الحين تسبحي
وأبيش تعدلين وتلبسين مثل أي عروس
وبأوديش لبيت ناصر
مشاعل بجزع: لا مشعل تكفى.. أبي أرجع لبيتنا
مشعل بحنان: مايصير ياقلب أخيش
تبين الناس ياكلون وجيهنا
وبعدين ناصر اللي أنتي مستحية منه مسافر
عشان خاطري لو لي خاطر عندش
مشاعل ابتسمت أخيرا وهي تقول بحزن:
عشانك أقط روحي في النار
خلاص يابو عبدالله عطني نص ساعة أتسبح وأصلي وأجهز على السريع وألم أغراضي
*************************
بيت محمد بن مشعل
مشاعل وصلت بيت عمها
مشعل أوصاها أن يبقى الموضوع بينهما فقط
وأن تحاول التأقلم مع محيطها الجديد قبل عودة ناصر
وأكد لها أنها غير مجبرة على إكمال حياتها مع ناصر إذا كانت رافضة له
ولكنها يجب أن تمنحه فرصة أولا فمن هو مثل ناصر يستحق عشرات الفرص
فلا تستكثر عليه أن تعطيه فرصة وحيدة
وثانيا أن تتمهل قليلا قبل اتخاذ أي قرار
كلام مشعل طمئن روحها القلقة المرتاعة
وهاهي مستعدة مبدئيا للمحاولة
نزلت لبيت عمها بخطوات مترددة
مريم وأم مشعل استقبلاها بابهتاج كبير
قبل قليل مر بهم وناصر وأخبرهما باضطراره للسفر
لكنه لم يقل شيئا عن مشاعل
لذا سعدا كثيرا برؤيتها
أم مشعل أخذتها لقسمها
وأغراض مشاعل رتبتها لطيفة هناك قبل عدة أيام
دخلت وهي مرتبكة وتتنهد بعمق
تركتها أم مشعل لترتاح وانسحبت
غرفتان كل منهما بحمام
وصالة شاسعة ملحقة أيضا بحمام
ومطبخ متوسط الحجم
شعرت بحضور كاسح لناصر في كل مكان
فالصالة كان يتوزع بها بطريقة منسقة الكثير من الكؤوس
والكثير من الصور لناصر مع فريقه ومع الجليلة
أما ما أرعبها تماما فقميص أبيض مثبت داخل إطار كبير كأطار الصور
كان ممزقا وعليه بقع دم وطين وكُتب تحته
دورة الألعاب الأسيوية الخامسة عشرة /الدوحة/ 2006
ومعه ميداليته البرونزية التي حصل عليها في تلك الدورة
انتفض قلب مشاعل وهي تشعر بضيق يكتم على روحها
(الله يهداك ناصر.. هذا قميص حد يحتفظ به)
تتذكر جيدا هذه الدورة
فاز بسباق التحمل الفردي في تلك الدورة الفارس راشد بن محمد راشد آل مكتوم على فرسه (ماجيك غلين)
وبسباقات الفرق فاز الفريق الإماراتي بالذهبية
والقطري بالبرونزية
وكانت الأجواء أيامها مطيرة
والسباق كان يتكون من 120 كيلو على خمس مراحل وانطلق من منطقة سيلين البحرية
اجتاز ناصر 3 مراحل وفي المرحلة الرابعة زلقت الجليلة وتعرضت للاصابة
وسقط ناصر وأصيب إصابة بالغة في كتفه
لا تعلم لم تتذكر كل هذا
ولكنها دعت بعمق أن يحفظه الله في هذا السباق
وهي تحاول أن تبعد شعور الضيق غير المفهوم الذي اجتاحها مع رؤيتها للقميص الممزق الملطخ بالدم
*******************
جناح فارس والعنود
حدود الساعة 11 صباحا
فارس صحا من النوم أولا
كان نور الشمس القوي يغمر الغرفة تماما
التفت جواره حيث تنام هي بسكينة
كان وجهها ناحيته
(هل أرى شمسا أخرى تشرق جواري
صباحكِ سكر يا طعم السكر
صباحكِ إشراق يا شمسي
كم يبدو هذا الصباح مختلفا
إنه الصباح الأجمل في حياتي
لأنه ابتدأ برؤية محياكِ
أرجوكِ كوني صباحي ومسائي وكل أوقاتي
هائم أنا ياصغيرتي.. هائم.. هائم
أحبكِ
أحبكِ
أحبكِ
ليتني أستطيع الصراخ بها لأسمع العالم ..كل العالم)
"اسمعها إياها يافارس أولا"
كان فارس ينظر لها بوله عميق
كم بدت له صغيرة وناعمة وفاتنة
ورؤيتها تمزق الروح بلذة موجعة
مضت عدة دقائق وهو يراقبها بتمعن واستمتاع
ودقات قلبه تتصاعد بوجيب مزعج
رأى جفنيها يضطربان كأنها على وشك فتحهما
فأغلق هو عينيه
لا يريدها أن تعلم أنه كان يراقبها كالأبله
العنود فتحت عينيها
تلفتت حولها بخجل وهي ترى المكان الجديد عليها
ضمت أطراف روبها على جسدها رغم أنه لم ينفتح
ثم التفتت للنائم جوارها
وحان دور تبادل أدوار المراقبة
وإن كان هو تأملها بحب
فهاهي تتأمله بإعجاب.. في تضاد عارضه الشديد السواد مع بياض بشرته
"والضد يظهر حسنه الضد"
العنود أسندت رأسها لكفها وهي تنظر ناحيته
تمنت لو تستطيع أن تفعل كما فعل هو بالأمس
أن تتحسس وجهه الفاره الوسامة.. المبهر في تفاصيله الرجولية
بل شعرت برغبة عارمة أن تتحسس مكانين بالذات
مكاني القطع المثيرين في حاجبه وفي شفته
(بيحس فيني لو سويتها؟!!
موضي تقول نومه ثقيل)
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء السابع والستون
جناح فارس والعنود
العنود تتشجع وتمد يدها لتلمس وجه فارس الذي كانت تظنه نائما
لمست أولا القطع في طرف حاجبه اليمين بطرف سبابتها
كان غائرا نوعا ما
ولكنه منحه طله رجولية موجعة بعمق
فارس شعر بثوران مشاعر كاسح منذ أحس بملمس أصبعها الناعم على وجهه
لكنه قرر أن يستمر في تمثيل النوم
حتى لا يحرجها.. وحتى يرى ما تود فعله
انتقالها التالي مباشرة كان للطرف الأيسر من شفته السفلية
حيث القطع الثاني
حينها
ثار غضبه فعلا
فأكثر شيء يكرهه في حياته
والشيء الذي لم يستطع تجاوزه أبدا
أن يكون اهتمام الآخرين هو بشكله
هي لم تلمس وجهه تعبيرا عن مشاعر كما فعل
ولكنها تريد أن تتأكد من مواصفات شكلية لذا اقتصرت على لمس موقعين محددين فقط
وهذا الشيء أثار غضبه لأبعد حد
فتح عينيه وهو يصرخ بها: شتسوين؟؟
العنود انتفضت وهي تتراجع للخلف وتهمس بوجل: آسفة .. آسفة
فارس صرخ فيها: إياني وإياش تعيدينها
العنود صمتت وهي تبتلع عبراتها ومرارتها وإحراجها
فارس قصد بجملته والذي يجب إلا تعيده أن يكون اهتمامها هو بشكله
بينما العنود فهمت أن الذي يجب إلا تعيده هو الاقتراب منه أو لمسه
وهذا الأمر جرحها
جرحها بعمق
كما لو أنه هو فقط من يحق له لمسها في الوقت الذي يشاء
بينما هي لا يحق لها ذلك.. وكأن علاقتهما يجب أن تكون من طرف واحد
يكون هو المرسل وتكون هي المستقبلة
المستقبلة لكل شيء لمساته.. قسوته.. حدته.. كلامه الجارح
أ يريدها أن تتحول لمخلوق بلا مشاعر مهمته فقط أن يكون حاوية لاستقبال جنونه؟!!!
*************************
قبل صلاة الظهر بقليل
مشعل يعود للبيت ليتوضأ ويذهب للصلاة
وجد هيا تجلس على جهازها المحمول
سلم وهو يميل عليها ليقبلها ويسألها بحنان: شتسوين؟؟
هيا تحتضن وجهه بكفها وتهمس: أشوف إيميلي صار لي كم يوم ماشفته
ثم أردفت: وين رحت من صبح؟؟
ابتسم مشعل وهو يبتعد ليخلع ثوبه ليدخل الحمام:
شغل تحريات وإلا غيرة نسوان وإلا مجرد فضول؟؟
هيا تبتسم: اللي هو
مشعل وهو على باب الحمام: رحت أجيب مشاعل
استدعوا ناصر يشارك بسباق ضروري في الأردن
مشعل دخل الحمام وهيا مستغربة
(يروح يشارك في سباق صباحية عرسه!!!!)
هيا تقلب بريدها الإلكتروني.. تجد رسالة مهمة.. تقرأها باهتمام
حين خرج مشعل تقول له باهتمام:
حبيبي البعثات طالبيني يقولون فيه أوراق ناقصة يبونها
مشعل بهدوء: خلاص حبيبتي الأسبوع الجاي بأروح لهم وأشوف وش يبون
هيا بهدوء: عادي حبيبي أنا باروح
مشعل باستنكار غاضب لطيف: لا يا قلبي هذاك أول
الحين عندش رجّال يتعب لش
وأنتي اقعدي مرتاحة
***************************
الدوحة
طريق المطار
راكان يقود بناصر المتوجه للمطار
راكان بهدوء: ناصر الله يهداك ماقدرت تعتذر من السباق
عرسك البارحة وش تبي الناس يقولون
ناصر بغموض: مهوب قايلين شيء.. السباق لازم أشارك فيه
لو مالقوا فارس يكمل الفريق بتلغى مشاركة فريق قطر بالكامل
راكان باستفسار شفاف: ومرتك؟؟
ناصر بذات الغموض: تنتظرني لين أرجع
هي مقدرة ظرفي وسامحة لي بنفسها
(أصلا هي ما تبي إلا الفكة مني
يا الله يا مشاعل
ليه كل ذا؟!
تقضين الليل كله في الحمام قرفانة مني
وش سويت عشان استحق منش ذا الجفا والكراهية؟!)
راكان يسأله: السباق متى؟؟
ناصر بهدوء: الليلة الساعة 8
راكان بقلق: بذا السرعة أنت مالحقت تتدرب مع الحصان اللي بتركبه
وخصوصا أنك أول مرة تركبه
ناصر بتطمين: عادي.. ثندر يعرفني عدل
راكان: ومتى بترجع؟؟
ناصر: السباق بيخلص بكرة على الظهر
بأرجع بكرة في الليل إن شاء الله
راكان بهدوء: خلاص بكرة الليل بأنتظرك في المطار
ناصر برجاء أخوي: زين راكان تكفى لازم تزورون حسن
حسن في المستشفى يده منكسرة
راكان بنبرة رجولية: أفا عليك بدون ما تقول.. هذا واجب
ناصر يتذكرشيئا: راكان هاك التذاكر وحجز الأوتيل.. أبيك تروح للسفريات تلغيها
راكان باستغراب: وليه ألغيها؟؟ باجله يومين ثلاثة..
ناصر بسكون: أنا ما أدري متى بنقدر نروح.. ألغ الحجز..
وإذا جينا بنسافر مرة ثانية.. سويت حجز ثاني إن شاء الله..
ثم ابتسم ناصر ابتسامة باهتة: أو أخذ الحجز لك أنت وموضي على خير
راكان بهدوء غامض: أنا وموضي إذا رحنا.. رحنا مكان ماحد راح له قبلنا
ناصر بتفكير وهو يتذكر حواره مع راكان عن موضي قبل فترة وجيزة:
إلا تعال قل لي يا أبو قلب ميت.. وش غير رأيك ونططك تبيها؟؟
وإلا عشان شفت خلاص إنها بتخلص العدة.. صحصح القلب الميت
راكان بذات الهدوء الغامض: على قولتك
************************
بعد صلاة الظهر
جناح فارس والعنود
فارس ذهب للصلاة ولم يعد بعد
العنود صلت وهاتفت أمها وشقيقتها
وهاهي أمام المرآة تتأنق
لا تريده أن يظن أنها تأنقت من أجله بعد صراخه اليوم عليها
ولكنها فعليا تفعل
جزء من أجل نفسها وإحساسها أنها عروس لابد أن تتأنق
من ناحية أخرى تتمنى أن تذهب لأهلها ..وإذا وافق تريد أن تكون جاهزة
ومن ناحية ثالثة: لِـمَ لا؟؟ فليراها جميلة ومتأنقة
وهاهي متألقة بل ومتألقة جدا
وهي ترتدي تنورة حرير طويلة مشجرة ضيقة وتتسع من أعلى الركبتين
مع كعب عالي وتوب (هاي نك) أسود سادة ملتصق بكم طويل
مع عدد من السلاسل الفضية النحيفة المختلفة الأطوال
وشعرها رفعته بشكل عشوائي وثبتت بعض خصلها الأمامية بمشابك فضية
ووضعت القليل من الزينة بشكل محترف
كانت تضع لمساتها الأخيرة على أحمر شفاهها حين دخل
اهتزت يدها
وكادت تلون ذقنها مع شفتيها
سلّم
ردت السلام بهدوء
جلس قريب منها
وهاهي انتهت وتريد القيام
ولكنها عاجزة عن القيام وهي تعلم أنه يراقبها بتفحص
(نفسي بس أفهمه
ليش يطالعني كذا؟؟
ليش غامض كذا؟!)
(ولِـمَ أنتِ جميلة هكذا؟!
وتتسلقين الروح بهذه الطريقة
لتنغرسي في أعمق أعماقها
لِـمَ يبدو كل شيء بجواركِ باهتا وكأنكِ احتكرتِ كل ألق العالم؟
ولماذا يؤلمني النظر إليك إلى هذا الحد؟!
لم أعلم مطلقا أن مجرد النظر قد يمزق الروح حتى عرفتكِ
ها أنتِ تجلسين كملكة متباعدة
تحكم ولا تعلم كم هو جائر حكمها
وكم هي ظالمة
وأنا أحد رعاياكِ ينتظر منك أن تنظري له بعين الرأفة والرحمة
انظري إلى
انظري إلي)
العنود مازالت تجلس في مكانها
وهو في مكانه
قرر أخيرا النهوض
اقترب منها
ينظر لوجهها في المرآة يعرف أنها ارتبكت من اقترابه
أنزلت عينيها وهو يقترب أكثر
وضع يديه على كتفيها
ارتعشت
همس لها: خايفة وإلا بردانة؟؟
العنود بخجل: لا هذي ولا هذي
فارس بعمق: زين ليش ترتعشين؟؟
العنود لم تجبه لكنها سألته بذكاء، بخجل ممزوج بالحزن:
وأنت ليش تعطي لنفسك حق حرمتني منه؟؟
فارس باستفسار: أي حق؟؟
العنود بذات النبرة الحجولة الحزينة: ليش حاط يدك على كتوفي؟؟
ليش تلمسني وأنت اليوم مصرخ علي عشان لمست وجهك
فارس صمت وهو يبتعد عنها ويعود للجلوس مكانه
ممزق هذا الشاب بين ضغط مشاعره العنيف
وعجزه عن التعبير عنه
واحتواء هذه الصبية التي فتنته حتى الثمالة
تنهدت العنود
(أبو الهول شكله ممكن يصير مشاعر وهذا ولا عمره بيحس)
وقفت العنود وهي تقول له بأدب رقيق: فارس ممكن أروح أشوف أهلي؟؟
فارس بهدوء واثق: خلاص العصر باسوي شيك آوت ونرجع للبيت
وأنا قلت لراكان يفتح خلاص الباب اللي بيننا وبين بيت عمي
روحي وتعالي على كيفش
***********************
الأردن
مدينة البتراء الأثرية التي أصبحت مؤخرا أحد عجائب الدنيا السبع
حيث سينطلق سباق التحمل الذي سيكون 120 كيلومترا على أربع مراحل
30 كيلو بين كل مرحلة ومرحلة
ينطلق من البتراء ليعود لها
الساعة السابعة مساء
تبقى ساعة على السباق
وهاهو ناصر يتفحص ثيندر بدقة فارس محترف
وهو يلبس جاكيتا ثقيلا فوق لبس الفرسان المعتاد
فالجو كان شديد البرودة
ولكنه مع بدء السباق لابد أن يخلع الجاكيت
كان المدرب يقف مع ناصر ويجاوب على أسئلته السريعة المحترفة بلغتهما المشتركة
ناصر: أشلون وزنه؟؟
المدرب: ممتاز
ناصر: وأكله؟؟
المدرب: المعتاد
ناصر باهتمام: ونبضات قلبه؟؟
المدرب: ماتعدت 58
ناصر بارتياح: ممتاز.. والتشغيل؟؟
المدرب: كالعادة.. وكان تمام
ناصر: والتفحيم؟؟
المدرب: 10، 30، 60، والأسبوع اللي فات 90
ناصر بذات نبرة الارتياح: ممتاز.. ممتاز جدا...وحوافره؟؟
المدرب: شحمناها خلاص
في سباقات التحمل.. قوة التحمل هي قوة تحمل الجواد لا الفارس
لذا في كل مرحلة تقاس نبضات قلب الجواد ويجب ألا تتجاوز 64 نبضة
وإلا أُخرج من السباق إلا في مراحل معينة وحسب نتائج المراحل السابقة
وقبل السباق لابد من تشحيم حوافره بزيت محترق حتى تحتمل حوافره الركض طوال هذه المسافة
وجواد سباقات التحمل يجب أن يكون وزنه متوسطا
أي لا يكون هزيلا ولا سمينا
ويجب أن يتم فحصه بدقة وأن يتناول طعاما صحيا ممتلئا بالأملاح التي تعوضه عن ما يفقده في السباقات الطويلة
وتدريبات سباق التحمل طويلة جدا وتستغرق أشهرا
أولها ما يسمى التشغيل وهو عادة 2 كيلومتر متنوعة ركض وحواجز وغيرها
ثم تليها التفحيم وهي إزدياد مسافات الركض قبل السباق المقرر
ناصر يربت على عنق ثيندر: ثيندر لا تخذلني أنا وحسن
نبي نرجع للدوحة بمركز متقدم
لكن ثيندر تراجع بعنقه وهو يصهل
ناصر عاد واحتضن عنقه وهو يقول: أدري إنك مشتاق لحسن
وكلها يومين ويرجعونك للدوحة وتشوف حسن
ثيندر اطمئن قليلا وكأن اسم حسن يطمئنه
************************
بيت محمد بن مشعل
بعد صلاة العشاء
عشاء نسائي أسري بمناسبة اجتماع العرائس
العروسان كانتا متألقتين ورائعتين
كل واحدة منهما بطريقتها الخاصة
وكل واحدة منهما كان لها أسبابها للتأنق
التي ليس من ضمنها إحساسها بالسعادة
مشاعل جعلت الزينة قناعا يغطي إحساسها بالحزن العميق
وإحساس آخر أعمق بدأ يكتم على روحها
القلق على ناصر
ولا تعرف لِـمَ هي قلقة هكذا!!
(لو كنت عارفة أنه بيسافر
كان سمّحت خاطره عشان مايروح وهو زعلان علي
ياويلي من عقوبة ربي.. ليه سويت كذا؟؟
لو كنت فهمته بالكلام إني خجولة واستحي
أكيد ما كان جبرني على شيء)
العنود أكثر تألقا لأنها ليست حزينة كمشاعل
ولكنها بالتأكيد ليست سعيدة
فهذا الفارس يبدو لها عصيا على الفهم
لا تعرف ماذا يريد أو كيف تتعامل معه
جاف جدا في التعامل
والأكثر غرابة هو كيف ينظر إليها
تشعر بحرج فعلي من نظراته المتفحصة غير المفهومة
التي تشعرها بقشعريرة باردة
العروسان كانتا تجلسان متجاورتين
كل منهما سارحة في أفكارها
فوجئتا بمن يفرقهما ويجلس بينهما:
البقية في حياتكم..ويجعلها آخر الآحزان
عسى ماشر ليش محزنين؟؟
صدق ماعندكم سالفة...لو أنا اللي ماخذه عيال خالي
فويرس المزيون الموت الحمر..وإلا نويصر فارس آل مشعل
كان ابتسامتي شاقة من هنا لين ماله مدى..بس صدق يدي الحلق للي بلا ودان
غصبا عنهما ارتسمت ابتسامة على شفتي كل منهما
ومعالي تهتف بمرح: وأخيرا ابتسامة.. أحمدك يارب
يالله مع أني قطعت ركبكم تقبيص البارحة بس أبي أقبص بعد مرة
بس بدون ما تشوفني عمتكم المعقدة تغسل شراعي
ولكن عمتهما كانت في وادٍ آخر
فنورة كانت على غير عادتها بها حزن ظاهر تحاول إخفاءه وهي تجلس في زاوية بعيدة لوحدها
هيا قامت وجلست جوارها: يمه وش فيش فديتش؟؟
نورة احتضنت كفها وردت بحنان: مافيني شيء يأمش؟؟
هيا بتفهم: يمه أنتي متضايقة عشان موضي خلاص بتخلص عدتها وتاخذ راكان؟؟
نورة بحزن: يمكن يكون سبب.. بس مهوب هو الأساس
هيا بحنان: قولي لي جعلني الأولة
نورة بحنان: إلا أنا الأولة جعل عمرش أنتي ومشعل طويل
ثم أكملت بحزن عميق وبهمس لا يسمعه سوى هيا فهي محتاجة للبوح:
موضي وراكان عيالي
وغلاهم كبير والله الشاهد
صحيح ما أقدر إني ما أحزن.. لكن موضي تستاهل اللي يعوضها في سوايا حمد فيها
الناس يشوفوني ساكتة.. يحسبون ما أدري بشيء
أنا دارية إن موضي صبرت على حمد واجد.. وغيرها مايصبر عليه حتى شهر وهي صبرت سنين
كل ماشفت أهلها يسألون عنها إذا تاخرت عليهم
دريت إنه مسوي فيها شوي
أروح لها ألاقيها تدسس وجهها مني عشان ما أشوف فعايله الشينة فيها
وياكثر مالاغيته وربي شاهد
وياكثر مازعلت عليه
لكنه كان يبكي عندي مثل بزر.. كان يموت فيها وروحه معلقة فيها
ويترجاني ما أقول لأحد شيء عشان مايجبرونه يطلقها
أدري إني غلطت.. بس هو كان يوعدني إن كل مرة هي أخر مرة
والأم ما تكذب عيالها ودايم كنت متاملة ينصلح حاله
لين طلقها.. حتى جابر دس علي السبب
بس أنا ماني بغبية.. وش طيحة الدرج اللي جات مع طلاقهم وسفره
الله يواجر موضي على صبرها
خلها تأخذ راكان يغسل كبدها من حمد وسواياه فيها
هيا كانت مصدومة تماما من سيل الأسرار الذي سكبته عمتها المكلومة أمامها
(معقولة هذا كله كان يضربها؟!
وش ذا الحيوان المتوحش؟!
يا قلبي يا موضي
يا كثر صبرش!!)
عمتها بهمس مؤلم: الحين أنا أحاتي حمد أحاتيه واجد
قلبي ماكلني عليه
ما كان يكلمني إلا مرة كل أسبوعين.. والحين صار له ثلاثة أسابيع ما كلم
والتلفون اللي هو يكلم منه بناتي طلعوه من الكاشف وندق عليه بدون فايدة
وش ذا الدورة اللي حتى جوال ماعنده؟؟
هيا بحنان: يمه عطيني الرقم... صديقتي مصرية وأبوها رجال واصل
بأخليها تطلع الرقم من وين طالع؟؟؟
**************************
بيت فارس بن سعود
جناح فارس الذي أعاد تجديده بالكامل
الساعة 11 ونصف مساء
العنود عادت مع أم فارس للبيت.. عبر الباب الواصل
صعدت لغرفتها
كانت تظن أن فارس لم يعد بعد..
خلعت عباءتها وعلقتها
(أنتي أشلون تلبسين كذا قدام الناس؟؟)
صوت غاضب اقتحم هدوءها
العنود بخجل وارتباك وهي تنظر لنفسها:
ليه وش فيه؟؟
كانت العنود ترتدي بنطلونا بنيا واسعا بقصة مستقيمة
مع بلوزة شيفون مشجرة باللونين الذهبي والبني مزمومة عند الخصر والكمين
وتحتها بروتيل باللون البني
مع حزام عبارة عن سلاسل ذهبية تنزل على الردفين بشكل مائل
فارس يقترب منها ويهمس بغضب مكتوم:
إلا وش اللي مهوب فيه
شفاف وبنطلون بعد
العنود ابتلعت ريقها وهي ترى وجهه الوسيم الغاضب من هذا القرب:
مافيه حد غريب بس هلي
ووالله لبسي مافيه شيء.. عادي
لا هو عاري ولا ضيق
فارس يتنهد ويقول بحزم: اسمعيني العنود
لبس مثل هذا ما تلبسينه عند ناس
لا هلش ولا غيرهم
وبنطلون نهائي ما تلبسين
العنود باستفسار ناعم بريء خبيث: ولا حتى عندك؟؟
صمت فارس
كيف أصبحت تحاصره ثم تنقض بشكل خاطف شفاف
(تمهلي يا صغيرة
تمهلي)
فارس لم يرد عليها وهو يعود أدراجه ليجلس في الصالة الملحقة بغرفتهما
العنود هزت كتفيها وهي تفهم رده من صمته
(يعني مايهون عليه يبرد خاطري بكلمة)
العنود تجاوزته لتذهب لغرفة النوم
ثم للحمام استحمت وصلت قيامها
وهو مازال معتصما بجلسته في الخارج
كانت العنود لبست ثوب الصلاة فوق روبها
الآن تريد أن تلبس
وقفت أمام دولابها
لم تعرف ماذا تختار
في الختام استقرت على ارتداء بيجامة ناعمة
فهذا الفارس العصي التفسير لاشيء يعجبه
لذا قررت أن ترتدي ما ترتاح له هي
بيجامة زهرية حريرية بتطريزات فضية ناعمة
بعدها أصابتها حيرة جديدة
تبقى في الغرفة أو تخرج لتجلس معه
ولكن حيرتها لم تطل
لأن صوت فارس ناداها من الخارج: العنود إذا خلصتي تعالي
فارس الذي كان يترقب حركاتها بدقة.. وكان يعلم أنها صلت وارتدت ملابسها
خرجت له بخطوات مترددة
ألقها يسبقها
وإحساسه العميق بها يغلف خطواتها التي تخطوها
(لِـمَ أنا معقد هكذا؟؟
وعاجز عن التعبير عن مشاعري بهذه الصورة)
وقفت
همس لها بهدوء: تعالي إجلسي
وهو يشير للمكان الخالي جواره
اقتربت بتردد وجلست
لم يعرف ماذا يقول..
( كل الكلمات باهتة بحضرتها
أ أقول لها أنتِ جميلة وهي فوق الجمال؟!!
أ أقول لها رائعة وهي فوق الروعة؟!!
أ أقول لها أحبها وما بقلبي لها هو شيء فوق الحب وأبجديات الغرام؟!
أ أقول لها اطلقي إساري وأنا أريد أن أبقى سجينها عمري كله؟!!
أ أقول لها لا تنظري لي لأن نظرة عينيك تذيبني؟!!
وفي ذات الوقت أ أقول لا تحرميني نعمة النظر إلى عينيكِ فعينيكِ مرسى روحي الهائمة؟!!
أي جنون يكتنفك يا فارس؟؟ أي جنون؟؟)
العنود بخجل: فيه شيء مضايقك؟؟
فارس باستغراب: لا
العنود بخجل أكبر وخداها يتوردان: أنا مضايقتك؟؟
انتفض قلبه بعنف وسؤالها الخجول يلسع قلبه وخداها المتوردان ينحرانه
لكنه رد بهدوء: لا.. ليش تقولين كذا؟؟
العنود تفرك أناملها وعيناها في حضنها.. تهمس بخجل رقيق:
من البارحة وأنت تطالعني وتسرح.. قلت يمكن شوفتي تذكرك بشيء يضايقك
فارس مد يده لذقنها
ارتعش فكها
وشعر هو بارتعاشتها وهو يرفع وجهها لأعلى
وعيناه تغرق في بحر عينيها
همس لها بعمق: ليه أنتي حلوة كذا؟؟
العنود بارتباك: نعم؟؟
لم يرد عليها لكنه اقترب منها أكثر
وهو يدخل كفه في شعرها من الخلف
ويقرب وجهها منه
حتى أصبح يتنفس أنفاسها العذبة من قرب
شفتاها ترتعشان
وهو عيناه تطوف بتفاصيلها
يقترب أكثر
رنين هاتف يقطع اللحظة الأخيرة
والعنود تنتفض وترجع للوراء
وفارس يسب ويلعن في داخله
(الله يأخذه من اللي بيتصل الساعة وحدة في الليل)
ألتقط الهاتف
شعر بالقلق وهو يرى اسم راكان يلمع على الشاشة
لو كان ناصر المتصل.. لما قلق.. فناصر اعتاد على مقالبه
لكن راكان لن يتصل في هذا الوقت إلا لأمر جلل
نهض وابتعد خطوتين..ورد بقلق: هلا
دون أن يقول الاسم حتى لا يقلق العنود
رد بقلق أكبر: الحين جايك جايك
العنود برعب: وش فيه فارس؟؟
فارس ربت على خدها وهو يقول بتطمين: مافيه شيء
الشغل طالبيني نص ساعة وبأرجع
لو بغيتي تنامين نامي
العنود بقلق: وش أنام؟؟ بأنتظرك لين ترجع
**************************
مجلس آل مشعل
حدود الساعة الواحدة بعد منتصف الليل
ذات الاتصال الذي تلقاه فارس
تلقاه كلا المشعلين
وهاهم الثلاثة يقفون أمام راكان
وأنفاسهم تصعد وتهبط
كان مشعل بن محمد أول من تكلم: راكان وش اللي صاير؟؟
ثلاثتهم يعلمون أن جمع راكان لهم بهذه الطريقة وفي هذا الوقت
ليس إلا لأمر كبير
أو مصيبة بمعنى أصح
راكان ابتلع ريقه وداخله يذوي وينهار بكل معنى الكلمة
ولكنه يتمسك ببقايا قوته التي تكاد تخونه.. فالألم بداخله أكبر من كل احتمال:
رئيس فريق ناصر توه كلمني من الأردن
جناح فارس والعنود
العنود تتشجع وتمد يدها لتلمس وجه فارس الذي كانت تظنه نائما
لمست أولا القطع في طرف حاجبه اليمين بطرف سبابتها
كان غائرا نوعا ما
ولكنه منحه طله رجولية موجعة بعمق
فارس شعر بثوران مشاعر كاسح منذ أحس بملمس أصبعها الناعم على وجهه
لكنه قرر أن يستمر في تمثيل النوم
حتى لا يحرجها.. وحتى يرى ما تود فعله
انتقالها التالي مباشرة كان للطرف الأيسر من شفته السفلية
حيث القطع الثاني
حينها
ثار غضبه فعلا
فأكثر شيء يكرهه في حياته
والشيء الذي لم يستطع تجاوزه أبدا
أن يكون اهتمام الآخرين هو بشكله
هي لم تلمس وجهه تعبيرا عن مشاعر كما فعل
ولكنها تريد أن تتأكد من مواصفات شكلية لذا اقتصرت على لمس موقعين محددين فقط
وهذا الشيء أثار غضبه لأبعد حد
فتح عينيه وهو يصرخ بها: شتسوين؟؟
العنود انتفضت وهي تتراجع للخلف وتهمس بوجل: آسفة .. آسفة
فارس صرخ فيها: إياني وإياش تعيدينها
العنود صمتت وهي تبتلع عبراتها ومرارتها وإحراجها
فارس قصد بجملته والذي يجب إلا تعيده أن يكون اهتمامها هو بشكله
بينما العنود فهمت أن الذي يجب إلا تعيده هو الاقتراب منه أو لمسه
وهذا الأمر جرحها
جرحها بعمق
كما لو أنه هو فقط من يحق له لمسها في الوقت الذي يشاء
بينما هي لا يحق لها ذلك.. وكأن علاقتهما يجب أن تكون من طرف واحد
يكون هو المرسل وتكون هي المستقبلة
المستقبلة لكل شيء لمساته.. قسوته.. حدته.. كلامه الجارح
أ يريدها أن تتحول لمخلوق بلا مشاعر مهمته فقط أن يكون حاوية لاستقبال جنونه؟!!!
*************************
قبل صلاة الظهر بقليل
مشعل يعود للبيت ليتوضأ ويذهب للصلاة
وجد هيا تجلس على جهازها المحمول
سلم وهو يميل عليها ليقبلها ويسألها بحنان: شتسوين؟؟
هيا تحتضن وجهه بكفها وتهمس: أشوف إيميلي صار لي كم يوم ماشفته
ثم أردفت: وين رحت من صبح؟؟
ابتسم مشعل وهو يبتعد ليخلع ثوبه ليدخل الحمام:
شغل تحريات وإلا غيرة نسوان وإلا مجرد فضول؟؟
هيا تبتسم: اللي هو
مشعل وهو على باب الحمام: رحت أجيب مشاعل
استدعوا ناصر يشارك بسباق ضروري في الأردن
مشعل دخل الحمام وهيا مستغربة
(يروح يشارك في سباق صباحية عرسه!!!!)
هيا تقلب بريدها الإلكتروني.. تجد رسالة مهمة.. تقرأها باهتمام
حين خرج مشعل تقول له باهتمام:
حبيبي البعثات طالبيني يقولون فيه أوراق ناقصة يبونها
مشعل بهدوء: خلاص حبيبتي الأسبوع الجاي بأروح لهم وأشوف وش يبون
هيا بهدوء: عادي حبيبي أنا باروح
مشعل باستنكار غاضب لطيف: لا يا قلبي هذاك أول
الحين عندش رجّال يتعب لش
وأنتي اقعدي مرتاحة
***************************
الدوحة
طريق المطار
راكان يقود بناصر المتوجه للمطار
راكان بهدوء: ناصر الله يهداك ماقدرت تعتذر من السباق
عرسك البارحة وش تبي الناس يقولون
ناصر بغموض: مهوب قايلين شيء.. السباق لازم أشارك فيه
لو مالقوا فارس يكمل الفريق بتلغى مشاركة فريق قطر بالكامل
راكان باستفسار شفاف: ومرتك؟؟
ناصر بذات الغموض: تنتظرني لين أرجع
هي مقدرة ظرفي وسامحة لي بنفسها
(أصلا هي ما تبي إلا الفكة مني
يا الله يا مشاعل
ليه كل ذا؟!
تقضين الليل كله في الحمام قرفانة مني
وش سويت عشان استحق منش ذا الجفا والكراهية؟!)
راكان يسأله: السباق متى؟؟
ناصر بهدوء: الليلة الساعة 8
راكان بقلق: بذا السرعة أنت مالحقت تتدرب مع الحصان اللي بتركبه
وخصوصا أنك أول مرة تركبه
ناصر بتطمين: عادي.. ثندر يعرفني عدل
راكان: ومتى بترجع؟؟
ناصر: السباق بيخلص بكرة على الظهر
بأرجع بكرة في الليل إن شاء الله
راكان بهدوء: خلاص بكرة الليل بأنتظرك في المطار
ناصر برجاء أخوي: زين راكان تكفى لازم تزورون حسن
حسن في المستشفى يده منكسرة
راكان بنبرة رجولية: أفا عليك بدون ما تقول.. هذا واجب
ناصر يتذكرشيئا: راكان هاك التذاكر وحجز الأوتيل.. أبيك تروح للسفريات تلغيها
راكان باستغراب: وليه ألغيها؟؟ باجله يومين ثلاثة..
ناصر بسكون: أنا ما أدري متى بنقدر نروح.. ألغ الحجز..
وإذا جينا بنسافر مرة ثانية.. سويت حجز ثاني إن شاء الله..
ثم ابتسم ناصر ابتسامة باهتة: أو أخذ الحجز لك أنت وموضي على خير
راكان بهدوء غامض: أنا وموضي إذا رحنا.. رحنا مكان ماحد راح له قبلنا
ناصر بتفكير وهو يتذكر حواره مع راكان عن موضي قبل فترة وجيزة:
إلا تعال قل لي يا أبو قلب ميت.. وش غير رأيك ونططك تبيها؟؟
وإلا عشان شفت خلاص إنها بتخلص العدة.. صحصح القلب الميت
راكان بذات الهدوء الغامض: على قولتك
************************
بعد صلاة الظهر
جناح فارس والعنود
فارس ذهب للصلاة ولم يعد بعد
العنود صلت وهاتفت أمها وشقيقتها
وهاهي أمام المرآة تتأنق
لا تريده أن يظن أنها تأنقت من أجله بعد صراخه اليوم عليها
ولكنها فعليا تفعل
جزء من أجل نفسها وإحساسها أنها عروس لابد أن تتأنق
من ناحية أخرى تتمنى أن تذهب لأهلها ..وإذا وافق تريد أن تكون جاهزة
ومن ناحية ثالثة: لِـمَ لا؟؟ فليراها جميلة ومتأنقة
وهاهي متألقة بل ومتألقة جدا
وهي ترتدي تنورة حرير طويلة مشجرة ضيقة وتتسع من أعلى الركبتين
مع كعب عالي وتوب (هاي نك) أسود سادة ملتصق بكم طويل
مع عدد من السلاسل الفضية النحيفة المختلفة الأطوال
وشعرها رفعته بشكل عشوائي وثبتت بعض خصلها الأمامية بمشابك فضية
ووضعت القليل من الزينة بشكل محترف
كانت تضع لمساتها الأخيرة على أحمر شفاهها حين دخل
اهتزت يدها
وكادت تلون ذقنها مع شفتيها
سلّم
ردت السلام بهدوء
جلس قريب منها
وهاهي انتهت وتريد القيام
ولكنها عاجزة عن القيام وهي تعلم أنه يراقبها بتفحص
(نفسي بس أفهمه
ليش يطالعني كذا؟؟
ليش غامض كذا؟!)
(ولِـمَ أنتِ جميلة هكذا؟!
وتتسلقين الروح بهذه الطريقة
لتنغرسي في أعمق أعماقها
لِـمَ يبدو كل شيء بجواركِ باهتا وكأنكِ احتكرتِ كل ألق العالم؟
ولماذا يؤلمني النظر إليك إلى هذا الحد؟!
لم أعلم مطلقا أن مجرد النظر قد يمزق الروح حتى عرفتكِ
ها أنتِ تجلسين كملكة متباعدة
تحكم ولا تعلم كم هو جائر حكمها
وكم هي ظالمة
وأنا أحد رعاياكِ ينتظر منك أن تنظري له بعين الرأفة والرحمة
انظري إلى
انظري إلي)
العنود مازالت تجلس في مكانها
وهو في مكانه
قرر أخيرا النهوض
اقترب منها
ينظر لوجهها في المرآة يعرف أنها ارتبكت من اقترابه
أنزلت عينيها وهو يقترب أكثر
وضع يديه على كتفيها
ارتعشت
همس لها: خايفة وإلا بردانة؟؟
العنود بخجل: لا هذي ولا هذي
فارس بعمق: زين ليش ترتعشين؟؟
العنود لم تجبه لكنها سألته بذكاء، بخجل ممزوج بالحزن:
وأنت ليش تعطي لنفسك حق حرمتني منه؟؟
فارس باستفسار: أي حق؟؟
العنود بذات النبرة الحجولة الحزينة: ليش حاط يدك على كتوفي؟؟
ليش تلمسني وأنت اليوم مصرخ علي عشان لمست وجهك
فارس صمت وهو يبتعد عنها ويعود للجلوس مكانه
ممزق هذا الشاب بين ضغط مشاعره العنيف
وعجزه عن التعبير عنه
واحتواء هذه الصبية التي فتنته حتى الثمالة
تنهدت العنود
(أبو الهول شكله ممكن يصير مشاعر وهذا ولا عمره بيحس)
وقفت العنود وهي تقول له بأدب رقيق: فارس ممكن أروح أشوف أهلي؟؟
فارس بهدوء واثق: خلاص العصر باسوي شيك آوت ونرجع للبيت
وأنا قلت لراكان يفتح خلاص الباب اللي بيننا وبين بيت عمي
روحي وتعالي على كيفش
***********************
الأردن
مدينة البتراء الأثرية التي أصبحت مؤخرا أحد عجائب الدنيا السبع
حيث سينطلق سباق التحمل الذي سيكون 120 كيلومترا على أربع مراحل
30 كيلو بين كل مرحلة ومرحلة
ينطلق من البتراء ليعود لها
الساعة السابعة مساء
تبقى ساعة على السباق
وهاهو ناصر يتفحص ثيندر بدقة فارس محترف
وهو يلبس جاكيتا ثقيلا فوق لبس الفرسان المعتاد
فالجو كان شديد البرودة
ولكنه مع بدء السباق لابد أن يخلع الجاكيت
كان المدرب يقف مع ناصر ويجاوب على أسئلته السريعة المحترفة بلغتهما المشتركة
ناصر: أشلون وزنه؟؟
المدرب: ممتاز
ناصر: وأكله؟؟
المدرب: المعتاد
ناصر باهتمام: ونبضات قلبه؟؟
المدرب: ماتعدت 58
ناصر بارتياح: ممتاز.. والتشغيل؟؟
المدرب: كالعادة.. وكان تمام
ناصر: والتفحيم؟؟
المدرب: 10، 30، 60، والأسبوع اللي فات 90
ناصر بذات نبرة الارتياح: ممتاز.. ممتاز جدا...وحوافره؟؟
المدرب: شحمناها خلاص
في سباقات التحمل.. قوة التحمل هي قوة تحمل الجواد لا الفارس
لذا في كل مرحلة تقاس نبضات قلب الجواد ويجب ألا تتجاوز 64 نبضة
وإلا أُخرج من السباق إلا في مراحل معينة وحسب نتائج المراحل السابقة
وقبل السباق لابد من تشحيم حوافره بزيت محترق حتى تحتمل حوافره الركض طوال هذه المسافة
وجواد سباقات التحمل يجب أن يكون وزنه متوسطا
أي لا يكون هزيلا ولا سمينا
ويجب أن يتم فحصه بدقة وأن يتناول طعاما صحيا ممتلئا بالأملاح التي تعوضه عن ما يفقده في السباقات الطويلة
وتدريبات سباق التحمل طويلة جدا وتستغرق أشهرا
أولها ما يسمى التشغيل وهو عادة 2 كيلومتر متنوعة ركض وحواجز وغيرها
ثم تليها التفحيم وهي إزدياد مسافات الركض قبل السباق المقرر
ناصر يربت على عنق ثيندر: ثيندر لا تخذلني أنا وحسن
نبي نرجع للدوحة بمركز متقدم
لكن ثيندر تراجع بعنقه وهو يصهل
ناصر عاد واحتضن عنقه وهو يقول: أدري إنك مشتاق لحسن
وكلها يومين ويرجعونك للدوحة وتشوف حسن
ثيندر اطمئن قليلا وكأن اسم حسن يطمئنه
************************
بيت محمد بن مشعل
بعد صلاة العشاء
عشاء نسائي أسري بمناسبة اجتماع العرائس
العروسان كانتا متألقتين ورائعتين
كل واحدة منهما بطريقتها الخاصة
وكل واحدة منهما كان لها أسبابها للتأنق
التي ليس من ضمنها إحساسها بالسعادة
مشاعل جعلت الزينة قناعا يغطي إحساسها بالحزن العميق
وإحساس آخر أعمق بدأ يكتم على روحها
القلق على ناصر
ولا تعرف لِـمَ هي قلقة هكذا!!
(لو كنت عارفة أنه بيسافر
كان سمّحت خاطره عشان مايروح وهو زعلان علي
ياويلي من عقوبة ربي.. ليه سويت كذا؟؟
لو كنت فهمته بالكلام إني خجولة واستحي
أكيد ما كان جبرني على شيء)
العنود أكثر تألقا لأنها ليست حزينة كمشاعل
ولكنها بالتأكيد ليست سعيدة
فهذا الفارس يبدو لها عصيا على الفهم
لا تعرف ماذا يريد أو كيف تتعامل معه
جاف جدا في التعامل
والأكثر غرابة هو كيف ينظر إليها
تشعر بحرج فعلي من نظراته المتفحصة غير المفهومة
التي تشعرها بقشعريرة باردة
العروسان كانتا تجلسان متجاورتين
كل منهما سارحة في أفكارها
فوجئتا بمن يفرقهما ويجلس بينهما:
البقية في حياتكم..ويجعلها آخر الآحزان
عسى ماشر ليش محزنين؟؟
صدق ماعندكم سالفة...لو أنا اللي ماخذه عيال خالي
فويرس المزيون الموت الحمر..وإلا نويصر فارس آل مشعل
كان ابتسامتي شاقة من هنا لين ماله مدى..بس صدق يدي الحلق للي بلا ودان
غصبا عنهما ارتسمت ابتسامة على شفتي كل منهما
ومعالي تهتف بمرح: وأخيرا ابتسامة.. أحمدك يارب
يالله مع أني قطعت ركبكم تقبيص البارحة بس أبي أقبص بعد مرة
بس بدون ما تشوفني عمتكم المعقدة تغسل شراعي
ولكن عمتهما كانت في وادٍ آخر
فنورة كانت على غير عادتها بها حزن ظاهر تحاول إخفاءه وهي تجلس في زاوية بعيدة لوحدها
هيا قامت وجلست جوارها: يمه وش فيش فديتش؟؟
نورة احتضنت كفها وردت بحنان: مافيني شيء يأمش؟؟
هيا بتفهم: يمه أنتي متضايقة عشان موضي خلاص بتخلص عدتها وتاخذ راكان؟؟
نورة بحزن: يمكن يكون سبب.. بس مهوب هو الأساس
هيا بحنان: قولي لي جعلني الأولة
نورة بحنان: إلا أنا الأولة جعل عمرش أنتي ومشعل طويل
ثم أكملت بحزن عميق وبهمس لا يسمعه سوى هيا فهي محتاجة للبوح:
موضي وراكان عيالي
وغلاهم كبير والله الشاهد
صحيح ما أقدر إني ما أحزن.. لكن موضي تستاهل اللي يعوضها في سوايا حمد فيها
الناس يشوفوني ساكتة.. يحسبون ما أدري بشيء
أنا دارية إن موضي صبرت على حمد واجد.. وغيرها مايصبر عليه حتى شهر وهي صبرت سنين
كل ماشفت أهلها يسألون عنها إذا تاخرت عليهم
دريت إنه مسوي فيها شوي
أروح لها ألاقيها تدسس وجهها مني عشان ما أشوف فعايله الشينة فيها
وياكثر مالاغيته وربي شاهد
وياكثر مازعلت عليه
لكنه كان يبكي عندي مثل بزر.. كان يموت فيها وروحه معلقة فيها
ويترجاني ما أقول لأحد شيء عشان مايجبرونه يطلقها
أدري إني غلطت.. بس هو كان يوعدني إن كل مرة هي أخر مرة
والأم ما تكذب عيالها ودايم كنت متاملة ينصلح حاله
لين طلقها.. حتى جابر دس علي السبب
بس أنا ماني بغبية.. وش طيحة الدرج اللي جات مع طلاقهم وسفره
الله يواجر موضي على صبرها
خلها تأخذ راكان يغسل كبدها من حمد وسواياه فيها
هيا كانت مصدومة تماما من سيل الأسرار الذي سكبته عمتها المكلومة أمامها
(معقولة هذا كله كان يضربها؟!
وش ذا الحيوان المتوحش؟!
يا قلبي يا موضي
يا كثر صبرش!!)
عمتها بهمس مؤلم: الحين أنا أحاتي حمد أحاتيه واجد
قلبي ماكلني عليه
ما كان يكلمني إلا مرة كل أسبوعين.. والحين صار له ثلاثة أسابيع ما كلم
والتلفون اللي هو يكلم منه بناتي طلعوه من الكاشف وندق عليه بدون فايدة
وش ذا الدورة اللي حتى جوال ماعنده؟؟
هيا بحنان: يمه عطيني الرقم... صديقتي مصرية وأبوها رجال واصل
بأخليها تطلع الرقم من وين طالع؟؟؟
**************************
بيت فارس بن سعود
جناح فارس الذي أعاد تجديده بالكامل
الساعة 11 ونصف مساء
العنود عادت مع أم فارس للبيت.. عبر الباب الواصل
صعدت لغرفتها
كانت تظن أن فارس لم يعد بعد..
خلعت عباءتها وعلقتها
(أنتي أشلون تلبسين كذا قدام الناس؟؟)
صوت غاضب اقتحم هدوءها
العنود بخجل وارتباك وهي تنظر لنفسها:
ليه وش فيه؟؟
كانت العنود ترتدي بنطلونا بنيا واسعا بقصة مستقيمة
مع بلوزة شيفون مشجرة باللونين الذهبي والبني مزمومة عند الخصر والكمين
وتحتها بروتيل باللون البني
مع حزام عبارة عن سلاسل ذهبية تنزل على الردفين بشكل مائل
فارس يقترب منها ويهمس بغضب مكتوم:
إلا وش اللي مهوب فيه
شفاف وبنطلون بعد
العنود ابتلعت ريقها وهي ترى وجهه الوسيم الغاضب من هذا القرب:
مافيه حد غريب بس هلي
ووالله لبسي مافيه شيء.. عادي
لا هو عاري ولا ضيق
فارس يتنهد ويقول بحزم: اسمعيني العنود
لبس مثل هذا ما تلبسينه عند ناس
لا هلش ولا غيرهم
وبنطلون نهائي ما تلبسين
العنود باستفسار ناعم بريء خبيث: ولا حتى عندك؟؟
صمت فارس
كيف أصبحت تحاصره ثم تنقض بشكل خاطف شفاف
(تمهلي يا صغيرة
تمهلي)
فارس لم يرد عليها وهو يعود أدراجه ليجلس في الصالة الملحقة بغرفتهما
العنود هزت كتفيها وهي تفهم رده من صمته
(يعني مايهون عليه يبرد خاطري بكلمة)
العنود تجاوزته لتذهب لغرفة النوم
ثم للحمام استحمت وصلت قيامها
وهو مازال معتصما بجلسته في الخارج
كانت العنود لبست ثوب الصلاة فوق روبها
الآن تريد أن تلبس
وقفت أمام دولابها
لم تعرف ماذا تختار
في الختام استقرت على ارتداء بيجامة ناعمة
فهذا الفارس العصي التفسير لاشيء يعجبه
لذا قررت أن ترتدي ما ترتاح له هي
بيجامة زهرية حريرية بتطريزات فضية ناعمة
بعدها أصابتها حيرة جديدة
تبقى في الغرفة أو تخرج لتجلس معه
ولكن حيرتها لم تطل
لأن صوت فارس ناداها من الخارج: العنود إذا خلصتي تعالي
فارس الذي كان يترقب حركاتها بدقة.. وكان يعلم أنها صلت وارتدت ملابسها
خرجت له بخطوات مترددة
ألقها يسبقها
وإحساسه العميق بها يغلف خطواتها التي تخطوها
(لِـمَ أنا معقد هكذا؟؟
وعاجز عن التعبير عن مشاعري بهذه الصورة)
وقفت
همس لها بهدوء: تعالي إجلسي
وهو يشير للمكان الخالي جواره
اقتربت بتردد وجلست
لم يعرف ماذا يقول..
( كل الكلمات باهتة بحضرتها
أ أقول لها أنتِ جميلة وهي فوق الجمال؟!!
أ أقول لها رائعة وهي فوق الروعة؟!!
أ أقول لها أحبها وما بقلبي لها هو شيء فوق الحب وأبجديات الغرام؟!
أ أقول لها اطلقي إساري وأنا أريد أن أبقى سجينها عمري كله؟!!
أ أقول لها لا تنظري لي لأن نظرة عينيك تذيبني؟!!
وفي ذات الوقت أ أقول لا تحرميني نعمة النظر إلى عينيكِ فعينيكِ مرسى روحي الهائمة؟!!
أي جنون يكتنفك يا فارس؟؟ أي جنون؟؟)
العنود بخجل: فيه شيء مضايقك؟؟
فارس باستغراب: لا
العنود بخجل أكبر وخداها يتوردان: أنا مضايقتك؟؟
انتفض قلبه بعنف وسؤالها الخجول يلسع قلبه وخداها المتوردان ينحرانه
لكنه رد بهدوء: لا.. ليش تقولين كذا؟؟
العنود تفرك أناملها وعيناها في حضنها.. تهمس بخجل رقيق:
من البارحة وأنت تطالعني وتسرح.. قلت يمكن شوفتي تذكرك بشيء يضايقك
فارس مد يده لذقنها
ارتعش فكها
وشعر هو بارتعاشتها وهو يرفع وجهها لأعلى
وعيناه تغرق في بحر عينيها
همس لها بعمق: ليه أنتي حلوة كذا؟؟
العنود بارتباك: نعم؟؟
لم يرد عليها لكنه اقترب منها أكثر
وهو يدخل كفه في شعرها من الخلف
ويقرب وجهها منه
حتى أصبح يتنفس أنفاسها العذبة من قرب
شفتاها ترتعشان
وهو عيناه تطوف بتفاصيلها
يقترب أكثر
رنين هاتف يقطع اللحظة الأخيرة
والعنود تنتفض وترجع للوراء
وفارس يسب ويلعن في داخله
(الله يأخذه من اللي بيتصل الساعة وحدة في الليل)
ألتقط الهاتف
شعر بالقلق وهو يرى اسم راكان يلمع على الشاشة
لو كان ناصر المتصل.. لما قلق.. فناصر اعتاد على مقالبه
لكن راكان لن يتصل في هذا الوقت إلا لأمر جلل
نهض وابتعد خطوتين..ورد بقلق: هلا
دون أن يقول الاسم حتى لا يقلق العنود
رد بقلق أكبر: الحين جايك جايك
العنود برعب: وش فيه فارس؟؟
فارس ربت على خدها وهو يقول بتطمين: مافيه شيء
الشغل طالبيني نص ساعة وبأرجع
لو بغيتي تنامين نامي
العنود بقلق: وش أنام؟؟ بأنتظرك لين ترجع
**************************
مجلس آل مشعل
حدود الساعة الواحدة بعد منتصف الليل
ذات الاتصال الذي تلقاه فارس
تلقاه كلا المشعلين
وهاهم الثلاثة يقفون أمام راكان
وأنفاسهم تصعد وتهبط
كان مشعل بن محمد أول من تكلم: راكان وش اللي صاير؟؟
ثلاثتهم يعلمون أن جمع راكان لهم بهذه الطريقة وفي هذا الوقت
ليس إلا لأمر كبير
أو مصيبة بمعنى أصح
راكان ابتلع ريقه وداخله يذوي وينهار بكل معنى الكلمة
ولكنه يتمسك ببقايا قوته التي تكاد تخونه.. فالألم بداخله أكبر من كل احتمال:
رئيس فريق ناصر توه كلمني من الأردن
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الثامن والستون
مجلس آل مشعل
حدود الساعة الواحدة بعد منتصف الليل
ذات الاتصال الذي تلقاه فارس
تلقاه كلا المشعلين
وهاهم الثلاثة يقفون أمام راكان
وأنفاسهم تصعد وتهبط
كان مشعل بن محمد أول من تكلم: راكان وش اللي صاير؟؟
ثلاثتهم يعلمون أن جمع راكان لهم بهذه الطريقة وفي هذا الوقت
ليس إلا لأمر كبير
أو مصيبة بمعنى أصح
راكان ابتلع ريقه وداخله يذوي وينهار بكل معنى الكلمة
ولكنه يتمسك ببقايا قوته التي تكاد تخونه.. فالألم بداخله أكبر من كل احتمال:
رئيس فريق ناصر توه كلمني من الأردن
مشعل بن محمد جلس.. يشعر أن قدميه تميدان تحته
لا يريد أن يسمع شيئا.. لا يريد أن يسمع
(ناصر..
لا يا ناصر.. لا)
كان هو أول من حمل ناصر بعد ولادته
حمله قبل أن تحمله أمه
كان هو ابن العشر سنوات من أخذه من يد الممرضة طبع قبلته على جبينه
ثم أعطاه لأمه
لم ينسَ يوما أن ذراعيه كانتا أول ذراعين احتضنتا ناصر
ابنا قبل أن يكون أخا
يريد أن يصم أذنيه.. لا يريد أن يسمع خبرا عن ناصر قد يمزق روحه
فارس شعر بيد هائلة تعتصر قلبه وهو يمسك بكتفي راكان ويهزه بعنف :
ناصر وش فيه؟؟
راكان بهدوء ساكن أشبه بسكون الموت: لحد الحين مايدرون
مشعل بن عبدالله باختناق: راكان الله يهداك قل لنا الرجّال وش قال لك عن ناصر
راكان جلس يشعر أنه عاجز عن الكلام.. عاجز عن التعبير.. عاجز عن الألم:
يقول إن ناصر تجاوز المرحلة الأولى في السباق
بس على نهاية المرحلة الثانية الحصان وصل بدون ناصر
*************************
قسم ناصر
مشاعل عادت من وقت من بيت عمها
استحمت وصلت
لكنها عاجزة عن النوم
قلق كاسح يلتهم روحها ويفتفتها
تشعر بضيق غير طبيعي
تشعر أنها عاجزة عن التنفس.. لا تستطيع سحب أنفاسها وزفرها إلا بجهد
تفتح نوافذ غرفتها
يدخل هواء شديد البرودة.. برودة يناير الصقيعية
يبدو كما لو أن كل نسمات الدنيا لا تكفيها
وكأن الأكسجين سُحب من كل العالم وتركوها تختنق
تضع يدها على قلبها وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم
تدور في الغرفة دون أن تستطيع التوقف
ترى نفسها في مرآة الدولاب الضخمة
تقف لتأمل نفسها
تهمس:
(قال أني أحلى من كل أحلامه
ليش أنا ما أقدر أشوف قدامي إلا الكوابيس؟!!)
******************
مجلس آل مشعل
الاجتماع المآساوي
راكان جلس يشعر أنه عاجز عن الكلام.. عاجز عن التعبير.. عاجز عن الألم:
يقول إن ناصر تجاوز المرحلة الأولى في السباق
بس على نهاية المرحلة الثانية الحصان وصل بدون ناصر
حينها قفز مشعل بن محمد وهو يقول بألم صارخ عميق:
أشلون الحصان وصل بدون ناصر؟؟ أشلون؟؟
وناصر وينه؟؟ وش صار عليه؟؟
راكان يحاول أن يكون أكثر الثلاثة تماسكا.. والثلاثة يمطرونه بأسئلتهم الغاضبة المشبعة قلقا وحزنا:
رئيس فريقه يقول إن المنطقة اللي ناصر انفقد فيها دائرة قطرها 30 كيلو
وعلى الفجر بالكثير بيلاقونه وخصوصا أنه وزير داخليتنا صار عنده خبر
واتصل بوزير الداخلية الأردني وطوافات الجيش الأردني بدت بمسح المنطقة
يعني كلها كم ساعة إن شاء الله ويلاقونه.. بس فيه شيء أخطر..
ولازم أحطكم في الصورة
صمت راكان لحظات مؤلمة أشبه بشفرات حادة تمزق جسده وروحه:
يسار الحصان من ناحية الرِكاب غرقان الدم
ثم تنهد وهو يزفر حسرته وينظر للوجوه الثلاثة المرتاعة المفجوعة من الخبر:
الظاهر إن ناصر طاح ورجله اليسار متعلقة في الركاب.. والحصان سحبه لمسافة قبل يطيح
فارس بفجيعة: أشلون أشلون.. ناصر طول عمره فارس
راكان بحزن موجع: الحصان مهوب حصانه.. ومابعد يدرون شالي صار
أنا طلبت من مندوب السفريات في الديوان يحاولون يدورون لي حجز مستعجل.. وبأطلع لعمّان الفجر
وعشان كذا دعيتكم أبي أحط عندكم خبر قبل أروح..
(وأنا معك)
الجملة ذاتها صدرت من الثلاثة المستمعين بوجع في ذات الوقت
وجع مشترك وقلق مشترك
وكلاهما لا امتداد لهما ولا نهاية
راكان بهدوء مر: مايصير نروح كلنا..خلاص يروح معي واحد منكم
واثنين يقعدون في الدوحة
الثلاثة بدأوا في الجدال من منهم سيذهب
ولم يستطع أحدا منهم مجاراة إصرار فارس وتصميمه:
شوفوا أنا ماعلي منكم ..اثنين يروحون.. اثنين يقعدون.. بكيفكم
لأني رايح رايح... مستحيل أقدر أقعد وأنا ما أدري ناصر وش فيه
***********************
بعد نصف ساعة
غرفة لطيفة
لطيفة منذ خروج مشعل بعد الاتصال المفاجئ
وهي تدور في الغرفة قلقا وارتياعا حتى عاد
لطيفة بقلق مر: مشعل عسى ماشر؟؟
مشعل ألقى بنفسه على الأريكة وهو يرمي غترته جواره ويقول بحزن عميق:
لطيفة تكفين لا تسأليني عن شيء
لطيفة جلست جواره وهي تقول بقلق أكبر:
مشعل أنت اللي تكفى.. عمري ما شفتك كذا
إلا .. إلا...
صمتت بمرارة وهي تكمل في داخلها
(عقب وفاة جدي)
مشعل لم يرد عليها وهو يدفن رأسه في صدرها ويهمس بألم حاد:
الله لا يجيب إلا كل خير
الله لا يفجعنا
يا الله لا تفجعنا
لا تفجعنا
************************
غرفة مشعل وهيا
ذات الاستقبال القلق من هيا
ذات الوجع المستشري في وجه وقلب مشعل
هيا بقلق: حبيبي شاللي صار؟؟
مشعل يلف غترته على وجهه (يتلطم) ويتمدد على سريره
آخذا بمقولة عجائزنا الأثيرة :" إذا كثرت همومك يا عبدي فانسدح"
وهو يهمس لهيا بمرارة: الله يستر من اللي بيصير
*******************
غرفة فارس والعنود
فارس دخل وهو مستعجل
العنود قفزت وهي تقول برعب: فارس وش فيه؟؟
فارس باستعجال: مافيه شيء حبيبتي
قال (حبيبتي) بعفوية
لم ينتبه لها
ولكنها انتبهت لها تماما وكلمة حبيبتي تخترق روحها كسهم ناري
كانت تقف مصدومة مبهوتة
حتى رأته يمد قامته الطويلة وينزل حقيبة صغيرة من أعلى الدولاب
حينها انتفضت: وش تسوي؟؟
وضع الحقيبة على السرير.. فتحها.. وبدأ يضع فيها بعض الملابس بسرعة
العنود برعب: بتسافر؟؟
فارس باستعجال: جات لي سفرة مفاجئة من الشغل ولازم أسافر
العنود بتأثر كبير: وش سفرته؟؟ من جدك؟؟
فارس أكمل وضع ثيابه في الحقيبة.. وأغلقها
ثم ألتفت لها وهو يقول بهدوء واثق: خلي بالج من نفسش ومن أمي
وأنا ماني بمبطي عليكم
شغلة يومين وراجع
العنود شعرت بإهانة مرة:
لذا الدرجة فارس.. شغلك أهم مني
تسافر ثاني يوم لعرسنا
فارس نظر لها بعمق
لم يرد عليها
وهو يفتح أحد الأدراج ويستخرج جواز سفره ويضعه في جيبه
ويحمل حقيبته ويغادر
***********************
غرفة مريم
بعد صلاة الفجر
لم يعلموا بعد بسفر راكان الذي لم يخبر أحدا به
صلت وجلست تقرأ وردها
كانت قد نهضت من نومها قبل الفجر بكثير
أنهضها من نومها هواجيس ضيق غير طبيعي
استعاذت بالله من الشيطان الرجيم
وحاولت العودة للنوم لكنها لم تستطع
فالهواجس تزداد.. هواجس لا تستطيع توجيهها لجهة محددة
ولكنها تزداد وتتكاثف وهي تخنق روحها بالقلق
(يا الله سترك
ليه قلبي ناغزني كذا
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)
ثم وضعت يدها على قلبها الذي بدأ يؤلمها بالفعل وهي تهتف بعمق:
أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر
أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر
أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر
*************************
مطار الدوحة الدولي
بعد صلاة الفجر
الطائرة تقلع براكان وفارس الصامتين
لأن قلقهما أكبر من كل كلام.. أي فائدة للكلام؟!
بل أي كلام يُقال وهما لم يعرفا بعد ماهو وضع ناصر
ناصر الأخ
السند
الروح الشفافة
الرجولة العميقة
القلب الذي لم عرف التلون أو الحقد
عريس جديد مازال لم يتهنأ بزواجه
شاب متدفق الشباب مازالت كل الحياة أمامه
ابن لأم ولأبين اثنين ينتظرونه.. وشقيق لأختين تعشقانه
وأخ لأربعة شباب ماعرفوا اكتمال البهجة من غيره
حطت الطائرة في مطار الملكة علياء الدولي في عمّان مع شروق الشمس
وفور نزول راكان وفارس وفتحهما لتلفوناتهما المغلقة
انهالت عشرات الرسائل من مشعل ومشعل المستنزفين قلقا
يطلبان منهما اطمئنانهما فور وصولهما
بعد انهائهما لإجرائاتهما وخروجهما للخارج
صدمهما برودة الجو اللاسعة غير الطبيعية
وتواجد زخات خفيفة من الثلج
بالتأكيد لم يهمهما مطلقا إحساسهما بالبرد ولكن ماكان يشغل بالهما ويثقل أرواحهما ويمزقهما
هو التفكير بمن قضى ليله كله مرميا في مكان ما مصابا ينزف في هذا الجو الجليدي
أشارا لسيارة أجرة وطلبا منه التوجه للسفارة القطرية
واتصل راكان برئيس فريق ناصر ليطمئن
راكان يصرخ بانفعال: أشلون مالقوه للحين
أنت قايل لي قبل الفجر إن شاء بيلاقونه
خلاص خلاص أنا جايكم الحين
فارس بغضب مشابه: ما لقوه؟؟
راكان بمراره: لا
ثم توجه للسائق بالكلام: ممكن تاخذنا للبتراء لو سمحت..
خلاص غيرنا رأينا مانبي السفارة
سائق التكسي بتهذيب مهني: آسف يا أخوان
أنا بقدرش أطلع برات عمان
لكن ممكن أخدكم لمكان تاخدوا منه سيارة للبترا
راكان كأنه يحادث نفسه: توكل على الله
**************************
الدوحة
الساعة 8 صباحا
لطيفة تعود لغرفتها بعد أن ذهب أولادها لمدارسهم
ولامتحاناتهم
لتطمئن على مشعل الذي تعلم أن وراءه مصيبة
فهو لم ينم مطلقا منذ البارحة
ذهب لصلاة الفجر وعاد.. ولم يذهب لشركته
ولا يتكلم إلا في أضيق الحدود
يحتضن هاتفه الذي يتصل منه كل خمس دقائق وليس على لسانه سوى كلمة واحدة:
ليتني رحت معهم
لطيفة أعصابها شبه منهارة
تعلم أن هناك مصيبة ما وأن أحد ما حصل له أمر مرعب
لكنها لا تجرؤ على السؤال
الذي تخاف حتى الموت من جوابه
**********************
الساعة الثامنة والنصف صباحا
مشاعل تتلقى اتصالا من مشعل الذي لم ينم أيضا مطلقا
شعر مشعل أن من واجبه أن يبلغ أخته مبدئيا
حتى لا تُصدم بحدوث أي شيء
أو قبل أن يبلغها غيره ويفجعها بطريقة مفاجئة
اتصل بها.. كانت هي أيضا تعاني أرقا مريعا
نامت على أثره نوما متقطعا مليئا بالكوابيس
وقامت مرعوبة على صوت هاتفها
وطلب مشعل أثار قلقها لأبعد حد
قامت ولبست وصلت ركعتي الضحى وهاهي تنتظره
وهاهو يطرق باب بيتها عليها
مشاعل فتحت بقلق: عسى ماشر يا مشعل؟؟
مشعل بابتسامة باهتة لا معنى لها: الواحد مايصير يسير على أخته يتقهوى معها الصبح
مشاعل نظرت لوجهه الذي يبدو عليه الارهاق والألم
ليس وجه من جاء للتسامر والقهوة ولكنها ابتلعت ريقها وهي تقول:
دقايق والقهوة جاهزة
مشعل أوقفها وأمسك بيدها: اقعدي مشاعل أبي أقول لك شيء
مشاعل شعرت أن دقات قلبها تصم أذنيها.. وعروق رأسها بدأت تألمها من شدة النبض وهي تهمس بألم: ناصر وش فيه يا مشعل؟؟
مشعل باستغراب وألم: وش دراش إني أبي أكلمش عن ناصر؟؟
مشاعل بألم أكبر: من يوم سافر وقلبي ناغزني عليه
مشعل بذات النبرة المستغربة المتألمة: غريبة إحساسش فيه وأنتي رافضته!!
مشاعل بألم: أرجوك مشعل لا تذر ملح على جروحي أنا ماني بناقصة
مشعل يتنهد: اسمعيني مشاعل.. إن شاء الله إنه ناصر مافيه شيء
مشاعل بدأت أعصابها تخونها: مشعل أنت جايني ذا الحزة ووجهك باين عليه إن النوم ماطب عينك.. عشان تقول لي إنه مافيه شيء؟؟
أرجوك مشعل بلاه ذا التعذيب البطيء.. كنك تقطعني بسكين مصدية
مشعل تنهد بعمق أكبر: يمكن إنه متعور عوار بسيط
مشاعل قفزت وهي تقول برعب: متعور؟؟
ثم أكملت وهي تحاول التجلد ودموعها بدأت تسيل بصمت وهي تقول بمرارة:
كله مني.. كله مني.. أنا عارفة إنه السالفة كايدة
كله مني.. ومن وجهي النحس عليه
ليته ماخذني.. ليته ماخذني
مشعل شدها وأجلسها وهو يقول لها بحنان:
الله يهداش مشاعل
قل لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا
وناصر لو صار له شيء مكتوب له من قبل يولد
مشاعل ماعادت تحتمل انهارت على الأرض جوار مشعل انكبت على فخذه تخفي وجهها فيه و تنتحب:
بس الله سبحانه يسبب الأسباب.. وأنا السبب
أنا السبب
**********************
القاهرة
الساعة 10 صباحا
باكينام تصحو من نومها.. تتذكر مكالمة هيا المتأخرة البارحة وطلبها منه
تلتقط هاتفها وتتصل برقم: صباح الخير أنكل أحمد
................
كويسين.. أنته أزيك؟؟
................
بابا في نيويورك وهيرجع بكرة بالليل إن شاء الله
................
ممكن أطلب من حضرتك خدمة
................
فيه نمرة أرضي.. هاديها لك.. عاوزة أعرف النمرة دي من فين بالزبط
................
نص ساعة وتطلع لي صاحب النمرة... متشكرة أوي يا أنكل
خذ النمرة ..............
....................
مستنياك
باكينام نهضت واستحمت ولبست ملابسها لتخرج مع جدتيها كما اعتدن كل يوم..
وهي تدعو أن يكون يوسف مصابا بأنفولونزا حادة أو أن ينشغل بشيء يمنعه من مرافقتهن..
مع إنتهاءها.. كان هاتفها يرن..
التقطته: أهلا انكل
..................
مصحة نفسية ؟؟؟ (باستغراب)
..................
نمرة تتصل بس ما تستئبلش؟؟ (استغراب أكبر)
.....................
طيب ممكن تديني اسم المصحة؟؟
......................
متشكرة أوي يا أنكل.. مش عارفة أشكرك إزاي..
باكينام أغلقت الاتصال لتتصل بهيا
وقتها هيا كانت تعاني قلقا مرعبا من خروج مشعل المبكر
دون أن يخبرها إلى أين سيذهب مع حالته الغريبة المتوترة منذ البارحة
ردت بصوت متعب: أهلا باكي..
باكينام بمرح: مالك يا بنت..
هيا بنبرة متعبة: مافيه شيء تعبانة شوية
باكينام بهدوء: يبئى خلاص مش هاطول عليكي
النمرة اللي اديتيها لي امبارح.. نمرة مصحة نفسية اسمها......
هيا باستغراب كبير: مصحة؟؟؟
لكنها فكرت للحظات.. مؤكد أن ضربه لموضي لم يكن طبيعيبا
ربما كان مريضا.. وكان ذهابة لمصر للعلاج
لم تعرف كيف تتصرف لا تريد إبلاغ عمتها أنه يعالج
ولكنها تريد أن تطمئنها عليه
هتفت لباكي: باكي حبيبتي ممكن تروحين هناك وتسألين عن واحد قطري
اسمه حمد جابر... وتطمنيني عنه..
هذا ولد عمتي... وعمتي كثير قلقانه عليه..
رغم إحساس باكينام بالحرج وخصوصا مع وضعها المفروض عليها غصبا عنها كسيدة متزوجة
ويوسف يطالبها بتقرير مبطن مهذب عن كل تحركاتها
لكنها أجابت: ومالو...هاروح أول ما لائي فرصة..
وأكملت في نفسها (وخلي يوسف يتفلئ)
*************************
البتراء الأردنية
الساعة العاشرة صباحا
راكان وفارس يصلان إلى فندق الموفنبيك حيث ينزل الفريق القطري
الذي رفض بكامل أفراده إكمال السباق
أو التحرك حتى يجدوا ناصر
كان الفريق بكامله يجلس في اللوبي يعانون قلقا مرا ينتظرون أي خبر
ومع دخول راكان وفارس كان الفريق كاملا يركض للخارج
رئيس الفريق الذي يعرف راكان وفارس جيدا
أمسك بيد راكان بدون سلام وهو يسحبه معهم للخارج ركضا:
يالله...لقوا ناصر.. بنروح الحين مع هيلكوبتر للجيش بتتبع الطوافة الطبية
مجلس آل مشعل
حدود الساعة الواحدة بعد منتصف الليل
ذات الاتصال الذي تلقاه فارس
تلقاه كلا المشعلين
وهاهم الثلاثة يقفون أمام راكان
وأنفاسهم تصعد وتهبط
كان مشعل بن محمد أول من تكلم: راكان وش اللي صاير؟؟
ثلاثتهم يعلمون أن جمع راكان لهم بهذه الطريقة وفي هذا الوقت
ليس إلا لأمر كبير
أو مصيبة بمعنى أصح
راكان ابتلع ريقه وداخله يذوي وينهار بكل معنى الكلمة
ولكنه يتمسك ببقايا قوته التي تكاد تخونه.. فالألم بداخله أكبر من كل احتمال:
رئيس فريق ناصر توه كلمني من الأردن
مشعل بن محمد جلس.. يشعر أن قدميه تميدان تحته
لا يريد أن يسمع شيئا.. لا يريد أن يسمع
(ناصر..
لا يا ناصر.. لا)
كان هو أول من حمل ناصر بعد ولادته
حمله قبل أن تحمله أمه
كان هو ابن العشر سنوات من أخذه من يد الممرضة طبع قبلته على جبينه
ثم أعطاه لأمه
لم ينسَ يوما أن ذراعيه كانتا أول ذراعين احتضنتا ناصر
ابنا قبل أن يكون أخا
يريد أن يصم أذنيه.. لا يريد أن يسمع خبرا عن ناصر قد يمزق روحه
فارس شعر بيد هائلة تعتصر قلبه وهو يمسك بكتفي راكان ويهزه بعنف :
ناصر وش فيه؟؟
راكان بهدوء ساكن أشبه بسكون الموت: لحد الحين مايدرون
مشعل بن عبدالله باختناق: راكان الله يهداك قل لنا الرجّال وش قال لك عن ناصر
راكان جلس يشعر أنه عاجز عن الكلام.. عاجز عن التعبير.. عاجز عن الألم:
يقول إن ناصر تجاوز المرحلة الأولى في السباق
بس على نهاية المرحلة الثانية الحصان وصل بدون ناصر
*************************
قسم ناصر
مشاعل عادت من وقت من بيت عمها
استحمت وصلت
لكنها عاجزة عن النوم
قلق كاسح يلتهم روحها ويفتفتها
تشعر بضيق غير طبيعي
تشعر أنها عاجزة عن التنفس.. لا تستطيع سحب أنفاسها وزفرها إلا بجهد
تفتح نوافذ غرفتها
يدخل هواء شديد البرودة.. برودة يناير الصقيعية
يبدو كما لو أن كل نسمات الدنيا لا تكفيها
وكأن الأكسجين سُحب من كل العالم وتركوها تختنق
تضع يدها على قلبها وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم
تدور في الغرفة دون أن تستطيع التوقف
ترى نفسها في مرآة الدولاب الضخمة
تقف لتأمل نفسها
تهمس:
(قال أني أحلى من كل أحلامه
ليش أنا ما أقدر أشوف قدامي إلا الكوابيس؟!!)
******************
مجلس آل مشعل
الاجتماع المآساوي
راكان جلس يشعر أنه عاجز عن الكلام.. عاجز عن التعبير.. عاجز عن الألم:
يقول إن ناصر تجاوز المرحلة الأولى في السباق
بس على نهاية المرحلة الثانية الحصان وصل بدون ناصر
حينها قفز مشعل بن محمد وهو يقول بألم صارخ عميق:
أشلون الحصان وصل بدون ناصر؟؟ أشلون؟؟
وناصر وينه؟؟ وش صار عليه؟؟
راكان يحاول أن يكون أكثر الثلاثة تماسكا.. والثلاثة يمطرونه بأسئلتهم الغاضبة المشبعة قلقا وحزنا:
رئيس فريقه يقول إن المنطقة اللي ناصر انفقد فيها دائرة قطرها 30 كيلو
وعلى الفجر بالكثير بيلاقونه وخصوصا أنه وزير داخليتنا صار عنده خبر
واتصل بوزير الداخلية الأردني وطوافات الجيش الأردني بدت بمسح المنطقة
يعني كلها كم ساعة إن شاء الله ويلاقونه.. بس فيه شيء أخطر..
ولازم أحطكم في الصورة
صمت راكان لحظات مؤلمة أشبه بشفرات حادة تمزق جسده وروحه:
يسار الحصان من ناحية الرِكاب غرقان الدم
ثم تنهد وهو يزفر حسرته وينظر للوجوه الثلاثة المرتاعة المفجوعة من الخبر:
الظاهر إن ناصر طاح ورجله اليسار متعلقة في الركاب.. والحصان سحبه لمسافة قبل يطيح
فارس بفجيعة: أشلون أشلون.. ناصر طول عمره فارس
راكان بحزن موجع: الحصان مهوب حصانه.. ومابعد يدرون شالي صار
أنا طلبت من مندوب السفريات في الديوان يحاولون يدورون لي حجز مستعجل.. وبأطلع لعمّان الفجر
وعشان كذا دعيتكم أبي أحط عندكم خبر قبل أروح..
(وأنا معك)
الجملة ذاتها صدرت من الثلاثة المستمعين بوجع في ذات الوقت
وجع مشترك وقلق مشترك
وكلاهما لا امتداد لهما ولا نهاية
راكان بهدوء مر: مايصير نروح كلنا..خلاص يروح معي واحد منكم
واثنين يقعدون في الدوحة
الثلاثة بدأوا في الجدال من منهم سيذهب
ولم يستطع أحدا منهم مجاراة إصرار فارس وتصميمه:
شوفوا أنا ماعلي منكم ..اثنين يروحون.. اثنين يقعدون.. بكيفكم
لأني رايح رايح... مستحيل أقدر أقعد وأنا ما أدري ناصر وش فيه
***********************
بعد نصف ساعة
غرفة لطيفة
لطيفة منذ خروج مشعل بعد الاتصال المفاجئ
وهي تدور في الغرفة قلقا وارتياعا حتى عاد
لطيفة بقلق مر: مشعل عسى ماشر؟؟
مشعل ألقى بنفسه على الأريكة وهو يرمي غترته جواره ويقول بحزن عميق:
لطيفة تكفين لا تسأليني عن شيء
لطيفة جلست جواره وهي تقول بقلق أكبر:
مشعل أنت اللي تكفى.. عمري ما شفتك كذا
إلا .. إلا...
صمتت بمرارة وهي تكمل في داخلها
(عقب وفاة جدي)
مشعل لم يرد عليها وهو يدفن رأسه في صدرها ويهمس بألم حاد:
الله لا يجيب إلا كل خير
الله لا يفجعنا
يا الله لا تفجعنا
لا تفجعنا
************************
غرفة مشعل وهيا
ذات الاستقبال القلق من هيا
ذات الوجع المستشري في وجه وقلب مشعل
هيا بقلق: حبيبي شاللي صار؟؟
مشعل يلف غترته على وجهه (يتلطم) ويتمدد على سريره
آخذا بمقولة عجائزنا الأثيرة :" إذا كثرت همومك يا عبدي فانسدح"
وهو يهمس لهيا بمرارة: الله يستر من اللي بيصير
*******************
غرفة فارس والعنود
فارس دخل وهو مستعجل
العنود قفزت وهي تقول برعب: فارس وش فيه؟؟
فارس باستعجال: مافيه شيء حبيبتي
قال (حبيبتي) بعفوية
لم ينتبه لها
ولكنها انتبهت لها تماما وكلمة حبيبتي تخترق روحها كسهم ناري
كانت تقف مصدومة مبهوتة
حتى رأته يمد قامته الطويلة وينزل حقيبة صغيرة من أعلى الدولاب
حينها انتفضت: وش تسوي؟؟
وضع الحقيبة على السرير.. فتحها.. وبدأ يضع فيها بعض الملابس بسرعة
العنود برعب: بتسافر؟؟
فارس باستعجال: جات لي سفرة مفاجئة من الشغل ولازم أسافر
العنود بتأثر كبير: وش سفرته؟؟ من جدك؟؟
فارس أكمل وضع ثيابه في الحقيبة.. وأغلقها
ثم ألتفت لها وهو يقول بهدوء واثق: خلي بالج من نفسش ومن أمي
وأنا ماني بمبطي عليكم
شغلة يومين وراجع
العنود شعرت بإهانة مرة:
لذا الدرجة فارس.. شغلك أهم مني
تسافر ثاني يوم لعرسنا
فارس نظر لها بعمق
لم يرد عليها
وهو يفتح أحد الأدراج ويستخرج جواز سفره ويضعه في جيبه
ويحمل حقيبته ويغادر
***********************
غرفة مريم
بعد صلاة الفجر
لم يعلموا بعد بسفر راكان الذي لم يخبر أحدا به
صلت وجلست تقرأ وردها
كانت قد نهضت من نومها قبل الفجر بكثير
أنهضها من نومها هواجيس ضيق غير طبيعي
استعاذت بالله من الشيطان الرجيم
وحاولت العودة للنوم لكنها لم تستطع
فالهواجس تزداد.. هواجس لا تستطيع توجيهها لجهة محددة
ولكنها تزداد وتتكاثف وهي تخنق روحها بالقلق
(يا الله سترك
ليه قلبي ناغزني كذا
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)
ثم وضعت يدها على قلبها الذي بدأ يؤلمها بالفعل وهي تهتف بعمق:
أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر
أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر
أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر
*************************
مطار الدوحة الدولي
بعد صلاة الفجر
الطائرة تقلع براكان وفارس الصامتين
لأن قلقهما أكبر من كل كلام.. أي فائدة للكلام؟!
بل أي كلام يُقال وهما لم يعرفا بعد ماهو وضع ناصر
ناصر الأخ
السند
الروح الشفافة
الرجولة العميقة
القلب الذي لم عرف التلون أو الحقد
عريس جديد مازال لم يتهنأ بزواجه
شاب متدفق الشباب مازالت كل الحياة أمامه
ابن لأم ولأبين اثنين ينتظرونه.. وشقيق لأختين تعشقانه
وأخ لأربعة شباب ماعرفوا اكتمال البهجة من غيره
حطت الطائرة في مطار الملكة علياء الدولي في عمّان مع شروق الشمس
وفور نزول راكان وفارس وفتحهما لتلفوناتهما المغلقة
انهالت عشرات الرسائل من مشعل ومشعل المستنزفين قلقا
يطلبان منهما اطمئنانهما فور وصولهما
بعد انهائهما لإجرائاتهما وخروجهما للخارج
صدمهما برودة الجو اللاسعة غير الطبيعية
وتواجد زخات خفيفة من الثلج
بالتأكيد لم يهمهما مطلقا إحساسهما بالبرد ولكن ماكان يشغل بالهما ويثقل أرواحهما ويمزقهما
هو التفكير بمن قضى ليله كله مرميا في مكان ما مصابا ينزف في هذا الجو الجليدي
أشارا لسيارة أجرة وطلبا منه التوجه للسفارة القطرية
واتصل راكان برئيس فريق ناصر ليطمئن
راكان يصرخ بانفعال: أشلون مالقوه للحين
أنت قايل لي قبل الفجر إن شاء بيلاقونه
خلاص خلاص أنا جايكم الحين
فارس بغضب مشابه: ما لقوه؟؟
راكان بمراره: لا
ثم توجه للسائق بالكلام: ممكن تاخذنا للبتراء لو سمحت..
خلاص غيرنا رأينا مانبي السفارة
سائق التكسي بتهذيب مهني: آسف يا أخوان
أنا بقدرش أطلع برات عمان
لكن ممكن أخدكم لمكان تاخدوا منه سيارة للبترا
راكان كأنه يحادث نفسه: توكل على الله
**************************
الدوحة
الساعة 8 صباحا
لطيفة تعود لغرفتها بعد أن ذهب أولادها لمدارسهم
ولامتحاناتهم
لتطمئن على مشعل الذي تعلم أن وراءه مصيبة
فهو لم ينم مطلقا منذ البارحة
ذهب لصلاة الفجر وعاد.. ولم يذهب لشركته
ولا يتكلم إلا في أضيق الحدود
يحتضن هاتفه الذي يتصل منه كل خمس دقائق وليس على لسانه سوى كلمة واحدة:
ليتني رحت معهم
لطيفة أعصابها شبه منهارة
تعلم أن هناك مصيبة ما وأن أحد ما حصل له أمر مرعب
لكنها لا تجرؤ على السؤال
الذي تخاف حتى الموت من جوابه
**********************
الساعة الثامنة والنصف صباحا
مشاعل تتلقى اتصالا من مشعل الذي لم ينم أيضا مطلقا
شعر مشعل أن من واجبه أن يبلغ أخته مبدئيا
حتى لا تُصدم بحدوث أي شيء
أو قبل أن يبلغها غيره ويفجعها بطريقة مفاجئة
اتصل بها.. كانت هي أيضا تعاني أرقا مريعا
نامت على أثره نوما متقطعا مليئا بالكوابيس
وقامت مرعوبة على صوت هاتفها
وطلب مشعل أثار قلقها لأبعد حد
قامت ولبست وصلت ركعتي الضحى وهاهي تنتظره
وهاهو يطرق باب بيتها عليها
مشاعل فتحت بقلق: عسى ماشر يا مشعل؟؟
مشعل بابتسامة باهتة لا معنى لها: الواحد مايصير يسير على أخته يتقهوى معها الصبح
مشاعل نظرت لوجهه الذي يبدو عليه الارهاق والألم
ليس وجه من جاء للتسامر والقهوة ولكنها ابتلعت ريقها وهي تقول:
دقايق والقهوة جاهزة
مشعل أوقفها وأمسك بيدها: اقعدي مشاعل أبي أقول لك شيء
مشاعل شعرت أن دقات قلبها تصم أذنيها.. وعروق رأسها بدأت تألمها من شدة النبض وهي تهمس بألم: ناصر وش فيه يا مشعل؟؟
مشعل باستغراب وألم: وش دراش إني أبي أكلمش عن ناصر؟؟
مشاعل بألم أكبر: من يوم سافر وقلبي ناغزني عليه
مشعل بذات النبرة المستغربة المتألمة: غريبة إحساسش فيه وأنتي رافضته!!
مشاعل بألم: أرجوك مشعل لا تذر ملح على جروحي أنا ماني بناقصة
مشعل يتنهد: اسمعيني مشاعل.. إن شاء الله إنه ناصر مافيه شيء
مشاعل بدأت أعصابها تخونها: مشعل أنت جايني ذا الحزة ووجهك باين عليه إن النوم ماطب عينك.. عشان تقول لي إنه مافيه شيء؟؟
أرجوك مشعل بلاه ذا التعذيب البطيء.. كنك تقطعني بسكين مصدية
مشعل تنهد بعمق أكبر: يمكن إنه متعور عوار بسيط
مشاعل قفزت وهي تقول برعب: متعور؟؟
ثم أكملت وهي تحاول التجلد ودموعها بدأت تسيل بصمت وهي تقول بمرارة:
كله مني.. كله مني.. أنا عارفة إنه السالفة كايدة
كله مني.. ومن وجهي النحس عليه
ليته ماخذني.. ليته ماخذني
مشعل شدها وأجلسها وهو يقول لها بحنان:
الله يهداش مشاعل
قل لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا
وناصر لو صار له شيء مكتوب له من قبل يولد
مشاعل ماعادت تحتمل انهارت على الأرض جوار مشعل انكبت على فخذه تخفي وجهها فيه و تنتحب:
بس الله سبحانه يسبب الأسباب.. وأنا السبب
أنا السبب
**********************
القاهرة
الساعة 10 صباحا
باكينام تصحو من نومها.. تتذكر مكالمة هيا المتأخرة البارحة وطلبها منه
تلتقط هاتفها وتتصل برقم: صباح الخير أنكل أحمد
................
كويسين.. أنته أزيك؟؟
................
بابا في نيويورك وهيرجع بكرة بالليل إن شاء الله
................
ممكن أطلب من حضرتك خدمة
................
فيه نمرة أرضي.. هاديها لك.. عاوزة أعرف النمرة دي من فين بالزبط
................
نص ساعة وتطلع لي صاحب النمرة... متشكرة أوي يا أنكل
خذ النمرة ..............
....................
مستنياك
باكينام نهضت واستحمت ولبست ملابسها لتخرج مع جدتيها كما اعتدن كل يوم..
وهي تدعو أن يكون يوسف مصابا بأنفولونزا حادة أو أن ينشغل بشيء يمنعه من مرافقتهن..
مع إنتهاءها.. كان هاتفها يرن..
التقطته: أهلا انكل
..................
مصحة نفسية ؟؟؟ (باستغراب)
..................
نمرة تتصل بس ما تستئبلش؟؟ (استغراب أكبر)
.....................
طيب ممكن تديني اسم المصحة؟؟
......................
متشكرة أوي يا أنكل.. مش عارفة أشكرك إزاي..
باكينام أغلقت الاتصال لتتصل بهيا
وقتها هيا كانت تعاني قلقا مرعبا من خروج مشعل المبكر
دون أن يخبرها إلى أين سيذهب مع حالته الغريبة المتوترة منذ البارحة
ردت بصوت متعب: أهلا باكي..
باكينام بمرح: مالك يا بنت..
هيا بنبرة متعبة: مافيه شيء تعبانة شوية
باكينام بهدوء: يبئى خلاص مش هاطول عليكي
النمرة اللي اديتيها لي امبارح.. نمرة مصحة نفسية اسمها......
هيا باستغراب كبير: مصحة؟؟؟
لكنها فكرت للحظات.. مؤكد أن ضربه لموضي لم يكن طبيعيبا
ربما كان مريضا.. وكان ذهابة لمصر للعلاج
لم تعرف كيف تتصرف لا تريد إبلاغ عمتها أنه يعالج
ولكنها تريد أن تطمئنها عليه
هتفت لباكي: باكي حبيبتي ممكن تروحين هناك وتسألين عن واحد قطري
اسمه حمد جابر... وتطمنيني عنه..
هذا ولد عمتي... وعمتي كثير قلقانه عليه..
رغم إحساس باكينام بالحرج وخصوصا مع وضعها المفروض عليها غصبا عنها كسيدة متزوجة
ويوسف يطالبها بتقرير مبطن مهذب عن كل تحركاتها
لكنها أجابت: ومالو...هاروح أول ما لائي فرصة..
وأكملت في نفسها (وخلي يوسف يتفلئ)
*************************
البتراء الأردنية
الساعة العاشرة صباحا
راكان وفارس يصلان إلى فندق الموفنبيك حيث ينزل الفريق القطري
الذي رفض بكامل أفراده إكمال السباق
أو التحرك حتى يجدوا ناصر
كان الفريق بكامله يجلس في اللوبي يعانون قلقا مرا ينتظرون أي خبر
ومع دخول راكان وفارس كان الفريق كاملا يركض للخارج
رئيس الفريق الذي يعرف راكان وفارس جيدا
أمسك بيد راكان بدون سلام وهو يسحبه معهم للخارج ركضا:
يالله...لقوا ناصر.. بنروح الحين مع هيلكوبتر للجيش بتتبع الطوافة الطبية
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء التاسع والستون
على متن طائرة مروحية تابعة للجيش الأردني
تطير بالقرب من مدينة البتراء الأثرية
الساعة 11 صباحا
تطير المروحية في الجو.. تحمل قلوبا مرتاعة ينهشها القلق المسعور بوحشية
تتضخم مساحات القلق وتتضاعف لتلتهم ما بقي من الصبر والتجلد
ذلك الأثير الغالي المتخم برائحتهم وعبقهم.. فارسهم الثمين الموغل بهاءً ورجولةً
على أي حال هو؟؟
كيف قضى ليلته في هذا البرد القارص الجليدي؟!
ما مدى سوء إصابته؟!
هل هي قابلة للعلاج؟!!
مئات الأسئلة الموجعة دارت في أذهان أتعبها السهر والسهد والقلق
أسئلة تنتهك الروح بشراستها وهي تمزق كل الأغلفة لتغوص في العمق
راكان بقلق: زين ليش تأخروا ذا كله مالقوه؟؟
رئيس الفريق بتأثر: يظهر إنه سحب نفسه داخل غار من البرد
عشان كذا الطوافات ماقدرت تشوفه
اللي لقوه الطواقم البرية التابعة للصاعقة لأنهم تتبعوا الأثر على الأرض
فارس بقلق مر: زين أشلون وضعه؟؟
رئيس الفريق بحزن فيه إحساس متعاظم بالندم:
يقولون لقوه واعي.. بس الظاهر عنده إصابة خطيرة
ألم حاد اجتاح روحي فارس وراكان كطوفان مرارة هادر.. ودعوات عميقة تتصاعد في قلب كل منهما أن يكون الأمر بسيطا
أو على أسوأ الاحوال قابل للعلاج.. حتى وإن طالت فترة المعالجة هذه..
لم تستغرق الرحلة عشر دقائق ولكنها بدت عشر سنوات لكل منهما
حرقة وألما ولهفة وقلقا
نزلت الحوامتين العسكرية والطبية معا
والعشرات ينزلون من كل طوافة في مكان صحراوي جبلي كان يتجمهر به الكثير من لابسي لباس الصاعقة الأردنية
الذين لم يحركوه من مكانه خوفا من أي مضاعفات صحية..انتظارا لحضور المساعدة الطبية
راكان وفارس بجسديهما الفارعين استطاعا اختراق الحشود المتجمهرة
حتى وصلا إلى ناصر
كان كل منهما يمني نفسه أن مابه شيئا بسيطا يستطيع ناصر بصلابته وقوة بنيته تجاوزه
ولكن رؤيتهما لوضع ناصر حطمت هذه الآمال بقسوة سادية
وبعثت قشعريرة متوحشة في خلايا كل منهما
كانت ملابسه ممزقة وبه إصابات مختلفة في نواحي جسده
ولكن كل هذا لا يهم.. لا يهم أمام إصابة ساقه اليسار
تمزق اللحم تماما والعظم محطم ومفتت من عدة نواحي ومابقي من الجلد حولها مزرق تماما
كان ناصر يفتح عينا ويغلق الأخرى.. والألم لا يمكن احتماله
لكنه حين رأى راكان وفارس بوجيهما المرتاعين المأساويين
ابتسم ابتسامة باهتة وهو يقول: عريس جديد وخاطب جديد وش جابهم..
الله يهداكم مافيني شيء.. جايين عانين من الدوحة
الشباب يكفون ويوفون
فارس وراكان لم يستطيعا التكلم بشيء والكلمات تصبح باهتة وتافهة وحقيرة
وأي مواساة أو تشجيع يتسربلان بالضآلة أمام عظم الموقف
ابتعدا مجبرين بصدمتهما الهائلة في وجعها وألمها
والمسعفون يبعدونهما ليبدأوا بإعداد ناصر لنقله
***********************
عمّان/ الأردن
مدينة الحسين الطبية
الساعة 3 عصرا
ناصر في غرفة العمليات
فارس وراكان وفريق ناصر بجميع أفراده كلهم ينتظرون في الخارج
خرج الطبيب وهو يسأل إن كان يوجد أحد من أقاربه
قفز راكان وفارس بقلق
وتوجه الطبيب لهما وهو يقول بهدوء: اتبعوني
الطبيب أخذهما لمكتب قريب ودخل وأغلق الباب وطلب منهما الجلوس
توتر راكان وفارس تصاعد للذروة
الطبيب أنزل كمامه وهو يقول بنبرة مهنية تماما:
أنا حابب أحطكم بالصورة
المصاب خليتو وراي صاحي و أعطى موافقته النهائية
راكان بهدوء متوتر: موافقته على ويش؟؟
الدكتور بهدوء: بتر الساق Transtibial
منذ أن دخل راكان وفارس لمكتب الدكتور وهما يعلمان أن وراءه خبرا مفجعا
ولكن ليس هذا الخبر.. ليس هذا!!!
لـــيــــس هــــــــذا!!!!
لـــــــــــيـــــــس هـــــــــــــــذا؟؟!!!!
كان الاثنان كما لو كانا يقفان بصدريهما العاريين في مواجهة إعصار قادم
يعلمان أن الإعصار قد يقذفهما بعيدا
قد يحملهما ويلقيهما أرضا بكل قسوة
ولكنه لم يخطر ببالهما أن يكون الإعصار محملا بشهبا نارية تخترقهما بكل وحشية
وخبر البتر ينزل على رأسيهما ليخترق الجلد والعظم ثم يذيب اللحم
فارس قفز وهو يقول بحدة وغضب موجعين: مستحيل مستحيل
راكان أشار بيده لفارس أجلس وهو يقول للدكتور وهو يبتلع ريقه وألمه ووجعه وصدمته: مافيه حل ثاني؟؟
الدكتور بنبرة هادئة منطقية: هذا الحل الوحيد وللعلم المصاب وراي هادئ تماما ومتقبل العملية
ولعلمكم أنتو مكان البتر الآن مثالي تماما لأنه في منتصف الساق وأقرب للكاحل
لو تُرك قد تتصاعد الغرغرينا أكثر .. ومادام البتر لم يصل للركبة فالبتر بسيط
أعرف أنو صعب عليكم تقبل الأمر وأنا أقول كلمة بسيط
لأنو ثقافتنا القاصرة ووعينا المحدود تصور أنو فاقد أحد الأطراف بمثابة المعاق
وخصوصا إنو الأخ ناصر بطل سباقات خيل.. لكن أنا أأكد لكم وبمهنية كاملة
وأنا أصلا تخصصي الدقيق في الأطراف الصناعية
أنه ناصر بعد أسبوع واحد من تعوده على الساق الصناعية يستطيع العودة لركوب الخيل بنفس المهارة إن شاء الله... وخصوصا أنه أيمن وليس أيسر
بل يستطيع إن أراد أنو يغير لرياضة أصعب كالسباحة أو حتى تسلق الجبال
ومستحيل حدا لو شافه يمشي أو حتى يركض يعرف إنو عنده ساق صناعية
فارس وراكان صامتان.. فهناك ألم مر متوحش يتصاعد في أرواحهما.. ولكنها روح آل مشعل المقاتلة..
يعلمان تماما أن ناصر يستطيع تجاوز كل هذا ..وإذا كان هو يستطيع فليحاولا هما رغم صعوبة المحاولة..
الدكتور يستكمل حديثه: الأطراف الصناعية الآن تعيش ثورة تطور حقيقية
فالأطراف تصنع من الجبس البلاستيكي المعالج بالألياف البلورية، خفيف جدا ومرن وقادر على التحمل
واحنا هلا بناخذ قياس ساق الأخ ناصر وبنبعثها بالإيميل لأفضل معمل لصنع الأطراف الصناعية اللي بيصنع الأطراف للاعبين الرياضيين
وخلال ثلاثة أيام بتكون واصلة.. وبعد التئام الجراحة يقدر يبدأ يستخدمها
وفيه تعليمات محددة بدي قولها لكم في وقتها
ثم ابتسم الدكتور وهو ينظر لوجهي راكان وفارس المرتاعة:
يا أخوان أكيد أنكم بتعرفوا خالد حسن السباح المصري المعروف
هذا حالته نفس حالة ناصر بتر في الساق اليسرى... بساقه الصناعية عمل إنجاز عالمي ولا قدر عليه حتى أصح الأصحاء
عبر بحر المانش الواصل بين فرنسا وبريطانيا 52 كيلو سباحة في 12 ساعة... تخيلوا معي هذا الانجاز المعجز...
وما بعرف لو كنتو بتعرفو إيمي مولي.. هذي بطلة جري أمريكية.. سيقانها الاثنتين صناعية..
لا وكانت تشتغل عارضة أزياء كمان.. تخيلوا.. بطلة جري وعارضة أزياء برجلين صناعية..
ريان مارتن كان من أفضل لاعبي التنس في العالم وهو بأطراف صناعية..
هادي مجرد نماذج.. ولو بدي أحكي أكتر بأتعب... أنا شايف أنو الاخ ناصر ماشاء الله عليه كثير متقبل..
عنده إيمان وعزم وتصميم.. فلازم أنتو كمان تساعدوه.. هاه شو بتقولو؟؟
فارس صمت وهو يخفض عينيه للأسفل.. فمازال غير قادر على التخيل
عاجز عن تخيل رؤية ناصر بعد العملية بدون ساقه
أي ألم هذا؟!!
أي ألم؟؟
أ يعقل أن هناك ألم كهذا؟!!
راكان بحزم: دام ناصر موافق... توكل على الله
وناصر رجّال طول عمره... وعمر المرجلة ماكانت في يد وإلا رجل
مرجلة الرجّال في رأسه... وأنا أشهد إن أبو محمد رجّال
************************
بعد صلاة العصر
مجلس آل مشعل
مشعل ومشعل أصبح عندهما خبر بما حدث لناصر
وبأن ساقه ستبتر
وأصبحت المهمة الصعبة إبلاغ والديهما
والمهمة الأكثر صعوبة في إبلاغ أم ناصر وشقيقاته وزوجته
كان مشعل بن محمد من اضطلع بالمهمة العسيرة ولكنه قرر أن يقوم بتمهيد مبدئي وألا يخبرهما بخبر البتر بشكل صادم
تنهد بعمق ثم قال: يبه.. يبه عبدالله
عندي شي بأقوله لكم
محمد ألتفت له بهدوء: عسى ماشر؟؟
مشعل بهدوء رغم ألمه العميق: ناصر انصاب في السباق اللي في الأردن
وإن شاء الله إنها بسيطة
عبدالله برعب: وشو؟؟
محمد بذات الهدوء: أشلون بسيطة؟؟ كسر وإلا جروح وإلا أشلون؟؟
مشعل ابتلع ريقه ليقول بذات هدوء الده وطريقته في الكلام: إذا جاء إن شاء الله شفت بروحك
محمد وقف بحدة وهو يقول بغضب: إذا جا؟؟ والله إن وراك علم يا مشيعل
قم روح احجز لي الحين للأردن أول طيارة بتطلع.. أبي أروح الليلة
مشعل بألم: يبه الله يهداك.. أنا أصلا بأروح مافيه داعي تروح... راكان وفارس هناك من فجر
وبأروح أنا ومشعل
عبدالله كان من رد بغضب مضاعف: يعني راكان وفارس هناك من فجر.. وتبي تقول لنا إنها بسيطة
احجز لي مع أبيك الليلة
مشعل بن عبدالله كان من رد على والده وهو يقول بعمق: يبه
مايصير كلنا نروح.. ونخلي البيوت فاضية
عبدالله بغضب: انطق أنت وسميك.. وأنا ومحمد بنروح
بتحجزون لنا.. وإلا أنا بأروح أحجز لنا بروحي ذا الحين
مشعل ومشعل وجدا أنهما الخاسران في هذا الجدال
وأنهما مضطران للبقاء رغم النار التي تستعر في جوف كل منهما
ووجدا أنهما مضطران للانتقال للمرحلة الثانية الأصعب
مشعل بن محمد يبلغ والدته وشقيقتيه
ومشعل بن عبدالله يبلغ مشاعل
مشعل بن محمد باحترام: خلاص ولا يهمكم باروح أحجز لكم
بس خلني أروح لأمي أول وعقب بأطلع السفريات
وتوجها كلاهما لداخل بيت محمد بن مشعل
مشعل بن محمد لداخل البيت
ومشعل بن عبدالله لقسم أخته
**************************
بيت محمد بن مشعل
الصالة الرئيسية
مشعل اتصل بالعنود وطلب منها الحضور
فليس لديه استعداد لتقبل صدماتهن متفرقة
وهاهن الثلاث ينتظرنه وهن قلقات متوجسات من طلبه لهن بهذه الطريقة
العنود تهمس لمريم: مشعل ماقال لش وش يبي؟؟
مريم بذات الهمس: لا والله.. يا الله سترك أنا قلبي ناغزني من البارحة
أمي أشلونها؟؟
العنود تهمس: وجهها معتفس.. يالله سترك
وهما في حوارهما دخل مشعل يحاول التجلد.. أكثر من يهمه والدته
عاجز عن صدمها.. يتمنى لو كان بإمكانه حمل الحزن.. كل الحزن عن قلبها
هو قادر على تحمل الحزن.. ولكن هي أم.. قلبها قلب أم
وآه من قلب الأم!! وألف آه !!
مشعل سلّم ثم جلس جوار أمه .. احتضن يدها وقبلها طويلا
ثم أبقاها بين يديه وهمس بإيمان عميق: يمه.. صح المؤمن مبتلى؟؟
أم مشعل منذ طلب مشعل أن يراها وهي وبناتها وهي تشعر بتوجس مريع
والآن بعد جملته المموهة بدأ رأسها يدور ويدور وقلبها بدأ تمزق حقيقي يحرث خلاياه طولا وعرضا
نزفت كلماتها الموجعة:
من هو منهم؟؟
راكان وإلا ناصر؟؟؟
ثم صمتت للحظة وهمست بألم أكبر: حي يرجى وإلاَّ ميت يبكى؟؟
مشعل باستنكار رقيق: إلا إن شاء الله حي.. حي.. والثنين جايينا قريب ومافيهم إلا العافية
بس ناصر فيه عوار.. بسيطن إن شاء الله
أم مشعل بألم متوحش ودموعها بدأت تسيل بصمت لتغرق برقعها: وجهك ما يقول بسيط يأمك
الحمدلله على كل حال.. لا سلم لي رأسه ما أبغي شيء...
ما أبغي إلا شوفت وجهه
مشعل بهدوء حذر: وإن شاء الله إنش بتشوفين وجهه
وأي شيء ثاني هو ابتلاء من رب العالمين.. والمؤمن الصابر عند الله خير
العنود ومريم كانتا مفجوعتان تماما.. فهما كانتا متأكدتان أن ما بناصر أمرا جللا
وإلا ما كان مشعل جمعهن بهذه الطريقة.. والعنود تنقل لمريم أن وجهه يبدو عليه الكثير من الألم والأسى
ولكنهما صمتتا.. بما أن والدتهما تقبلت مبدئيا الخبر وتصبرت
فهما لا تريدان فجعها بالاستفسارات من مشعل أمامها
مشعل وقف.. حين وصل للباب نادى العنود
العنود باحترام مغلف بالحزن: لبيه فديتك
مشعل بهدوء: العنود دام فارس عند ناصر.. أبيش ترخصين من أم فارس
وتجين تقعدين عند أمي لين يرجعون الشباب من الأردن
العنود بصدمة: فارس عند ناصر؟؟
مشعل هز رأسه وخرج
وشعوران يتصاعدان في روح العنود
قلق مرعب على ناصر لأنها تعلم أن ذهاب فارس إليه بهذه الصورة المفاجئة ليس إلا لأن إصابته خطيرة
وغضب كاسح على فارس لأنه أخفى عليها سبب سفره الفعلي وإصابة ناصر
ولكنها عادت للجلوس بجوار والدتها
التي وقفت وقالت بجمود: أنا بأروح لحجرتي
ما أبي حد منكم يجيني
العنود برجاء: بس يمه....
لم تسمح لها أم مشعل بإكمال جملتها وهي تنسحب.. تنسحب لتهرب بأحزانها
لتدعو ربها ألا يفجعها.. ويعيده لها ولأحضانها
قد يقولون عندها ثلاثة أبناء.. لو مهما حدث لواحد
تبقى اثنان يعوضانها الوجع والألم
ويا جهل من يقول ذلك!! يا جهله!!
قد يكونون عشرة.. وكأنهم واحد
كل واحد منهم لفراقه ألم يمزق نياط القلب
ولألمه وجعا لا يشعر به أحدا مثلها
ولوجعه في روحها امتدادات السماء ورحابة الأرض
***************************
ذات الوقت
بيت ناصر
بيت الزوجية الـمُفترض
مشعل يصل لمشاعل
مشاعل لم تغادر بيتها مطلقا منذ مجيء مشعل لها صباحا
وهاهو يعود لها بعد ساعات
فأي خبر جديد يحمل؟؟
بل أي خبر مفجع؟؟
كان وجهها متورما من البكاء.. وعيناها ذابلتان
منذ غادرها مشعل وهي تبكي
مشعل جلس جوارها واحتضنها
عادت للبكاء على صدره.. بكاء خافتا موجعا ..مشعل احتضنها وهو يقول بحنان: مشاعل يا قلبي أنتي إنسانة مؤمنة ومصلية
واللي تسوينه في روحش غلط...ليش ذا البكاء كله؟؟؟
مشاعل همست بألم ورأسها مختبئ في صدر شقيقها:
تكفى مشعل قل لي أنه حي بس..
ما أبي شيء ثاني.. والله ما أبي شيء ثاني
تكفى لا تفجعني
مشعل بنبرة خاصة مشبعة بالحزن: أكيد إنش ما تبين شيء ثاني وحياته تكفيش؟؟
مشاعل رفعت رأسها وهي تقول بثقة رقيقة:
والله ما أبي شيء.. أبيه حي وبس
مشعل ابتسم ابتسامة باهتة: وهو إن شاء الله حي.. وجعل عمره طويل
مشاعل ابتسمت وهي تمسح دموعها بطريقة طفولية وتقول بفرح مؤلم:
صدق؟؟ صدق؟؟
مشعل أمسك يدها وهو يقول بحزم رقيق: بس أنتي ماسمعتي باقي كلامي
أنا باقول لش شيء أبيه بيننا
وما أبيش تقولينه لأحد... وأنا اقوله لش.. عشان أدري إن الموضوع بيوجعش
و أبيش تأقلمين مع الفكرة لين يجي ناصر
وما أبيش تفشلينا في ناصر.. ناصر رجّال وطول عمره رجّال
واللي بيصير له ما ينقص من مرجلته.. لكنه يزيدها
لأن المحن والاختبارات هي اللي تحك الرجّال.. وتظهر عزمه
وأنا أشهد إنه رجّال.. موقفه يحتاج شجاعة أنا أشهد إن غيره عاجز عنها
لكنه تقبلها واحتسب أجره عند رب العالمين
مشاعل قاطعت سيل كلام مشعل وهي تهمس بحزم غريب عليها وعلى شخصيتها:
مشعل ليش ذا المقدمات كلها؟؟
وش اللي صار لناصر؟؟... صار عاجز؟؟ مقعد؟؟
أنا قلت لك أبيه حي
أي شيء ثاني ما يهمني
مشعل بحزن عميق: ولا حتى بتر ساقه؟؟
مشاعل شهقت بعمق وبرعب صميميين
والفكرة تتجسد أمامها بأكثر صورها بشاعة وألما
ولكنها حاولت التماسك وهي تهمس.. ودموعها تسيل بصمت موجع:
ولا حتى بتر ساقه.. الحمدلله على سلامة رأسه..
اللهم لك ألف حمد وشكر
*********************
مدينة الحسين الطبية
عمّان/ الأردن
ذات اليوم ليلا
غرفة ناصر
عبدالله ومحمد وصلا من الدوحة وطلبا من سيارة الأجرة أن تأخذهما للمستشفى فورا
وهاهم أربعة من عمالقة آل مشعل يجلسون في انتظار إفاقة العملاق الخامس من أثار التخدير..
محمد كان أقربهم لسريره.. وهو يلصق مقعده بقرب رأس ناصر.. بداخله ألم لا حدود له
فمهما كبر ناصر وطال.. فهو يبقى في نظره ابنه الصغير
هاهي عيناه تجولان بكل الوجع بوجهه المليء بالخدوش واللصقات الصغيرة
بيديه الملفوفتان بالشاش.. فهو كان يحاول تخليص ساقه من الركاب
ورفع جسده عن الأرض حتى لا يتمزق ظهره وثيندر يسحبه
لذا احتملت يداه الكثير من الألم
(أي ألم تحملت يا بني؟!!
أي ألم؟!!
ليتني استطعت أن أحمل بعضا من ألمك
ليتني أنا من بُترت ساقه
أنا شيخ عجوز.. عشت حياتي طولا وعرضا
ماعاد لي بهذه الحياة حاجة
ولكن أنت للتو تتذوق هذه الحياة
للتو تفتح لك أبوابها!!
ماكان همني والله أن أهبك ساقاي ويداي جميعها وتبقى ساقك لك
إلهي لا تؤاخذني
ليس اعتراضا على حكمك.. اللهم لك الحمد والشكر على كل حال
ولكني أب مفجوع.. أفرغ بعضا من حزني وألمي وفجيعتي
فلا تؤاخذني بحديثي مع نفسي
لا تؤاخذني على وجعي وبثي)
عبدالله وراكان وفارس يجلسان على ثلاثة كراسي متجاورة قريبا من محمد
وعبدالله يستفسر منهما كيف حدث ماحدث؟؟
ومتى وصلا؟؟ ومتى وجدا ناصر؟؟
بعد دقائق.. حشرجة خافتة صدرت من ناصر
الأربعة كلهم وقفوا معا وهو يحيطون بسرير ناصر
محمد بحنان مصفى مختلط بنبرته الحازمة الطبيعية: الحمدلله على سلامتك يأبيك
تبي شي؟؟؟
ناصر بصوت متقطع ناتج عن جفاف ريقه: ماي..
فارس يمد يده لزجاجة ماء ويفتحها
وراكان يهمس له: لا تسقيه واجد.. بِل ريقه بس..
فارس يدخل يده تحت كتفي ناصر ويقعده ويسقيه القليل
ناصر يهمس: بعد أبي ماي..
راكان همس له بأخوية: بعد شوي.. مايصير تشرب ماي ورا بعض
ناصر عاد لإغلاق عينيه وهو يغيب عن الوعي مرة أخرى
محمد بقلق: وش فيه رجع يرقد؟؟
راكان باحترام: يبه لا تحاتي.. من تاثير البنج.. بعد شوي بنصحيه ونسقيه
*****************************
القاهرة
حوالي الساعة العاشرة مساء
باكينام تعود للبيت
ومعها جدتاها صفية وفيكتوريا
يدخلن جميعا وضحكاتهن تتعالى
صفية بمرح: أمّا أنتي بت باكينام أنا مبسوطة منك كتير
عرق تركي عندك تمام.. كنتي هتعملي الواد كفتة
باكينام تضحك: عرق تركي ثم تكمل بالانجليزية: وعرق إيرلندي
كيف يجرؤ ذلك التافه أن يعاكس أجمل أميرتين تركية وإيرلندية وهما في ضيافة مصرية
ثم قالت بالعربية: أكيد كان بيعاكسك يا أنّا.. أنتي أحلى وحدة فينا
الحوار كان يدور عند المدخل دون أن تنتبهن إن كان أحد موجودا
أنا صفية تضحك: خشى في عبي زي ما بتئولوا يا مصريين.. ئال يعاكسني ئال
الواد كان بائي يعيط عاوزك تاخدي نمرته وأنتي نازلة فيه شتيمة وهو لا همو
فين واد يوسف عنو؟؟
(يوسف ئاعد هنا بيستناكم)
صوت عميق ممتلئ بغضب مكتوم
كان يوسف يجلس في الصالة المفتوحة على المدخل مع سوزان
باديا على محياه غضب كبير يحاول كتمانه
باكينام شعرت بتوتر غير مفهوم
فهي أغلقت هاتفها بعد أن أتصل بها يوسف أكثر من مرة ولكنها لم ترد عليه
ولكن هذا لم يمنعها من الوقوف بثقة وهي ترسل له نظرات تحدي
سوزان نهضت وهمست بكلمة في أذن والدتها ثم في أذن حماتها
وسحبت الاثنتين معها
فهي تعلم أن يوسف غاضب لإغلاق باكينام هاتفها
وتعلم أنه لابد سيعاتبها.. لذا تريد تركهما لوحدهما
يوسف مازال جالسا
وباكينام مازالت واقفة بين المدخل والصالة
تحركت بإتجاه الدرج وهي تقول ليوسف بثقة:
تصبح على خير أستاذ يوسف
سلّم على تانت منال
(باكينام ..تعالي هنا)
وصلها صوته واثقا غاضبا لينشر قشعريرة باردة في كل خلاياها
ولكنها لم تتوقف وهي تصل للدرج لتتفاجأ بيد قوية تمسك عضدها
وتوقفها وتلفها لتجد نفسها وجها لوجه أمامه
باكينام من بين أسنانها: سيب إيدي يوسف
أفلت عضدها ولكنه أمسك بذارعها بقوة وهو يشدها ويثبت ذراعها على صدره وهو يعتصرها بقوة ويقول بغضب:
ئافلة تلفونك ليه؟؟ وأزاي تخرجي بدون ازني؟؟
وليه لما فيه حد ضايقكم ما اتصلتيش ليا؟؟
باكينام بألم: يوسف سيب إيدي.. هتكسرها
يوسف أفلت يدها وباكينام تنفض يدها وتمسك المكان الذي ألمها بالفعل من اعتصاره لذراعها وهي تقول بسخرية:
أنا عاوزة أعرف أستاز جامعة إيه اللي بيتعامل بالأسلوب الهمجي ده؟؟
سبت إيه للجهلة اللي عايشين في القرون الوسطى؟؟
يوسف بذات سخريتها: كل واحد يتعامل زي مايفهم
أنتي وحدة ما ينفعش معاكي الزوء... لازم الواحد يكون عنيف معاكي عشان تفهمي
باكينام بغضب: أنا مش حيوان عشان تعاملني بالعنف أو غيرو
ثم تنهدت وهي تقول: وعلى العموم.. الحكاية النكتة دي طالت أوي
ولازم ننهيها... على الأقل يوسف احترم أنو فيه صحوبية بين أهلنا
بلاش نستمر في المهزلة دي أكتر من كده
وخصوصا إنك مصدء الحكاية... وعامل فيها سيد السيد
رايحة فين وجايه منين؟؟
طلئني يا يوسف.. متجبرنيش أعمل فضيحة..
يوسف يبتسم بسخرية: فضيحة من أي نوع؟؟
باكينام بتحدي: هأخلعك
يوسف ضحك ضحكة مصطنعة: زريفة أوي يا بت
ثم أكمل بتحدي: لو أنتي ئدها اعمليها.. ليه لأ.. خلينا نتسلى شوي
ونضيع دراستنا علينا وخصوصا أنه لازم ننزل واشنطن بعد تلات أسابيع
لكن بدل ما نكون في واشنطن ندرس
نكون هنا بين المحاكم... والمحاكم حبالها طويلة... وأنا ما يهمنيش بدل السنة أتنين..
ومن ناحية تانية الراجل متهموش الفضيحة.. لكن بنت الدبلوماسي ابن العمدة... ياحرام
هيئولوا عليها إيه؟؟... اتجوزته عرفي في واشنطن..وخلعته لما اتجوزتو رسمي!!!!
باكينام شعرت بألم حاد.. فهو يعرف تماما كيف يمسكها من يدها اللي تؤلمها
ولكنها قالت بهدوء: يوسف أنا عارفة أنك مش طايئني.. والجوازة كلها مش على بالك..
عاوز مني إيه؟؟.. سيبني.. أنا مستحيل أرجع واشنطن وأنا على زمتك
أنت تسليت كفاية... خلاص سيبني..
يوسف بنبرة غامضة وهو يبتعد باتجاه الباب: آه تسليت كفاية صح؟؟
عمو طه راجع بكرة بالليل
خليه يحكي لك حكاية هتعجبك أوي
كان يوسف يصل الباب ويفتحه وباكينام تقول بصوت واثق:
لو ايه ما ئال بابا مش هيغير رأيي
يوسف يغلق الباب وهو يقول لها بتحدي واثق: هتشوفي
************************
ذات الليلة
في وقت متأخر
الدوحة
غرفة مشاعل /// و............. ناصر
مشاعل تشعر أنها توشك على الانهيار من التعب
فهي تقريبا لم تنم من قبل ليلة زفافها للآن
ولكنها عاجزة عن النوم والأرق يحيط بأجفانها
والأسى يخنق روحها
شقيقاتها وبنات عمها وعمتها عرفوا بخبر إصابة ناصر
لكنهن لم يعرفن بعد نوع الإصابة.. هي وحدها تعرف
وكم ألمتها هذه المعرفة!!
ذبحتها ونسفت روحها أشلاء متناثرة
جميعهن اتصلن بها.. يريدن زيارتها
لكنها لأول مرة في حياتها تكون غير مهذبة
وترفض أن يزورها أحد
كانت تريد أن تختلي بنفسها
وبـــ
ذكرى ناصر
أي ألم حاد تشعر به!!
هل هو الإحساس بالذنب؟؟!!
بمدى قسوة الحياة؟!!
منذ خروج مشعل من عندها وهي تدور بين الغرف
تشعر بوجود ناصر في كل مكان
قد لا يكون ناصر سكن هنا فعليا
ولكن وجوده في كل زاوية طاغ.. طاغ جدا
فتحت كل شيء.. وفتشت في كل شيء
ملابسه.. أوراقه.. صوره
كانت تعيد إكتشافه من جديد
تكتشف ناصر كما هو
كرجل حقيقي له شخصيته المستقلة
ليس ظلا لمشعل.. ولا مسخا مستنسخا من حمد
كان لديه الكثير من ألبومات الصور
حملتها جميعها وضعتها على السرير
وغرقت بينها!!
صوره في البطولات.. في التدريبات.. في الرحلات البرية..
في المؤتمرات.. في السفرات.. في دول عديدة
كان مبتسما في كل الصور
(إبتسامته رائعة وشفافة
هل سأرى إبتسامته مرة أخرى؟!
أدفع حياتي كلها ثمنا لإبتسامته
كم قسوت عليه!!
وكم قست الحياة عليه!!
أ هذا عقابه في الدنيا؟؟ أن يبتليه ربي بي..لأكون عليه مصدر شؤم؟!
أستغفر الله.. أستغفر الله
متعبة أنا يارب.. متعبة.. متعبة
كيف أستطيع مواجهته إذا عاد..؟؟ كيف أضع عيني في عينه..وأنا مثقلة بأغلال هذا الذنب..
سيرفضني.. أعلم أنه سيفعل
سيرفضني كما رفضته.. عنيد آخر من آل مشعل
لكن رفضه سينحرني.. سينحرني)
مثقلة هذه الصبية بالحزن.. حزن عميق وشفاف وموجع كعمقها وشفافيتها ووجعها
لا تعرف كيف تتصرف.. وخائفة.. خائفة
لطالما كتمت مخاوفها وألمها.. لم تسمح لأحد بكسر صدفتها
اقتحام روحها .. مشاركتها أفكارها
ولكنها الآن تحتاج لمن يمسك بيدها.. يدلها
التقطت هاتفها وأرسلت منه رسالة لهاتفين
ذات الرسالة لجهتين مختلفتين..
ثم تناولت صورة مؤطرة لناصر كانت موضوعة بجانب السرير
واحتضنتها وتمددت
لتبكي
لا لتنام.....
**************************
اليوم التالي
بيت سعد بن فيصل
الصباح الباكر
أم فارس تجلس عند دلالها تنتظر نزول سعد
نزل سعد بلباسه العسكري وتاج مع نجمتين تلمع على كتفيه
قبل رأس أم فارس وجلس
بعد تحيات الصباح المعتادة سألها باهتمام: فارس كلمش؟؟
أم فارس بتأثر: اليوم مابعد.. والبارحة أنا وياك مكلمينه
سعد بتأثر عميق: الله يفك عوق ناصر.. والله إن ناصر نادر ومثله في الرياجيل شوي
أم فارس بحزن: توه حتى عرسه ما تهنى فيه..
سعد ينهي فنجانه على عجالة وينهض: يالله فديتش أترخص عندنا اليوم طابور عرض
أم فارس تتذكر: ترا سعد فيه شيء أبي أقوله لك وأنسى
سعد باحترام: أمريني فديتش
أم فارس بهدوء: الحين أنت عندك أبو صبري وصبيان هنود.. أنا إذا جيتك طردناهم للمجلس
بس بكرة مريم بتجي بيتك
يبي لها خدامات يا أختك.. فأنا أبيك تقدم على ثنتين من الحين عشان أعلمهم لين يجي وقت عرسك.. وأنت تدري الخدامات يبطون لين يجون ويتعلمون
سعد بهدوء: زين ذكرتيني.. بأقدم على ثنتين.. وترا يمكن أجيب أم صبري بعد
أفكر الحوطة اللي ورا البيت ابني لهم فيها ملحق
مرت ولدهم صبري مضيقة على العجوز.. وأبو صبري متضايق
وأنا أفكر أجيبها على الأقل تسولف مع مريم وتساعدها على العيال لو الله رزقنا عيال..
أم فارس: بكيفك فديتك.. المهم الحين قدم على الخدامات وأم صبري بكيفك أنت وأبو صبري
*********************
القاهرة
الساعة العاشرة صباحا
أمام مصحة نفسية غاية في الرقي.. في منطقة هادئة في ضواحي القاهرة
باكينام توقف سيارتها وتنزل
تشد جاكيتها الطويل على جسدها.. فالجو كان باردا بعض الشيء
تعدل وضع نظارتها الشمسية على عينيها وتدخل
كانت متوترة نوعا ما.. فهي لا تعرف من هي قادمة للسؤال عنه
ماذا لو كان مجنونا خطرا
ماذا لو عرف المجنون الأخطر المسمى (يوسف) بزيارتها هذه لرجل غريب؟!!
تنهدت وهي تتوجه للاستقبال وتسأل عنه
خرجت بها إحدى الممرضات للحديقة الخلفية وأشارت لشخص معين
كان يجلس في الشمس تماما
تقدمت بخطوات مترددة..
كان مستغرقا في قراءة كتاب
وغير منتبه لما حوله مطلقا.. مما أتاح لبيكنام أن تتفحصه جيدا لتطمئن قبل محادثته
استغربت..كيف يكون هذا مريضا؟!!
بدا لها مسالما جدا.. ووسيما جدا... ونظيفا جدا جدا
نظيفا بالمعنى الفعلي للنظافة..
مثلما ترى شخصا وتعلم أنه استحم للتو..
وبدا لها كما لو أن حمد استحم عشر مرات متتابعة.. فكانت تفوح منه رائحة صابون عطرة مركزة وقوية
اقتربت منه.. همست بهدوء: السلام عليكم
حمد رفع عينيه وهو ينزل نظارته الطبية ويضعها على الطاولة ويبتسم: وعليكم السلام
تشجعت باكينام وهي ترى رده اللطيف للسلام فابتسمت وهمست:
عندك استعداد تستئبل زوار..
ابتسم حمد وهو يقول بلباقة: إذا زوار حلوين كذا.. ماعندي مانع
ابتسمت باكينام.. كانت تعرف أنه لم يقصد بعبارته سوى أن يكون مجاملا
لكنها رفعت يدها اليسار لتريه الخاتم وهي تقول بمرح شفاف:
أنا ست متجوزة بلاش شغل الغزل ده
ابتسم حمد وهو يقول بمرح أكثر شفافية: وأنا ما أعتقد مطلقا
إنه صدر مني مشروع خطبة
باكينام باحترام: أنا باكينام الرشيدي
حمد بلباقة: تشرفنا باكينام.. أقدر أخدمش بشيء؟؟
ثم استدرك: تفضلي اجلسي.. ليش واقفة
باكينام جلست على كرسي خال وهي تكمل حديثها:
أنا صاحبت هيا بنت خالك سلطان
حمد يقطب حاجبيه: مهوب هذي اللي لقاها مشعل ولد خالي عبدالله في أمريكا وتزوجها؟!!
باكينام هوت رأسها إيجابا.. ثم حكت لحمد سبب زيارتها واتصال هيا باختصار
أجابها حمد بقلق: أنا ما أبي حد في الدوحة يعرف إني أعالج.. خصوصا أمي
باكينام بثقة مطمئنة: حط في بطنك بطيخة صيفي.. ولا يهمك... وعد أنو ما حدش يعرف
وتاكد إن هيا مستحيل تئول ولا حتى لجوزها... هي بس عاوزاك تكلم الست مامتك.. عشان هي مشتائة لك
حمد بحنين عميق: وأنا مشتاق لها... بس الاتصال لازم يتم بأذن الدكتور
وأحيانا الدكتور يأجله أو يقدمه حسب حالتي
بس اليوم بأقول له وبأحاول أكلمها
باكينام وقفت وهي تقول بأدب: وأنا خلاص مهمتي انتهت.. وأستاذن
حمد بخيبة أمل: منتي براجعة تزوريني؟!!
باكينام شعرت بالحزن من طريقته في السؤال.. بدا لها وحيدا وحزينا مشبعا بالوحشة والحنين
همست بمرح: هأزورك ئريب
حمد بابتسامة: تعالي المرة الجاية أنتي وزوجش.. خلني أتعرف عليه.. لازم
وعشان أنا ما أحس بالحرج.. ولا أنتي تنحرجين
أنا بس أبي حد أسولف معه.. ويكون عارف عن أخبار هلي في الدوحة
لازم المرة الجاية تجيبينه..
باكينام بتوتر: إن شاء الله
************************
الدوحة
ذات الوقت ولكن توقيت مختلف فرق ساعة
الساعة 11 صباحا
لطيفة اليوم كان أول يوم لها امتحاناتها
ولكن بالها لم يكن مع الاختبار.. لكن مع ظروفهم المعكوسة
وخصوصا أنه وصلها قبل الفجر رسالة من مشاعل
تطلب حضورها حينما تستطيع صباحا
وذات الرسالة وصلت موضي
لذا اتفقت الاثنتان على الذهاب معا
لطيفة تمر بموضي ثم الاثنتان تذهبان لبيت عمهما محمد
الاثنتان تعبران الباب الواصل بين بيت عبدالله ومحمد
(ترتيب بيوت آل مشعل للتذكر:
بيت مشعل بن محمد بجواره بيت عمه عبدالله ثم بيت محمد ثم بيت فارس ملاصق لبيت عمه محمد
بيوت الكبار في الصدر.. ثم بيوت الشباب على الأطراف)
موضي تهمس للطيفة: زين إنها رضت تخلينا نجيها
من يوم دريت وأنا أحاتيها.. أدق عليها مهي براضية تخليني أجيها
لطيفة بحزن: أنا جيتها البارحة ودقيت عليها.. مارضت تفتح لي
والله إني خفت عليها..
تصدقين بغيت أدعي مشعل يكسر الباب.. بس هي ردت علي
وقالت ماتبي تشوف حد..
تخيلي مشاعل تقول لي كذا!!!!
موضي بمساندة: نعنبو لايمها.. قلبها احترق..
الاثنتان وصلتا.. طرقتا الباب
بعد لحظات فُتح الباب..
ليصعقا بمنظر شقيقتهما.. إحمرار عينيها.. انتفاخ أجفانها بشكل مرعب
يبدو كما لو كانت شبحا يوشك على التداعي والانهيار
لطيفة برعب: بسم الله عليش مشاعل.. وش فيش؟؟ مريضة؟؟
مشاعل لم ترد عليهما.. تركتهما وعادت للداخل
خطوات ثقيلة مجهدة نقلتها
خطوات كروحها المثقلة وجسدها المجهد
موضي أغلقت الباب..
والاثنتان دخلتا خلفها..حتى وصلت لغرفة النوم وألقت بنفسها على السرير
لتدخل في موجة جديدة من البكاء العويلي
الاثنتان مصدومتان.. صامتتان...
كون ناصر مصاباً لا يستدعي هذا البكاء الجنائزي..
إلا إن كان......
الفكرة انتقلت لرأسي الاثنتين في نفس الوقت
هل يعقل أن ناصرا توفي؟؟!
صدمة متوحشة اكتسحتهما
ولطيفة تجلس جوارها من ناحية طرف السرير
وموضي تقفز لتركب معها على السرير وتجلس جوارها من الناحية الأخرى
لطيفة همست بحنان أمومي: ميشو يا قلبي.. وش فيش؟؟
مشاعل لم ترد على أسئلة أي منهما حتى تعبت من البكاء
حينها نهضت.. همست بصوت مبحوح:
ما أدري أقول الذنب ذنبكم وإلا ذنبي؟؟
موضي بحنان وهي تحتضن كفها وتمسدها بحنان:
وش ذنبه يا قلبي؟؟
مشاعل بصوت ميت مخنوق: ذنب ناصر
لطيفة اقتربت أكثر وهي تحتضن كتف مشاعل التي أراحت رأسها على كتف لطيفة وهي تفرك أنفها المتفجر احمرارا
وتهمس بصوت عاد للاختناق بعبراتها وكأنها تحدث روحها:
ليلة عرسي أنا ماشفت ناصر
أنا شفت حمد وهو يضرب موضي بكل وحشية
شفت مشعل وهو يستخدم لطيفة أداة لتفريغ رغباته دون اعتبار لمشاعرها
ما أقول إني أنا خجولة بزيادة وهذا كان له دور.. لكن حياتكم خربت حياتي
لطيفة وموضي توترتا بشدة.. لكن لطيفة همست:
ميشو حبيبي قولي لنا وش اللي صار ليلة عرسش؟؟
مشاعل حكت لهما كل شيء.. تعلم أنهما كتومتان.. وهي بحاجة لمساحة شاسعة للبوح علها تفتح أفقا ما.. حتى لو كان ضئيلا لروحها المتأزمة المخنوقة
موضي بغضب عاتب: أنتي مجنونة؟؟ فيه وحدة عاقلة تسوي اللي سويتيه؟؟
مشاعل بنبرة غريبة خليط من القسوة والحنان والألم واللامبالاة:
تدرين موضي أنتي بالذات مالش لسان..
ثم أكملت بنبرة تهكم مرة حزينة موجعة: موضي قولي لي.. ليش ما ترضين تبدلين ملابسش قدامنا
تصدقين أول مرة أدري إن البنت تصير تستحي من خواتها عقب ما تتزوج!!
موضي بحركة تلقائية غير مقصودة غطت مكانا ما بين كتفها وصدرها
كأنها تغطي حزنها ويأسها وألمها عن الأعين ووجع المواساة
وهي تتراجع للخلف
(عن أي مواساة تتحدثين عن موضي؟!!
تحتاجين إلى من يواسيكِ
تحيطين نفسكِ بقشرة رقيقة سرعان ما تنهار مع النقرة الأولى!!)
موضي صمتت وهي تبتلع ريقها وألمها ولكن لطيفة أكملت:
اسمعيني مشاعل.. صحيح أنا وموضي كان عندنا مشاكل في حياتنا
لكن أنا كل مشاكلي مع مشعل انحلت.. ومشعل ماعاد باقي إلا يحطني على رأسه من اهتمامه فيني
وموضي تطلقت وهذا هي بتاخذ راكان خيرة شباب آل مشعل
يعني إذا حن اللي عانينا سنين تجاوزنا مشاكلنا.. أنتي ما تقدرين؟!!
مشاعل انتفضت بعنف وهي تقول بألم مر: ناصر مستحيل يسامحني.. مستحيل
وخصوصا إنه فيه شيء صار له.. ما أقدر أقوله الحين
صدقيني مستحيل يسامحني.. أنا ماني بقادرة أسامح نفسي
لطيفة مسحت على نعومة شعر مشاعل وهي تهمس بحنان:
لو مهما صار ناصر قلبه طيب.. صدقيني بيسامحش.. ليه ما يسامح؟؟
أنتي حاولي تكسبينه.. ولازم أنتي اللي تكونين مستعدة للمبادرة لين الآخر
حتى لو رفضش مرة ومرتين وعشر.. لا تيأسين.. لحد ما تجيبين رأسه
ولو على الوسائل.. اسمعي مني.. واستعيني بتفكيرش..
ثم غمزت بعينها وهي تمسح دموع شقيقتها الصغرى بحنان:
إن كيدهن عظيم
************************
ذات اليوم عصرا
عمّان
غرفة ناصر
مازال ناصر لم يفق.. وتغذيته تتم عبر الوريد
قلق والده وعمه وشقيقه وابن عمه يتصاعد من عدم إفاقته..
وطلبوا مقابلة الطبيب.. الذي وعدهم بالحضور بعد أن ينهي عملا ما في يده
وهاهو يحضر وهو يرسم ابتسامة مهنية اعتاد على رسمها حتى أصبحت ترتسم بطريقة رتيبة تلقائية: بيقولوا أهل ناصر مشعل بدهم ياني.. أنا حاضر
كان محمد من تكلم وهو يقول بهدوء: ناصر ليش مافاق لذا الحين..
البارحة وعا شوي وطلب ماي وعقب رجع ينام
الطبيب بهدوء: أنا طالب من الممرضات يحقنونه بالمهدئات.. مابدي إياه يصحى هلا
راكان باستفسار: وممكن أعرف السبب..
الطبيب بمهنية: هم سبيين ومش واحد
الأول أني حابب إن ساق ناصر توصل.. مع أنو ماراح يقدر يستخدمها هلا
بس أنا حابب إنه يشوفها وقت ما يصحى.. عشان تكون تخفيف لوضعه وفي نفس الوقت شرح صريح لحالته
أما السبب الثاني فهو إنو من تعرض لبتر أحد أطرافه.. يتعرض لظاهرة اسمها ظاهرة فانتون..
الظاهرة هذي تعني إن المخ يظل يرسل إشارات لمكان البتر..كأن العضو لساته موجود ولازم يتحرك..
يعني اللي انبتر عنده عضو ما يحس إنه فقد عضو ويحتاج وقت للتأقلم جسديا وفكريا..
والأخ ناصر رغم الرضوض والخدوش إلا أنو صحته تمام الحمدلله
يعني ممكن لو وعي هلا ينزل عن السرير ويمشي.. وهالشيء أنا ما بدي إياه
أنا استعجلت في طلب الساق.. وممكن توصل بكرة.. وراح أعطيكم قياساتها
عشان لو حب يطلب مرة ثانية.. يقدر يطلب..
فارس بإهتمام: يعني بكرة ممكن يحس فينا؟؟
الدكتور بابتسامة: إذا وصلت الساق.. ماراح نعطيه مهدئات.. وبيوعى إن شاء الله
محمد برجاء هادئ: ومتى ممكن نرجع الدوحة ونرجعه معنا؟؟
الطبيب بلباقة: الخيار لكم عمي وللمريض.. لو عنده استعداد يستخدم العكازات
ممكن ترجعون بعد كم يوم..
وأنا بأتصل مع صديق لي في مستشفى حمد عندكم.. وهو ممكن يتابع الحالة
لأنه مايقدر يستخدم الساق الصناعية إلا لما تلتئم الجراحة تماما
ولأنه هذي مش جراحة بمعنى جراحة لكن هو كي لمكان البتر، فالإلتئام بيكون أسرع.. ممكن يستخدم الساق الصناعية بعد أسبوعين ثلاثة.. والخيار لكم
الجميع صمتوا ينتظرون قرار محمد الذي أجاب بهدوء:
الشور شور ناصر.. لكن أنا أعرف ولدي.. مهوب اللي يهاب شيء
الظن ظنتي راجعين الدوحة قريب
*********************
الدوحة مساء
بيت فارس..
العنود في البيت للسلام على أم فارس ورؤية إذا كانت تحتاج لشيء
وهاهي تستعد للمغادرة..
أم فارس بحزن: سامحيني يا بنتي.. والله إن قدرش عندي كبير
ماقدرت أسوي عشاش وحن على ذا الحال.. الله يفك عوق ناصر
العنود بحزن مصفى: وش عشاه يمه؟؟ هذي أمي ماسوت عشاء مشاعل
وش عشياته وحن ماندري بحال ناصر..
أم فارس بمساندة: يأمش امتحاناتش قريب.. لازم تدرسين
إهمالش لدروسش لا يقدم ولا يؤخر
العنود بهمس: الله يجيب اللي فيه خير..
ثم أردفت بخجل: يمه أنتي أكيد منتي بمتضايقة إني أمسي عند أمي؟؟
أم فارس باستنكار: لا والله وحشا.. أم مشعل ذا الحين في حاجتش
وأمش أبدى من خلق الله
وعلى كل حال أنا البارحة أمسيت في بيت سعد..
وهو بعد شوي بيمر يأخذني.. أتسلى معه ومع عياله
العنود تنزل جلالها على وجهها استعدادا للخروج
لكنها استدركت وهي عند الباب بسؤال مؤلم:
يمه فارس كلمش؟؟
أم فارس بتلقائية: توه كلمني قبل تدخلين..
العنود شعرت بألم شفاف يغزو روحها.. فهو لم يتصل بها منذ مغادرته
هل يعاقبها على ذنب لم ترتبكه؟!!
أم أن الجفاء وجفاف المشاعر سيكون شعارا إبديا لحياتهما معا؟!!
هي الآن غاضبة منه.. بل غاضبة جدا
حرمها من أبسط حقوقها.. حقها في المعرفة منه شخصيا!!
لِـمَ لم يخبرها بإصابة ناصر؟!!
لِـم فضل أن يهرب من أمامها وكأنها كائن فاقد للأهلية يعيش مهجورا على أطراف حياته؟!!
لا تستحق أن يأخذ من وقته الثمين لحظات ليخبرها.. يعلم جيدا ولعها بأشقائها
وتعلق روحها بهم..
ولكن لا يهم.. هي لا تهم.. هي لا تستحق..
( "لماذا تعلم.. ولماذا أخبرها؟؟
سياتي أحدهم يوما ويخبرها.. ولكن ليس أنا
ليس فارس العظيم المتجبر المتباعد"
أهكذا فكرت يا فارس؟!!
متعبة منك ومن غرورك وتجبرك وقسوتك
ليتك تتصل بي
ليتك تفعلها
أريد أن اصفعك بكل آلامي.. أريد أن أخنقك بها
حتى لو كنت لا تشعر
وحتى لو كانت تماثيل الحجارة لا تبالي ولا تحس حتى لو ألقيت عليها عشرات الحصيات الصغيرة
على الأقل سأفرغ أنا بعضا من غضبي بإلقاء الحجارة عليك
بما أنك لا تتألم.. لا تشعر.. لا تحس
اسمح لي أن أفرغ أنا بعضا من ألمي.. شعوري.. وأحاسيسي)
العنود كانت تفكر بكل هذا وهي تسير خارجة من بيتها إلى بيت والدها
وصلت وصعدت غرفتها واستحمت والأفكار تعصف بها
خرجت لرؤية والدتها المعتكفة في غرفتها
مازالت على حالها.. مكتئبة تتصبر.. تكثر من الصلاة وقراءة القرآن والدعاء له.. لناصر..
العنود عادت لغرفتها وصلت قيامها.. ثم قررت التمدد أخيرا.. هاجمتها أفكارها المؤلمة مجددا.. حاولت الهرب منها..
ولكن لا فكاك.. لا فكاك..
أفزعها رنين هاتفها..
التقطته
كان هو..
هو..
اسمه يتلألأ على الشاشة محدثا ضجيجا في قلبها بدقاته الطارقة بعنف على جدران قلبها..
خائفة منه.. وغاضبة عليه..
ردت بصوت هامس وكل تهديداتها بقذفه بحصى أحزانها تتبخر: هلا فارس
كما كل مرة.. وكما أول مرة
عاجز عن تفهم الثورة العاتية التي يحدثها صوتها في أوتار قلبه
أي كيمياء يحتويها هذا الصوت؟!! أي كيمياء؟!!
شرايينه تتهاوى.. قشعريرة باردة تجتاح جسده.. نار محرقة تذيب قلبه
يعدل جلسته على مقعده في لوبي الفندق
فهو هارب من غرفته المشتركة مع راكان حتى يحادثها
أي جنون بات يصيبه؟؟
لم يقضِ معها سوي صباحا واحدا.. بدا ذاك الصباح كما لو كان كل صباحاته
يأسره شوقه لبريق عينيها.. وابتسامتها العذبة الشقية
اليوم كاد أن يتهور ويحتضن راكان حين نهض من نومه صباحا
كاد يحتضن ذلك الحائط المسمى راكان لأنه يعلم أن جسده الضخم لابد احتوى يوما جسدها الغض بين أحضانه
الجسد الذي لم يسكن بين ذراعيه هو بعد..
كان يريد أن يشتم رائحتها التي تغلغت في روحه.. مازال ملمس خدها يغفو في كفه.. خصلات شعرها تلتف على أنامله
مشتاق لها.. مشتاق.. مشتاق لها قبل أن يتزوجا..
فكيف بعدما رأها أمامه أسطورة تتجسد تتحرك تتحدث.. تنفث سحرها الخلاب في كل شيء تمر به أو تلمسه؟!!
فارس رد بهدوء: هلا بش.. أنتي وين؟؟
العنود ابتلعت ريقها.. خائفة من ردة فعله.. فهي لم تستأذنه في العودة لبيت أهلها..ولكنها استأذنت والدته وأذنت لها..
همست بخفوت: في بيت هلي
فارس كان يعلم أنها في بيت أهلها.. والدته أخبرته أنها من أذنت لها بالذهاب حتى تبقى مع والدتها.. وهو فعليا ليس لديه أي مانع
ولكنها طباعه الغليظة السيئة وتحكمه الأرعن.. رد بهدوء: طيب مهوب المفروض تستأذنيني أول؟؟ وإلا أنا طوفة.. منتي بشايفتني رجّال؟؟
العنود كعادتها الذكية.. لا تجيب.. لكن تناور:
وأنت مهوب المفروض تقول لي وين مسافر وسبب سفرك؟؟ وإلا أنت شايفني كرسي وماني بمرتك وأخت ناصر؟؟
يالقوتها وشراستها المغلفة بالحرير!!
من أين تعلمت استراتيجية المناورة بهذه الطريقة؟!!
كيف تنقض وتلسع بنعومة..
ولكن هو لا يحتاج للمناورة.. فهو يستخدم المنجنيقات فورا
أقذف ولا تبالِ بالخسائر!!
همس لها بهدوء بارد: العنود ترا أمي اللي هي أمي.. عمرها ما سألتني وين رايح ومن وين جاي... أنا اللي أقول لها من كيفي..
وأنتي تعودي اللي أقوله تأخذينه... لا تراديني.. ولا تسألين..
رغم إحساسها الكبير بالألم لكنها أجابت بهدوء ناعم:
تدري فارس كان المفروض إنك كتبت في عقد زواجنا.. زواج من طرف واحد
يعني أنت وبس.. لأني أنا ماني بشريكة لك في ذا العقد دامك تبي تمشي حياتنا بذا الطريقة
فارس شعر بألمها يحز في روحه.. يعجز عن فهم سبب تصرفه معها بهذه الطريقة
رد عليها بهدوءه المعتاد: يعني أنتي زعلانة؟؟
العنود بتهكم رقيق: زعلانة؟؟ يعني إنك مهتم!!
ثم أردفت بحزن: تدري فارس.. خلنا على جنب... ناصر أشلونه؟؟
فارس ببرود مقصود: توش كلمتي أبيش وراكان أكيد قالوا لش..
العنود فهمت نغزته لكنها تجاوزتها وهي تقول بهدوء: أحب اسمع منك
فارس تنهد: بخير.. كلها كم يوم ونرجع للدوحة.. وذا الكلام أظني سمعتيه اليوم مرتين إذا مهوب أكثر
العنود بحزن ومرارة: زين دامك منت بطايقني.. ليش مكلف على روحك تتصل؟؟
فارس شعر بصدمة كاسحة تخترق روحه
(أنا ماني بطايقش؟؟ أنا؟؟
يعني بدل ما أوصل لها إحساس هيامي فيها
خليتها تحس إني ماني بطايقها
أي مخلوق غريب أنت يا فارس؟؟ أي مخلوق؟؟)
فارس تنهد: العنود ليش تقولين كذا؟؟
العنود ماعادت تحتمل كل هذا.. ماعادت تحتمل.. اختنقت بعبراتها وتريد أن تختلي بنفسها لتبكي
همست بصوتها المختنق: فارس تصبح على خير
فارس كاد يجن (وتبكي بعد؟؟ تكفين العنود كله ولا دموعش)
همس لها بأمر قوي: لا تسكرين
نبرة الأمر الحادة في صوته أنهت الباقي من تجلدها وهي تنخرط في نشيج خافت مؤلم وتلقي الهاتف جوارها
فارس جن فعلا وهو يسمع صوت نشيجها يخترق روحه كأسياخ محمية
كره نفسه ألف ألف مرة.. كره غروره وقسوته عليها في الوقت الذي كان يتمنى أن يشبعها حنانا وحبا وهياما وغراما
كان يعتصر هاتفه في كفه وهو يصر بين أسنانه: العنود.. العنود ردي علي
كان يود أن يصرخ عاليا.. عل صوته يصلها
ولكن مكان تواجده منعه وهو يشعر بالقهر وهو يسمع صوتها تبكي بهذه الطريقة الموجعة وهو لا يستطيع التصرف
مضت خمس دقائق والعنود الباكية نست هاتفها تماما
كانت الخمس دقائق الاسوأ في حياة فارس
شعر أنها خمس سنوات.. خمس قرون من الألم والقهر والحسرة
العنود تذكرت الهاتف المفتوح
التقطته رغم أنها كانت متأكدة أن فارس لابد أغلقه
لذا صُدمت أنه مازال على الخط ويناديها
ردت بصوت متعب: آسفة ماظنيت إنك على الخط ذا كله
فارس بنبرة حنان غير معتادة ولكنها تبدو لذيذة جدا بصوته:
تبين أسكر وأنا داري إنش تبكين؟!! مستحيل
انتفض قلب العنود بعنف.. عنف كاسح
وفارس يكمل بذات النبرة: أدري إني غريب واجد مهوب شوي
استحمليني شوي.. ولا تصيرين تاخذين كل كلمة أقولها بحساسية
صمتت العنود
فارس بهدوء: هاه العنود؟؟
العنود بصوتها المبحوح: يصير خير إن شاء الله
ابتسم فارس ..تمنى أن يقول لها لحظتها كم يحبها!! كم يعشقها!! كم يذوب بهواها!!
لكنه أكتفى عن كل هذا بأن قال لها بهدوء: زين تصبحين على خير
ولا تهملين دراستش
****************************
ذات الوقت
توقيت آخر
وبلد آخر
كانت باكينام في غرفتها تتمدد على سريرها استعدادا للنوم
والدها وصل من نيويورك قبل حوالي ساعتين.. جلست معه قليلا
ثم صعدت لغرفتها لتصلي قيامها وتنهي بعض أعمالها قبل النوم
قاطع رغبتها في النوم طرقات هادئة على الباب
عرفت أنها طرقات والدها
همست باحترام: تفضل بابا
دون أن تعلم أن سماحها بدخول صاحب الطرقات سيسلب كل أمانيها بالنوم
ليحيلها لمخلوق محطم مبعثر المشاعر
والدها دخل وهو يبتسم وهمس لها: ممكن خمس دئايئ من وئت حبيبت باباها
باكينام اعتدلت جالسة وهي تقول: ئول خمس ساعات.. تعالى أنته واحشني خالص
والدها جلس جوارها وهو يقول بهدوء: أخبارك أنتي ويوسف إيه؟؟
باكينام توترت لأقصى حد.. ذكر يوسف كفيل بضخ كل الأدرنالين في جسمها ليرتفع تحفزها للحد الأعلى
همست لوالدها بتصنع: تمام يابابا كلو تمام
والدها أمسك بيدها واحتضنها وهو يقول بحنان:
حبيبي باكي.. أنتي فاكرة أنو أنتي اللي وافئتي على يوسف
ووافئتي على خطبة وكتب كتاب في يوم واحد
باكينام ابتلعت ريقها وهزت رأسها بأسى (وكأني من وافقت باقتناعي؟!!)
والدها يكمل بنبرة منطقية: وأنتي عارفة إنك هترجعي واشنطن بعد تلات أسابيع
هزت رأسها
ووالدها يكمل: ويوسف كمان هيرجع
ابتلعت ريقها للمرة الألف.. لِـمَ تشعر أن ريقها جاف هكذا؟؟
هزت رأسها أيضا
والدها يكمل بهدوء رغم أنه بدأ يشعر بالحرج:
وأكيد باكي حبيبي أنتي شايفه أنو مش منطق أنو واحد ومراته ساكنين في بلد لوحديهم وكل واحد في مكان
شعرت باكينام بمطارق متوحشة تهرس قلبها.. ومطارق أكثر توحشا تهصر مخها
باكينام بحذر: بابا أنت عاوز تئول إيه؟؟
والدها بهدوء يلقي قنبلته: أنتي ويوسف لازم تعملو فرحكم ئبل سفركم لواشنطن
باكينام قفزت واقفة وهي تهتف باستنكار مر: مستحيل بابا.. مستحيل
والدها بغضب: إيه هو اللي مستحيل.. هو لعب عيال
عاوزة تتخطبي وما تتجوزيش.. هي دي أخلاء بنات الناس المتربيين
باكينام بضعف: بابا ربنا يخليك ما تزعلش مني
بس أنا ويوسف مش متفاهمين.. أنا عاوزاه يطلئني.. مش نتمم جوازنا
والدها بصدمة: طلاء إيه.. دا أنتي موعد فرحك اتحدد بعد حوالي تلات أسابيع بالزبط
في نفس يوم سفرك اللي أجلناه شوية عشان السبب ده
باكينام بصدمة أكبر.. صدمة نحرتها تماما: إيه؟؟ فرح؟؟ لا يا بابا.. لأ.. ربنا يخليك.. ما ترمنيش الرمية دي
والدها بغضب: رمية؟؟ يوسف عزت اللي ألف وحدة تتمناه رمية؟؟
حتى لو كان رمية.. أنتي اللي رميتي نفسك مش أنا
خطوبتك حصلت ئدام كبرات مصر.. وفرحك بطاقاته توزعت
وكلام عيال مش عاوز.. أنتي اللي تجوزتيه برضاكي وهتممي الجوزاة
لأنو لا أنا ولا طاهر حمل فضاي
على متن طائرة مروحية تابعة للجيش الأردني
تطير بالقرب من مدينة البتراء الأثرية
الساعة 11 صباحا
تطير المروحية في الجو.. تحمل قلوبا مرتاعة ينهشها القلق المسعور بوحشية
تتضخم مساحات القلق وتتضاعف لتلتهم ما بقي من الصبر والتجلد
ذلك الأثير الغالي المتخم برائحتهم وعبقهم.. فارسهم الثمين الموغل بهاءً ورجولةً
على أي حال هو؟؟
كيف قضى ليلته في هذا البرد القارص الجليدي؟!
ما مدى سوء إصابته؟!
هل هي قابلة للعلاج؟!!
مئات الأسئلة الموجعة دارت في أذهان أتعبها السهر والسهد والقلق
أسئلة تنتهك الروح بشراستها وهي تمزق كل الأغلفة لتغوص في العمق
راكان بقلق: زين ليش تأخروا ذا كله مالقوه؟؟
رئيس الفريق بتأثر: يظهر إنه سحب نفسه داخل غار من البرد
عشان كذا الطوافات ماقدرت تشوفه
اللي لقوه الطواقم البرية التابعة للصاعقة لأنهم تتبعوا الأثر على الأرض
فارس بقلق مر: زين أشلون وضعه؟؟
رئيس الفريق بحزن فيه إحساس متعاظم بالندم:
يقولون لقوه واعي.. بس الظاهر عنده إصابة خطيرة
ألم حاد اجتاح روحي فارس وراكان كطوفان مرارة هادر.. ودعوات عميقة تتصاعد في قلب كل منهما أن يكون الأمر بسيطا
أو على أسوأ الاحوال قابل للعلاج.. حتى وإن طالت فترة المعالجة هذه..
لم تستغرق الرحلة عشر دقائق ولكنها بدت عشر سنوات لكل منهما
حرقة وألما ولهفة وقلقا
نزلت الحوامتين العسكرية والطبية معا
والعشرات ينزلون من كل طوافة في مكان صحراوي جبلي كان يتجمهر به الكثير من لابسي لباس الصاعقة الأردنية
الذين لم يحركوه من مكانه خوفا من أي مضاعفات صحية..انتظارا لحضور المساعدة الطبية
راكان وفارس بجسديهما الفارعين استطاعا اختراق الحشود المتجمهرة
حتى وصلا إلى ناصر
كان كل منهما يمني نفسه أن مابه شيئا بسيطا يستطيع ناصر بصلابته وقوة بنيته تجاوزه
ولكن رؤيتهما لوضع ناصر حطمت هذه الآمال بقسوة سادية
وبعثت قشعريرة متوحشة في خلايا كل منهما
كانت ملابسه ممزقة وبه إصابات مختلفة في نواحي جسده
ولكن كل هذا لا يهم.. لا يهم أمام إصابة ساقه اليسار
تمزق اللحم تماما والعظم محطم ومفتت من عدة نواحي ومابقي من الجلد حولها مزرق تماما
كان ناصر يفتح عينا ويغلق الأخرى.. والألم لا يمكن احتماله
لكنه حين رأى راكان وفارس بوجيهما المرتاعين المأساويين
ابتسم ابتسامة باهتة وهو يقول: عريس جديد وخاطب جديد وش جابهم..
الله يهداكم مافيني شيء.. جايين عانين من الدوحة
الشباب يكفون ويوفون
فارس وراكان لم يستطيعا التكلم بشيء والكلمات تصبح باهتة وتافهة وحقيرة
وأي مواساة أو تشجيع يتسربلان بالضآلة أمام عظم الموقف
ابتعدا مجبرين بصدمتهما الهائلة في وجعها وألمها
والمسعفون يبعدونهما ليبدأوا بإعداد ناصر لنقله
***********************
عمّان/ الأردن
مدينة الحسين الطبية
الساعة 3 عصرا
ناصر في غرفة العمليات
فارس وراكان وفريق ناصر بجميع أفراده كلهم ينتظرون في الخارج
خرج الطبيب وهو يسأل إن كان يوجد أحد من أقاربه
قفز راكان وفارس بقلق
وتوجه الطبيب لهما وهو يقول بهدوء: اتبعوني
الطبيب أخذهما لمكتب قريب ودخل وأغلق الباب وطلب منهما الجلوس
توتر راكان وفارس تصاعد للذروة
الطبيب أنزل كمامه وهو يقول بنبرة مهنية تماما:
أنا حابب أحطكم بالصورة
المصاب خليتو وراي صاحي و أعطى موافقته النهائية
راكان بهدوء متوتر: موافقته على ويش؟؟
الدكتور بهدوء: بتر الساق Transtibial
منذ أن دخل راكان وفارس لمكتب الدكتور وهما يعلمان أن وراءه خبرا مفجعا
ولكن ليس هذا الخبر.. ليس هذا!!!
لـــيــــس هــــــــذا!!!!
لـــــــــــيـــــــس هـــــــــــــــذا؟؟!!!!
كان الاثنان كما لو كانا يقفان بصدريهما العاريين في مواجهة إعصار قادم
يعلمان أن الإعصار قد يقذفهما بعيدا
قد يحملهما ويلقيهما أرضا بكل قسوة
ولكنه لم يخطر ببالهما أن يكون الإعصار محملا بشهبا نارية تخترقهما بكل وحشية
وخبر البتر ينزل على رأسيهما ليخترق الجلد والعظم ثم يذيب اللحم
فارس قفز وهو يقول بحدة وغضب موجعين: مستحيل مستحيل
راكان أشار بيده لفارس أجلس وهو يقول للدكتور وهو يبتلع ريقه وألمه ووجعه وصدمته: مافيه حل ثاني؟؟
الدكتور بنبرة هادئة منطقية: هذا الحل الوحيد وللعلم المصاب وراي هادئ تماما ومتقبل العملية
ولعلمكم أنتو مكان البتر الآن مثالي تماما لأنه في منتصف الساق وأقرب للكاحل
لو تُرك قد تتصاعد الغرغرينا أكثر .. ومادام البتر لم يصل للركبة فالبتر بسيط
أعرف أنو صعب عليكم تقبل الأمر وأنا أقول كلمة بسيط
لأنو ثقافتنا القاصرة ووعينا المحدود تصور أنو فاقد أحد الأطراف بمثابة المعاق
وخصوصا إنو الأخ ناصر بطل سباقات خيل.. لكن أنا أأكد لكم وبمهنية كاملة
وأنا أصلا تخصصي الدقيق في الأطراف الصناعية
أنه ناصر بعد أسبوع واحد من تعوده على الساق الصناعية يستطيع العودة لركوب الخيل بنفس المهارة إن شاء الله... وخصوصا أنه أيمن وليس أيسر
بل يستطيع إن أراد أنو يغير لرياضة أصعب كالسباحة أو حتى تسلق الجبال
ومستحيل حدا لو شافه يمشي أو حتى يركض يعرف إنو عنده ساق صناعية
فارس وراكان صامتان.. فهناك ألم مر متوحش يتصاعد في أرواحهما.. ولكنها روح آل مشعل المقاتلة..
يعلمان تماما أن ناصر يستطيع تجاوز كل هذا ..وإذا كان هو يستطيع فليحاولا هما رغم صعوبة المحاولة..
الدكتور يستكمل حديثه: الأطراف الصناعية الآن تعيش ثورة تطور حقيقية
فالأطراف تصنع من الجبس البلاستيكي المعالج بالألياف البلورية، خفيف جدا ومرن وقادر على التحمل
واحنا هلا بناخذ قياس ساق الأخ ناصر وبنبعثها بالإيميل لأفضل معمل لصنع الأطراف الصناعية اللي بيصنع الأطراف للاعبين الرياضيين
وخلال ثلاثة أيام بتكون واصلة.. وبعد التئام الجراحة يقدر يبدأ يستخدمها
وفيه تعليمات محددة بدي قولها لكم في وقتها
ثم ابتسم الدكتور وهو ينظر لوجهي راكان وفارس المرتاعة:
يا أخوان أكيد أنكم بتعرفوا خالد حسن السباح المصري المعروف
هذا حالته نفس حالة ناصر بتر في الساق اليسرى... بساقه الصناعية عمل إنجاز عالمي ولا قدر عليه حتى أصح الأصحاء
عبر بحر المانش الواصل بين فرنسا وبريطانيا 52 كيلو سباحة في 12 ساعة... تخيلوا معي هذا الانجاز المعجز...
وما بعرف لو كنتو بتعرفو إيمي مولي.. هذي بطلة جري أمريكية.. سيقانها الاثنتين صناعية..
لا وكانت تشتغل عارضة أزياء كمان.. تخيلوا.. بطلة جري وعارضة أزياء برجلين صناعية..
ريان مارتن كان من أفضل لاعبي التنس في العالم وهو بأطراف صناعية..
هادي مجرد نماذج.. ولو بدي أحكي أكتر بأتعب... أنا شايف أنو الاخ ناصر ماشاء الله عليه كثير متقبل..
عنده إيمان وعزم وتصميم.. فلازم أنتو كمان تساعدوه.. هاه شو بتقولو؟؟
فارس صمت وهو يخفض عينيه للأسفل.. فمازال غير قادر على التخيل
عاجز عن تخيل رؤية ناصر بعد العملية بدون ساقه
أي ألم هذا؟!!
أي ألم؟؟
أ يعقل أن هناك ألم كهذا؟!!
راكان بحزم: دام ناصر موافق... توكل على الله
وناصر رجّال طول عمره... وعمر المرجلة ماكانت في يد وإلا رجل
مرجلة الرجّال في رأسه... وأنا أشهد إن أبو محمد رجّال
************************
بعد صلاة العصر
مجلس آل مشعل
مشعل ومشعل أصبح عندهما خبر بما حدث لناصر
وبأن ساقه ستبتر
وأصبحت المهمة الصعبة إبلاغ والديهما
والمهمة الأكثر صعوبة في إبلاغ أم ناصر وشقيقاته وزوجته
كان مشعل بن محمد من اضطلع بالمهمة العسيرة ولكنه قرر أن يقوم بتمهيد مبدئي وألا يخبرهما بخبر البتر بشكل صادم
تنهد بعمق ثم قال: يبه.. يبه عبدالله
عندي شي بأقوله لكم
محمد ألتفت له بهدوء: عسى ماشر؟؟
مشعل بهدوء رغم ألمه العميق: ناصر انصاب في السباق اللي في الأردن
وإن شاء الله إنها بسيطة
عبدالله برعب: وشو؟؟
محمد بذات الهدوء: أشلون بسيطة؟؟ كسر وإلا جروح وإلا أشلون؟؟
مشعل ابتلع ريقه ليقول بذات هدوء الده وطريقته في الكلام: إذا جاء إن شاء الله شفت بروحك
محمد وقف بحدة وهو يقول بغضب: إذا جا؟؟ والله إن وراك علم يا مشيعل
قم روح احجز لي الحين للأردن أول طيارة بتطلع.. أبي أروح الليلة
مشعل بألم: يبه الله يهداك.. أنا أصلا بأروح مافيه داعي تروح... راكان وفارس هناك من فجر
وبأروح أنا ومشعل
عبدالله كان من رد بغضب مضاعف: يعني راكان وفارس هناك من فجر.. وتبي تقول لنا إنها بسيطة
احجز لي مع أبيك الليلة
مشعل بن عبدالله كان من رد على والده وهو يقول بعمق: يبه
مايصير كلنا نروح.. ونخلي البيوت فاضية
عبدالله بغضب: انطق أنت وسميك.. وأنا ومحمد بنروح
بتحجزون لنا.. وإلا أنا بأروح أحجز لنا بروحي ذا الحين
مشعل ومشعل وجدا أنهما الخاسران في هذا الجدال
وأنهما مضطران للبقاء رغم النار التي تستعر في جوف كل منهما
ووجدا أنهما مضطران للانتقال للمرحلة الثانية الأصعب
مشعل بن محمد يبلغ والدته وشقيقتيه
ومشعل بن عبدالله يبلغ مشاعل
مشعل بن محمد باحترام: خلاص ولا يهمكم باروح أحجز لكم
بس خلني أروح لأمي أول وعقب بأطلع السفريات
وتوجها كلاهما لداخل بيت محمد بن مشعل
مشعل بن محمد لداخل البيت
ومشعل بن عبدالله لقسم أخته
**************************
بيت محمد بن مشعل
الصالة الرئيسية
مشعل اتصل بالعنود وطلب منها الحضور
فليس لديه استعداد لتقبل صدماتهن متفرقة
وهاهن الثلاث ينتظرنه وهن قلقات متوجسات من طلبه لهن بهذه الطريقة
العنود تهمس لمريم: مشعل ماقال لش وش يبي؟؟
مريم بذات الهمس: لا والله.. يا الله سترك أنا قلبي ناغزني من البارحة
أمي أشلونها؟؟
العنود تهمس: وجهها معتفس.. يالله سترك
وهما في حوارهما دخل مشعل يحاول التجلد.. أكثر من يهمه والدته
عاجز عن صدمها.. يتمنى لو كان بإمكانه حمل الحزن.. كل الحزن عن قلبها
هو قادر على تحمل الحزن.. ولكن هي أم.. قلبها قلب أم
وآه من قلب الأم!! وألف آه !!
مشعل سلّم ثم جلس جوار أمه .. احتضن يدها وقبلها طويلا
ثم أبقاها بين يديه وهمس بإيمان عميق: يمه.. صح المؤمن مبتلى؟؟
أم مشعل منذ طلب مشعل أن يراها وهي وبناتها وهي تشعر بتوجس مريع
والآن بعد جملته المموهة بدأ رأسها يدور ويدور وقلبها بدأ تمزق حقيقي يحرث خلاياه طولا وعرضا
نزفت كلماتها الموجعة:
من هو منهم؟؟
راكان وإلا ناصر؟؟؟
ثم صمتت للحظة وهمست بألم أكبر: حي يرجى وإلاَّ ميت يبكى؟؟
مشعل باستنكار رقيق: إلا إن شاء الله حي.. حي.. والثنين جايينا قريب ومافيهم إلا العافية
بس ناصر فيه عوار.. بسيطن إن شاء الله
أم مشعل بألم متوحش ودموعها بدأت تسيل بصمت لتغرق برقعها: وجهك ما يقول بسيط يأمك
الحمدلله على كل حال.. لا سلم لي رأسه ما أبغي شيء...
ما أبغي إلا شوفت وجهه
مشعل بهدوء حذر: وإن شاء الله إنش بتشوفين وجهه
وأي شيء ثاني هو ابتلاء من رب العالمين.. والمؤمن الصابر عند الله خير
العنود ومريم كانتا مفجوعتان تماما.. فهما كانتا متأكدتان أن ما بناصر أمرا جللا
وإلا ما كان مشعل جمعهن بهذه الطريقة.. والعنود تنقل لمريم أن وجهه يبدو عليه الكثير من الألم والأسى
ولكنهما صمتتا.. بما أن والدتهما تقبلت مبدئيا الخبر وتصبرت
فهما لا تريدان فجعها بالاستفسارات من مشعل أمامها
مشعل وقف.. حين وصل للباب نادى العنود
العنود باحترام مغلف بالحزن: لبيه فديتك
مشعل بهدوء: العنود دام فارس عند ناصر.. أبيش ترخصين من أم فارس
وتجين تقعدين عند أمي لين يرجعون الشباب من الأردن
العنود بصدمة: فارس عند ناصر؟؟
مشعل هز رأسه وخرج
وشعوران يتصاعدان في روح العنود
قلق مرعب على ناصر لأنها تعلم أن ذهاب فارس إليه بهذه الصورة المفاجئة ليس إلا لأن إصابته خطيرة
وغضب كاسح على فارس لأنه أخفى عليها سبب سفره الفعلي وإصابة ناصر
ولكنها عادت للجلوس بجوار والدتها
التي وقفت وقالت بجمود: أنا بأروح لحجرتي
ما أبي حد منكم يجيني
العنود برجاء: بس يمه....
لم تسمح لها أم مشعل بإكمال جملتها وهي تنسحب.. تنسحب لتهرب بأحزانها
لتدعو ربها ألا يفجعها.. ويعيده لها ولأحضانها
قد يقولون عندها ثلاثة أبناء.. لو مهما حدث لواحد
تبقى اثنان يعوضانها الوجع والألم
ويا جهل من يقول ذلك!! يا جهله!!
قد يكونون عشرة.. وكأنهم واحد
كل واحد منهم لفراقه ألم يمزق نياط القلب
ولألمه وجعا لا يشعر به أحدا مثلها
ولوجعه في روحها امتدادات السماء ورحابة الأرض
***************************
ذات الوقت
بيت ناصر
بيت الزوجية الـمُفترض
مشعل يصل لمشاعل
مشاعل لم تغادر بيتها مطلقا منذ مجيء مشعل لها صباحا
وهاهو يعود لها بعد ساعات
فأي خبر جديد يحمل؟؟
بل أي خبر مفجع؟؟
كان وجهها متورما من البكاء.. وعيناها ذابلتان
منذ غادرها مشعل وهي تبكي
مشعل جلس جوارها واحتضنها
عادت للبكاء على صدره.. بكاء خافتا موجعا ..مشعل احتضنها وهو يقول بحنان: مشاعل يا قلبي أنتي إنسانة مؤمنة ومصلية
واللي تسوينه في روحش غلط...ليش ذا البكاء كله؟؟؟
مشاعل همست بألم ورأسها مختبئ في صدر شقيقها:
تكفى مشعل قل لي أنه حي بس..
ما أبي شيء ثاني.. والله ما أبي شيء ثاني
تكفى لا تفجعني
مشعل بنبرة خاصة مشبعة بالحزن: أكيد إنش ما تبين شيء ثاني وحياته تكفيش؟؟
مشاعل رفعت رأسها وهي تقول بثقة رقيقة:
والله ما أبي شيء.. أبيه حي وبس
مشعل ابتسم ابتسامة باهتة: وهو إن شاء الله حي.. وجعل عمره طويل
مشاعل ابتسمت وهي تمسح دموعها بطريقة طفولية وتقول بفرح مؤلم:
صدق؟؟ صدق؟؟
مشعل أمسك يدها وهو يقول بحزم رقيق: بس أنتي ماسمعتي باقي كلامي
أنا باقول لش شيء أبيه بيننا
وما أبيش تقولينه لأحد... وأنا اقوله لش.. عشان أدري إن الموضوع بيوجعش
و أبيش تأقلمين مع الفكرة لين يجي ناصر
وما أبيش تفشلينا في ناصر.. ناصر رجّال وطول عمره رجّال
واللي بيصير له ما ينقص من مرجلته.. لكنه يزيدها
لأن المحن والاختبارات هي اللي تحك الرجّال.. وتظهر عزمه
وأنا أشهد إنه رجّال.. موقفه يحتاج شجاعة أنا أشهد إن غيره عاجز عنها
لكنه تقبلها واحتسب أجره عند رب العالمين
مشاعل قاطعت سيل كلام مشعل وهي تهمس بحزم غريب عليها وعلى شخصيتها:
مشعل ليش ذا المقدمات كلها؟؟
وش اللي صار لناصر؟؟... صار عاجز؟؟ مقعد؟؟
أنا قلت لك أبيه حي
أي شيء ثاني ما يهمني
مشعل بحزن عميق: ولا حتى بتر ساقه؟؟
مشاعل شهقت بعمق وبرعب صميميين
والفكرة تتجسد أمامها بأكثر صورها بشاعة وألما
ولكنها حاولت التماسك وهي تهمس.. ودموعها تسيل بصمت موجع:
ولا حتى بتر ساقه.. الحمدلله على سلامة رأسه..
اللهم لك ألف حمد وشكر
*********************
مدينة الحسين الطبية
عمّان/ الأردن
ذات اليوم ليلا
غرفة ناصر
عبدالله ومحمد وصلا من الدوحة وطلبا من سيارة الأجرة أن تأخذهما للمستشفى فورا
وهاهم أربعة من عمالقة آل مشعل يجلسون في انتظار إفاقة العملاق الخامس من أثار التخدير..
محمد كان أقربهم لسريره.. وهو يلصق مقعده بقرب رأس ناصر.. بداخله ألم لا حدود له
فمهما كبر ناصر وطال.. فهو يبقى في نظره ابنه الصغير
هاهي عيناه تجولان بكل الوجع بوجهه المليء بالخدوش واللصقات الصغيرة
بيديه الملفوفتان بالشاش.. فهو كان يحاول تخليص ساقه من الركاب
ورفع جسده عن الأرض حتى لا يتمزق ظهره وثيندر يسحبه
لذا احتملت يداه الكثير من الألم
(أي ألم تحملت يا بني؟!!
أي ألم؟!!
ليتني استطعت أن أحمل بعضا من ألمك
ليتني أنا من بُترت ساقه
أنا شيخ عجوز.. عشت حياتي طولا وعرضا
ماعاد لي بهذه الحياة حاجة
ولكن أنت للتو تتذوق هذه الحياة
للتو تفتح لك أبوابها!!
ماكان همني والله أن أهبك ساقاي ويداي جميعها وتبقى ساقك لك
إلهي لا تؤاخذني
ليس اعتراضا على حكمك.. اللهم لك الحمد والشكر على كل حال
ولكني أب مفجوع.. أفرغ بعضا من حزني وألمي وفجيعتي
فلا تؤاخذني بحديثي مع نفسي
لا تؤاخذني على وجعي وبثي)
عبدالله وراكان وفارس يجلسان على ثلاثة كراسي متجاورة قريبا من محمد
وعبدالله يستفسر منهما كيف حدث ماحدث؟؟
ومتى وصلا؟؟ ومتى وجدا ناصر؟؟
بعد دقائق.. حشرجة خافتة صدرت من ناصر
الأربعة كلهم وقفوا معا وهو يحيطون بسرير ناصر
محمد بحنان مصفى مختلط بنبرته الحازمة الطبيعية: الحمدلله على سلامتك يأبيك
تبي شي؟؟؟
ناصر بصوت متقطع ناتج عن جفاف ريقه: ماي..
فارس يمد يده لزجاجة ماء ويفتحها
وراكان يهمس له: لا تسقيه واجد.. بِل ريقه بس..
فارس يدخل يده تحت كتفي ناصر ويقعده ويسقيه القليل
ناصر يهمس: بعد أبي ماي..
راكان همس له بأخوية: بعد شوي.. مايصير تشرب ماي ورا بعض
ناصر عاد لإغلاق عينيه وهو يغيب عن الوعي مرة أخرى
محمد بقلق: وش فيه رجع يرقد؟؟
راكان باحترام: يبه لا تحاتي.. من تاثير البنج.. بعد شوي بنصحيه ونسقيه
*****************************
القاهرة
حوالي الساعة العاشرة مساء
باكينام تعود للبيت
ومعها جدتاها صفية وفيكتوريا
يدخلن جميعا وضحكاتهن تتعالى
صفية بمرح: أمّا أنتي بت باكينام أنا مبسوطة منك كتير
عرق تركي عندك تمام.. كنتي هتعملي الواد كفتة
باكينام تضحك: عرق تركي ثم تكمل بالانجليزية: وعرق إيرلندي
كيف يجرؤ ذلك التافه أن يعاكس أجمل أميرتين تركية وإيرلندية وهما في ضيافة مصرية
ثم قالت بالعربية: أكيد كان بيعاكسك يا أنّا.. أنتي أحلى وحدة فينا
الحوار كان يدور عند المدخل دون أن تنتبهن إن كان أحد موجودا
أنا صفية تضحك: خشى في عبي زي ما بتئولوا يا مصريين.. ئال يعاكسني ئال
الواد كان بائي يعيط عاوزك تاخدي نمرته وأنتي نازلة فيه شتيمة وهو لا همو
فين واد يوسف عنو؟؟
(يوسف ئاعد هنا بيستناكم)
صوت عميق ممتلئ بغضب مكتوم
كان يوسف يجلس في الصالة المفتوحة على المدخل مع سوزان
باديا على محياه غضب كبير يحاول كتمانه
باكينام شعرت بتوتر غير مفهوم
فهي أغلقت هاتفها بعد أن أتصل بها يوسف أكثر من مرة ولكنها لم ترد عليه
ولكن هذا لم يمنعها من الوقوف بثقة وهي ترسل له نظرات تحدي
سوزان نهضت وهمست بكلمة في أذن والدتها ثم في أذن حماتها
وسحبت الاثنتين معها
فهي تعلم أن يوسف غاضب لإغلاق باكينام هاتفها
وتعلم أنه لابد سيعاتبها.. لذا تريد تركهما لوحدهما
يوسف مازال جالسا
وباكينام مازالت واقفة بين المدخل والصالة
تحركت بإتجاه الدرج وهي تقول ليوسف بثقة:
تصبح على خير أستاذ يوسف
سلّم على تانت منال
(باكينام ..تعالي هنا)
وصلها صوته واثقا غاضبا لينشر قشعريرة باردة في كل خلاياها
ولكنها لم تتوقف وهي تصل للدرج لتتفاجأ بيد قوية تمسك عضدها
وتوقفها وتلفها لتجد نفسها وجها لوجه أمامه
باكينام من بين أسنانها: سيب إيدي يوسف
أفلت عضدها ولكنه أمسك بذارعها بقوة وهو يشدها ويثبت ذراعها على صدره وهو يعتصرها بقوة ويقول بغضب:
ئافلة تلفونك ليه؟؟ وأزاي تخرجي بدون ازني؟؟
وليه لما فيه حد ضايقكم ما اتصلتيش ليا؟؟
باكينام بألم: يوسف سيب إيدي.. هتكسرها
يوسف أفلت يدها وباكينام تنفض يدها وتمسك المكان الذي ألمها بالفعل من اعتصاره لذراعها وهي تقول بسخرية:
أنا عاوزة أعرف أستاز جامعة إيه اللي بيتعامل بالأسلوب الهمجي ده؟؟
سبت إيه للجهلة اللي عايشين في القرون الوسطى؟؟
يوسف بذات سخريتها: كل واحد يتعامل زي مايفهم
أنتي وحدة ما ينفعش معاكي الزوء... لازم الواحد يكون عنيف معاكي عشان تفهمي
باكينام بغضب: أنا مش حيوان عشان تعاملني بالعنف أو غيرو
ثم تنهدت وهي تقول: وعلى العموم.. الحكاية النكتة دي طالت أوي
ولازم ننهيها... على الأقل يوسف احترم أنو فيه صحوبية بين أهلنا
بلاش نستمر في المهزلة دي أكتر من كده
وخصوصا إنك مصدء الحكاية... وعامل فيها سيد السيد
رايحة فين وجايه منين؟؟
طلئني يا يوسف.. متجبرنيش أعمل فضيحة..
يوسف يبتسم بسخرية: فضيحة من أي نوع؟؟
باكينام بتحدي: هأخلعك
يوسف ضحك ضحكة مصطنعة: زريفة أوي يا بت
ثم أكمل بتحدي: لو أنتي ئدها اعمليها.. ليه لأ.. خلينا نتسلى شوي
ونضيع دراستنا علينا وخصوصا أنه لازم ننزل واشنطن بعد تلات أسابيع
لكن بدل ما نكون في واشنطن ندرس
نكون هنا بين المحاكم... والمحاكم حبالها طويلة... وأنا ما يهمنيش بدل السنة أتنين..
ومن ناحية تانية الراجل متهموش الفضيحة.. لكن بنت الدبلوماسي ابن العمدة... ياحرام
هيئولوا عليها إيه؟؟... اتجوزته عرفي في واشنطن..وخلعته لما اتجوزتو رسمي!!!!
باكينام شعرت بألم حاد.. فهو يعرف تماما كيف يمسكها من يدها اللي تؤلمها
ولكنها قالت بهدوء: يوسف أنا عارفة أنك مش طايئني.. والجوازة كلها مش على بالك..
عاوز مني إيه؟؟.. سيبني.. أنا مستحيل أرجع واشنطن وأنا على زمتك
أنت تسليت كفاية... خلاص سيبني..
يوسف بنبرة غامضة وهو يبتعد باتجاه الباب: آه تسليت كفاية صح؟؟
عمو طه راجع بكرة بالليل
خليه يحكي لك حكاية هتعجبك أوي
كان يوسف يصل الباب ويفتحه وباكينام تقول بصوت واثق:
لو ايه ما ئال بابا مش هيغير رأيي
يوسف يغلق الباب وهو يقول لها بتحدي واثق: هتشوفي
************************
ذات الليلة
في وقت متأخر
الدوحة
غرفة مشاعل /// و............. ناصر
مشاعل تشعر أنها توشك على الانهيار من التعب
فهي تقريبا لم تنم من قبل ليلة زفافها للآن
ولكنها عاجزة عن النوم والأرق يحيط بأجفانها
والأسى يخنق روحها
شقيقاتها وبنات عمها وعمتها عرفوا بخبر إصابة ناصر
لكنهن لم يعرفن بعد نوع الإصابة.. هي وحدها تعرف
وكم ألمتها هذه المعرفة!!
ذبحتها ونسفت روحها أشلاء متناثرة
جميعهن اتصلن بها.. يريدن زيارتها
لكنها لأول مرة في حياتها تكون غير مهذبة
وترفض أن يزورها أحد
كانت تريد أن تختلي بنفسها
وبـــ
ذكرى ناصر
أي ألم حاد تشعر به!!
هل هو الإحساس بالذنب؟؟!!
بمدى قسوة الحياة؟!!
منذ خروج مشعل من عندها وهي تدور بين الغرف
تشعر بوجود ناصر في كل مكان
قد لا يكون ناصر سكن هنا فعليا
ولكن وجوده في كل زاوية طاغ.. طاغ جدا
فتحت كل شيء.. وفتشت في كل شيء
ملابسه.. أوراقه.. صوره
كانت تعيد إكتشافه من جديد
تكتشف ناصر كما هو
كرجل حقيقي له شخصيته المستقلة
ليس ظلا لمشعل.. ولا مسخا مستنسخا من حمد
كان لديه الكثير من ألبومات الصور
حملتها جميعها وضعتها على السرير
وغرقت بينها!!
صوره في البطولات.. في التدريبات.. في الرحلات البرية..
في المؤتمرات.. في السفرات.. في دول عديدة
كان مبتسما في كل الصور
(إبتسامته رائعة وشفافة
هل سأرى إبتسامته مرة أخرى؟!
أدفع حياتي كلها ثمنا لإبتسامته
كم قسوت عليه!!
وكم قست الحياة عليه!!
أ هذا عقابه في الدنيا؟؟ أن يبتليه ربي بي..لأكون عليه مصدر شؤم؟!
أستغفر الله.. أستغفر الله
متعبة أنا يارب.. متعبة.. متعبة
كيف أستطيع مواجهته إذا عاد..؟؟ كيف أضع عيني في عينه..وأنا مثقلة بأغلال هذا الذنب..
سيرفضني.. أعلم أنه سيفعل
سيرفضني كما رفضته.. عنيد آخر من آل مشعل
لكن رفضه سينحرني.. سينحرني)
مثقلة هذه الصبية بالحزن.. حزن عميق وشفاف وموجع كعمقها وشفافيتها ووجعها
لا تعرف كيف تتصرف.. وخائفة.. خائفة
لطالما كتمت مخاوفها وألمها.. لم تسمح لأحد بكسر صدفتها
اقتحام روحها .. مشاركتها أفكارها
ولكنها الآن تحتاج لمن يمسك بيدها.. يدلها
التقطت هاتفها وأرسلت منه رسالة لهاتفين
ذات الرسالة لجهتين مختلفتين..
ثم تناولت صورة مؤطرة لناصر كانت موضوعة بجانب السرير
واحتضنتها وتمددت
لتبكي
لا لتنام.....
**************************
اليوم التالي
بيت سعد بن فيصل
الصباح الباكر
أم فارس تجلس عند دلالها تنتظر نزول سعد
نزل سعد بلباسه العسكري وتاج مع نجمتين تلمع على كتفيه
قبل رأس أم فارس وجلس
بعد تحيات الصباح المعتادة سألها باهتمام: فارس كلمش؟؟
أم فارس بتأثر: اليوم مابعد.. والبارحة أنا وياك مكلمينه
سعد بتأثر عميق: الله يفك عوق ناصر.. والله إن ناصر نادر ومثله في الرياجيل شوي
أم فارس بحزن: توه حتى عرسه ما تهنى فيه..
سعد ينهي فنجانه على عجالة وينهض: يالله فديتش أترخص عندنا اليوم طابور عرض
أم فارس تتذكر: ترا سعد فيه شيء أبي أقوله لك وأنسى
سعد باحترام: أمريني فديتش
أم فارس بهدوء: الحين أنت عندك أبو صبري وصبيان هنود.. أنا إذا جيتك طردناهم للمجلس
بس بكرة مريم بتجي بيتك
يبي لها خدامات يا أختك.. فأنا أبيك تقدم على ثنتين من الحين عشان أعلمهم لين يجي وقت عرسك.. وأنت تدري الخدامات يبطون لين يجون ويتعلمون
سعد بهدوء: زين ذكرتيني.. بأقدم على ثنتين.. وترا يمكن أجيب أم صبري بعد
أفكر الحوطة اللي ورا البيت ابني لهم فيها ملحق
مرت ولدهم صبري مضيقة على العجوز.. وأبو صبري متضايق
وأنا أفكر أجيبها على الأقل تسولف مع مريم وتساعدها على العيال لو الله رزقنا عيال..
أم فارس: بكيفك فديتك.. المهم الحين قدم على الخدامات وأم صبري بكيفك أنت وأبو صبري
*********************
القاهرة
الساعة العاشرة صباحا
أمام مصحة نفسية غاية في الرقي.. في منطقة هادئة في ضواحي القاهرة
باكينام توقف سيارتها وتنزل
تشد جاكيتها الطويل على جسدها.. فالجو كان باردا بعض الشيء
تعدل وضع نظارتها الشمسية على عينيها وتدخل
كانت متوترة نوعا ما.. فهي لا تعرف من هي قادمة للسؤال عنه
ماذا لو كان مجنونا خطرا
ماذا لو عرف المجنون الأخطر المسمى (يوسف) بزيارتها هذه لرجل غريب؟!!
تنهدت وهي تتوجه للاستقبال وتسأل عنه
خرجت بها إحدى الممرضات للحديقة الخلفية وأشارت لشخص معين
كان يجلس في الشمس تماما
تقدمت بخطوات مترددة..
كان مستغرقا في قراءة كتاب
وغير منتبه لما حوله مطلقا.. مما أتاح لبيكنام أن تتفحصه جيدا لتطمئن قبل محادثته
استغربت..كيف يكون هذا مريضا؟!!
بدا لها مسالما جدا.. ووسيما جدا... ونظيفا جدا جدا
نظيفا بالمعنى الفعلي للنظافة..
مثلما ترى شخصا وتعلم أنه استحم للتو..
وبدا لها كما لو أن حمد استحم عشر مرات متتابعة.. فكانت تفوح منه رائحة صابون عطرة مركزة وقوية
اقتربت منه.. همست بهدوء: السلام عليكم
حمد رفع عينيه وهو ينزل نظارته الطبية ويضعها على الطاولة ويبتسم: وعليكم السلام
تشجعت باكينام وهي ترى رده اللطيف للسلام فابتسمت وهمست:
عندك استعداد تستئبل زوار..
ابتسم حمد وهو يقول بلباقة: إذا زوار حلوين كذا.. ماعندي مانع
ابتسمت باكينام.. كانت تعرف أنه لم يقصد بعبارته سوى أن يكون مجاملا
لكنها رفعت يدها اليسار لتريه الخاتم وهي تقول بمرح شفاف:
أنا ست متجوزة بلاش شغل الغزل ده
ابتسم حمد وهو يقول بمرح أكثر شفافية: وأنا ما أعتقد مطلقا
إنه صدر مني مشروع خطبة
باكينام باحترام: أنا باكينام الرشيدي
حمد بلباقة: تشرفنا باكينام.. أقدر أخدمش بشيء؟؟
ثم استدرك: تفضلي اجلسي.. ليش واقفة
باكينام جلست على كرسي خال وهي تكمل حديثها:
أنا صاحبت هيا بنت خالك سلطان
حمد يقطب حاجبيه: مهوب هذي اللي لقاها مشعل ولد خالي عبدالله في أمريكا وتزوجها؟!!
باكينام هوت رأسها إيجابا.. ثم حكت لحمد سبب زيارتها واتصال هيا باختصار
أجابها حمد بقلق: أنا ما أبي حد في الدوحة يعرف إني أعالج.. خصوصا أمي
باكينام بثقة مطمئنة: حط في بطنك بطيخة صيفي.. ولا يهمك... وعد أنو ما حدش يعرف
وتاكد إن هيا مستحيل تئول ولا حتى لجوزها... هي بس عاوزاك تكلم الست مامتك.. عشان هي مشتائة لك
حمد بحنين عميق: وأنا مشتاق لها... بس الاتصال لازم يتم بأذن الدكتور
وأحيانا الدكتور يأجله أو يقدمه حسب حالتي
بس اليوم بأقول له وبأحاول أكلمها
باكينام وقفت وهي تقول بأدب: وأنا خلاص مهمتي انتهت.. وأستاذن
حمد بخيبة أمل: منتي براجعة تزوريني؟!!
باكينام شعرت بالحزن من طريقته في السؤال.. بدا لها وحيدا وحزينا مشبعا بالوحشة والحنين
همست بمرح: هأزورك ئريب
حمد بابتسامة: تعالي المرة الجاية أنتي وزوجش.. خلني أتعرف عليه.. لازم
وعشان أنا ما أحس بالحرج.. ولا أنتي تنحرجين
أنا بس أبي حد أسولف معه.. ويكون عارف عن أخبار هلي في الدوحة
لازم المرة الجاية تجيبينه..
باكينام بتوتر: إن شاء الله
************************
الدوحة
ذات الوقت ولكن توقيت مختلف فرق ساعة
الساعة 11 صباحا
لطيفة اليوم كان أول يوم لها امتحاناتها
ولكن بالها لم يكن مع الاختبار.. لكن مع ظروفهم المعكوسة
وخصوصا أنه وصلها قبل الفجر رسالة من مشاعل
تطلب حضورها حينما تستطيع صباحا
وذات الرسالة وصلت موضي
لذا اتفقت الاثنتان على الذهاب معا
لطيفة تمر بموضي ثم الاثنتان تذهبان لبيت عمهما محمد
الاثنتان تعبران الباب الواصل بين بيت عبدالله ومحمد
(ترتيب بيوت آل مشعل للتذكر:
بيت مشعل بن محمد بجواره بيت عمه عبدالله ثم بيت محمد ثم بيت فارس ملاصق لبيت عمه محمد
بيوت الكبار في الصدر.. ثم بيوت الشباب على الأطراف)
موضي تهمس للطيفة: زين إنها رضت تخلينا نجيها
من يوم دريت وأنا أحاتيها.. أدق عليها مهي براضية تخليني أجيها
لطيفة بحزن: أنا جيتها البارحة ودقيت عليها.. مارضت تفتح لي
والله إني خفت عليها..
تصدقين بغيت أدعي مشعل يكسر الباب.. بس هي ردت علي
وقالت ماتبي تشوف حد..
تخيلي مشاعل تقول لي كذا!!!!
موضي بمساندة: نعنبو لايمها.. قلبها احترق..
الاثنتان وصلتا.. طرقتا الباب
بعد لحظات فُتح الباب..
ليصعقا بمنظر شقيقتهما.. إحمرار عينيها.. انتفاخ أجفانها بشكل مرعب
يبدو كما لو كانت شبحا يوشك على التداعي والانهيار
لطيفة برعب: بسم الله عليش مشاعل.. وش فيش؟؟ مريضة؟؟
مشاعل لم ترد عليهما.. تركتهما وعادت للداخل
خطوات ثقيلة مجهدة نقلتها
خطوات كروحها المثقلة وجسدها المجهد
موضي أغلقت الباب..
والاثنتان دخلتا خلفها..حتى وصلت لغرفة النوم وألقت بنفسها على السرير
لتدخل في موجة جديدة من البكاء العويلي
الاثنتان مصدومتان.. صامتتان...
كون ناصر مصاباً لا يستدعي هذا البكاء الجنائزي..
إلا إن كان......
الفكرة انتقلت لرأسي الاثنتين في نفس الوقت
هل يعقل أن ناصرا توفي؟؟!
صدمة متوحشة اكتسحتهما
ولطيفة تجلس جوارها من ناحية طرف السرير
وموضي تقفز لتركب معها على السرير وتجلس جوارها من الناحية الأخرى
لطيفة همست بحنان أمومي: ميشو يا قلبي.. وش فيش؟؟
مشاعل لم ترد على أسئلة أي منهما حتى تعبت من البكاء
حينها نهضت.. همست بصوت مبحوح:
ما أدري أقول الذنب ذنبكم وإلا ذنبي؟؟
موضي بحنان وهي تحتضن كفها وتمسدها بحنان:
وش ذنبه يا قلبي؟؟
مشاعل بصوت ميت مخنوق: ذنب ناصر
لطيفة اقتربت أكثر وهي تحتضن كتف مشاعل التي أراحت رأسها على كتف لطيفة وهي تفرك أنفها المتفجر احمرارا
وتهمس بصوت عاد للاختناق بعبراتها وكأنها تحدث روحها:
ليلة عرسي أنا ماشفت ناصر
أنا شفت حمد وهو يضرب موضي بكل وحشية
شفت مشعل وهو يستخدم لطيفة أداة لتفريغ رغباته دون اعتبار لمشاعرها
ما أقول إني أنا خجولة بزيادة وهذا كان له دور.. لكن حياتكم خربت حياتي
لطيفة وموضي توترتا بشدة.. لكن لطيفة همست:
ميشو حبيبي قولي لنا وش اللي صار ليلة عرسش؟؟
مشاعل حكت لهما كل شيء.. تعلم أنهما كتومتان.. وهي بحاجة لمساحة شاسعة للبوح علها تفتح أفقا ما.. حتى لو كان ضئيلا لروحها المتأزمة المخنوقة
موضي بغضب عاتب: أنتي مجنونة؟؟ فيه وحدة عاقلة تسوي اللي سويتيه؟؟
مشاعل بنبرة غريبة خليط من القسوة والحنان والألم واللامبالاة:
تدرين موضي أنتي بالذات مالش لسان..
ثم أكملت بنبرة تهكم مرة حزينة موجعة: موضي قولي لي.. ليش ما ترضين تبدلين ملابسش قدامنا
تصدقين أول مرة أدري إن البنت تصير تستحي من خواتها عقب ما تتزوج!!
موضي بحركة تلقائية غير مقصودة غطت مكانا ما بين كتفها وصدرها
كأنها تغطي حزنها ويأسها وألمها عن الأعين ووجع المواساة
وهي تتراجع للخلف
(عن أي مواساة تتحدثين عن موضي؟!!
تحتاجين إلى من يواسيكِ
تحيطين نفسكِ بقشرة رقيقة سرعان ما تنهار مع النقرة الأولى!!)
موضي صمتت وهي تبتلع ريقها وألمها ولكن لطيفة أكملت:
اسمعيني مشاعل.. صحيح أنا وموضي كان عندنا مشاكل في حياتنا
لكن أنا كل مشاكلي مع مشعل انحلت.. ومشعل ماعاد باقي إلا يحطني على رأسه من اهتمامه فيني
وموضي تطلقت وهذا هي بتاخذ راكان خيرة شباب آل مشعل
يعني إذا حن اللي عانينا سنين تجاوزنا مشاكلنا.. أنتي ما تقدرين؟!!
مشاعل انتفضت بعنف وهي تقول بألم مر: ناصر مستحيل يسامحني.. مستحيل
وخصوصا إنه فيه شيء صار له.. ما أقدر أقوله الحين
صدقيني مستحيل يسامحني.. أنا ماني بقادرة أسامح نفسي
لطيفة مسحت على نعومة شعر مشاعل وهي تهمس بحنان:
لو مهما صار ناصر قلبه طيب.. صدقيني بيسامحش.. ليه ما يسامح؟؟
أنتي حاولي تكسبينه.. ولازم أنتي اللي تكونين مستعدة للمبادرة لين الآخر
حتى لو رفضش مرة ومرتين وعشر.. لا تيأسين.. لحد ما تجيبين رأسه
ولو على الوسائل.. اسمعي مني.. واستعيني بتفكيرش..
ثم غمزت بعينها وهي تمسح دموع شقيقتها الصغرى بحنان:
إن كيدهن عظيم
************************
ذات اليوم عصرا
عمّان
غرفة ناصر
مازال ناصر لم يفق.. وتغذيته تتم عبر الوريد
قلق والده وعمه وشقيقه وابن عمه يتصاعد من عدم إفاقته..
وطلبوا مقابلة الطبيب.. الذي وعدهم بالحضور بعد أن ينهي عملا ما في يده
وهاهو يحضر وهو يرسم ابتسامة مهنية اعتاد على رسمها حتى أصبحت ترتسم بطريقة رتيبة تلقائية: بيقولوا أهل ناصر مشعل بدهم ياني.. أنا حاضر
كان محمد من تكلم وهو يقول بهدوء: ناصر ليش مافاق لذا الحين..
البارحة وعا شوي وطلب ماي وعقب رجع ينام
الطبيب بهدوء: أنا طالب من الممرضات يحقنونه بالمهدئات.. مابدي إياه يصحى هلا
راكان باستفسار: وممكن أعرف السبب..
الطبيب بمهنية: هم سبيين ومش واحد
الأول أني حابب إن ساق ناصر توصل.. مع أنو ماراح يقدر يستخدمها هلا
بس أنا حابب إنه يشوفها وقت ما يصحى.. عشان تكون تخفيف لوضعه وفي نفس الوقت شرح صريح لحالته
أما السبب الثاني فهو إنو من تعرض لبتر أحد أطرافه.. يتعرض لظاهرة اسمها ظاهرة فانتون..
الظاهرة هذي تعني إن المخ يظل يرسل إشارات لمكان البتر..كأن العضو لساته موجود ولازم يتحرك..
يعني اللي انبتر عنده عضو ما يحس إنه فقد عضو ويحتاج وقت للتأقلم جسديا وفكريا..
والأخ ناصر رغم الرضوض والخدوش إلا أنو صحته تمام الحمدلله
يعني ممكن لو وعي هلا ينزل عن السرير ويمشي.. وهالشيء أنا ما بدي إياه
أنا استعجلت في طلب الساق.. وممكن توصل بكرة.. وراح أعطيكم قياساتها
عشان لو حب يطلب مرة ثانية.. يقدر يطلب..
فارس بإهتمام: يعني بكرة ممكن يحس فينا؟؟
الدكتور بابتسامة: إذا وصلت الساق.. ماراح نعطيه مهدئات.. وبيوعى إن شاء الله
محمد برجاء هادئ: ومتى ممكن نرجع الدوحة ونرجعه معنا؟؟
الطبيب بلباقة: الخيار لكم عمي وللمريض.. لو عنده استعداد يستخدم العكازات
ممكن ترجعون بعد كم يوم..
وأنا بأتصل مع صديق لي في مستشفى حمد عندكم.. وهو ممكن يتابع الحالة
لأنه مايقدر يستخدم الساق الصناعية إلا لما تلتئم الجراحة تماما
ولأنه هذي مش جراحة بمعنى جراحة لكن هو كي لمكان البتر، فالإلتئام بيكون أسرع.. ممكن يستخدم الساق الصناعية بعد أسبوعين ثلاثة.. والخيار لكم
الجميع صمتوا ينتظرون قرار محمد الذي أجاب بهدوء:
الشور شور ناصر.. لكن أنا أعرف ولدي.. مهوب اللي يهاب شيء
الظن ظنتي راجعين الدوحة قريب
*********************
الدوحة مساء
بيت فارس..
العنود في البيت للسلام على أم فارس ورؤية إذا كانت تحتاج لشيء
وهاهي تستعد للمغادرة..
أم فارس بحزن: سامحيني يا بنتي.. والله إن قدرش عندي كبير
ماقدرت أسوي عشاش وحن على ذا الحال.. الله يفك عوق ناصر
العنود بحزن مصفى: وش عشاه يمه؟؟ هذي أمي ماسوت عشاء مشاعل
وش عشياته وحن ماندري بحال ناصر..
أم فارس بمساندة: يأمش امتحاناتش قريب.. لازم تدرسين
إهمالش لدروسش لا يقدم ولا يؤخر
العنود بهمس: الله يجيب اللي فيه خير..
ثم أردفت بخجل: يمه أنتي أكيد منتي بمتضايقة إني أمسي عند أمي؟؟
أم فارس باستنكار: لا والله وحشا.. أم مشعل ذا الحين في حاجتش
وأمش أبدى من خلق الله
وعلى كل حال أنا البارحة أمسيت في بيت سعد..
وهو بعد شوي بيمر يأخذني.. أتسلى معه ومع عياله
العنود تنزل جلالها على وجهها استعدادا للخروج
لكنها استدركت وهي عند الباب بسؤال مؤلم:
يمه فارس كلمش؟؟
أم فارس بتلقائية: توه كلمني قبل تدخلين..
العنود شعرت بألم شفاف يغزو روحها.. فهو لم يتصل بها منذ مغادرته
هل يعاقبها على ذنب لم ترتبكه؟!!
أم أن الجفاء وجفاف المشاعر سيكون شعارا إبديا لحياتهما معا؟!!
هي الآن غاضبة منه.. بل غاضبة جدا
حرمها من أبسط حقوقها.. حقها في المعرفة منه شخصيا!!
لِـمَ لم يخبرها بإصابة ناصر؟!!
لِـم فضل أن يهرب من أمامها وكأنها كائن فاقد للأهلية يعيش مهجورا على أطراف حياته؟!!
لا تستحق أن يأخذ من وقته الثمين لحظات ليخبرها.. يعلم جيدا ولعها بأشقائها
وتعلق روحها بهم..
ولكن لا يهم.. هي لا تهم.. هي لا تستحق..
( "لماذا تعلم.. ولماذا أخبرها؟؟
سياتي أحدهم يوما ويخبرها.. ولكن ليس أنا
ليس فارس العظيم المتجبر المتباعد"
أهكذا فكرت يا فارس؟!!
متعبة منك ومن غرورك وتجبرك وقسوتك
ليتك تتصل بي
ليتك تفعلها
أريد أن اصفعك بكل آلامي.. أريد أن أخنقك بها
حتى لو كنت لا تشعر
وحتى لو كانت تماثيل الحجارة لا تبالي ولا تحس حتى لو ألقيت عليها عشرات الحصيات الصغيرة
على الأقل سأفرغ أنا بعضا من غضبي بإلقاء الحجارة عليك
بما أنك لا تتألم.. لا تشعر.. لا تحس
اسمح لي أن أفرغ أنا بعضا من ألمي.. شعوري.. وأحاسيسي)
العنود كانت تفكر بكل هذا وهي تسير خارجة من بيتها إلى بيت والدها
وصلت وصعدت غرفتها واستحمت والأفكار تعصف بها
خرجت لرؤية والدتها المعتكفة في غرفتها
مازالت على حالها.. مكتئبة تتصبر.. تكثر من الصلاة وقراءة القرآن والدعاء له.. لناصر..
العنود عادت لغرفتها وصلت قيامها.. ثم قررت التمدد أخيرا.. هاجمتها أفكارها المؤلمة مجددا.. حاولت الهرب منها..
ولكن لا فكاك.. لا فكاك..
أفزعها رنين هاتفها..
التقطته
كان هو..
هو..
اسمه يتلألأ على الشاشة محدثا ضجيجا في قلبها بدقاته الطارقة بعنف على جدران قلبها..
خائفة منه.. وغاضبة عليه..
ردت بصوت هامس وكل تهديداتها بقذفه بحصى أحزانها تتبخر: هلا فارس
كما كل مرة.. وكما أول مرة
عاجز عن تفهم الثورة العاتية التي يحدثها صوتها في أوتار قلبه
أي كيمياء يحتويها هذا الصوت؟!! أي كيمياء؟!!
شرايينه تتهاوى.. قشعريرة باردة تجتاح جسده.. نار محرقة تذيب قلبه
يعدل جلسته على مقعده في لوبي الفندق
فهو هارب من غرفته المشتركة مع راكان حتى يحادثها
أي جنون بات يصيبه؟؟
لم يقضِ معها سوي صباحا واحدا.. بدا ذاك الصباح كما لو كان كل صباحاته
يأسره شوقه لبريق عينيها.. وابتسامتها العذبة الشقية
اليوم كاد أن يتهور ويحتضن راكان حين نهض من نومه صباحا
كاد يحتضن ذلك الحائط المسمى راكان لأنه يعلم أن جسده الضخم لابد احتوى يوما جسدها الغض بين أحضانه
الجسد الذي لم يسكن بين ذراعيه هو بعد..
كان يريد أن يشتم رائحتها التي تغلغت في روحه.. مازال ملمس خدها يغفو في كفه.. خصلات شعرها تلتف على أنامله
مشتاق لها.. مشتاق.. مشتاق لها قبل أن يتزوجا..
فكيف بعدما رأها أمامه أسطورة تتجسد تتحرك تتحدث.. تنفث سحرها الخلاب في كل شيء تمر به أو تلمسه؟!!
فارس رد بهدوء: هلا بش.. أنتي وين؟؟
العنود ابتلعت ريقها.. خائفة من ردة فعله.. فهي لم تستأذنه في العودة لبيت أهلها..ولكنها استأذنت والدته وأذنت لها..
همست بخفوت: في بيت هلي
فارس كان يعلم أنها في بيت أهلها.. والدته أخبرته أنها من أذنت لها بالذهاب حتى تبقى مع والدتها.. وهو فعليا ليس لديه أي مانع
ولكنها طباعه الغليظة السيئة وتحكمه الأرعن.. رد بهدوء: طيب مهوب المفروض تستأذنيني أول؟؟ وإلا أنا طوفة.. منتي بشايفتني رجّال؟؟
العنود كعادتها الذكية.. لا تجيب.. لكن تناور:
وأنت مهوب المفروض تقول لي وين مسافر وسبب سفرك؟؟ وإلا أنت شايفني كرسي وماني بمرتك وأخت ناصر؟؟
يالقوتها وشراستها المغلفة بالحرير!!
من أين تعلمت استراتيجية المناورة بهذه الطريقة؟!!
كيف تنقض وتلسع بنعومة..
ولكن هو لا يحتاج للمناورة.. فهو يستخدم المنجنيقات فورا
أقذف ولا تبالِ بالخسائر!!
همس لها بهدوء بارد: العنود ترا أمي اللي هي أمي.. عمرها ما سألتني وين رايح ومن وين جاي... أنا اللي أقول لها من كيفي..
وأنتي تعودي اللي أقوله تأخذينه... لا تراديني.. ولا تسألين..
رغم إحساسها الكبير بالألم لكنها أجابت بهدوء ناعم:
تدري فارس كان المفروض إنك كتبت في عقد زواجنا.. زواج من طرف واحد
يعني أنت وبس.. لأني أنا ماني بشريكة لك في ذا العقد دامك تبي تمشي حياتنا بذا الطريقة
فارس شعر بألمها يحز في روحه.. يعجز عن فهم سبب تصرفه معها بهذه الطريقة
رد عليها بهدوءه المعتاد: يعني أنتي زعلانة؟؟
العنود بتهكم رقيق: زعلانة؟؟ يعني إنك مهتم!!
ثم أردفت بحزن: تدري فارس.. خلنا على جنب... ناصر أشلونه؟؟
فارس ببرود مقصود: توش كلمتي أبيش وراكان أكيد قالوا لش..
العنود فهمت نغزته لكنها تجاوزتها وهي تقول بهدوء: أحب اسمع منك
فارس تنهد: بخير.. كلها كم يوم ونرجع للدوحة.. وذا الكلام أظني سمعتيه اليوم مرتين إذا مهوب أكثر
العنود بحزن ومرارة: زين دامك منت بطايقني.. ليش مكلف على روحك تتصل؟؟
فارس شعر بصدمة كاسحة تخترق روحه
(أنا ماني بطايقش؟؟ أنا؟؟
يعني بدل ما أوصل لها إحساس هيامي فيها
خليتها تحس إني ماني بطايقها
أي مخلوق غريب أنت يا فارس؟؟ أي مخلوق؟؟)
فارس تنهد: العنود ليش تقولين كذا؟؟
العنود ماعادت تحتمل كل هذا.. ماعادت تحتمل.. اختنقت بعبراتها وتريد أن تختلي بنفسها لتبكي
همست بصوتها المختنق: فارس تصبح على خير
فارس كاد يجن (وتبكي بعد؟؟ تكفين العنود كله ولا دموعش)
همس لها بأمر قوي: لا تسكرين
نبرة الأمر الحادة في صوته أنهت الباقي من تجلدها وهي تنخرط في نشيج خافت مؤلم وتلقي الهاتف جوارها
فارس جن فعلا وهو يسمع صوت نشيجها يخترق روحه كأسياخ محمية
كره نفسه ألف ألف مرة.. كره غروره وقسوته عليها في الوقت الذي كان يتمنى أن يشبعها حنانا وحبا وهياما وغراما
كان يعتصر هاتفه في كفه وهو يصر بين أسنانه: العنود.. العنود ردي علي
كان يود أن يصرخ عاليا.. عل صوته يصلها
ولكن مكان تواجده منعه وهو يشعر بالقهر وهو يسمع صوتها تبكي بهذه الطريقة الموجعة وهو لا يستطيع التصرف
مضت خمس دقائق والعنود الباكية نست هاتفها تماما
كانت الخمس دقائق الاسوأ في حياة فارس
شعر أنها خمس سنوات.. خمس قرون من الألم والقهر والحسرة
العنود تذكرت الهاتف المفتوح
التقطته رغم أنها كانت متأكدة أن فارس لابد أغلقه
لذا صُدمت أنه مازال على الخط ويناديها
ردت بصوت متعب: آسفة ماظنيت إنك على الخط ذا كله
فارس بنبرة حنان غير معتادة ولكنها تبدو لذيذة جدا بصوته:
تبين أسكر وأنا داري إنش تبكين؟!! مستحيل
انتفض قلب العنود بعنف.. عنف كاسح
وفارس يكمل بذات النبرة: أدري إني غريب واجد مهوب شوي
استحمليني شوي.. ولا تصيرين تاخذين كل كلمة أقولها بحساسية
صمتت العنود
فارس بهدوء: هاه العنود؟؟
العنود بصوتها المبحوح: يصير خير إن شاء الله
ابتسم فارس ..تمنى أن يقول لها لحظتها كم يحبها!! كم يعشقها!! كم يذوب بهواها!!
لكنه أكتفى عن كل هذا بأن قال لها بهدوء: زين تصبحين على خير
ولا تهملين دراستش
****************************
ذات الوقت
توقيت آخر
وبلد آخر
كانت باكينام في غرفتها تتمدد على سريرها استعدادا للنوم
والدها وصل من نيويورك قبل حوالي ساعتين.. جلست معه قليلا
ثم صعدت لغرفتها لتصلي قيامها وتنهي بعض أعمالها قبل النوم
قاطع رغبتها في النوم طرقات هادئة على الباب
عرفت أنها طرقات والدها
همست باحترام: تفضل بابا
دون أن تعلم أن سماحها بدخول صاحب الطرقات سيسلب كل أمانيها بالنوم
ليحيلها لمخلوق محطم مبعثر المشاعر
والدها دخل وهو يبتسم وهمس لها: ممكن خمس دئايئ من وئت حبيبت باباها
باكينام اعتدلت جالسة وهي تقول: ئول خمس ساعات.. تعالى أنته واحشني خالص
والدها جلس جوارها وهو يقول بهدوء: أخبارك أنتي ويوسف إيه؟؟
باكينام توترت لأقصى حد.. ذكر يوسف كفيل بضخ كل الأدرنالين في جسمها ليرتفع تحفزها للحد الأعلى
همست لوالدها بتصنع: تمام يابابا كلو تمام
والدها أمسك بيدها واحتضنها وهو يقول بحنان:
حبيبي باكي.. أنتي فاكرة أنو أنتي اللي وافئتي على يوسف
ووافئتي على خطبة وكتب كتاب في يوم واحد
باكينام ابتلعت ريقها وهزت رأسها بأسى (وكأني من وافقت باقتناعي؟!!)
والدها يكمل بنبرة منطقية: وأنتي عارفة إنك هترجعي واشنطن بعد تلات أسابيع
هزت رأسها
ووالدها يكمل: ويوسف كمان هيرجع
ابتلعت ريقها للمرة الألف.. لِـمَ تشعر أن ريقها جاف هكذا؟؟
هزت رأسها أيضا
والدها يكمل بهدوء رغم أنه بدأ يشعر بالحرج:
وأكيد باكي حبيبي أنتي شايفه أنو مش منطق أنو واحد ومراته ساكنين في بلد لوحديهم وكل واحد في مكان
شعرت باكينام بمطارق متوحشة تهرس قلبها.. ومطارق أكثر توحشا تهصر مخها
باكينام بحذر: بابا أنت عاوز تئول إيه؟؟
والدها بهدوء يلقي قنبلته: أنتي ويوسف لازم تعملو فرحكم ئبل سفركم لواشنطن
باكينام قفزت واقفة وهي تهتف باستنكار مر: مستحيل بابا.. مستحيل
والدها بغضب: إيه هو اللي مستحيل.. هو لعب عيال
عاوزة تتخطبي وما تتجوزيش.. هي دي أخلاء بنات الناس المتربيين
باكينام بضعف: بابا ربنا يخليك ما تزعلش مني
بس أنا ويوسف مش متفاهمين.. أنا عاوزاه يطلئني.. مش نتمم جوازنا
والدها بصدمة: طلاء إيه.. دا أنتي موعد فرحك اتحدد بعد حوالي تلات أسابيع بالزبط
في نفس يوم سفرك اللي أجلناه شوية عشان السبب ده
باكينام بصدمة أكبر.. صدمة نحرتها تماما: إيه؟؟ فرح؟؟ لا يا بابا.. لأ.. ربنا يخليك.. ما ترمنيش الرمية دي
والدها بغضب: رمية؟؟ يوسف عزت اللي ألف وحدة تتمناه رمية؟؟
حتى لو كان رمية.. أنتي اللي رميتي نفسك مش أنا
خطوبتك حصلت ئدام كبرات مصر.. وفرحك بطاقاته توزعت
وكلام عيال مش عاوز.. أنتي اللي تجوزتيه برضاكي وهتممي الجوزاة
لأنو لا أنا ولا طاهر حمل فضاي
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
تابع الجزء التاسع والستون
.
صباح اليوم التالي
الساعة 10 ونصف صباحا
القاهرة
باكينام لم تنم مطلقا تشعر بضيق عميق يكتم على روحها
تشعر أنها عاجزة عن التنفس فعلا
لِـمَ تعقدت حياتها بهذه الصورة؟!
كل ما حدث كان بسببه.. بسببه هو فقط
غطرسته.. وغروره وجنونه.... و..
روعته..
(روعته؟؟
عن أي روعة تتحدثين يا مجنونة؟!!
يوسف هذا يريد إلغاء شخصيتكِ
وضعكِ جواره كإطار صورة باهتة لا معنى لها ولا مضمون)
مشغولة بأفكارها وهي تخرج خارج المنزل
لا تريد أن ترى أحدا أو تسمع أحدا
تريد فقط أن تقود سيارتها على غير هدى
تمد يدها لفتح الباب
يد سمراء قوية تطبق على جليد أناملها
(رايحة فين بدري كده؟؟)
تنهدت بعمق وهي تنتزع يدها من يده: يوسف أنا مش طايئة روحي..اعتئني
أنا عارفة أنت جاي بدري كده ليه
عاوز تتأكد إنه كلو مخططاتك ماشية تمام..؟؟
ما تشيلش هم.. بابا وائف معاك
وأنته وسمعتو وكل حاجة أهم عنده من بنتو
يوسف يتنهد: أنتي بتئولي كده ليه؟؟
باكينام بحزن: عشان هي دي الحئيئة..
ودلوئتي اسمح لي استاذن
وئبل ما تسأل أنتي رايحة فين وهترجعي أمتى
هأئولك مش عارفة.. أنا مخنوئة وعاوزة أتنفس بعيد عن البيت
يوسف احترم ضيقها.. ابتعد عن طريقها وهو يهمس: ما تتأخريش
كان يتمنى أن ينسف كل تراكمات سوء التفاهم.. العنجهية الفارغة
يخبرها أي قصر عال بنت أبراجه في قلبه المتيم
ولكن برودها.. غرورها.. وتباعدها يهزم الدافع في روحه المقيدة
فهي لا تعطيه سببا للمحاولة رغم استعداده
وإن كانت تعطيه –من وجهة نظره- آلاف الأسباب للاستمرار في تجريحها والقسوة عليها
تركته وركبت سيارتها.. دون أن تنتبه أنه هو أيضا ركب سيارته
سارحة في أفكارها التي انتزعها منها رنين هاتفها
نظرت للاسم ورسمت مايشبه ابتسامة وهي ترد بصوت ساكن:
أهلا هيا
هيا بابتسامة: هلا يا بنت.. وين اختفيتي؟؟
باكينام بنفس النبرة الساكنة فهي لا تريد نقل مشاعرها لهيا: موجودة
هيا برجاء: دام موجودة.. تكفين شوفي لي حمد ليش ماكلم عمتي
قولي له عمتي تعبانة
باكينام تغير وجهة السيارة وهي تقرر فعليا التوجه للمصحة:
خلاص هأروح له دلوئتي
باكينام احتاجت فعلا لشيء آخر تشغل بالها فيه بعيدا عن مشاكلها
وموعد زواجها المقرر قريبا
لذا قررت التوجه لزيارة حمد في المصحة
في ذات الوقت في بلد آخر وتوقيت آخر
11 ونصف قبل الظهر
مشعل الخارج من الحمام يجفف يديه من ماء الوضوء استعدادا لصلاة الظهر
يسأل هيا: من تكلمين حبيبتي؟؟
هيا برقة: باكينام..
مشعل بهدوء: متى بترجع واشنطن؟؟
هيا بذات هدوءه: مثلنا بعد حوالي ثلاثة أسابيع..هي مددت أسبوع مثلنا
مشعل بغموض: الله يكتب اللي فيه الخير.. المهم نتطمن على ناصر أول
هيا باهتمام: الله يعقله
ثم أردفت بحرج: أدري حبيبي إن بالك مشغول مع ناصر
بس البعثات بعثوا لي إيميل مرة ثانية.. يبون أكمل أوراق ما أدري شنهي
مشعل بأسف: سامحيني ياقلبي.. وعد بس أتطمن على ناصر أروح لهم
وأكمل لهم كل اللي يبون
وناصر على كلام الشباب كلها كم يوم ويجي..
******************************
بعد حوالي نصف ساعة
باكينام تترجل من سيارتها أمام المصحة
تسأل عن حمد.. يخبرونها أنه في غرفته
فتطلب منهم مناداته للجلوس في بهو الزوار فهي يستحيل أن تتوجه لغرفته
تجلس باستقامة انتظارا لحضوره وتفكيرها يبدأ من يوسف لينتهي بيوسف.. يوسف ملك المتناقضات
(أي ريح طيبة ألقت بكِ إلينا)
ابتسمت باكينام وهي تسمع صوت حمد الهادئ بنبراته العميقة
جلس مقابلها وهي تنظر له وتشتم رائحة نظافته الغريبة تشيع في المكان
ربما لو لم تكن متيمة حتى أقصى عروقها بهذا اليوسف السخيف وتكابر
لكان حمد حرك شعورا ما في أعماقها
فيه شيء ساحر وعميق وغامض.. الغموض جنون المرأة
يبدو محاطا بهالة ما غريبة..
وسامته الهادئة المختلفة عن وسامة يوسف الخطرة
تحريكه الدائم لنظارته الطبية ودعكه لأنامله الذي يوحي بتوتر ما، يختلف عن حركات يوسف الواثقة دائما..
ولكنه توتر مثير يشدُّ الانتباه..
(أوف.. لماذا كل شيء يتدخل به يوسف؟؟
ولماذا لابد أن أعقد مقارنة بينه وبين كل رجل أراه؟؟
والمصيبة أنه هو من يكسب كل مقارنة بجدارة
أوف يوسف أوف.. لِـمَ أنت متسلط هكذا؟!!
حتى على تفكيري متسلط.. متسلط.. متسلط)
باكينام تبتسم له بهدوء: ليه ماكلمتش الست مامتك؟؟
حمد بضيق متألم: الدكتور مارضى.. يقول خلها شوي
باكينام شعرت بضيق عميق.. أن يحرم حتى من أبسط حقوقه.. حق التواصل مع أمه إلا بأذن طبي.. ماهذه الحياة!!
ابتسمت باكينام بتشجيع: ماعلش بس ياليت تحاول معاه شوية
حمد بألم: والله إني مشتاق لها.. والله العظيم مهوب هاين علي أخليها ذا كله بدون اتصال
ثم أردف بعمق: تدرين أنا أغلى ناس عندي في الدنيا أمي وموضـ...
بتر جملته بانفعال.. وتنفسه يضيق ويتسارع وهو ينفض رأسه وجبينه يقطب
باكينام شعرت بارتباكه وأن هناك شيئا غير طبيعي حدث
لذا قررت تحويل مسار المحادثة تماما وهي تهمس بحماس مفتعل:
فرحي بعد تلات أسابيع.. تئدر تحضر؟؟ هأكون مبسوطة أوي لو ئدرت
حمد هز رأسه عدة مرات وهو يحاول ضبط انفعاله ثم همس لها بأدب ولكن من بين أسنانه: يا ليت أقدر
صمتا للحظات.. قطع الصمت حمد وهو يقول بعمق: أنا آسف
ثم أردف بتهكم جارح: مريض نفسي وش تتوقعين منه؟؟
باكينام بمؤازرة: أول العلاج إنك تكون عارف إنك مريض
حمد بحاجة لبوح مختلف لشخص غير طبيبه همس بألم: المشكلة حالتي النفسية كل مالها تتحور لشكل جديد.. آخرها هوس مرضي بالنظافة
أحس على طول إني وسخ.. وأني مهما سبحت مستحيل أنظف
أحس دمها بين يدي.. وجلدها تحت أظافري.. هريت جسمي ويدي غسيل
وأظافري قطعتها من التقصيص لدرجة إنهم صاروا يخبون مقص الأظافر عني
باكينام برعب: دم.. جلد؟؟
حمد يهمس وكأنه يخاطب نفسه: لا تخافين مني.. ما ذبحت حد..
أو يمكن ذبحت..
ذبحت روحي..
باكينام بألم: حمد.. أنا أول مرة أشوف مريض نفسي يشرح حالته بالوضوح ده... وسدئني دا هو العلاج الفعلي..
حمد بوجع عميق: الله كريم..
ثم نفض رأسه وهو يغير الموضوع: تحبينه؟؟
انتفضت باكينام وهي تسأل برعب: أحب مين؟؟
حمد بابتسامة: يظهر حتى الأصحاء يعانون مشاكل نفسية...
باكينام بهمس: بأحبه.. بس هو غريب.. وفارض نفسو بطريئة غريبة
حتى موعد جوازنا حدده بدون ما يئول لي
جرحني.. جرحني أوي.. خلاني أرفض كل حاجة منو
غريب هذا البوح العميق الذي يجمع بين شحصين غريبين جمعتهما الصدف الأغرب
كونه لا يعرفك.. يتيح لك الانطلاق والسرد الموغل في الحميمية
حمد يرد عليها بعمق: صدقيني الله سبحانه وتعالى يكتب لنا دايم الأحسن
لكن احنا اللي نسيء التصرف
لا تسوين مثلي.. وتخربين حياتش بيدش
تدرين قبل أربع سنوات.. لما تزوجتها ما كنت مصدق..(تجنب ذكر اسمها)
حسيت إنه ربي يحبني صدق.. لأني كنت خايف إنه ولد عمها يوقف لي
استغربت أشلون خلاها... قلت هذا من رضى ربي علي الله كتبها لي..
لكن أنا ماعرفت أصون النعمة.. تبطرت عليها.. ودستها برجيلي
والحين النعمة راحت.. وأنا لو عشت حياتي كلها أتحسر ما كفتني 1000 حياة مع حياتي
عشان كذا.. لا تخربين على روحش وتعيشين بحسرتش طول عمرش
إذا تحبينه صدق.. موعد الزواج .. وفرضه لنفسه.. كلها شكليات
ممكن تجاوزونها مع بعض
المهم الحب والتوفيق..
باكينام خرجت من عند حمد.. وغمامة ثقيل تُزاح عن ناظريها
(كم هو رائع هذا الحمد!!
أين كنت منذ زمن!!
كم هي رائعة بسيطة وعميقة طريقتك في شرح الأمور!!)
********************
بعد صلاة العصر
عمّان
غرفة ناصر في مدينة الحسين الطبية
ساق ناصر وصلت اليوم صباحا
وتوقفوا منذ الصباح عن إعطاءه أية منومات
وهاهو يصحو من نومه الطويل.. همس بصوت مبحوح: ريقي ناشف
الأربعة أحاطوا به.. وراكان يفتح قنينة ماء ويبل ريقه بالقليل
مشاعر قلق وتوجس وحزن وترقب موجع تعبق في محيط السرير وأركانه الأربعة
محمد بعمق وهو يميل على جبين ناصر ويقبله: الحمدلله على سلامتك يا أبيك
ناصر يفتح عين ويغلق الأخرى وهو يشعر بصداع خفيف:
يبه.. الله يهداك وش جايبك عاني هنا.. مكلف على روحك
محمد يربت على ذراعه المسترسلة جواره: إذا ما عنيت لك.. أجل ماعاد لي خانه
ناصر يبتسم ابتسامة باهتة: اذا أبو مشعل ماله خانة..
أجل راح زمان الرياجيل
ناصر يلتفت ناحية قبلة أخرى تطبع على جبينه
كان عمه عبدالله من الناحية الأخرى الذي همس له: الحمدلله على سلامتك ياولدي
ناصر بمرح واهن: وابو مشعل الأمريكي بعد هنا
كذا تخلوني أتبطر.. واصدق إني تعبان جد
لا يكون المشاعيل بعد هنا وخليتو كلكم العرب اللي في الدوحة؟؟
راكان همس: لا مشعل ومشعل في الدوحة.. بس أذونا اتصالات كنهم معنا
فارس يشعر بمرارة عميقة تمنعه من الكلام..
كم هو صعب عليه رؤية ناصر هكذا
ناصر رفيق الطفولة والصبا و الشباب
ناصر سنده.. وابتسامته في الحياة
ناصر الذي كان دائما نقيضه والمكمل له
كم هو مؤلم هذا الأحساس الجارح الذي يمزق روحه بوحشية!!
ناصر يلتفت لفارس ويبتسم: والشيخ فارس مايبي يقول لي الحمدلله على السلامة
فارس اقترب وهو يضع كفه على كتف ناصر ويلمس أنف ناصر بأنفه على الطريقة الرجالية ثم يهمس في أذنه:
لو أنك مت وخليتني.. كان لعنت مترسك..
ناصر يبتسم ويهمس له بصوت خافت وأخوية عميقة نادرة:
جلف ومن يومك جلف.. الله يعين أختي عليك
ثم ألتفت ناصر لراكان وهمس: أبي أروح الحمام
الوجوه الأربعة تبادلت نظرات واجمة قلقة..
(أكيد كلام الدكتور صدق.. وهو ناسي سالفة بتر ساقه)
ولكنهم وإن كانوا يعلمون أن ناصرا مختلف ولكنهم لم يعلموا بعد أنه مختلف جدا.. جدا..
مختلف لأبعد حد
ناصر بمرح هادئ.. وموجع.. موجع جدا: أشفيكم تفكرون فيني كذا.. لا يكون طلع لي قرون بدل ساقي المقطوعة
أشوف عكازات مسندة على الطوفة.. قربوها مني قدام أسويها على روحي
واصل حدي..
ناصر رفض بشدة محاولات راكان وفارس للدخول معه للحمام..
وهو يحاول التسند على جسده الذي كان رغم قوته الرياضية خائر القوى من تأثير المهدئات
ومن عدم تعوده على عدم وجود ساقه..
يشعر أنها مازالت موجودة.. ولكنها ليست هناك..
ليست هناك
هناك فراغ..
فراغ موجع انهزامي
فراغ ثقيل و شاش ثقيل
ولكنه ضد الانهزامية.. ضد الاستسلام تحت وطأة هذا الثقل والفراغ مهما كان موجعا وشاسعا وجارحا له كرجل.. كبطل رياضي..كإنسان
إنسان باحث عن وهم الكمال.. كما هو هم البشرية المسعورة التي جعلت للكمال مقاييسا تافهة انتقصت أطرافها عنده
يعلم يقينا وهو بقدم واحدة أنه أفضل وأكثر اكتمالا من آلاف آلاف الرجال وأشباه الرجال ممن يمشون على قدمين
تنهد بعمق.. (أحتاج وقتا للتعود ليس أكثر..)
خرج من الحمام.. ليجد الطبيب في انتظاره ويجلس مع أهله
ويرسم ابتسامته المهنية المعتادة
ناصر تسند على عكازيه.. قام راكان لمعاونته.. ولكنه أشار لا
وهو يتقدم بخطوات ثابتة قدر مايستطيع وقدر مايساعده عكازاه
حتى وصلهم وجلس معهم على المقاعد.. ورفض العودة لسريره
الطبيب بإبتسامة: الحمدلله على سلامة فارسنا
ناصر بابتسامة باهتة: الله يسلمك
الطبيب بهدوء: بتعرف أخ ناصر أنا فخور جدا إني تعرفت عليك..
تقبلك لقرار البتر كان شجاع وثابت.. وهاي أول خطوة في سبيل استعادة حياتك الطبيعية بشكل كامل
ناصر صمت وهو يستمع للطبيب الذي أكمل حديثه وهو يرفع القدم الصناعية بين يديه:
قدمك الجديدة وصلت اليوم.. من أفضل وأحدث ما توصل له العلم قوة ومرونة وتحمل وتناسب مع شكل الساق فعليا
تقدر تبدأ تستخدمها بعد أسبوعين ثلاثة على حسب تحسن مكان البتر
وأنا أضمن لك بإذن الله بعد ما تتعود عليها.. تمارس حياتك بشكل طبيعي تماما
وممكن ترجع لركوب الخيل فورا وبنفس المهارة إن شاء الله
بريق أمل موجع في عينيه: جد دكتور أقدر أركب خيل طبيعي..؟؟
الدكتور بإبتسامة: أنا أتكلم بمهنية تامة.. ومسؤول عن كلامي..
ومو بس تركب خيل إلا ترجع للسباقات لو حبيت وتفوز كمان إن شاء الله
ناصر همس بمرح متألم: لا سباقات خلصنا منها.. بس ركوب الخيل في دمي..
أربعة وجوه مهتمة تتابع الحوار بألم.. بأمل.. بوجع.. بإهتمام مصفى
الطبيب أكمل: الوالد حابب يرجع الدوحة.. بس بيقول الرأي رأيك..
وطبيا أنت ممكن تغادر المستشفى بعد يومين
لو حابب تظل لحد ما تستخدم الساق الصناعية براحتك
لو حابب تنزل الدوحة.. تاخذ الساق معاك.. وزميلي يتابع حالتك هناك
وينطيك تعليمات استخدام الساق والعناية بها.. وفكها وتركيبها
يعني كل شيء إن شاء الله
لو كان على ناصر.. فهو يكره العودة للدوحة..
لا يريد رؤيتها هي.. لا يريدها
لا يريد مشاعل
يشعر بنفور حاد منها
إذا كانت رفضته وهو بساقين.. فكيف وهو بساق واحدة؟!
لكنه يعلم أن والدته لا بد قلقة عليه
ولا يريد إطالة أمد قلقها.. قلبه يذوب من أجل تلك الغالية
لذا قال بثقة: إلا الشور شور أبو مشعل
ودامك فيها وش أنت تتنيها
أحجزوا لنا يا شباب خلونا نرجع للدوحة أول ما أطلع من المستشفى
الطبيب خرج وتركهم
محمد مد يده لفخذ ناصر وهو يربت عليه ويقول بحزن عميق: الله يواجرك يا ولدي
إن شاء الله إنك من هل الخير..
وإن شاء الله إن ساقك سابقتك للجنة
ناصر بعمق: يبه لا تحزن جعلني الأول.. الحمدلله على نعمته
مشكلة الإنسان إنه يشوف الله وش خذ منه وما يشوف الله وش عطاه
الله سبحانه خذ مني ساق.. لكنه خلا لي ساق ويدين وبصر وسمع وعقل وقدرة على الحركة
حتى الساق المقطوعة.. هذا أنا بأركب وحدة بدالها..
شوف أختي مريم.. الله يواجرها.. فقدت نظرها ومافيه شيء يعوضها عنه
ومع كذا تشوفها تحمد الله وتشكره كأنه عطاها قوة بصر زرقاء اليمامة
أنا كل ما تذكرت مريم... حسيت بعظم نعمة الله علي.. ورأفته بي
الله كان بي رحيم.. البتر تحت الركبة وساق وحدة.. وكان يقدر يأخذ أكثر
وأنا مالي إلا الصبر.. لكن هو مثل ماخذ.. عطاني أكثر وأكثر
اللهم لك الحمد والشكر على نعمتك ورحمتك
**********************
مر يومان
موعد وصول ناصر سيكون غدا مساء
أصبحت معضلة مشعل ومشعل كيف يبلغان نساء آل مشعل بالخبر
فهما لا يريدان أن يُصدمن برؤية ناصر
مشعل بن عبدالله انتهى من إبلاغ مشاعل ولكنه تبقى لديه عقبة كبيرة في إبلاغ البقية.. وأولهما جدته وعمته ونورة
ومشعل بن محمد صاحب المهمة الأصعب : إبلاغ أمه وشقيقتيه
بيت عبدالله بن مشعل
غرفة مشعل وهيا وتحديدا
بعد صلاة العصر بقليل
مشعل يدخل وهو مسود الوجه تماما.. يشعر بإرهاق خانق ووجع نفسي أكثر اختناقا
هيا التي كانت تطوي سجادتها.. ألتفتت له ثم همست برعب:
مشعل أشفيك؟؟
مشعل يفتح أزرار ثوبه العلوية عله يجذب لرئتيه المختنقتين بعض الهواء
ويهمس بضيق: توني جاي من عند عمتي نورة وسوت لي مناحة
والله إني خفت عليها وكنت أبي أوديها للمستشفى
بس خالي جابر عيا وقال هو بيهديها
اذا عمتي سوت كذا.. الله يعيني على جدتي
هيا برعب: ليه وش صاير؟؟
مشعل حكى لها عن وضع ناصر باختصار
هيا تنهدت بألم: إنّا لله وإنّا إليه راجعون
الله يواجره.. المؤمن مبتلى.. ومادام بتر ساق بس..
أنت تدري إنه ممكن يستخدم ساق صناعية ويعيش حياته طبيعي
مشعل يتنهد: أنا وأنتي نقول كذا..
بس العجايز وش يفهمهم؟؟
أنا كل شيء عندي ولا جدتي هيا.. ماداني عليها أدنى شيء
ما أدري أشلون أقول لها
هيا تنهدت بعمق: خلاص خلها علي
مشعل بارتياح: صدق؟؟
هيا شعرت أنها تورطت فعليا.. فهي أيضا تخشى مواجهة جدتها بالخبر الموجع
ولكنها من أجل مشعل مستعدة أن تحمل كل هذا الألم عنه
يكفيه ما تحمله من عمتهما
همست له بخوف: صدق.. والله يعيني
*************************
القاهرة
المصحة نفسية
باكينام تصل وهي تحمل كيس كبير نوعا ما
تنزل دون أن تنتبه أن هناك سيارة غريبة بها شخص غريب تتبعها
خلال اليومين الماضيين اختفى يوسف تماما
كانت تود أن تصفي الأجواء معه بعد حديثها المريح مع حمد
ولكنه لم يحضر ولم يتصل
وهي يستحيل أن تبادر بالاتصال
ولكنها أيضا خلال اليومين الماضيين بدأت تخرج كثيرا للسوق هي وجدتاها
وأحيانا أمها.. للتجهز لزواجها الذي تقبلت فكرته بارتياح
لذا لم تشغل بالها كثيرا بغياب يوسف الغريب وغير المعتاد
وجدت حمد اليوم يجلس في الحديقة ويستمتع بشمس الأصيل الضعيفة
التي أضعفتها برودة الجو أكثر
كان يقرأ كالعادة ومستغرقا في القراءة
اقتربت منه سلمت بمودة..
أنزل حمد نظارته: أهلين بالعروسة..
ثم أكمل بحنين: تدرين اليوم قبل صلاة الظهر كلمت أمي..يالله وش كثر كانت هي مشتاقة وأنا مشتاق
باكينام تجلس: إزيها؟؟
حمد بهدوء: تمام.. أنتي أشلونش؟؟ عسى صفيتي الجو مع... هو شاسمه؟؟
باكينام تتنهد: يوسف
حمد يضحك: وتنهيدة بعد.. شكلش رايحة في خرايطها
باكينام تبتسم: إيه خرايطها دي.. شكلها تهزيئة
حمد يبتسم: مهوب تهزيئة لكنها بنت عمها
باكينام بفرح حقيقي: ماشاء الله النفسية النهاردة بمب
مازال مبتسما: الحمدلله من سمعت صوت الغالية وانا فوق الريح
باكينام بمرح: انته النهاردة رغاي.. ونسيتني أنا جايه ليه
حمد بمودة: الوحدة اللي جايه تزور أخيها تبي لها سبب..
باكينام بتأثر: ربنا يخليك.. وأنا والله حاسة إنك زي أخويا وأكتر
حمد يهمس بعمق: تدرين عندي 3 خوات توأم..حرمتهم يحسون بأخوتي لهم
باكينام بصدمة رقيقة: تلاتة توأم.. تتكلم جد؟؟
حمد بحماس طفولي: والله جد.. عمرهم 17 سنة.. يجننوووووون
باكينام بحماس مشابه: واو.. وكلهم شبه بعض؟؟
حمد بابتسامة عميقة: نعم ولا... عالية وعلياء شبه بعض تمام أنا ما أقدر أفرق بينهم إلا بصعوبة
معالي هذي غير في كل شيء.. شيطانة.. جن مصور على قولتكم
أكمل بحنين: والله اشتقت لهم.. نفسي أعوضهم عن جفاي وقسوتي عليهم
تخيلي مالهم أخ غيري.. بيني وبينهم فرق 14 سنة..
المفروض هم مثل بناتي.. لكن عمري ما حسستهم بأي حب..لا وكنت كثير أقول لهم بقسوة إني ما أحبهم..
رغم أنهم ينحبون.. والله العظيم يدخلون القلب
باكينام تبتسم: ربنا يخليك ليهم.. ويخليهم ليك.. كلها شوية وتخلص علاجك وترجع ليهم
ثم أردفت: أنا تاخرت كتير واحنا بنرغي..
رفعت الكيس ووضعته على الطاولة: أنا جايبة لك هدية صغننه
عشان شفت هدومك انهرت من الغسيل
جبت لك شوية لبس على زوئي
حمد يبتسم: تدرين إني كنت أبي أوصي حد على ملابس
ماشاء الله على حاستش السادسة
باكينام بمرح: طب الحمدلله.. ودلوئتي أستاذن
حمد يستوقفها: أنا مابعد خلصت كلامي..
باكينام باستغراب: فيه إيه؟؟
حمد باستفسار: كم ثمنهم؟؟
باكينام بغضب: عيب عليك حمد.. مش بتئول دلوئتي احنا أخوات
حمد بحزم: ماعليه باكينام أخوان.. بس لو ماخذتي فلوسهم
شيليهم معش..
باكينام بغضب خفيف ممزوج بمرح مصطنع: أنتو الرجالة العرب فيكم الخصلة الوحشة دي
أنا متاكدة لو أن اللي جاب لك الهدية دي راجل.. يوسف مسلا كنت هتئبلها بدون حساسية
بس عشان أنا وحدة ست.. كرامتك ما تسمحش ليك تئبل حاجة من مخلوء أقل من مستواك الرجولي العربي الرفيع
إزاي تلوس أخلاقياتكم العربية وفحولتكم الشهيرة وتنجسها أنك تساوي بين ست وراجل!!
حمد ابتسم ابتسامة جذابة ناعمة: أوه الأخت شكلها شايلة علينا احنا الرياجيل العرب من قلب؟؟
باكينام همست وهي تهمس بمرح: أبو الئلب وأمه على قولت بت خالك هيا
ضحك حمد: الله يعين يوسف عليش.. شكلش بتقومين الحرب العالمية الثالثة عليه
باكينام بابتسامة: هو اللي جابه لنفسو.. وبنفس الطريقة العربية المعتادة
فرض نفس.. وجبر.. وغصب...وقوة.. وتسلط.. وجبروت..
المصطلحات العريقة اللي بيتقنها كل راجل عربي
حمد يبتسم: تدرين أفكارش تبي لها إعادة تأهيل كامل.. أنا بصراحة واحد مهوب في موقع حوار أو إسداء نصيحة
لأني لين قبل 3 شهور كنت أسوأ نموذج ممكن يكونه رجل أو حتى إنسان
متسلط ومتوحش ويدي طويلة
لكن أنا قارئ عتيد.. ومن منطلق خبرة الكتب مهوب من خبرتي
أقول لش: التعميم أكبر ذنب فكري ممكن الواحد يرتكبه في حق نفسه وحق قناعاته
إنك تبني قناعة كاملة على أساس تعميم جريمة
يعني أنتي الحين تقولين الرجل العربي والرجل العربي.. وتطلقين أحكام شاملة وعامة وقطعية
تذكري إنه الوالد رجل عربي ويوسف رجل عربي وأكيد عندش أهل رجال عرب..
علاقتش فيهم كلهم بتكون علاقة متوترة ومتحسسة وفيها قدر كبير من التحفز
لأنه تفكيرش كذا تفكير حربي وكأنه احنا في معركة بين الرجل والمرأة..ولازم واحد منهم يربح
لكن النتيجة صدقيني بتكون خسارة الطرفين
وحطي ذا الشيء في بالش وأنتي قريب بتبدين تبين حياتش مع يوسف
لا تكونين متشددة بذا الطريقة
وشوفي الأشجار على علوها وقوتها إلا أنها تنحني للريح عشان ما تنكسر
وإذا أنتي تحبين لعبة التعميمات هذي
فليش تنكرين التعميمات اللي تقول إنه الرجل العربي يحب يكون سند للمرأة
ويحب يحميها ويحتويها ويحسسها بالأمان
أو أنتي بس تختارين التعميمات اللي تناسب اللي في رأسش بس
والتعميمات اللي ما تناسب تدوسينها؟!!
باكينام كانت ترفع حاجبيها تعجبا وإعجابا.. والحوار بينها وبين حمد يمتد ويمتد ويتشعب
وامتد الوقت دون أن تشعر باكينام
حتى همس لها حمد: تايم آوت.. المغرب بيأذن ولازم أقوم
موعد وردي.. وأبي أصلي عقب.. اسمحي لي
باكينام نظرت لساعتها برعب: ساعتين ونص من غير ما أحس
أنا تأخرت خالص
حمد يقف ويتناول نظارته ويلبسها ويهمس لها بود أخوي:
اعتبر هذا إطراء إن حديثي أخيرا أعجب حد
باكينام بمودة: على ئد ماشفت وتكلمت مع ناس ماشفتش محاور زكي وعميق زيك
حمد يغادرها وهو يلوح بيده ويقول: شكرا على المجاملة.. والمرة الجاية لازم تجيبين يوسف معش
باكينام غادرت المصحة قبل غروب الشمس بحوالي ربع ساعة
وتوجهت لبيتها والسيارة إياها تتبعها
فور وصولها توضئت وصلت.. بعد التسليمة بقليل
رن هاتفها
كان يوسف.. ارتعش قلبها بعنف
لم تسمع صوته منذ لقاءهما ذلك الصباح قبل يومين
مشتاقة له.. مشتاقة.. مشتاقة
همست بود: أهلا يوسف
يوسف بطريقة مباشرة وهجومية: كنتي فين؟؟
باكينام تناست كل قراراتها وكبرياءها العنيد يحضر: مش شغلك
هو السبب.. هو من دفعها للرد عليه بهذه الطريقة
يوسف بحدة أكثر: باكي أنا مش فايئ لك.. خلي نهارك يعدي
أنا بأسألك كنتي فين؟؟ (كان يشدد على حرف)
باكينام شعرت بالتردد من حدته الزائدة: كنت باعمل شوبنق
مش المفروض إنه فرحي بعد أئل من تلات أسابيع
يوسف ببرود ممزوج بالنار: آآآآآآه فرحك.. ورحتي فين كمان؟؟
باكينام بتردد أكبر: مارحتش مكان رجعت البيت..
يوسف بنبرة خاصة: أكيد؟؟
باكينام بنبرة قوية لأنه استفزها: آه أكيد.. عندك مانع..
يوسف بنبرة خاصة اشتمت فيها رائحة غير مريحة: ابئي افتكري يا باكي إني سألتك
ما أعطلكيش.. تصبحي على خير
(أصبح على خير بعد المغرب
مالو ده؟؟ مش عوايدو)
باكينام شعرت بالذنب لأنها لم تخبره بزيارتها لحمد
شعرت أن إخفائها لهذه الزيارة جعلها ذنبا حقيقيا يخنق روحها
ترددت في إخبار يوسف لأنها تخشى من ردة فعله.. فهو غيور ومتسلط
ولن يتفهم سبب زيارتها لحمد
وهي في غنى عن المشاكل مع اقتراب موعد زواجهما
************************
قبل ذلك بساعات
الدوحة
غرفة الجدة أم محمد / هيا الكبيرة
مازالت تجلس على سجادتها من بعد صلاة العصر وتسبح
دخلت عليها هيا بخطوات مترددة
تود لو كان باستطاعتها العودة.. تود لو كان بإمكانها إلغاء كل الحقائق المؤلمة
فهذه العجوز اكتفت من الحزن.. اكتفت لأبعد حد
فهل يكتب عليها أن تُطعن شيخوختها بحزن جديد وألم جديد
هل مازال بها جَلَد واحتمال؟!!
هيا اقتربت من جدتها..
الجدة حين رأت هيا بالقرب تناولت برقعها من جوارها وارتدته
هيا جلست جوارها وقبلت كتفها.. سلمت ثم صمتت
الجدة همست بعمق: هويه وش عندش؟؟ كنش وراش علم
هيا بهدوء ساكن وعمق موجع: يمه تدرين إنش إن شاء الله من أهل الجنة..
لأنه اللي تفقد ولدين وتصبر جزاها الجنة إن شاء الله
الجدة صمتت.. وهيا تستمر في التهيئة التي لا تعرف أين تقودها:
يمه أبي راح.. وعمي سعود راح.. وجدي راح.. وقبلهم أبيش وأمش وأخوانش..
وأنتي صبرتي على كل شيء
جربتي الحزن كله.. ولأنش إنسانة مؤمنة صبرتي على ذا كله..
كم عمر عمي سعود يوم مات؟؟ 23 سنة أو 24 سنة؟؟ شباب وراح
الموت هو أكبر حزن في الدنيا وأنتي جربتيه.. يعني اللي أقل منه أنتي عليه أصبر وأقدر
تنهدت هيا الكبيرة بعمق وهي تقول بنبرة غامضة مجهولة الانفعالات:
ناصر وش فيه يا هيا؟؟ اخلصي علي
هيا ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تهمس: وش دراش إنه ناصر؟؟
الجدة بذات نبرتها الغامضة: من يوم راح الخبل صباحية عرسه يسابق وأنا قلبي ناغزني
ثم يوم لحقه المعرس الثاني ثاني يوم.. وقلبي ناغزني أكثر
ثم محمد وعبدالله كلهم راحوا له.. تبيني ما أدري إن اللي في ناصر شيء كايد
قولي لي وش صار له؟؟
هيا صمتت.. لم تعرف أن الأمر سيكون صعبا كذا
الجدة انتفضت بغضب حاد مفاجئ: هيا خلصيني
هيا انتفضت تفاجئا من جدتها التي انتقلت بشكل مفاجئ من الهدوء الساكن للثورة العاتية
لتقول هيا بدون تفكير: قصوا رجله
الجدة برعب وهي تغرز أصابعها في عضد هيا: ويش؟؟ ويش؟؟
هيا ندمت من تسرعها في قذف الخبر
ولكن هل كان من الممكن أن يُقال بطريقة ألطف؟!!
هيا ربتت على كف جدتها التي تعتصر عضدها وهي تهمس لها بعمق حنون:
يمه فديتش العلم والطب تطورو.. وبدل ساقه يقدر يركب ساق كنها ساق صدقية
يمشي فيها عادي ويروح ويأتي ويسوق سيارته عادي
ما كنه تغير شيء عليه
الجدة تنهدت وزفرت بألم عميق.. ثم همست لهيا بحزم متألم: هيا شغلي لي الرادو على قناة القرآن.. واطلعي وسكري الباب علي
هيا برجاء: تكفين يمه باقعد عندش
الجدة بألم: هيا يأمش لا تراديني..روحي
هيا انسحبت وهي تشعر بألم عميق يحز في روحها
ألم جارح من أجل هذه الغالية التي يعبر حزنها العميق عن مقولة العرب الأثيرة (ما أغلى من الولد إلا ولد الولد)
كان بودها أن تلغي نظرة الحزن الموغلة في الوحشية التي افترشت عينيها وظللت أهدابها
النظرة التي رأتها تطل من عينيها بجزع وهي تنسحب من غرفتها لتتركها تختلي بأحزانها من أجل حفيدها المرح الممتلئ بالحياة
الذي غادرها بساقين ليعود لها بساق واحدة!!!
**********************
ذات الليلة
بيت عبدالله بن مشعل
الصالة الرئيسية
حيث تجلس هيا وموضي
لطيفة تدخل عليهما هي وبناتها قادمة من بيت عمها محمد.. وعائدة لبيتها
سلمت ثم جلست، همست: جدتي أشلونها؟؟
موضي بألم: على حالها.. في غرفتها وتسمع قرآن.. ومهيب راضية حد منا يقعد عندها.. يمكن لو مشاعل هنا كان عرفت لها
لطيفة بحزن: مشاعل الله يعينها بعد.. خليتها وراي عند عمتها أم مشعل
هيا بقلق: إلا أم مشعل والبنات شأخبارهم؟؟
لطيفة بهمس متألم: متصبرين ومتقبلين بس الحزن في وجيههم معشش
هيا بمساندة: الله يعينهم.. وإن شاء الله إذا شافوه طيب.. وخصوصا عقب ما يركب ساقه.. بيتطمنون
لطيفة وقفت وهي تقول بهدوء: بأمر على جدتي أمسيها بالخير وعقب باروح لبيتي.. اليوم مادرست شيء
***************************
اليوم التالي مساء
ناصر يصل إلى مطار الدوحة
كانت احتفالية حاشدة في استقباله من أهله ومعارفه ومختلف الفرق القطرية في الألعاب المختلفة
امتلأ المطار عن آخره بمستقبليه الذي تتبعوا سيارته حتى وصل إلى فندق الشيراتون حيث يُقام عشاء على شرفه وسلامته
كان ناصر يستخدم عكازيه في التنقل ورغم صعوبة الأمر عليه خصوصا أن كفيه مازالا يؤلمانه لكنه كان يحاول التحرك بأكبر قدر من الثقة يستطيعه
وهاهو يجلس يحيط به أهله وأصدقائه وأعضاء فريقه
حسن بذراعه المجبرة كان يجلس جواره.. همس لناصر بمرح: ما لقينا من ذا الخيل خير..
ناصر يبتسم: إلا ماوراها إلا الخير... رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة)
حسن بجدية متألمة: ناصر أنا مالي وجه منك عقب اللي سواه ثيندر
ناصر بابتسامة: هذا شيء الله كاتبه.. أنت بتحاسب حيوان يا ابن الحلال
حسن بغموض: أنا حاسبته خلاص
ناصر برعب: وش سويت فيه؟؟
حسن بحزم: ما تعذب.. فرغت المسدس كامل فيه
ناصر بغضب: أنت مجنون.. تذبح حصان قيمته فوق مليون ريال.. ما تبيه كان بعته..
حسن بود وأخوية: يعل المليون تفداك.. أنا ماعاد طقت شوفته.. ولما دريت إنه وصل من الأردن.. عزّمت أخلص منه..
ولا تعيد ذا السالفة علي.. بأشتري لي حصان غيره
ناصر بألم: الله يهداك حسن.. ليش سويت كذا؟؟
حسن بمرح: خلاص يا ابن الحلال خلصنا من ثيندر.. قل لي متى بنرجع نتدرب سوا
ناصر بابتسامة: أسبوعين ثلاثة لين أركب الساق..
حسن بمودة: وعد..
ناصر بمودة أكبر: وعد
**************************
بعد حوالي ساعتين
حوالي الساعة 11 مساء
بيت محمد بن مشعل
يصل ناصر وراكان
أم مشعل والعنود ومريم في انتظارهما
ناصر دخل وهو يتسند على عكازيه.. وراكان بجواره
والدته حين رأته قفزت.. وعيناها تغيمان
لكن ناصر حلف عليها أن تجلس وهو يتوجه لها ويجلس جوارها
يحتضن كتفها ويقبل رأسها ثم يقبل يدها وهو يهمس بحنان:
والله إني طيب يا الغالية.. تكفين ما تبكين
وإذا كانت والدته امتثلت لرجائه وهي تمنع عينيها من البكاء وإن كان قلبها يبكي وينزف وجعا وألما
فإن العنود لم تمتثل مطلقا وهي تجلس جواره من الناحية الأخرى وتلقي بنفسها على صدره وتنخرط في بكاء حاد
ناصر احتضنها بحنان وهو يمسح على شعرها: بسش يا الدلوعة
هذا تبكين عشاني وإلا عشان مشتاقة لفارس؟؟
العنود همست له وهي تقبل كتفه: الحمدلله على سلامتك.. وخارج من الشر
ناصر بمودة: الله يسلمج.. وقومي مني خليني أسلم على مريم
مريم برقة وهي تقوم لتتحسس طريقها: انا باجيك
ناصر تعكز بصعوبة ووقف وهو يقول: لا والله ما تقومين أنا جايش
أم مشعل بجزع: راكان يأمك عاونه
راكان يبتسم: خله مهوب في عازتي.. أنا عقب أبيه يعاوني هو الصغير وأنا أخيه الشيبه
أم مشعل بحزن: جعلني أشوف عيالكم يعاونونكم..
ناصر وهو يميل على مريم ويقبل رأسها: راكان الأول عشانه الكبير
مريم تحتضن رأس ناصر وهي تهمس: الله يكتب أجرك
ناصر يهمس لها: وأجرش
ثم ألتفت ناصر لراكان: يالله راكان خلنا نروح لجدتي
راكان بهدوء: الوقت متأخر شوي.. خافها رقدت
ناصر يهز رأسه: مشعل وفارس ينتظروننا هناك.. مشعل يقول إنها متروعة علي..خلنا نروح نسلم عليها
راكان وناصر خرجا
وأم مشعل تميل على العنود وتهمس لها: قومي روحي لبيتش قبل يوصل فارس
العنود توترت وهي تتذكر فارس
لكنها أحكمت لف جلالها وهي تسلم على والدتها ومريم وتخرج لبيتها
راكان وناصر يخرجان عبر الباب الرئيسي ليدخلان بيت عمهما من الباب الرئيسي
ناصر يستفسر من راكان بتلقائية: متى ملكتك؟؟
راكان تفاجأ من سؤال ناصر المباغت لكنه أجاب بهدوء:
خلنا لين نتطمن عليك أول يا ابن الحلال
ناصر بغضب: ليه أنا مكسح وإلا متحرول تطمن علي؟!!!
راكان بذات الهدوء: يا شينك وأنت معصب.. تدري أنا وش أقصد
ناصر يحاول العودة لهدوءه ويهمس لراكان: أنا مافيني إلا العافية
وملكتك تممها بسرعة.. تدري إن مشعل بيرجع أمريكا عقب عقب حوالي 3 أسابيع
ثم أكمل بمرح: وبعدين مابغيت أصدق إنك وافقت أخيرا تعرس
أكيد إنك في حالة غيبوبة خل نستغلها قبل تصحا منها
راكان يبتسم لأن ناصر يبتسم: ليه ؟؟ لعب بزران عشان أهون
***********************
بيت عبدالله بن مشعل
مشعل وفارس وموضي وأم مشعل يجلسون في غرفة الجدة المتوترة انتظارا لوصول ناصر
مشعل ينهي اتصالا ويقول بهدوء: هذا هو ناصر عند الباب.. أبشري به يمه
موضي وقفت: بأطلع ألبس عباتي أهني ناصر بالسلامة
لم تعلم أن هناك أحدا آخر معه.. أو كان يستحيل أن تعاود النزول
فهي مازالت تشعر بمرارة جارحة وخجل متعاظم من عرضها لنفسها على راكان
وعاجزة عن مجرد التخيل أن تضع عينها بعينه
موضي خرجت
ومشعل توجه لباب البيت ليفتحه رغم أنه مفتوح.. ولكنهما لن يدخلا حتى يؤذن لهما فعليا وخصوصا مع تأخر الوقت
توجها ثلاثتهم لغرفة الجدة
ناصر توجه مباشرة لجدته بعد أن قبل رأس أم مشعل التي وقفت لاستقباله
وراكان ألقى التحية من بعيد على أم مشعل التي كانت تلبس برقعها وتلتف بجلال واسع
ناصر وضع عكازاته بجواره وجلس جوار جدته وقبل رأسها وكفها
الجدة لم تحتمل رؤيته يدخل عليها متسندا على عكازات
مسحت دمعة خائنة بطرف برقعها
وناصر عاود تقبيل يدها وهو يقول بتأثر: تكفين يمه ما تبكين
أفا يا ذا العلم.. أم محمد تبكي
ما عمري شفت لش دمعة.. تكفين ما تقهريني
الجدة تماسكت وهي تقول بهدوء موجع: جعلك ما تذوق القهر يأمك
وجعل ربي ما يحسرك
مهوب هاين علي شوفتك تعكز وانا شايفتك طالع من عندي تمشي على أرجيلك
ناصر يبتسم بألم وهو يحتضن كفها بقوة: أفا عليش كلها أسبوعين وإلا ثلاثة وأركب ساقي الجديدة..
وأول مشوار لش.. وبأطلع أنا وياش نفر سوق واقف كله
راكان يقترب ويقبل رأسها وهو يقول باحترام: أفا يمه شكلش شفتي نويصر ونسيتيني حتى من السلام
أم محمد بود مصفى: ماعاش من ينساك يا الغالي..
راكان جلس من الناحية الأخرى وهو يستفسر من جدته باهتمام عن أحوالها
حينها قال فارس بمرح رقيق: شكلهم عيال محمد بيأخذون جدتنا قطوعة لهم
الجدة ألتفتت لفارس وهي تقول بغضب رقيق: فويرس عادك هنا
قم لا بارك الله في عدوينك من معرس.. قم أكيد العنيد قاعدة تتناك ذا الحين
فارس توتر داخليا بعمق لذكرها ...هو مر للسلام على والدته قبل المجيء هنا
وتجنب حتى السؤال عنها.. لا يعلم فعلا لماذا يتصرف بهذه الغرابة
ناصر همس بمرح: ايه تستاهل عشان ما تنظلنا أنا وأخي.. حاسدنا في حضن جدتي
حينها الجدة ألتفتت لناصر لتقتص لفارس وهي تهمس له بذات نبرة الغضب الرقيق:
وأنت بعد يا نويصر قم .. قم روح لمرتك.. معاريسن ماعليكم شرهه
الله يعين بناتي عليكم
فارس حينها ابتسم وهو يشير لناصر بحاجبيه.. لينتقل إحساس أعمق بالضيق لناصر.. أعمق بكثير.. كان شبه متأكد أنها لابد في بيت أهلها
لكن بما أن جدته تقول له أن يقوم فمعنى ذلك أنها تنتظره هناك.. في بيته..
حينها همس مشعل بهدوء: بأروح معك يا ناصر.. أبي أسلم على أختي
والسبب الحقيقي لذهاب مشعل أنه أراد أن يمتص صدمة اللقاء الأول.. فهو من شهد المغادرة.. وشهد صدمات أخته
ويود أن يحاول تلطيف الجو بينهما
الأربعة نهضوا معا للمغادرة
وهم يعبرون الصالة الرئيسية يستعدون للخروج
نزلت موضي بعباءتها ونقابها
توقفت عند العتبة الأخيرة وهي تتمسك بطرف حاجز الدرج الحشبي
حتى لا تنهار وهي ترى رابعهم
لم يعد هناك مجال للتراجع أو الهرب ومشعل يقول: ناصر.. بنت عبدالله تبي تهنيك السلامة
بقيت موضي في مكانها متمسكة بطرف الحاجز وكأنه يحميها وهي تهمس:
الحمدلله على سلامتك يابومحمد.. خارج من الشر
ناصر باحترام دون أن يلتفت ناحيتها: الشر ما يجيش والله يسلمش
أشلونش طال عمرش في الطاعة؟؟
موضي بخفوت وهي تشعر أن ريقها جاف جاف جدا: طيبة طال حالك
ومجار من الشر
قالتها ثم عاودت الصعود.. بينما هي فعليا تريد الهرب قبل أن تتداعى أمامهم وتنهار
(أي جريمة نكراء ارتكبتها بحقه وبحقي؟!!)
كانت المرة الأولى التي ترى فيها راكان من هذا القرب منذ سنوات
بدا لها مثاليا أكثر مما يجب مقارنة بها.. بل بدت لها المقارنة مستحيلة بينهما
رجل فوق الكمال.. وامرأة تحت النقص
كانت تجد نظراتها غصبا عنه تتجه نحوه في نظرات خجلة مبتورة
كان يقف واثقا بكامل هيبته دون أن يلتفت ناحيتها مطلقا
بدا لها مخلوقا أسطوريا كما كانت تراه طيلة سنوات صباها المبكر
الفكرة التي أقنعتها أن لا أحد يتزوج الاساطير.. الفكرة التي عادت لمهاجمتها
هاهي تتمدد على سريرها تشعر باليأس والخوف والوجل وهي تتذكر تفاصيل شكله ووقفته..
ثقته المفرطة..سماره الصافي.. نظرة عينيه الأشبة بنظرة نمر واثق متيقظ وذكي
عارضاه السوداوان المحددان بدقة
ثم ذلك الطول والعرض الاستثنائيان تماما.. رغم أنها اعتادت على الطول والعرض
صفة كل رجال آل مشعل المميزة
ولكنه بدا لها مختلفا وهي تميز بوضوح عرض كتفيه وصلابة عضلاته المتبدية بتحفز من تحت انسياب ثوبه الشتوي الرمادي
كل مافيه كان مثاليا
وكل مافيها كان باهتا..هكذا فكرت!!
(واحد مثل هذا أشلون يأخذ وحدة مثلي.. حتى لو كان زواج صوري
أشلون أقدر أحط عيني في عينه
هذا بيحطم اللي باقي عندي من الثقة في نفسي
أنا أشلون تهورت وطلبت منه يتزوجني.. أشلون)
عشرات الافكار المؤلمة تطوف ببال موضي..
وقرار جديد يتشكل في ذهنها
************************
بيت فارس بن سعود
غرفته تحديدا
العنود وصلت منذ فترة
مشبعة بالحزن.. ومازال لديها الكثير من الدموع التي لم تروِ قلبها المفجوع بعد
لذا حين وصلت
ولم تجد أحدا
وهي تختلي بذاتها
وجدت أن موجة جديدة من البكاء تجتاحها
بكاء هي تحتاجه بشدة.. فألمها لمصاب شقيقها كان أكبر من الوجع ذاته
والحزن بداخلها كان عميقا.. عميقا جدا
كانت تجلس على الأريكة تحتضن مخدة صغيرة تنثر دموعها فيها
كانت مستغرقة تماما في نحيبها الخافت ووجهها مدفون في المخدة
لذا لم تنتبه أن الباب فُتح
وخطوات ثقيلة تقترب منها
*************************
بيت محمد بن مشعل
قسم ناصر
مشاعل كانت تطوف في البيت كالمخبولة تماما
غاية في التوتر.. عاجزة عن كبح جماح توترها وخوفها وخجلها
تأنقت تماما بناء على نصيحة لطيفة
وهاهي ترتدي بنطلونا حريريا أسود فوقه قميص طويل من الشيفون يصل للركبة
ألوانه خليط من الزهر والأسود
مزموم من عند الصدر حيث تربط شريطة زهرية ..وأكمامه جابونيز مزمومة عند عضدها
وشعرها الحريري القصير صنعت من خصلاته أمواجا قصيرة ملتوية
مما جعله أقصر وأكثر إثارة
وهي في دورانها في البيت طُرق الباب
قفز توترها للذروة وهي تشعر أنه لابد سيغمى عليها
فتحت الباب بتردد
لتصاب بصدمة خجل كاسحة وهي ترى شقيقها مشعل أمامها
كان بودها أن تهرب لتبدل ملابسها
لولا أن مشعل دخل ليتيح للمتعكز خلفه الدخول
****************************
بيت محمد بن مشعل
غرفة راكان
كان راكان يصلي قيامه حين سمع صوت رسالة تصل لهاتفه المحمول
حين سلّم من صلاته
تناول هاتفه ليرى الرسالة
تغير وجهه وهو يقرأها.. تغير جذريا
ومضمون الرسالة يشعل غضبه لأبعد حد
رغم حلمه الشاسع الذي عُرف به
ومازال غضبه يسيره وهو يتصل بالجهة التي وصلته الرسالة منها
ليصرخ بغضب كاسح ولكن مكتوم من بين أسنانه فور رد الجهة عليه:
أنتي شايفتني بزر تلعبين فيه؟!!
.
صباح اليوم التالي
الساعة 10 ونصف صباحا
القاهرة
باكينام لم تنم مطلقا تشعر بضيق عميق يكتم على روحها
تشعر أنها عاجزة عن التنفس فعلا
لِـمَ تعقدت حياتها بهذه الصورة؟!
كل ما حدث كان بسببه.. بسببه هو فقط
غطرسته.. وغروره وجنونه.... و..
روعته..
(روعته؟؟
عن أي روعة تتحدثين يا مجنونة؟!!
يوسف هذا يريد إلغاء شخصيتكِ
وضعكِ جواره كإطار صورة باهتة لا معنى لها ولا مضمون)
مشغولة بأفكارها وهي تخرج خارج المنزل
لا تريد أن ترى أحدا أو تسمع أحدا
تريد فقط أن تقود سيارتها على غير هدى
تمد يدها لفتح الباب
يد سمراء قوية تطبق على جليد أناملها
(رايحة فين بدري كده؟؟)
تنهدت بعمق وهي تنتزع يدها من يده: يوسف أنا مش طايئة روحي..اعتئني
أنا عارفة أنت جاي بدري كده ليه
عاوز تتأكد إنه كلو مخططاتك ماشية تمام..؟؟
ما تشيلش هم.. بابا وائف معاك
وأنته وسمعتو وكل حاجة أهم عنده من بنتو
يوسف يتنهد: أنتي بتئولي كده ليه؟؟
باكينام بحزن: عشان هي دي الحئيئة..
ودلوئتي اسمح لي استاذن
وئبل ما تسأل أنتي رايحة فين وهترجعي أمتى
هأئولك مش عارفة.. أنا مخنوئة وعاوزة أتنفس بعيد عن البيت
يوسف احترم ضيقها.. ابتعد عن طريقها وهو يهمس: ما تتأخريش
كان يتمنى أن ينسف كل تراكمات سوء التفاهم.. العنجهية الفارغة
يخبرها أي قصر عال بنت أبراجه في قلبه المتيم
ولكن برودها.. غرورها.. وتباعدها يهزم الدافع في روحه المقيدة
فهي لا تعطيه سببا للمحاولة رغم استعداده
وإن كانت تعطيه –من وجهة نظره- آلاف الأسباب للاستمرار في تجريحها والقسوة عليها
تركته وركبت سيارتها.. دون أن تنتبه أنه هو أيضا ركب سيارته
سارحة في أفكارها التي انتزعها منها رنين هاتفها
نظرت للاسم ورسمت مايشبه ابتسامة وهي ترد بصوت ساكن:
أهلا هيا
هيا بابتسامة: هلا يا بنت.. وين اختفيتي؟؟
باكينام بنفس النبرة الساكنة فهي لا تريد نقل مشاعرها لهيا: موجودة
هيا برجاء: دام موجودة.. تكفين شوفي لي حمد ليش ماكلم عمتي
قولي له عمتي تعبانة
باكينام تغير وجهة السيارة وهي تقرر فعليا التوجه للمصحة:
خلاص هأروح له دلوئتي
باكينام احتاجت فعلا لشيء آخر تشغل بالها فيه بعيدا عن مشاكلها
وموعد زواجها المقرر قريبا
لذا قررت التوجه لزيارة حمد في المصحة
في ذات الوقت في بلد آخر وتوقيت آخر
11 ونصف قبل الظهر
مشعل الخارج من الحمام يجفف يديه من ماء الوضوء استعدادا لصلاة الظهر
يسأل هيا: من تكلمين حبيبتي؟؟
هيا برقة: باكينام..
مشعل بهدوء: متى بترجع واشنطن؟؟
هيا بذات هدوءه: مثلنا بعد حوالي ثلاثة أسابيع..هي مددت أسبوع مثلنا
مشعل بغموض: الله يكتب اللي فيه الخير.. المهم نتطمن على ناصر أول
هيا باهتمام: الله يعقله
ثم أردفت بحرج: أدري حبيبي إن بالك مشغول مع ناصر
بس البعثات بعثوا لي إيميل مرة ثانية.. يبون أكمل أوراق ما أدري شنهي
مشعل بأسف: سامحيني ياقلبي.. وعد بس أتطمن على ناصر أروح لهم
وأكمل لهم كل اللي يبون
وناصر على كلام الشباب كلها كم يوم ويجي..
******************************
بعد حوالي نصف ساعة
باكينام تترجل من سيارتها أمام المصحة
تسأل عن حمد.. يخبرونها أنه في غرفته
فتطلب منهم مناداته للجلوس في بهو الزوار فهي يستحيل أن تتوجه لغرفته
تجلس باستقامة انتظارا لحضوره وتفكيرها يبدأ من يوسف لينتهي بيوسف.. يوسف ملك المتناقضات
(أي ريح طيبة ألقت بكِ إلينا)
ابتسمت باكينام وهي تسمع صوت حمد الهادئ بنبراته العميقة
جلس مقابلها وهي تنظر له وتشتم رائحة نظافته الغريبة تشيع في المكان
ربما لو لم تكن متيمة حتى أقصى عروقها بهذا اليوسف السخيف وتكابر
لكان حمد حرك شعورا ما في أعماقها
فيه شيء ساحر وعميق وغامض.. الغموض جنون المرأة
يبدو محاطا بهالة ما غريبة..
وسامته الهادئة المختلفة عن وسامة يوسف الخطرة
تحريكه الدائم لنظارته الطبية ودعكه لأنامله الذي يوحي بتوتر ما، يختلف عن حركات يوسف الواثقة دائما..
ولكنه توتر مثير يشدُّ الانتباه..
(أوف.. لماذا كل شيء يتدخل به يوسف؟؟
ولماذا لابد أن أعقد مقارنة بينه وبين كل رجل أراه؟؟
والمصيبة أنه هو من يكسب كل مقارنة بجدارة
أوف يوسف أوف.. لِـمَ أنت متسلط هكذا؟!!
حتى على تفكيري متسلط.. متسلط.. متسلط)
باكينام تبتسم له بهدوء: ليه ماكلمتش الست مامتك؟؟
حمد بضيق متألم: الدكتور مارضى.. يقول خلها شوي
باكينام شعرت بضيق عميق.. أن يحرم حتى من أبسط حقوقه.. حق التواصل مع أمه إلا بأذن طبي.. ماهذه الحياة!!
ابتسمت باكينام بتشجيع: ماعلش بس ياليت تحاول معاه شوية
حمد بألم: والله إني مشتاق لها.. والله العظيم مهوب هاين علي أخليها ذا كله بدون اتصال
ثم أردف بعمق: تدرين أنا أغلى ناس عندي في الدنيا أمي وموضـ...
بتر جملته بانفعال.. وتنفسه يضيق ويتسارع وهو ينفض رأسه وجبينه يقطب
باكينام شعرت بارتباكه وأن هناك شيئا غير طبيعي حدث
لذا قررت تحويل مسار المحادثة تماما وهي تهمس بحماس مفتعل:
فرحي بعد تلات أسابيع.. تئدر تحضر؟؟ هأكون مبسوطة أوي لو ئدرت
حمد هز رأسه عدة مرات وهو يحاول ضبط انفعاله ثم همس لها بأدب ولكن من بين أسنانه: يا ليت أقدر
صمتا للحظات.. قطع الصمت حمد وهو يقول بعمق: أنا آسف
ثم أردف بتهكم جارح: مريض نفسي وش تتوقعين منه؟؟
باكينام بمؤازرة: أول العلاج إنك تكون عارف إنك مريض
حمد بحاجة لبوح مختلف لشخص غير طبيبه همس بألم: المشكلة حالتي النفسية كل مالها تتحور لشكل جديد.. آخرها هوس مرضي بالنظافة
أحس على طول إني وسخ.. وأني مهما سبحت مستحيل أنظف
أحس دمها بين يدي.. وجلدها تحت أظافري.. هريت جسمي ويدي غسيل
وأظافري قطعتها من التقصيص لدرجة إنهم صاروا يخبون مقص الأظافر عني
باكينام برعب: دم.. جلد؟؟
حمد يهمس وكأنه يخاطب نفسه: لا تخافين مني.. ما ذبحت حد..
أو يمكن ذبحت..
ذبحت روحي..
باكينام بألم: حمد.. أنا أول مرة أشوف مريض نفسي يشرح حالته بالوضوح ده... وسدئني دا هو العلاج الفعلي..
حمد بوجع عميق: الله كريم..
ثم نفض رأسه وهو يغير الموضوع: تحبينه؟؟
انتفضت باكينام وهي تسأل برعب: أحب مين؟؟
حمد بابتسامة: يظهر حتى الأصحاء يعانون مشاكل نفسية...
باكينام بهمس: بأحبه.. بس هو غريب.. وفارض نفسو بطريئة غريبة
حتى موعد جوازنا حدده بدون ما يئول لي
جرحني.. جرحني أوي.. خلاني أرفض كل حاجة منو
غريب هذا البوح العميق الذي يجمع بين شحصين غريبين جمعتهما الصدف الأغرب
كونه لا يعرفك.. يتيح لك الانطلاق والسرد الموغل في الحميمية
حمد يرد عليها بعمق: صدقيني الله سبحانه وتعالى يكتب لنا دايم الأحسن
لكن احنا اللي نسيء التصرف
لا تسوين مثلي.. وتخربين حياتش بيدش
تدرين قبل أربع سنوات.. لما تزوجتها ما كنت مصدق..(تجنب ذكر اسمها)
حسيت إنه ربي يحبني صدق.. لأني كنت خايف إنه ولد عمها يوقف لي
استغربت أشلون خلاها... قلت هذا من رضى ربي علي الله كتبها لي..
لكن أنا ماعرفت أصون النعمة.. تبطرت عليها.. ودستها برجيلي
والحين النعمة راحت.. وأنا لو عشت حياتي كلها أتحسر ما كفتني 1000 حياة مع حياتي
عشان كذا.. لا تخربين على روحش وتعيشين بحسرتش طول عمرش
إذا تحبينه صدق.. موعد الزواج .. وفرضه لنفسه.. كلها شكليات
ممكن تجاوزونها مع بعض
المهم الحب والتوفيق..
باكينام خرجت من عند حمد.. وغمامة ثقيل تُزاح عن ناظريها
(كم هو رائع هذا الحمد!!
أين كنت منذ زمن!!
كم هي رائعة بسيطة وعميقة طريقتك في شرح الأمور!!)
********************
بعد صلاة العصر
عمّان
غرفة ناصر في مدينة الحسين الطبية
ساق ناصر وصلت اليوم صباحا
وتوقفوا منذ الصباح عن إعطاءه أية منومات
وهاهو يصحو من نومه الطويل.. همس بصوت مبحوح: ريقي ناشف
الأربعة أحاطوا به.. وراكان يفتح قنينة ماء ويبل ريقه بالقليل
مشاعر قلق وتوجس وحزن وترقب موجع تعبق في محيط السرير وأركانه الأربعة
محمد بعمق وهو يميل على جبين ناصر ويقبله: الحمدلله على سلامتك يا أبيك
ناصر يفتح عين ويغلق الأخرى وهو يشعر بصداع خفيف:
يبه.. الله يهداك وش جايبك عاني هنا.. مكلف على روحك
محمد يربت على ذراعه المسترسلة جواره: إذا ما عنيت لك.. أجل ماعاد لي خانه
ناصر يبتسم ابتسامة باهتة: اذا أبو مشعل ماله خانة..
أجل راح زمان الرياجيل
ناصر يلتفت ناحية قبلة أخرى تطبع على جبينه
كان عمه عبدالله من الناحية الأخرى الذي همس له: الحمدلله على سلامتك ياولدي
ناصر بمرح واهن: وابو مشعل الأمريكي بعد هنا
كذا تخلوني أتبطر.. واصدق إني تعبان جد
لا يكون المشاعيل بعد هنا وخليتو كلكم العرب اللي في الدوحة؟؟
راكان همس: لا مشعل ومشعل في الدوحة.. بس أذونا اتصالات كنهم معنا
فارس يشعر بمرارة عميقة تمنعه من الكلام..
كم هو صعب عليه رؤية ناصر هكذا
ناصر رفيق الطفولة والصبا و الشباب
ناصر سنده.. وابتسامته في الحياة
ناصر الذي كان دائما نقيضه والمكمل له
كم هو مؤلم هذا الأحساس الجارح الذي يمزق روحه بوحشية!!
ناصر يلتفت لفارس ويبتسم: والشيخ فارس مايبي يقول لي الحمدلله على السلامة
فارس اقترب وهو يضع كفه على كتف ناصر ويلمس أنف ناصر بأنفه على الطريقة الرجالية ثم يهمس في أذنه:
لو أنك مت وخليتني.. كان لعنت مترسك..
ناصر يبتسم ويهمس له بصوت خافت وأخوية عميقة نادرة:
جلف ومن يومك جلف.. الله يعين أختي عليك
ثم ألتفت ناصر لراكان وهمس: أبي أروح الحمام
الوجوه الأربعة تبادلت نظرات واجمة قلقة..
(أكيد كلام الدكتور صدق.. وهو ناسي سالفة بتر ساقه)
ولكنهم وإن كانوا يعلمون أن ناصرا مختلف ولكنهم لم يعلموا بعد أنه مختلف جدا.. جدا..
مختلف لأبعد حد
ناصر بمرح هادئ.. وموجع.. موجع جدا: أشفيكم تفكرون فيني كذا.. لا يكون طلع لي قرون بدل ساقي المقطوعة
أشوف عكازات مسندة على الطوفة.. قربوها مني قدام أسويها على روحي
واصل حدي..
ناصر رفض بشدة محاولات راكان وفارس للدخول معه للحمام..
وهو يحاول التسند على جسده الذي كان رغم قوته الرياضية خائر القوى من تأثير المهدئات
ومن عدم تعوده على عدم وجود ساقه..
يشعر أنها مازالت موجودة.. ولكنها ليست هناك..
ليست هناك
هناك فراغ..
فراغ موجع انهزامي
فراغ ثقيل و شاش ثقيل
ولكنه ضد الانهزامية.. ضد الاستسلام تحت وطأة هذا الثقل والفراغ مهما كان موجعا وشاسعا وجارحا له كرجل.. كبطل رياضي..كإنسان
إنسان باحث عن وهم الكمال.. كما هو هم البشرية المسعورة التي جعلت للكمال مقاييسا تافهة انتقصت أطرافها عنده
يعلم يقينا وهو بقدم واحدة أنه أفضل وأكثر اكتمالا من آلاف آلاف الرجال وأشباه الرجال ممن يمشون على قدمين
تنهد بعمق.. (أحتاج وقتا للتعود ليس أكثر..)
خرج من الحمام.. ليجد الطبيب في انتظاره ويجلس مع أهله
ويرسم ابتسامته المهنية المعتادة
ناصر تسند على عكازيه.. قام راكان لمعاونته.. ولكنه أشار لا
وهو يتقدم بخطوات ثابتة قدر مايستطيع وقدر مايساعده عكازاه
حتى وصلهم وجلس معهم على المقاعد.. ورفض العودة لسريره
الطبيب بإبتسامة: الحمدلله على سلامة فارسنا
ناصر بابتسامة باهتة: الله يسلمك
الطبيب بهدوء: بتعرف أخ ناصر أنا فخور جدا إني تعرفت عليك..
تقبلك لقرار البتر كان شجاع وثابت.. وهاي أول خطوة في سبيل استعادة حياتك الطبيعية بشكل كامل
ناصر صمت وهو يستمع للطبيب الذي أكمل حديثه وهو يرفع القدم الصناعية بين يديه:
قدمك الجديدة وصلت اليوم.. من أفضل وأحدث ما توصل له العلم قوة ومرونة وتحمل وتناسب مع شكل الساق فعليا
تقدر تبدأ تستخدمها بعد أسبوعين ثلاثة على حسب تحسن مكان البتر
وأنا أضمن لك بإذن الله بعد ما تتعود عليها.. تمارس حياتك بشكل طبيعي تماما
وممكن ترجع لركوب الخيل فورا وبنفس المهارة إن شاء الله
بريق أمل موجع في عينيه: جد دكتور أقدر أركب خيل طبيعي..؟؟
الدكتور بإبتسامة: أنا أتكلم بمهنية تامة.. ومسؤول عن كلامي..
ومو بس تركب خيل إلا ترجع للسباقات لو حبيت وتفوز كمان إن شاء الله
ناصر همس بمرح متألم: لا سباقات خلصنا منها.. بس ركوب الخيل في دمي..
أربعة وجوه مهتمة تتابع الحوار بألم.. بأمل.. بوجع.. بإهتمام مصفى
الطبيب أكمل: الوالد حابب يرجع الدوحة.. بس بيقول الرأي رأيك..
وطبيا أنت ممكن تغادر المستشفى بعد يومين
لو حابب تظل لحد ما تستخدم الساق الصناعية براحتك
لو حابب تنزل الدوحة.. تاخذ الساق معاك.. وزميلي يتابع حالتك هناك
وينطيك تعليمات استخدام الساق والعناية بها.. وفكها وتركيبها
يعني كل شيء إن شاء الله
لو كان على ناصر.. فهو يكره العودة للدوحة..
لا يريد رؤيتها هي.. لا يريدها
لا يريد مشاعل
يشعر بنفور حاد منها
إذا كانت رفضته وهو بساقين.. فكيف وهو بساق واحدة؟!
لكنه يعلم أن والدته لا بد قلقة عليه
ولا يريد إطالة أمد قلقها.. قلبه يذوب من أجل تلك الغالية
لذا قال بثقة: إلا الشور شور أبو مشعل
ودامك فيها وش أنت تتنيها
أحجزوا لنا يا شباب خلونا نرجع للدوحة أول ما أطلع من المستشفى
الطبيب خرج وتركهم
محمد مد يده لفخذ ناصر وهو يربت عليه ويقول بحزن عميق: الله يواجرك يا ولدي
إن شاء الله إنك من هل الخير..
وإن شاء الله إن ساقك سابقتك للجنة
ناصر بعمق: يبه لا تحزن جعلني الأول.. الحمدلله على نعمته
مشكلة الإنسان إنه يشوف الله وش خذ منه وما يشوف الله وش عطاه
الله سبحانه خذ مني ساق.. لكنه خلا لي ساق ويدين وبصر وسمع وعقل وقدرة على الحركة
حتى الساق المقطوعة.. هذا أنا بأركب وحدة بدالها..
شوف أختي مريم.. الله يواجرها.. فقدت نظرها ومافيه شيء يعوضها عنه
ومع كذا تشوفها تحمد الله وتشكره كأنه عطاها قوة بصر زرقاء اليمامة
أنا كل ما تذكرت مريم... حسيت بعظم نعمة الله علي.. ورأفته بي
الله كان بي رحيم.. البتر تحت الركبة وساق وحدة.. وكان يقدر يأخذ أكثر
وأنا مالي إلا الصبر.. لكن هو مثل ماخذ.. عطاني أكثر وأكثر
اللهم لك الحمد والشكر على نعمتك ورحمتك
**********************
مر يومان
موعد وصول ناصر سيكون غدا مساء
أصبحت معضلة مشعل ومشعل كيف يبلغان نساء آل مشعل بالخبر
فهما لا يريدان أن يُصدمن برؤية ناصر
مشعل بن عبدالله انتهى من إبلاغ مشاعل ولكنه تبقى لديه عقبة كبيرة في إبلاغ البقية.. وأولهما جدته وعمته ونورة
ومشعل بن محمد صاحب المهمة الأصعب : إبلاغ أمه وشقيقتيه
بيت عبدالله بن مشعل
غرفة مشعل وهيا وتحديدا
بعد صلاة العصر بقليل
مشعل يدخل وهو مسود الوجه تماما.. يشعر بإرهاق خانق ووجع نفسي أكثر اختناقا
هيا التي كانت تطوي سجادتها.. ألتفتت له ثم همست برعب:
مشعل أشفيك؟؟
مشعل يفتح أزرار ثوبه العلوية عله يجذب لرئتيه المختنقتين بعض الهواء
ويهمس بضيق: توني جاي من عند عمتي نورة وسوت لي مناحة
والله إني خفت عليها وكنت أبي أوديها للمستشفى
بس خالي جابر عيا وقال هو بيهديها
اذا عمتي سوت كذا.. الله يعيني على جدتي
هيا برعب: ليه وش صاير؟؟
مشعل حكى لها عن وضع ناصر باختصار
هيا تنهدت بألم: إنّا لله وإنّا إليه راجعون
الله يواجره.. المؤمن مبتلى.. ومادام بتر ساق بس..
أنت تدري إنه ممكن يستخدم ساق صناعية ويعيش حياته طبيعي
مشعل يتنهد: أنا وأنتي نقول كذا..
بس العجايز وش يفهمهم؟؟
أنا كل شيء عندي ولا جدتي هيا.. ماداني عليها أدنى شيء
ما أدري أشلون أقول لها
هيا تنهدت بعمق: خلاص خلها علي
مشعل بارتياح: صدق؟؟
هيا شعرت أنها تورطت فعليا.. فهي أيضا تخشى مواجهة جدتها بالخبر الموجع
ولكنها من أجل مشعل مستعدة أن تحمل كل هذا الألم عنه
يكفيه ما تحمله من عمتهما
همست له بخوف: صدق.. والله يعيني
*************************
القاهرة
المصحة نفسية
باكينام تصل وهي تحمل كيس كبير نوعا ما
تنزل دون أن تنتبه أن هناك سيارة غريبة بها شخص غريب تتبعها
خلال اليومين الماضيين اختفى يوسف تماما
كانت تود أن تصفي الأجواء معه بعد حديثها المريح مع حمد
ولكنه لم يحضر ولم يتصل
وهي يستحيل أن تبادر بالاتصال
ولكنها أيضا خلال اليومين الماضيين بدأت تخرج كثيرا للسوق هي وجدتاها
وأحيانا أمها.. للتجهز لزواجها الذي تقبلت فكرته بارتياح
لذا لم تشغل بالها كثيرا بغياب يوسف الغريب وغير المعتاد
وجدت حمد اليوم يجلس في الحديقة ويستمتع بشمس الأصيل الضعيفة
التي أضعفتها برودة الجو أكثر
كان يقرأ كالعادة ومستغرقا في القراءة
اقتربت منه سلمت بمودة..
أنزل حمد نظارته: أهلين بالعروسة..
ثم أكمل بحنين: تدرين اليوم قبل صلاة الظهر كلمت أمي..يالله وش كثر كانت هي مشتاقة وأنا مشتاق
باكينام تجلس: إزيها؟؟
حمد بهدوء: تمام.. أنتي أشلونش؟؟ عسى صفيتي الجو مع... هو شاسمه؟؟
باكينام تتنهد: يوسف
حمد يضحك: وتنهيدة بعد.. شكلش رايحة في خرايطها
باكينام تبتسم: إيه خرايطها دي.. شكلها تهزيئة
حمد يبتسم: مهوب تهزيئة لكنها بنت عمها
باكينام بفرح حقيقي: ماشاء الله النفسية النهاردة بمب
مازال مبتسما: الحمدلله من سمعت صوت الغالية وانا فوق الريح
باكينام بمرح: انته النهاردة رغاي.. ونسيتني أنا جايه ليه
حمد بمودة: الوحدة اللي جايه تزور أخيها تبي لها سبب..
باكينام بتأثر: ربنا يخليك.. وأنا والله حاسة إنك زي أخويا وأكتر
حمد يهمس بعمق: تدرين عندي 3 خوات توأم..حرمتهم يحسون بأخوتي لهم
باكينام بصدمة رقيقة: تلاتة توأم.. تتكلم جد؟؟
حمد بحماس طفولي: والله جد.. عمرهم 17 سنة.. يجننوووووون
باكينام بحماس مشابه: واو.. وكلهم شبه بعض؟؟
حمد بابتسامة عميقة: نعم ولا... عالية وعلياء شبه بعض تمام أنا ما أقدر أفرق بينهم إلا بصعوبة
معالي هذي غير في كل شيء.. شيطانة.. جن مصور على قولتكم
أكمل بحنين: والله اشتقت لهم.. نفسي أعوضهم عن جفاي وقسوتي عليهم
تخيلي مالهم أخ غيري.. بيني وبينهم فرق 14 سنة..
المفروض هم مثل بناتي.. لكن عمري ما حسستهم بأي حب..لا وكنت كثير أقول لهم بقسوة إني ما أحبهم..
رغم أنهم ينحبون.. والله العظيم يدخلون القلب
باكينام تبتسم: ربنا يخليك ليهم.. ويخليهم ليك.. كلها شوية وتخلص علاجك وترجع ليهم
ثم أردفت: أنا تاخرت كتير واحنا بنرغي..
رفعت الكيس ووضعته على الطاولة: أنا جايبة لك هدية صغننه
عشان شفت هدومك انهرت من الغسيل
جبت لك شوية لبس على زوئي
حمد يبتسم: تدرين إني كنت أبي أوصي حد على ملابس
ماشاء الله على حاستش السادسة
باكينام بمرح: طب الحمدلله.. ودلوئتي أستاذن
حمد يستوقفها: أنا مابعد خلصت كلامي..
باكينام باستغراب: فيه إيه؟؟
حمد باستفسار: كم ثمنهم؟؟
باكينام بغضب: عيب عليك حمد.. مش بتئول دلوئتي احنا أخوات
حمد بحزم: ماعليه باكينام أخوان.. بس لو ماخذتي فلوسهم
شيليهم معش..
باكينام بغضب خفيف ممزوج بمرح مصطنع: أنتو الرجالة العرب فيكم الخصلة الوحشة دي
أنا متاكدة لو أن اللي جاب لك الهدية دي راجل.. يوسف مسلا كنت هتئبلها بدون حساسية
بس عشان أنا وحدة ست.. كرامتك ما تسمحش ليك تئبل حاجة من مخلوء أقل من مستواك الرجولي العربي الرفيع
إزاي تلوس أخلاقياتكم العربية وفحولتكم الشهيرة وتنجسها أنك تساوي بين ست وراجل!!
حمد ابتسم ابتسامة جذابة ناعمة: أوه الأخت شكلها شايلة علينا احنا الرياجيل العرب من قلب؟؟
باكينام همست وهي تهمس بمرح: أبو الئلب وأمه على قولت بت خالك هيا
ضحك حمد: الله يعين يوسف عليش.. شكلش بتقومين الحرب العالمية الثالثة عليه
باكينام بابتسامة: هو اللي جابه لنفسو.. وبنفس الطريقة العربية المعتادة
فرض نفس.. وجبر.. وغصب...وقوة.. وتسلط.. وجبروت..
المصطلحات العريقة اللي بيتقنها كل راجل عربي
حمد يبتسم: تدرين أفكارش تبي لها إعادة تأهيل كامل.. أنا بصراحة واحد مهوب في موقع حوار أو إسداء نصيحة
لأني لين قبل 3 شهور كنت أسوأ نموذج ممكن يكونه رجل أو حتى إنسان
متسلط ومتوحش ويدي طويلة
لكن أنا قارئ عتيد.. ومن منطلق خبرة الكتب مهوب من خبرتي
أقول لش: التعميم أكبر ذنب فكري ممكن الواحد يرتكبه في حق نفسه وحق قناعاته
إنك تبني قناعة كاملة على أساس تعميم جريمة
يعني أنتي الحين تقولين الرجل العربي والرجل العربي.. وتطلقين أحكام شاملة وعامة وقطعية
تذكري إنه الوالد رجل عربي ويوسف رجل عربي وأكيد عندش أهل رجال عرب..
علاقتش فيهم كلهم بتكون علاقة متوترة ومتحسسة وفيها قدر كبير من التحفز
لأنه تفكيرش كذا تفكير حربي وكأنه احنا في معركة بين الرجل والمرأة..ولازم واحد منهم يربح
لكن النتيجة صدقيني بتكون خسارة الطرفين
وحطي ذا الشيء في بالش وأنتي قريب بتبدين تبين حياتش مع يوسف
لا تكونين متشددة بذا الطريقة
وشوفي الأشجار على علوها وقوتها إلا أنها تنحني للريح عشان ما تنكسر
وإذا أنتي تحبين لعبة التعميمات هذي
فليش تنكرين التعميمات اللي تقول إنه الرجل العربي يحب يكون سند للمرأة
ويحب يحميها ويحتويها ويحسسها بالأمان
أو أنتي بس تختارين التعميمات اللي تناسب اللي في رأسش بس
والتعميمات اللي ما تناسب تدوسينها؟!!
باكينام كانت ترفع حاجبيها تعجبا وإعجابا.. والحوار بينها وبين حمد يمتد ويمتد ويتشعب
وامتد الوقت دون أن تشعر باكينام
حتى همس لها حمد: تايم آوت.. المغرب بيأذن ولازم أقوم
موعد وردي.. وأبي أصلي عقب.. اسمحي لي
باكينام نظرت لساعتها برعب: ساعتين ونص من غير ما أحس
أنا تأخرت خالص
حمد يقف ويتناول نظارته ويلبسها ويهمس لها بود أخوي:
اعتبر هذا إطراء إن حديثي أخيرا أعجب حد
باكينام بمودة: على ئد ماشفت وتكلمت مع ناس ماشفتش محاور زكي وعميق زيك
حمد يغادرها وهو يلوح بيده ويقول: شكرا على المجاملة.. والمرة الجاية لازم تجيبين يوسف معش
باكينام غادرت المصحة قبل غروب الشمس بحوالي ربع ساعة
وتوجهت لبيتها والسيارة إياها تتبعها
فور وصولها توضئت وصلت.. بعد التسليمة بقليل
رن هاتفها
كان يوسف.. ارتعش قلبها بعنف
لم تسمع صوته منذ لقاءهما ذلك الصباح قبل يومين
مشتاقة له.. مشتاقة.. مشتاقة
همست بود: أهلا يوسف
يوسف بطريقة مباشرة وهجومية: كنتي فين؟؟
باكينام تناست كل قراراتها وكبرياءها العنيد يحضر: مش شغلك
هو السبب.. هو من دفعها للرد عليه بهذه الطريقة
يوسف بحدة أكثر: باكي أنا مش فايئ لك.. خلي نهارك يعدي
أنا بأسألك كنتي فين؟؟ (كان يشدد على حرف)
باكينام شعرت بالتردد من حدته الزائدة: كنت باعمل شوبنق
مش المفروض إنه فرحي بعد أئل من تلات أسابيع
يوسف ببرود ممزوج بالنار: آآآآآآه فرحك.. ورحتي فين كمان؟؟
باكينام بتردد أكبر: مارحتش مكان رجعت البيت..
يوسف بنبرة خاصة: أكيد؟؟
باكينام بنبرة قوية لأنه استفزها: آه أكيد.. عندك مانع..
يوسف بنبرة خاصة اشتمت فيها رائحة غير مريحة: ابئي افتكري يا باكي إني سألتك
ما أعطلكيش.. تصبحي على خير
(أصبح على خير بعد المغرب
مالو ده؟؟ مش عوايدو)
باكينام شعرت بالذنب لأنها لم تخبره بزيارتها لحمد
شعرت أن إخفائها لهذه الزيارة جعلها ذنبا حقيقيا يخنق روحها
ترددت في إخبار يوسف لأنها تخشى من ردة فعله.. فهو غيور ومتسلط
ولن يتفهم سبب زيارتها لحمد
وهي في غنى عن المشاكل مع اقتراب موعد زواجهما
************************
قبل ذلك بساعات
الدوحة
غرفة الجدة أم محمد / هيا الكبيرة
مازالت تجلس على سجادتها من بعد صلاة العصر وتسبح
دخلت عليها هيا بخطوات مترددة
تود لو كان باستطاعتها العودة.. تود لو كان بإمكانها إلغاء كل الحقائق المؤلمة
فهذه العجوز اكتفت من الحزن.. اكتفت لأبعد حد
فهل يكتب عليها أن تُطعن شيخوختها بحزن جديد وألم جديد
هل مازال بها جَلَد واحتمال؟!!
هيا اقتربت من جدتها..
الجدة حين رأت هيا بالقرب تناولت برقعها من جوارها وارتدته
هيا جلست جوارها وقبلت كتفها.. سلمت ثم صمتت
الجدة همست بعمق: هويه وش عندش؟؟ كنش وراش علم
هيا بهدوء ساكن وعمق موجع: يمه تدرين إنش إن شاء الله من أهل الجنة..
لأنه اللي تفقد ولدين وتصبر جزاها الجنة إن شاء الله
الجدة صمتت.. وهيا تستمر في التهيئة التي لا تعرف أين تقودها:
يمه أبي راح.. وعمي سعود راح.. وجدي راح.. وقبلهم أبيش وأمش وأخوانش..
وأنتي صبرتي على كل شيء
جربتي الحزن كله.. ولأنش إنسانة مؤمنة صبرتي على ذا كله..
كم عمر عمي سعود يوم مات؟؟ 23 سنة أو 24 سنة؟؟ شباب وراح
الموت هو أكبر حزن في الدنيا وأنتي جربتيه.. يعني اللي أقل منه أنتي عليه أصبر وأقدر
تنهدت هيا الكبيرة بعمق وهي تقول بنبرة غامضة مجهولة الانفعالات:
ناصر وش فيه يا هيا؟؟ اخلصي علي
هيا ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تهمس: وش دراش إنه ناصر؟؟
الجدة بذات نبرتها الغامضة: من يوم راح الخبل صباحية عرسه يسابق وأنا قلبي ناغزني
ثم يوم لحقه المعرس الثاني ثاني يوم.. وقلبي ناغزني أكثر
ثم محمد وعبدالله كلهم راحوا له.. تبيني ما أدري إن اللي في ناصر شيء كايد
قولي لي وش صار له؟؟
هيا صمتت.. لم تعرف أن الأمر سيكون صعبا كذا
الجدة انتفضت بغضب حاد مفاجئ: هيا خلصيني
هيا انتفضت تفاجئا من جدتها التي انتقلت بشكل مفاجئ من الهدوء الساكن للثورة العاتية
لتقول هيا بدون تفكير: قصوا رجله
الجدة برعب وهي تغرز أصابعها في عضد هيا: ويش؟؟ ويش؟؟
هيا ندمت من تسرعها في قذف الخبر
ولكن هل كان من الممكن أن يُقال بطريقة ألطف؟!!
هيا ربتت على كف جدتها التي تعتصر عضدها وهي تهمس لها بعمق حنون:
يمه فديتش العلم والطب تطورو.. وبدل ساقه يقدر يركب ساق كنها ساق صدقية
يمشي فيها عادي ويروح ويأتي ويسوق سيارته عادي
ما كنه تغير شيء عليه
الجدة تنهدت وزفرت بألم عميق.. ثم همست لهيا بحزم متألم: هيا شغلي لي الرادو على قناة القرآن.. واطلعي وسكري الباب علي
هيا برجاء: تكفين يمه باقعد عندش
الجدة بألم: هيا يأمش لا تراديني..روحي
هيا انسحبت وهي تشعر بألم عميق يحز في روحها
ألم جارح من أجل هذه الغالية التي يعبر حزنها العميق عن مقولة العرب الأثيرة (ما أغلى من الولد إلا ولد الولد)
كان بودها أن تلغي نظرة الحزن الموغلة في الوحشية التي افترشت عينيها وظللت أهدابها
النظرة التي رأتها تطل من عينيها بجزع وهي تنسحب من غرفتها لتتركها تختلي بأحزانها من أجل حفيدها المرح الممتلئ بالحياة
الذي غادرها بساقين ليعود لها بساق واحدة!!!
**********************
ذات الليلة
بيت عبدالله بن مشعل
الصالة الرئيسية
حيث تجلس هيا وموضي
لطيفة تدخل عليهما هي وبناتها قادمة من بيت عمها محمد.. وعائدة لبيتها
سلمت ثم جلست، همست: جدتي أشلونها؟؟
موضي بألم: على حالها.. في غرفتها وتسمع قرآن.. ومهيب راضية حد منا يقعد عندها.. يمكن لو مشاعل هنا كان عرفت لها
لطيفة بحزن: مشاعل الله يعينها بعد.. خليتها وراي عند عمتها أم مشعل
هيا بقلق: إلا أم مشعل والبنات شأخبارهم؟؟
لطيفة بهمس متألم: متصبرين ومتقبلين بس الحزن في وجيههم معشش
هيا بمساندة: الله يعينهم.. وإن شاء الله إذا شافوه طيب.. وخصوصا عقب ما يركب ساقه.. بيتطمنون
لطيفة وقفت وهي تقول بهدوء: بأمر على جدتي أمسيها بالخير وعقب باروح لبيتي.. اليوم مادرست شيء
***************************
اليوم التالي مساء
ناصر يصل إلى مطار الدوحة
كانت احتفالية حاشدة في استقباله من أهله ومعارفه ومختلف الفرق القطرية في الألعاب المختلفة
امتلأ المطار عن آخره بمستقبليه الذي تتبعوا سيارته حتى وصل إلى فندق الشيراتون حيث يُقام عشاء على شرفه وسلامته
كان ناصر يستخدم عكازيه في التنقل ورغم صعوبة الأمر عليه خصوصا أن كفيه مازالا يؤلمانه لكنه كان يحاول التحرك بأكبر قدر من الثقة يستطيعه
وهاهو يجلس يحيط به أهله وأصدقائه وأعضاء فريقه
حسن بذراعه المجبرة كان يجلس جواره.. همس لناصر بمرح: ما لقينا من ذا الخيل خير..
ناصر يبتسم: إلا ماوراها إلا الخير... رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة)
حسن بجدية متألمة: ناصر أنا مالي وجه منك عقب اللي سواه ثيندر
ناصر بابتسامة: هذا شيء الله كاتبه.. أنت بتحاسب حيوان يا ابن الحلال
حسن بغموض: أنا حاسبته خلاص
ناصر برعب: وش سويت فيه؟؟
حسن بحزم: ما تعذب.. فرغت المسدس كامل فيه
ناصر بغضب: أنت مجنون.. تذبح حصان قيمته فوق مليون ريال.. ما تبيه كان بعته..
حسن بود وأخوية: يعل المليون تفداك.. أنا ماعاد طقت شوفته.. ولما دريت إنه وصل من الأردن.. عزّمت أخلص منه..
ولا تعيد ذا السالفة علي.. بأشتري لي حصان غيره
ناصر بألم: الله يهداك حسن.. ليش سويت كذا؟؟
حسن بمرح: خلاص يا ابن الحلال خلصنا من ثيندر.. قل لي متى بنرجع نتدرب سوا
ناصر بابتسامة: أسبوعين ثلاثة لين أركب الساق..
حسن بمودة: وعد..
ناصر بمودة أكبر: وعد
**************************
بعد حوالي ساعتين
حوالي الساعة 11 مساء
بيت محمد بن مشعل
يصل ناصر وراكان
أم مشعل والعنود ومريم في انتظارهما
ناصر دخل وهو يتسند على عكازيه.. وراكان بجواره
والدته حين رأته قفزت.. وعيناها تغيمان
لكن ناصر حلف عليها أن تجلس وهو يتوجه لها ويجلس جوارها
يحتضن كتفها ويقبل رأسها ثم يقبل يدها وهو يهمس بحنان:
والله إني طيب يا الغالية.. تكفين ما تبكين
وإذا كانت والدته امتثلت لرجائه وهي تمنع عينيها من البكاء وإن كان قلبها يبكي وينزف وجعا وألما
فإن العنود لم تمتثل مطلقا وهي تجلس جواره من الناحية الأخرى وتلقي بنفسها على صدره وتنخرط في بكاء حاد
ناصر احتضنها بحنان وهو يمسح على شعرها: بسش يا الدلوعة
هذا تبكين عشاني وإلا عشان مشتاقة لفارس؟؟
العنود همست له وهي تقبل كتفه: الحمدلله على سلامتك.. وخارج من الشر
ناصر بمودة: الله يسلمج.. وقومي مني خليني أسلم على مريم
مريم برقة وهي تقوم لتتحسس طريقها: انا باجيك
ناصر تعكز بصعوبة ووقف وهو يقول: لا والله ما تقومين أنا جايش
أم مشعل بجزع: راكان يأمك عاونه
راكان يبتسم: خله مهوب في عازتي.. أنا عقب أبيه يعاوني هو الصغير وأنا أخيه الشيبه
أم مشعل بحزن: جعلني أشوف عيالكم يعاونونكم..
ناصر وهو يميل على مريم ويقبل رأسها: راكان الأول عشانه الكبير
مريم تحتضن رأس ناصر وهي تهمس: الله يكتب أجرك
ناصر يهمس لها: وأجرش
ثم ألتفت ناصر لراكان: يالله راكان خلنا نروح لجدتي
راكان بهدوء: الوقت متأخر شوي.. خافها رقدت
ناصر يهز رأسه: مشعل وفارس ينتظروننا هناك.. مشعل يقول إنها متروعة علي..خلنا نروح نسلم عليها
راكان وناصر خرجا
وأم مشعل تميل على العنود وتهمس لها: قومي روحي لبيتش قبل يوصل فارس
العنود توترت وهي تتذكر فارس
لكنها أحكمت لف جلالها وهي تسلم على والدتها ومريم وتخرج لبيتها
راكان وناصر يخرجان عبر الباب الرئيسي ليدخلان بيت عمهما من الباب الرئيسي
ناصر يستفسر من راكان بتلقائية: متى ملكتك؟؟
راكان تفاجأ من سؤال ناصر المباغت لكنه أجاب بهدوء:
خلنا لين نتطمن عليك أول يا ابن الحلال
ناصر بغضب: ليه أنا مكسح وإلا متحرول تطمن علي؟!!!
راكان بذات الهدوء: يا شينك وأنت معصب.. تدري أنا وش أقصد
ناصر يحاول العودة لهدوءه ويهمس لراكان: أنا مافيني إلا العافية
وملكتك تممها بسرعة.. تدري إن مشعل بيرجع أمريكا عقب عقب حوالي 3 أسابيع
ثم أكمل بمرح: وبعدين مابغيت أصدق إنك وافقت أخيرا تعرس
أكيد إنك في حالة غيبوبة خل نستغلها قبل تصحا منها
راكان يبتسم لأن ناصر يبتسم: ليه ؟؟ لعب بزران عشان أهون
***********************
بيت عبدالله بن مشعل
مشعل وفارس وموضي وأم مشعل يجلسون في غرفة الجدة المتوترة انتظارا لوصول ناصر
مشعل ينهي اتصالا ويقول بهدوء: هذا هو ناصر عند الباب.. أبشري به يمه
موضي وقفت: بأطلع ألبس عباتي أهني ناصر بالسلامة
لم تعلم أن هناك أحدا آخر معه.. أو كان يستحيل أن تعاود النزول
فهي مازالت تشعر بمرارة جارحة وخجل متعاظم من عرضها لنفسها على راكان
وعاجزة عن مجرد التخيل أن تضع عينها بعينه
موضي خرجت
ومشعل توجه لباب البيت ليفتحه رغم أنه مفتوح.. ولكنهما لن يدخلا حتى يؤذن لهما فعليا وخصوصا مع تأخر الوقت
توجها ثلاثتهم لغرفة الجدة
ناصر توجه مباشرة لجدته بعد أن قبل رأس أم مشعل التي وقفت لاستقباله
وراكان ألقى التحية من بعيد على أم مشعل التي كانت تلبس برقعها وتلتف بجلال واسع
ناصر وضع عكازاته بجواره وجلس جوار جدته وقبل رأسها وكفها
الجدة لم تحتمل رؤيته يدخل عليها متسندا على عكازات
مسحت دمعة خائنة بطرف برقعها
وناصر عاود تقبيل يدها وهو يقول بتأثر: تكفين يمه ما تبكين
أفا يا ذا العلم.. أم محمد تبكي
ما عمري شفت لش دمعة.. تكفين ما تقهريني
الجدة تماسكت وهي تقول بهدوء موجع: جعلك ما تذوق القهر يأمك
وجعل ربي ما يحسرك
مهوب هاين علي شوفتك تعكز وانا شايفتك طالع من عندي تمشي على أرجيلك
ناصر يبتسم بألم وهو يحتضن كفها بقوة: أفا عليش كلها أسبوعين وإلا ثلاثة وأركب ساقي الجديدة..
وأول مشوار لش.. وبأطلع أنا وياش نفر سوق واقف كله
راكان يقترب ويقبل رأسها وهو يقول باحترام: أفا يمه شكلش شفتي نويصر ونسيتيني حتى من السلام
أم محمد بود مصفى: ماعاش من ينساك يا الغالي..
راكان جلس من الناحية الأخرى وهو يستفسر من جدته باهتمام عن أحوالها
حينها قال فارس بمرح رقيق: شكلهم عيال محمد بيأخذون جدتنا قطوعة لهم
الجدة ألتفتت لفارس وهي تقول بغضب رقيق: فويرس عادك هنا
قم لا بارك الله في عدوينك من معرس.. قم أكيد العنيد قاعدة تتناك ذا الحين
فارس توتر داخليا بعمق لذكرها ...هو مر للسلام على والدته قبل المجيء هنا
وتجنب حتى السؤال عنها.. لا يعلم فعلا لماذا يتصرف بهذه الغرابة
ناصر همس بمرح: ايه تستاهل عشان ما تنظلنا أنا وأخي.. حاسدنا في حضن جدتي
حينها الجدة ألتفتت لناصر لتقتص لفارس وهي تهمس له بذات نبرة الغضب الرقيق:
وأنت بعد يا نويصر قم .. قم روح لمرتك.. معاريسن ماعليكم شرهه
الله يعين بناتي عليكم
فارس حينها ابتسم وهو يشير لناصر بحاجبيه.. لينتقل إحساس أعمق بالضيق لناصر.. أعمق بكثير.. كان شبه متأكد أنها لابد في بيت أهلها
لكن بما أن جدته تقول له أن يقوم فمعنى ذلك أنها تنتظره هناك.. في بيته..
حينها همس مشعل بهدوء: بأروح معك يا ناصر.. أبي أسلم على أختي
والسبب الحقيقي لذهاب مشعل أنه أراد أن يمتص صدمة اللقاء الأول.. فهو من شهد المغادرة.. وشهد صدمات أخته
ويود أن يحاول تلطيف الجو بينهما
الأربعة نهضوا معا للمغادرة
وهم يعبرون الصالة الرئيسية يستعدون للخروج
نزلت موضي بعباءتها ونقابها
توقفت عند العتبة الأخيرة وهي تتمسك بطرف حاجز الدرج الحشبي
حتى لا تنهار وهي ترى رابعهم
لم يعد هناك مجال للتراجع أو الهرب ومشعل يقول: ناصر.. بنت عبدالله تبي تهنيك السلامة
بقيت موضي في مكانها متمسكة بطرف الحاجز وكأنه يحميها وهي تهمس:
الحمدلله على سلامتك يابومحمد.. خارج من الشر
ناصر باحترام دون أن يلتفت ناحيتها: الشر ما يجيش والله يسلمش
أشلونش طال عمرش في الطاعة؟؟
موضي بخفوت وهي تشعر أن ريقها جاف جاف جدا: طيبة طال حالك
ومجار من الشر
قالتها ثم عاودت الصعود.. بينما هي فعليا تريد الهرب قبل أن تتداعى أمامهم وتنهار
(أي جريمة نكراء ارتكبتها بحقه وبحقي؟!!)
كانت المرة الأولى التي ترى فيها راكان من هذا القرب منذ سنوات
بدا لها مثاليا أكثر مما يجب مقارنة بها.. بل بدت لها المقارنة مستحيلة بينهما
رجل فوق الكمال.. وامرأة تحت النقص
كانت تجد نظراتها غصبا عنه تتجه نحوه في نظرات خجلة مبتورة
كان يقف واثقا بكامل هيبته دون أن يلتفت ناحيتها مطلقا
بدا لها مخلوقا أسطوريا كما كانت تراه طيلة سنوات صباها المبكر
الفكرة التي أقنعتها أن لا أحد يتزوج الاساطير.. الفكرة التي عادت لمهاجمتها
هاهي تتمدد على سريرها تشعر باليأس والخوف والوجل وهي تتذكر تفاصيل شكله ووقفته..
ثقته المفرطة..سماره الصافي.. نظرة عينيه الأشبة بنظرة نمر واثق متيقظ وذكي
عارضاه السوداوان المحددان بدقة
ثم ذلك الطول والعرض الاستثنائيان تماما.. رغم أنها اعتادت على الطول والعرض
صفة كل رجال آل مشعل المميزة
ولكنه بدا لها مختلفا وهي تميز بوضوح عرض كتفيه وصلابة عضلاته المتبدية بتحفز من تحت انسياب ثوبه الشتوي الرمادي
كل مافيه كان مثاليا
وكل مافيها كان باهتا..هكذا فكرت!!
(واحد مثل هذا أشلون يأخذ وحدة مثلي.. حتى لو كان زواج صوري
أشلون أقدر أحط عيني في عينه
هذا بيحطم اللي باقي عندي من الثقة في نفسي
أنا أشلون تهورت وطلبت منه يتزوجني.. أشلون)
عشرات الافكار المؤلمة تطوف ببال موضي..
وقرار جديد يتشكل في ذهنها
************************
بيت فارس بن سعود
غرفته تحديدا
العنود وصلت منذ فترة
مشبعة بالحزن.. ومازال لديها الكثير من الدموع التي لم تروِ قلبها المفجوع بعد
لذا حين وصلت
ولم تجد أحدا
وهي تختلي بذاتها
وجدت أن موجة جديدة من البكاء تجتاحها
بكاء هي تحتاجه بشدة.. فألمها لمصاب شقيقها كان أكبر من الوجع ذاته
والحزن بداخلها كان عميقا.. عميقا جدا
كانت تجلس على الأريكة تحتضن مخدة صغيرة تنثر دموعها فيها
كانت مستغرقة تماما في نحيبها الخافت ووجهها مدفون في المخدة
لذا لم تنتبه أن الباب فُتح
وخطوات ثقيلة تقترب منها
*************************
بيت محمد بن مشعل
قسم ناصر
مشاعل كانت تطوف في البيت كالمخبولة تماما
غاية في التوتر.. عاجزة عن كبح جماح توترها وخوفها وخجلها
تأنقت تماما بناء على نصيحة لطيفة
وهاهي ترتدي بنطلونا حريريا أسود فوقه قميص طويل من الشيفون يصل للركبة
ألوانه خليط من الزهر والأسود
مزموم من عند الصدر حيث تربط شريطة زهرية ..وأكمامه جابونيز مزمومة عند عضدها
وشعرها الحريري القصير صنعت من خصلاته أمواجا قصيرة ملتوية
مما جعله أقصر وأكثر إثارة
وهي في دورانها في البيت طُرق الباب
قفز توترها للذروة وهي تشعر أنه لابد سيغمى عليها
فتحت الباب بتردد
لتصاب بصدمة خجل كاسحة وهي ترى شقيقها مشعل أمامها
كان بودها أن تهرب لتبدل ملابسها
لولا أن مشعل دخل ليتيح للمتعكز خلفه الدخول
****************************
بيت محمد بن مشعل
غرفة راكان
كان راكان يصلي قيامه حين سمع صوت رسالة تصل لهاتفه المحمول
حين سلّم من صلاته
تناول هاتفه ليرى الرسالة
تغير وجهه وهو يقرأها.. تغير جذريا
ومضمون الرسالة يشعل غضبه لأبعد حد
رغم حلمه الشاسع الذي عُرف به
ومازال غضبه يسيره وهو يتصل بالجهة التي وصلته الرسالة منها
ليصرخ بغضب كاسح ولكن مكتوم من بين أسنانه فور رد الجهة عليه:
أنتي شايفتني بزر تلعبين فيه؟!!
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء السبعون
بيت عبدالله بن مشعل
غرفة موضي
منتصف الليل
(حينما كنت مشبعة بالحياة ومقبلة عليها
كان نصيبي رجل هو أقل من أقل أحلامي
امتهنني حتى ألغى إنسانيتي وكينونتي وأنوثي
وحينما زهدت في كل شيء وماعاد بي ما يغري أي رجل بي
أجدني تورطت مع رجل هو فوق كل ما أكون قد حلمت من معجزات عصية التحقيق
لا تلاقي مطلقا بيننا.. ولا بأي صورة)
موضي متوترة.. مثقلة بالتفكير.. وعشرات الأفكار تعصف بها
ثم استقرت في الختام على قرار
فطلبها من راكان أن يتزوجها كان متهورا لأبعد حد
وربما لأنها في وقتها كانت مرتبكة من قرار والدتها
ووجدت راكان يرد عليها وهي في قمة يأسها فاتخذته طوقا للنجاة
دون أن تفكر فيه هو شخصيا
رجل مثله في اكتماله الموجع يستحق من هي مثله
وليس بقايا امرأة.. حتى وإن كان في إطار زواج صوري
فهي أمام الناس زوجته.. كيف ستحتمل عقد المقارنة بينهما؟!!
لذا قررت التوجه لغرفة شقيقها سلطان
كان مستغرقا في النوم.. تناولت هاتفه المحمول
وأخذت رقم هاتف راكان منه
وكتبت له الرسالة التالية:
" راكان
أنا أحلك من طلب الزواج المخزي اللي أنا أجبرتك عليه
بأقول لأبي إني أنا اللي ما أبي الزواج
عشان ما تنحرج معه
ورايتك بيضا يابو محمد"
أرسلتها
ثم تناولت مصحفها لتقرأ وردها قبل أن تنام
وتطمئن روحها القلقة
بعد عدة دقائق
كان هاتفها يرن
تناولته وهي تظن أنها لابد لطيفة فلن يتصل أحد في هذا الوقت سواها
بما أنها تسهر للدراسة
ولكنها صُدمت وهي ترى أنه ذات الرقم الذي أرسلت له الرسالة قبل قليل
ابتلعت ريقها بصعوبة
كانت تتمنى ألا ترد عليه ولكنها مجبرة أن تفعل..
تناولت هاتفها لترد بصوت متردد: ألو
ليفاجئها صراخة المكتوم على الجهة الأخرى: أنتي شايفتني بزر تلعبين فيه؟؟
موضي ابتلعت ريقها وهي تهمس بخفوت: محشوم يابو محمد
راكان بنفس النبرة الغاضبة التي لم يعتدها: ليه أنتي خليتي فيها محشوم
موضي بذات الهدوء الخافت: الله يهداك راكان مافيه داعي تعصب
أنا قلت لك الموضوع من صوبي أنا اللي بأقول أني ما أبي أتزوج
راكان من بين أسنانه: ياسلام عليش.. وفي ظنش أنا رأيي ماله قيمة أول وتالي
الظاهر إنش ماتعرفين راكان من هو
ومهوب أنا اللي أمشي على شور النسوان..
أنا يوم وافقت وافقت بكيفي.. لا تظنين للحظة إنش أنتي اللي جبرتيني
والحين بعد مهوب على كيفش تقولين هون خلاص
كني لعبة عندش.. شوي تلعبين بها.. وعقبه مليتي منها
موضي بألم: راكان مافيه داعي للتجريح.. أنا مستخسرتك فيني
أنت تستحق اللي تساويك مهوب وحدة مثلي
راكان بصدمة: مستخسرتني فيش؟؟!!
موضي عيب عليش ذا الكلام.. عيب
ثم تنهد وأكمل: إذا أنتي خايفة إني ممكن يوم أسوي فيش مثل حمد
فأقول لش تنقص يدي ولا أمد عليش أصبع
موضي باستنكار: لا والله ماطرا علي
أنت وين وحمد وين
لكن.......
راكان قاطعها وهو يقول بثقة ثابتة: خلاص لا تقولين شيء
سالفتنا منتهية.. والناس كلهم منتظرين الملكة
فلا تحرجين نفسش وتحرجيني
وملكتنا بتكون قبل سفر مشعل
موضي بتردد: زين عندي شرط
راكان بثبات: ما تشوفين إنش مسختيها بالشروط.. بس ولا يهمش تدللي
موضي برجاء حقيقي: آخر شرط.. تكفى
راكان بهدوء: زين قولي
موضي بخفوت: إنك تزوج عقب وحدة تليق فيك
راكان غضب فعلا.. غضب لأبعد حد
(هذي لذا الدرجة مسترخصة فيني
المره لو هي تكره رجالها كره العمى ما تبيه يتزوج عليها
لكن هذي باقي تدلل علي)
رد عليها بغضب حقيقي: تدرين موضي أنتي ما ينرد عليش
أنا إذا بغيت أتزوج أنتي وإلا غيرش
أنا اللي أقرر مهوب انتي
وياويلش يا موضي.. لو سمعتش تعيدين ذا السالفة عقب
فاهمتني؟!!
موضي بحرج: خلاص راكان.. آسفة.. آسفة
**********************
بيت فارس بن سعود
غرفة فارس
فارس يدخل غرفته
يلفه توتره وشوقه
(هل سأجدها أم مازالت في بيت أهلها؟!)
صدم حين دخل بصوت نحيب خافت
ثم صُدم أكثر بالمنظر الموجع الذي رأه أمامه
المنظر الذي مزق روحه أشلاء متناثرة
كانت كطفلة باكية وهي تحتضن مخدة صغيرة تنثر أساها وحزنها ودموعها فيها
اقترب منها
لم تنتبه لاقترابه
حتى جلس جوارها
انتفضت وهي تشعر بالثقل الذي جلس جوارها
ثم انتفضت أكثر وهو يضع يده على رأسها
رفعت وجهها إليه
أذابت عيناها الدامعتان شرايين قلبه
في كل مرة كان يسمع صوت بكاءها عبر الهاتف ويكاد يجن
فكيف وهو يراها تبكي أمامه
كان الأمر فوق احتماله.. فوق احتماله بكثير
أخذ المخدة من بين يديها
لف ذراعه على كتفيها وهو يقربها منه
ليدفن رأسها في عرض صدره
ثم يشدد احتضانه لها وهو يحكم ذراعيه حولها
كأنه يريد إخفائها بين أضلاعه
(يا الله كم هو موجع ورائع إحساسي بها بين أحضاني
كأن قلبي المهاجر يعود ليستكين بين أضلاعي
كأن روحي الهائمة ترجع لتستقر في حناياي
أي سحر تحتوينه يا صغيرة أي سحر؟؟
تعبت وأنا أسأل هذا السؤال
وأنتِ لا تجيبين
فقط تمعنين في تعذيبي وربطي بحبال هواكِ
كم أحبكِ يا صغيرتي!!
حبكِ أذاب عظامي.. نفض روحي..تغلغل في كل خلية من خلاياي)
كانت العنود تستكين بين أحضانه وهي تدفن رأسها في صدره
وتمسك بجيب ثوبه بكلتا يديها كأنها طفلة تخشى الضياع
وهي تنخرط في بكاء حاد مؤلم
شعر أنه فعلا يتمزق وهو يشعر بدموعها تبلل ثوبه لتصل إلى جلده
همس لها بحنان عميق:
بسش بكاء.. تكفين
العنود رفعت وجهها الغارق بالدموع إليه وهي تهمس بألم:
ليش ماقلت لي عن حالة ناصر قبل؟؟
ليش تخلي مشعل هو اللي يقول لي؟؟
ليش خبيت علي؟؟
لهالدرجة أنا مالي قيمة عندك؟؟
إذا من أولها تعامل معي كذا أشلون عقب؟؟
فارس وقف وهو يزيح كل انفعالاته جانبا وسؤالها الأخير يصفع غروره وتكبره
ليقول لها ببرود: العنود أنا ما أسمح لش تحاسبيني أو تعلميني أشلون أعامل مرتي
العنود وقفت وهي تنظر له نظرة مشبعة بالألم
نظرتها نحرته..
ولكن انفعالاته لم تظهر على ملامح وجهه التي احتفظت ببرودها
والعنود تنسحب لتدخل الحمام
تريد أن تتوضأ
وتريد أن تهرب من سطوة قسوته..
أي رجل هذا الذي ينقلب من النقيض إلى النقيض في لحظة؟!!
من النار إلى الجليد
من الحنان إلى القسوة
من حبيب تتمناه إلى فارس الذي تعرفه!!
*************************
بيت محمد بن مشعل
قسم ناصر
مشاعل كانت تطوف في البيت كالمخبولة تماما
غاية في التوتر.. عاجزة عن كبح جماح توترها وخوفها وخجلها
تأنقت تماما بناء على نصيحة لطيفة
وهاهي ترتدي بنطلونا حريريا أسود فوقه قميص طويل من الشيفون يصل للركبة
ألوانه خليط من الزهر والأسود
مزموم من عند الصدر حيث تربط شريطة زهرية ..وأكمامه جابونيز مزمومة عند عضدها
وشعرها الحريري القصير صنعت من خصلاته أمواجا قصيرة ملتوية
مما جعله أقصر وأكثر إثارة
وهي في دورانها في البيت طُرق الباب
قفز توترها للذروة وهي تشعر أنه لابد سيغمى عليها
فتحت الباب بتردد
لتصاب بصدمة خجل كاسحة وهي ترى شقيقها مشعل أمامها
كان بودها أن تهرب لتبدل ملابسها
لولا أن مشعل دخل ليتيح للمتعكز خلفه الدخول
المتعكز الذي نحرت رؤيته روحها
كان يحاول التقدم بخطواته بشكل واثق
لم تنتبه مطلقا لعكازاته كان تركيزها على وجهها
كانت تريد أن ترى فيه طيف أمل لها
ولكنها لاحظت تماما أنه لا ينظر إليها ولم ينظر لها حتى
شعرت بفراغ موجع يجتاح روحها
وهي تتأخر لتسمح له بالتقدم
مشعل تقدم منها.. احتضنها وقبل رأسها وهو يهمس لها بخفوت:
سلمي على ناصر
لكنها لم تتحرك من جوار شقيقها وناصر يصل بعكازيه إلى منتصف الصالة
شعر مشعل أن مهمته أكثر صعوبة
لذا قال بصوت مسموع: مشاعل روحي سلمي على رجّالش
في العرف المعتاد من غير اللائق أن تسلم المرأة على زوجها أمام أحد
ولكن وضع ناصر ومشاعل كان وضعا غير معتاد
مشاعل تقدمت خطوة
لكن ناصر أشار بيده وهو يعطيهما ظهره: مافيه داعي
مشعل شعر بالإهانة.. ومشاعل شعرت بالألم
وناصر أدرك أن جملته جارحة لمشعل.. فمن الاثنين المتواجدين معه لم يكن يهمه إلا مشعلا!!
لذا تدارك الوضع بذكاء وهو يكمل جملته و يقول بهدوء: لا تحرجها يا مشعل.. أدري إنها مستحية
مشعل ابتسم وهو يقول: لا مهيب مستحية
مشاعل روحي سلمي على ناصر
كان مشعل مازال واقفا على الباب يستعد للمغادرة ولا يرى وجه ناصر
مشاعل اقتربت أكثر.. أحرجها كثيرا أنه مازال يعطيها ظهره
لذا اضطرت أن تلف لتقف أمامه مباشرة
مرت لحظات متوترة.. هي تنظر له وتمعن النظر واللصقات الصغيرة المنتشرة في وجهه تنحر روحها بالألم
وهو ينظر لما فوق رأسها بحكم طوله أولا.. وأنه يتحاشى النظر لها ثانيا
مشاعل همست له بصوت لا يسمعه سواهما: نزل رأسك شوي
لا تحرجني مع مشعل
ناصر أمال رأسه للأسفل قليلا ليصل لمستواها
مشاعل تعلم أن مشعل لا يراها لأن جسد ناصر يحجب الرؤية عن مشعل
ناصر همس لها ببرود: ترا ماصار سلام.. خلاص اعتبري إنش سلمتي
مشاعل لم ترد عليه وهي تضع كفها اليمين على خده اليسار وتطبع قبلة رقيقة شديدة العذوبة على طرف شفته من ناحيتها اليمنى
ناصر انتفض داخله بعنف.. لم يتوقع أن تقبله بهذه الطريقة الحميمة
توقع أن السلام لن يتجاوز تقبيل جبينه أو وضع خدها على خده مجاملة لوجود مشعل ليس إلا..
مشاعل همست له برقة وخجل: الحمدلله على سلامتك
رد عليها بصوت هادئ مسموع رغم إضطرابه الداخلي من حركتها الجريئة غير المتوقعة:
الله يسلمش
ومشعل يبتسم عند الباب: يالله يا جماعة تصبحون على خير
لم ينتظر ردا وهو يخرج ويغلق الباب خلفه
مشاعل كانت تذوب داخليا.. لا تستطيع رفع عينيها في ناصر بعد الذي فعلته
ولكنها شعرت أن هذا ما يجب أن تفعله حتى لا يشعر أنها مجبرة على السلام عليه
ناصر تجاوزها وجلس على الأريكة وهو يضع عكازيه بجواره
مشاعل اقتربت منه وهي تمسك عضدها اليسار بيدها اليمين كحركة للتماسك وهي تهمس: تعشيت؟؟
ناصر يلقي غترته جواره ويقول لها ببرود: تعشيت.. ولو ما تعشيت.. تطمني.. ماني بطالب منش عشا
مشاعل شعرت بألم حاد يخترق روحها.. همست له بمرارة: ناصر ليش تقول كذا؟؟
ناصر بذات البرود: اسمعيني يا بنت الناس.. أنا داري إنش عايفتني
لا تجين تقولين ذا الحين إني حليت في عينش..
لأني مستحيل أصدقش لو مهما سويتي من الحركات البايخة مثل الحركة اللي سويتيها قبل شوي
مشاعل بألم: حرام عليك ناصر تظلمني..أنا بس كنت مستحية منك
وصدقني اللي صار لك ماغير من نظرتي لك شيء.. أنت عندي شيخ الرياجيل أول و تالي..
ناصر نظر لها بغضب كاسح وهو يقول بنبرة غضب حادة:
أنتي لا تحسبين إنه عشان رجلي انقصت غديت ضعيف لش وإلا لغيرش
أدري إني شيخ الرياجيل برجلين وإلا وبوحدة.. وما أنا باللي بينقص مرجلتي قص رجلي.. هذاك الرجّال الناقص مهوب أنا
وأنا مستعد ذا الساعة أطلع من عندش وأرجع عقب ساعة متزوج شيختش اللي تسواش واللي هي وأهلها يعرفون يقيمون الرياجيل..
وهذا هو اللي بيصير.. بس مهوب ذا الحين.. بعدين ..
وانتي لين ذاك الوقت مالش شغل فيني..
اعتبرني نفسش ضيفة هنا.. حشمة لعمي عبدالله ومشعل.. وعقب شهر شهرين توكلي على الله وارجعي لهلش
مشاعل بهتت.. بهتت تماما.. توقعت الكثير.. ولكن ليس هذا
وليس بهذه القسوة والتجريح..
لم تعد تستطيع الوقوف.. قداماها تذوبان.. وجسدها يتهاوى
جلست بعيدا عنه
وهي تراقبه يتناول عكازيه ويقف عليهما
ويبتعد عنها لداخل الغرفة
مشاعل شعرت برغبة ملحة في البكاء
توجهت للغرفة الأخرى
كانت غرفة خالية لم تفرش بعد
أغلقت الباب
وجلست في الزاوية على الرخام البارد
وانخرطت في بكاء حاد
*************************
بيت مشعل بن محمد
غرفة مشعل ولطيفة
مشعل يدخل وعيناه تبحث فورا عن لطيفة
كانت على مكتبها تدرس
اقترب منها وسلمّ
ثم وقف خلفها ووضع يديه على كتفيها وهو يلصق خده بخدها ويهمس:
شأخبار طالبتنا النجيبة؟؟
لطيفة تحتضن خده بكفها وهي تهمس بتوتر: متوترة شوي.. بس هذا أنا أدرس
مشعل ابتعد قليلا ليبدل ملابسه ويصلي قيامه همس لها وهو يبتعد: ما ينخاف عليش يا قلبي
كان مشعل على وشك دخول الحمام حين تذكرت لطيفة شيئا:
مشعل
مشعل توقف: هلا حبيبتي
لطيفة برقة: فديتك حمودي يبي يعيد اشتراكه في نادي الكاراتيه.. تدري اشتراكه انتهى قبل الامتحانات.. وانت قلت منت براجع تجدده لين يخلص الامتحانات
وهذا هو خلص
مشعل بثبات: وليش هو ما قال لي؟؟؟.. لطيفة يا قلبي.. ثاني مرة يطلب منش شيء تقولينه لي
قولي له هو يطلبه مني.. ما أحب إنه يخليش واسطة بيننا.. أو يصير يستحي مني أو يحط بيني وبينه حاجز
سواء حمود أو عبود أو حتى البنات
لطيفة بابتسامة شاسعة: إن شاء الله يا قلبي
***********************
بيت فارس بن سعود
غرفة فارس
مازال جو التوتر يشيع في الأجواء
فارس أنهى صلاة قيامه في الصالة
وهي كانت تصلي في الغرفة
مر وقت ما وكلاهما معتصم بمكانه
فارس يتمنى بالفعل لو كان يستطيع أن يصارحها بعمق مشاعره ناحيته
أن يتوقف عن معاملتها بهذه القسوة التي لا يقصدها
ولكنها طباعه السيئة التي هو عاجز عن تغييرها بين ليلة وضحاها
قرر أن ينهض أخيرا.. دخل عليها
كانت تجلس على التسريحة تمشط شعرها..
فارس جلس على طرف السرير
كان يراقبها بتمعن
كانت تبدو سارحة في عوالم أخرى
لم تنتبه لدخوله حتى
ونظرة حزن عميق ترتسم على محياها الوضيء
فارس تنهد بعمق
كم يؤلمه آلمها..
والمؤلم حقا أنه لا سبب حقيقي لكل هذا سوى قسوته وكبريائه التعيسان
فارس همس: العنود
العنود انتفضت وهي تهمس بتلقائية: لبيه
فارس بحنان: لبيتي في مكة.. تعالي هنا أبي أقول لش شيء
**********************
مر وقت ما
طويل ربما.. قصير ربما
ومشاعل تبكي.. لم يخرجها من صومعة بكاءها سوى إحساسها الشديد بالبرد
فالغرفة كانت شديدة البرودة وملابسها خفيفة
قررت أن تخرج أخيرا
تحتاج أن تستحم وتصلي
مرت بالصالة نظرت لنفسها في المرآة الضخمة التي تتوسط الصالة
شكلها يبدو مرعبا من ذوبان كحلها على خديها
لا تريده أن يراها على هذه الحال
أي عروس هذه التي لم تجف دموعها من ليلة عرسها؟!!
دخلت تتسحب بهدوء
توقعت أن يكون نائما..
ولكنه كان يقرأ في المصحف.. ولم يرفع رأسه ناحيتها
تناولت روبها وفوطتها ودخلت للحمام
بعد خروجها تناولت سجادتها وثوب صلاتها وخرجت من عنده
وصلت في الصالة
أنهت صلاتها
ثم جلست تفكر.. كان بودها أن تتصل بلطيفة لتستشيرها
ولكن الوقت كان متأخرا جدا
وهي تشعر بالخجل أن تزعجها.. فقد تكون نائمة..
لم تعرف كيف تتصرف معه.. يستحيل أن توافق على سخافاته
"ضيفة.. وشهرين.. ثم يتزوج"
تعلم أنه مجروح منها
لا تلومه.. وتلومه في آن
فهو كان يعلم أنها خجولة.. ولكنه أساء تفهم خجلها
ولكن لم يعد هذا وقت العتب
فزواجها على المحك.. وهي تعلم أنها لو خسرته..فيستحيل أن تجد رجلا مثله
أين تستطيع أن تجد رجلا بإيمانه وقوته وصبره وعبق رجولته الحقيقي
لابد أن تخوض معركتها وحيدة لاستعادته
ويستحيل أن تخسر
يستحيل
تنهدت بعمق وهي تعود للداخل
كان قد تمدد على السرير وهو ينام على جنبه اليمين ووجهه لطرف السرير الآخر
وكان اختار هذا الطرف لأنه الاقرب للحمام
أخذت لها بيجامة من الدولاب
أرتدتها.. ثم عادت للتنهد للمرة الألف وهي تحاول بث عزم جديد في عروقها
كانت تخشى أن يطردها وهي بذاتها تكاد تذوب من الخجل
توجهت للناحية الأخرى من السرير واندست فيه وهي تنام على جنبها اليمين
وتعطيه ظهرها وهي تضم كفيها لصدرها وتدعو الله بعمق
تفاجأ ناصر منها بل صُدم.. ولكنه صمت
كان بوده أن يطردها... أو يقوم هو لينام في مكان آخر
ولكنه شعر أن الأولى نقص في المروءة والثانية نقص في الشجاعة
وليس هو بقليل المروءة أو قليل الشجاعة
بل لديه حظ وافر منهما كلاهما
لذا أكمل تمتمته بأذكاره وهو ينظر لظهرها الضئيل وعظمتي كتفيها الرقيقين الباديتين من تحت حرير بيجامتها الزرقاء
بيت عبدالله بن مشعل
غرفة موضي
منتصف الليل
(حينما كنت مشبعة بالحياة ومقبلة عليها
كان نصيبي رجل هو أقل من أقل أحلامي
امتهنني حتى ألغى إنسانيتي وكينونتي وأنوثي
وحينما زهدت في كل شيء وماعاد بي ما يغري أي رجل بي
أجدني تورطت مع رجل هو فوق كل ما أكون قد حلمت من معجزات عصية التحقيق
لا تلاقي مطلقا بيننا.. ولا بأي صورة)
موضي متوترة.. مثقلة بالتفكير.. وعشرات الأفكار تعصف بها
ثم استقرت في الختام على قرار
فطلبها من راكان أن يتزوجها كان متهورا لأبعد حد
وربما لأنها في وقتها كانت مرتبكة من قرار والدتها
ووجدت راكان يرد عليها وهي في قمة يأسها فاتخذته طوقا للنجاة
دون أن تفكر فيه هو شخصيا
رجل مثله في اكتماله الموجع يستحق من هي مثله
وليس بقايا امرأة.. حتى وإن كان في إطار زواج صوري
فهي أمام الناس زوجته.. كيف ستحتمل عقد المقارنة بينهما؟!!
لذا قررت التوجه لغرفة شقيقها سلطان
كان مستغرقا في النوم.. تناولت هاتفه المحمول
وأخذت رقم هاتف راكان منه
وكتبت له الرسالة التالية:
" راكان
أنا أحلك من طلب الزواج المخزي اللي أنا أجبرتك عليه
بأقول لأبي إني أنا اللي ما أبي الزواج
عشان ما تنحرج معه
ورايتك بيضا يابو محمد"
أرسلتها
ثم تناولت مصحفها لتقرأ وردها قبل أن تنام
وتطمئن روحها القلقة
بعد عدة دقائق
كان هاتفها يرن
تناولته وهي تظن أنها لابد لطيفة فلن يتصل أحد في هذا الوقت سواها
بما أنها تسهر للدراسة
ولكنها صُدمت وهي ترى أنه ذات الرقم الذي أرسلت له الرسالة قبل قليل
ابتلعت ريقها بصعوبة
كانت تتمنى ألا ترد عليه ولكنها مجبرة أن تفعل..
تناولت هاتفها لترد بصوت متردد: ألو
ليفاجئها صراخة المكتوم على الجهة الأخرى: أنتي شايفتني بزر تلعبين فيه؟؟
موضي ابتلعت ريقها وهي تهمس بخفوت: محشوم يابو محمد
راكان بنفس النبرة الغاضبة التي لم يعتدها: ليه أنتي خليتي فيها محشوم
موضي بذات الهدوء الخافت: الله يهداك راكان مافيه داعي تعصب
أنا قلت لك الموضوع من صوبي أنا اللي بأقول أني ما أبي أتزوج
راكان من بين أسنانه: ياسلام عليش.. وفي ظنش أنا رأيي ماله قيمة أول وتالي
الظاهر إنش ماتعرفين راكان من هو
ومهوب أنا اللي أمشي على شور النسوان..
أنا يوم وافقت وافقت بكيفي.. لا تظنين للحظة إنش أنتي اللي جبرتيني
والحين بعد مهوب على كيفش تقولين هون خلاص
كني لعبة عندش.. شوي تلعبين بها.. وعقبه مليتي منها
موضي بألم: راكان مافيه داعي للتجريح.. أنا مستخسرتك فيني
أنت تستحق اللي تساويك مهوب وحدة مثلي
راكان بصدمة: مستخسرتني فيش؟؟!!
موضي عيب عليش ذا الكلام.. عيب
ثم تنهد وأكمل: إذا أنتي خايفة إني ممكن يوم أسوي فيش مثل حمد
فأقول لش تنقص يدي ولا أمد عليش أصبع
موضي باستنكار: لا والله ماطرا علي
أنت وين وحمد وين
لكن.......
راكان قاطعها وهو يقول بثقة ثابتة: خلاص لا تقولين شيء
سالفتنا منتهية.. والناس كلهم منتظرين الملكة
فلا تحرجين نفسش وتحرجيني
وملكتنا بتكون قبل سفر مشعل
موضي بتردد: زين عندي شرط
راكان بثبات: ما تشوفين إنش مسختيها بالشروط.. بس ولا يهمش تدللي
موضي برجاء حقيقي: آخر شرط.. تكفى
راكان بهدوء: زين قولي
موضي بخفوت: إنك تزوج عقب وحدة تليق فيك
راكان غضب فعلا.. غضب لأبعد حد
(هذي لذا الدرجة مسترخصة فيني
المره لو هي تكره رجالها كره العمى ما تبيه يتزوج عليها
لكن هذي باقي تدلل علي)
رد عليها بغضب حقيقي: تدرين موضي أنتي ما ينرد عليش
أنا إذا بغيت أتزوج أنتي وإلا غيرش
أنا اللي أقرر مهوب انتي
وياويلش يا موضي.. لو سمعتش تعيدين ذا السالفة عقب
فاهمتني؟!!
موضي بحرج: خلاص راكان.. آسفة.. آسفة
**********************
بيت فارس بن سعود
غرفة فارس
فارس يدخل غرفته
يلفه توتره وشوقه
(هل سأجدها أم مازالت في بيت أهلها؟!)
صدم حين دخل بصوت نحيب خافت
ثم صُدم أكثر بالمنظر الموجع الذي رأه أمامه
المنظر الذي مزق روحه أشلاء متناثرة
كانت كطفلة باكية وهي تحتضن مخدة صغيرة تنثر أساها وحزنها ودموعها فيها
اقترب منها
لم تنتبه لاقترابه
حتى جلس جوارها
انتفضت وهي تشعر بالثقل الذي جلس جوارها
ثم انتفضت أكثر وهو يضع يده على رأسها
رفعت وجهها إليه
أذابت عيناها الدامعتان شرايين قلبه
في كل مرة كان يسمع صوت بكاءها عبر الهاتف ويكاد يجن
فكيف وهو يراها تبكي أمامه
كان الأمر فوق احتماله.. فوق احتماله بكثير
أخذ المخدة من بين يديها
لف ذراعه على كتفيها وهو يقربها منه
ليدفن رأسها في عرض صدره
ثم يشدد احتضانه لها وهو يحكم ذراعيه حولها
كأنه يريد إخفائها بين أضلاعه
(يا الله كم هو موجع ورائع إحساسي بها بين أحضاني
كأن قلبي المهاجر يعود ليستكين بين أضلاعي
كأن روحي الهائمة ترجع لتستقر في حناياي
أي سحر تحتوينه يا صغيرة أي سحر؟؟
تعبت وأنا أسأل هذا السؤال
وأنتِ لا تجيبين
فقط تمعنين في تعذيبي وربطي بحبال هواكِ
كم أحبكِ يا صغيرتي!!
حبكِ أذاب عظامي.. نفض روحي..تغلغل في كل خلية من خلاياي)
كانت العنود تستكين بين أحضانه وهي تدفن رأسها في صدره
وتمسك بجيب ثوبه بكلتا يديها كأنها طفلة تخشى الضياع
وهي تنخرط في بكاء حاد مؤلم
شعر أنه فعلا يتمزق وهو يشعر بدموعها تبلل ثوبه لتصل إلى جلده
همس لها بحنان عميق:
بسش بكاء.. تكفين
العنود رفعت وجهها الغارق بالدموع إليه وهي تهمس بألم:
ليش ماقلت لي عن حالة ناصر قبل؟؟
ليش تخلي مشعل هو اللي يقول لي؟؟
ليش خبيت علي؟؟
لهالدرجة أنا مالي قيمة عندك؟؟
إذا من أولها تعامل معي كذا أشلون عقب؟؟
فارس وقف وهو يزيح كل انفعالاته جانبا وسؤالها الأخير يصفع غروره وتكبره
ليقول لها ببرود: العنود أنا ما أسمح لش تحاسبيني أو تعلميني أشلون أعامل مرتي
العنود وقفت وهي تنظر له نظرة مشبعة بالألم
نظرتها نحرته..
ولكن انفعالاته لم تظهر على ملامح وجهه التي احتفظت ببرودها
والعنود تنسحب لتدخل الحمام
تريد أن تتوضأ
وتريد أن تهرب من سطوة قسوته..
أي رجل هذا الذي ينقلب من النقيض إلى النقيض في لحظة؟!!
من النار إلى الجليد
من الحنان إلى القسوة
من حبيب تتمناه إلى فارس الذي تعرفه!!
*************************
بيت محمد بن مشعل
قسم ناصر
مشاعل كانت تطوف في البيت كالمخبولة تماما
غاية في التوتر.. عاجزة عن كبح جماح توترها وخوفها وخجلها
تأنقت تماما بناء على نصيحة لطيفة
وهاهي ترتدي بنطلونا حريريا أسود فوقه قميص طويل من الشيفون يصل للركبة
ألوانه خليط من الزهر والأسود
مزموم من عند الصدر حيث تربط شريطة زهرية ..وأكمامه جابونيز مزمومة عند عضدها
وشعرها الحريري القصير صنعت من خصلاته أمواجا قصيرة ملتوية
مما جعله أقصر وأكثر إثارة
وهي في دورانها في البيت طُرق الباب
قفز توترها للذروة وهي تشعر أنه لابد سيغمى عليها
فتحت الباب بتردد
لتصاب بصدمة خجل كاسحة وهي ترى شقيقها مشعل أمامها
كان بودها أن تهرب لتبدل ملابسها
لولا أن مشعل دخل ليتيح للمتعكز خلفه الدخول
المتعكز الذي نحرت رؤيته روحها
كان يحاول التقدم بخطواته بشكل واثق
لم تنتبه مطلقا لعكازاته كان تركيزها على وجهها
كانت تريد أن ترى فيه طيف أمل لها
ولكنها لاحظت تماما أنه لا ينظر إليها ولم ينظر لها حتى
شعرت بفراغ موجع يجتاح روحها
وهي تتأخر لتسمح له بالتقدم
مشعل تقدم منها.. احتضنها وقبل رأسها وهو يهمس لها بخفوت:
سلمي على ناصر
لكنها لم تتحرك من جوار شقيقها وناصر يصل بعكازيه إلى منتصف الصالة
شعر مشعل أن مهمته أكثر صعوبة
لذا قال بصوت مسموع: مشاعل روحي سلمي على رجّالش
في العرف المعتاد من غير اللائق أن تسلم المرأة على زوجها أمام أحد
ولكن وضع ناصر ومشاعل كان وضعا غير معتاد
مشاعل تقدمت خطوة
لكن ناصر أشار بيده وهو يعطيهما ظهره: مافيه داعي
مشعل شعر بالإهانة.. ومشاعل شعرت بالألم
وناصر أدرك أن جملته جارحة لمشعل.. فمن الاثنين المتواجدين معه لم يكن يهمه إلا مشعلا!!
لذا تدارك الوضع بذكاء وهو يكمل جملته و يقول بهدوء: لا تحرجها يا مشعل.. أدري إنها مستحية
مشعل ابتسم وهو يقول: لا مهيب مستحية
مشاعل روحي سلمي على ناصر
كان مشعل مازال واقفا على الباب يستعد للمغادرة ولا يرى وجه ناصر
مشاعل اقتربت أكثر.. أحرجها كثيرا أنه مازال يعطيها ظهره
لذا اضطرت أن تلف لتقف أمامه مباشرة
مرت لحظات متوترة.. هي تنظر له وتمعن النظر واللصقات الصغيرة المنتشرة في وجهه تنحر روحها بالألم
وهو ينظر لما فوق رأسها بحكم طوله أولا.. وأنه يتحاشى النظر لها ثانيا
مشاعل همست له بصوت لا يسمعه سواهما: نزل رأسك شوي
لا تحرجني مع مشعل
ناصر أمال رأسه للأسفل قليلا ليصل لمستواها
مشاعل تعلم أن مشعل لا يراها لأن جسد ناصر يحجب الرؤية عن مشعل
ناصر همس لها ببرود: ترا ماصار سلام.. خلاص اعتبري إنش سلمتي
مشاعل لم ترد عليه وهي تضع كفها اليمين على خده اليسار وتطبع قبلة رقيقة شديدة العذوبة على طرف شفته من ناحيتها اليمنى
ناصر انتفض داخله بعنف.. لم يتوقع أن تقبله بهذه الطريقة الحميمة
توقع أن السلام لن يتجاوز تقبيل جبينه أو وضع خدها على خده مجاملة لوجود مشعل ليس إلا..
مشاعل همست له برقة وخجل: الحمدلله على سلامتك
رد عليها بصوت هادئ مسموع رغم إضطرابه الداخلي من حركتها الجريئة غير المتوقعة:
الله يسلمش
ومشعل يبتسم عند الباب: يالله يا جماعة تصبحون على خير
لم ينتظر ردا وهو يخرج ويغلق الباب خلفه
مشاعل كانت تذوب داخليا.. لا تستطيع رفع عينيها في ناصر بعد الذي فعلته
ولكنها شعرت أن هذا ما يجب أن تفعله حتى لا يشعر أنها مجبرة على السلام عليه
ناصر تجاوزها وجلس على الأريكة وهو يضع عكازيه بجواره
مشاعل اقتربت منه وهي تمسك عضدها اليسار بيدها اليمين كحركة للتماسك وهي تهمس: تعشيت؟؟
ناصر يلقي غترته جواره ويقول لها ببرود: تعشيت.. ولو ما تعشيت.. تطمني.. ماني بطالب منش عشا
مشاعل شعرت بألم حاد يخترق روحها.. همست له بمرارة: ناصر ليش تقول كذا؟؟
ناصر بذات البرود: اسمعيني يا بنت الناس.. أنا داري إنش عايفتني
لا تجين تقولين ذا الحين إني حليت في عينش..
لأني مستحيل أصدقش لو مهما سويتي من الحركات البايخة مثل الحركة اللي سويتيها قبل شوي
مشاعل بألم: حرام عليك ناصر تظلمني..أنا بس كنت مستحية منك
وصدقني اللي صار لك ماغير من نظرتي لك شيء.. أنت عندي شيخ الرياجيل أول و تالي..
ناصر نظر لها بغضب كاسح وهو يقول بنبرة غضب حادة:
أنتي لا تحسبين إنه عشان رجلي انقصت غديت ضعيف لش وإلا لغيرش
أدري إني شيخ الرياجيل برجلين وإلا وبوحدة.. وما أنا باللي بينقص مرجلتي قص رجلي.. هذاك الرجّال الناقص مهوب أنا
وأنا مستعد ذا الساعة أطلع من عندش وأرجع عقب ساعة متزوج شيختش اللي تسواش واللي هي وأهلها يعرفون يقيمون الرياجيل..
وهذا هو اللي بيصير.. بس مهوب ذا الحين.. بعدين ..
وانتي لين ذاك الوقت مالش شغل فيني..
اعتبرني نفسش ضيفة هنا.. حشمة لعمي عبدالله ومشعل.. وعقب شهر شهرين توكلي على الله وارجعي لهلش
مشاعل بهتت.. بهتت تماما.. توقعت الكثير.. ولكن ليس هذا
وليس بهذه القسوة والتجريح..
لم تعد تستطيع الوقوف.. قداماها تذوبان.. وجسدها يتهاوى
جلست بعيدا عنه
وهي تراقبه يتناول عكازيه ويقف عليهما
ويبتعد عنها لداخل الغرفة
مشاعل شعرت برغبة ملحة في البكاء
توجهت للغرفة الأخرى
كانت غرفة خالية لم تفرش بعد
أغلقت الباب
وجلست في الزاوية على الرخام البارد
وانخرطت في بكاء حاد
*************************
بيت مشعل بن محمد
غرفة مشعل ولطيفة
مشعل يدخل وعيناه تبحث فورا عن لطيفة
كانت على مكتبها تدرس
اقترب منها وسلمّ
ثم وقف خلفها ووضع يديه على كتفيها وهو يلصق خده بخدها ويهمس:
شأخبار طالبتنا النجيبة؟؟
لطيفة تحتضن خده بكفها وهي تهمس بتوتر: متوترة شوي.. بس هذا أنا أدرس
مشعل ابتعد قليلا ليبدل ملابسه ويصلي قيامه همس لها وهو يبتعد: ما ينخاف عليش يا قلبي
كان مشعل على وشك دخول الحمام حين تذكرت لطيفة شيئا:
مشعل
مشعل توقف: هلا حبيبتي
لطيفة برقة: فديتك حمودي يبي يعيد اشتراكه في نادي الكاراتيه.. تدري اشتراكه انتهى قبل الامتحانات.. وانت قلت منت براجع تجدده لين يخلص الامتحانات
وهذا هو خلص
مشعل بثبات: وليش هو ما قال لي؟؟؟.. لطيفة يا قلبي.. ثاني مرة يطلب منش شيء تقولينه لي
قولي له هو يطلبه مني.. ما أحب إنه يخليش واسطة بيننا.. أو يصير يستحي مني أو يحط بيني وبينه حاجز
سواء حمود أو عبود أو حتى البنات
لطيفة بابتسامة شاسعة: إن شاء الله يا قلبي
***********************
بيت فارس بن سعود
غرفة فارس
مازال جو التوتر يشيع في الأجواء
فارس أنهى صلاة قيامه في الصالة
وهي كانت تصلي في الغرفة
مر وقت ما وكلاهما معتصم بمكانه
فارس يتمنى بالفعل لو كان يستطيع أن يصارحها بعمق مشاعره ناحيته
أن يتوقف عن معاملتها بهذه القسوة التي لا يقصدها
ولكنها طباعه السيئة التي هو عاجز عن تغييرها بين ليلة وضحاها
قرر أن ينهض أخيرا.. دخل عليها
كانت تجلس على التسريحة تمشط شعرها..
فارس جلس على طرف السرير
كان يراقبها بتمعن
كانت تبدو سارحة في عوالم أخرى
لم تنتبه لدخوله حتى
ونظرة حزن عميق ترتسم على محياها الوضيء
فارس تنهد بعمق
كم يؤلمه آلمها..
والمؤلم حقا أنه لا سبب حقيقي لكل هذا سوى قسوته وكبريائه التعيسان
فارس همس: العنود
العنود انتفضت وهي تهمس بتلقائية: لبيه
فارس بحنان: لبيتي في مكة.. تعالي هنا أبي أقول لش شيء
**********************
مر وقت ما
طويل ربما.. قصير ربما
ومشاعل تبكي.. لم يخرجها من صومعة بكاءها سوى إحساسها الشديد بالبرد
فالغرفة كانت شديدة البرودة وملابسها خفيفة
قررت أن تخرج أخيرا
تحتاج أن تستحم وتصلي
مرت بالصالة نظرت لنفسها في المرآة الضخمة التي تتوسط الصالة
شكلها يبدو مرعبا من ذوبان كحلها على خديها
لا تريده أن يراها على هذه الحال
أي عروس هذه التي لم تجف دموعها من ليلة عرسها؟!!
دخلت تتسحب بهدوء
توقعت أن يكون نائما..
ولكنه كان يقرأ في المصحف.. ولم يرفع رأسه ناحيتها
تناولت روبها وفوطتها ودخلت للحمام
بعد خروجها تناولت سجادتها وثوب صلاتها وخرجت من عنده
وصلت في الصالة
أنهت صلاتها
ثم جلست تفكر.. كان بودها أن تتصل بلطيفة لتستشيرها
ولكن الوقت كان متأخرا جدا
وهي تشعر بالخجل أن تزعجها.. فقد تكون نائمة..
لم تعرف كيف تتصرف معه.. يستحيل أن توافق على سخافاته
"ضيفة.. وشهرين.. ثم يتزوج"
تعلم أنه مجروح منها
لا تلومه.. وتلومه في آن
فهو كان يعلم أنها خجولة.. ولكنه أساء تفهم خجلها
ولكن لم يعد هذا وقت العتب
فزواجها على المحك.. وهي تعلم أنها لو خسرته..فيستحيل أن تجد رجلا مثله
أين تستطيع أن تجد رجلا بإيمانه وقوته وصبره وعبق رجولته الحقيقي
لابد أن تخوض معركتها وحيدة لاستعادته
ويستحيل أن تخسر
يستحيل
تنهدت بعمق وهي تعود للداخل
كان قد تمدد على السرير وهو ينام على جنبه اليمين ووجهه لطرف السرير الآخر
وكان اختار هذا الطرف لأنه الاقرب للحمام
أخذت لها بيجامة من الدولاب
أرتدتها.. ثم عادت للتنهد للمرة الألف وهي تحاول بث عزم جديد في عروقها
كانت تخشى أن يطردها وهي بذاتها تكاد تذوب من الخجل
توجهت للناحية الأخرى من السرير واندست فيه وهي تنام على جنبها اليمين
وتعطيه ظهرها وهي تضم كفيها لصدرها وتدعو الله بعمق
تفاجأ ناصر منها بل صُدم.. ولكنه صمت
كان بوده أن يطردها... أو يقوم هو لينام في مكان آخر
ولكنه شعر أن الأولى نقص في المروءة والثانية نقص في الشجاعة
وليس هو بقليل المروءة أو قليل الشجاعة
بل لديه حظ وافر منهما كلاهما
لذا أكمل تمتمته بأذكاره وهو ينظر لظهرها الضئيل وعظمتي كتفيها الرقيقين الباديتين من تحت حرير بيجامتها الزرقاء
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الحادي والسبعين
بيت فارس بن سعود
غرفة فارس والعنود
العنود تقدمت بضع خطوات استجابة لنداء فارس لها
فارس بعمق وهو يشير جواره للناحية الأخرى من السرير: تعالي جنبي
اقتربت بتردد وخجل وجلست
فارس أمسك بكفها واحتضنها وهمس لها بعمق هادر:
حبيبتي أنا مهوب قلت لش إني غريب.. واستحمليني شوي.. أنا مايهون علي زعلش
العنود بحزن شفاف: وأنا جد حبيبتك يافارس؟؟.. وإلا كلمة ومقيولة؟؟
فارس بنبره وله حقيقي لأول يستطيع التعبير بها: إلا حبيبتي وحبيبتي..وحبيبتي
العنود بذات نبرة الحزن الرقيق: زين واللي يحب حد يعامله بذا القسوة.. لو كنت تكرهني وش سويت فيني؟؟
فارس ترك يدها ليضع كفه على خدها ويهمس لها: أنا أطباعي شينة.. أدري
وصعب أتغير بين يوم وليلة.. لكني عشانش مستعد أقط روحي في النار
انتي منتي بمستعدة تحملين شوي عشاني؟!!
ثم أكمل بنبرة مقصودة: وإلا عشان أنا مالي قيمة في قلبك منتي بقادرة تستحمليني؟؟
العنود انتفضت بجزع وهي تضع إصبعها الناعم على شفتيه لتقول برقة: ما أسمح لك تقول كذا
فارس قبل طرف إصبعها بعمق وعيناه تغرق في بحر عينيها
البحر الذي يتمنى أن يعيش عمره غريقا بين أمواجه
لا يريد أن ينقذه أحد.. بل يريد أن يغرق أكثر.. وأكثر
أن يسكن بحر هاتين العينين وقلب صاحبتها
أن تكون له..
له وحده
***********************
غرفة ناصر ومشاعل
ناصر يصحو لصلاة الفجر.. يشعل النور المجاور لسريره ليتناول عكازيه
ينظر ناحية ضيفته.. ضيفته كما يقول
تبدو مرتاعة حتى وهي نائمة
كما لو أنها عانت الكوابيس حتى نامت..
شعرها الحريري القصير تتناثر خصلاته على وجهها
وعلى طرف عينها تغفو دمعة يابسة فرت من حساب الزمن
تنهد ناصر..
لِـمَ تستفزه لإخراج مساوئه؟؟
لم يكن يوما قاسيا هكذا على أحد
لا يشعر ناحيتها سوى بنفور شديد
يتمنى أن ينهي صفحتها من حياته بأسرع وقت
أن تكون صفحة وتنقضي
ليبدأ حياة جديدة مع امرأة أخرى تكون راضية به منذ البداية
لولا أنها ابنة عمه أو ماكان ليتحمل وجودها لدقيقة واحدة
تنهد مرة أخرى وهو يقرب عكازيه منه
وينهض
ويتجه للحمام ليتوضأ
شعر بدوار شديد نتيجة للأدوية التي مازال يتناولها
سقط والعكازان يحدثان وقعا مدويا
قفزت مشاعل من السرير مرعوبة
لتصدم برؤيته على الأرض وهو مقطب الجبين من الدوار..و يحاول التماسك وتقريب عكازيه منه
مشاعل اقتربت منه بتلقائية يحركها رعبها عليه لتدخل يديها تحت إبطيه لتساعده على الوقوف
رغم أنها أساسا محاولة فاشلة فمن هي في حجمها الضئيل يستحيل أن تُنهض من هو في طوله الفارع
ولكنها كانت أبعد من تكون عن التفكير بالتحليلات المنطقية
ناصر نهرها بقسوة حقيقية: وخري.. أنا مهوب قايل لش مالش شغل فيني
قالها وهو يقرب عكازيه ويتجلد للوقوف
ليقف فعلا ويكمل طريقه للحمام
ويتركها تحتضن نفسها ألما وحرجا وفراغا مرا
وكالعادة تشعر برغبة ملحة للبكاء
غادرت الغرفة وتوجهت للغرفة الأخرى وهي تحتضن هاتفها
أغلقت على نفسها الباب واتصلت
حين رد عليها الطرف الآخر بدأت بالبكاء وهي تشهق وتقول:
مهوب طايقني.. مهوب طايقني
لطيفة وقتها كانت تنتظر خروج مشعل من الحمام لتتوضأ
حين رأت هاتفها يرن ويلمع باسم مشاعل في هذا الوقت علمت أن وراءها أمرا
لذا خرجت بهاتفها لغرفة بناتها وردت عليها وهي تخرج:
يا بنت الحلال استهدي بالله.. الرجّال توه واصل البارحة
"قال قوه قال توه"
أنتي تبينه على طول يطيح اللي في رأسه.. مايكون مشعلي أصيل
مشاعل بين شهقاتها: بس أنا ماسويت له شيء عشان يعاملني كذا
لطيفة تتنهد: ياقلبي يا مشاعل.. توش ما شفتي شيء
وإذا أنتي من أولها كذا فأنتي الخسرانة
مشاعل تتماسك: خلاص بأقعد عنده بس بأقعد في الغرفة الثانية بأفرشها وأقعد فيها
لطيفة بتحذير: إياني وإياش تسوينها.. حتى لو أنتي شايفة إنه مهوب طايقش على قولتش خليه يتعود عليش.. التعود أحيانا أقوى من الحب
خليه يحس إنه ما يقدر يقعد من غير حركتش حوله ووجودش جنبه.. حتى لو كان ما يكلمش
إسأليني... مشعل حتى أيام كنت أظن إنه مهوب حاس فيني.. ماكان يرضى أنام عند هلي.. وانتي بروحش تذكرين
تدرين الحين وش يقول لي... يقول كان مستحيل أدخل البيت وأنتي منتي بفيه
يقول ما كنت أعرف أفسر ليه.. بس البيت من غيرش يضيق الصدر كنه قبر
حسسي ناصر إن المكان من غيرش قبر.. لا تصيرين مدمغة.. وعند أول موقف تستسلمين
مشاعل مسحت دموعها وكلام شقيقتها يهدي كثيرا من روحها المرتاعة
عادت له في الغرفة
كان يلبس ثوبه على فنيلته وسرواله الأبيضين اللذين نام بهما
تجاوزته ودخلت الحمام دون أن تنظر له حتى لا يرى وجهها المحمر
همست وهي عند باب الحمام: أنت بالعادة تحب تفطر عقب الصلاة أو عقب؟؟
ناصر ببرود: إذا بغيت أفطر.. أفطرت عند أمي وإلا في المجلس.. قلت لش ما أبي منش شيء
مشاعل بسكون: والله أنا بأسوي مثل ما تعلمت في بيت هلي لين أرجع عليهم ريوقك بأسويه.. بغيت تأكل وإلا براحتك
*************************
غرفة فارس والعنود
الساعة 8 صباحا
العنود تتحرك بهدوء حتى لا تزعج فارس المستغرق في النوم
تلبس ملابسها استعدادا للذهاب للجامعة
فاليوم أول اختباراتها
فارس صحا من نومه
قبل أن يفتح عينيه مد يده جواره.. وجد مكانها خاليا
فتح عينيه بكسل وهو يتلفت بحثا عن طيفها الأثير
طيف فاتنته
وجدها أمام المرآة تضع واقي الشمس
اعتدل من نومه وهو يعدل المخدة خلف ظهره ويتسند.. ينظر لها ويبتسم
همس: صباح الخير ياقلبي أحلى صباح على عيونش
العنود ألتفتت له.. نهضت.. نظرت له مليا وهي تبادله الابتسام.. نهضت اقتربت منه وطبعت قبلة على خده وهي تهمس:
صباحك أحلى.. أول مرة أشوف واحد صاحي من النوم ويكون حلو موت كذا
فارس يشدها ليجلسها جواره: بلاها سالفة حلو ذي.. لا تطلع سكوني عليش
العنود تبعثر شعره بشقاوة وتهمس: أما أنك غريب.. حد يزعل من سالفة إنه حلو
فارس يشدها لصدره ويطبع قبلة على شعرها وهو يقول: أنا أزعل.. أنتي بنت وقمر ينقال لش ياحلوة
بس أنا اللي يقول لي حلو.. أقص لسانه
أنتي أول حد أعديها له.. وترا مهوب كل مرة أعديها
العنود احتضنت خصره بشدة ثم أفلتته وهي تقول: يا الله هدني لا تأخرني
فارس أفلتها وهو يقول باستغراب: وين بتروحين؟؟
العنود نهضت وهي تعود للمرآة وتقول بتلقائية: الجامعة.. اليوم أول اختبار عندي
فارس بغضب مفاجئ: وبدون ما تصحيني أو حتى تقولين لي.. ومن اللي كان بيوديش؟؟
العنود توترت وهي تهمس: سواقة مريم
فارس نهض وهو يرمي الغطاء بغضب: ليه ماوراش رجّال كنتي بتخلينه مكبر المخدة بدون حتى ما تعطينه خبر
(يامسرع ما يقلب ذا الرجّال.. قبل شوي يهبل)
همست العنود بخجل: محشوم فارس.. أنا حنيتك بس
فارس بنبرة حادة: لا.. لا تحشميني إذا هذي الحشمة عندش
متى امتحانش؟؟
العنود بخفوت: الساعة 10
فارس يتوجه للحمام: خلاص ربع ساعة بس أغسل وأتوضأ وأصلي الضحى وأوديش
حين خرج من الحمام كانت العنود تضع بعض الكحل داخل عينيها
فارس بغضب: وش تسوين؟؟
العنود بهمس: نقزتني.. وش فيك؟؟
فارس من بين أسنانه: امسحي الكحل اللي حطيتيه
العنود برجاء: فارس حبيبي.. ربعي دارين إني عروس من أسبوع بس..
أشلون تبيهم يشوفوني مغبرة.. وبعدين أنا ما أحط نقابي في الجامعة
والسالفة كلها شوي كحل داخل العين
فارس بذات نبرة الغضب المكتوم: العنود أظني قلت لش قبل إني ما أعيد الطلب مرتين
(يعني معقولة هي مهيب دارية إن عيونها تذبح بدون كحل
تبي تكحل بعد؟!!
تبي تجلطني ذي!!)
العنود شعرت بالمرارة من طريقته الحادة في الأمر.. مسحت الكحل تماما
وهو يصلي ركعتي الضحى
فور انتهائه كانت قد انتهت من لبس عباءتها
توجه للبس ملابسه.. كان يحكم إغلاق زر كمه حين اقتربت منه ووقفت على أطراف أقدامها.. وهمست عند أذنه برقة:
ترى فيه أسلوب ثاني للطلب ويؤدي لنفس النتيجة بس بدون ما يجرح
أو أنت ما تعرف إلا الأسلوب الجارح وبس
فارس مازال يعطيها ظهره وهو يقول بهدوء: والمعنى؟؟
العنود ابتعدت لتتناول كتابها وحقيبتها وهي تقول بنعومة رغم مرارتها الداخلية:
يعني لو قلت لي بهدوء: ياحبيبتي أنا أغار عليش.. وابي حلاتش لي بروحي
كنت قصيت علي.. وأنا سويت كل اللي أنت تبيه وأنا مبسوطة
**************************
بيت ناصر بعد صلاة الفجر
ناصر عاد ومشاعل في المطبخ
لم يقل لها شيء ولكنه عاد للنوم
حين انتهت من إعداد الإفطار كأفضل ما يكون وجدته نائما
عادت ووضعت الفطور في حافظات ليبقى ساخنا وغطت العصير
وأعدت القهوة والشاي والكرك والحليب الطازج في حافظاتها
فهي لا تعلم بعد ذوقه في الإفطار وماذا يحب أن يشرب
ولا تريد أن يكون يريد شيئا ولا يجده جاهزا
رتبت كل شيء على طاولة الطعام التي تأخذ لها زاوية في الصالة
ثم استحمت وتمددت جواره
نهضت حوالي الساعة التاسعة والنصف
لم تجده جوارها
توقعت أن يكون جالسا في الصالة.. توضئت وصلت ضحاها
خرجت ولم تجده.. ووجدت الفطور على حاله لم يلمس
المشكلة أنها لا تعرف رقم هاتفه حتى تتصل به
حتى وإن كانت تعرف.. هل ستتجرأ وتفعلها؟!!
قضت الوقت في الترتيب.. ثم في التأنق
تأنقت لأقصى حد.. رغم أنها بعادتها ليست من هواة تلوين الوجه
أرتدت لها جلابية خليط من الحرير والدانتيل التركواز وأوراق الشجر المصنوعة من قماش الكريب البرتقالي
لأنها تريد التوجه لبيت عمها ولابد أن تلبس شيئا واسعا
بعد أن صلت الظهر قررت الذهاب لأم مشعل لتتغدى معها ومع مريم
لأنها تعلم أن ناصر لابد سيتغدى في المجلس كعادة كل رجال آل مشعل
ارتدت جلالا كبيرا على رأسها وأغلقت باب بيتها وتوجهت لهم
فتحت باب بيتهم.. كان هناك رجلا يجلس بجوار أم مشعل
لم تستطع تبينه بسبب كثافة قماش الجلال
تراجعت وهي تقول بخفوت: بأرجع بعدين يمه
أم مشعل نادتها: تعالي يأمش.. هذا ناصر
توترت..بل توترت بشدة.. خافت أن يحرجها أمام والدته
ولكنها مضطرة للدخول.. دخلت وهي تتمتم بسلام مرتبك
وتنزل جلالها وتطويه وهي تعيد شعرها خلف أذنها
ولكنه لا يلبث أن يعود للانسدال على وجهها خصوصا عندما مالت للسلام على أم مشعل وينحدر شعرها كاملا للأمام
كانت تسرق نظراتها للجالس جوار والدته.. لم ينظر إليها.. أو هكذا بدا لها
وإن كانت رائحة عطره التي بدأت تألفها اخترقتها تماما
همس من قرب: موب أحسن لو تلمين شعرش ضايقتي أمي فيه
مشاعل شعرت بحرج شديد وهي تحاول بكلتا يديها إرجاع خصلاتها القصيرة للوراء وتلمها بكلتا يديها وهي تهمس بخجل: المرة الجاية بأربطه
أم مشعل تبتسم: من اللي بيتضايق من غزل ذا الأرينب المعطر ماشاء الله تبارك الله
مشاعل جلست بعيدا عنهما وهي تحاول ابتلاع حرجها الشفاف
أم مشعل وقفت وهي تقول بمودة: مشاعل تعالي اقعدي جنب رجّالش
أنا بأروح أشوف الخدامات وش سوو في غداء الرياجيل
مشاعل وقفت وهي تقول باستنكار: والله ما تروحين وأنا قاعدة.. أنا بأروح أشوف الغداء
أم مشعل باستنكار وحزم أكبر: استغفري ربش.. أنتي اللي والله ماتروحين
تبين تحوسين ريحتش الحلوة من ريحة المطبخ
اقعدي يأمش.. ياما جاي لش من المطابخ وغثاها.. اقعدي
مشاعل جلست وهي تشعر بالضيق وتكثر الاستغفار لاستعجالها بالحلف
وتقرر أن ترسل السائق العصر لدفع إطعام عشرة مساكين في مقر الجمعية القريب منهم
(ياشين الذرابة عليش.. صدق ممثلة درجة أولى)
كان صوته الساخر يرتفع بعد خروج والدته
مشاعل انتفضت بعنف: تكلمني؟؟
ناصر ينظر لها بنصف عين: ليه فيه حد غيرش هنا
لا أكون أكلم الطوفة بس..
مشاعل ترد بهدوء مثير: والله أنت قايل لي مالي شغل فيك
حسبت الكلام يدخل ضمن الاتفاق.. ودام أنا وحدة مالي شغل فيك
المفروض أي شيء أسويه ما يهمك.. أمثل ما أمثل شيء راجع لي
ناصر بسخرية حادة: والله طلعتي تعرفين تصفين حكي.. تصدقين.. كنت أحسب إنش ماتعرفين تقولين غير كلمة ورد غطاها
بس يظهر كله تمثيل في تمثيل وأنتي ما ينعرف اللي وراش
مشاعل وقفت واتجهت نحوه لتلتقط علبة المحارم الورقية من أمامه
وتميل عليه وتهمس بنبرة مدروسة: زين.. تحذر من اللي ما ينعرف وش اللي وراها
لا تباغتك بحركة أنت منت بمتوقعها
مرت دقيقة متوترة بين الاثنين وهما يتبادلان النظرات الغامضة
خليط من الكراهية والأمل والغضب والتحدي
مشاعل أخذت لها محرمتين وعادت مكانها وداخلها يذوي ويذوب خجلا وارتباكا
لا تعرف أي جرأة واتتها لتقول له هذا الكلام.. وتتصرف هذه التصرفات
أي جنون بات يحركها ويسير تصرفاتها؟!!
ناصر مازال مصدوما منها.. كل تصرف منها يفاجئه تماما
حين ترك لها الفطور صباحا دون أن يلمسه
توقع أنها ستقضي طول اليوم مغلقة الباب على نفسها وتبكي
فهو قصد أن يظهر لها عدم اهتمامه بها وبأي شيء تفعله
ولكنها فاجأته بالحضور هنا
وحين أحرجها بشكل مقصود.. توقع أن تنسحب وتجرجر أذيال خيبتها وأشتات حزنها ولكنها فاجأته للمرة الثانية
وليس مستعدا للمفاجأة الثالثة.. لذا وقف وهو يتعكز على عكازيه ويقول لها بحدة:
قولي لأمي تعطي الخدامة العود تعطيه لواحد من الصبيان يعطينا إياه في المجلس
مشاعل وقفت وهي تقول بسرعة: زين بأجيب لك بسرعة عود من عندي
ناصر بحدة أكبر: يا حبش للقافة.. عاجزة تقولين لأمي اللي أنا قلته لش؟؟
قعدت أنا لين تجي
مشاعل أمسكت عضدها اليسار بكفها اليمين.. حركتها التي تلجأ إليها حين تشعر أنها تحتاج للتماسك.. الحركة التي بات يلاحظها
وهي تنزل رأسها في الأرض وتهمس بمرارة محرجة: خلاص إن شاء الله
***********************
مواقف جامعة قطر
الساعة الواحدة إلا ربع ظهرا
فارس يصل لأخذ العنود بعد إنهاءها لامتحانها
وهاهي تركب جواره وهي صامتة رغم أن غضب صاخب يتعالى في روحها
لأن صديقاتها اللاتي لم يرين زوجها في ليلة زواجهما
أصررن جميعا أن يبقين معها حتى يرينه حين يحضر ليقلها
أطلقن عشرات التعليقات المرحة ولكنها آذتها وأشعلت نار غيرتها للحد الأقصى
"نعنبو.. هذا سكري عليه في البيت.. خطر يتحرك في الشوارع.. يسبب أزمة سير"
" ما تسلفيني إياه شوي.. بس أصور جنبه تكفين"
"مايصير توصلينا ؟؟"
"آه ياقلبي.. فيه رجّال حلو كذا؟!!"
" ترا احنا كل يوم نبي نسير عليكم لا وسيارتنا تعطل.. ونبي أبو الشباب يوصلنا
مايصير تخلونا نتلته في الليول"
لم تسلّم حين ركبت.. فارس التقط كفها واحتضنها بقوة بين أنامله وهو يهمس:
الحلو عاده زعلان حتى سلام ماسلم
العنود بنبرة غضب حقيقية غير معتادة: إيه زعلانة.. وما أبيك تجي تأخذني من الجامعة عقب اليوم ولا حتى توديني
فارس نفض يده من يدها وهو يقول من بين أسنانه: اقصري حسش تراني ماني بأصغر بزرانش..
وأما عاد إنش تبين تمشين شورش علي.. فهذا مابعد جابته أمه
العنود توترت.. تعلم أنها ليست حملا لغضبه.. ولا تستطيع أن تخبره أنه لا تريده أن يحضرها من الجامعة لأن صديقاتها أشبعنه تغزلا
شبكت يديها في حضنها وصمتت وألم عميق يخترم روحها.. وهو صمت وألم مشابه يغزو قلبه المثقل بحبها
يتمنى أن يستطيع احتواءها لمرة دون أن يغضب
أن يسمح لها أن تعبر أن ضيقها أو غضبها دون أن يكبتها بهذه الطريقة الموجعة
ظل الصمت هو شعارهما طوال الطريق
حتى وصلا للبيت وهو يقول لها بهدوء: انزلي.. بأروح للمجلس أتغدى
وترا ماني براجع إلا في الليل.. مشغول شوي
ادرسي امتحانش عدل
لم يكن لدى فارس أي مشاغل.. ولكنه بات يشعر أنه ربما ينشر طاقة سلبية تؤثر على استذكار العنود
لذا يريد أن يتركها طوال النهار لتدرس بعيدا عن تأثيره السلبي
*********************
القاهرة
مصحة حمد النفسية
قبل المغرب بقليل
باكينام تنهي زيارتها لحمد
الذي زارته خلال الأيام الماضية مرتين
رغم سعادة حمد بزيارتها إلا أنه يشعر بالحرج من عدم إحضارها لزوجها
رغم طلبه الحقيقي المتكرر أن تكون الزيارة القادمة لابد معه
وباكينام تتحجج أن يوسف مشغول بالتجهيز لحفل زواجهما القريب
والحقيقة أن تغيرا شاملا انتاب يوسف
فهو ماعاد يهاتفها أو يزورها
والكل انتبه لهذا وخصوصا جداتها
وعذرها الدائم هو إنشغاله في الترتيب لحفل زواجهما
ولكن وصلها بالأمس اتصال متأخر غريب منه
كان صوته مرهقا.. وشعرت أن أوتار قلبها تتهاوى مع نبرات صوته المتعبة
وهو يهمس لها: باكينام إحنا خلاص مش بائي على فرحنا حاجة
عندك حاجة حابة تئوليها لي.. لأنو دي هتكون فرصتك الأخيرة
باكينام باستغراب: بصراحة أنته غريب أوي
تغيب تغيب.. عشان تتصل وتئول لي الكلام الغريب ده
لو عندي حاجة عاوزة أئولها.. هأئولها.. مش هأطلب إزن للكلام
يوسف بذات النبرة المتعبة ولكن تخللها بعض الغضب هذه المرة:
طيب باكي.. تصبحي على خير
وهاهي تخرج من المصحة وتركب سيارتها وبالها مشغول مع كلام يوسف
بعد أن اعتذرت كثيرا من حمد أن هذه ستكون زيارتها الأخيرة
لأنها مشغولة كثيرا في تجهيز فرحها
وحمد هنأها بعمق وصدق.. ووعدها أن يرسل لها وردا يوم زواجها
كانت على وشك تشغيل السيارة حين فوجئت بالباب الجانبي يفتح
وجسد ضخم ينسل للمقعد المجاور
وصوته الغاضب.. الغاضب بصورة لم يسبق مطلقا أن سمعتها يصل لأذنها هادرا متوحشا وهو يعتصر بقوة معصمها الممتد لمكان مفتاح السيارة:
لحد هنا وكفاية.. كان ممكن أسامحك على أي حاجة إلا أنك تخبي علي حاجة زي دي
ئولي لي إيه اللي بينك وبين الراجل اللي اسمو حمد جابر
بيت فارس بن سعود
غرفة فارس والعنود
العنود تقدمت بضع خطوات استجابة لنداء فارس لها
فارس بعمق وهو يشير جواره للناحية الأخرى من السرير: تعالي جنبي
اقتربت بتردد وخجل وجلست
فارس أمسك بكفها واحتضنها وهمس لها بعمق هادر:
حبيبتي أنا مهوب قلت لش إني غريب.. واستحمليني شوي.. أنا مايهون علي زعلش
العنود بحزن شفاف: وأنا جد حبيبتك يافارس؟؟.. وإلا كلمة ومقيولة؟؟
فارس بنبره وله حقيقي لأول يستطيع التعبير بها: إلا حبيبتي وحبيبتي..وحبيبتي
العنود بذات نبرة الحزن الرقيق: زين واللي يحب حد يعامله بذا القسوة.. لو كنت تكرهني وش سويت فيني؟؟
فارس ترك يدها ليضع كفه على خدها ويهمس لها: أنا أطباعي شينة.. أدري
وصعب أتغير بين يوم وليلة.. لكني عشانش مستعد أقط روحي في النار
انتي منتي بمستعدة تحملين شوي عشاني؟!!
ثم أكمل بنبرة مقصودة: وإلا عشان أنا مالي قيمة في قلبك منتي بقادرة تستحمليني؟؟
العنود انتفضت بجزع وهي تضع إصبعها الناعم على شفتيه لتقول برقة: ما أسمح لك تقول كذا
فارس قبل طرف إصبعها بعمق وعيناه تغرق في بحر عينيها
البحر الذي يتمنى أن يعيش عمره غريقا بين أمواجه
لا يريد أن ينقذه أحد.. بل يريد أن يغرق أكثر.. وأكثر
أن يسكن بحر هاتين العينين وقلب صاحبتها
أن تكون له..
له وحده
***********************
غرفة ناصر ومشاعل
ناصر يصحو لصلاة الفجر.. يشعل النور المجاور لسريره ليتناول عكازيه
ينظر ناحية ضيفته.. ضيفته كما يقول
تبدو مرتاعة حتى وهي نائمة
كما لو أنها عانت الكوابيس حتى نامت..
شعرها الحريري القصير تتناثر خصلاته على وجهها
وعلى طرف عينها تغفو دمعة يابسة فرت من حساب الزمن
تنهد ناصر..
لِـمَ تستفزه لإخراج مساوئه؟؟
لم يكن يوما قاسيا هكذا على أحد
لا يشعر ناحيتها سوى بنفور شديد
يتمنى أن ينهي صفحتها من حياته بأسرع وقت
أن تكون صفحة وتنقضي
ليبدأ حياة جديدة مع امرأة أخرى تكون راضية به منذ البداية
لولا أنها ابنة عمه أو ماكان ليتحمل وجودها لدقيقة واحدة
تنهد مرة أخرى وهو يقرب عكازيه منه
وينهض
ويتجه للحمام ليتوضأ
شعر بدوار شديد نتيجة للأدوية التي مازال يتناولها
سقط والعكازان يحدثان وقعا مدويا
قفزت مشاعل من السرير مرعوبة
لتصدم برؤيته على الأرض وهو مقطب الجبين من الدوار..و يحاول التماسك وتقريب عكازيه منه
مشاعل اقتربت منه بتلقائية يحركها رعبها عليه لتدخل يديها تحت إبطيه لتساعده على الوقوف
رغم أنها أساسا محاولة فاشلة فمن هي في حجمها الضئيل يستحيل أن تُنهض من هو في طوله الفارع
ولكنها كانت أبعد من تكون عن التفكير بالتحليلات المنطقية
ناصر نهرها بقسوة حقيقية: وخري.. أنا مهوب قايل لش مالش شغل فيني
قالها وهو يقرب عكازيه ويتجلد للوقوف
ليقف فعلا ويكمل طريقه للحمام
ويتركها تحتضن نفسها ألما وحرجا وفراغا مرا
وكالعادة تشعر برغبة ملحة للبكاء
غادرت الغرفة وتوجهت للغرفة الأخرى وهي تحتضن هاتفها
أغلقت على نفسها الباب واتصلت
حين رد عليها الطرف الآخر بدأت بالبكاء وهي تشهق وتقول:
مهوب طايقني.. مهوب طايقني
لطيفة وقتها كانت تنتظر خروج مشعل من الحمام لتتوضأ
حين رأت هاتفها يرن ويلمع باسم مشاعل في هذا الوقت علمت أن وراءها أمرا
لذا خرجت بهاتفها لغرفة بناتها وردت عليها وهي تخرج:
يا بنت الحلال استهدي بالله.. الرجّال توه واصل البارحة
"قال قوه قال توه"
أنتي تبينه على طول يطيح اللي في رأسه.. مايكون مشعلي أصيل
مشاعل بين شهقاتها: بس أنا ماسويت له شيء عشان يعاملني كذا
لطيفة تتنهد: ياقلبي يا مشاعل.. توش ما شفتي شيء
وإذا أنتي من أولها كذا فأنتي الخسرانة
مشاعل تتماسك: خلاص بأقعد عنده بس بأقعد في الغرفة الثانية بأفرشها وأقعد فيها
لطيفة بتحذير: إياني وإياش تسوينها.. حتى لو أنتي شايفة إنه مهوب طايقش على قولتش خليه يتعود عليش.. التعود أحيانا أقوى من الحب
خليه يحس إنه ما يقدر يقعد من غير حركتش حوله ووجودش جنبه.. حتى لو كان ما يكلمش
إسأليني... مشعل حتى أيام كنت أظن إنه مهوب حاس فيني.. ماكان يرضى أنام عند هلي.. وانتي بروحش تذكرين
تدرين الحين وش يقول لي... يقول كان مستحيل أدخل البيت وأنتي منتي بفيه
يقول ما كنت أعرف أفسر ليه.. بس البيت من غيرش يضيق الصدر كنه قبر
حسسي ناصر إن المكان من غيرش قبر.. لا تصيرين مدمغة.. وعند أول موقف تستسلمين
مشاعل مسحت دموعها وكلام شقيقتها يهدي كثيرا من روحها المرتاعة
عادت له في الغرفة
كان يلبس ثوبه على فنيلته وسرواله الأبيضين اللذين نام بهما
تجاوزته ودخلت الحمام دون أن تنظر له حتى لا يرى وجهها المحمر
همست وهي عند باب الحمام: أنت بالعادة تحب تفطر عقب الصلاة أو عقب؟؟
ناصر ببرود: إذا بغيت أفطر.. أفطرت عند أمي وإلا في المجلس.. قلت لش ما أبي منش شيء
مشاعل بسكون: والله أنا بأسوي مثل ما تعلمت في بيت هلي لين أرجع عليهم ريوقك بأسويه.. بغيت تأكل وإلا براحتك
*************************
غرفة فارس والعنود
الساعة 8 صباحا
العنود تتحرك بهدوء حتى لا تزعج فارس المستغرق في النوم
تلبس ملابسها استعدادا للذهاب للجامعة
فاليوم أول اختباراتها
فارس صحا من نومه
قبل أن يفتح عينيه مد يده جواره.. وجد مكانها خاليا
فتح عينيه بكسل وهو يتلفت بحثا عن طيفها الأثير
طيف فاتنته
وجدها أمام المرآة تضع واقي الشمس
اعتدل من نومه وهو يعدل المخدة خلف ظهره ويتسند.. ينظر لها ويبتسم
همس: صباح الخير ياقلبي أحلى صباح على عيونش
العنود ألتفتت له.. نهضت.. نظرت له مليا وهي تبادله الابتسام.. نهضت اقتربت منه وطبعت قبلة على خده وهي تهمس:
صباحك أحلى.. أول مرة أشوف واحد صاحي من النوم ويكون حلو موت كذا
فارس يشدها ليجلسها جواره: بلاها سالفة حلو ذي.. لا تطلع سكوني عليش
العنود تبعثر شعره بشقاوة وتهمس: أما أنك غريب.. حد يزعل من سالفة إنه حلو
فارس يشدها لصدره ويطبع قبلة على شعرها وهو يقول: أنا أزعل.. أنتي بنت وقمر ينقال لش ياحلوة
بس أنا اللي يقول لي حلو.. أقص لسانه
أنتي أول حد أعديها له.. وترا مهوب كل مرة أعديها
العنود احتضنت خصره بشدة ثم أفلتته وهي تقول: يا الله هدني لا تأخرني
فارس أفلتها وهو يقول باستغراب: وين بتروحين؟؟
العنود نهضت وهي تعود للمرآة وتقول بتلقائية: الجامعة.. اليوم أول اختبار عندي
فارس بغضب مفاجئ: وبدون ما تصحيني أو حتى تقولين لي.. ومن اللي كان بيوديش؟؟
العنود توترت وهي تهمس: سواقة مريم
فارس نهض وهو يرمي الغطاء بغضب: ليه ماوراش رجّال كنتي بتخلينه مكبر المخدة بدون حتى ما تعطينه خبر
(يامسرع ما يقلب ذا الرجّال.. قبل شوي يهبل)
همست العنود بخجل: محشوم فارس.. أنا حنيتك بس
فارس بنبرة حادة: لا.. لا تحشميني إذا هذي الحشمة عندش
متى امتحانش؟؟
العنود بخفوت: الساعة 10
فارس يتوجه للحمام: خلاص ربع ساعة بس أغسل وأتوضأ وأصلي الضحى وأوديش
حين خرج من الحمام كانت العنود تضع بعض الكحل داخل عينيها
فارس بغضب: وش تسوين؟؟
العنود بهمس: نقزتني.. وش فيك؟؟
فارس من بين أسنانه: امسحي الكحل اللي حطيتيه
العنود برجاء: فارس حبيبي.. ربعي دارين إني عروس من أسبوع بس..
أشلون تبيهم يشوفوني مغبرة.. وبعدين أنا ما أحط نقابي في الجامعة
والسالفة كلها شوي كحل داخل العين
فارس بذات نبرة الغضب المكتوم: العنود أظني قلت لش قبل إني ما أعيد الطلب مرتين
(يعني معقولة هي مهيب دارية إن عيونها تذبح بدون كحل
تبي تكحل بعد؟!!
تبي تجلطني ذي!!)
العنود شعرت بالمرارة من طريقته الحادة في الأمر.. مسحت الكحل تماما
وهو يصلي ركعتي الضحى
فور انتهائه كانت قد انتهت من لبس عباءتها
توجه للبس ملابسه.. كان يحكم إغلاق زر كمه حين اقتربت منه ووقفت على أطراف أقدامها.. وهمست عند أذنه برقة:
ترى فيه أسلوب ثاني للطلب ويؤدي لنفس النتيجة بس بدون ما يجرح
أو أنت ما تعرف إلا الأسلوب الجارح وبس
فارس مازال يعطيها ظهره وهو يقول بهدوء: والمعنى؟؟
العنود ابتعدت لتتناول كتابها وحقيبتها وهي تقول بنعومة رغم مرارتها الداخلية:
يعني لو قلت لي بهدوء: ياحبيبتي أنا أغار عليش.. وابي حلاتش لي بروحي
كنت قصيت علي.. وأنا سويت كل اللي أنت تبيه وأنا مبسوطة
**************************
بيت ناصر بعد صلاة الفجر
ناصر عاد ومشاعل في المطبخ
لم يقل لها شيء ولكنه عاد للنوم
حين انتهت من إعداد الإفطار كأفضل ما يكون وجدته نائما
عادت ووضعت الفطور في حافظات ليبقى ساخنا وغطت العصير
وأعدت القهوة والشاي والكرك والحليب الطازج في حافظاتها
فهي لا تعلم بعد ذوقه في الإفطار وماذا يحب أن يشرب
ولا تريد أن يكون يريد شيئا ولا يجده جاهزا
رتبت كل شيء على طاولة الطعام التي تأخذ لها زاوية في الصالة
ثم استحمت وتمددت جواره
نهضت حوالي الساعة التاسعة والنصف
لم تجده جوارها
توقعت أن يكون جالسا في الصالة.. توضئت وصلت ضحاها
خرجت ولم تجده.. ووجدت الفطور على حاله لم يلمس
المشكلة أنها لا تعرف رقم هاتفه حتى تتصل به
حتى وإن كانت تعرف.. هل ستتجرأ وتفعلها؟!!
قضت الوقت في الترتيب.. ثم في التأنق
تأنقت لأقصى حد.. رغم أنها بعادتها ليست من هواة تلوين الوجه
أرتدت لها جلابية خليط من الحرير والدانتيل التركواز وأوراق الشجر المصنوعة من قماش الكريب البرتقالي
لأنها تريد التوجه لبيت عمها ولابد أن تلبس شيئا واسعا
بعد أن صلت الظهر قررت الذهاب لأم مشعل لتتغدى معها ومع مريم
لأنها تعلم أن ناصر لابد سيتغدى في المجلس كعادة كل رجال آل مشعل
ارتدت جلالا كبيرا على رأسها وأغلقت باب بيتها وتوجهت لهم
فتحت باب بيتهم.. كان هناك رجلا يجلس بجوار أم مشعل
لم تستطع تبينه بسبب كثافة قماش الجلال
تراجعت وهي تقول بخفوت: بأرجع بعدين يمه
أم مشعل نادتها: تعالي يأمش.. هذا ناصر
توترت..بل توترت بشدة.. خافت أن يحرجها أمام والدته
ولكنها مضطرة للدخول.. دخلت وهي تتمتم بسلام مرتبك
وتنزل جلالها وتطويه وهي تعيد شعرها خلف أذنها
ولكنه لا يلبث أن يعود للانسدال على وجهها خصوصا عندما مالت للسلام على أم مشعل وينحدر شعرها كاملا للأمام
كانت تسرق نظراتها للجالس جوار والدته.. لم ينظر إليها.. أو هكذا بدا لها
وإن كانت رائحة عطره التي بدأت تألفها اخترقتها تماما
همس من قرب: موب أحسن لو تلمين شعرش ضايقتي أمي فيه
مشاعل شعرت بحرج شديد وهي تحاول بكلتا يديها إرجاع خصلاتها القصيرة للوراء وتلمها بكلتا يديها وهي تهمس بخجل: المرة الجاية بأربطه
أم مشعل تبتسم: من اللي بيتضايق من غزل ذا الأرينب المعطر ماشاء الله تبارك الله
مشاعل جلست بعيدا عنهما وهي تحاول ابتلاع حرجها الشفاف
أم مشعل وقفت وهي تقول بمودة: مشاعل تعالي اقعدي جنب رجّالش
أنا بأروح أشوف الخدامات وش سوو في غداء الرياجيل
مشاعل وقفت وهي تقول باستنكار: والله ما تروحين وأنا قاعدة.. أنا بأروح أشوف الغداء
أم مشعل باستنكار وحزم أكبر: استغفري ربش.. أنتي اللي والله ماتروحين
تبين تحوسين ريحتش الحلوة من ريحة المطبخ
اقعدي يأمش.. ياما جاي لش من المطابخ وغثاها.. اقعدي
مشاعل جلست وهي تشعر بالضيق وتكثر الاستغفار لاستعجالها بالحلف
وتقرر أن ترسل السائق العصر لدفع إطعام عشرة مساكين في مقر الجمعية القريب منهم
(ياشين الذرابة عليش.. صدق ممثلة درجة أولى)
كان صوته الساخر يرتفع بعد خروج والدته
مشاعل انتفضت بعنف: تكلمني؟؟
ناصر ينظر لها بنصف عين: ليه فيه حد غيرش هنا
لا أكون أكلم الطوفة بس..
مشاعل ترد بهدوء مثير: والله أنت قايل لي مالي شغل فيك
حسبت الكلام يدخل ضمن الاتفاق.. ودام أنا وحدة مالي شغل فيك
المفروض أي شيء أسويه ما يهمك.. أمثل ما أمثل شيء راجع لي
ناصر بسخرية حادة: والله طلعتي تعرفين تصفين حكي.. تصدقين.. كنت أحسب إنش ماتعرفين تقولين غير كلمة ورد غطاها
بس يظهر كله تمثيل في تمثيل وأنتي ما ينعرف اللي وراش
مشاعل وقفت واتجهت نحوه لتلتقط علبة المحارم الورقية من أمامه
وتميل عليه وتهمس بنبرة مدروسة: زين.. تحذر من اللي ما ينعرف وش اللي وراها
لا تباغتك بحركة أنت منت بمتوقعها
مرت دقيقة متوترة بين الاثنين وهما يتبادلان النظرات الغامضة
خليط من الكراهية والأمل والغضب والتحدي
مشاعل أخذت لها محرمتين وعادت مكانها وداخلها يذوي ويذوب خجلا وارتباكا
لا تعرف أي جرأة واتتها لتقول له هذا الكلام.. وتتصرف هذه التصرفات
أي جنون بات يحركها ويسير تصرفاتها؟!!
ناصر مازال مصدوما منها.. كل تصرف منها يفاجئه تماما
حين ترك لها الفطور صباحا دون أن يلمسه
توقع أنها ستقضي طول اليوم مغلقة الباب على نفسها وتبكي
فهو قصد أن يظهر لها عدم اهتمامه بها وبأي شيء تفعله
ولكنها فاجأته بالحضور هنا
وحين أحرجها بشكل مقصود.. توقع أن تنسحب وتجرجر أذيال خيبتها وأشتات حزنها ولكنها فاجأته للمرة الثانية
وليس مستعدا للمفاجأة الثالثة.. لذا وقف وهو يتعكز على عكازيه ويقول لها بحدة:
قولي لأمي تعطي الخدامة العود تعطيه لواحد من الصبيان يعطينا إياه في المجلس
مشاعل وقفت وهي تقول بسرعة: زين بأجيب لك بسرعة عود من عندي
ناصر بحدة أكبر: يا حبش للقافة.. عاجزة تقولين لأمي اللي أنا قلته لش؟؟
قعدت أنا لين تجي
مشاعل أمسكت عضدها اليسار بكفها اليمين.. حركتها التي تلجأ إليها حين تشعر أنها تحتاج للتماسك.. الحركة التي بات يلاحظها
وهي تنزل رأسها في الأرض وتهمس بمرارة محرجة: خلاص إن شاء الله
***********************
مواقف جامعة قطر
الساعة الواحدة إلا ربع ظهرا
فارس يصل لأخذ العنود بعد إنهاءها لامتحانها
وهاهي تركب جواره وهي صامتة رغم أن غضب صاخب يتعالى في روحها
لأن صديقاتها اللاتي لم يرين زوجها في ليلة زواجهما
أصررن جميعا أن يبقين معها حتى يرينه حين يحضر ليقلها
أطلقن عشرات التعليقات المرحة ولكنها آذتها وأشعلت نار غيرتها للحد الأقصى
"نعنبو.. هذا سكري عليه في البيت.. خطر يتحرك في الشوارع.. يسبب أزمة سير"
" ما تسلفيني إياه شوي.. بس أصور جنبه تكفين"
"مايصير توصلينا ؟؟"
"آه ياقلبي.. فيه رجّال حلو كذا؟!!"
" ترا احنا كل يوم نبي نسير عليكم لا وسيارتنا تعطل.. ونبي أبو الشباب يوصلنا
مايصير تخلونا نتلته في الليول"
لم تسلّم حين ركبت.. فارس التقط كفها واحتضنها بقوة بين أنامله وهو يهمس:
الحلو عاده زعلان حتى سلام ماسلم
العنود بنبرة غضب حقيقية غير معتادة: إيه زعلانة.. وما أبيك تجي تأخذني من الجامعة عقب اليوم ولا حتى توديني
فارس نفض يده من يدها وهو يقول من بين أسنانه: اقصري حسش تراني ماني بأصغر بزرانش..
وأما عاد إنش تبين تمشين شورش علي.. فهذا مابعد جابته أمه
العنود توترت.. تعلم أنها ليست حملا لغضبه.. ولا تستطيع أن تخبره أنه لا تريده أن يحضرها من الجامعة لأن صديقاتها أشبعنه تغزلا
شبكت يديها في حضنها وصمتت وألم عميق يخترم روحها.. وهو صمت وألم مشابه يغزو قلبه المثقل بحبها
يتمنى أن يستطيع احتواءها لمرة دون أن يغضب
أن يسمح لها أن تعبر أن ضيقها أو غضبها دون أن يكبتها بهذه الطريقة الموجعة
ظل الصمت هو شعارهما طوال الطريق
حتى وصلا للبيت وهو يقول لها بهدوء: انزلي.. بأروح للمجلس أتغدى
وترا ماني براجع إلا في الليل.. مشغول شوي
ادرسي امتحانش عدل
لم يكن لدى فارس أي مشاغل.. ولكنه بات يشعر أنه ربما ينشر طاقة سلبية تؤثر على استذكار العنود
لذا يريد أن يتركها طوال النهار لتدرس بعيدا عن تأثيره السلبي
*********************
القاهرة
مصحة حمد النفسية
قبل المغرب بقليل
باكينام تنهي زيارتها لحمد
الذي زارته خلال الأيام الماضية مرتين
رغم سعادة حمد بزيارتها إلا أنه يشعر بالحرج من عدم إحضارها لزوجها
رغم طلبه الحقيقي المتكرر أن تكون الزيارة القادمة لابد معه
وباكينام تتحجج أن يوسف مشغول بالتجهيز لحفل زواجهما القريب
والحقيقة أن تغيرا شاملا انتاب يوسف
فهو ماعاد يهاتفها أو يزورها
والكل انتبه لهذا وخصوصا جداتها
وعذرها الدائم هو إنشغاله في الترتيب لحفل زواجهما
ولكن وصلها بالأمس اتصال متأخر غريب منه
كان صوته مرهقا.. وشعرت أن أوتار قلبها تتهاوى مع نبرات صوته المتعبة
وهو يهمس لها: باكينام إحنا خلاص مش بائي على فرحنا حاجة
عندك حاجة حابة تئوليها لي.. لأنو دي هتكون فرصتك الأخيرة
باكينام باستغراب: بصراحة أنته غريب أوي
تغيب تغيب.. عشان تتصل وتئول لي الكلام الغريب ده
لو عندي حاجة عاوزة أئولها.. هأئولها.. مش هأطلب إزن للكلام
يوسف بذات النبرة المتعبة ولكن تخللها بعض الغضب هذه المرة:
طيب باكي.. تصبحي على خير
وهاهي تخرج من المصحة وتركب سيارتها وبالها مشغول مع كلام يوسف
بعد أن اعتذرت كثيرا من حمد أن هذه ستكون زيارتها الأخيرة
لأنها مشغولة كثيرا في تجهيز فرحها
وحمد هنأها بعمق وصدق.. ووعدها أن يرسل لها وردا يوم زواجها
كانت على وشك تشغيل السيارة حين فوجئت بالباب الجانبي يفتح
وجسد ضخم ينسل للمقعد المجاور
وصوته الغاضب.. الغاضب بصورة لم يسبق مطلقا أن سمعتها يصل لأذنها هادرا متوحشا وهو يعتصر بقوة معصمها الممتد لمكان مفتاح السيارة:
لحد هنا وكفاية.. كان ممكن أسامحك على أي حاجة إلا أنك تخبي علي حاجة زي دي
ئولي لي إيه اللي بينك وبين الراجل اللي اسمو حمد جابر
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الثاني والسبعون
أمام مصحة حمد النفسية في القاهرة
في سيارة باكينام
نار تشتعل بين راكبي السيارة
كان يوسف يمسك معصم باكينام بقسوة وهو يهمس لها بغضب هادر لم تراه مطلقا في حياتها كلها:
لحد هنا وكفاية.. كان ممكن أسامحك على أي حاجة إلا أنك تخبي علي حاجة زي دي
ئولي لي إيه اللي بينك وبين الراجل اللي اسمو حمد جابر
باكينام بغضب مشابه: وأنا ما أسمحش ليك إنك تسألني بنبرة الشك دي
يوسف بذات النبرة المرعبة: أنتي مالكيش حق تسمحي أو ما تسمحيش
لأني اديتك الحق أكتر من مرة.. بس أنتي حلي لك إنك تستغفليني
باكينام باستنكار: أستغفلك؟؟
يوسف بحدة: أه تستغفليني.. أمال تسمي إيه إنك كل يوم والتاني تنطي لراجل غريب تزوريه وتشتري له هدوم كمان
دا أنتي بتتكلمي معاه في مرة وحدة.. أكتر من كل المرات اللي تكلمتي فيها معايا
أنا كنت عاوز أنط لك وأنتي معاه وأعرفك أصلك ئدامه .. لكن لما سألت عنه... عرفت إنه مريض وحالته صعبة.. وكان متجوز وبيحب مراته..
فالعتب كلو على اللي راميه نفسها عليه.. وهي اللي لازم تتحاسب
أنا في الأول حبيت إني أسدء ثقتي فيكي.. ئلت أهو مريض بتزوريه
لكن لما سألتك أول مرة كنتي فين.. خبيتي علي
تاني مرة سألتك عندك حاجة عاوزة تئوليها لي.. برضو خبيتي علي
لما أنتي بتحبيه أو يمكن بينكم حاجة تتمي حكاية جوازنا ليه؟؟
باكينام تحضر كل عروق كبريائها وتصطرع بجنون.. يستحيل أن تشرح أو توضح
كانت ببساطة تستطيع أن تقول أنه ابن عمة هيا ويتعالج هنا بشكل سري
وهيا وصتها أن تزوره.. والملابس دفع ثمنها وزيادة.. وهذه هي الحقيقة فعلا
ويوسف يعرف هيا جيدا.. وكان الإشكال سيحل فورا
لكنها يستحيل أن تريحه بعد أن سمح لنفسه بالشك فيها لدرجة مراقبتها
لذا ردت عليه بحدة مشابهة : أنا اللي تممت جوازنا؟؟
مين اللي فرض كل حاجة عليا؟؟
يوسف بمرارة: بلاش اللعبة دي.. لو كنتي ئلتي إن ئلبك مشغول بغيري من يوم الحفلة
أنا كان مستحيل أجبرك على حاجة
أنا مش رخيص عشان أفكر في وحدة بتفكر في غيري
لكن أنا أفتكرت ئلبك خالي وبتعاندي وهيجي اليوم اللي هائدر أنا أملاه
بس إنك تستغفليني بالطريئة الحقيرة دي.. كانت حاجة رخيصة أوي
وأنتي طلعتي أرخص بكتير من أي حاجة تخيلتها
باكينام شعرت بألم حقيقي يمزق شرايين قلبها مع اتهاماته المريعة
إلى هذه الدرجة يراها سيئة؟!!
إذا كان لا يعرفها.. ولديه هذه القدرة على تصديق كل هذه الحقارة عنها
فهي ليست لديها القدرة للتفسير
يستحيل أن تبرر نفسها أو أن تسمح له أن يجعلها في موضع اتهام حقير كهذا
كرامتها تأبى عليها مجرد التفكير في اتهاماته فكيف ترد عليها حتى؟؟
باكينام همست له ببرود: أنته لساك على البر
طلئني وكل واحد يروح في طريئه
يوسف بغضب حاد وهو يمسك بوجهها بين أصابعه ويعتصره:
حقيرة ورخيصة وأنانية.. تفو على دي أخلاء
لما فشلتي تكملي التمسيلية عليا.. عاوزة تخربيها وتئعدى على تلها
فرحنا ئريب وهيكون في موعده
وفي واشنطن أنا اللي هأعرف أربيكي
إما خليتك تندمي على استغفالك لي ما أكونش يوسف عزت
************************
الدوحة
بعد الغداء
بيت عبدالله بن مشعل
غرفة مشعل وهيا
كانت هيا عند جدتها.. وحين علمت بوصول مشعل صعدت له
كان مشعل وقتها يغتسل
حين خرج ورآها تنتظره ابتسم وهو يجفف يديه ووجهه
هيا وقفت وتناولت الفوطة من يديه وهي تهمس له برقة:
وين رايح اليوم من بدري؟؟
مشعل يبتسم: سويت كم شغلة.. رحت البعثات
وعقب رحت غيرت حجزنا.. وقدمت على فيزا بريطانية
هيا باستغراب: غيرت حجزنا؟؟ وفيزا بريطانية؟؟
مشعل ببساطة وهو يتمدد على السرير: إيه بدل باريس بنمر لندن ونقعد فيها 3 أيام
هيا برعب: نمر لندن ليه ؟؟
مشعل يبتسم: السالفة إنه شهادتش اللي من كوينز أنتي نسيتي تصدقين كل النسخ من التعليم العالي البريطاني
وهم يراجعون أوراقهم اكتشفوا إنه النسخة اللي عندهم مهيب مصدقة
والحين إذا ماجاتهم الشهادة مصدقة ماراح يخلونش تكملين الماستر..
بنمر لندن نصدقها وعقب بأبعثها لهم بالدي اتش إل..
هيا تجلس بجواره وهي تحتضن كفه وتقول بجزع: تكفى مشعل بلاها مرور لندن وأنت ممنوع من دخول بريطانيا..
وإذا على دراستي.. الخير واجد.. خلهم يقطعون منحتي وأنا بأدرس على حسابي..
مشعل يضحك: يا بنت الحلال سهالات.. السالفة هدة بزران قبل 12 سنة
وأنا لو علي شيء ماكان وافقوا في السفارة يسوون لنا تأشيرة لأنهم دخلوا اسمي في الكمبيوتر عندهم
وبعدين السالفة مهيب سالفة فلوس.. الحمدلله الخير واجد..
بس البعثات يمكن يرفضون عقب تصديق شهاداتش كلها إذا ماخلصني تصديق شهادة البكالوريوس أول..
هيا بخوف: قلبي مهوب مرتاح.. زين خلنا على حجزنا الأولي ننزل في باريس
و أنا بأروح لندن على قطار المانش الصبح.. وأنا أدل هناك عدل ممكن أخلص الشغل كله في يوم
وأنت خلك في باريس المساء بأكون راجعة.. ونرجع واشنطن سوا
مشعل وقف وهو يقول بغضب حقيقي: مالش لوا.. شايفتني كمخة وإلا كمخة
هيا بتوتر: محشوم يا قلبي بس......
مشعل يجلس على السرير وهو يحاول السيطرة على هدوء نبرته:
خلاص هيا.. الحكي في هالموضوع منتهي..
************************
ذات المساء
الدوحة
حوالي الساعة 10 ونصف مساء
العنود في غرفتها تدرس
تجلس في صالتها الكتب منثورة على الطاولة وهي تجلس على الأرض بين الطاولة والأريكة مستغرقة في الاستذكار وكتابة ملاحظاتها
دخل عليها فارس
سلّم
رفعت عينيها وسلمت وابتسمت له بعذوبة
شعر كما لو أن شمسا صاخبة مشبعة بالحياة والألوان والبهجة المتعت من بين شفتيها
( يا الله أنا توني معصب عليها الظهر
وهي تبتسم لي الحين
ما أكبر قلبها وأضيق أخلاقي)
ولكنها تذكرت
اختفت ابتسامتها بتلقائية وعادت للانكباب على الكتب
شعر فارس حينها أن وترا ما في قلبه تمزق
اقترب منها وجلس خلفها همس:
بكرة بأشتري لش مكتب بدل قعدة الأرض ذي
تبين تروحين معي؟؟ أو ممكن اشتري على ذوقي؟؟
العنود بخفوت: اشتري أنت.. ماعندي وقت أفر مكان
يالله الوقت يكفيني أدرس
فارس مد يديه وأمسك بعضديها ورفعها بخفة وأجلسها في حجره
كان القلم مازال بيدها.. تناول القلم من يدها.. وطبع في باطن معصمها قبلة عميقة
ثم همس لها بحنان: عادش زعلانة؟؟
العنود بخفوت: تكفى فارس ما تسألني ذا السؤال.. أخاف أقول زعلانة تعصب عليّ
فارس بذات الحنان: قولي ماني بمعصب
العنود بنعومة: فارس أنا بطبعي نادرا ما أزعل.. فلو زعلت يوم إذا أنت ما احتويتني وتحملتني شوية.. مين اللي بيتحملني
المفروض إنه أحنا نصير شخص واحد.. حتى انفعالاتنا نتشارك فيها
لكن اللي أنا شايفته لحد الحين.. أنت تعصب أنا أسكت
ولو صار وأنا زعلت انت تعصب وتهب فيني.. على كذا أنا بأصير أخبي انفعالاتي عليك وينبني بيننا حاجز كل يوم عن يوم يكبر..
إحنا الحين في بداية زواجنا وأنا مستعدة أقدم لك كل شيء.. لكن ما أشوف إنك عندك نفس الاستعداد
فارس احتضنها بشدة وهمس لها بوله مصفى: حبيبتي أنا أحبش حب والله ما تتخيلين وش كثر.. فوق كل خيال وتصور
وقلت لش كثير استحمليني شوي.. لين كل واحد يتأقلم مع طبايع الثاني
لكن أوعديني ما تخبين على شيء حتى لو عصبت عليش
لأني باعصب بس بتلاقيني رجعت.. لأنه حبش هو الهواء اللي أتنفسه والدم اللي يمشي في عروقي.. حد يقدر على زعل هواه ودمه؟!!
العنود ابتسمت وهي تهمس بدلال: كل هالحب من كم يوم؟؟!!
فارس بابتسامة: من زماااااااان
العنود برقة: متى يعني؟؟
فارس يحتضنها أكثر: الحين الحب يكفيش.. ووقته خليه بعدين
***********************
مر أكثر من أسبوعين على الأحداث الأخيرة
العنود ولطيفة أنهتا أمتحاناتهما
هيا ومشعل موعد سفرهما غدا
الخبر الذي أشاع جوا من الحزن في بيت عبدالله بن مشعل
وجعل موعد ملكة راكان وموضي يتقرر اليوم بعد صلاة العصر
ليحضرها مشعل قبل سفره
باكينام ويوسف وضعهما سيء جدا
تجهزت باكينام لفرحها كمخططها المعتاد
ولم تسمح لأحد أن يشعر أن هناك شيئا ما بينها وبين يوسف
ويوسف مطلقا لم يعد لمكالمتها.. تفاهمه كان مع عمه طه
والجميع فسر تباعده أنها نوع من حركات الشباب الذي يمتنعون عن رؤية عرائسهم حتى ليلة الزفاف
والليلة هي الليلة الموعودة
ليلة زفاف باكينام ويوسف
فارس والعنود وضعهما بين كر وفر
فارس كعادته بين حب مصفى وقسوة غير مبررة
والعنود في حيرة دائمة منه
ولكنها تحاول دائما امتصاص غضبه بطريقتها اللبقة الذكية في الكلام
وخصوصا أنها باتت تعلم بعمق حبه لها.. وبدأت هي بتعميق مشاعرها ناحيته في ذات الإتجاه
الأكيد أن علاقتهما ببعضهما توطدت كثيرا وبعمق
رغم كل الغرابة المتجذرة في علاقتهما التي تمثل نموذجا لغرابة علاقة بعض الأزواج
مشاعل وناصر مشكلة عويصة تبدو عصية على الحل
فناصر يبدو نافرا منها وبشدة
وهي تتصرف كأنها لا تشعر بنفوره الذي كان يمزق مشاعرها بوحشية
تنام معه بذات الغرفة وعلى ذات السرير
ولكن بينهما محيطات هادرة تفصل بينهما وليس مجرد أشبار معدودة
مشاعل تدور طوال اليوم في البيت تطبخ أو ترتب أو تذهب لبيت عمها
وأحيانا تتوجه لبيت أهلها حين تكون متيقنة أنه لن يعود وبعد أن تستأذنه
وهو لا يقصر في التوضيح لها بصراحة أنه لا يهمه ماتفعله
مطلقا لم تشتكِ إلا مرة واحدة
في اليوم التالي لعودته.. رأته يحمل ملابسه المتسخة يريد أن يذهب بها لأمه
حينها وقفت أمامه ورجته بعمق ألا يحرجها مع والدته وهي تناشده بألم:
وش تبيهم يقولون علي؟؟ ملابسك توديهم يغسلونها لك؟؟
ماعندك مرة
ناصر بقسوة: إيه ما عندي مرة..
مشاعل بمناشدة عميقة: تكفى ناصر.. احشم إني بنت عمك
لا تفشلني في هلك.. يعني حتى ملابسك ما تبغيني أغسلهم.. ليه أنا نجسه؟؟
حرام عليك اللي تسويه فيني
حينها رمى ناصر الملابس على الأرض وخرج
كان يشعر بمرارة عميقة وألم أعمق
(أي وحش قميء أتحول أمامها
كم أتمنى أن يأتي اليوم الذي تفارقني فيه.. وتعود لأهلها
تعبت من القسوة وأنا ما أعتدت أن اكون قاسيا
ولكنها تستفز قسوتي لتتدفق تلقائيا عليها
أتحول لمخلوق آخر أمامها
مخلوق ليس أنا.. شيء مختلف أكره أن أكونه
تأثيرها علي سلبي ومفرز لمساوئي)
مشاعل جلست على الأرض جمعت ملابسه
ثم عادت لرميها بعيدا لتتناثر متفرقة في أرجاء الصالة
وهي تسحب نفسها لتتسند على طرف الكنبة
كانت تشعر بمهانة عميقة
تشعر أنها عاجزة عن الإكمال بهذه الطريقة
تشعر أنها على وشك الإنهيار
وكان هذا قبل أكثر من أسبوعين.. ومازالت لم تنهار
رغم أن ناصر يثقل عليها العيار كثيرا
ولكن الضربة التي لا تقتلك تقويك
وهي تقوى فعلا لتحكم سيطرتها على حياة ناصر وترتيب كل شيء يخصه
اليوم نهضت من نومها مبكرة وكان ناصر مايزال نائما
صلت الضحى وأعدت الفطور الذي تعلم أنه لن يأكله
والذي أصبحت تعطيه لخادمات بيت عمها ليأكلوه أو ليعطينه لصبيان المجلس
رن هاتفها كان سلطان
مشاعل ابتسمت: هلا والله بالشيخ سلطان
سلطان بنبرة عتب: بلا شيخ بلا بطيخ.. العبي علي
قاعدة مقابلة نويصر وهّملتيني
مشاعل ضحكت بعذوبة: ماعاش من يهّملك.. عيوني لك.. وش اللي يرضيك
سلطان يبتسم: أبيش تلعبين معي بلاي ستيشن
مشاعل تبتسم: ريم أم لسانين عندك.. خلها تلعب معك
سلطان باستنكار: وعيييييه... أشهد أني على العازة.. أخرتها أرجع على الكوبه الرويم الدعلة
يعني أنتي ما تبيني.. حرام اللي راحت عليك يا سليطين
مشاعل تضحك: جيب البلاي ستيشن وتعال.. ناصر راقد وما أقدر أطلع وأخليه
سلطان بغيظ: إيه يا نويصر العز للوز.. شيختهم قاعدة على رأسك تحرسك وأنت مطيخ تشاخر (مطيخ=مستغرق في النوم)
مشاعل بابتسامة: تجي وإلا أغير رأيي؟؟
سلطان باستعجال: لا جاي جاي.. خليني أمغث نويصر شوي مثل ماهو ماغثني..
بعد خمس دقائق وصل سلطان بحقيبة لعبته على كتفه
وكانت مشاعل أغلقت الباب على ناصر حتى لا يزعجه صوت سلطان العالي
مشاعل احتضنت رأس سلطان الذي يصل إلى تحت ذقنها وهي تهمس له:
منت بناوي تطول شوي؟؟
سلطان بتأفف: يا شين ذا الطاري.. أنتي تبغين تكدريني عشان تفوزين علي
بس ماعلي منش.. أنا قاعد عندش لين صلاة الظهر
ويمكن أصلي وأرجع.. لازم أطلع عينش وعين بعض الناس اللي خاسوا من الرقاد داخل
مشاعل تقوده للتلفاز: أدخل أشبك اللعبة وأنا بأروح أجيب لك ريوق
سلطان يشير لها لا ويقول بمرح: موضي ريقتني غصب.. من يوم درت بموعد ملكتها وهي جايها حاطي باطي
وماحد عندها تفش حرتها فيه غيري.. أكلتني لين قدني بأزوع.. قلت خلني أنهزم قدام يجيني فتاق في كرشي
مشاعل بحنان: زين حلا وعصير.. مسوية حلا أنت تحبه
سلطان يستعد للعب وهو يجلس على الأرض ويضع مخدة تحت فخذه:
بعدين بعدين.. والحلا اللي أنا أحبه لو أني غالي كان جاني لين البيت
مشاعل تجلس جواره وهي تتناول الجهاز الآخر: يا شين ملاغتك بس
وش تبينا نلعب؟؟
سلطان بحماس: كورة.. وش ظنش بعد؟؟
مشاعل تضع الجهاز فوق رأسها وهي تقول: سليطين يا ليل ما أطولك
الناس تطوروا والسوق فيه عشرين ألف لعبة
سلطان يختار فريقه ويقول لها بحماس طفولي: يا شين تمرطاس الخسرانين
خلصيني اختاري فريق الخسرانين اللي بيلعبون لش (التمرطاس=المماطلة)
مشاعل بحماس مشابه من أجله: خسرانين قال.. تكلم عن روحك يا سلطة
سلطان يقطب جبينه: الدعوى فيها سلطة.. زين يا ميشو تشوفين
مضت أكثر من ساعة ونصف والاثنان مستغرقان تماما في اللعب
لم ينتبها مطلقا أن هناك ثالث انضم لهما منذ أكثر من نصف ساعة
كان يجلس خلفهما على الأريكة التي كانت بعيدة قليلا عن مكان جلوسهما على الأرض ملاصقين لجهاز التلفاز
كان صامتا ومبهورا بكل معنى الكلمة
كان يرى مشاعل أخرى غير الرقيقة الهادئة التي كانت تتحرك أمامه طيلة الأيام الماضية بمثالية
أنثى حقيقية مليئة بالحياة لدرجة مفجعة تحز في روحه الرجولية غصبا عنه..
تكاد وجنتيها تتفجران احمرارا وأنفاسها تعلو وتهبط
وهي تدغدغ سلطان وتسحبه وتشد رأسه وتحتضنه
بل وتتناول كفه وتعضه أحيانا بشقاوة دون أن تؤلمه
وسلطان من ناحيته يغرز أصابعه في جنبها بشكل مفاجئ كلما كانت الهجمة لها
لتقفز وهي تصرخ وتضربه بشكل هستيري طفولي
ناصر كان مستمتعا بالمراقبة حتى حدث أخيرا ما أجبره على التصريح بوجوده
الهجمة لسلطان فقامت مشاعل بذات الحركة ولكن بشكل مبالغ لأنه ليس سريع الإحساس مثلها.. ظلت تدغدغه حتى خسر
حينها ألتفت لها وعضها في عضدها من ناحية الكوع مباشرة على اللحم لأنها كانت ترتدي نصف كم قريب من الكوع
مشاعل صرخت بألم من بين أسنانها بصوت مكتوم: سلطان يالمتوحش بسك قطعت لحمي
سلطان حين غادرته غضبته الطفولية وأرخى إطباق أسنانه على جلدها
فُجع وهو يرى أثار أسنانه الغائرة في أسفل عضدها
انتفض وهو يرمي اللعبة ويقف على ركبتيه ليحتضن رأسها ويطبع عليه عشرات القبلات ويهمس بوجل: أسف ميشو أسف
جعل سنوني السوسة.. سامحيني فديتش.. جعلني السوسة كني عدتها
مشاعل تضحك ورأسها مختبئ في صدره الصغير: بس خنقتني
ولا عاد تدعي على روحك زعلت عليك
(بسكم)
صوت حازم غاضب يقاطعهما
لا يعلم يقينا ما الذي أغضبه
هل هي عضة سلطان الموجعة لمشاعل؟؟
أم قبلاته واحتضانه الطويل لها؟؟
هل هو خائف عليها؟؟.. أم يغار عليها؟؟
سواءا كانت هذه أو هذي.. فهو لن يعترف بذلك حتى لنفسه في أعمق أعماقه
سلطان يفلت مشاعل ويلتفت لناصر بحرج: صبحك الله بالخير
أربني ما أزعجتك يا بو محمد؟؟
ناصر بمودة: ما أزعجتني .. بس الرجّال الشقردي يعض أخته؟؟
مهوب عيب عليك؟!!
سلطان بخجل: ماكان ودي أجعها.. احتريت شوي
ناصر يهمس له بالنبرة الحازمة المعتادة في حديث الرجال: الرجّال ما يطلع حرته في النسوان
يطلعها في الرياجيل اللي مثله
والرجّال ما يعض.. العض للبزران.. الرجّال يضرب ويوجع
إذا شافوا الرياجيل خصيمه دروا بفعل يمينه في وجهه
سلطان يقف ويميل على أنف ناصر وهو يقول بحماس: تم طال عمرك
واسمحوا لي أترخص
مشاعل بنبرة غامضة: وين بتروح؟؟ ماكنت تقول إنك بتقعد للظهر
اقعد أفطر مع ناصر
سلطان يجمع لعبته ويقول: بجيش بكرة.. اليوم بأقعد مع مشعل شوي قدام يسافر بكرة
حين خرج التفتت على ناصر وهي تقول بعتب غاضب:
مالك حق تحرجه كذا
ناصر يتعكز على عكازيه ويقف على قدمه الوحيدة ليمسك عضدها ويلفه ناحيته ويقول بغضب:
وهو له حق يسوي فيش كذا.. سلطان أخي وفي المجلس أعلمه أكثر من كذا.. ولا عمره تشاينها مني.. (تشاين= رآها شينة أي أستاء منها)
مشاعل شعرت أن مسكته لعضدها تحرقها وتذيب جلدها لتحدث قشعريرة وصلت لعمق عظمها.. ولكنها هتفت بغضب:
تعلمه بكيفك أنت وياه.. ما أردك تعلمه سلوم الرياجيل.. لكن تحط حاجز بيني وبينه ما أسمح لك
إن شاء الله يقطعني أنت مالك دخل.. جسمي وأنا حرة فيه
ناصر بتهور غير مقصود: إلا لي دخل فيه.. مهوب حلالي..
الجملة خرجت حادة كثيفة توحي بعشرات التأويلات غير المقصودة فعليا
وناصر ندم فورا وبشدة على قولها
(أي حلال؟؟ أي خرابيط؟؟.. تخليها تستفزك تقول حكي ماله طعم)
مشاعل شعرت بتوتر كاسح وخجل متعاظم يجتاحها وهي تحاول أن تتماسك أمامه.. وتمسك مكان العضة في عضدها بكفها
وناصر يحاول تغيير الموضوع لجهة أخرى: يعني ماعمري شفتش معصبة إلا اليوم
لذا الدرجة سليطين غالي عليش؟؟
مشاعل حاولت أن ترد ولكن ريقها جاف.. جاف جدا.. وكلمة (حلالي) تخترقها كأسهم نارية موجعة لتبعثر كل أفكارها
همست بخفوت بعد لحظات صمت: بتريق أو كالعادة؟؟
ناصر رد عليها بهدوء غامض وهو يتحرك باتجاه طاولة الطعام: بأتريق
*********************
بيت عبدالله بن مشعل
بعد صلاة العشاء
حفل نسائي أسري لسيدات آل مشعل وقريباتهن المقربات
عقد قرآن موضي الذي تم على خير
احتفال بالعروستين اللتين لم يتم الاحتفال بهما
احتفال بالانتهاء من الامتحانات للجميع
وتوديع لهيا المسافرة في الغد
لطيفة المتألقة في فستان أسود تجلس بجوار موضي القلقة في فستانها الزهري الناعم
وتهمس لها من قرب: فكيها.. عيب عليش ذا التكشيرة.. وش تبين الناس يقولون
مغصوبة على العرس.. وهو قده ثاني واحد
موضي من بين أسنانها وهي تحاول رسم ابتسامة: تدرين إنش سخيفة
لطيفة تبتسم من أعماقها: وأنتي أسخف طال عمرش
إلا تعالي قولي لي.. شنو صار في مراسيم الملكة.. راحت علي وأنا في الصالون
موضي بتهكم مصطنع: تدرين نسيت أسجلها عشان أعيدها على مسامعش الكريمة
لطيفة تبتسم: أنا الليلة مبسوطة.. ولا حتى ملاغتش بتخرب مودي
تعالي قولي لي.. قصيتي شعرش وإلا بعد
كانت تسأل موضي لأن شعرها كان مرفوعا في شينيون غجري ولا يتضح طوله
موضي ردت: مابعد
موضي لم تقص شعرها مطلقا منذ حوالي 4 سنوات وطال بدون ترتيب ليصل إلى أسفل خصرها
وشعرها هو الأكثف بين شعر شقيقتيها ونعومته وسواده ثقيلان للغاية
لطيفة باهتمام: يبي له ترتيب واجد.. لو أنتي تبين تطولينه على الأقل قصي أطرافه.. رتبيه قبل عرسش
موضي برعب: وش عرسه أنتي بعد؟؟ تو الناس
لطيفة بنبرة منطقية: بصراحة أنا ما أشوف سبب للتأجيل
موضي برجاء: لطوف بلاها تدخّلين.. وتحنين على رأس أبو محمد وهو يحن على رأس الشيبان
أدري الشيبان ما يأخذون في يد رجالش غلوة
لطيفة تبتسم: الله وأكبر عليش يأم عيون.. ماعاد إلا مشعل تنظلينه
جبهة أخرى هيا في فستان حريري أخضر تجلس بجوار جدتها وتحتضن كفها:
يمه فديتش لا تضايقين.. السنة هذي آخر سنة عندي وعند مشعل
كلها كم شهر وتلاقينا عندش ولا عاد حن برايحين ديرة إن شاء الله
الجدة بحزن عميق: الواحد ضامن عمره لبكرة يحكي عن اللي بيصير عقب شهور
هيا اجتاحها خاطر مرعب (ماذا لو حدث لجدتها شيء وهي غير متواجدة.. لن تحتمل مطلقا.. لن تحتمل) همست بجزع:
يمه الله يهداش وش ذا الحكي.. العمر الطويل لش في الطاعة
الأعمار بيد الله ما تدرين يمكن أكون قدامش.. هو الأجل بالعمر
الجدة بغضب: تفي من ثمش يا بنت سلطان
هيا تحيط كتفي جدتها بذراعها وتقبل كتفها وتقول بمرح: أجل لا عاد تعيدين علي سالفة الموت ذي
ثم أردفت بهدوء:
ماحد يطق من يومه يمه.. لكن الواحد ليش يوجع نفسه ويوجع اللي حوله
(الأمريكانية ذي خذت علوم هل أمريكا
الذيب ما يهرول عبث
وخري من جدتي لا تأكلينها!! خلني أسلم عليها)
معالي الواصلة للتو مع أهلها تميل لتسلم على جدتها بطريقتها الحماسية
فهناك علاقة فريدة عميقة تربط بين الاثنتين
فمعالي مرتبطة كثيرا بجدتها
ابتسمت هيا وهي تسلم بدورها على معالي: وينكم يأم لسانين ليش تأخرتوا
معالي بغيظ: خبرش الكوبي والبيست قعدوا يسبحون لين جاتنا وزارة الماي بكبرها يشتكون
يقولون بيتكم سبب أزمة مياة والدوحة بيجيها جفاف من سبتكم
ثم أكملت (بعيارة): شكلي بأقلب على نظافة الخبلان مثلهم.. كود أغدي مومياء بيضاء مثلهم
جبهة أخرى قريبة
ذات الوقت
مجلس آل مشعل
المتواجدون من الرجال في انتظار حضور البقية لتقديم العشاء
العريسان الجديدان في زاوية يتساسران وعكازات ناصر بجواره
فارس يهمس له: متى بتركب الساق؟؟
ناصر بذات الهدوء: عقب يومين
فارس بأخوية مساندة: مستعد؟؟
ناصر يبتسم: ليه بأدخل معركة.. أنا بصراحة زهقت من ذا العكازات
ودي أسوق سيارتي
أروح افرفر شوي
وأهم شيء أروح الجليلة... ياني اشتقت لذا المخلوقة
فارس بابتسامة: عندك في بيتك مهرة مالها تواصيف وتقول مشتاق للجليلة
أشهد أنه ماعندك سالفة
ناصر سكت على مضض ولسان حاله كما المثل الشعبي
(خلها في القلب تجرح.. لا تطلع للناس وتفضح)
زاوية أخرى من المجلس
سعد ومشعل بن محمد
سعد يهمس لمشعل بمرح: هذا ناصر رجع بالسلامة وراكان تملك
أنا متى بنتظرون لحالي وترأفون فيه.. أبي أعرس يا ناس
مشعل يبتسم: مع أنك رفيقي من سنين لها ونين.. لكني توني أكتشف أنك تغثي كذا
سعد بابتسامة: إيه يا بومحمد اللي يده في الماي... وش عليك؟؟ أنت عندك أم محمد
وأنا كل ما رجعت للبيت ما قدامي إلا وجه بو صبري.. يغدي ودي أهج من البيت
مشعل (بعيارة): يا كثر بربرتك على الفاضي
الحين حن رديناك تحدد موعد للعرس؟؟.. حدد لك موعد مناسب بس يا ليت عقب عرس راكان أو حتى لو بغيتوا حطيناكم مع بعض أحسن
سعد باستنكار: راكان اللي توه متملك تبيني انتظره.. ياكبرها عند الله
مشعل يضحك: أنت اللي ياكبرها عند الله.. وأنت توك متملك مالك إلا أقل من شهر
سعد يبتسم: تصدق أحسب أنها سنتين
زاوية ثالثة
راكان ومشعل بن عبدالله
مشعل بسعادة حقيقية: الليلة أنا كني ماسك النجوم الله يهنيكم ويبارك لكم
راكان بغموض: ويبارك فيك
مشعل باستفسار: ومتى ناوي العرس إن شاء الله؟؟
راكان بهدوء واثق: على عطلة الربيع السنة الجاية
مشعل يبتسم: مع إنه بعيد واجد بس أحسن.. عشان أكون رجعت.. وأنا اللي أرتب لعرسك
ثم تنهد وشيء يخطر بباله: تدري ياراكان.. خواتي كلهم غاليات عندي وغلاهم واحد
بس موضي عندي غير.. من يومها صغيرة وهي عندي غير
راكان في داخله (حتى أنا كانت عندي غير.. بس كانت.. كانت!!)
مشعل يكمل كلامه: ما أوصيك فيها يا راكان عقب.. أنا أدري إنها ما كانت مرتاحة مع حمد..
راكان شعر بألم مفاجئ غير مفهوم من تذكر أن زوجته كانت زوجة لرجل آخر قبله
مشعل يكمل: بس هي ما كانت تشتكي.. أنا عمري ماشفت حد كتوم مثلها
راكان في داخله (في ذي أنا أشهد.. اللي تعرف بزواجي الأول من سنين ولا علمت حد)
مشعل يكمل بهدوء: كان ودي إنها تشتكي لي.. أنا ما كنت مرتاح لحمد.. وكان ودي أتدخل.. لكن بما أنها عمرها ما أشتكت وأنا ماشفت شيء بعيني مالي طريق على الرجّال
راكان اشتعل داخليا (ليتك تدري وش سوى فيها!!)
مشعل يبتسم ويكمل: لكن الحين الله زيّنها من عنده.. وموضي غدت لك
وأنا ترا أبي أقول لك شيء من حقك تعرفه
راكان شعر بتوجس لم يظهر على محياه وقال بهدوء: اللي هو؟؟
مشعل بهدوء: ترا موضي ما عندها أي مشاكل تمنعها من الانجاب..
لا تقول إن ذا السؤال ما خطر ببالك.. مرة لها أربع سنين متزوجة وما حملت
أكيد إنه دار ببالك ذا الاحتمال.. وأنا عارف إنك مستحيل تسأل.. فحبيت أقول لك
راكان شعر بحرج بالغ داخليا.. لأنه فعلا لم يدر بباله هذا الاحتمال ولا حتى لجزء من الثانية
أطفال ؟؟ أبناء له تكون موضي أمهم؟؟
ماهذا الجنون؟؟
ماهذا الجنون؟؟
عودة لحفل النساء في بيت عبدالله بن مشعل
العروستان تجلسان متجاورتين
مشاعل شعرها الكاريه مسدل لأسفل عنقها كالعادة
ولكن من الأمام رُفعت بعض خصلها بطريقة راقية وثُبتت بمشابك بنفسجية
بنفس لون فستانها الذي كان على الطريقة الأسبانية وقصير قليلا من طرف
لنصف ساقها وارتدت معه (بوت) بنفسجي
العنق هاي نك تزينه من الجنب وردة كبيرة وأكمامه لاصقة طويلة
وتدرجات الزينة البنفسجية على وجهها أعطتها ألقا مختلفا ناضحا بالإثارة
بينما العنود كانت فاتنة للغاية وسعادتها الداخلية تنعكس بإشراق على وجهها
وفستانها الشيفون المشجر بتدرجات الأزرق منحها منظرا مفعما بالحياة فعلا
العنود تميل على مشاعل وتهمس بمرح: تدرين فستانش هذا المفروض أنا اللي لابسته
مشاعل ترسم ابتسامة عذبة: خلاص ولا يهمش بكرة بوديه المغسلة يغسلونه وعقب يجيبونه لش
العنود تضحك: تبين أخيش يذبحني.. لو عليه.. لبسني خيشة وسكرها علي لحلقي
مشاعل تبتسم: مافيه شيء الفستان مستور بزيادة هاي نك وكم ماسك لنصف الكف.. حتى الجزء الوحيد العاري فيه تحته بوت
العنود بعذوبة: يأختي مسوي رقابة غير طبيعية للبسي.. جنني
شعرت مشاعل بحزن شفاف يغزو روحها.. لا تريد أن تعقد مقارنة بينهما وبين أي زوجين آخرين.. فهما مختلفان تماما
ولكنها لا تستطيع أن تمنع نفسها من الحزن.. فناصر لا ينظر لها مطلقا ولا يهتم بأي شيء تفعله أو ترتديه..
هل يتحول لمشعل آخر؟؟ ولكن حتى مشعل القديم في أسوأ حالاته أفضل منه بألف مرة
على الأقل لم يكن يصرح بكراهيته لها ونفوره منها
ولكنها من جهة أخرى موقفهما صباحا مازال ماثلا في مخيلتها
وهي تمد يدها لتلمس عضة سلطان وتبتسم
(المفروض أشكر سلطان على ذا العضة
أول يوم أحس إنه فيه حاجز من الألف حاجز اللي بيني وبين ناصر انكسر
وأول يوم يفطر معي
وحسيت إنه مستمتع مع أنه ما عبر ولا شكر ولا حتى تكلم)
عالية وعلياء كانتا تجلسان متجاورتين كعادتهما.. وعلى محياهما طيف حزن شفاف
معالي تفرقهما وتجلس بينهما وتدخل كل ذراع من ذراعيها في ذراع كل واحدة منهما لتحتضن ذراعيهما وتهمس لهما:
عيب عليكما ذا التكشيرة.. جايين حفلة وإلا عزاء
علياء بحزن: صحيح أخينا حمد واحد ما ينطاق.. وموضي صبرت عليه واجد
وتستاهل كل خير.. وراكان فعلا هو كل الخير
بس.. بس
عالية أكملت بذات النبرة الحزينة: بس هذا ما يمنع إنه احنا نحس بالحزن لأنه احنا عارفين إن حمد رغم شين أطباعه كان يحبها
معالي تضحك بمرارة: يحبها وما يحبكم.. وش استفدتوا يعني؟؟
خلو بنت الناس تشوف نصيبها.. وتشوف لها يوم حلو.. عقب ما طلّع أخيكم عينها
واحمدوا ربكم إنها ماطلعت فضايحه على الناس
علياء باستنكار: يعني أنتي ما تحبين حمد؟؟
معالي بنبرة غامضة خليط من الشوق والغضب والحب: أكيد أحبه
وغصب عني أحبه لأنه في عروقنا يمشي نفس الدم.. وحبي له فطرة
لكن لو جينا للحق.. هو ما يستاهل ولا حتى نتفة حب.. وخصوصا أنه هو نفسه ما يحبنا.. وأكثر من مرة قالها لنا.. وإلا ناسين يعني؟!!
**********************
القاهرة
فندق جراند حياة
الساعة العاشرة والنصف مساء
بدء مراسيم حفل زواج باكينام ويوسف
التي لن تطول كثيرا
لأن طائرتهما ستقلع تمام الثالثة بعد منتصف الليل
لذا حقائبهما أرسلت لجناحهما المحجوز في ذات الفندق
حتى يبدلا ملابسهما سريعا ويتوجهان للمطار
هذه التعليمات علمت بها باكينام من والدها
لأنها لم ترَ يوسف
وهاهي الآن تتأبط ذراع والدها وتقف في أعلى السلم
وتعلم أنه ينتظرها هناك في الأسفل
كم بدا بعيدا وقريبا قبل أن تراه حتى!!
وهاهي تنزل على صوت الدفوف فقط.. بعد أن أصررت على منع كافة أشكال الموسيقى في كل فترات الحفل
كانت غاية في التألق في فستان أبيض ثلجي ملكي من تصميم خالد البحيري
الذي هو بالعادة مبالغ في أسعاره
وحتى يوافق على ترك كل ما بيده ويصنع فستانا لعروسا محجبة بمواصفات خاصة
وينجزه خلال فترة لا تتجاوز الأسبوعين..
طلب مبلغا أكثر مبالغة.. لو كان الأمر لبكينام لكانت رفضت
ولكن والدتها ووالدة يوسف كانتا من أصررتا
كانت تنزل وتحاول أن تشغل بالها بالتفكير بعيدا عنه.. عمن ينتظرها في الأسفل ويشغل تفكيرها ويشعل مشاعرها
حتى تفاجأت بيد دافئة تمسك بأناملها المتجمدة ووالدها يسلمها له
وهو سمسك بيدها ليدخلها في ذراعه
وهي ترفع وجهها بوجل لتنظر لوجهه
أمام مصحة حمد النفسية في القاهرة
في سيارة باكينام
نار تشتعل بين راكبي السيارة
كان يوسف يمسك معصم باكينام بقسوة وهو يهمس لها بغضب هادر لم تراه مطلقا في حياتها كلها:
لحد هنا وكفاية.. كان ممكن أسامحك على أي حاجة إلا أنك تخبي علي حاجة زي دي
ئولي لي إيه اللي بينك وبين الراجل اللي اسمو حمد جابر
باكينام بغضب مشابه: وأنا ما أسمحش ليك إنك تسألني بنبرة الشك دي
يوسف بذات النبرة المرعبة: أنتي مالكيش حق تسمحي أو ما تسمحيش
لأني اديتك الحق أكتر من مرة.. بس أنتي حلي لك إنك تستغفليني
باكينام باستنكار: أستغفلك؟؟
يوسف بحدة: أه تستغفليني.. أمال تسمي إيه إنك كل يوم والتاني تنطي لراجل غريب تزوريه وتشتري له هدوم كمان
دا أنتي بتتكلمي معاه في مرة وحدة.. أكتر من كل المرات اللي تكلمتي فيها معايا
أنا كنت عاوز أنط لك وأنتي معاه وأعرفك أصلك ئدامه .. لكن لما سألت عنه... عرفت إنه مريض وحالته صعبة.. وكان متجوز وبيحب مراته..
فالعتب كلو على اللي راميه نفسها عليه.. وهي اللي لازم تتحاسب
أنا في الأول حبيت إني أسدء ثقتي فيكي.. ئلت أهو مريض بتزوريه
لكن لما سألتك أول مرة كنتي فين.. خبيتي علي
تاني مرة سألتك عندك حاجة عاوزة تئوليها لي.. برضو خبيتي علي
لما أنتي بتحبيه أو يمكن بينكم حاجة تتمي حكاية جوازنا ليه؟؟
باكينام تحضر كل عروق كبريائها وتصطرع بجنون.. يستحيل أن تشرح أو توضح
كانت ببساطة تستطيع أن تقول أنه ابن عمة هيا ويتعالج هنا بشكل سري
وهيا وصتها أن تزوره.. والملابس دفع ثمنها وزيادة.. وهذه هي الحقيقة فعلا
ويوسف يعرف هيا جيدا.. وكان الإشكال سيحل فورا
لكنها يستحيل أن تريحه بعد أن سمح لنفسه بالشك فيها لدرجة مراقبتها
لذا ردت عليه بحدة مشابهة : أنا اللي تممت جوازنا؟؟
مين اللي فرض كل حاجة عليا؟؟
يوسف بمرارة: بلاش اللعبة دي.. لو كنتي ئلتي إن ئلبك مشغول بغيري من يوم الحفلة
أنا كان مستحيل أجبرك على حاجة
أنا مش رخيص عشان أفكر في وحدة بتفكر في غيري
لكن أنا أفتكرت ئلبك خالي وبتعاندي وهيجي اليوم اللي هائدر أنا أملاه
بس إنك تستغفليني بالطريئة الحقيرة دي.. كانت حاجة رخيصة أوي
وأنتي طلعتي أرخص بكتير من أي حاجة تخيلتها
باكينام شعرت بألم حقيقي يمزق شرايين قلبها مع اتهاماته المريعة
إلى هذه الدرجة يراها سيئة؟!!
إذا كان لا يعرفها.. ولديه هذه القدرة على تصديق كل هذه الحقارة عنها
فهي ليست لديها القدرة للتفسير
يستحيل أن تبرر نفسها أو أن تسمح له أن يجعلها في موضع اتهام حقير كهذا
كرامتها تأبى عليها مجرد التفكير في اتهاماته فكيف ترد عليها حتى؟؟
باكينام همست له ببرود: أنته لساك على البر
طلئني وكل واحد يروح في طريئه
يوسف بغضب حاد وهو يمسك بوجهها بين أصابعه ويعتصره:
حقيرة ورخيصة وأنانية.. تفو على دي أخلاء
لما فشلتي تكملي التمسيلية عليا.. عاوزة تخربيها وتئعدى على تلها
فرحنا ئريب وهيكون في موعده
وفي واشنطن أنا اللي هأعرف أربيكي
إما خليتك تندمي على استغفالك لي ما أكونش يوسف عزت
************************
الدوحة
بعد الغداء
بيت عبدالله بن مشعل
غرفة مشعل وهيا
كانت هيا عند جدتها.. وحين علمت بوصول مشعل صعدت له
كان مشعل وقتها يغتسل
حين خرج ورآها تنتظره ابتسم وهو يجفف يديه ووجهه
هيا وقفت وتناولت الفوطة من يديه وهي تهمس له برقة:
وين رايح اليوم من بدري؟؟
مشعل يبتسم: سويت كم شغلة.. رحت البعثات
وعقب رحت غيرت حجزنا.. وقدمت على فيزا بريطانية
هيا باستغراب: غيرت حجزنا؟؟ وفيزا بريطانية؟؟
مشعل ببساطة وهو يتمدد على السرير: إيه بدل باريس بنمر لندن ونقعد فيها 3 أيام
هيا برعب: نمر لندن ليه ؟؟
مشعل يبتسم: السالفة إنه شهادتش اللي من كوينز أنتي نسيتي تصدقين كل النسخ من التعليم العالي البريطاني
وهم يراجعون أوراقهم اكتشفوا إنه النسخة اللي عندهم مهيب مصدقة
والحين إذا ماجاتهم الشهادة مصدقة ماراح يخلونش تكملين الماستر..
بنمر لندن نصدقها وعقب بأبعثها لهم بالدي اتش إل..
هيا تجلس بجواره وهي تحتضن كفه وتقول بجزع: تكفى مشعل بلاها مرور لندن وأنت ممنوع من دخول بريطانيا..
وإذا على دراستي.. الخير واجد.. خلهم يقطعون منحتي وأنا بأدرس على حسابي..
مشعل يضحك: يا بنت الحلال سهالات.. السالفة هدة بزران قبل 12 سنة
وأنا لو علي شيء ماكان وافقوا في السفارة يسوون لنا تأشيرة لأنهم دخلوا اسمي في الكمبيوتر عندهم
وبعدين السالفة مهيب سالفة فلوس.. الحمدلله الخير واجد..
بس البعثات يمكن يرفضون عقب تصديق شهاداتش كلها إذا ماخلصني تصديق شهادة البكالوريوس أول..
هيا بخوف: قلبي مهوب مرتاح.. زين خلنا على حجزنا الأولي ننزل في باريس
و أنا بأروح لندن على قطار المانش الصبح.. وأنا أدل هناك عدل ممكن أخلص الشغل كله في يوم
وأنت خلك في باريس المساء بأكون راجعة.. ونرجع واشنطن سوا
مشعل وقف وهو يقول بغضب حقيقي: مالش لوا.. شايفتني كمخة وإلا كمخة
هيا بتوتر: محشوم يا قلبي بس......
مشعل يجلس على السرير وهو يحاول السيطرة على هدوء نبرته:
خلاص هيا.. الحكي في هالموضوع منتهي..
************************
ذات المساء
الدوحة
حوالي الساعة 10 ونصف مساء
العنود في غرفتها تدرس
تجلس في صالتها الكتب منثورة على الطاولة وهي تجلس على الأرض بين الطاولة والأريكة مستغرقة في الاستذكار وكتابة ملاحظاتها
دخل عليها فارس
سلّم
رفعت عينيها وسلمت وابتسمت له بعذوبة
شعر كما لو أن شمسا صاخبة مشبعة بالحياة والألوان والبهجة المتعت من بين شفتيها
( يا الله أنا توني معصب عليها الظهر
وهي تبتسم لي الحين
ما أكبر قلبها وأضيق أخلاقي)
ولكنها تذكرت
اختفت ابتسامتها بتلقائية وعادت للانكباب على الكتب
شعر فارس حينها أن وترا ما في قلبه تمزق
اقترب منها وجلس خلفها همس:
بكرة بأشتري لش مكتب بدل قعدة الأرض ذي
تبين تروحين معي؟؟ أو ممكن اشتري على ذوقي؟؟
العنود بخفوت: اشتري أنت.. ماعندي وقت أفر مكان
يالله الوقت يكفيني أدرس
فارس مد يديه وأمسك بعضديها ورفعها بخفة وأجلسها في حجره
كان القلم مازال بيدها.. تناول القلم من يدها.. وطبع في باطن معصمها قبلة عميقة
ثم همس لها بحنان: عادش زعلانة؟؟
العنود بخفوت: تكفى فارس ما تسألني ذا السؤال.. أخاف أقول زعلانة تعصب عليّ
فارس بذات الحنان: قولي ماني بمعصب
العنود بنعومة: فارس أنا بطبعي نادرا ما أزعل.. فلو زعلت يوم إذا أنت ما احتويتني وتحملتني شوية.. مين اللي بيتحملني
المفروض إنه أحنا نصير شخص واحد.. حتى انفعالاتنا نتشارك فيها
لكن اللي أنا شايفته لحد الحين.. أنت تعصب أنا أسكت
ولو صار وأنا زعلت انت تعصب وتهب فيني.. على كذا أنا بأصير أخبي انفعالاتي عليك وينبني بيننا حاجز كل يوم عن يوم يكبر..
إحنا الحين في بداية زواجنا وأنا مستعدة أقدم لك كل شيء.. لكن ما أشوف إنك عندك نفس الاستعداد
فارس احتضنها بشدة وهمس لها بوله مصفى: حبيبتي أنا أحبش حب والله ما تتخيلين وش كثر.. فوق كل خيال وتصور
وقلت لش كثير استحمليني شوي.. لين كل واحد يتأقلم مع طبايع الثاني
لكن أوعديني ما تخبين على شيء حتى لو عصبت عليش
لأني باعصب بس بتلاقيني رجعت.. لأنه حبش هو الهواء اللي أتنفسه والدم اللي يمشي في عروقي.. حد يقدر على زعل هواه ودمه؟!!
العنود ابتسمت وهي تهمس بدلال: كل هالحب من كم يوم؟؟!!
فارس بابتسامة: من زماااااااان
العنود برقة: متى يعني؟؟
فارس يحتضنها أكثر: الحين الحب يكفيش.. ووقته خليه بعدين
***********************
مر أكثر من أسبوعين على الأحداث الأخيرة
العنود ولطيفة أنهتا أمتحاناتهما
هيا ومشعل موعد سفرهما غدا
الخبر الذي أشاع جوا من الحزن في بيت عبدالله بن مشعل
وجعل موعد ملكة راكان وموضي يتقرر اليوم بعد صلاة العصر
ليحضرها مشعل قبل سفره
باكينام ويوسف وضعهما سيء جدا
تجهزت باكينام لفرحها كمخططها المعتاد
ولم تسمح لأحد أن يشعر أن هناك شيئا ما بينها وبين يوسف
ويوسف مطلقا لم يعد لمكالمتها.. تفاهمه كان مع عمه طه
والجميع فسر تباعده أنها نوع من حركات الشباب الذي يمتنعون عن رؤية عرائسهم حتى ليلة الزفاف
والليلة هي الليلة الموعودة
ليلة زفاف باكينام ويوسف
فارس والعنود وضعهما بين كر وفر
فارس كعادته بين حب مصفى وقسوة غير مبررة
والعنود في حيرة دائمة منه
ولكنها تحاول دائما امتصاص غضبه بطريقتها اللبقة الذكية في الكلام
وخصوصا أنها باتت تعلم بعمق حبه لها.. وبدأت هي بتعميق مشاعرها ناحيته في ذات الإتجاه
الأكيد أن علاقتهما ببعضهما توطدت كثيرا وبعمق
رغم كل الغرابة المتجذرة في علاقتهما التي تمثل نموذجا لغرابة علاقة بعض الأزواج
مشاعل وناصر مشكلة عويصة تبدو عصية على الحل
فناصر يبدو نافرا منها وبشدة
وهي تتصرف كأنها لا تشعر بنفوره الذي كان يمزق مشاعرها بوحشية
تنام معه بذات الغرفة وعلى ذات السرير
ولكن بينهما محيطات هادرة تفصل بينهما وليس مجرد أشبار معدودة
مشاعل تدور طوال اليوم في البيت تطبخ أو ترتب أو تذهب لبيت عمها
وأحيانا تتوجه لبيت أهلها حين تكون متيقنة أنه لن يعود وبعد أن تستأذنه
وهو لا يقصر في التوضيح لها بصراحة أنه لا يهمه ماتفعله
مطلقا لم تشتكِ إلا مرة واحدة
في اليوم التالي لعودته.. رأته يحمل ملابسه المتسخة يريد أن يذهب بها لأمه
حينها وقفت أمامه ورجته بعمق ألا يحرجها مع والدته وهي تناشده بألم:
وش تبيهم يقولون علي؟؟ ملابسك توديهم يغسلونها لك؟؟
ماعندك مرة
ناصر بقسوة: إيه ما عندي مرة..
مشاعل بمناشدة عميقة: تكفى ناصر.. احشم إني بنت عمك
لا تفشلني في هلك.. يعني حتى ملابسك ما تبغيني أغسلهم.. ليه أنا نجسه؟؟
حرام عليك اللي تسويه فيني
حينها رمى ناصر الملابس على الأرض وخرج
كان يشعر بمرارة عميقة وألم أعمق
(أي وحش قميء أتحول أمامها
كم أتمنى أن يأتي اليوم الذي تفارقني فيه.. وتعود لأهلها
تعبت من القسوة وأنا ما أعتدت أن اكون قاسيا
ولكنها تستفز قسوتي لتتدفق تلقائيا عليها
أتحول لمخلوق آخر أمامها
مخلوق ليس أنا.. شيء مختلف أكره أن أكونه
تأثيرها علي سلبي ومفرز لمساوئي)
مشاعل جلست على الأرض جمعت ملابسه
ثم عادت لرميها بعيدا لتتناثر متفرقة في أرجاء الصالة
وهي تسحب نفسها لتتسند على طرف الكنبة
كانت تشعر بمهانة عميقة
تشعر أنها عاجزة عن الإكمال بهذه الطريقة
تشعر أنها على وشك الإنهيار
وكان هذا قبل أكثر من أسبوعين.. ومازالت لم تنهار
رغم أن ناصر يثقل عليها العيار كثيرا
ولكن الضربة التي لا تقتلك تقويك
وهي تقوى فعلا لتحكم سيطرتها على حياة ناصر وترتيب كل شيء يخصه
اليوم نهضت من نومها مبكرة وكان ناصر مايزال نائما
صلت الضحى وأعدت الفطور الذي تعلم أنه لن يأكله
والذي أصبحت تعطيه لخادمات بيت عمها ليأكلوه أو ليعطينه لصبيان المجلس
رن هاتفها كان سلطان
مشاعل ابتسمت: هلا والله بالشيخ سلطان
سلطان بنبرة عتب: بلا شيخ بلا بطيخ.. العبي علي
قاعدة مقابلة نويصر وهّملتيني
مشاعل ضحكت بعذوبة: ماعاش من يهّملك.. عيوني لك.. وش اللي يرضيك
سلطان يبتسم: أبيش تلعبين معي بلاي ستيشن
مشاعل تبتسم: ريم أم لسانين عندك.. خلها تلعب معك
سلطان باستنكار: وعيييييه... أشهد أني على العازة.. أخرتها أرجع على الكوبه الرويم الدعلة
يعني أنتي ما تبيني.. حرام اللي راحت عليك يا سليطين
مشاعل تضحك: جيب البلاي ستيشن وتعال.. ناصر راقد وما أقدر أطلع وأخليه
سلطان بغيظ: إيه يا نويصر العز للوز.. شيختهم قاعدة على رأسك تحرسك وأنت مطيخ تشاخر (مطيخ=مستغرق في النوم)
مشاعل بابتسامة: تجي وإلا أغير رأيي؟؟
سلطان باستعجال: لا جاي جاي.. خليني أمغث نويصر شوي مثل ماهو ماغثني..
بعد خمس دقائق وصل سلطان بحقيبة لعبته على كتفه
وكانت مشاعل أغلقت الباب على ناصر حتى لا يزعجه صوت سلطان العالي
مشاعل احتضنت رأس سلطان الذي يصل إلى تحت ذقنها وهي تهمس له:
منت بناوي تطول شوي؟؟
سلطان بتأفف: يا شين ذا الطاري.. أنتي تبغين تكدريني عشان تفوزين علي
بس ماعلي منش.. أنا قاعد عندش لين صلاة الظهر
ويمكن أصلي وأرجع.. لازم أطلع عينش وعين بعض الناس اللي خاسوا من الرقاد داخل
مشاعل تقوده للتلفاز: أدخل أشبك اللعبة وأنا بأروح أجيب لك ريوق
سلطان يشير لها لا ويقول بمرح: موضي ريقتني غصب.. من يوم درت بموعد ملكتها وهي جايها حاطي باطي
وماحد عندها تفش حرتها فيه غيري.. أكلتني لين قدني بأزوع.. قلت خلني أنهزم قدام يجيني فتاق في كرشي
مشاعل بحنان: زين حلا وعصير.. مسوية حلا أنت تحبه
سلطان يستعد للعب وهو يجلس على الأرض ويضع مخدة تحت فخذه:
بعدين بعدين.. والحلا اللي أنا أحبه لو أني غالي كان جاني لين البيت
مشاعل تجلس جواره وهي تتناول الجهاز الآخر: يا شين ملاغتك بس
وش تبينا نلعب؟؟
سلطان بحماس: كورة.. وش ظنش بعد؟؟
مشاعل تضع الجهاز فوق رأسها وهي تقول: سليطين يا ليل ما أطولك
الناس تطوروا والسوق فيه عشرين ألف لعبة
سلطان يختار فريقه ويقول لها بحماس طفولي: يا شين تمرطاس الخسرانين
خلصيني اختاري فريق الخسرانين اللي بيلعبون لش (التمرطاس=المماطلة)
مشاعل بحماس مشابه من أجله: خسرانين قال.. تكلم عن روحك يا سلطة
سلطان يقطب جبينه: الدعوى فيها سلطة.. زين يا ميشو تشوفين
مضت أكثر من ساعة ونصف والاثنان مستغرقان تماما في اللعب
لم ينتبها مطلقا أن هناك ثالث انضم لهما منذ أكثر من نصف ساعة
كان يجلس خلفهما على الأريكة التي كانت بعيدة قليلا عن مكان جلوسهما على الأرض ملاصقين لجهاز التلفاز
كان صامتا ومبهورا بكل معنى الكلمة
كان يرى مشاعل أخرى غير الرقيقة الهادئة التي كانت تتحرك أمامه طيلة الأيام الماضية بمثالية
أنثى حقيقية مليئة بالحياة لدرجة مفجعة تحز في روحه الرجولية غصبا عنه..
تكاد وجنتيها تتفجران احمرارا وأنفاسها تعلو وتهبط
وهي تدغدغ سلطان وتسحبه وتشد رأسه وتحتضنه
بل وتتناول كفه وتعضه أحيانا بشقاوة دون أن تؤلمه
وسلطان من ناحيته يغرز أصابعه في جنبها بشكل مفاجئ كلما كانت الهجمة لها
لتقفز وهي تصرخ وتضربه بشكل هستيري طفولي
ناصر كان مستمتعا بالمراقبة حتى حدث أخيرا ما أجبره على التصريح بوجوده
الهجمة لسلطان فقامت مشاعل بذات الحركة ولكن بشكل مبالغ لأنه ليس سريع الإحساس مثلها.. ظلت تدغدغه حتى خسر
حينها ألتفت لها وعضها في عضدها من ناحية الكوع مباشرة على اللحم لأنها كانت ترتدي نصف كم قريب من الكوع
مشاعل صرخت بألم من بين أسنانها بصوت مكتوم: سلطان يالمتوحش بسك قطعت لحمي
سلطان حين غادرته غضبته الطفولية وأرخى إطباق أسنانه على جلدها
فُجع وهو يرى أثار أسنانه الغائرة في أسفل عضدها
انتفض وهو يرمي اللعبة ويقف على ركبتيه ليحتضن رأسها ويطبع عليه عشرات القبلات ويهمس بوجل: أسف ميشو أسف
جعل سنوني السوسة.. سامحيني فديتش.. جعلني السوسة كني عدتها
مشاعل تضحك ورأسها مختبئ في صدره الصغير: بس خنقتني
ولا عاد تدعي على روحك زعلت عليك
(بسكم)
صوت حازم غاضب يقاطعهما
لا يعلم يقينا ما الذي أغضبه
هل هي عضة سلطان الموجعة لمشاعل؟؟
أم قبلاته واحتضانه الطويل لها؟؟
هل هو خائف عليها؟؟.. أم يغار عليها؟؟
سواءا كانت هذه أو هذي.. فهو لن يعترف بذلك حتى لنفسه في أعمق أعماقه
سلطان يفلت مشاعل ويلتفت لناصر بحرج: صبحك الله بالخير
أربني ما أزعجتك يا بو محمد؟؟
ناصر بمودة: ما أزعجتني .. بس الرجّال الشقردي يعض أخته؟؟
مهوب عيب عليك؟!!
سلطان بخجل: ماكان ودي أجعها.. احتريت شوي
ناصر يهمس له بالنبرة الحازمة المعتادة في حديث الرجال: الرجّال ما يطلع حرته في النسوان
يطلعها في الرياجيل اللي مثله
والرجّال ما يعض.. العض للبزران.. الرجّال يضرب ويوجع
إذا شافوا الرياجيل خصيمه دروا بفعل يمينه في وجهه
سلطان يقف ويميل على أنف ناصر وهو يقول بحماس: تم طال عمرك
واسمحوا لي أترخص
مشاعل بنبرة غامضة: وين بتروح؟؟ ماكنت تقول إنك بتقعد للظهر
اقعد أفطر مع ناصر
سلطان يجمع لعبته ويقول: بجيش بكرة.. اليوم بأقعد مع مشعل شوي قدام يسافر بكرة
حين خرج التفتت على ناصر وهي تقول بعتب غاضب:
مالك حق تحرجه كذا
ناصر يتعكز على عكازيه ويقف على قدمه الوحيدة ليمسك عضدها ويلفه ناحيته ويقول بغضب:
وهو له حق يسوي فيش كذا.. سلطان أخي وفي المجلس أعلمه أكثر من كذا.. ولا عمره تشاينها مني.. (تشاين= رآها شينة أي أستاء منها)
مشاعل شعرت أن مسكته لعضدها تحرقها وتذيب جلدها لتحدث قشعريرة وصلت لعمق عظمها.. ولكنها هتفت بغضب:
تعلمه بكيفك أنت وياه.. ما أردك تعلمه سلوم الرياجيل.. لكن تحط حاجز بيني وبينه ما أسمح لك
إن شاء الله يقطعني أنت مالك دخل.. جسمي وأنا حرة فيه
ناصر بتهور غير مقصود: إلا لي دخل فيه.. مهوب حلالي..
الجملة خرجت حادة كثيفة توحي بعشرات التأويلات غير المقصودة فعليا
وناصر ندم فورا وبشدة على قولها
(أي حلال؟؟ أي خرابيط؟؟.. تخليها تستفزك تقول حكي ماله طعم)
مشاعل شعرت بتوتر كاسح وخجل متعاظم يجتاحها وهي تحاول أن تتماسك أمامه.. وتمسك مكان العضة في عضدها بكفها
وناصر يحاول تغيير الموضوع لجهة أخرى: يعني ماعمري شفتش معصبة إلا اليوم
لذا الدرجة سليطين غالي عليش؟؟
مشاعل حاولت أن ترد ولكن ريقها جاف.. جاف جدا.. وكلمة (حلالي) تخترقها كأسهم نارية موجعة لتبعثر كل أفكارها
همست بخفوت بعد لحظات صمت: بتريق أو كالعادة؟؟
ناصر رد عليها بهدوء غامض وهو يتحرك باتجاه طاولة الطعام: بأتريق
*********************
بيت عبدالله بن مشعل
بعد صلاة العشاء
حفل نسائي أسري لسيدات آل مشعل وقريباتهن المقربات
عقد قرآن موضي الذي تم على خير
احتفال بالعروستين اللتين لم يتم الاحتفال بهما
احتفال بالانتهاء من الامتحانات للجميع
وتوديع لهيا المسافرة في الغد
لطيفة المتألقة في فستان أسود تجلس بجوار موضي القلقة في فستانها الزهري الناعم
وتهمس لها من قرب: فكيها.. عيب عليش ذا التكشيرة.. وش تبين الناس يقولون
مغصوبة على العرس.. وهو قده ثاني واحد
موضي من بين أسنانها وهي تحاول رسم ابتسامة: تدرين إنش سخيفة
لطيفة تبتسم من أعماقها: وأنتي أسخف طال عمرش
إلا تعالي قولي لي.. شنو صار في مراسيم الملكة.. راحت علي وأنا في الصالون
موضي بتهكم مصطنع: تدرين نسيت أسجلها عشان أعيدها على مسامعش الكريمة
لطيفة تبتسم: أنا الليلة مبسوطة.. ولا حتى ملاغتش بتخرب مودي
تعالي قولي لي.. قصيتي شعرش وإلا بعد
كانت تسأل موضي لأن شعرها كان مرفوعا في شينيون غجري ولا يتضح طوله
موضي ردت: مابعد
موضي لم تقص شعرها مطلقا منذ حوالي 4 سنوات وطال بدون ترتيب ليصل إلى أسفل خصرها
وشعرها هو الأكثف بين شعر شقيقتيها ونعومته وسواده ثقيلان للغاية
لطيفة باهتمام: يبي له ترتيب واجد.. لو أنتي تبين تطولينه على الأقل قصي أطرافه.. رتبيه قبل عرسش
موضي برعب: وش عرسه أنتي بعد؟؟ تو الناس
لطيفة بنبرة منطقية: بصراحة أنا ما أشوف سبب للتأجيل
موضي برجاء: لطوف بلاها تدخّلين.. وتحنين على رأس أبو محمد وهو يحن على رأس الشيبان
أدري الشيبان ما يأخذون في يد رجالش غلوة
لطيفة تبتسم: الله وأكبر عليش يأم عيون.. ماعاد إلا مشعل تنظلينه
جبهة أخرى هيا في فستان حريري أخضر تجلس بجوار جدتها وتحتضن كفها:
يمه فديتش لا تضايقين.. السنة هذي آخر سنة عندي وعند مشعل
كلها كم شهر وتلاقينا عندش ولا عاد حن برايحين ديرة إن شاء الله
الجدة بحزن عميق: الواحد ضامن عمره لبكرة يحكي عن اللي بيصير عقب شهور
هيا اجتاحها خاطر مرعب (ماذا لو حدث لجدتها شيء وهي غير متواجدة.. لن تحتمل مطلقا.. لن تحتمل) همست بجزع:
يمه الله يهداش وش ذا الحكي.. العمر الطويل لش في الطاعة
الأعمار بيد الله ما تدرين يمكن أكون قدامش.. هو الأجل بالعمر
الجدة بغضب: تفي من ثمش يا بنت سلطان
هيا تحيط كتفي جدتها بذراعها وتقبل كتفها وتقول بمرح: أجل لا عاد تعيدين علي سالفة الموت ذي
ثم أردفت بهدوء:
ماحد يطق من يومه يمه.. لكن الواحد ليش يوجع نفسه ويوجع اللي حوله
(الأمريكانية ذي خذت علوم هل أمريكا
الذيب ما يهرول عبث
وخري من جدتي لا تأكلينها!! خلني أسلم عليها)
معالي الواصلة للتو مع أهلها تميل لتسلم على جدتها بطريقتها الحماسية
فهناك علاقة فريدة عميقة تربط بين الاثنتين
فمعالي مرتبطة كثيرا بجدتها
ابتسمت هيا وهي تسلم بدورها على معالي: وينكم يأم لسانين ليش تأخرتوا
معالي بغيظ: خبرش الكوبي والبيست قعدوا يسبحون لين جاتنا وزارة الماي بكبرها يشتكون
يقولون بيتكم سبب أزمة مياة والدوحة بيجيها جفاف من سبتكم
ثم أكملت (بعيارة): شكلي بأقلب على نظافة الخبلان مثلهم.. كود أغدي مومياء بيضاء مثلهم
جبهة أخرى قريبة
ذات الوقت
مجلس آل مشعل
المتواجدون من الرجال في انتظار حضور البقية لتقديم العشاء
العريسان الجديدان في زاوية يتساسران وعكازات ناصر بجواره
فارس يهمس له: متى بتركب الساق؟؟
ناصر بذات الهدوء: عقب يومين
فارس بأخوية مساندة: مستعد؟؟
ناصر يبتسم: ليه بأدخل معركة.. أنا بصراحة زهقت من ذا العكازات
ودي أسوق سيارتي
أروح افرفر شوي
وأهم شيء أروح الجليلة... ياني اشتقت لذا المخلوقة
فارس بابتسامة: عندك في بيتك مهرة مالها تواصيف وتقول مشتاق للجليلة
أشهد أنه ماعندك سالفة
ناصر سكت على مضض ولسان حاله كما المثل الشعبي
(خلها في القلب تجرح.. لا تطلع للناس وتفضح)
زاوية أخرى من المجلس
سعد ومشعل بن محمد
سعد يهمس لمشعل بمرح: هذا ناصر رجع بالسلامة وراكان تملك
أنا متى بنتظرون لحالي وترأفون فيه.. أبي أعرس يا ناس
مشعل يبتسم: مع أنك رفيقي من سنين لها ونين.. لكني توني أكتشف أنك تغثي كذا
سعد بابتسامة: إيه يا بومحمد اللي يده في الماي... وش عليك؟؟ أنت عندك أم محمد
وأنا كل ما رجعت للبيت ما قدامي إلا وجه بو صبري.. يغدي ودي أهج من البيت
مشعل (بعيارة): يا كثر بربرتك على الفاضي
الحين حن رديناك تحدد موعد للعرس؟؟.. حدد لك موعد مناسب بس يا ليت عقب عرس راكان أو حتى لو بغيتوا حطيناكم مع بعض أحسن
سعد باستنكار: راكان اللي توه متملك تبيني انتظره.. ياكبرها عند الله
مشعل يضحك: أنت اللي ياكبرها عند الله.. وأنت توك متملك مالك إلا أقل من شهر
سعد يبتسم: تصدق أحسب أنها سنتين
زاوية ثالثة
راكان ومشعل بن عبدالله
مشعل بسعادة حقيقية: الليلة أنا كني ماسك النجوم الله يهنيكم ويبارك لكم
راكان بغموض: ويبارك فيك
مشعل باستفسار: ومتى ناوي العرس إن شاء الله؟؟
راكان بهدوء واثق: على عطلة الربيع السنة الجاية
مشعل يبتسم: مع إنه بعيد واجد بس أحسن.. عشان أكون رجعت.. وأنا اللي أرتب لعرسك
ثم تنهد وشيء يخطر بباله: تدري ياراكان.. خواتي كلهم غاليات عندي وغلاهم واحد
بس موضي عندي غير.. من يومها صغيرة وهي عندي غير
راكان في داخله (حتى أنا كانت عندي غير.. بس كانت.. كانت!!)
مشعل يكمل كلامه: ما أوصيك فيها يا راكان عقب.. أنا أدري إنها ما كانت مرتاحة مع حمد..
راكان شعر بألم مفاجئ غير مفهوم من تذكر أن زوجته كانت زوجة لرجل آخر قبله
مشعل يكمل: بس هي ما كانت تشتكي.. أنا عمري ماشفت حد كتوم مثلها
راكان في داخله (في ذي أنا أشهد.. اللي تعرف بزواجي الأول من سنين ولا علمت حد)
مشعل يكمل بهدوء: كان ودي إنها تشتكي لي.. أنا ما كنت مرتاح لحمد.. وكان ودي أتدخل.. لكن بما أنها عمرها ما أشتكت وأنا ماشفت شيء بعيني مالي طريق على الرجّال
راكان اشتعل داخليا (ليتك تدري وش سوى فيها!!)
مشعل يبتسم ويكمل: لكن الحين الله زيّنها من عنده.. وموضي غدت لك
وأنا ترا أبي أقول لك شيء من حقك تعرفه
راكان شعر بتوجس لم يظهر على محياه وقال بهدوء: اللي هو؟؟
مشعل بهدوء: ترا موضي ما عندها أي مشاكل تمنعها من الانجاب..
لا تقول إن ذا السؤال ما خطر ببالك.. مرة لها أربع سنين متزوجة وما حملت
أكيد إنه دار ببالك ذا الاحتمال.. وأنا عارف إنك مستحيل تسأل.. فحبيت أقول لك
راكان شعر بحرج بالغ داخليا.. لأنه فعلا لم يدر بباله هذا الاحتمال ولا حتى لجزء من الثانية
أطفال ؟؟ أبناء له تكون موضي أمهم؟؟
ماهذا الجنون؟؟
ماهذا الجنون؟؟
عودة لحفل النساء في بيت عبدالله بن مشعل
العروستان تجلسان متجاورتين
مشاعل شعرها الكاريه مسدل لأسفل عنقها كالعادة
ولكن من الأمام رُفعت بعض خصلها بطريقة راقية وثُبتت بمشابك بنفسجية
بنفس لون فستانها الذي كان على الطريقة الأسبانية وقصير قليلا من طرف
لنصف ساقها وارتدت معه (بوت) بنفسجي
العنق هاي نك تزينه من الجنب وردة كبيرة وأكمامه لاصقة طويلة
وتدرجات الزينة البنفسجية على وجهها أعطتها ألقا مختلفا ناضحا بالإثارة
بينما العنود كانت فاتنة للغاية وسعادتها الداخلية تنعكس بإشراق على وجهها
وفستانها الشيفون المشجر بتدرجات الأزرق منحها منظرا مفعما بالحياة فعلا
العنود تميل على مشاعل وتهمس بمرح: تدرين فستانش هذا المفروض أنا اللي لابسته
مشاعل ترسم ابتسامة عذبة: خلاص ولا يهمش بكرة بوديه المغسلة يغسلونه وعقب يجيبونه لش
العنود تضحك: تبين أخيش يذبحني.. لو عليه.. لبسني خيشة وسكرها علي لحلقي
مشاعل تبتسم: مافيه شيء الفستان مستور بزيادة هاي نك وكم ماسك لنصف الكف.. حتى الجزء الوحيد العاري فيه تحته بوت
العنود بعذوبة: يأختي مسوي رقابة غير طبيعية للبسي.. جنني
شعرت مشاعل بحزن شفاف يغزو روحها.. لا تريد أن تعقد مقارنة بينهما وبين أي زوجين آخرين.. فهما مختلفان تماما
ولكنها لا تستطيع أن تمنع نفسها من الحزن.. فناصر لا ينظر لها مطلقا ولا يهتم بأي شيء تفعله أو ترتديه..
هل يتحول لمشعل آخر؟؟ ولكن حتى مشعل القديم في أسوأ حالاته أفضل منه بألف مرة
على الأقل لم يكن يصرح بكراهيته لها ونفوره منها
ولكنها من جهة أخرى موقفهما صباحا مازال ماثلا في مخيلتها
وهي تمد يدها لتلمس عضة سلطان وتبتسم
(المفروض أشكر سلطان على ذا العضة
أول يوم أحس إنه فيه حاجز من الألف حاجز اللي بيني وبين ناصر انكسر
وأول يوم يفطر معي
وحسيت إنه مستمتع مع أنه ما عبر ولا شكر ولا حتى تكلم)
عالية وعلياء كانتا تجلسان متجاورتين كعادتهما.. وعلى محياهما طيف حزن شفاف
معالي تفرقهما وتجلس بينهما وتدخل كل ذراع من ذراعيها في ذراع كل واحدة منهما لتحتضن ذراعيهما وتهمس لهما:
عيب عليكما ذا التكشيرة.. جايين حفلة وإلا عزاء
علياء بحزن: صحيح أخينا حمد واحد ما ينطاق.. وموضي صبرت عليه واجد
وتستاهل كل خير.. وراكان فعلا هو كل الخير
بس.. بس
عالية أكملت بذات النبرة الحزينة: بس هذا ما يمنع إنه احنا نحس بالحزن لأنه احنا عارفين إن حمد رغم شين أطباعه كان يحبها
معالي تضحك بمرارة: يحبها وما يحبكم.. وش استفدتوا يعني؟؟
خلو بنت الناس تشوف نصيبها.. وتشوف لها يوم حلو.. عقب ما طلّع أخيكم عينها
واحمدوا ربكم إنها ماطلعت فضايحه على الناس
علياء باستنكار: يعني أنتي ما تحبين حمد؟؟
معالي بنبرة غامضة خليط من الشوق والغضب والحب: أكيد أحبه
وغصب عني أحبه لأنه في عروقنا يمشي نفس الدم.. وحبي له فطرة
لكن لو جينا للحق.. هو ما يستاهل ولا حتى نتفة حب.. وخصوصا أنه هو نفسه ما يحبنا.. وأكثر من مرة قالها لنا.. وإلا ناسين يعني؟!!
**********************
القاهرة
فندق جراند حياة
الساعة العاشرة والنصف مساء
بدء مراسيم حفل زواج باكينام ويوسف
التي لن تطول كثيرا
لأن طائرتهما ستقلع تمام الثالثة بعد منتصف الليل
لذا حقائبهما أرسلت لجناحهما المحجوز في ذات الفندق
حتى يبدلا ملابسهما سريعا ويتوجهان للمطار
هذه التعليمات علمت بها باكينام من والدها
لأنها لم ترَ يوسف
وهاهي الآن تتأبط ذراع والدها وتقف في أعلى السلم
وتعلم أنه ينتظرها هناك في الأسفل
كم بدا بعيدا وقريبا قبل أن تراه حتى!!
وهاهي تنزل على صوت الدفوف فقط.. بعد أن أصررت على منع كافة أشكال الموسيقى في كل فترات الحفل
كانت غاية في التألق في فستان أبيض ثلجي ملكي من تصميم خالد البحيري
الذي هو بالعادة مبالغ في أسعاره
وحتى يوافق على ترك كل ما بيده ويصنع فستانا لعروسا محجبة بمواصفات خاصة
وينجزه خلال فترة لا تتجاوز الأسبوعين..
طلب مبلغا أكثر مبالغة.. لو كان الأمر لبكينام لكانت رفضت
ولكن والدتها ووالدة يوسف كانتا من أصررتا
كانت تنزل وتحاول أن تشغل بالها بالتفكير بعيدا عنه.. عمن ينتظرها في الأسفل ويشغل تفكيرها ويشعل مشاعرها
حتى تفاجأت بيد دافئة تمسك بأناملها المتجمدة ووالدها يسلمها له
وهو سمسك بيدها ليدخلها في ذراعه
وهي ترفع وجهها بوجل لتنظر لوجهه
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الثالث والسبعون
فندق جراند حياة
البهو الرئيسي للاحتفالات
كانت بكينام تتأبط ذراع والدها.. تنزل السلم الحلزوني.. وهي وتحاول أن تشغل بالها بالتفكير بعيدا عنه.. عمن ينتظرها في الأسفل ويشعل كل تفكيرها شرارت نار متطايرة
حتى تفاجأت بيد دافئة تمسك بأناملها المتجمدة ووالدها يسلمها له
وهو يمسك يدها ليدخلها في ذراعه
وهي ترفع وجهها بوجل لتنظر لوجهه
كان في نظرها وسيما للغاية في طقمه الرسمي الأسود..
نظراته محايدة غامضة لا تشي مطلقا بما يمور خلف موج العينين البنيتين
عجزت عن قراءة نظراته.. ولكنه قرأ في نظراتها خوف ما.. خوف موجع.. كما بدت له هي موجعة
( حق لكِ أن تخافي.. بل يجب أن تخافي
فما ينتظركِ كثير.. كثير
لأن مافعلته بي من حقارة لم يفعله أحد سواكِ
ولكن أ كان يجب أن تكوني جميلة هكذا؟؟!!
وشفافة هكذا؟؟!! وعذبة لأبعد غايات العذوبة؟؟!!
لا تصعبي مهمتي هكذا
لا تصعبيها
كوني متوحشة وقذرة كما أنتِ
استفزيني حتى أصفعكِ بقذارتكِ التي أنتِ أغرقتي نفسكِ في أوحالها)
شدت ذراعها النحيل على عضلات عضده الصلبة بعفوية شفافة كأنها تحتمي به
كم آلمته حركتها.. وجرحته.. وآذته..
و
هزت قلبه الحاقد عليها
هزته للحظات بعنف كاسح..ولكنه عاد بعده لصف متاريس قسوته
(أعلم أنني مغرورة ومتكبرة ومكابرة وممتلئة بكبرياء قميء
ولكني أحبك
أقسم أني أحبك
يستحيل أن أقولها
ألا تستطيع أن تشعر بها لوحدك؟!
يستحيل أن أبرر لك ذنبا لم أرتكبه
لِـمَ أنت عاجز عن الوثوق بي؟؟
ما الذي فعلته حتى أكون أستحق أن أكون موضع شبهة؟!
لِـمَ كل شيء بيننا معقد وكثيف هكذا؟!!)
مشيا سويا على وقع الدفوف حتى وصلا لمكان جلوسهما
مئات المعازيم وهما لا يشعران بأحد
كل منهما غارق في تفكيره الخاص
وأكثر مايشغلهما إحساس كل منهما المختلف بذراع الآخر
وقت ما مر.. وقت لم يشعرا به
وهما يردان بآلية على مئات التهاني
وجدتا باكينام كانتا من تشعران بسعادة مختلفة وهما تريان حفيدتهما الغالية تُزف لرجل كلتاهما راضيتان عنه تمام الرضى
ولكن ماذا عن رضى الحفيدة نفسها؟!!
بعد فترة اقتربت الوالدتان من العريسين وهمسا لهما
أنهما لابد أن يزفا الآن حتى يستطيعا اللحاق بطائرتهما
*************************
الدوحة
البنات أطلن السهرة في بيت عبدالله بن مشعل
توديعا لهيا التي ستقلع طائرتها غدا صباحا
وجميعهن طبعا مطمئنات أن أزواجهن كذلك سيطلن السهرة مع مشعل
وقد تمتد سهرة الشباب حتى يصلون صلاة الفجر معا
لذا أطلن السهرة وخصوصا أنهن سيعدن عبر الأبواب الواصلة بين البيوت بعد فتحها كلها
ولن تضطر واحدة منهن لركوب سيارة
وهاهي مشاعل تدخل بيتها حدود الساعة الواحدة وكانت من أوائل المغادرات..
فور فتحها للباب فوجئت بناصر يجلس على الكنبة ويمدد رجليه ويشاهد قناة رياضية
لم تر مطلقا مكان البتر ولكنها اعتادت على رؤية قدم واحدة فقط
سلمت بهدوء وهي ترفع شيلتها عن رأسها
كانت تريد الدخول لتبديل ملابسها
ولكنها قررت أن تخلع عباءتها أمامه وتجلس معه قليلا بزينتها
فما فائدة كل هذا التزين إن كان لن يراه؟!!
رد عليها السلام وهي تخلع عباءتها وتضعها جانبا وتجلس
همست: آسفة ما ظنيت إنك في البيت أو كان رجعت قبل
ناصر ببرود: وأظني قلت لش قبل.. دامش في بيت عمي براحتش
حتى لو تحبين تقعدين هناك على طول يكون أحسن
وصلتها الاهانة المقصودة حادة كنصل رمح مسنون مغموس بالسم
بدأت بدعك أصابعها لتفريغ توترها وحتى لا تبكي أمامه
كان شعرها ينسدل للأمام وهي تنظر للأسفل في حركة باتت تفتنه حتى النخاع مؤخرا
ولكنه يستحيل أن يعترف بذلك لنفسه حتى... فكيف يعترف لها؟!!
وصلها صوته مشبع بتهكم قاس: تدرين إنش عليش حركات غريبة
مشاعل رفعت رأسها وهمست: نعم؟؟
ناصر بذات النبرة المتهكمة القاسية: أنتي الحين مصبغة وجهش بعشرين ألف لون
ولابسة لبس كنه لبس مهرجين..
وعندش إني يوم بأشوفش مثلا بتجيني سكتة قلبية من حسنش وجمالش!!
مشاعل شهقت بعنف فهو فعلا يتجاوز الليلة كل حد في قسوته عليها.. قفزت للداخل حتى لا يراها وهي تبكي
دون أن تعلم أن كل ما قاله ليس إلا تعبيرا معكوسا عن افتتانه بها.. الافتتان الذي لا يسمح له بالظهور حتى بينه وبين نفسه
منذ رأها تخلع شيلتها ثم عباءتها ومنظرها المثير يسكره حتى الثمالة.. حتى بدأت الحرب العكسية وهو يقنع نفسه أنه نافر منها
ونتيجة النفور لابد أن تكون كلمات قاسية كالتي قالها لها
فهو مازال مقتنعا تمام الاقتناع أنها نافرة منه كما كانت نافرة ليلة زواجهما
حين وئدت أحلامه ولهفته بنفورها منه
وهي تهينه بتوقيفه لساعات أمام الحمام وهو يرجوها ويحلف لها
ولكنه الآن يشعر بألم عميق لأنه يعلم أنه جرحها.. ألا يكفي أن يتجاهلها حتى تمر الفترة التي حددها هو لإنفصالهما؟!!
لِـمَ يجرحها بهذه الطريقة المريعة رغم أنها لم تفعل شيئا تستحق عليه هذا التجريح؟؟
أ لأنها كانت فاتنة وفتنتها كانت فوق احتماله يعاقبها على افتتانه بها؟!!
مشاعره الغريبة مؤخرا أصبحت هجينا غريبا من افتتان موجع ونفور متوحش ناحيتها
وباتت هذه المشاعر تحيره وتمزقه وتعطله عن التفكير المنطقي
كيف ينفر منها كما لو كانت وباء معديا وفي ذات الوقت يُفتن بها حتى آخر نقطة في دمه وخلاياه؟!
مضت أكثر من ساعة هو يشاهد برنامجا لم يفهم منه حرفا.. حينها قرر أن يقوم ليصلي قيامه وينام
دخل كانت نائمة على السرير
توضأ وصلى ثم توجه لجهته المعتادة وتمدد وهو يتمتم بأذكاره
سمع صوتا خافتا.. خافتا جدا.. لم ينتبه في البداية رغم أن الصوت كان مستمرا من قبل دخوله للغرفة
التفتت ناحيتها كان كتفاها يهتزان بخفة غير ملحوظة
ولكنها كافية ليعلم أنها تبكي
يعلم أنها تبكي كثيرا ولكنه لم يرها مطلقا وهي تبكي
جرحه بكاءها.. جرح رجولته التي يعتز بها
(عن أي رجولة أتحدث
وأنا أستمتع بتجريح هذه العاجزة عن مجاتهني!!)
مد يده لكتفها ثم تردد وأعادها وهو يمسك كفه بكفه الآخرى
ثم عاد لمدها وهو يضعها على كتفها ويهمس بحنان تلقائي: مشاعل
لم ترد عليه
ناداها للمرة الثانية: مشاعل قومي كلميني
نهضت وهي تحاول إخفاء وجهها المتورم بالبكاء عنه
همس لها: طالعيني
رفعت وجهها.. لم تحتمل نظرة الحنان في عينيه
لأول مرة بعد عودته ترى هذه النظرة
لم تشعر بنفسها إلا وهي تلقي بنفسها على صدره وتنخرط في بكاء هستيري
ناصر صُدم.. صُدم لأبعد حد..
وهو يشعر كما لو أن قنبلة ما انفجرت في وسط صدره لشدة وطأة المشاعر التي اكتسحته وآلمته لأقصى حد
لم يتحرك هو.. لم يحتضنها.. وظلت يداه ساكنتان لجواره
وهي رأسها يسكن بين عضلات صدره وتحت ذقنه وهي تتعلق بجيبه
شعر بالألم.. بالغرابة.. بالشجن.. وأحد أحلامه الغريبة يتحقق
حلمه القديم أن يستنشق رائحة شعرها الطفولي
وهاهي رائحته العطرة المسكرة تخترق خياشيمه حتى آخر حد
وهو يشعر بنعومته الفائقة تحت ذقنه
كان إحساسا غريبا موجعا ورائعا وعصيا على كل تفسير
لم يغير أي منهما وضعيته لا هي رفعت رأسها عن صدره
ولا هو احتضنها كما قد يُفترض
حين أفرغت مشاعل طاقتها الأولى في البكاء بدأت تشهق وتقول:
حرام عليك ناصر اللي تسويه فيني.. والله أنا ما أستاهل منك كذا
حتى لو أنت ما تبيني.. وتقول إني ضيفة عندك شهر شهرين
الواحد يجرح ضيفته ويهينها بذا الطريقة؟!!
على الأقل راعي مشاعري شوي لين أرجع لبيت هلي
************************
بيت عبدالله بن مشعل
غرفة مشعل وهيا
حدود الساعة 3 بعد منتصف الليل
مشعل يدخل غرفته بهدوء
ليفجع بالمنظر أمامه
كانت تجلس على الأريكة تضم رجليها المثنيتين لصدرها
وشعرها الطويل منسدل حولها
وجهها مختبئ بين ركبتيها
وتبكي
مشعل سارع بالجلوس جوارها وهو يرفع شعرها ويجمعه خلفها ويرفع وجهها ليهمس لها بقلق مرتعب:
حبيبتي ليش تبكين؟؟ حد قايل لش شيء؟؟
هيا أسندت رأسها لصدره ليحتضنها بخفة وهي تهمس بألم من بين بكاءها:
ما أبي أسافر.. أبي أقعد عند هلي
قالت (هلي) بتلقائية عميقة شفافة.. ابتسم مشعل وهو يرى كيف أصبحت منتمية لهم وهمس لها بحنان:
خلاص ماباقي شيء علينا... شهر 7 إن شاء الله خلاص راجعين ومستقرين
هيا بعمق موجع: ياطولها يا مشعل هذي سبع شهور..تونا شهر 1 الحين
قبل كنت أهرب من الدوحة..أهرب من ذكرى سلطان اللي مابقي لي منها شيء.. بس الحين أنا في حضن ريحة سلطان وبين هله
لأول مرة أحس بالأمان كذا.. أحس لي ظهر وأهل يحبوني ويهتمون فيني
مهوب هاين علي جدتي واجد متأثرة من سفري.. تدري حتى فراق عماني وبنات عمي وسلطان الصغير كل شيء يوجعني يوجعني..
مشعل همس لها بعتب وهو يمسح على شعرها: يعني كل الناس مهوب هاينين عليش.. بس مشعل يهون!!
يهون عليش تخلينه بروحه
هيا رفعت رأسها وهي تهمس برعب: حبيبي أشلون تقول كذا؟؟
مشعل بنبرة عتب مقصودة ومدروسة: والله هذا اللي الواحد يفهمه من كلامش
هيا بعذوبة: صحيح هم هلي.. بس أنت شيء ثاني
أنت قلبي اللي ينبض بين ضلوعي.. روحي اللي تردد بين جوانحي
مشعل وقف وهو يقول بنبرة حزن مصطنعة: إيه قصي علي
عقب ما كسرتي خاطري.. جاية تلعبين علي بكلمتين
هيا ابتسمت وهي تمسح دموعها: مشكلتك ما تعرف تمثل
تعال أعطيك كورسات.. ما حد يمثل مثل النسوان
مشعل عاد لها ليوقفها ويبتسم وهو ينظر لعينيها ويهمس بمرح:
ومتى مثلتي علي أنتي؟؟
هيا تضحك: أووووووه.. طول أول أيام زواجنا وأنا أمثل
لين صرت أستحق جائزة الأوسكار
مشعل باستفسار لئيم: مثلتي ويش؟؟؟
هيا ابتسمت وهي تضع كفها على خده:
مثلت إني ما أحبك وأنا بأموت عليك.. مثلت إني ما أهتم لما تكلم أي مره وأنا بأولع من الغيرة
مثلت إني في غرفتي ماني بمهتمة متى ترجع مع أنه أذني على الباب ومستحيل أرتاح لين أتطمن عليك
مشعل تناول كفها من خده ونقلها لشفتيه ليطبع في باطنها قبلة عميق ويهمس:
صدق نصابة.. شهرين نشفتي ريقي على الفاضي
ثم أردف كمن تذكر شيئا: هاه كل شيء جاهز لبكرة؟؟
عاد وجهها ليغيم: يعني لازم تخرب المود الحلو... إيه كل شيء جاهز
شناطي وشناطك كلها جهزتها
باقي بس الهدية اللي اشتريتها لبكينام عشان زواجها
أخاف أحطها في الشناط تنسرق أو يصير لها شيء
بأخليها في شنطة صغيرة في يدي
*******************************
قبل ذلك بقليل
توقيت آخر وبلد آخر
القاهرة
أحد أجنحة جراند حياة الملكية
يوسف وباكينام كانا يصلان لباب جناحهما معهما والدتيهما
منال همست لهما وهي تتوقف هي وسوازان عند الباب:
احنا ئاعدين في اللوبي تحت نستاكم عشان نوصلكم المطار
وسوزان همست في أذن ابنتها: ستجدين طقما كاملا معلقا في الدولاب
ووضعت لك معه حذاء مناسبا مريحا وأنيقا.. وحقيبة يد متوسطة الحجم حتى تتسع لأغراضك وحقيبة أخرى صغيرة طقم معها للمطار لأدواتك الخاصة
أتمنى أن يعجبك ذوقي
باكينام احتضنت والدتها وهي تقول بتأثر: دائما يعجبني ذوقك..
سوزان تعاود الهمس: هناك رحلات دائمة بين واشنطن ولندن
حاولي أن تزورينا مرة في الشهر لو استطعتي كما كنتي تفعلين
باكينام تبتسم بحزن: سأحاول إن شاء الله
منال همست: هابعت الشيالين دلوئتي يشيلو شنطكم
وسيبوا كل حاجة أنتو مش عاوزينها
أنا هأرجع وأشيل كل حاجة
دخل الاثنان
توتر باكينام يتصاعد للقمة.. فهو لم يحادثها مطلقا خلال المراسيم السابقة
كان كل حديثه مع الناس المهنئين
شعرت أن تجاهله لها مقصود تماما
واستمر تجاهله حتى الآن
تناول ملابسه المعدة للسفر دون أن ينظر لها حتى
ودخل إلى الحمام
باكينام تنهدت وهي تقترب من المرآة وتبدأ بفك دبابيس الحجاب الأبيض الذي يغطي شعرها
كانت الدبابيس كثيرة جدا.. واستغرقت وقتا طويلا وهي تفكها
ولم تنتبه حتى فاجأها صراخه: أنتي فاكرة إنو عندنا اليوم بطولو وأنتي بتتدلعي كده..خلصيني
كان جاهزا بعد أن خلع بدلته الرسمية السوداء وأرتدى بنطلونا من الجينز
وبلوفرا صوفيا خفيفا يبرز من تحته قميص أبيض
باكينام همست بهدوء بدون أن تنظر ناحيته: على فكرة أنا سمعي 6 على 6 ومش طرشاء
تلائي الناس اللي في السويت اللي جنبنا اتفزعوا من صواطك
كانت تفك الدبوس الأخير وتنزل طيات الحجاب الكثيرة حين اقترب منها وأدخل يده في شعرها ليشده بخفة ويهمس في أذنها تماما بنبرة غضب مكتوم:
تعودي لما تكلميني تبصي ناحيتي
أخر مرة أسمح لك تكلميني وانتي مدياني ظهرك
التفتت باكينام ناحيته وهي تنتزع يده من شعرها بحدة مفاجأة لتخرج بعضا من شعيراتها في يده.. كلاهما شعر بالألم
هي بألم فعلي لأن الشعرات المنتزعة بسبب تصرفها الأرعن آلمتها
وهو بألم روحي وهو يرى الخصلات الذهبية تتلوى بين أنامله السمراء
باكينام همست له بحدة: وأنا آخر مرة أسمح لك تمد إيدك عليا بأي طريئة
وربنا لو عدتها.. لأكون خرباها وئاعدة على تلها زي ما بتقول
ولا يهمني الدبلوماسي ولا ابن العمدة ولا أي حد
ثم تجاوزته وهي تفتح الدولاب لتأخذ ملابسها التي أشعرتها بالضيق فعلا
فوالدتها يبدو أنها تريد أن يعلم الكل أنها عروس
كان طقما مكونا من بنطلون وقميص واسع للركبة باللون الأبيض الذي يزينه خطوط ناعمة باللون الفضي مع حجاب وحذاء وطقم حقائب الكل بنفس اللون
لم يعد لدى باكينام وقت للاعتراض أو كان رفضت أن ترتديه
فهذا اليوسف يشعرها أنها ذاهبة لعزاء وليس لبدء حياة زوجية جديدة
توجهت للحمام وأبدلت ملابسها بسرعة
وتركت الفستان معلقا في الحمام لتعود والدتها أو والدة يوسف لأخذه
منظرها العذب الرقيق هز أوتار قلب يوسف بعمق
إنسدال هذه السلاسل الذهبية على الفضاء الأبيض
كان يراقبها وهي تجمع شعرها وتلبس حجابها ..ويشعر بأسى عميق..
لِـم كان يجب أن يحبها كل هذا الحب؟!!
ولِـم تكون هي فقط من تطوع قلبه العصي على الترويض
لتصفعه بعد ذلك بخيانتها له وهي على ذمته
بدون حتى أن تشعر بأي ذنب أو تحاول أن تبرر له أي شيء
كان لديه استعداد شاسع لتصديقها لأنه يريد أن أن يصدقها
ولكنها لا تحتاج للتبرير لأنها خائنة وقلبها مع سواه
فماذا تبرر؟؟ ولماذا؟؟
هكذا كانت أفكار يوسف التي تلتهم أفكاره وتدمي رجولته وهو ينظر لها وهي تتحرك بآلية لتنجز مهمتها التي بدت بغيضة على قلبها
كان واقفا شاردا فيها حتى بعد أن وقفت أمامه وتهمس له
لم يسمع ماذا تقول.. كان محلقا في بحر عينيها.. في التواء شفتيها.. في بريق نظرتها المختلفة التي تصيبه بالجنون
نقرت كتفه بإصبعها برقة وهي تقول بهدوء: يوسف كل ده سرحان
بأئول لك خلصت خلاص
يا الله ننزل
لم يشعر بنفسه إلا وهو يمسك بإصبعها التي تنقر كتفه
أمسك إصبعها بين أنامله بطريقة تملكية
ثم نفض يده بحدة وكأن إصبعها نجاسة ستلوث يده
حركته كانت تلقائية ومقصودة في آن
والمعنى وصل باكينام وجرحها لأقصى حد
ويوسف يحمل جاكيته ويقول لها بهدوء واثق: يالله بينا
ورانا 11 ساعة طيران متواصل
*************************
بيت مشعل بن محمد
غرفة مشعل ولطيفة
مشعل يدخل إلى الغرفة .. كانت لطيفة تجلس على التسريحة تخلع ساعتها وخاتمها حين دخل
ابتسم بعدما سلّم وهمس وهو يقترب منها: زين ما بعد بدلتي
أشوف وش لابسة
لطيقة بعذوبة: توني واصلة أصلا..
مشعل باهتمام: وجودي ومريوم توهم ينامون ذا الحين؟؟
لطيفة وهي تخلع سلسلتها وتضعها في العلبة أمامها: لا ناموا من بدري
بس مريوم نامت عند خالتها ريم.. وجودي شلتها وجبتها معي
ترا حتى حمودي وعبودي ناموا عند سلطان
مشعل يبتسم: يعني وزعتي عيالنا الليلة على الجيران.. ثم استفسر باهتمام: وجودي وينها؟؟ خليتيها في غرفتهم بروحها
لطيفة تضحك: طل على السرير وراك
مشعل ألتفت وجود تنام بالعرض على السرير.. ابتسم وهو يقترب منها ويتمدد جوارها ويطبع الكثير من القبلات على يديها الصغيرتين وجبينها
لطيفة تقف وهي تقول بخفوت: بسك مشعل بتصحيها
مشعل يقف ويهمس: واحنا أشلون بنام وبنتش ماخذة السرير لها بروحها
لطيفة برقة: أصلا بأرتب لها مكان على الكنبة اللي تنفتح.. هي ترفس واجد ولازم تنام بروحها
مشعل بخبث: إيه خليها تجرب سرير أبيها اللي كان مطرود عليه كنه فيه جرب
لطيفة تقترب وتقرص خده بوله: إبيها كان يستاهل.. قال يبي يتزوج علي.. اللي ما يستحي
مشعل يهمس بلؤم: أستاهل هاه؟؟ أجل خلاص اللي ما يستحي جايب لش شيء وبيرميه في الزبالة دامه واحد ما يستاهل
لطيفة بترقب: جايب لي شيء؟؟
مشعل يتجه للدولاب ويفتحه ليخرج كيسا وهو يبتسم: هدية الخلاص من الامتحانات
لطيفة تبتسم: زين خلها لين أنجح وأجيب النسبة.. أو حتى خلها أخر السنة
مشعل يمدها بالكيس الفخم لتتناوله منه وهو يحتضن وجهها بين كفيه ويقبلها بعمق: لا... هدية النجاح شيء ثاني
أنت بتروحين معي وتختارينها على كيفش
أما هذي فشيء بسيط والله العظيم مهيب قدر ظفرش عندي
أما هدية آخر السنة فهذي بتكون شيء ثاني ثاني وأنا اللي باختارها لش على ذوقي..
لطيفة تهمس وهي تقبل صدره حيث يصل مستوى رأسها.. ثم تسند رأسها على صدره:
تدري مشعل أنت عمرك ما قصرت علي بالهدايا الغالية
بس ذا الهدية عندي غير.. لأنه الهدية بمضمونها مهوب بقيمتها
ثم أردفت بشجن:
تكفى مشعل ما تتغير علي ولا تجفاني مثل أول
والله العظيم أموت.. أنا قبل عايشة معك وأنا ماجربت نكهة حنانك
بس عقب ما غرقتني بمشاعرك وأرويت عروقي.. من غيرها بأموت من العطش
مشعل يحتضنها بشدة كأنه يريد إدخالها بين ضلوعه وهو يهمس لها بحب مصفى:
لا تجيبين طاري الجفا
ماحد ذاقه مثلي.. ذوقتيني إياه أشكال ألوان
طلعتني مني الأولي والتالي..
بس ما أقول إلا الله لا يحرمني منش بس
************************
بعد ساعات كثيرة
أمام بيت صغير لكن شديد الفخامة والأناقة في منطقة جورج تاون /كولومبيا ديسكرت
قبل المغيب بتوقيت واشنطن
توقفت سيارة أجرة أمام البيت
ترجلت باكينام وهي تنظر بدهشة للبيت.. كثيرا ماعبرت هي وهيا من أمامه
وعبرت عن إعجابها به وبحديقته المنسقة بذوق رفيع
كثيرا مالمحت رجلا عجوزا فيه.. كيف لم تلمح يوسف؟؟
سخرت من نفسها (ربما لو لمحته تلك الأيام لظننته خادما يعمل في البيت!!
لشدة ماسخرت مني يوسف وجعلتني أضحوكة لك
حتى الآن!!
حتى الآن!!)
طوال الرحلة التي استغرقت 14 ساعة.. 11 ساعة طيران متواصل.. وساعتين في مطار القاهرة وساعة في مطار دالاس بواشنطن
لم يتحادثا سوى بعبارات محدودة.. وكل منهما يتجاهل الآخر عمدا
يوسف حمل الحقيبتين الكبيرتين بخفة وهو يعبر سياج الحديقة ثم الحديقة
ليقف أمام باب البيت ويطرق الجرس
لتفتح الباب لهما عجوز مكسيكية بدينة باسمة كادت تحتضن يوسف حين رأته
لولا أنها تذكرت أنه لا يرضى أن تلمسه رغم أنها تعتبره تماما كواحد من أبنائها السبعة المشردين بين أمريكا والمكسيك
همست مرحبة: أهلا جو.. أطلت الغياب هذه المرة.. ولكن بفائدة
ثم أكملت وهي تحتضن كف باكينام:
هذه الجميلة تستحق.. بل هي أقل مما كنت تصف و..
يوسف يقاطعها بشكل مقصود قبل أن تكمل حديثها الذي لا يريدها أن تكمله: ماريا أين سانتياغو ؟؟
باكينام انتبهت.. ومن هي بذكائها لا يفوتها هذا
(يبدو أنه كان يثرثر للعجوز عني
ولكن متى.. قبل عودته للقاهرة؟؟)
ماريا بمودة: ذهب لإحضار بعض مستلزمات العشاء.. فأنا اعد للعريسين وليمة الليلة
يوسف بتحذير: إلى أين ذهب؟؟
ماريا تبتسم: إلى محل حسين.. مابك بني.. نحن نعمل عندك منذ سنين..
ونعلم أنك لا تأكل إلا من محلات المسلمين
ثم ألتفتت ماريا لبكينام وهي تقول باحترام: هل تود صغيرتي تناول شيء معين؟؟
باكينام أخيرا تكلمت وهي تهمس: لا شكرا.. أنا فعلا أود أن أستحم لأصلي ثم أنام فقط
ابتسمت ماريا: لا لن تنامي قبل أن تتعشي.. ولكنتك جميلة تشبه لكنة جو تماما
ابتسمت لها باكينام : هل كل المكسيكيات أسمائهن ماريا؟؟
ضحكت ماريا: ماريا هو الاسم الأول لغالب اللاتينيات.. أنا اسمي ماريا جورجيانا.. ولكن ماريا لوحده أسهل.. والأمريكيون يحبون الأسهل
بإمكانك أن تستحمي.. فأنا بدأت فعلا بإعداد العشاء.. تبقت أشياء قليلة
أنتظر زوجي سانتياغو ليحضرها
كان يوسف واقفا متأملا في الحوار وكيف اندمجت باكينام فورا مع ماريا
(غريبة كيف تنازلت هذه المغرورة للتباسط مع ماريا؟!!!)
باكينام استأذنت: اسمحي لي ماريا.. أين أضع أغراضي لأستحم؟؟
تعمدت سؤالها وتجاهل يوسف
ماريا لم تنتبه أصلا ولكن يوسف انتبه.. وماريا تجيب بعفوية: لا يوجد في الأعلى سوى غرفة واحدة غرفتكما
باكينام تنهدت (أي كابوس أعيشه.. حتى أشاطر هذه المصيبة المسماة يوسف
غرفة واحدة وحماما واحدا)
باكينام تتوجه للدرج.. قبل أن تصعد هتفت ماريا: توقفي
ثم ألتفتت ليوسف: جو أ لن تحملها للأعلى؟؟
مافائدة كل هذه العضلات والتمارين والركض كل يوم إذن؟!!
احملها يا فتى.. كما حملني سانتياغو قبل 29 عاما
***************************
صباح اليوم التالي في الدوحة
مطار الدوحة الدولي
مشعل وهيا يصلان المطار عبدالله هو من أوصلهم ومعه سلطان الصغير
سلطان يجلس مع هيا في المقعد الخلفي وبينهما مسافة فاصلة
همس لها بجدية مصطنعة: هيا.. أنتو رايحين الهند وإلا أمريكا؟؟
هيا بصوت مختنق وهي تتناول منديلا آخر من علبة المناديل وتدخله تحت نقابها:
أمريكا.. تستعبط يا سليطين؟؟
سلطان بذات النبرة الجدية المضحكة: تصدقين على كرتون الكلينكس اللي خلصتيه من بيتنا في المعيذر لين المطار
حسبتش تبين تأخذين كورس تدريب قبل تروحين الهند وتطلبين يعطونش الجنسية
وأنا أضمن لش تأخذينها من أول مرة.. خلصتي دموع أكثر من عشر أفلام هندية مع بعض..
يعني علامة جودة هندية أصلية ولا دهن التاتا وهزة الرأس
هيا تضربه على كتفه وهي تهمس بألم : تدري إنك سخيف وأني باشتاق لسخافتك وملاغتك وثقل دمك
سلطان بمرح شفاف: أدري الترجمة بتشتاقين لخفة دمي وحلاوتي ولساني اللي ينقط سكر
تقف السيارة ويتوقف قلب هيا وهي تشعر أنها عاحزة عن التنفس.. تهمس لسلطان بألم عميق شاسع مغمور بالمرارة والشجن:
تكفى سلطان سلّم على جدتي وأمي أم مشعل والبنات كلهم..
سلطان يتجلد وهو يمنع نفسه من إظهار التاثر: ترا حن مهوب في زمن قوافل الأبل.. الناس بالشهور ما تدري عن بعض
أول ما توصلين افتحي الماسنجر وأوريش خشة جدتي على الكام كنش قاعدة معنا
ينزل جميع من في السيارة عبدالله يحتضن ابنه ثم يقبل رأس هيا وهو يهمس لها بثقة أبوية حانية: شوفيني أقول لش قدام مشعل
ترا والله ثم والله لا تمسين ليل وانتي مضيومة من مشعل وما تتصلين فيني تعلميني
يا أنه زعلي عليكم ثنينكم دنيا واخرة
كانت جملته المسمار الاخير في نعش تجلد هيا التي أسندت راسها لصدر عمها وهي تنخرط في بكاء حاد
عمها احتضن رأسها وهو يقول بقلق حقيقي: وش فيش يا أبيش؟؟ مشعل قايل لش شيء؟؟
مشعل اقترب منهما وهو يهمس: هو كل شيء مشعل مشعل.. والله ماقلت لها شيء
وتراكم فضحتونا العالم يتفكرون فيكم
هيا رفعت رأسها وهي تهمس: جعلني ما أبكيك يبه..مشعل والله مايقصر..بس تذكرت إبي.. ومشتاقة لكم.. وكل شيء جاء مع الثاني
همس لها عبدالله بشجن: تعيشين وتذكرينه بالخير
الله الله في نفسش وفي رجالش وأي شيء يقصركم وإلا تبغونه كلموني
مشعل نادى الحمالين الذين تناولوا الحقائب ودخل مع هيا لداخل المطار
بينما غادر عبدالله وابنه سلطان الصغير المطار عائدين للبيت لوحدهما
***********************
بيت يوسف/ واشنطن
باكينام تتوجه للدرج.. قبل أن تصعد هتفت ماريا: توقفي
ثم ألتفتت ليوسف: جو أ لن تحملها للأعلى؟؟
مافائدة كل هذه العضلات والتمارين والركض كل يوم إذن؟!!
احملها يا فتى.. كما حملني سانتياغو قبل 29 عاما
يوسف يتجاوز باكينام صاعدا للأعلى وهو يقول بنبرة خاصة: هذه الفتاة تحمل من الأثقال الكثير
الكثير ماريا.. أثقال تكفي لهدم جبال.. فكيف بمن هو مثلي؟!!
ماريا هزت كتفيها بحرج وهي لم تفهم مقصده.. بينما باكينام فهمته تماما
وهزت هي كتفيها عدم اهتمام.. فهي مرهقة جدا وغير مستعدة لأي ملاسنة أو نقاش
صعدت خلفه..
كانت غرفة واسعة على الطراز الأمريكي الخالي من الدولايب
الدولاب (الكلوزيت) هو غرفة صغيرة معدة بأرفف وعلاقات بمختلف الأشكال
والغرفة عبارة عن سرير ضخم.. وتسريحة ضخمة.. وأريكة واحدة
وحمام شاسع.. وفقط
كانت الغرفة دافئة رغم برودة الجو الصقيعية في الخارج
والجو يغري بالنوم.. ولكن باكينام قاومت هذه الرغبة حتى لا تحبط العجوز التي تعد العشاء في الأسفل
رغم أن آخر ما تفكر به هو الجلوس مع يوسف على طاولة واحدة كزوجين طبيعيين بينما هما أبعد ما يكون عن مصطلح الطبيعية ومضمونها
كان يوسف يجلس على الأريكة ويخلع حذائه حين همست باكينام ببرود:
ممكن تجيب لي شنطتي.. أو أنزل أسحبها؟؟
لم يرد عليها وهو ينزل حافيا ليحضر حقيبتها ويضعها أمامها بخفة ويقول لها ببرود:
أنا هاستحمى على بال ما تطلعي لك غيار
والعشاء هيكون بعد صلاة العشاء
************************
الدوحة بعد صلاة العصر
راكان خارج من المسجد ويركب سيارته ليتوجه لتدريب الرماية
يرن هاتفه.. يرى الاسم ويبتسم:
هلا والله بأبو عبدالله
أكيد توك واصل لندن ذا الحين
مشعل باستعجال: راكان اسمعني عدل
أبيك الحين فورا تحجز لك أنت وموضي وتجون لندن على طيارة الليلة
راكان بصدمة: نعم؟؟
مشعل بهدوء رغم قلقه: اسمعني عدل
أنا انمسكت في مطار هيثرو وهيا الحين في استراحة المطار
أنا قلت لها ما تطلع من المطار مكان.. أبيكم تجون عشانها
أنا حالتي حالة.. أحاتيها هي وبس..
أدري عندك فيزة مفتوحة من الديوان تجددها السفارة البريطانية سنويا
وتقدر تسافر فورا
راكان بصدمة أكبر: انمسكت ليه؟؟.. عشان الموضوع التافه اللي قبل سنين؟؟
تماسك وهو يكمل: وبعدين موضي ما تبي لها فيزة؟؟ والفيزة تبي لها كم يوم
وتو حن متملكين البارحة مايصير أسحبها معي اليوم
أنا باجيك بروحي.. ومرتك بنوديها لبيت السفير لا تحاتيها
مشعل باستعجال حازم: موضي عندها فيزة لبريطانيا من الصيف اللي فات.. أنا سويتها لها
كان المفروض تسافر مع أمي بس ما قدرت
والفيزة كان مدتها سنة ولسفرة وحدة.. وهي مابعد استخدمتها
تكفى راكان لا تعقدها
موضي مرتك وأنا في ظرف طارئ.. لا تسويها سالفة
الليلة تكونون عندي
هيا انهارت يوم شافتهم امسكوني..وأنا على أعصابي عشانها
أبي موضي تجي عندها تهديها.. ولو سالفتي بتطول أبيكم ترجعونها معكم للدوحة
راكان بحزم: تم يابو عبدالله.. موضي عندها خبر؟؟
مشعل وهو يستعد لإغلاق هاتفه: أنا كلمتها قبل أكلمك
وبتلاقيها جاهزة تنتظرك
فندق جراند حياة
البهو الرئيسي للاحتفالات
كانت بكينام تتأبط ذراع والدها.. تنزل السلم الحلزوني.. وهي وتحاول أن تشغل بالها بالتفكير بعيدا عنه.. عمن ينتظرها في الأسفل ويشعل كل تفكيرها شرارت نار متطايرة
حتى تفاجأت بيد دافئة تمسك بأناملها المتجمدة ووالدها يسلمها له
وهو يمسك يدها ليدخلها في ذراعه
وهي ترفع وجهها بوجل لتنظر لوجهه
كان في نظرها وسيما للغاية في طقمه الرسمي الأسود..
نظراته محايدة غامضة لا تشي مطلقا بما يمور خلف موج العينين البنيتين
عجزت عن قراءة نظراته.. ولكنه قرأ في نظراتها خوف ما.. خوف موجع.. كما بدت له هي موجعة
( حق لكِ أن تخافي.. بل يجب أن تخافي
فما ينتظركِ كثير.. كثير
لأن مافعلته بي من حقارة لم يفعله أحد سواكِ
ولكن أ كان يجب أن تكوني جميلة هكذا؟؟!!
وشفافة هكذا؟؟!! وعذبة لأبعد غايات العذوبة؟؟!!
لا تصعبي مهمتي هكذا
لا تصعبيها
كوني متوحشة وقذرة كما أنتِ
استفزيني حتى أصفعكِ بقذارتكِ التي أنتِ أغرقتي نفسكِ في أوحالها)
شدت ذراعها النحيل على عضلات عضده الصلبة بعفوية شفافة كأنها تحتمي به
كم آلمته حركتها.. وجرحته.. وآذته..
و
هزت قلبه الحاقد عليها
هزته للحظات بعنف كاسح..ولكنه عاد بعده لصف متاريس قسوته
(أعلم أنني مغرورة ومتكبرة ومكابرة وممتلئة بكبرياء قميء
ولكني أحبك
أقسم أني أحبك
يستحيل أن أقولها
ألا تستطيع أن تشعر بها لوحدك؟!
يستحيل أن أبرر لك ذنبا لم أرتكبه
لِـمَ أنت عاجز عن الوثوق بي؟؟
ما الذي فعلته حتى أكون أستحق أن أكون موضع شبهة؟!
لِـمَ كل شيء بيننا معقد وكثيف هكذا؟!!)
مشيا سويا على وقع الدفوف حتى وصلا لمكان جلوسهما
مئات المعازيم وهما لا يشعران بأحد
كل منهما غارق في تفكيره الخاص
وأكثر مايشغلهما إحساس كل منهما المختلف بذراع الآخر
وقت ما مر.. وقت لم يشعرا به
وهما يردان بآلية على مئات التهاني
وجدتا باكينام كانتا من تشعران بسعادة مختلفة وهما تريان حفيدتهما الغالية تُزف لرجل كلتاهما راضيتان عنه تمام الرضى
ولكن ماذا عن رضى الحفيدة نفسها؟!!
بعد فترة اقتربت الوالدتان من العريسين وهمسا لهما
أنهما لابد أن يزفا الآن حتى يستطيعا اللحاق بطائرتهما
*************************
الدوحة
البنات أطلن السهرة في بيت عبدالله بن مشعل
توديعا لهيا التي ستقلع طائرتها غدا صباحا
وجميعهن طبعا مطمئنات أن أزواجهن كذلك سيطلن السهرة مع مشعل
وقد تمتد سهرة الشباب حتى يصلون صلاة الفجر معا
لذا أطلن السهرة وخصوصا أنهن سيعدن عبر الأبواب الواصلة بين البيوت بعد فتحها كلها
ولن تضطر واحدة منهن لركوب سيارة
وهاهي مشاعل تدخل بيتها حدود الساعة الواحدة وكانت من أوائل المغادرات..
فور فتحها للباب فوجئت بناصر يجلس على الكنبة ويمدد رجليه ويشاهد قناة رياضية
لم تر مطلقا مكان البتر ولكنها اعتادت على رؤية قدم واحدة فقط
سلمت بهدوء وهي ترفع شيلتها عن رأسها
كانت تريد الدخول لتبديل ملابسها
ولكنها قررت أن تخلع عباءتها أمامه وتجلس معه قليلا بزينتها
فما فائدة كل هذا التزين إن كان لن يراه؟!!
رد عليها السلام وهي تخلع عباءتها وتضعها جانبا وتجلس
همست: آسفة ما ظنيت إنك في البيت أو كان رجعت قبل
ناصر ببرود: وأظني قلت لش قبل.. دامش في بيت عمي براحتش
حتى لو تحبين تقعدين هناك على طول يكون أحسن
وصلتها الاهانة المقصودة حادة كنصل رمح مسنون مغموس بالسم
بدأت بدعك أصابعها لتفريغ توترها وحتى لا تبكي أمامه
كان شعرها ينسدل للأمام وهي تنظر للأسفل في حركة باتت تفتنه حتى النخاع مؤخرا
ولكنه يستحيل أن يعترف بذلك لنفسه حتى... فكيف يعترف لها؟!!
وصلها صوته مشبع بتهكم قاس: تدرين إنش عليش حركات غريبة
مشاعل رفعت رأسها وهمست: نعم؟؟
ناصر بذات النبرة المتهكمة القاسية: أنتي الحين مصبغة وجهش بعشرين ألف لون
ولابسة لبس كنه لبس مهرجين..
وعندش إني يوم بأشوفش مثلا بتجيني سكتة قلبية من حسنش وجمالش!!
مشاعل شهقت بعنف فهو فعلا يتجاوز الليلة كل حد في قسوته عليها.. قفزت للداخل حتى لا يراها وهي تبكي
دون أن تعلم أن كل ما قاله ليس إلا تعبيرا معكوسا عن افتتانه بها.. الافتتان الذي لا يسمح له بالظهور حتى بينه وبين نفسه
منذ رأها تخلع شيلتها ثم عباءتها ومنظرها المثير يسكره حتى الثمالة.. حتى بدأت الحرب العكسية وهو يقنع نفسه أنه نافر منها
ونتيجة النفور لابد أن تكون كلمات قاسية كالتي قالها لها
فهو مازال مقتنعا تمام الاقتناع أنها نافرة منه كما كانت نافرة ليلة زواجهما
حين وئدت أحلامه ولهفته بنفورها منه
وهي تهينه بتوقيفه لساعات أمام الحمام وهو يرجوها ويحلف لها
ولكنه الآن يشعر بألم عميق لأنه يعلم أنه جرحها.. ألا يكفي أن يتجاهلها حتى تمر الفترة التي حددها هو لإنفصالهما؟!!
لِـمَ يجرحها بهذه الطريقة المريعة رغم أنها لم تفعل شيئا تستحق عليه هذا التجريح؟؟
أ لأنها كانت فاتنة وفتنتها كانت فوق احتماله يعاقبها على افتتانه بها؟!!
مشاعره الغريبة مؤخرا أصبحت هجينا غريبا من افتتان موجع ونفور متوحش ناحيتها
وباتت هذه المشاعر تحيره وتمزقه وتعطله عن التفكير المنطقي
كيف ينفر منها كما لو كانت وباء معديا وفي ذات الوقت يُفتن بها حتى آخر نقطة في دمه وخلاياه؟!
مضت أكثر من ساعة هو يشاهد برنامجا لم يفهم منه حرفا.. حينها قرر أن يقوم ليصلي قيامه وينام
دخل كانت نائمة على السرير
توضأ وصلى ثم توجه لجهته المعتادة وتمدد وهو يتمتم بأذكاره
سمع صوتا خافتا.. خافتا جدا.. لم ينتبه في البداية رغم أن الصوت كان مستمرا من قبل دخوله للغرفة
التفتت ناحيتها كان كتفاها يهتزان بخفة غير ملحوظة
ولكنها كافية ليعلم أنها تبكي
يعلم أنها تبكي كثيرا ولكنه لم يرها مطلقا وهي تبكي
جرحه بكاءها.. جرح رجولته التي يعتز بها
(عن أي رجولة أتحدث
وأنا أستمتع بتجريح هذه العاجزة عن مجاتهني!!)
مد يده لكتفها ثم تردد وأعادها وهو يمسك كفه بكفه الآخرى
ثم عاد لمدها وهو يضعها على كتفها ويهمس بحنان تلقائي: مشاعل
لم ترد عليه
ناداها للمرة الثانية: مشاعل قومي كلميني
نهضت وهي تحاول إخفاء وجهها المتورم بالبكاء عنه
همس لها: طالعيني
رفعت وجهها.. لم تحتمل نظرة الحنان في عينيه
لأول مرة بعد عودته ترى هذه النظرة
لم تشعر بنفسها إلا وهي تلقي بنفسها على صدره وتنخرط في بكاء هستيري
ناصر صُدم.. صُدم لأبعد حد..
وهو يشعر كما لو أن قنبلة ما انفجرت في وسط صدره لشدة وطأة المشاعر التي اكتسحته وآلمته لأقصى حد
لم يتحرك هو.. لم يحتضنها.. وظلت يداه ساكنتان لجواره
وهي رأسها يسكن بين عضلات صدره وتحت ذقنه وهي تتعلق بجيبه
شعر بالألم.. بالغرابة.. بالشجن.. وأحد أحلامه الغريبة يتحقق
حلمه القديم أن يستنشق رائحة شعرها الطفولي
وهاهي رائحته العطرة المسكرة تخترق خياشيمه حتى آخر حد
وهو يشعر بنعومته الفائقة تحت ذقنه
كان إحساسا غريبا موجعا ورائعا وعصيا على كل تفسير
لم يغير أي منهما وضعيته لا هي رفعت رأسها عن صدره
ولا هو احتضنها كما قد يُفترض
حين أفرغت مشاعل طاقتها الأولى في البكاء بدأت تشهق وتقول:
حرام عليك ناصر اللي تسويه فيني.. والله أنا ما أستاهل منك كذا
حتى لو أنت ما تبيني.. وتقول إني ضيفة عندك شهر شهرين
الواحد يجرح ضيفته ويهينها بذا الطريقة؟!!
على الأقل راعي مشاعري شوي لين أرجع لبيت هلي
************************
بيت عبدالله بن مشعل
غرفة مشعل وهيا
حدود الساعة 3 بعد منتصف الليل
مشعل يدخل غرفته بهدوء
ليفجع بالمنظر أمامه
كانت تجلس على الأريكة تضم رجليها المثنيتين لصدرها
وشعرها الطويل منسدل حولها
وجهها مختبئ بين ركبتيها
وتبكي
مشعل سارع بالجلوس جوارها وهو يرفع شعرها ويجمعه خلفها ويرفع وجهها ليهمس لها بقلق مرتعب:
حبيبتي ليش تبكين؟؟ حد قايل لش شيء؟؟
هيا أسندت رأسها لصدره ليحتضنها بخفة وهي تهمس بألم من بين بكاءها:
ما أبي أسافر.. أبي أقعد عند هلي
قالت (هلي) بتلقائية عميقة شفافة.. ابتسم مشعل وهو يرى كيف أصبحت منتمية لهم وهمس لها بحنان:
خلاص ماباقي شيء علينا... شهر 7 إن شاء الله خلاص راجعين ومستقرين
هيا بعمق موجع: ياطولها يا مشعل هذي سبع شهور..تونا شهر 1 الحين
قبل كنت أهرب من الدوحة..أهرب من ذكرى سلطان اللي مابقي لي منها شيء.. بس الحين أنا في حضن ريحة سلطان وبين هله
لأول مرة أحس بالأمان كذا.. أحس لي ظهر وأهل يحبوني ويهتمون فيني
مهوب هاين علي جدتي واجد متأثرة من سفري.. تدري حتى فراق عماني وبنات عمي وسلطان الصغير كل شيء يوجعني يوجعني..
مشعل همس لها بعتب وهو يمسح على شعرها: يعني كل الناس مهوب هاينين عليش.. بس مشعل يهون!!
يهون عليش تخلينه بروحه
هيا رفعت رأسها وهي تهمس برعب: حبيبي أشلون تقول كذا؟؟
مشعل بنبرة عتب مقصودة ومدروسة: والله هذا اللي الواحد يفهمه من كلامش
هيا بعذوبة: صحيح هم هلي.. بس أنت شيء ثاني
أنت قلبي اللي ينبض بين ضلوعي.. روحي اللي تردد بين جوانحي
مشعل وقف وهو يقول بنبرة حزن مصطنعة: إيه قصي علي
عقب ما كسرتي خاطري.. جاية تلعبين علي بكلمتين
هيا ابتسمت وهي تمسح دموعها: مشكلتك ما تعرف تمثل
تعال أعطيك كورسات.. ما حد يمثل مثل النسوان
مشعل عاد لها ليوقفها ويبتسم وهو ينظر لعينيها ويهمس بمرح:
ومتى مثلتي علي أنتي؟؟
هيا تضحك: أووووووه.. طول أول أيام زواجنا وأنا أمثل
لين صرت أستحق جائزة الأوسكار
مشعل باستفسار لئيم: مثلتي ويش؟؟؟
هيا ابتسمت وهي تضع كفها على خده:
مثلت إني ما أحبك وأنا بأموت عليك.. مثلت إني ما أهتم لما تكلم أي مره وأنا بأولع من الغيرة
مثلت إني في غرفتي ماني بمهتمة متى ترجع مع أنه أذني على الباب ومستحيل أرتاح لين أتطمن عليك
مشعل تناول كفها من خده ونقلها لشفتيه ليطبع في باطنها قبلة عميق ويهمس:
صدق نصابة.. شهرين نشفتي ريقي على الفاضي
ثم أردف كمن تذكر شيئا: هاه كل شيء جاهز لبكرة؟؟
عاد وجهها ليغيم: يعني لازم تخرب المود الحلو... إيه كل شيء جاهز
شناطي وشناطك كلها جهزتها
باقي بس الهدية اللي اشتريتها لبكينام عشان زواجها
أخاف أحطها في الشناط تنسرق أو يصير لها شيء
بأخليها في شنطة صغيرة في يدي
*******************************
قبل ذلك بقليل
توقيت آخر وبلد آخر
القاهرة
أحد أجنحة جراند حياة الملكية
يوسف وباكينام كانا يصلان لباب جناحهما معهما والدتيهما
منال همست لهما وهي تتوقف هي وسوازان عند الباب:
احنا ئاعدين في اللوبي تحت نستاكم عشان نوصلكم المطار
وسوزان همست في أذن ابنتها: ستجدين طقما كاملا معلقا في الدولاب
ووضعت لك معه حذاء مناسبا مريحا وأنيقا.. وحقيبة يد متوسطة الحجم حتى تتسع لأغراضك وحقيبة أخرى صغيرة طقم معها للمطار لأدواتك الخاصة
أتمنى أن يعجبك ذوقي
باكينام احتضنت والدتها وهي تقول بتأثر: دائما يعجبني ذوقك..
سوزان تعاود الهمس: هناك رحلات دائمة بين واشنطن ولندن
حاولي أن تزورينا مرة في الشهر لو استطعتي كما كنتي تفعلين
باكينام تبتسم بحزن: سأحاول إن شاء الله
منال همست: هابعت الشيالين دلوئتي يشيلو شنطكم
وسيبوا كل حاجة أنتو مش عاوزينها
أنا هأرجع وأشيل كل حاجة
دخل الاثنان
توتر باكينام يتصاعد للقمة.. فهو لم يحادثها مطلقا خلال المراسيم السابقة
كان كل حديثه مع الناس المهنئين
شعرت أن تجاهله لها مقصود تماما
واستمر تجاهله حتى الآن
تناول ملابسه المعدة للسفر دون أن ينظر لها حتى
ودخل إلى الحمام
باكينام تنهدت وهي تقترب من المرآة وتبدأ بفك دبابيس الحجاب الأبيض الذي يغطي شعرها
كانت الدبابيس كثيرة جدا.. واستغرقت وقتا طويلا وهي تفكها
ولم تنتبه حتى فاجأها صراخه: أنتي فاكرة إنو عندنا اليوم بطولو وأنتي بتتدلعي كده..خلصيني
كان جاهزا بعد أن خلع بدلته الرسمية السوداء وأرتدى بنطلونا من الجينز
وبلوفرا صوفيا خفيفا يبرز من تحته قميص أبيض
باكينام همست بهدوء بدون أن تنظر ناحيته: على فكرة أنا سمعي 6 على 6 ومش طرشاء
تلائي الناس اللي في السويت اللي جنبنا اتفزعوا من صواطك
كانت تفك الدبوس الأخير وتنزل طيات الحجاب الكثيرة حين اقترب منها وأدخل يده في شعرها ليشده بخفة ويهمس في أذنها تماما بنبرة غضب مكتوم:
تعودي لما تكلميني تبصي ناحيتي
أخر مرة أسمح لك تكلميني وانتي مدياني ظهرك
التفتت باكينام ناحيته وهي تنتزع يده من شعرها بحدة مفاجأة لتخرج بعضا من شعيراتها في يده.. كلاهما شعر بالألم
هي بألم فعلي لأن الشعرات المنتزعة بسبب تصرفها الأرعن آلمتها
وهو بألم روحي وهو يرى الخصلات الذهبية تتلوى بين أنامله السمراء
باكينام همست له بحدة: وأنا آخر مرة أسمح لك تمد إيدك عليا بأي طريئة
وربنا لو عدتها.. لأكون خرباها وئاعدة على تلها زي ما بتقول
ولا يهمني الدبلوماسي ولا ابن العمدة ولا أي حد
ثم تجاوزته وهي تفتح الدولاب لتأخذ ملابسها التي أشعرتها بالضيق فعلا
فوالدتها يبدو أنها تريد أن يعلم الكل أنها عروس
كان طقما مكونا من بنطلون وقميص واسع للركبة باللون الأبيض الذي يزينه خطوط ناعمة باللون الفضي مع حجاب وحذاء وطقم حقائب الكل بنفس اللون
لم يعد لدى باكينام وقت للاعتراض أو كان رفضت أن ترتديه
فهذا اليوسف يشعرها أنها ذاهبة لعزاء وليس لبدء حياة زوجية جديدة
توجهت للحمام وأبدلت ملابسها بسرعة
وتركت الفستان معلقا في الحمام لتعود والدتها أو والدة يوسف لأخذه
منظرها العذب الرقيق هز أوتار قلب يوسف بعمق
إنسدال هذه السلاسل الذهبية على الفضاء الأبيض
كان يراقبها وهي تجمع شعرها وتلبس حجابها ..ويشعر بأسى عميق..
لِـم كان يجب أن يحبها كل هذا الحب؟!!
ولِـم تكون هي فقط من تطوع قلبه العصي على الترويض
لتصفعه بعد ذلك بخيانتها له وهي على ذمته
بدون حتى أن تشعر بأي ذنب أو تحاول أن تبرر له أي شيء
كان لديه استعداد شاسع لتصديقها لأنه يريد أن أن يصدقها
ولكنها لا تحتاج للتبرير لأنها خائنة وقلبها مع سواه
فماذا تبرر؟؟ ولماذا؟؟
هكذا كانت أفكار يوسف التي تلتهم أفكاره وتدمي رجولته وهو ينظر لها وهي تتحرك بآلية لتنجز مهمتها التي بدت بغيضة على قلبها
كان واقفا شاردا فيها حتى بعد أن وقفت أمامه وتهمس له
لم يسمع ماذا تقول.. كان محلقا في بحر عينيها.. في التواء شفتيها.. في بريق نظرتها المختلفة التي تصيبه بالجنون
نقرت كتفه بإصبعها برقة وهي تقول بهدوء: يوسف كل ده سرحان
بأئول لك خلصت خلاص
يا الله ننزل
لم يشعر بنفسه إلا وهو يمسك بإصبعها التي تنقر كتفه
أمسك إصبعها بين أنامله بطريقة تملكية
ثم نفض يده بحدة وكأن إصبعها نجاسة ستلوث يده
حركته كانت تلقائية ومقصودة في آن
والمعنى وصل باكينام وجرحها لأقصى حد
ويوسف يحمل جاكيته ويقول لها بهدوء واثق: يالله بينا
ورانا 11 ساعة طيران متواصل
*************************
بيت مشعل بن محمد
غرفة مشعل ولطيفة
مشعل يدخل إلى الغرفة .. كانت لطيفة تجلس على التسريحة تخلع ساعتها وخاتمها حين دخل
ابتسم بعدما سلّم وهمس وهو يقترب منها: زين ما بعد بدلتي
أشوف وش لابسة
لطيقة بعذوبة: توني واصلة أصلا..
مشعل باهتمام: وجودي ومريوم توهم ينامون ذا الحين؟؟
لطيفة وهي تخلع سلسلتها وتضعها في العلبة أمامها: لا ناموا من بدري
بس مريوم نامت عند خالتها ريم.. وجودي شلتها وجبتها معي
ترا حتى حمودي وعبودي ناموا عند سلطان
مشعل يبتسم: يعني وزعتي عيالنا الليلة على الجيران.. ثم استفسر باهتمام: وجودي وينها؟؟ خليتيها في غرفتهم بروحها
لطيفة تضحك: طل على السرير وراك
مشعل ألتفت وجود تنام بالعرض على السرير.. ابتسم وهو يقترب منها ويتمدد جوارها ويطبع الكثير من القبلات على يديها الصغيرتين وجبينها
لطيفة تقف وهي تقول بخفوت: بسك مشعل بتصحيها
مشعل يقف ويهمس: واحنا أشلون بنام وبنتش ماخذة السرير لها بروحها
لطيفة برقة: أصلا بأرتب لها مكان على الكنبة اللي تنفتح.. هي ترفس واجد ولازم تنام بروحها
مشعل بخبث: إيه خليها تجرب سرير أبيها اللي كان مطرود عليه كنه فيه جرب
لطيفة تقترب وتقرص خده بوله: إبيها كان يستاهل.. قال يبي يتزوج علي.. اللي ما يستحي
مشعل يهمس بلؤم: أستاهل هاه؟؟ أجل خلاص اللي ما يستحي جايب لش شيء وبيرميه في الزبالة دامه واحد ما يستاهل
لطيفة بترقب: جايب لي شيء؟؟
مشعل يتجه للدولاب ويفتحه ليخرج كيسا وهو يبتسم: هدية الخلاص من الامتحانات
لطيفة تبتسم: زين خلها لين أنجح وأجيب النسبة.. أو حتى خلها أخر السنة
مشعل يمدها بالكيس الفخم لتتناوله منه وهو يحتضن وجهها بين كفيه ويقبلها بعمق: لا... هدية النجاح شيء ثاني
أنت بتروحين معي وتختارينها على كيفش
أما هذي فشيء بسيط والله العظيم مهيب قدر ظفرش عندي
أما هدية آخر السنة فهذي بتكون شيء ثاني ثاني وأنا اللي باختارها لش على ذوقي..
لطيفة تهمس وهي تقبل صدره حيث يصل مستوى رأسها.. ثم تسند رأسها على صدره:
تدري مشعل أنت عمرك ما قصرت علي بالهدايا الغالية
بس ذا الهدية عندي غير.. لأنه الهدية بمضمونها مهوب بقيمتها
ثم أردفت بشجن:
تكفى مشعل ما تتغير علي ولا تجفاني مثل أول
والله العظيم أموت.. أنا قبل عايشة معك وأنا ماجربت نكهة حنانك
بس عقب ما غرقتني بمشاعرك وأرويت عروقي.. من غيرها بأموت من العطش
مشعل يحتضنها بشدة كأنه يريد إدخالها بين ضلوعه وهو يهمس لها بحب مصفى:
لا تجيبين طاري الجفا
ماحد ذاقه مثلي.. ذوقتيني إياه أشكال ألوان
طلعتني مني الأولي والتالي..
بس ما أقول إلا الله لا يحرمني منش بس
************************
بعد ساعات كثيرة
أمام بيت صغير لكن شديد الفخامة والأناقة في منطقة جورج تاون /كولومبيا ديسكرت
قبل المغيب بتوقيت واشنطن
توقفت سيارة أجرة أمام البيت
ترجلت باكينام وهي تنظر بدهشة للبيت.. كثيرا ماعبرت هي وهيا من أمامه
وعبرت عن إعجابها به وبحديقته المنسقة بذوق رفيع
كثيرا مالمحت رجلا عجوزا فيه.. كيف لم تلمح يوسف؟؟
سخرت من نفسها (ربما لو لمحته تلك الأيام لظننته خادما يعمل في البيت!!
لشدة ماسخرت مني يوسف وجعلتني أضحوكة لك
حتى الآن!!
حتى الآن!!)
طوال الرحلة التي استغرقت 14 ساعة.. 11 ساعة طيران متواصل.. وساعتين في مطار القاهرة وساعة في مطار دالاس بواشنطن
لم يتحادثا سوى بعبارات محدودة.. وكل منهما يتجاهل الآخر عمدا
يوسف حمل الحقيبتين الكبيرتين بخفة وهو يعبر سياج الحديقة ثم الحديقة
ليقف أمام باب البيت ويطرق الجرس
لتفتح الباب لهما عجوز مكسيكية بدينة باسمة كادت تحتضن يوسف حين رأته
لولا أنها تذكرت أنه لا يرضى أن تلمسه رغم أنها تعتبره تماما كواحد من أبنائها السبعة المشردين بين أمريكا والمكسيك
همست مرحبة: أهلا جو.. أطلت الغياب هذه المرة.. ولكن بفائدة
ثم أكملت وهي تحتضن كف باكينام:
هذه الجميلة تستحق.. بل هي أقل مما كنت تصف و..
يوسف يقاطعها بشكل مقصود قبل أن تكمل حديثها الذي لا يريدها أن تكمله: ماريا أين سانتياغو ؟؟
باكينام انتبهت.. ومن هي بذكائها لا يفوتها هذا
(يبدو أنه كان يثرثر للعجوز عني
ولكن متى.. قبل عودته للقاهرة؟؟)
ماريا بمودة: ذهب لإحضار بعض مستلزمات العشاء.. فأنا اعد للعريسين وليمة الليلة
يوسف بتحذير: إلى أين ذهب؟؟
ماريا تبتسم: إلى محل حسين.. مابك بني.. نحن نعمل عندك منذ سنين..
ونعلم أنك لا تأكل إلا من محلات المسلمين
ثم ألتفتت ماريا لبكينام وهي تقول باحترام: هل تود صغيرتي تناول شيء معين؟؟
باكينام أخيرا تكلمت وهي تهمس: لا شكرا.. أنا فعلا أود أن أستحم لأصلي ثم أنام فقط
ابتسمت ماريا: لا لن تنامي قبل أن تتعشي.. ولكنتك جميلة تشبه لكنة جو تماما
ابتسمت لها باكينام : هل كل المكسيكيات أسمائهن ماريا؟؟
ضحكت ماريا: ماريا هو الاسم الأول لغالب اللاتينيات.. أنا اسمي ماريا جورجيانا.. ولكن ماريا لوحده أسهل.. والأمريكيون يحبون الأسهل
بإمكانك أن تستحمي.. فأنا بدأت فعلا بإعداد العشاء.. تبقت أشياء قليلة
أنتظر زوجي سانتياغو ليحضرها
كان يوسف واقفا متأملا في الحوار وكيف اندمجت باكينام فورا مع ماريا
(غريبة كيف تنازلت هذه المغرورة للتباسط مع ماريا؟!!!)
باكينام استأذنت: اسمحي لي ماريا.. أين أضع أغراضي لأستحم؟؟
تعمدت سؤالها وتجاهل يوسف
ماريا لم تنتبه أصلا ولكن يوسف انتبه.. وماريا تجيب بعفوية: لا يوجد في الأعلى سوى غرفة واحدة غرفتكما
باكينام تنهدت (أي كابوس أعيشه.. حتى أشاطر هذه المصيبة المسماة يوسف
غرفة واحدة وحماما واحدا)
باكينام تتوجه للدرج.. قبل أن تصعد هتفت ماريا: توقفي
ثم ألتفتت ليوسف: جو أ لن تحملها للأعلى؟؟
مافائدة كل هذه العضلات والتمارين والركض كل يوم إذن؟!!
احملها يا فتى.. كما حملني سانتياغو قبل 29 عاما
***************************
صباح اليوم التالي في الدوحة
مطار الدوحة الدولي
مشعل وهيا يصلان المطار عبدالله هو من أوصلهم ومعه سلطان الصغير
سلطان يجلس مع هيا في المقعد الخلفي وبينهما مسافة فاصلة
همس لها بجدية مصطنعة: هيا.. أنتو رايحين الهند وإلا أمريكا؟؟
هيا بصوت مختنق وهي تتناول منديلا آخر من علبة المناديل وتدخله تحت نقابها:
أمريكا.. تستعبط يا سليطين؟؟
سلطان بذات النبرة الجدية المضحكة: تصدقين على كرتون الكلينكس اللي خلصتيه من بيتنا في المعيذر لين المطار
حسبتش تبين تأخذين كورس تدريب قبل تروحين الهند وتطلبين يعطونش الجنسية
وأنا أضمن لش تأخذينها من أول مرة.. خلصتي دموع أكثر من عشر أفلام هندية مع بعض..
يعني علامة جودة هندية أصلية ولا دهن التاتا وهزة الرأس
هيا تضربه على كتفه وهي تهمس بألم : تدري إنك سخيف وأني باشتاق لسخافتك وملاغتك وثقل دمك
سلطان بمرح شفاف: أدري الترجمة بتشتاقين لخفة دمي وحلاوتي ولساني اللي ينقط سكر
تقف السيارة ويتوقف قلب هيا وهي تشعر أنها عاحزة عن التنفس.. تهمس لسلطان بألم عميق شاسع مغمور بالمرارة والشجن:
تكفى سلطان سلّم على جدتي وأمي أم مشعل والبنات كلهم..
سلطان يتجلد وهو يمنع نفسه من إظهار التاثر: ترا حن مهوب في زمن قوافل الأبل.. الناس بالشهور ما تدري عن بعض
أول ما توصلين افتحي الماسنجر وأوريش خشة جدتي على الكام كنش قاعدة معنا
ينزل جميع من في السيارة عبدالله يحتضن ابنه ثم يقبل رأس هيا وهو يهمس لها بثقة أبوية حانية: شوفيني أقول لش قدام مشعل
ترا والله ثم والله لا تمسين ليل وانتي مضيومة من مشعل وما تتصلين فيني تعلميني
يا أنه زعلي عليكم ثنينكم دنيا واخرة
كانت جملته المسمار الاخير في نعش تجلد هيا التي أسندت راسها لصدر عمها وهي تنخرط في بكاء حاد
عمها احتضن رأسها وهو يقول بقلق حقيقي: وش فيش يا أبيش؟؟ مشعل قايل لش شيء؟؟
مشعل اقترب منهما وهو يهمس: هو كل شيء مشعل مشعل.. والله ماقلت لها شيء
وتراكم فضحتونا العالم يتفكرون فيكم
هيا رفعت رأسها وهي تهمس: جعلني ما أبكيك يبه..مشعل والله مايقصر..بس تذكرت إبي.. ومشتاقة لكم.. وكل شيء جاء مع الثاني
همس لها عبدالله بشجن: تعيشين وتذكرينه بالخير
الله الله في نفسش وفي رجالش وأي شيء يقصركم وإلا تبغونه كلموني
مشعل نادى الحمالين الذين تناولوا الحقائب ودخل مع هيا لداخل المطار
بينما غادر عبدالله وابنه سلطان الصغير المطار عائدين للبيت لوحدهما
***********************
بيت يوسف/ واشنطن
باكينام تتوجه للدرج.. قبل أن تصعد هتفت ماريا: توقفي
ثم ألتفتت ليوسف: جو أ لن تحملها للأعلى؟؟
مافائدة كل هذه العضلات والتمارين والركض كل يوم إذن؟!!
احملها يا فتى.. كما حملني سانتياغو قبل 29 عاما
يوسف يتجاوز باكينام صاعدا للأعلى وهو يقول بنبرة خاصة: هذه الفتاة تحمل من الأثقال الكثير
الكثير ماريا.. أثقال تكفي لهدم جبال.. فكيف بمن هو مثلي؟!!
ماريا هزت كتفيها بحرج وهي لم تفهم مقصده.. بينما باكينام فهمته تماما
وهزت هي كتفيها عدم اهتمام.. فهي مرهقة جدا وغير مستعدة لأي ملاسنة أو نقاش
صعدت خلفه..
كانت غرفة واسعة على الطراز الأمريكي الخالي من الدولايب
الدولاب (الكلوزيت) هو غرفة صغيرة معدة بأرفف وعلاقات بمختلف الأشكال
والغرفة عبارة عن سرير ضخم.. وتسريحة ضخمة.. وأريكة واحدة
وحمام شاسع.. وفقط
كانت الغرفة دافئة رغم برودة الجو الصقيعية في الخارج
والجو يغري بالنوم.. ولكن باكينام قاومت هذه الرغبة حتى لا تحبط العجوز التي تعد العشاء في الأسفل
رغم أن آخر ما تفكر به هو الجلوس مع يوسف على طاولة واحدة كزوجين طبيعيين بينما هما أبعد ما يكون عن مصطلح الطبيعية ومضمونها
كان يوسف يجلس على الأريكة ويخلع حذائه حين همست باكينام ببرود:
ممكن تجيب لي شنطتي.. أو أنزل أسحبها؟؟
لم يرد عليها وهو ينزل حافيا ليحضر حقيبتها ويضعها أمامها بخفة ويقول لها ببرود:
أنا هاستحمى على بال ما تطلعي لك غيار
والعشاء هيكون بعد صلاة العشاء
************************
الدوحة بعد صلاة العصر
راكان خارج من المسجد ويركب سيارته ليتوجه لتدريب الرماية
يرن هاتفه.. يرى الاسم ويبتسم:
هلا والله بأبو عبدالله
أكيد توك واصل لندن ذا الحين
مشعل باستعجال: راكان اسمعني عدل
أبيك الحين فورا تحجز لك أنت وموضي وتجون لندن على طيارة الليلة
راكان بصدمة: نعم؟؟
مشعل بهدوء رغم قلقه: اسمعني عدل
أنا انمسكت في مطار هيثرو وهيا الحين في استراحة المطار
أنا قلت لها ما تطلع من المطار مكان.. أبيكم تجون عشانها
أنا حالتي حالة.. أحاتيها هي وبس..
أدري عندك فيزة مفتوحة من الديوان تجددها السفارة البريطانية سنويا
وتقدر تسافر فورا
راكان بصدمة أكبر: انمسكت ليه؟؟.. عشان الموضوع التافه اللي قبل سنين؟؟
تماسك وهو يكمل: وبعدين موضي ما تبي لها فيزة؟؟ والفيزة تبي لها كم يوم
وتو حن متملكين البارحة مايصير أسحبها معي اليوم
أنا باجيك بروحي.. ومرتك بنوديها لبيت السفير لا تحاتيها
مشعل باستعجال حازم: موضي عندها فيزة لبريطانيا من الصيف اللي فات.. أنا سويتها لها
كان المفروض تسافر مع أمي بس ما قدرت
والفيزة كان مدتها سنة ولسفرة وحدة.. وهي مابعد استخدمتها
تكفى راكان لا تعقدها
موضي مرتك وأنا في ظرف طارئ.. لا تسويها سالفة
الليلة تكونون عندي
هيا انهارت يوم شافتهم امسكوني..وأنا على أعصابي عشانها
أبي موضي تجي عندها تهديها.. ولو سالفتي بتطول أبيكم ترجعونها معكم للدوحة
راكان بحزم: تم يابو عبدالله.. موضي عندها خبر؟؟
مشعل وهو يستعد لإغلاق هاتفه: أنا كلمتها قبل أكلمك
وبتلاقيها جاهزة تنتظرك
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
رد: آسى الهجران للكاتبة أنفاس قطر
الجزء الرابع والسبعون
سيارة راكان
الحوار الصادم الدائر بين راكان ومشعل
مشعل باستعجال: اسمعني راكان
مابي أي حد يدري بشيء
لا تروعهم على غير سنع
ترا حتى موضي ما تدري.. قلت لها هيا تعبانة وأني احتست فيها وأبيها تجي
لما تصير معك في الطيارة بلغها
راكان بنخوة: خلاص يا ابن الحلال تم
خلني الحين أشوف حجز مستعجل
****************************
بعد صلاة العصر بقليل
بيت عبدالله بن مشعل
لطيفة تدخل غرفة موضي وهي مقطوعة الأنفاس تدخل لتلقي بنفسها على السرير وتهمس بصوت مبهور الأنفاس:
وش فيش روعتيني؟؟ هذا أنتي طيبة.. وش صاير عشان تقولين لي خلي كل اللي في يدش وتعالي الحين الحين
موضي التي كانت تنقل بعض ملابس دون تفكير لحقيبة صغيرة همست بنبرة غير محددة الملامح: بأسافر لندن الليلة مع راكان
مشعل يقول هيا تعبت عليه.. ويبيني أجي وبيقول لراكان يجيبني
لأنه راكان عنده فيزة مفتوحة.. وأنا عندي فيزة مابعد استخدمتها
لطيفة برعب: وش فيها هيا؟؟
موضي بنبرة ميتة فعلا: مشعل طمني يقول إنها إن شاء الله بخير
بس هو خايف عليها شوي
لطيفة بارتياح: الحمدلله
ثم أردفت بنبرة اهتمام: زين يوم إنها طيبة.. ليش أنتي كنه مات لش حد؟؟
موضي بذات النبرة الخالية من الحياة: لطيفة أنتي سامعتني أو لا؟؟
أقول لش بأروح مع راكان
لطيفة ابتسمت: زين وش فيها؟؟ تكونين رايحة مع ولد الجيران تمشية
رايحة مع رجالش عشان أخيش طلبش.. وش فيها؟؟
موضي بدأت نبرتها تتغير وتهتز: أخر ماعندي أبرد ماعندش
تستعبطين أنتي؟؟
لطيفة تنهدت: ياقلبي يا موضي.. أنتي الحين وش اللي مضايقش؟؟
راكان على ضمانتي إنه ما يضايقش بأي شيء
موضي تبحث لها عن حجة: والناس وش بيقولون علي؟؟ تملكت أمس وسافرت معه اليوم
لطيفة بهدوء: ماحد بقايل شيء.. واللي بيقول يضرب رأسه في الطوفة.. واللي عنده ريال يقطعه..
دامش ماسويتي شيء غلط ولا حرام ولا منقود.. ماعليش من حد
ويالله خليني أساعدش ...أشوف وش خذتي في شنطتش؟؟
وهما في حوارهما رن هاتف موضي.. كان فارس..
موضي بتوتر: هلا فارس
فارس باستعجال: موضي أنا في مكتب السفريات.. راكان طلع لكم حجز بعد حوالي 3 ساعات.. وأنا جاي أخذ التذاكر.. اجهزي بسرعة
أنا اللي بأوديكم للمطار.. نص ساعة بالكثير أبيش واقفة بعباتش
موضي شعرت كما لو كانت ضُربت على رأسها بصاعقة: نص ساعة؟؟
فارس يغلق هاتفه وهو يقول باستعجال: خلصيني
موضي انهارت جالسة على السرير وهي تضع هاتفها بجانبها وتقول كأنها تحادث نفسها: فارس يقول نصف ساعة ونروح المطار
لطيفة باستعجال وهي تزيحها: أنا بأكمل ترتيب شنطتش
وأنتي طلعي عباتش وشوفي أغراضش الخاصة اللي تبينها
وكلمي مشاعل تجي تشوفش لا تسوي مناحة إذا درت إنش رحتي ما شافتش
موضي بتوتر: كنت أبي أتسبح
لطيفة تمسك بشعر موضي المبلول جزئيا وتقول باستغراب: شكلش توش سابحة
موضي بتوتر: كنت توني طالعة من الحمام وأبخر شعري يوم كلمني مشعل
لطيفة باستغراب: زين ليش تبين تسبحين مرة ثانية؟؟
موضي وهي تدور مرتبكة: أخاف حد يشم ريحة البخور بشعري
ضحكت لطيفة: تدرين إنش عبيطة.. دام إنش ما بخرتي ملابسش ولا تعطرتي ماحد بشام ريحة عطر فيش إلا حد يحط خشمه في رأسش دايركت
ثم أكملت وهي تغمز لها وتخبرها بالسبب الحقيقي لتوترها: راكان مثلا!!
*****************************
بيت ناصر
ناصر يدخل بعد صلاة العصر
كانت مشاعل تقرأ في مصحفها وهو يفتح الدولايب يبحث عن شيء لم يجده
طال الوقت وهو يبحث ولم يسأل مشاعل رغم أنها أنهت وردها وأغلقت مصحفها وكانت تنظر له
بينما هو كان يتجنب فعليا أن يسألها.. أصبح يكره مؤخرا إحساسه الدائم إنه في حاجتها.. فهي أصبحت تحكم قبضتها الحريرية على كل شيء
هي من تخرج له ملابسه.. تجهز له كل شيء.. تحضر الشيء قبل أن يطلبه
يشتهي شايا يجده أمامه.. يشتهي تناول شيئا حلوا يجده أمامه
يشعر بالبرد وهو يشاهد التلفاز يجدها تحضر له غطاء
وأصبح بالفعل يستغرب قدرتها الغريبة في استشفاف رغباته وحاجاته دون كلام
كان منحنيا قليلا حين اقتربت منه وهمست بالقرب منه: ناصر وش تدور؟؟
رفع رأسه بشكل حاد ومفاجئ ليضرب رأسه في ذقنها وتسقط هي بشكل عنيف للوراء وتصدر عنها أنة ألم خافتة
ناصر بقلق لم يظهر في صوته وهو يمد لها يده اليمين ويرخي ثقله على قدمه السليمة ويشدد احتضان يساره للعكاز: أنتي بخير؟؟
مشاعل تبتسم وهي تمسك بيده لتنهض: بخير مافيني شيء
رفعها عن الأرض بخفة وهو يشدها إليه.. ثم أراد أن يفلت يدها ولكنها لم تترك يده وهي تحتضنها بيديها الاثنتين
ناصر بهدوء: مشاعل فكي يدي.. هذا أنتي واقفة ومافيش إلا العافية
مشاعل لم ترد عليه وهي تنظر ليده السمراء الكبيرة القابعة بين يديها الصغيرتين الشفافتين
أحنت رأسها وطبعت على ظاهر كفه بالقرب من إبهامه قبلة عميقة شديدة الرقة
ناصر صُعق تماما.. شعر أن مشاعره نُسفت.. وبقلبه أعاصير هوجاء وشفتاها العذبتان تعانقان بشرة يده بحنو
رفعت رأسها لتلتقي عينيهما.. مازال ناصر غير قادر على الاستيعاب ورأسه يدور من تأثير قبلتها الكاسح على دغدغة مشاعره
بدت له قبلتها طويلة جدا وقصيرة جدا.. والحقيقية الفعلية التي ينكرها هو أنه تمنى ألا تنتهي هذه القبلة أبدا.. إحساسه بقربها اللاسع مدمر ورائع ومليء بالعنفوان
ولكن ردة فعله كانت أنه نفض يده من يديها وهو يبتعد ويهمس بقسوة:
أعتقد أني قلت لش قبل الحركات البايخة هذي مالها داعي
شعرت مشاعل بالألم... بالكثير منه.. الألم الشعور الذي اعتادته حتى أصبح مرافقا لها
لا تعرف يقينا ما الذي دفعها لتقبيل يده رغم أنها تعلم أن ردة فعله ستكون قاسية
شعرت أن مشاعرها تضغط عليها بعنف
(كيف بدأ يستولي على مشاعري بهذه الطريقة؟!!
هل أحبه؟!!
أحببته؟!!
ما أعلمه هو أنه يتغلغل في روحي بطريقة تملكية موجعة)
مشاعل صمتت وهي تتراجع لتجلس وناصر يكمل بحثه
أخيرا قال لها بهدوء مستفز: فيه ملف فيه أوراق للشغل ما أدري وينه
مشاعل نهضت وتوجهت لدولاب صغير في طرف الصالة مدت يدها فوقه وأعطته المفتاح وهمست: كل أوراق شغلك رتبتها هنا وسكرت عليها
ناصر بغضب: وأنتي من اللي سمح لش ترتبين أوراقي؟!!
وش ذا اللقافة اللي عندش
يعني إلا تدخلين نفسش في كل شيء حتى شغلي..
صرتي تدخلين في لبسي وأكلي قلت ماعليه.. ومشيتها لش..
بس لين شغلي وبس.. سامعتني
مشاعل بقيت واقفة كتمثال محنط حتى أنهى سيل غضبه غير المبرر عليها
وهكذا أصبح!! مجرد سيل كاسح من قسوة غير مبررة يحاول بها طمر مشاعره ناحيتها
كلما شعر أن افتتنانه بها يزيد كلما زاد في قسوته عليها
وكأنه بهذه القسوة يحمي نفسه من تسلطها على روحه ومشاعره
حينما انتهى من الصراخ وفتح الدولاب
توجهت لغرفتها وتمددت وتغطت
كانت تود أن تهرب من أمامه منذ بدأت طلقاته الكلامية في التدافع
ولكنها شعرت أن في هذا إهانة له واستخفاف به.. لذا ظلت واقفة أمامه تتلقى بصمت سيل كلماته الموجع حتى انتهى..
ثم غادرت لتسمح لقلبها المجروح أن ينزف
ناصر فتح الدولاب تفاجأ فعلا بدقة تنظيم كل شيء
لو بقي لعشر سنوات يرتب أوراقه لما نجح في ترتيبها بهذه الطريقة
شعر بالألم من أجلها وبالكراهية لنفسه
لم يكن يوما قاسيا هكذا
ولكن ماذا يفعل؟؟
القسوة أصبحت سلاحه الوحيد أمام قدرتها الغريبة على التسلل لما تحت جلده
كان غارقا في تفكيره وهو يقلب الأوراق التي أشغلته مشاعل عنها
رن هاتفان معا.. هاتفه وهاتفها
هو راكان
وهي موضي
هي خرجت من الغرفة.. وهو دخل
همست وهي تخفي وجهها عنه: بأروح لهلي.. موضي بتسافر الحين
ناصر باستعجال: وأنا بأروح للمجلس أشوف راكان قبل يسافر
***********************
واشنطن/ بيت يوسف
قبل صلاة الفجر
البارحة تعشيا معا بصمت.. تجنبا تبادل الحديث
فكلاهما مرهق بشدة وليسا بحاجة لفتح أي موضوعات قد تؤدي لنقاش حاد كلاهما في غنى عنه
وخصوصا أن أي حوار بينهما أصبح ينذر بمعركة وشيكة
حين أنهت العشاء غادرته وهو بقي في مكتبه في الأسفل يراجع أطروحته ليعيد تواصله معها وخصوصا أنه في مرحلته الأخيرة منها
باكينام صعدت
تنهدت بعمق وهي تنظر لنفسها في المرآة
كانت تبدو مرهقة فعلا ولكن غاية في العذوبة في فستان كاجوال بلون السماء
ارتدته بعد أن تحممت وصلت
(لم يكن هناك أي داع أن ألبس له أي شيء خاص
فهو لم ينظر لي مطلقا
أشك إن كان حتى لاحظ مالبست)
ولكن مالم تعلمه أنه نظر.. بل تفحص ..ومنظرها العذب الرقيق يحز في روحه المعذبة
ولم يكن تحججه بمراجعة الأطروحة سوى وسيلة للهروب منها وتأثره برقتها وحضورها الكاسح الموجع لمشاعره
كان يراقبها بشجن عميق وألم أعمق..وهي سارحة تقلب طعامها بشوكتها دون أن تتناول منه سوى أقل القليل
وفي عينيها يستوطن حزن شاسع..
ثم نهضت وغادرت وعيناه تشيعانها بوجع
ارتدت بيجامتها.. صلت ثم نامت فورا من شدة تعبها ودون أن تفكر بأي شيء
في منتصف الليل صحت من نومها على لفح أنفاس دافئة على وجهها وأنامل تلف خصلات شعرها في حلقات لولبية وتمسح أطراف وجهها
فتحت عيناها.. كان وجهه قريبا.. قريبا جدا منها
همست بضعف: يوسف سيب شعري
همس في أذنها بعمق وخفوت: اشششش
وهاهي الآن قبل صلاة الفجر تنتظره بعد أن خرج من البيت قبل أكثر من ساعتين بعد أن قضى ساعة كاملة وهو يستحم
تشعر بألم عميق.. عميق.. عميق
لا يمكن أن يكون لهذا الألم الذي تشعر به حدود أو مسافات
موجوعة وتشعر بإهانة مرة
أشعرها أنها رخيصة.. قذرة.. نجسة
مصطلحات جارحة لم تخطر بأسوأ أحلامها يوما
( أ لهذه الدرجة يراني قذرة؟!!
يستحم لساعة ثم يهرب من أمامي
ماذا فعلت حتى أستحق منه هذا المعاملة
يفكر الفكرة ثم يصدقها
أنا لست مجبرة أن أبرر له ذنبا لم أرتكبه
أنا لم أخطئ بشيء.. ولن أعتذر عن خطأ لم أفعله
ولكني متعبة من هذا الوضع
أنا أحبه فعلا بل أعشقه..لماذا كل ما بيننا معقد هكذا؟؟)
أذن الفجر وهو لم يعد بعد
صلت صلاتها ثم قررت أن تنزل لتنتظره في الأسفل
يوسف بعد أن صلى الفجر.. كان مرهقا فعلا ويريد أن ينام
لذا عاد للبيت.. كان يتوقع أنها قد تكون عادت للنوم لذا تفاجئ بوجودها جالسة على مقعد مقابل للباب
همس وهو يتجاوزها صاعدا للأعلى: تصبحي على خير
باكينام همست بحزن عميق: يوسف.. أعتقد أنو لازم نتكلم شويه
عاد وجلس على كرسي قريب منها وهو يشبك كفيه أمامه: نعم؟؟
باكينام بألم: أنت عندك شك أنك أول راجل يلمسني؟؟
يوسف يهز رأسه نفيا بثقة: لا طبعا..
باكينام بنفس النبرة النازفة ألما: أمال بتعمل كده ليه..؟؟
يوسف بنبرة عميقة وهو يسند ظهره للخلف: العزرية فكرة أعمق بكتير من مجرد حدود الجسد
أنا تأكدت إني أول راجل يكون جسمك ليه.. لكن هل أنا أول راجل يكون ئلبك ليه؟؟
تعرفي باكي.. أنا كان ممكن أسامح أي حب ليكي ئبل ما نتجوز
مع أنو فكرة إن مشاعرك تكون لأي راجل حتى ئبل ما أعرفك بتدبحني..لكن كان عندي استعداد أسامح..
لكن إنك تستمري تحبي حد بعد ما بئيتي مراتي..دا اللي مستحيل أسامحك عليه
صمت يوسف.. انتظر منها ردا.. ردا ما ينفي كل شكوكه..
كم هو مستنزف من الألم..مستنزف
يحتاج إليها أن تخبره أن كل ما برأسه هو محض شكوك لا أساس لها من الصحة
وأنها مثلما كانت له جسدا.. هي له روحا وتفكيرا وقلبا
يحبها
يحبها
اليوم هو في غاية اليقين أنه سيبقى يحبها حتى آخر نفس يتردد في روحه
ولكنه يريدها له كاملة غير مجزأة
يريدها له وحده جسدا وروحا
مستقبله وتفكيره وحياته تتعلق كلها على كلمة واحدة من بين شفتيها
ولكنها صمتت
صمتت
أسوأ أنواع الصمت وأبشعها
صمت يدينها في نظره
صمت يحرث قلبه بمناجل الغيرة والغضب واليأس والألم
باكينام وقفت بهدوء بارد وتجاوزته بهدوء أبرد
لتترك سكونا صقيعيا يغرق ساحة المعركة المنتهية خلفها
والصقيع يتسلل إلى القلبين ليلفهما بدثاره المتجمتد
(لن أريحك..
عش بشكك مادمت قد أرتضيت أن تفكر بي هذا التفكير
حتى بعدما منحتك جسدي ومعه روحي
يا لا غبائك..
يا لا غبائك!!
هل تفكر أني سأمنحك جسدي قبل أن أمنحك قلبي
أو ربما فكرت أني منحته لك تعويضا عن قلب لم تناله
غبي .. غبي!!)
غادرته.. لتتركه وجرح قلبه يتعمق ويتعمق ويتعمق طوليا وعرضيا وفي كل الاتجاهات
قلبه ممزق
ممزق تماما
تــمــامــا
****************************
بيت عبدالله بن مشعل
الأصيل
بعد صلاة العصر بساعة
سيارة فارس تدخل لداخل السور وراكان يجلس إلى جواره
موضي في صالة البيت الرئيسية
تسلم على عائلتها المتواجدة بكاملها بدءا من جدتها ووالدها
حتى ريم وأبناء لطيفة
والدها وهو يحتضنها همس في أذنها: لا تحاتين شيء يا أبيش
أنا بكرة بأقدم لي على فيزه وبألحقش أول ما تخلص
موضي وضعت كفها على خده وهي تقبل خده الآخر وتهمس له بحب عميق ممزوج بالاحترام:
مافيه داعي فديتك تتعب روحك.. السالفة كلها يومين ونرجع
جدتها همست بقلق: تكفين يأمش خلي هيا تكلمني أول ماتوصلين
لطيفة احتضنت كتف جدتها وقبلت رأسها وهي تقول لها بخفوت:
تلاقينها حامل يمه.. وولد ولدش احتاس ما عرف وش اللي فيها
عينا هيا الكبيرة التمعت بفرح وهي تهمس للطيفة: ظنش كذا يا لطوف؟؟
لطيفة بتأكيد كاذب حتى تطمئن جدتها القلقة: ظني وأبو ظني بعد
موضي تقبل والدتها وتهمس لها: يمه لا تنسين
ترا قطرة جدتي ماعاد باقي فيها إلا شوي يالله تكفيها لبكرة
أرسلي حد يجيب لها..
والدتها تحتضنها بعمق: لا تحاتين مشاعل منتبهة من البارحة وتقول بتروح تجيب لها بنفسها
موضي تتأكد من إرخاء عباءتها وشيلتها وأن لا شيء يظهر منها
تتنهد بعمق وتوجس وقلق وعشرات المشاعر المتضاربة تتقاذفها كريشة في خضم عاصفة هوجاء
لتخرج مع والدها وشقيقها سلطان للسيارة التي تنتظرها خارجا
وسلطان يسحب حقيبتها الصغيرة خلفه بعد أن أقسم ألا يحملها أحد سواه
سيارة راكان
الحوار الصادم الدائر بين راكان ومشعل
مشعل باستعجال: اسمعني راكان
مابي أي حد يدري بشيء
لا تروعهم على غير سنع
ترا حتى موضي ما تدري.. قلت لها هيا تعبانة وأني احتست فيها وأبيها تجي
لما تصير معك في الطيارة بلغها
راكان بنخوة: خلاص يا ابن الحلال تم
خلني الحين أشوف حجز مستعجل
****************************
بعد صلاة العصر بقليل
بيت عبدالله بن مشعل
لطيفة تدخل غرفة موضي وهي مقطوعة الأنفاس تدخل لتلقي بنفسها على السرير وتهمس بصوت مبهور الأنفاس:
وش فيش روعتيني؟؟ هذا أنتي طيبة.. وش صاير عشان تقولين لي خلي كل اللي في يدش وتعالي الحين الحين
موضي التي كانت تنقل بعض ملابس دون تفكير لحقيبة صغيرة همست بنبرة غير محددة الملامح: بأسافر لندن الليلة مع راكان
مشعل يقول هيا تعبت عليه.. ويبيني أجي وبيقول لراكان يجيبني
لأنه راكان عنده فيزة مفتوحة.. وأنا عندي فيزة مابعد استخدمتها
لطيفة برعب: وش فيها هيا؟؟
موضي بنبرة ميتة فعلا: مشعل طمني يقول إنها إن شاء الله بخير
بس هو خايف عليها شوي
لطيفة بارتياح: الحمدلله
ثم أردفت بنبرة اهتمام: زين يوم إنها طيبة.. ليش أنتي كنه مات لش حد؟؟
موضي بذات النبرة الخالية من الحياة: لطيفة أنتي سامعتني أو لا؟؟
أقول لش بأروح مع راكان
لطيفة ابتسمت: زين وش فيها؟؟ تكونين رايحة مع ولد الجيران تمشية
رايحة مع رجالش عشان أخيش طلبش.. وش فيها؟؟
موضي بدأت نبرتها تتغير وتهتز: أخر ماعندي أبرد ماعندش
تستعبطين أنتي؟؟
لطيفة تنهدت: ياقلبي يا موضي.. أنتي الحين وش اللي مضايقش؟؟
راكان على ضمانتي إنه ما يضايقش بأي شيء
موضي تبحث لها عن حجة: والناس وش بيقولون علي؟؟ تملكت أمس وسافرت معه اليوم
لطيفة بهدوء: ماحد بقايل شيء.. واللي بيقول يضرب رأسه في الطوفة.. واللي عنده ريال يقطعه..
دامش ماسويتي شيء غلط ولا حرام ولا منقود.. ماعليش من حد
ويالله خليني أساعدش ...أشوف وش خذتي في شنطتش؟؟
وهما في حوارهما رن هاتف موضي.. كان فارس..
موضي بتوتر: هلا فارس
فارس باستعجال: موضي أنا في مكتب السفريات.. راكان طلع لكم حجز بعد حوالي 3 ساعات.. وأنا جاي أخذ التذاكر.. اجهزي بسرعة
أنا اللي بأوديكم للمطار.. نص ساعة بالكثير أبيش واقفة بعباتش
موضي شعرت كما لو كانت ضُربت على رأسها بصاعقة: نص ساعة؟؟
فارس يغلق هاتفه وهو يقول باستعجال: خلصيني
موضي انهارت جالسة على السرير وهي تضع هاتفها بجانبها وتقول كأنها تحادث نفسها: فارس يقول نصف ساعة ونروح المطار
لطيفة باستعجال وهي تزيحها: أنا بأكمل ترتيب شنطتش
وأنتي طلعي عباتش وشوفي أغراضش الخاصة اللي تبينها
وكلمي مشاعل تجي تشوفش لا تسوي مناحة إذا درت إنش رحتي ما شافتش
موضي بتوتر: كنت أبي أتسبح
لطيفة تمسك بشعر موضي المبلول جزئيا وتقول باستغراب: شكلش توش سابحة
موضي بتوتر: كنت توني طالعة من الحمام وأبخر شعري يوم كلمني مشعل
لطيفة باستغراب: زين ليش تبين تسبحين مرة ثانية؟؟
موضي وهي تدور مرتبكة: أخاف حد يشم ريحة البخور بشعري
ضحكت لطيفة: تدرين إنش عبيطة.. دام إنش ما بخرتي ملابسش ولا تعطرتي ماحد بشام ريحة عطر فيش إلا حد يحط خشمه في رأسش دايركت
ثم أكملت وهي تغمز لها وتخبرها بالسبب الحقيقي لتوترها: راكان مثلا!!
*****************************
بيت ناصر
ناصر يدخل بعد صلاة العصر
كانت مشاعل تقرأ في مصحفها وهو يفتح الدولايب يبحث عن شيء لم يجده
طال الوقت وهو يبحث ولم يسأل مشاعل رغم أنها أنهت وردها وأغلقت مصحفها وكانت تنظر له
بينما هو كان يتجنب فعليا أن يسألها.. أصبح يكره مؤخرا إحساسه الدائم إنه في حاجتها.. فهي أصبحت تحكم قبضتها الحريرية على كل شيء
هي من تخرج له ملابسه.. تجهز له كل شيء.. تحضر الشيء قبل أن يطلبه
يشتهي شايا يجده أمامه.. يشتهي تناول شيئا حلوا يجده أمامه
يشعر بالبرد وهو يشاهد التلفاز يجدها تحضر له غطاء
وأصبح بالفعل يستغرب قدرتها الغريبة في استشفاف رغباته وحاجاته دون كلام
كان منحنيا قليلا حين اقتربت منه وهمست بالقرب منه: ناصر وش تدور؟؟
رفع رأسه بشكل حاد ومفاجئ ليضرب رأسه في ذقنها وتسقط هي بشكل عنيف للوراء وتصدر عنها أنة ألم خافتة
ناصر بقلق لم يظهر في صوته وهو يمد لها يده اليمين ويرخي ثقله على قدمه السليمة ويشدد احتضان يساره للعكاز: أنتي بخير؟؟
مشاعل تبتسم وهي تمسك بيده لتنهض: بخير مافيني شيء
رفعها عن الأرض بخفة وهو يشدها إليه.. ثم أراد أن يفلت يدها ولكنها لم تترك يده وهي تحتضنها بيديها الاثنتين
ناصر بهدوء: مشاعل فكي يدي.. هذا أنتي واقفة ومافيش إلا العافية
مشاعل لم ترد عليه وهي تنظر ليده السمراء الكبيرة القابعة بين يديها الصغيرتين الشفافتين
أحنت رأسها وطبعت على ظاهر كفه بالقرب من إبهامه قبلة عميقة شديدة الرقة
ناصر صُعق تماما.. شعر أن مشاعره نُسفت.. وبقلبه أعاصير هوجاء وشفتاها العذبتان تعانقان بشرة يده بحنو
رفعت رأسها لتلتقي عينيهما.. مازال ناصر غير قادر على الاستيعاب ورأسه يدور من تأثير قبلتها الكاسح على دغدغة مشاعره
بدت له قبلتها طويلة جدا وقصيرة جدا.. والحقيقية الفعلية التي ينكرها هو أنه تمنى ألا تنتهي هذه القبلة أبدا.. إحساسه بقربها اللاسع مدمر ورائع ومليء بالعنفوان
ولكن ردة فعله كانت أنه نفض يده من يديها وهو يبتعد ويهمس بقسوة:
أعتقد أني قلت لش قبل الحركات البايخة هذي مالها داعي
شعرت مشاعل بالألم... بالكثير منه.. الألم الشعور الذي اعتادته حتى أصبح مرافقا لها
لا تعرف يقينا ما الذي دفعها لتقبيل يده رغم أنها تعلم أن ردة فعله ستكون قاسية
شعرت أن مشاعرها تضغط عليها بعنف
(كيف بدأ يستولي على مشاعري بهذه الطريقة؟!!
هل أحبه؟!!
أحببته؟!!
ما أعلمه هو أنه يتغلغل في روحي بطريقة تملكية موجعة)
مشاعل صمتت وهي تتراجع لتجلس وناصر يكمل بحثه
أخيرا قال لها بهدوء مستفز: فيه ملف فيه أوراق للشغل ما أدري وينه
مشاعل نهضت وتوجهت لدولاب صغير في طرف الصالة مدت يدها فوقه وأعطته المفتاح وهمست: كل أوراق شغلك رتبتها هنا وسكرت عليها
ناصر بغضب: وأنتي من اللي سمح لش ترتبين أوراقي؟!!
وش ذا اللقافة اللي عندش
يعني إلا تدخلين نفسش في كل شيء حتى شغلي..
صرتي تدخلين في لبسي وأكلي قلت ماعليه.. ومشيتها لش..
بس لين شغلي وبس.. سامعتني
مشاعل بقيت واقفة كتمثال محنط حتى أنهى سيل غضبه غير المبرر عليها
وهكذا أصبح!! مجرد سيل كاسح من قسوة غير مبررة يحاول بها طمر مشاعره ناحيتها
كلما شعر أن افتتنانه بها يزيد كلما زاد في قسوته عليها
وكأنه بهذه القسوة يحمي نفسه من تسلطها على روحه ومشاعره
حينما انتهى من الصراخ وفتح الدولاب
توجهت لغرفتها وتمددت وتغطت
كانت تود أن تهرب من أمامه منذ بدأت طلقاته الكلامية في التدافع
ولكنها شعرت أن في هذا إهانة له واستخفاف به.. لذا ظلت واقفة أمامه تتلقى بصمت سيل كلماته الموجع حتى انتهى..
ثم غادرت لتسمح لقلبها المجروح أن ينزف
ناصر فتح الدولاب تفاجأ فعلا بدقة تنظيم كل شيء
لو بقي لعشر سنوات يرتب أوراقه لما نجح في ترتيبها بهذه الطريقة
شعر بالألم من أجلها وبالكراهية لنفسه
لم يكن يوما قاسيا هكذا
ولكن ماذا يفعل؟؟
القسوة أصبحت سلاحه الوحيد أمام قدرتها الغريبة على التسلل لما تحت جلده
كان غارقا في تفكيره وهو يقلب الأوراق التي أشغلته مشاعل عنها
رن هاتفان معا.. هاتفه وهاتفها
هو راكان
وهي موضي
هي خرجت من الغرفة.. وهو دخل
همست وهي تخفي وجهها عنه: بأروح لهلي.. موضي بتسافر الحين
ناصر باستعجال: وأنا بأروح للمجلس أشوف راكان قبل يسافر
***********************
واشنطن/ بيت يوسف
قبل صلاة الفجر
البارحة تعشيا معا بصمت.. تجنبا تبادل الحديث
فكلاهما مرهق بشدة وليسا بحاجة لفتح أي موضوعات قد تؤدي لنقاش حاد كلاهما في غنى عنه
وخصوصا أن أي حوار بينهما أصبح ينذر بمعركة وشيكة
حين أنهت العشاء غادرته وهو بقي في مكتبه في الأسفل يراجع أطروحته ليعيد تواصله معها وخصوصا أنه في مرحلته الأخيرة منها
باكينام صعدت
تنهدت بعمق وهي تنظر لنفسها في المرآة
كانت تبدو مرهقة فعلا ولكن غاية في العذوبة في فستان كاجوال بلون السماء
ارتدته بعد أن تحممت وصلت
(لم يكن هناك أي داع أن ألبس له أي شيء خاص
فهو لم ينظر لي مطلقا
أشك إن كان حتى لاحظ مالبست)
ولكن مالم تعلمه أنه نظر.. بل تفحص ..ومنظرها العذب الرقيق يحز في روحه المعذبة
ولم يكن تحججه بمراجعة الأطروحة سوى وسيلة للهروب منها وتأثره برقتها وحضورها الكاسح الموجع لمشاعره
كان يراقبها بشجن عميق وألم أعمق..وهي سارحة تقلب طعامها بشوكتها دون أن تتناول منه سوى أقل القليل
وفي عينيها يستوطن حزن شاسع..
ثم نهضت وغادرت وعيناه تشيعانها بوجع
ارتدت بيجامتها.. صلت ثم نامت فورا من شدة تعبها ودون أن تفكر بأي شيء
في منتصف الليل صحت من نومها على لفح أنفاس دافئة على وجهها وأنامل تلف خصلات شعرها في حلقات لولبية وتمسح أطراف وجهها
فتحت عيناها.. كان وجهه قريبا.. قريبا جدا منها
همست بضعف: يوسف سيب شعري
همس في أذنها بعمق وخفوت: اشششش
وهاهي الآن قبل صلاة الفجر تنتظره بعد أن خرج من البيت قبل أكثر من ساعتين بعد أن قضى ساعة كاملة وهو يستحم
تشعر بألم عميق.. عميق.. عميق
لا يمكن أن يكون لهذا الألم الذي تشعر به حدود أو مسافات
موجوعة وتشعر بإهانة مرة
أشعرها أنها رخيصة.. قذرة.. نجسة
مصطلحات جارحة لم تخطر بأسوأ أحلامها يوما
( أ لهذه الدرجة يراني قذرة؟!!
يستحم لساعة ثم يهرب من أمامي
ماذا فعلت حتى أستحق منه هذا المعاملة
يفكر الفكرة ثم يصدقها
أنا لست مجبرة أن أبرر له ذنبا لم أرتكبه
أنا لم أخطئ بشيء.. ولن أعتذر عن خطأ لم أفعله
ولكني متعبة من هذا الوضع
أنا أحبه فعلا بل أعشقه..لماذا كل ما بيننا معقد هكذا؟؟)
أذن الفجر وهو لم يعد بعد
صلت صلاتها ثم قررت أن تنزل لتنتظره في الأسفل
يوسف بعد أن صلى الفجر.. كان مرهقا فعلا ويريد أن ينام
لذا عاد للبيت.. كان يتوقع أنها قد تكون عادت للنوم لذا تفاجئ بوجودها جالسة على مقعد مقابل للباب
همس وهو يتجاوزها صاعدا للأعلى: تصبحي على خير
باكينام همست بحزن عميق: يوسف.. أعتقد أنو لازم نتكلم شويه
عاد وجلس على كرسي قريب منها وهو يشبك كفيه أمامه: نعم؟؟
باكينام بألم: أنت عندك شك أنك أول راجل يلمسني؟؟
يوسف يهز رأسه نفيا بثقة: لا طبعا..
باكينام بنفس النبرة النازفة ألما: أمال بتعمل كده ليه..؟؟
يوسف بنبرة عميقة وهو يسند ظهره للخلف: العزرية فكرة أعمق بكتير من مجرد حدود الجسد
أنا تأكدت إني أول راجل يكون جسمك ليه.. لكن هل أنا أول راجل يكون ئلبك ليه؟؟
تعرفي باكي.. أنا كان ممكن أسامح أي حب ليكي ئبل ما نتجوز
مع أنو فكرة إن مشاعرك تكون لأي راجل حتى ئبل ما أعرفك بتدبحني..لكن كان عندي استعداد أسامح..
لكن إنك تستمري تحبي حد بعد ما بئيتي مراتي..دا اللي مستحيل أسامحك عليه
صمت يوسف.. انتظر منها ردا.. ردا ما ينفي كل شكوكه..
كم هو مستنزف من الألم..مستنزف
يحتاج إليها أن تخبره أن كل ما برأسه هو محض شكوك لا أساس لها من الصحة
وأنها مثلما كانت له جسدا.. هي له روحا وتفكيرا وقلبا
يحبها
يحبها
اليوم هو في غاية اليقين أنه سيبقى يحبها حتى آخر نفس يتردد في روحه
ولكنه يريدها له كاملة غير مجزأة
يريدها له وحده جسدا وروحا
مستقبله وتفكيره وحياته تتعلق كلها على كلمة واحدة من بين شفتيها
ولكنها صمتت
صمتت
أسوأ أنواع الصمت وأبشعها
صمت يدينها في نظره
صمت يحرث قلبه بمناجل الغيرة والغضب واليأس والألم
باكينام وقفت بهدوء بارد وتجاوزته بهدوء أبرد
لتترك سكونا صقيعيا يغرق ساحة المعركة المنتهية خلفها
والصقيع يتسلل إلى القلبين ليلفهما بدثاره المتجمتد
(لن أريحك..
عش بشكك مادمت قد أرتضيت أن تفكر بي هذا التفكير
حتى بعدما منحتك جسدي ومعه روحي
يا لا غبائك..
يا لا غبائك!!
هل تفكر أني سأمنحك جسدي قبل أن أمنحك قلبي
أو ربما فكرت أني منحته لك تعويضا عن قلب لم تناله
غبي .. غبي!!)
غادرته.. لتتركه وجرح قلبه يتعمق ويتعمق ويتعمق طوليا وعرضيا وفي كل الاتجاهات
قلبه ممزق
ممزق تماما
تــمــامــا
****************************
بيت عبدالله بن مشعل
الأصيل
بعد صلاة العصر بساعة
سيارة فارس تدخل لداخل السور وراكان يجلس إلى جواره
موضي في صالة البيت الرئيسية
تسلم على عائلتها المتواجدة بكاملها بدءا من جدتها ووالدها
حتى ريم وأبناء لطيفة
والدها وهو يحتضنها همس في أذنها: لا تحاتين شيء يا أبيش
أنا بكرة بأقدم لي على فيزه وبألحقش أول ما تخلص
موضي وضعت كفها على خده وهي تقبل خده الآخر وتهمس له بحب عميق ممزوج بالاحترام:
مافيه داعي فديتك تتعب روحك.. السالفة كلها يومين ونرجع
جدتها همست بقلق: تكفين يأمش خلي هيا تكلمني أول ماتوصلين
لطيفة احتضنت كتف جدتها وقبلت رأسها وهي تقول لها بخفوت:
تلاقينها حامل يمه.. وولد ولدش احتاس ما عرف وش اللي فيها
عينا هيا الكبيرة التمعت بفرح وهي تهمس للطيفة: ظنش كذا يا لطوف؟؟
لطيفة بتأكيد كاذب حتى تطمئن جدتها القلقة: ظني وأبو ظني بعد
موضي تقبل والدتها وتهمس لها: يمه لا تنسين
ترا قطرة جدتي ماعاد باقي فيها إلا شوي يالله تكفيها لبكرة
أرسلي حد يجيب لها..
والدتها تحتضنها بعمق: لا تحاتين مشاعل منتبهة من البارحة وتقول بتروح تجيب لها بنفسها
موضي تتأكد من إرخاء عباءتها وشيلتها وأن لا شيء يظهر منها
تتنهد بعمق وتوجس وقلق وعشرات المشاعر المتضاربة تتقاذفها كريشة في خضم عاصفة هوجاء
لتخرج مع والدها وشقيقها سلطان للسيارة التي تنتظرها خارجا
وسلطان يسحب حقيبتها الصغيرة خلفه بعد أن أقسم ألا يحملها أحد سواه
أميرة بكلمتي- عضو راقى
- عدد المساهمات : 1832
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
صفحة 3 من اصل 5 • 1, 2, 3, 4, 5
صفحة 3 من اصل 5
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى